أقلام ثقافية

أقلام ثقافية

أخذتنا الكاتبة المتألّقة صباح بشير، في قصّتها الجديدة لليافعين "طريق الأمل، في رحلة مع عائلة وادعة، تتكوّن من الأم ريم والأب أكرم وابنهما أشرف.
انقلبت حياة أشرف رأسا على عقب بعد أن ألمّ المرض بوالدته، فغابت عنه بهجة الطّفولة الّتي كان يعيشها بين أحضان والديه، مستمتعا مع أمّه بلحظات جميلة في الحديقة بين الأزهار المتفتّحة والأشجار الخضراء.
لكنّ المرض اللّعين أصاب أغلى أحبّائه عليه، أمّه ريم، فأدخله في دوّامة من القلق. وعلى الرّغم من مرارة المرض، استطاعت الأمّ ريم أن تستمدّ القوّة من ابنها الصّغير أشرف ومن زوجها، بفضل الحبّ.
كان هذا الحبّ مصدر قوّة الأب الذي ساند زوجته وطفله، وهو الدّافع الذي حفّزهم على البقاء والصّمود والمقاومة، حتى انتصروا على المرض بعد رحلة علاج طويلة.
خلال تلك الرّحلة، قرّر أشرف، ابن العشر سنوات، أن يكون جنديّا في معركة الشّفاء التي خاضتها أمّه في صراعها مع مرض السّرطان.
أبدعت الكاتبة في شرح مرض السرطان لطفل في مثل سنّ أشرف، فاستخدمت تشبيها مبتكرا بقطع اللّيغو لتبسيط فهم طبيعة هذا المرض.
لم تكتفِ الكاتبة بالتّشبيه بقطع اللّيغو، بل شرحت طبيعة مرض السرطان من خلال حلم رائع، حيث قام أشرف برحلة إلى داخل جسم الإنسان، زار فيها أعضاءه وتعرف على أنواع الخلايا ووظائفها.
كما أبدعت بشير في تصوير التّفاعل الإنسانيّ مع المرض، مؤكّدة على أنّ الدّموع ليست دائما علامة ضعف، بل قد تكون تعبيرا صادقا عن الحزن ومصدرا للقوة.
أولت الكاتبة اهتماما كبيرا لأهميّة الدّعم المعنويّ للمريض، فأحاطته بمشاعر الحبّ التي تُعدّ سلاحه الأقوى في محاربة المرض، وركّزت على التمسّك بالأمل باعتباره الرّسالة الأهمّ التي سعت القصّة لإيصالها، خاصّة في ظلّ الظّروف الصّعبة التي يمرّ بها مجتمعنا، فالأمل والحبّ هما أعظم دواء للإنسان، وهل هناك أسمى وأعظم من هذه المشاعر؟
ولم تغفل بشير عن التأكيد على أهميّة اتّباع العادات الصحّية، فتطرّقت إلى ضرورة تناول الفواكة والخضار، وممارسة الرّياضة، وتجنّب التدخين والإفراط في استخدام الكيماويات.
كما تطرّقت إلى مصارحة الأطفال بالمرض ومشاركتهم تفاصيل هذه المرحلة، فهذا يشعرهم بأهمّيتهم، ويساعدهم على تقبّل الوضع، والمشاركة في تخطّي المحنة، حتى ولو بأدوار بسيطة.
سلّطت الضوء أيضا على دور المعلّم والمرشد التربويّ في التوعيّة الثقافيّة، وأبرزت أهميّتهما في حياة الطالب وأسرته، خاصّة عند مواجهة الأحداث الطارئة التي قد تغيّر مجرى حياتهم، وقد أسعدني استخدام الكاتبة لتشبيهٍ قويّ مستوحى من تراث الأرض الفلسطينيّة وهويّتها الأصيلة، عندما شبّه أشرف قوّة أمّه وصلابتها بصمود شجرة الزيتون، "ذهب فلسطين الأخضر"، قائلا: "أنت أقوى من المرض، وكشجرة الزّيتون صامدة ثابتة لا تُهزم".
أخيرا، تعدّ هذه القصّة رحلة ممتعة غنيّة بالمشاعر الإنسانيّة الدّافئة، تنتصر فيها في النهاية مشاعر الفرح والأمل.
لقد صاغتها الكاتبة صباح بشير بأسلوب أنيق وجرعة كبيرة من الأمل، قدّمت من خلالها طُرَقا للتعامل مع الأطفال وتعليمهم التوازن العاطفيّ والقبول والثبات والتحدّي للبقاء دائما على طريق الأمل.
صدرت القصّة عن دار سهيل عيساوي ونادي حيفا الثقافيّ، وتُظهِر أناقة الكتاب وجودة طباعته وخطّه وصوره التعبيريّة عناية فائقة من النّادي بهذا العمل الأدبيّ، فشكرا لنادي حيفا الثقافيّ، وشكرا للأستاذ فؤاد نقّارة الذي أهداني هذه القصّة القيّمة.
أتمنى للكاتبة صباح بشير المزيد من التألّق والعطاء.
***
إياد خليليّة

اصلاحية نورمبورغ العربية...امتحان التخرج
مدير الإصلاحية: الاسم؟
نزيل الإصلاحية: لا اعرف.
المدير: اسم الأب؟
النزيل: لا اذكر.
المدير : اسم الام؟
النزيل: نسيت.
المدير: مكان و تاريخ الإقامة؟
النزيل: لا اذكر.
المدير: عازب ام متزوج؟
النزيل: نسيت.
المدير: المهنة؟
النزيل: لا اعرف.
المدير: علامات فارقة؟
النزيل: لا اذكر.
المدير: فئة الدم؟
النزيل: نسيت.
المدير: الوضع المادي؟
النزيل: لا اعرف.
المدير: الامراض التي اصبت بها من قبل؟
النزيل: نسيت.
المدير: متى استُعْمرت الدول العربية؟
النزيل نسيت.
المدير: ما هي اشهر معارك العرب في العصر القديم؟
النزيل: لا اعرف.
المدير: في العصر الحديث؟
النزيل: لا اذكُر.
المدير: في العصر الوسيط؟
النزيل: نسيت.
المدير: من هو خالد بن الوليد؟
النزيل: لا اعرف.
المدير: طارق بن زياد؟
النزيل: لا اذكر.
المدير: الزير أبو ليلى المهلهل؟
النزيل: نسيت.
المدير: متى وقعت معركة القادسية؟
النزيل: لا اعرف.
المدير: اليرموك؟
النزيل : لا اذكر.
المدير: حطين؟
النزيل: نسيت.
المدير: من هو المتنبي؟
النزيل: لا اعرف.
المدير: أبو العلاء المعري؟
النزيل: لا اذكر.
المدير: أبو خليل الفراهيدي؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هي المعلقات السبع؟
النزيل : لا اعرف.
المدير: لماذا كانت تعلق على جدار الكعبة؟
النزيل: لا اذكر.
المدير: اين كانت تعلق؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هي المذاهب الأدبية للوطن العربي؟
النزيل: لا اعرف.
المدير: عدد الأحزاب؟
النزيل: لا اذكر.
المدير: عدد المذاهب؟
النزيل: نسيت.
المدير: متى ولد عبد الناصر؟
النزيل لا اعرف.
المدير: متى مات؟
النزيل: لا اذكر.
المدير : من هو عبد الناصر؟
النزيل: لا اعرف.
المدير: متى خرج آدم من الجنة؟
النزيل: لا اعرف.
المدير: من هو آدم؟
النزيل :لا اذكر.
المدير: من هي حواء؟
النزيل: نسيت.
المدير: ماهي البرجوازية؟
النزيل: لا اعرف.
المدير: الرأسمالية؟
النزيل: لا اذكر.
المدير: الاشتراكية؟
النزيل: نسيت.
المدير: من اول انسان نزل على سطح القمر؟
النزيل: لا اعرف.
المدير: ما هو القمر؟
النزيل: لا ادري.
المدير: ما هي النجوم
النزيل: نسيت.
المدير: ما هو المطر؟
النزيل: لا اعرف.
المدير: ما هو الربيع؟
النزيل: لا اذكر.
المدير: ما هي الفصول الأربعة؟
النزيل: لا اعرف.
المدير: ما هي الجهات الأربعة؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هو البحر؟
النزيل: لا اعرف.
المدير: ما هو الهواء؟
النزيل: لا اذكر.
المدير: ما هو الاوكسجين؟
النزيل: نسيت.
المدير: و الان ما هو وزنك؟
النزيل: لا اعرف.
المدير: طولك؟
النزيل: لا اذكر.
المدير: لون الشعر و العينين؟
النزيل: نسيت.
المدير: عظيم، مدهش ، تجربة رائعة لا تُصَّدق. هل معنى ذلك انك لم تعد تذكر أي شيء على الاطلاق يا نبي؟
النزيل: نعم ، باستثناء كلمة صغيرة.
المدير: ما هي؟
النزيل: فلسطين.
المدير: فلسطين! اعدام
النزيل: شكراً.
المدير: قف بعيداً عند مسافة مئة كيلومتر
النزيل: وواحد.
المدير: من أي قرية انت يا بني؟
النزيل: لا قرى عندنا.
المدير: من أي مدينة؟
النزيل: لا مدن عندنا.
المدير: من أي شعب؟
النزيل: لا شعوب عندنا.
***
التالية: 12/ (مكوك الفضاء العربي).
عبد الرضا حمد جاسم
..........................
* من كتاب: سأخون بلدي لمحمد الماغوط

 

مهداة إلى صديقي ع. ر.

اتصل بي صديق "عزيز" عرفته منذ أكثر من عشرين سنة درسنا مع بعض في أصعب فترة سنة 95-98 ثم انضم إلى سلك الشرطة وهو إطار سام فيها..صديقي ذكرني بالبدايات الأدبية في سنوات الجمر وصديقي عزيز كاتب وموهبة أدبية أحالتني هذه الدردشة على مبدعين كبار خدموا جهاز الشرطة وفي نفس الوقت تركوا لنا أعمالا سردية خالدة ومنهم الروائي الكبير:
1- حفناوي زاغر من مواليد عام (1927-2018) بالمخادمة بسكرة عميد اول شرطة.
وينتمي إلى أسرة تعتبر من أثرياء القرية لما تتوفر عليه من نخيل ومياه السقي – وأغنام – يتكفل بها في القرية عدد من الخماسين والحراس- أما الأغنام فيتولى أمرها رعاة في صحراء المنطقة.
التعليم: للأسرة مدرسة خاصة لتعليم أبنائها القرآن، إنتُدِبَ لها معلم خاص تمكنتُ من خلالها حفظ ثلاثين حزبا من القرآن.
التربية والتعليم: إنتقل سنة 1945 إلى مدينة بسكرة لتعلم اللغة والأدب والفقه على يد الأستاذ الشيخ النعمي ومن هناك إتخذت مع مجموعة من أبناء القرية تطلع إلى التعلم في الزيتونة بتونس.. إلتحق بها سنة 1946.. سُجل مباشرة بعد إمتحان تجريبي في السنة الثانية تكميلي.. وكان أن تخرج منها بشاهدة التحصيل 1951.
ثم تابع الدراسة في مراحل لاحقة فتحصل على الدبلوم في علم النفس ثم ليسانس في القانون.
الإهتمامات: كان يميل منذ النشأة الى الأدب نثرا وشعرا فكان أن حفظ كثيرا من نصوص الشعر الفصيح وكان يقرأ الروايات والقصص ويقتني بلهفة كل ما تيسر له من كتب حتى تجمع لديه ما يفوق 2600 كتاب وكان ان تبرع ب 2400 كتاب لإدارة السجون بالحراش في 15 مارس 2011.
الإنتاج: ابتدأ بنظم الشعر.. فألف مجموعة من القصائد لكنه لم أكن راض عن جلها، الأمر الذي جعله يشرع في كتابة القصة القصيرة؛ فالطويلة.. وحصل أن ألف رواية سنة 1952 بعنوان إبراهيم ثم مجموعات كثيرة من القصص القصيرة والطويلة والروايات قبل الثورة وبعدها، حتى بلغ مجموع ؛ إنتاجه الأدبي :
- مجموعتان قصصيتان: (أشواق) و(أشجان).
- قصص طويلة: (فتضحك الأقدار) و(صلاة في الجحيم) وحكاية ( قدسية).
- وتسع روايات طويلة: الزائر – ضياع في عرض البحر – الفجوة – المكنونة – نشيج في الجراح – عندما يختفي القمر – الشخص الاخر – خطوات في إتجاه آخر – الإبحار نحو المجهول من جزئين.
لقد استغل بعض تلك الروايات دراسات في التخرج الجامعي: الفجوة – ضياع في عرض البحر، إستغلت مرتين المكنونة – موضوع الإغتراب في رواياته كما إستغلت عندما يختفي القمر، في إعداد رسالة دكتوراه.
2- العميد ناجي أنس:
و منهم أيضا العميد ناجي أنس مدير العلاقات العامة والإعلام بمديرية أمن الإسكندرية، وهو في نفس الوقت من نجوم المجتمع السكندرى لكونه أديباً وكاتباً ومفكراً وفناناً وشاعراً، وهو عضو اتحاد كتاب مصر والاتحاد الدولى للصحافة وجماعة الأدب العربى، وعمل مستشاراً أمنياً وقانونياً لمكتبة الإسكندرية. ألف أنس العديد من الكتب 18 كتابا..
3- اللواء حسن فتح الباب:
ولا ننسى أيضا الكاتب والشاعر المصري حسن فتح الباب(1923-2015) الذي ترقى لرتبة لواء في جهاز الشرطة .
الشاعر حسن فتح الباب الذي بدأ رحلته التعليمية حتى حصل على درجة الدكتوراه في القانون الدولي من كلية الحقوق، بجامعة القاهرة، وقد عمل بعد تخرجه في سلك الشرطة، وكان آخر المناصب التي تقلدها مدير القضاء العسكري بوزارة الداخلية ثم تقاعد بعد ترقيته إلى رتبة لواء عمل في أثناء الوظيفة أستاذاً جامعياً في مجال تخصصه، وأسهم بمحاضراته وكتاباته وشعره خلال فترة عمله بالجزائر أستاذاً للقانون الدولي والعلوم السياسية بكلية الحقوق بجامعة وهران, وفي حركة التعريب وفي النهضة الثقافية والأدبية واختير عضواً منتسبا باتحاد الكتاب الجزائريين.
فرجل الشرطة أقرب للإبداع لأنه يعيش الواقع الإنساني في لحظات سموه وانحداره ويعرف حقيقة النفس البشرية التي تتجاذبها نوازع الشر والجريمة فعندما يكتب يحول هذا الواقع إلى عمل متخيل في قمة النضج والرقي.
***
الكاتب: شدري معمر علي - الجزائر

 

الزهيري كما هو معروف، من ألوان الشعر العربي في العراق، وعدد من الأقطار العربية. وقد شاع نظم الزهيري باللهجة العامية. وينتعش الان في الديرة من ريف اطراف جنوب الموصل، والشرقاط، نظم الزهيري بالعامية بشكل ملحوظ، لما له من ايقاع خاص في وجدان المتلقي، وما يتركه من اثر واضح في تحريك شجن السامع، وخاصة اذا ما كان النص مكتضا بمفردات تراثية جذابة، يلتقطها الشاعر بتلقائية سلسة، وعفوية رشيقة، وحس مرهف، من صميم دارج لهجة القوم عند نظمه الشعر الشعبي.

ولعل اقتدار الشاعر في استنبات مرموزاته الشعرية، كواحة غنّاء من تجليات تلك المفردات لحظة استيلاده النص، يمكّنه من ايقاد حس متلقيه وجدا، في تفاعلهم مع صور تلك المرموزات المنسابة في قريضه الشعري، حيث تستهويهم المفردات التراثية الشعبية المدسوسة عمدا في داخل بنية النص، بدلالاتها الإيحائية، وما يترتب عليها من تجليات متدفقة في أذهانهم.

ولا غرابة في ان يتميز البعض من شعراء الديرة في توظيف المفردة الشعبية في بنية نصوصهم بمهارة عالية، ويفلحون في استفزاز وجدان المتلقين من اصحاب الذوق الرفيع، في وسطهم الأدبي الشعبي. فالشاعر الشعبي هو نتاج قروي النكهة، في العادات، والسلوك، والاندماج الوجداني مع ربعه الآخرين، وبالتالي فان انجذابه إلى ثقافة وتقاليد الريف، تظل من دون شك عاملا مؤثرا، في تكوين نمط أسلوبه الشعري، باعتبارها خميرة تلك النشأة الماثلة في مخيلته، والمستوطنة في وجدانه، حيث تنعكس بنظمه الزهيري وغيره من الوان الشعر انثيالات تخاطرية بحس مرهف، وفي جو من رومانسية متجانسة مع ارهاصات تلك البيئة.

وقد تجلت فحولة البعض من شعراء الديرة بنظم الشعر العامي في تمكنهم من توظيف المفردة العامية التراثية في نصوصهم بأعلى درجات البلاغة، مع ان الكثير منها قد اندثر، وخرج من دائرة الاستخدام اليومي بالحداثة مع الزمن. ويمكن ان نتلمس جماليات التوظيف الابداعي للمفردة الشعبية في نصوص الزهيري المعاصرة بسهولة، حيث نجد على سبيل المثال، ان الشاعر احمد علي السالم (ابوكوثر)، قد نجح في توظيفها بمهارة عالية في الكثير من نصوصه التي منها قوله:

راحن ليالي السعادة ياحمد ما يجن

رمدن عيوني وعكب كت الدما ماي اجن

افطن عليهم ويوجعني الجرح مايجن

ليلي عليهم وادور للجرالي طب

والسكم هدم اركاني وعلى عظامي طب

راحوا الجانو طبعهم يزرعون الطيب

عفية على العقل صاحي ياحمد وما يجن....

في حين نجد ان الشاعر المبدع عواد التبان هو الاخر يوظفها في نصوصه بشكل مدهش، كما يتضح في بيت الزهيري التالي من نظمه حيث يقول:

مر دار خلك حزين غروب ول بيـــــــــــها

وحرم لبنــــــــــها ولذيذ الزاد ولبيــــــها

مبيـــــــن عليها عكب خلانها البيــــــهه

الجانوا ونسها وهرجها وضولها وعنها

اكفوا.. وزادوا ونين ارويحتي وعنــــها

يالمذهب.. دواك صدج بالبعد عنـــها

عكب الغــــــوالي هجام الدار والبيـــــها......

اما الشاعر الفحل في نظم الزهيري، الاديب المبدع بيج الماجد، فقد برع بحق في التوظيف بشكل مذهل حيث يقول:

واني بطمطام همي بروجهم.. ماجوا

الجانوا ذرايه شعجب من دلهمت ماجوا

ميهم لغيري حلو..ويوم اعطشت ماجوا

دمّوا ابيار المودّه.. وضاع ماصلها

وكاس المفارك بسم الداب ماصلها

الدار الجفتني حرام الحرم ماصلها

مادام ناديت.. واني بالخطر ماجوا....

ومن دون الخوض في تفاصيل المفردات التراثية الشعبية الموظفة في تلك النصوص ببراعة، يلاحظ المتلقي، والقارئ، والناقد، ان القفلات فيها هي خير امثلة على ابداع التوظيف.

***

نايف عبوش

وأنا في العاشرة من عمري كنت أتلهف لشراء جريدة الشعب وكبر هذا الشغف والولع بالصحف والمجلات وفي مكتبة المدينة "عمر خوجة" عرفت الأهرام والبرافدا الروسية والشرق الأوسط والفبس ومجلات العربي والمستقبل وروز اليوسف والجيل كنا نستمد غذاءنا الفكري المتنوع من هذه الإصدارات الهامة، كانت تربطنا بالعالم وما يحيط به وبداية العشرينيات بعدما كنت أقرأ لكتاب عرب كبار يكتبون أعمدتهم على هذه الصحف والمجلات صرت أنا واحدا منهم أكتب وأنشر مقالاتي باستمرار وبعدها بسنوات كتبت اعمدة لصحف يومية وأسبوعية استمرت مدة طويلة كان عبق الورق يثير في أعماقي اشجان الذكريات ولكن للاسف مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي هاجر القراء الصحف الورقية إلى القراءة الالكترونية فيحمل الجريدة على هاتفه أو يقرأها من الموقع فيربح بعض المال يقتصده خاصة مع ظروف الحياة الصعبة وقررت كثير من الصحف الكبيرة ذات التاريخ العريق لأسباب مادية وعزوف القراء عن شرائها فكان قرار التوقف عن الصدور الورقي قرارا صعبا على الكتاب والأوفياء من القراء الذين يفتحون أعينهم كل صباح على جريدتهم المفضلة فيسبحون في عوالمها الفكرية والثقافية مع ارتشاف جرعتهم من قهوتهم..
يقول الدكتور المعز بن مسعود، الأستاذ الجامعي والباحث في علوم الإعلام والاتصال بالجامعة التونسية، في دراسة نشرها "مركز الجزيرة للدراسات" : "في السادس من ديسمبر من العام الماضي، أن عدد مستخدمي الإنترنت بلغ في العام 2015 نحو 140 مليون مستخدم عربي بينما لم يكن يتجاوز العدد حاجز 600 ألف مستخدم في العام 1997، وعلى النقيض فإن الصحف الورقية بدأت في التقليل من نسخها المطبوعة، ففي مصر -على سبيل المثال- انخفض عدد النسخ الورقية المطبوعة إلى 800 ألف نسخة فى عام 2015، بعد أن كان يقدر بنحو مليوني نسخة في عام 2010، وفى لبنان توقفت صحف كالسفير والنهار واللواء، نظرا للأزمات السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد "(1)
مع هذا الواقع المرير غابت كثير من الصحف أو قللت من أعدادها ولجأ الكتاب إلى النشر الالكتروني ولم يبق من الورق إلى أريج ذكرى زمن ولى وفات.
***
الكاتب: علي شدري معمر - الجزائر
.........................
هوامش:
1- أشرف السبع، هل بات اختفاء الصحف الورقية مسألة وقت؟ مدونات الجزيرة.

 

لا يُقدم عبد الجبار الرفاعي في كتابه الجديد، درساً في التواضع والمحبة فحسب، إنما يَقْلِب معادلة تقليدية من معادلات حياتنا، ويعيد صياغتها من جديد، وفق مبدأ الفهم والثناء والرهان على الجيل الجديد حاضراً ومستقبلاً. ومنذ بدء صفحات كتاب: «ثناءٌ على الجيلِ الجديد» يعترف بما يندر سماعه من الكبار، بأنه تعلم من أبنائه أكثر من آبائه، وتعلم من تلامذته أكثر من أساتذته، وبذلك يُنحي مقولة صراع الأجيال جانباً، ويستبدلها بفكرة الاستثمار في الجيل الجديد، فخريطة المستقبل كما يراها يرسمها الضوء في أحلام الشباب.
وعلى غرار كتبه في علم الكلام الجديد، والدرس الفلسفي، وفلسفة الدين التي يرفع لوائها في المشرق من خلال مركز دراسات فلسفة الدين، ومجلته: «قضايا إسلامية معاصرة»، فإن لغته تتسم بطراوتها وليونتها وطلاوتها ونضارتها التي هي من نضارة وجهه المضيء بالهدوء والاطمئنان، وقلبه المشرق بالمحبة، وروحه المتوهجة بالنور الإنساني الذي تتخطى مدياته الحدود الوهمية المُصطَنعة بين البشر من كل الأعراق والأديان، وهو لا يتوجه إلى انسانٍ بعينه، بل كأنه يخاطب كل إنسان بصفته إنساناً يمكن الدخول إليه من وجهه فــ «الوجهُ نافذة الدخول الأولى إلى الإنسان، وهو من أهم نوافذ الدخول إلى مشاعره وقلبه». فضلاً عن ذلك فإن الرفاعي لا يكتب تجريدات نظرية ملفوفة بغلاف اللغة الثقيلة مهما كان موضوعه معقداً، فهو دائماً ما يسترشد بتجربته العملية وسيرته الطويلة الُملهمة التي تذكرنا بالسيرة الذاتية الموجزة العميقة الصادقة التي كتبها فيلسوف الشك واليقين أبو حامد الغزالي قبل نحو تسعة قرون في «المنقذ من الضلال»، وما كان عبد الجبار الرفاعي ليصل إلى يقينه الذي ثبت عليه إلَّا بعد معاناة قاسية، وجدٍ روحي، وشكوك فكرية، وتجارب عملية حَطَّت به من رحالٍ إلى استقرارٍ، ومن استقرارٍ إلى رحالٍ، حتى انتهى به المطاف أخيراً إلى الاستثمار الصعب في الحُبّ، ومنه "الثناء على الجيلِ الجديد" بالفهم والرحمة والمحبة، منطلقاً من رؤية شخصية من دون أن يُحَّمل كتابه "شعارت تحريضية ولا دعوات تعبوية ".527 refaie
د. طه جزّاع – كاتب أكاديمي

 

بحس مائي شفاف وبدرجات البني المحروق تتراءى ملامح الشخوص والوجوه المتماهية مع الأثر الباقي والمتبقي من فجر يوم تتطاير أوراق الخريف فيه وتتشابه مع طيور مهاجرة وعيون حائرة لم تعد تبصر الطريق وصار الحدس رفيقا وصديق هي لوحة محمد ديوب بحس أحادية ونكهة تعبيرية لا تشوشها كذبة الألوان وتؤكد عبر ذاك الحس العفوي والتلقائي أن مبدعها شاعر وفنان فهو يستقصي تواترات الضوء المنعكس من عمق مكنونات ذاته ومكوناتها الشفافة والمرتد عن تلك الوجوه العائمة والغائمة فوق سطح كالماء وكالهواء لتتحد عبر ذاك النفس الأحادي بكل ما يسبح حولها ويغوص خلفها من مفردات وأجزاء هي ريشته وفرشاته يتواصل إيقاعها مع نبضات الروح لتبوح بكل ما يختلج في فؤاده من جروح ولترسم معزوفتها عبر وجوهه المفككة والمبعثرة والمعاد ربطها وفق إيقاع يبدأ بإحدى مكونات الشكل وإحدى أجزاءه لينتهي بالكل عبر غنائية تغني وتغتني من خلال خطوطه المتقطعة والمتقاطعة مع من سلفه في المهد ونسب إلى التعبيرية الألمانية بغير وعي أو قصد (ملك التلاشي مروان قصاب باشي) ومع ذلك البعد النفسي الذي تترجمه ارتعاشات الفرشاة عند حدود تلك الانعكاسات الضوئية الخافتة في أجواء (رامبرانت) تلك هي لوحة فنان تمكن من أدواته وصارت لعبة الفن شغله الشاغل مدى حياته فجرب بالزيت والماء وعبر تقنية الأحبار .. أما وقد حرض السؤال ذاته بذاته فيمكننا ان نطرحه دون أي حرج مما يخفيه ومن مرماه ودلالاته وهو موجه لمحمد ديوب وباختصار - الى أين؟! وأي تفرد تبغيه في وسط صارت نار الحيرة تكويه ؟! لازالت لوحتك مفتوحة للكثير من التأويلات ولازلت تصور من خلالها نبضات روحك وجروحك بالذات .. قد يكون جوابي الذي تقدم هو جوابك أيضا عن تلك التساؤلات.520 hussein saqur
الفينيق حسين صقور

 

لا يوجد فن يحافظ على الهوية الثقافية للمجتمع مثل الأدب فهو مرآة الأمة ترى فيها ثقافتها وهويتها وتقاليدها واعرافها، يعكس آمالها في التطلع إلى المستقبل وآلامها في لحظات الانكسار والهزائم والتراجع الحضاري ...لهذا فالمسؤولية كل المسؤولية ملقاة على أصحاب الكلمة النورانية الصادقة فيتخذون من الأدب وسيلة للتعبير عن هوية الأمة وقيمها ومبادئها فيكون الأدب رسالة فنية جمالية خالدة تشع بالصدق ..
وقد بينت الدكتورة سهام بن شعبان " تأثير الأدب في تشكيل الهوية الثقافية في هذه التقاط :
1. حفظ التراث الثقافي: يعتبر الأدب وسيلة للحفاظ على التراث الثقافي ونقله من جيل إلى جيل. من خلال القصص والروايات التي تروى في الأدب، يتم توثيق تجارب الشعوب وتاريخها وقيمها، مما يساعد في تعزيز الهوية الثقافية والانتماء للمجتمع.
2. تعزيز التفاهم الثقافي: يعمل الأدب على توسيع آفاقنا وتعميق فهمنا للثقافات المختلفة. عندما نقرأ قصة أدبية تنتمي لثقافة أخرى، نتعلم عن تجارب الآخرين ونكتشف تشابهاتنا واختلافاتنا. هذا التفاهم الثقافي يسهم في تخطي الحواجز وبناء جسور التواصل بين الثقافات المختلفة.
3. صورة الذات والهوية الشخصية: يساعد الأدب الشخص على تشكيل صورة ذاته وهويته الثقافية. من خلال الشخصيات والقصص التي يتعرض لها في الأدب، يمكن للفرد أن يرى نماذج للهويات المختلفة ويعيش تجاربها بطريقة افتراضية. هذا يساعد في تعزيز الوعي الذاتي وتعميق الانتماء لثقافته الأصلية.
4. التحول الاجتماعي والثقافي: يمكن للأدب أن يلعب دورًا حاسمًا في تحقيق التحول الاجتماعي والثقافي. عبر روايات وقصص الأدب، يمكن تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والثقافية المهمة وتحفيز التغيير والتطور. يمكن للأدب أن يكون وسيلة للمقاومة والتعبير عن الهوية الثقافية المهمشة"(1)
فعلى االامة أن تشجع الأدباء وتعطيهم المكانة اللائقة حتى يحسنوا التعبير عن هويتها فهم جنود بأقلامهم يحافظون على أمنها الثقافي والفكري ويكونون جدارا منيعا ضد كل اختراق ثقافي اجنبي يهدد هويتها الحضارية.
***ش
الكاتب: شدري معمر علي - الجزائر
........................
هوامش
1- الدكتورة سهام بن شعبان، تأثير الأدب في تشكيل الهوية الثقافية، إشبيلية نيوز.

 

بقلم: لويز كينيدي

ترجمة: د.محمد عبدالحليم غنيم

***

لويز كينيدي تتحدث عن العزلة السعيدة في غرفة الكتابة في حديقتها الخلفية

***

اشترينا منزلنا في عام 2007. كانت المالكة السابقة من هؤلاء الأشخاص الذين الذين يديرون ظهورهم لك عندما تمد يدك، وقد حولت مبنى خارجي بسيط للغاية إلى عيادة صغيرة أنيقة بها كهرباء وتدفئة ومياه جارية. كانت الجدران معزولة والسقف مغطى بألواح من خشب الصنوبر. تمت إضافة هيكل خشبي إلى الواجهة، وهو عبارة عن قاعة مدخل من نوع ما، إلى جانب مرحاض.

في الأسبوع الذي انتقلنا فيه إلى المنزل، سألني زوجي: "فيم سنستخدم هذا السقيفة ؟" أخبرته أنني خططت لكتابة كتب جريئة هناك، وهو ما وجده مضحكًا للغاية؛ فقد كنت طاهية ولم يتعدَّ مجال كتابتي قوائم التحضير وقوائم الطعام.

ولعدم وجود شيء أكثر إثارة، وضعنا غسالة ومجففة الملابس هناك، لكن أنبوبًا انفجر خلال موجة برد واضطررنا لحفر الأرضية. بعد ذلك، امتلأت السقيفة بأشياء مثيرة للجدل—أشياء اعتقدت أنها مجرد خردة بينما رآها زوجي مفيدة—إضافة إلى أدوات الحديقة المعتادة، وعلب الطلاء نصف الفارغة، ودراجات الأطفال.

بدأت الكتابة في عام 2014. في السنة الأولى تقريبًا كنت أتجول من غرفة إلى أخرى، محاولًة الابتعاد عن زوجي وأطفالي لأكتب القصص الومضية، والقصص القصيرة، وقطعًا صغيرة من المذكرات. بدأت المسودات المطبوعة والدفاتر تتكدس. لا بد أن الوضع كان سيئًا، لأن زوجي، الذي لا يُعرف عنه ميله إلى الترتيب والنظام ، اقترح أن أنقل نفسي وأوراقي إلى السقيفة. قمنا بتنظيفها، ونقلنا غسالة الملابس إلى داخل المنزل، وأنفقنا 50 يورو على أرضية من إيكيا، كانت مناسبة جدًا لأنها مصنوعة من ورق مُعاد تدويره. الآن أصبح لديّ سقيفة للكتابة، مما جعلني أشعر بطريقة ما بأن لديّ عملًا؛ أنه حتى لو لم يدفع لي أحد أبدًا، فأنا كاتبة.

إن امتلاك غرفة خاصة بك هو بمثابة هدية، على حد تعبير فرجينيا وولف. ومن الرائع أيضًا أن يكون هناك مكان لوضع كل تلك الأوراق.

لقد كتبت مسرحية هناك أثناء فترة عيد الميلاد المجيد التي شهدت ثلاث عواصف متتالية أطلق عليها أحد العاملين في مكتب الأرصاد الجوية اسم ديزموند وإيفا وفرانك. بدأت في إرسال أعمالي إلى المجلات الأدبية والمسابقات. التحقت ببرنامج الماجستير في الكتابة الإبداعية وعملت على أطروحتي من الصباح الباكر حتى الليل. وقد أدى الماجستير إلى الدكتوراه وساعات من قراءة المقالات الأكاديمية. لم يكن كل شيء ورديًا.

قبل أسابيع قليلة من موعد تقديم أطروحتي، تركت المفتاح في الباب فجاء لصّ في الليل وسرق جهاز اللابتوب. بعد أن غادرت الشرطة، نظفت بقايا مسحوق البصمات وجلست للعمل، لكن كان من المزعج التفكير في غرباء يتحركون داخل المكان الذي أصبح مكاني الخاص. استغرق الأمر بضعة أسابيع قبل أن أعود إلى هناك مجددًا. وفي الشتاء التالي، دخلت الفئران إلى السقف—وأنا لدي خوف غير مبرر من هذه المخلوقات الصغيرة—فأخذت أغني بصوت عالٍ وأنا أكتب لأغطي على صوت الخدش.

"أثناء الوباء، شعرت أنني أسعد امرأة في أيرلندا."

أثناء فترة الوباء، شعرت بأنني أسعد امرأة في أيرلندا. في ظل غياب أي شيء آخر للقيام به، أنهيت مجموعة قصصية بعنوان نهاية العالم هي طريق مسدود، وأعدت كتابة روايتي تعديات عدة مرات، وكتبت أطروحة الدكتوراه الخاصة بي، وقمت بعدد لا يحصى من اجتماعات الزوم على مكتبي. كنت مشغولة للغاية لدرجة أن عندما بدأ رجل على بعد شارعين مني في الغناء في شرفته مع تشغيل مكبرات الصوت بالكامل كل عطلة نهاية أسبوع، لم يزعجني الأمر كثيرًا. (أقسم أنني لم أكن من اشتكى للشرطة).

ولأنني أقضي الكثير من الوقت في سقيفة منزلي، فلا عجب أن تجد الأشياء من حولي طريقها إلى كتبي. فالسلة الموجودة على قمة رف الكتب تعود لعمتي عندما كانت طالبة، وقد ألهمتني لكتابة السلة التي تحملها بطلة تعديات، كوشلا لافري، إلى المدرسة وإلى دروس اللغة الأيرلندية. كما أن الكتب التي استخرجتها من الرفوف، مثل جود المجهول والأمير الأسود وشعر سياران كارسون، قد أدرجت أيضًا في روايتي. بالإضافة إلى ذلك، أعطتني مجموعة من الصور العائلية فكرة لقصة قصيرة تُروى من خلال الصور. ووجودي في الحديقة ساعدني على فهم كيف يمكن استخدام الطبيعة للتعبير عن مرور الوقت في الرواية بشكل فعّال.

لا أحتاج إلى العزلة للعمل. قبل بضع سنوات، ذهبت إلى كوخ في جزيرة وحدي لأكتب. بعد أسبوع، بدأت أرى أشباحًا—أعتقد أن العزلة الحقيقية تعيقني. بينما أستطيع أحيانًا أن أجلس في مكتبي في السقيفة لفترات طويلة، في أيام أخرى أجد نفسي أتردد على المطبخ لتحضير الشاي (أنا أشرب الكثير من الشاي). آخذ استراحة لتقشير الخضار للعشاء وأرش المبيض في أرجاء المكان. توجد مدرسة ابتدائية خلف منزلنا، وأحب أن أكون في الخارج عندما يكون الأطفال في ساحة اللعب، أجلس على طاولة في الحديقة لأستمع إليهم وهم يرددون الشعارات، ويصرخون، ويتناقشون.

لكن من الرائع أن يكون لديك غرفة خاصة بك، ومن الرائع أيضًا أن يكون هناك مكان لوضع كل تلك الأوراق.

***

..........................

الكاتبة: لويز كينيدي/  نشأت لويز كينيدي بالقرب من بلفاست. تعديات هي روايتها الأولى. وهي أيضًا مؤلفة مجموعة من القصص القصيرة بعنوان نهاية العالم هي طريق مسدود. كتبت للغارديان، والتايمز الأيرلندية، وبي بي سي راديو 4. قبل أن تصبح كاتبة، عملت كشيف لمدة تقارب الثلاثين عامًا. تعيش في سليجو، أيرلندا.

العربي الأول: صباح الخير

 العربي الثاني: صباح لبنان والضفة الغربية وجنوب لبنان وروافد نهر الأردن وحريق المسجد الأقصى وضرب المفاعل النووي العراقي واتفاقية سيناء وكامب دايفيد وعقد الإذعان ومؤتمرات القمة وخلافات المقاومة وحرب الخليج ومجازر صبرا وشاتيلا ومجازر طرابلس وقوانين الطوارئ والاحكام العرفية يا قليل الذوق والتهذيب.

الأول: ماذا فعلت حتى تثور هذه الثورة وترفع عليَّ حذاءك؟

الثاني: عربي ويقال له صباح الخير!

الأول: ماذا يقال له اذنً؟

الثاني : يقال له...صباح الجلطة ، صباح الديك، صباح الشلل النصفي

الأول: أسف

الثاني: قلها مرة ثانية وسأشكوك  الى لشرطة ، الى محكمة القيم.

الأول: لم أكن اقصد استفزازك ابداً.

الثاني: ما هذه الخدوش التي في وجهك؟

لأول: مناقشة عائلية بسيطة. وانت ما هذه الهضبة التي في رأسك؟

الثاني: ضربتني زوجتي بالطنجرة.

الأول: طنجرة عادية؟

الثاني: ألمنيوم.

الأول: لا...نحن ارقى منكم انا ضربتني زوجتي بطنجرة بخار.

الثاني: ولذلك قد يصفر رأسك في أي لحظة عندما تنضج ألامك.

الأول: هل هذه نكتة؟

الثاني: نعم.

الأول: عجيب.

الثاني: ولكنها نكتة ملتزمة لا يضحك لها المواطن فوراً كالنكتة البرجوازية العفنة. ولكن فيما بعد، بعد شهر أو شهرين ،لأن القيمة الجدلية للنكتة....

 الأول: وهل عندكم الكثير من هذه النُكات الملتزمة؟

الثاني: مجموعة لا بأس بها. وبمجرد ان تقرها اللجنة المركزية والمكتب السياسي واللجان الشعبية في الأقاليم ويجربها المسؤولون شخصياً في بيوتهم، سوف تطرح على الجماهير في احد اعيادهم القومية.

الأول: كان الله في عون هذه الجماهير.

الثاني: تحيا الجماهير.

الأول: تحيا.

الثاني: يعيش الشعب العربي يا....

الأول: يعيش...يعيش...يعيش.

الثاني: تسقط الاحلاف الاستعمارية تا...

الأول: ارجوك دعنا من هذا الحديث فربما سمعتنا المخابرات.

الثاني: اطمئن انا نفسي مخابرات كيف ابدو؟

 الأول: سبحان الخالق ولكن في هذه الساعة المتأخرة من الليل والشوارع مقفرة والناس كلهم نيام من تراقب؟ بزوغ الشمس من الناحية الأمنية.

الثاني: بزوغ أي شيء واذا لم اجد احد اراقبه، اراقب نفسي.

الأول: هذه حالة لم اسمع بها من قبل

 الثاني : بل هناك حالات كثيرة مشابهة، انا مثلاً انا مثلاً اعرف صحفياً اذا لم يجد لم يجد جهة يقبض منها يقبض من نفسه ومطربة تغني امام المرآة لنفسها وتصرخ بحماس: ما صار ما صار وبرلمانيا سابقا يخرج من دورة المياه ويقول انتهت الجلسة

الأول: يبدو لي ان اعصابك في غاية الإرهاق.

الثاني: ثلاث ليالي لم اعرف طعم النوم

الأول: من تراقب؟

الثاني: لا اعرف.

الأول: لم لم تذب الى بيتك مع زوجتك واطفتاك؟

  الثاني: لا استطيع لأني انا ايضاً مراقب.

 الأول: يا له من عالم عجيب.

الثاني: نعم يا صديقي، فعندنا لا بد من مخابرات تراقب المخابرات.

 ومن طالب لمراقبة الطلاب

و من كاتب لمراقبة الكتاب

و من سائق لمراقبة الركاب

و من سكير لمراقبة السكارى

و من قاض لمراقبة القضاة

و من محام لمراقبة المحامين

 ومن مهندس لمراقبة المهندسين

 ومن حرفي لمراقبة الحرفيين

و من فنان لمراقبة الفنانين

 ومن صحفي لمراقبة الصحفيين

 ومن رياضي لمراقبة الرياضيين

 ومن مسافر لمراقبة المسافرين

ومن سجين لمراقبة المساجين

و من يميني لمراقبة اليمينيين

 ومن يساري لمراقبة اليساريين

 ومن ناصري لمراقبة الناصريين

و من وحدوي لمراقبة الوحدويين

 ومن وافد لمراقبة الوافدين

 ومن فدائي لمراقبة الفدائيين

و من متفائل يراقب المتفائلين

 ومن يائس لمراقبة اليائسين

 ومن متحضر لمراقبة المتحضرين

بمعنى ان السلطة تراقب الشعب والشعب يراقب السلطة

الأول: وإسرائيل تراقب الجميع.

***

التالية (11) اصلاحية نورمبورغ العربية...امتحان التخرج

عبد الرضا حمد جاسم

..................

* من كتاب: سأخون بلدي لمحمد الماغوط

 

شعب ودود ونظامي يساعد الآخرين

كل ما يعرفه غالبية الناس عن الصين هو (صنع في الصين) الكوكب المختلف كما يصفوها، وقد وضعتني رحلتي إلى مدن الصين أمام حقائق لم أكن أعرفها أنا وغيري ممن زارها أو لم يزرها، وتلك فرصة عظيمة لمشاهدة تلك المدن وثقافاتها وقومياتها عن قرب، ومحاولة للتعرف على تفاصيل تضاف إلى الجانب المعرفي عن دولة تعتمد النظام والدقة والالتزام، واسست لتكون دولة قوية متطورة استطاعت النهوض بواقعها الاقتصادي والخدمي والعلمي حتى أصبحت على ماهي عليه اليوم. وصلت الصين بعد مضي ساعات أحمل معي قليلاً من القلق والشعور بالغربة وسط مشاعر حماس السفر ومتعته التي لا تنتهي، وبمجرد النزول من درج الطائرة رأيت حافلة كبيرة لنقل المسافرين إلى المطار، دخلت ولم يكن هناك متسع للجلوس فأخترت الوقوف مثل كثير من المسافرات، كان المنظر أوروبياً بحتاً لأن النساء هناك يقفن في الحافلات مثل الرجال، وبعد عشر دقائق تقريباً وصلنا إلى المطار، لاحظت منذ وصولي ميزة البساطة في نوعية الملابس التي يرتديها كلا الجنسين، لا مبالغة في الالوان، الاكسسوار، الماكياج وغيرها، والأهم من ذلك الإلتزام بنظام الطابور، لإستكمال إجراءات الدخول، واجهت صعوبة بعض الشيء في اجراءات دخولي لأن ضابط الأمن سألني عدة اسئلة تتعلق بموطني وسبب زيارتي للصين، وكذلك صورة جواز سفري. جهة داعية وبعد نحو نصف ساعة سلّمني الجواز، فإتجهت نحو الحقائب ومنها إلى بوابة الخروج، وعند البوابة لم أجد أحداً من زملاء الرحلة فقد ذهبوا إلى الفندق بالحافلات المخصصة من قبل الجهة الداعية وهي صحيفة الصين الشعبية، وهنا شعرت بالقلق وسرعان ما رأيت علامة الدليل المرسلة على البريد الإلكتروني، التي أسعفتني بالوصول عند فريق يقف في نهاية المطار، وإستقبلني بإبتسامة لطيفة هدأت من أعصابي وفتحت شهيتي أكثر للصين، ثم أرشدني الفريق وعدد من المسافرين الأجانب المدعوين إلى طريق الحافلة، وهناك في تلك اللحظة شعرت بالأمان التام، وهنا من بغداد قلب العراق، أود تقديم الشكر إلى جريدة الصين الشعبية على حفاوة الإستقبال منذ وصولي إلى الفندق في مدينة تشنغدو الذي بدا لي فندقاً عصرياً راقياً يليق بالوفود القادمة من الشرق والغرب، وذلك دليل الحرص على تكريم الضيوف القادمين إلى الصين (الكوكب الاخر) والتي عُرفت بهذه التسمية لتقنياتها الحديثة كدولة طورت من إمكانياتها الفنية والاقتصادية، فالصين تعتمد على النظام الرقمي في التسوق والتعاملات المالية، وكذلك قيادة الدراجات التي يستعين بها الصينيون كبديل عن السيارات وهذا ما يجعل الشوارع خالية من الإزدحامات، فالدراجات الهوائية والنارية هناك على طول الأرصفة كما أن المدن تخلو من السيارات الرباعية والفارهة تماماً، الأمر الذي يشعرك بإختفاء الفوارق الطبقية بين شرائح المجتمع، فالكل سواسية. كما أن الفواق المجتمعية منعدمة بين الإناث والذكور حيث ان الدراجات تقودها الفتيات والنساء والشباب والمسنّون دون تمييز، ولذلك فإن نسبة التحرش معدومة، كما ان نسبة الجرائم منخفضة لما يسود البلاد من سلم وأمن عاليين، أما نسبة الأشجار فهي كبيرة جداً وتكاد تملأ كل شبر من المدن والقرى ما يجعل الهواء في المنطقة نقياً خالياً من الأتربة، كما (لاوجود للتصحر الذي تعاني منه حالياً غالبية البلدان، وتتسارع الصين بتكثيف الجهود من اجل توحيد الخطى في مواجهة التغيرات المُناخية والحد من التصحر، ومقاومة ازمة الاحتباس الحراري التي يشهدها العالم). صفة عامة الجمال صفة عامة وشاملة في دولة الصين، وجدته في ابتسامة الناس ولطف بائعي المحال ومساعدة النساء لنا عند السؤال عن اي شيء نريد، ونظافة الطرق العامة.. ورأيت أن الشعب الصيني ودود ومسالم أكثر من كونه (كوكب آخر)، وبعد نهاية رحلتي والعودة إلى موطني (أشكر فريق العمل الذي لم يتوان أو يعجز أو يتخاذل في خدمتنا وتلبية متطلبات جميع أعضاء الوفد بقدر المستطاع، وأثمّن حسن السلوك وطيب الأخلاق والعطاء المستمر، وكل المزايا الملموسة التي شجعتنا على الرغبة بالاستمرار في الرحلة وأولها ابتسامة الأنسة خالدة التي لاتبرح وجهها الطفولي الجميل، بملامحه الرقيقة وصوتها الناعم الجدير بأن يكون مسك ختام انطباعاتي عن الصين.
***
ابتهال العربي

 

برز شغفي وحبي للرسم منذ الطفولة

بين مدينة قليبية والعاصمة مسافات شغف وهيام بالأعماق والحكايات في أسرارها وتلويناتها المتعددة حيث السفر مجال قول بالذات وما يعتمل فيها من أحلام وانتظارات.. ثمة بهاء في الجهات وفي العناصر والأشياء تمضي في ثناياه الكينونة بكثير من الرغبات تجاه الفن بما هو عناوين شتى للقلب المفعم بالنشيد والنظر والتأويل.. انها فكرة الطفولة التي ظلت ترافق أصواتها المبثوثة في الأرجاء حيث تلمع الألوان والأشكال والخطوط مثل الكلمات القادمة من قصائد مكمنها الدواخل والأحوال في حل الذات وترحالها..

من تلك الخطى ذات طفولة ما تزال تقيم بداخلها كانت رغبات الفنانة التشكيلية شيماء المجيد شديدة في رؤية العالم علبة تلوين لترميم ما تداعى من الشؤون والشجون قولا بالرسم عبارة وترجمانا تجاه الذات والآخرين والعالم.. في غفلة من ضجيج الكائنات وفي صمت نبيل تبرز تلك العبارات لترسل في التلوين الحلم والجمال والموسيقى وأشياء من ذاكرة الروح والمكان..487 shaymaa almajed

فنانة قدمت في لوحاتها في رحلة البدايات شيئا من ذاتها التي أخذتها طوعا وكرها الى عوالم الفن التشكيلي ديدنها في ذلك حلم وأغنية وذاكرة من بهاء قليبية المدينة الساحرة بألوانها وتفاصيلها.. في شغفها الفني هذا بدت الفنانة شيماء مكتظة بطفولتها وأحوالها العارمة تسعد بما ترسمه على القماشة والورقة في لعبة الافصاح والامتاع حيث التعبير الفني وما ينجم عن الأشياء المقيمة في ذات الفنانة وهي تجتمع وفق عناوين الذاكرة والمعيش والحلم وما علق بالروح من وله وحب للفن وتلويناته الشتى..

الفنانة شيماء كانت لها مشاركات فنية وهي تعمل في ورشتها لتعد لمعرضها الشخصي الذي ترى فيه محطتها المهمة من حيث العلاقة بالمشهد التشكيلي وانطباعات الآخرين بخصوص شغلها الفني وابداعاتها التشكيلية فالفن عندها عالم يتسع لأحلامها وهواجسها وكل ما هو يعبر عنها فضلا عن كونه شغل الجزء المهم من اهتمامها لسنوات..

في هذا الجانب تقول الفنانة شيماء ".. الفن هو جزء لا يتجزأ من عالمي، فأنا مصممة ديكور ومصممة ازياء، حاولت في كل فصول حياتي ان أتوجه للفن، فلا قيمة للمرء ان لم يكن حاملا لحس فني، فالفن لا يقتصر فقط على الرسم بل هو شيء بلا نهاية، الا انني في السنوات الاخيرة وفي أسف شديد ومع بروز الاجيال الجديدة ارى بوادر انحدار ذوقي وبصري.. فجل مانراه هو تكرار وتسويق لتجارة ما.. لقد برز شغفي وحبي للرسم منذ الطفولة، حيث أنني كنت بعد انهاء قراءة اي قصة، اعيد رسم تفاصيلها مع اضافات اخرى لاحداث سردت ولم ترسم لانني احسست أنها قريبة من قلبي، كما انني كنت احب الالوان وكنت جريئة في استخدامها، كما ان حب امي للرسم والشعر وابتكارها في صناعة تحف الديكور ساعدني في الانفتاح على الفن وعوالمه المتعددة..488 shaymaa almajed

ومنذ فترة انشات علامة "ماركة" خاصة بي للاكسسوارات والحقائب فحلمي ان اصبح سيدة اعمال ناجحة ذات طابع خاص وفريد اسوق من خلالها للفن، كما انني اتمنى ان افتح مرسما لكبار السن وذوي الاحتياجات الخصوصية لاهون عليهم صعوبة الحياة ولأكتشف الذات لكل واحد منهم..

في عملي الفني و لكي أكون صريحة فأنا لا اعجب بالاشخاص كفنانين ولا اميل لاي توجه فني بل اعجب باللوحات حيث أنه ".. وللناس فيما يعشقون مذاهب "، فاعجابي بالفنانين يتجسم في الكيمياء التي تجذب كل حواسي لعمل فني او شعر او موسيقى.."

الفنانة شيماء المجيد تمضي في تجربتها الفنية بنفس الدأب والشغف منذ سنوات وهي على اطلاع على عديد التجارب الفنية التشكيلية في تونس وفي العالم العربي وديدنها في كل ذلك أن تواصل في هذا الدرب من الرسم والتلوين قولا بالأمل والحلم والابتكار.

***

شمس الدين العوني

 

أجمل شعارات هذه الامة وأعرقها... بل ثوب زفافها الأبيض... ماذا حل بها؟ ماذا بقي منها غير الازرار الصدئة والاكمام المتهدله والجيوب الفارغة؟

شعارات نقية يطلقها أناس انقياء وبلمح البصر تصبح كثياب عمال الدباغة مع ان الكل يدعي النظافة وتعقيم اليدين...

معاهد جامعات مخابر تكنولوجيا، ومع ذلك حكمة قيلت قبل أربعين قرناً على ظهر بعير تحكمنا وتسيطر على افعالنا ونحن على متن الجامبو والكارافيل وعلى ارتفاع أربعين الف قدم عن سطح الأرض... ما اذرب السنتنا في اطلاق الشعارات وما ارشق أيدينا في التصفيق وما اعظم جلدنا في انتظار ثمارها ومع ذلك فان منظر ثائر عربي يتحدث عن ألام شعبه للصحفيين وهو يداعب كلبه الخارج لتوه من الحمام او منظر طفل مقنزع في صدر سيارة بمفرده امام مدرسة خاصة او حضانة اطفل وعلى مسافة امتار من  ظل السيارة يقف المئات تحت الشمس المحرقة بانتظار باص، يلغي مفعول عشرين دراسة ومئة  محاضرة والف اغنية واهزوجة عن العدالة والاشتراكية،

كأن هناك من اختص في تحريف الشعارات العربية وتفريغها كالخلد من أي محتوى ولا يقر له قرار ما لم يتركها لمن سيجئ من بعده وهي كالطبخة المنهوشة بالأسنان حتى القشرة البيضاء، كأني بهؤلاء وامثالهم منذ اول مظاهرة عام 1948 اصطفوا على طريق النضال العربي وكل منهم وضع شعار من الشعارات في "حله" ووقف وراءها وبيده مغرفة وراح يفرغ ما بها كبائع السحلب وعندما تصبح هذه الشعارات ضجة بلا محتوى يعودون الى الصف مرة ثانية ويقفون رتلا احاديا وراء بعضهم كما في النظام المنّضم وكل منهم يحمل فرشاة في يمينه وسطل دهان في يساره ويبدأ بلصق التهمة تلو التهمة على ظهر الذي امامه بينما تكون فرشاة الذي وراؤه تعمل في ظهره وتلصق عليه الف تهمة مماثلة حتى اصبح ظهر المواطن العربي  مع مرور الأيام والعهود والمراحل كواجهة السينما او لوحة الإعلانات

و في المقابل هناك فريق ثالث يتألم ويخبط كف بكف لهذه الحالة ويدعو الى الشفقة والرحمة بهذه الامة ثم يتلفت يمنة ويسرى وينهش منها ثمن سيارة ويمضي

و يأتي اخر ينهش منها ثمن كنبات

و اخر ثمن مزرعة دواجن

و اخر ثمن كباريه

و اخر ثمن شاليه

و اخر محضر بناء

واخر تعهد قمامات

و هذه خاتم سوليتير

و تلك فستان سواريه للصيف

و تلك معطف فرو للشتاء

و هذه الامة ترتجف كالنعجة في موسم القصاص بعد ان جُردت من كل ما يسترها ولم يبقى منها الا الانسجة والاعصاب.

و لكن حذار:

يحكى ان نمراً في سيرك هندي بعد ان تقدم به العمر واحيل على التقاعد كأي دركي عجوز، دفن رأسه بين قائمتيه وانزوى بعيداً عن الأعين، لكن الحيوانات الأخرى لم تتركه وشأنه فراح كل ما في السيرك من قطط صغيرات وقردة وثعالب وسحالي وببغاوات وسعادين يتحرش به ذهاباً واياباً وهو صامت لا يروم تعففاً وسأماً ولكن في يوم من الأيام عندما زادوا من تحرشهم لم يطق صبراً على ذلك فانتظرهم حتى مروا قافلة واحدة ورفع يده وهوى بها عليهم فقضى على الجميع بضربة واحدة.

التالية (10) الجاحظ

***

عبد الرضا حمد جاسم

........................

من كتاب: سأخون بلدي لمحمد الماغوط

تلقّيت في الأيام الأخيرة رسالة عن طريق بريدي الألكترونية من جامعة مدينة نانسي Nancy في شمال غربي فرنسا يسألني أحد الباحثين فيها بعد أن اِطلع على ديواني المنشور في موقعي soufabid.com من أين أستنبط قصائدي أمِنَ واقع الأحداث أمْ من الخيال؟ لأنه بصدد إنجاز بحث جامعي

فأجبت أنني أستوحي قصائدي من الواقع والخيال معًا

ظننت أن الأمر اِنتهى وتمنّيت له التوفيق والنجاح لكنّي فُوجئت بسؤال عن قصيدة قصيرة كيف جاءتني فكرة كتابتها لأنها تتطابق مع حادثة وقعت لبعض الأطفال في الجنوب التونسي بمنطقة ـ قصر الحدادة ـ من معتمدية غمراسن التي أنتسب إليها حيث اِنفجر على ذلك الطفل لُغم أو قنبلة من مخلفات الحرب العالمية الثانية وفقد إحدى يديه مع بصره والقصيدة حسب الباحث تبدو مستوحاة من هذه الواقعة.

حينذاك فقط تذكّرت أن أحد أقاربي فعلا قد اِنفجرت عليه إحدى قنابل الحرب وقد كان يزورنا في ربوعنا ببئر الكرمة القريب من منطقة قصر الحدادة وقريبي هذا هو اِبنُ اِبنةِ عمّ جدّي وقد كان يزورنا معها في بعض المناسبات إبّان عهد طفولتي في الجنوب.

كيف ربط هذا البحث في تلك الجامعة بين قصيدتي وبين تلك الحادثة التي وقعت لقريبي في سنوات الحرب العالمية الثانية؟

وكيف ظلت يد ذلك القريب راسخةً وراسبةً في ذاكرتي وطفحت دون أن أشعر في قصيدتي ؟ ثمّ لم أتذكّرها إلا بمناسبة هذا الاِستفسار؟.

هذه مسائل أتركها للمختصّين ولكنّي أظن أن واقعة اِنفجار القنبلة أو اللّغم على قريبي موثّقة في بعض السّجلات الخاصة في الأرشيف الفرنسي ضمن ضحايا الحرب العالمية الثانية وجرحاها في تونس؟.

إنّ مثل هذه البحوث تتطلب الصّبر والمثابرة والدّقة والإحاطة بكثير من الجوانب وتؤكّد أنّ النّص المنشور ولو كان قصيدة قصيرة يمكن أن يكون مصدرًا لبحوث عميقة ومتنوّعة.

التاريخ قد يُهمل لكنه لا ينسى.. لذاك سأظل أكتب على الحوت وألقي به في البحر.. كما يقول المثل التونسي.

***

Bonjour,

Je vous remercie énormément pour votre réponse. Je réalise un mémoire sur un livre d’Ibn Jazzar et en ce sens j’ai aussi étudier la Tunisie et particulièrement le Sud, je cherche à comprendre la vie des habitants dans leur histoire. J’ai récolté un témoignage dans un village du Ksar Haddada sur un triste événement survenu à un enfant dans les années 40 ayant perdu une main et la vue suite à un accident du à une grenade ou mine. Je m’interrogeais ainsi si il y avait un quelconque lien entre votre poème « la poignée de main » et cet événement.

Je vous remercie.

Très cordialement

.........................

المُصافَحةُ

أربعينَ عامًا…لم نلتقِ

بالأحضانِ عانقنِي

أَمْهرَ رامٍ كانَ في البلدْ

مرّةً …أصابَ عُصفُورينِ

بِحَجَرٍ…أحَدْ

كيفَ أصَدِّقُ

أنّ ذاكَ الولدْ

لعِب يومًا بلعبةٍ من بقايا الحربِ

فصار

يُصافحُ…بلا يَدْ

* من مجموعتي الشعرية ـ نبع واحد لضفاف شتّى

 

بقلم: أنطونيو سكارميتا

ترجمة: ا. د. غيداء قيس إبراهيم

***

هذه احداث حصلت في رواية للشاعر التشيلي المعروف ب (بابلو نيرودا بالإسبانية Pablo Neruda‏) يطلق عليها رواية "ساعى بريد نيرودا" والتي سردت احداث كثيرة عن حياة الشاعر بابلو والتي كتبها المبدع الكبير أنطونيو سكارميتا.

والرواية تحكي عن صياد شاب يدعى ماريو خيمينث يقرر أن يهجر مهنته ليصبح ساعي بريد فى ايسلانيدرا، بتشيلى حيث الشخص الوحيد الذي يتلقى ويبعث رسائل هو الشاعر بابلو نيرودا، أحد أعظم الشعراء فى القرن العشرين.

ومن خلال هذه القصة شديدة الأصالة، يتمكن الكاتب التشيلى "أنطونيو سكارميتا" من رسم صورة مكثفة لحقبة السبعينات المؤثرة في تشيلي، ويعيد في الوقت نفسه بأسلوب شاعري سرد حياة بابلو نيرودا.

وقد أعجب ساعي البريد "خيمينث" بـ نيرودا، وينتظر بلهفة أن يكتب له الشاعر إهداء على أحد كتبه، وقصيدة حب لحبيبته.

الرواية عبارة عن قصيدة حب طويلة، موضوعها الإنسان بكل ما يحتويه من أفكار متناقضة، فلدينا الشاعر الأشهر (بابلو نيرودا) الذى تعتبره البلدة الصغيرة في تشيلي أيقونة مجدها، ولدينا قصة الحب الكبيرة وبطلتها "بياتريث" حبيبة "ماريو" التي قال لها "إن ابتسامتك تمتد مثل فراشة على وجهك" فاشتعل الغرام في قلبها.

قدم أنطونيو سكارميتا رسمًا واقعيًا للحياة في تلك الحقبة الزمنية المؤثرة في تشيلي، بأسلوب شاعري. تم تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي من إخراج ميشيل رادفورد في عام 1994، فاز الفيلم بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي في عام 1995.

الحديث من مقتطفات هذه الرواية الرائعة:

- سيد بابلو! ...أنا مغرم

- أعلم ذلك فلقد قلتها مرارا وتكرارا، ما الذي أستطيع أن أفعله لك؟

- عليك ان تساعدني

- بعمري هذا!

- عليك بمساعدتي ...لأنني لا اعلم ماذا أقول لها! عندما اراها امامي لا اقوى على النطق، ولا أستطيع البوح بكلمة واحدة ...فأن لم يكن لديك مانع وبدلا من اعطائي النقود، اريد منك ان تكتب لي قصيدة حب لها.

عندما سمع بابلو كلام الساعي، اتجه نحو الساحل رافعا كلتا يديه للسماء صارخا:

- لكنني لا اعرفها! الشاعر كما تعلم يحتاج الى ان يعرف جيدا الشيء الذي يهبه الالهام، لا أستطيع اختراع شيء من لا شيء!

- اسمعني جيدا أيها الشاعر – أضاف ساعي البريد موجها كلامه الى السيد بابلو – إذا بقيت هكذا تختلق الاعذار من اجل قصيدة بسيطة، فلن تفوز ابدا بجائزة نوبل!

فتوقف لبرهة نيرودا مختنقا لسماعه هذا الكلام، وقال مخاطبا ساعي البريد:

- انظر! ماريو!، اتوسل اليك ان تقرصني لكي اصحو من هذا الكابوس، كم اتمنى أن يكون هذا كابوساً أصحو منه!

- لا اعرف ماذا أقول لك سيد بابلو؟ حضرتك الشخص الوحيد الذي يستطيع مساعدتي في هذه البلدة، لان من فيها صيادين لا يعرفون قول أي شيء.

- عزيزي ماريو، فضولي يدفعني لقراءة التلغراف الذي جلبته لي، هلا سمحت لي بتسلمه؟

أجاب ساعي البريد:

- بكل سرور

- شكرا

ساعي البريد يسأل:

- انه ليس من السويد؟ اليس كذلك؟

- كلا

ساعي البريد:

- هل يحمل اخبارا سيئة؟

- بل مشؤومة! فهم يرشحونني لرئاسة الجمهورية!

- لكن سيد بابلو هذه اخبار عظيمة جدا!

- عظيمة لأنهم قاموا بترشيحي؟ لكن ماذا ان أصبحت بالفعل رئيساً؟

بالتأكيد ستفوز، جميع أناس هذه البلدة يعرفونك جيداً، فمثلاَ، أبي يمتلك كتاباَ واحداَ فقط! وهو لك!

-وماذا يدل على ذلك؟

-كيف على ماذا يدل؟ فأبي الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة لديه كتابك! هذا يعني اننا ربحنا كثيراَ

- ربحنا؟

- بالطبع، فأنا سأدلي بصوتي لك

- أشكر مساندتك لي

عندها وضع نيرودا البرقية في جيب سرواله الخلفي.

أما ساعي البريد فقد كان ينظر للشاعر نيرودا نظرة توسل ولهفة لمعرفة ما سيحصل بعد ذلك.

نظر نيرودا قليلاَ لوجه ماريو متأملاَ، ثم بدأ يحرك راسه يميناَ وشمالاَ قائلاَ:

- أذن هيا بنا الى الخانة للتعرف على هذه المشهورة التي تدعى بياتريث غونزاليس

صرخ ساعي البريد فرحاَ:

- سيد بابلو! هل تمازحني؟

- كلا، فانا أتكلم بجدية، لنذهب الى الخانة انا بابلو نيرودا وانت ماريو خيمينز لكي نحتسي كاساَ من النبيذ معاَ ، حتما هي ستموت من الدهشة عندما ترانا سوية.

فرد عليه ساعي البريد وهو حزين َ:

- سيكون هذا محزناَ! فبدلاَ من كتابة قصيدة غزل لأجلها وهي حية، سنضطر لكتابة قصيدة رثاء، اقراها على قبرها!

***

صوت: الو.. مقهى النخبة؟.. هنا نيويورك اريد أيوب العربي.

أيوب: هو الذي يتكلم.

اصوت: ولو، انا الدكتور جافييه بيريزدي كويلار، الم تعرفني؟

أيوب: مع الأسف

الصوت: ولو انا الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، ما هذا؟ تكاد تنتهي مدة ولايتي ولم تعرفني او تحفظ اسمي

الصوت: بسيطة يا سيدي فنصف الوزراء الذين يتحدثون باسمي وبيدهم لقمتي ومصيري لا اعرف أسمائهم وبعضهم لا اسمع به الا عند تشكيل الوزارة على كل حال اهلا وسهلا، أية خدمة.

الصوت: تعرف ان الاستعدادات بذكرى الإعلان عن حقوق الانسان قد بدأت.

أيوب: أي انسان! الانسان الآلي؟

الصوت: لا.. لا الانسان العادي الذي من لحم ودم ومشاعر، الانسان الذي يزرع لنأكل، ويغزل لنلبس ويمت لنحيا.

أيوب: وما علاقتي انا بهذا الموضوع؟

الصوت: ان الأمم المتحدة معنية هذا العام بإقامة احتفالها السنوي بهذه المناسبة في احدى دول العالم الثالث.

أيوب: ولم تجدوا سوى دول العالم الثالث مكاناً للاحتفال بحقوق الأنسان؟

الصوت: لا ، لأن هذه الحقوق في تلك البلاد وخلافاً للتقارير ما زالت موضع شك، ولهذا وجهت الدعوة الى كبار الكتاب والفنانين والتكنوقراطيين للمساهمة في هذا الاحتفال ليأتي فليماً وثائقياً وشهادة حية اقف من خلالها على واقع هذا الانسان وطموحاته وعلى العوامل التي تجعل وتيرة نموه اقل بكثير من طاقاته وإمكاناته واريدك ان تشرف عليه شخصياً من حيث استقبال المدعوين وملاطفتهم وترتيب أماكن جلوسهم ومراجعة كلماتهم، انني اعتمد كثيرا على خبرتك وحكمتك في نجاح هذا الاحتفال.

أيوب: ولكني تركت الادب والسياسة منذ زمن بعيد.

 الصوت: هذا ليس موضوعاً سياسياً او أدبياً انه موضوع انساني. هل تخليت عن انسانيتك ايضاً؟

أيوب لا ولكنك فاجأتني بمهمة خطيرة ليس عندي أي استعداد نفسي او معنوي للاضطلاع بها ليس عندي حتى الثياب اللائقة لائقة لأظهر بها في هذه المناسبة

الصوت: سترتدي ثياب الأمم المتحدة

أيوب: حسناً، وزمتن ومكتن الاحتفال؟

الصوت: كل هذه المعلومات ستصلك برقياً في حينه.

أيوب: والتعويضات!

الصوت: ستكون مغرية وبعملة البلد المضيف.

أيوب: لا انا يساري ولا أقبض الا بالدولار

الصوت: كيف صرت يسارياً بين ليلة وضحاها؟

أيوب: كما صار الاستاذ محمد حسنين هيكل. هل هو احسن من غيره؟

الصوت: جهز نفسك للسفر فوراً.

***

أيوب: وما ان وصلت الى مكان الاحتفال حتى هرع كبير الموظفين المكلف بمرافقتي للاطلاع على كافة الإجراءات المتخذة، يشرح لي الآمال المعلقة على هذا الاحتفال وسط بحر من الوفود والصحفيين والمصورين والمراسلين الذين تقاطروا من جميع ارجاء اسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية هذا يعبئ غليونه وذلك يشعل سيجارة والذي راجع كلمته والذي يختصر منها او يضيف عليها وضحكات من هنا وتعليقات من هناك وما ان بلغت القاعة المخصصة للاحتفال حتى صرخت بمرافقي: ما هذه الفوضى؟ من سمح لهم بالجلوس بهذا الشكل العشوائي؟

المرافق: لقد اختار كل وفد مكاناً وجلس فيه وليس عندي أي سلطة تحول دون ذلك.

أيوب: اما انا فعندي مثل هذه السلطة ، ثم من هؤلاء الذين يجلسون في الصف الأول ويلفون ساقاً على ساق بكل هذه العظمة؟

المرافق: وفود من الدول العربية.

أيوب: وماذا جاؤوا يفعلون بهذه المناسبة؟ من وجهه اليهم الدعوة؟ ما من مؤتمر او مهرجان او مناسبة حقوق الانسان او حقوق الملاحة او حتى حقوق الفقمة الا ونراهم جاهزين بكلماتهم وتوصياتهم وبرقيات تأييدهم واستنكاراتهم. يا الاهي هل ينامون بثيابهم في المطارات؟

اخرجهم حالاً من القاعة كلها بل حتى لو وجدت في هذا المبنى ولو "تواليت عربي "سأقدم استقالتي وانسحب

المرافق: الا يمكن ان نسمح لهم بالبقاء كمراقبين؟

أيوب: مراقبين على ماذا؟ على حقوق الانسان؟ هل انت اجدب؟ هل يؤتمن الثعلب على الدجاج؟

هيا.. ليغادروا المكان ولتقف جميع الوفود في الزاوية ريثما اعيد ترتيب الجلوس حسب هذه اللائحة التي اعددتها بنفسي فهناك أصول ومقامات يجب ان تراعى في مثل هذه الأحوال.

 المرافق: وهذه لائحة يا سيدي بأهم البحوث والموضوعات التي ستلقى في الاحتفال هل اتلوها عليك؟

أيوب: طبعاً وبسرعة.

المرافق: كلمة الافتتاح سيلقيها الدكتور خوريا موريا من الارجنتين عن الجذور التاريخية لحقوق الانسان عند جان جاك روسو ثم يعقب عليه الدكتور غوهوموهو من افريقيا الوسطى بمقولة ديمومة الانسان لهيغل

أيوب: عظيم ولكن أسرع.

المرافق: ثم هناك التكنولوجيا ومستقبل الانسان

الميثولوجيا وطقوس الانسان

فولتير وروح الانسان

بيكاسو وضمير الانسان

بريجينسكي وجد الانسان

شوبان وشفافية الانسان

ثم بيتهوفن وعظمة الانسان والحركة الرابعة من السنفونية الثالثة وقدر الانسان

ثم اسيا تنهض

أمريكا اللاتينية تتمخض

افريقيا تتحفز

أيوب عظيم والان يجب ان يكون ترتيب الجلوس على الشكل التالي:

في الصف الأول يجلس الحدادون والنجارون والسباكون والمقاولون والمهربون وأصحاب الملاهي والكباريهات

المرافق: سيدي ما هذا؟

أيوب: لا اريد مناقشة او اعتراضا من احد فهذا الترتيب نهائي وجاء نتيجة دراسة ميدانية في جميع ارجاء العالم الثالث ثم لو لم اكن موضع ثقة سيادة الأمين العام للأمم المتحدة لما كلفني بهذه المهمة وارجو عدم مقاطعتي بعد الأن.

يليهم في الصف الثاني أصحاب البنوك وتجار العقارات والموبيليا والمفروشات

يليهم السفراء والقناصل ورؤساء البعثات الأجنبية

يليهم القضاة والأطباء والمحامون والمهندسون

يليهم الطلاب والمدرسون والمقررون والمفتشون

يليهم العمال والفلاحون والحراس الليليون

يليهم الحمالون وماسحو الأحذية والباعة المتجولون

يليهم النشالون والجانحون وأصحاب السوابق

و أخيرا يليهم الكتاب والصحفيون وارباب القلم

ثم ليوضع في مقدمة الجميع بوط عسكري

و احتفلوا وناقشوا بعد ذلك حتى يورق الصوان

***

 التالية 9/ الحديقة قرب الغابة

 عبد الرضا حمد جاسم

 

يعكس الفن الهوية الثقافية، والتاريخية للمجتمع، ومن خلاله نتواصل مع جذورنا وتقاليدنا، فهو يمتلك السحر الذي يتخطى به الحواجز اللغوية والثقافية، مما يُمكّننا من ذلك التواصل العالمي.

في يوم السبت الماضي، تلقيت دعوة لحضور معرض في زيورخ. لم أكن   أعرف المعرض أو الفنان الذي يعرض أعماله.

جاء الفنان من لوزان، لكنه أحضر معه الروح الفنية (وكذلك الثقافية والتاريخية) لوطنه، في الحقيقة، هو قادم من العراق، أحد أقدم بلدان الثقافة والحضارة. ربما كان هذا هو الدافع الأكبر لحضوري المعرض الذي كان يقام في المدينة التي أعيش فيها منذ فترة طويلة.

من ناحيتي فأنا لدي رغبة دائمة في متابعة تيارات الفن الحديثة التي تُنتج وتُعرض في المكان الذي أعيش فيه. وأشعر بالفضول لرؤية القيم الفنية التي تُنتج خارج هذه البيئة التي أعيش فيها. بشكل خاص، تجذبني الأحداث الفنية التي تخرجنا من الروتين الفني اليومي، الذي قد يكون مملًا في بعض الأحيان. لذلك، أفضّل تلك الأحداث النادرة التي تحمل معها قيمًا فنية مميزة.

الفن يتخطى الحواجز اللغوية والثقافية، ويمكّننا من التواصل العالم

عندما قررت الذهاب إلى المعرض، كنت أعلم أن البلد الذي ينتمي إليه الفنان هو واحد من أقدم البلدان ذات الثقافة العريقة والتاريخ الدرامي. إنه يمتلك ثقافة قديمة. إنه الشرق، ملتقى طرق الثقافات المختلفة عبر التاريخ. وطن الفنان هو واحد من البلدان التي تتمتع بقيم خاصة في مجالات الفن والأدب. لديه أدب شفوي من أقدم وأجمل الآداب. وعلى أساسه، نشأ الأدب المكتوب. وكنت أعلم أيضًا أنه من هذا البلد جاء ذلك السرد الجميل، والدرامي لألف ليلة وليلة، وشهرزاد. من هناك جاء الفنان فائق العبودي، الذي ذهبت لرؤية لوحاته. ومن هناك، أتى للعالم أيضًا واحد من أقدم وأجمل الملاحم، ملحمة جلجامش، التي تمثل أول حضارة أدبية مكتوبة.

الفنان فائق العبودي عراقي جاء إلى سويسرا، كما جئتُ أنا في يوم من الأيام، نتيجة للعواصف التاريخية التي عانت منها بلاده.

في المعرض

كان الفنان سعيدًا، ودودًا، ويبدو أنه كان يشعر بالسعادة لأنه يعرض جزءًا من أعماله الفنية في زيورخ، لوحاته الفريدة من نوعها. لم أتواصل مع الفنان بلغته أو لغتي، بل بدأنا الحوار بلغة ثالثة، الفرنسية، ثم انتقلنا إلى تلك اللغة العالمية وربما الوحيدة التي تجمع البشر جميعًا، لغة الفن.

 تتميز لوحات فائق العبودي بتقنية خاصة. فهو يستخدم الأكر يليك على الخشب والقماش. تقريبًا، جميع لوحاته كانت تحمل خلفية سوداء، مما أضفى عليها قوة خاصة، وغموضًا فريدًا، ربما كان اللون الأسود الثقيل هو الذي منح التعبير الفني للفنان وزنه الخاص، الفنان بصفته محترفًا، يعلم تمامًا أن الأسود يجب أن يُستخدم بدقة، وإلا فإن الإفراط في استخدامه قد يصبح خشنًا، ويفسد جماليات الفن، ولكن فائق العبودي أضاف إلى الأسود مجموعة غنية وحيوية من الألوان الدافئة والمشرقة، مما منح لوحاته دلالات رمزية قوية.

هذا الاستخدام للألوان كان مستوحى بالكامل من روح الشرق، وعند تأملي في لوحاته، كنت أحيانًا أشعر بحرارة النار وأحيانًا أخرى بلهيب الشمس. وفي لوحة أخرى، كان يظهر ضوء أصفر يشبه ضوء القمر، وفي مكان آخر، كنت أرى ألوانًا خضراء تشبه واحة في الصحراء، تعلوها لمسة من الزرقة السماوية البعيدة. وفي بعض الأحيان، كانت تظهر خطوط حمراء تُذكرنا بالأحداث الدرامية التي مرت بها بلاد الفنان عبر القرون. تلك الألوان توضح للمشاهد أن التاريخ في وطن الفنان فائق العبودي كان مليئًا بالأحداث العنيفة. وقد حوّل الفنان هذا الواقع التاريخي العاصف إلى واقع فني، مما جعله ذاكرة تاريخية. فمن خلال فنه، يعبر الفنان عن كل الألم الذي تسببه الأحداث التاريخية.451 faeq

أبجدية قديمة تحولت إلى رمز للتواصل الفن

بينما كنت "أقرأ" لوحات فائق العبودي، شعرت كما لو أنني أشاهد أجزاء من مآسي العصور القديمة، بل حتى مآسي أيامنا هذه التي يتم تجسيدها على مسرح التاريخ. بهذا، تتواصل لوحات فائق مع العصور، مع الأحداث، ومع الدراما التي تحدث في مسرح التاريخ. من خلال فنه، أنشأ فائق لغته ورموزه وطريقته الخاصة في التعبير الفني.

تتميز لوحاته بأنها تحتوي على عدة لوحات أصغر داخل اللوحة الواحدة، فقد أنشأ في بعض اللوحات خمس، أو ست، أو حتى ثماني لوحات أو محتويات. لقد تمكن فائق من إنشاء لغة تواصل خاصة بلوحاته، حيث أدرج في أعماله حروفًا وعلامات ورموزًا. وبذلك، تواصلت لوحاته مع الجمهور عبر هذه الرموز الفنية.

في الحقيقة استخدم فائق العبودي في جميع لوحاته حروفًا من أبجدية قديمة تعود لآلاف السنين، من خلال هذه الأبجدية اللغوية القديمة، أنشأ فائق أبجدية فنية حديثة. وبهذا، وصل بين العصور المختلفة، ربط بين القديم والحديث، بين الماضي والحاضر، وبينهما جميعًا وبين المستقبل.

الفنان فائق العبودي هو فنان يتواصل مع العصور، مع الفترات الزمنية، ومع الأحداث. وفي هذا التواصل، يتجلى بوضوح فهمه الفني، وطريقته في التعبير عن اهتماماته، والرسالة التي يريد إيصالها إلى الجمهور المحب للفن.

بينما كنت أغادر المعرض، شعرت وكأنني ما زلت أتحدث إلى العصور الفنية القديمة، وكأنني ما زلت أقرأ تلك الألواح الطينية التي كتبت عليها، قبل 5000 سنة، ملحمة جلجامش، واحدة من أروع الأعمال الأدبية المكتوبة.

***

Gani Baytyçi

فنان وناقد من البانيا

..........................

* مقالة نقدية للناقد والاعلامي الالباني غاني بأتياسي عن معرض الفنان التشكيلي فائق العبودي في المركز الثقافي العربي السويسري / غاليري الأرض في زيورخ الذي افتتح مساء السبت 19/ 10/ 2024

الحياة الشعرية غير المتوقعة لوالدي

بقلم: جريتشن ماركيت

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

كان والدي يعرف أسماء السحب وكان يستطيع أن يخبرنا بما يحترق من لون الدخان في المسافة. كانت بلدتنا صغيرة، ورائحة المصنع كانت تشبه رائحة الزهور المتعفنة لكنها لم تصل أبدًا إلى الشارع الرئيسي، حيث كنا ننتظر في الرابع من يوليو لسمع صوت كسر الحلوى الصلبة على الرصيف، مشاهدين والدنا وهو ينظم حركة المرور بصافرته. قضيت معظم طفولتي المبكرة معتقدًا أن هذه هي حدود وظيفته.

كان والدي دائمًا يريد منا أن نكون في فرقة موسيقية، لكن لم يكن أي منا جيدًا في العزف، ولم نصل إلى ما بعد صف الموسيقى في الصف السادس. ما زلت أبكي في العرضات—وجوه الأطفال تتورد تحت قبعاتهم. من المؤسف أن أخيب ظن والدي.

قبل عدة أشهر من صدور كتابي، سألني صديق إذا كان هناك أي شيء فيه قد يزعج والديّ. الحقيقة أن والديّ قد قرأوا النسخة الأطول من المخطوطة منذ زمن بعيد، بعد أن وقعت على عقد النشر. اتصل بي والدي في الليلة التي أنهى فيها قراءة الكتاب. قال: "لاحظت أن لديك الكثير من البرتقال في كتابك."

كان والدي يرتدي حزام سلاح جلدي يصدر صوت طقطقة عندما يخلع معطفه ويجلس لتناول العشاء، مصحوبًا بصوت جهاز الاتصال اللاسلكي الذي يهمس بأخبار عن شجارات في الحانات عبر النهر. لقد قتل حيوانين مصابين بداء الكلب عند حافة حديقتنا— واحد كان حيوان زباد محاصر، والآخر كان راكونًا سقط من شجرته وكأنه مغطى بزهور الكتالبا. كنا نعيش خارج المدينة، ولم يكن هناك ما نخاف منه، على الرغم من أنه في إحدى الليالي، فتحنا الباب لامرأة كانت شفاهها مشقوقة وعينيها منتفختين. اعتذرت قائلة: "أنا آسفة، لكن سمعت أن هناك شرطيًا يعيش هنا."

كان لديه 30 دقيقة فقط لتناول العشاء، لذا في الليالي التي كان يعمل فيها، كان هناك شعور بوجود ضيف. كنت أنا وأختي نزحف عليه، ونريه الصور التي رسمناها في ذلك اليوم - قوس قزح بألوانه العكسية، وشجرة بطائرها الأحمر غير القادر على الطيران، ومهر بساقي صرصور. في معظم الليالي، كان يحمل أخي الصغير أثناء تناوله الطعام. عند خروجه من الممر في طريق العودة إلى العمل، كان أحيانًا يشعل أضواء سيارة الدورية لنا. في بعض الأحيان، إذا كان لديه وقت، كان يعود إلينا حاملاً هدايا من محطة الوقود - كب كيك المضيفة لي ولأختي، وكعكة سوزي-كيو لأمي.

لم يكن والدي يتناسب تمامًا مع قسمه—وهذا جزء كبير من السبب الذي جعلنا في النهاية ننتقل بعيدًا. كان لديه قاعدة—إذا كان يمر بيوم سيئ، فلن يكتب أي مخالفات سرعة، بل فقط تحذيرات. لم يكن يريد نقل مزاجه السيء للآخرين. وعندما تكون الأمور هادئة، كان يستخدم جهاز الرادار لقياس سرعة الأطفال في الحديقة وهم يركضون بجواره. لقد تم السخرية منه بسبب هذا. وكذلك لأنه لم يكن يذهب في رحلات صيد أو صيد السمك. ولم ينضم إلى فرق البولينغ، أو يذهب للتزلج على الثلج، أو يشاهد كرة القدم.

في مرحلة ما، عندما كنت مراهقة، بدأ والدي يأخذ دروسًا في المدرسة التقنية القريبة. إحدى هذه الدروس جعلته يكتب مقالات شخصية. ساعده معلمه في نشر واحدة، عن تجاربه كشرطي في بلدة صغيرة. قامت والدتي بتأطيرها وتعليقها على الجدار في غرفة العائلة. وفي وقت لاحق، فعلت الشيء نفسه مع قصائدي.

انضم والدي إلى الجيش بمجرد تخرجه من المدرسة الثانوية، لأن الخيار الوحيد الآخر كان البقاء والعمل في مصنع الأحذية أو معمل التعليب. لكنه لم يهرب من العمل بنظام المناوبات. سألته في وقت ما عن الوقت الذي كان ينام فيه عندما كنا صغارًا. ولأنني أحببت هذا الأسلوب في الحديث، أتذكر بوضوح أنه قال: "سأكون في منتصف الليل حتى الثامنة هذا الأسبوع"، وتساءلت عما يعنيه ذلك. في كثير من الأيام كان يعتني بنا أثناء النهار بينما كانت أمي في العمل. قال: "الآن عرفت لماذا كنت أحاول دائمًا إقناعك بالنوم معي".

لم يكن أي من الحزن الذي شعرت به في كتابي مفاجأة لوالدي. فقد انفصلت عن شريك حياتي الذي دامت علاقتي به أكثر من ست سنوات، وعانيت لفترة طويلة بسبب ذلك. لقد أحبه والدي كابن له، لذا فقد فهم شيئًا ما عن الخسارة. وخلال فترة حزني، غادر أخي الأصغر في مهمته الثانية ــ هذه المرة إلى أفغانستان. كنت حطامًا في ذلك الصيف. لم أكن آكل أو أنام، وبدا الأمر وكأنني أشعر بالفزع. رفضت عرض والدي وأختي بالقيادة لمدة خمس ساعات لمساعدتي في الاحتفال بعيد ميلادي. اقترح والدي أن يأتي بمفردي ــ رضخت عندما وعدني بأنني لن أضطر إلى الشعور بالسعادة في وجوده. وأننا نستطيع فقط أن نتناول مشروبات البيرة الجذرية ونشاهد فيلم Hell Boy معًا. وأثناء زيارته لي، جلس بجانبي بينما حددت موعدًا مع الطبيب. بكى عندما ركب السيارة للمغادرة في ذلك الأحد. وقال: "هذا يشبه مشاهدتك تسقط من خلال الجليد".

قضى والدي طفولته مع إخوته، وهم يطلقون النار على زجاجات الكحول الفارغة خلف منزل جيرانهم المتنقل. كانوا قادرين على صفها وإسقاطها طوال اليوم دون أن تنفد. في مرة من المرات، عثر على قطة وولدت صغارها محاصرة في أحشاء جرار قديم. قضى طوال اليوم في تفكيك الجرار لإنقاذها، فقط لتقتلهم قطة أخرى في الليل. أخبرنا كيف وجد أطرافهم الصغيرة في العليّة المليئة بالقش. كانت طفولته في الغالب مجموعة من القصص مثل هذه.

لطالما اتصل بي من السيارة على مدى سنوات كلما كان هناك أي شيء له علاقة بالشعر على إذاعة NPR. أحيانًا لم يكن الأمر يتعلق بالشعر حتى—فقط شيء اعتقد أنه قد يثير اهتمامي، أو قد أرغب في الكتابة عنه. ذات ليلة، ترك لي رسالة صوتية: "مرحبًا غريتشين، إنه والدك. أتصل فقط لأنهم يجرون قصة على NPR عن امرأة ستصبح الأولى التي تصل إلى القطب الجنوبي بمفردها. قالت إن الأمر كان أصعب مما كانت تعتقد، وأن هذا هو اليوم الأول منذ انطلاقها الذي لم تبكِ فيه. لا أدري لماذا، لكن ذلك جعلني أفكر فيك. أردت فقط أن أخبرك أنها تبعد أقل من عشرة أميال عن هدفها الآن بينما نتحدث..."

من بين جميع القصص التي سمعتُها عن حياة والدي كشرطي، سواء من فمه أو من أفواه الآخرين، إليك الأسوأ. في إحدى الليالي، استجاب لنداء حول حادث. تعرف على السيارة على الفور، رغم أنها كانت ملتفة حول شجرة. كانت تعود لمراهق كتب له مخالفات سرعة من قبل، وكان قد اتصل بوالديه في بعض الأحيان ليخبرهم أنه كان يتسابق في الشوارع أو أنه كان يتجاوز السرعة القصوى على الطرق الريفية خارج المدينة. كان الصبي مستلقيًا في العشب خارج السيارة وقد تعرض حنجرته للكسر. بينما كان شريكه يتصل بالإسعاف، بدأ والدي ينفس في فم الصبي. أخبره شريكه بالتوقف، لكنه استمر حتى وصلت الإسعاف دون صفارة إنذار. لم يتوقف والدي إلا عندما لمست المسعفة كتفه. وعند العودة إلى المحطة، ضحك شريكه، وأخبر بقية رجال الشرطة في المحطة: "كان يجب أن تروا كيف كان يتنفس في ذلك الصبي الميت. ها، ها." عبر والدي الغرفة، ووقف وجهًا لوجه مع شريكه وقال: "إذا كان هذا ابنك، من تود أن يأتي؟ شخص مثلي أم شخص مثلك؟" هذه قصة أخرى لم أسمعها إلا عندما كنت قد كبرت.

في ليلة وفاة ذلك المراهق، وأثناء مغادرته المحطة، توقف والدي ليتحدث مع المراقبة، وهي امرأة تدعى ساندي وكانت صديقة له. بعد بضعة أشهر من تلك الليلة، سيتم نقل والدي جواً إلى المستشفى. ستكون ساندي هي التي تأخذ سيارة وتقود إلى منزلنا لتخبر والدتي. إن ذكرى ساندي وهي تسير على ممرنا الأمامي، ووالدتي وهي تراها وتقول بصوت مرعب ومستوي: "هذا ليس جيدًا، يا أطفال... هذا ليس جيدًا"، متجذرة في ذاكرتي. لذا، يبدو من المناسب أنه كان هو أيضًا من ناقش ما حدث مع ساندي بعد تلك الليلة السيئة التي مر بها. قال: "أعتقد أنني سأذهب إلى المنزل لأتناول مشروبًا."

عندما عاد إلى المنزل، كان الوقت متأخرًا، وكنا جميعًا نائمين. سكب لنفسه مشروبًا ثم جلس على طاولة المطبخ، ونظر إليه لبعض الوقت قبل أن يسكبه في البالوعة، ويخرج برتقالة من الوعاء الخشبي على المنضدة. جلس وقشر البرتقالة بعناية - بنفس الحرص الذي يقشره به من أجلي، حتى لا يتبقى لب البرتقالة - ثم أكلها ببطء، قطعة قطعة قبل إطفاء الضوء والتوجه إلى السرير في الطابق العلوي.

في المساء التالي، سألته ساندي عن مشروبه، فقال: "لم أشرب مشروبًا. تناولت برتقالة بدلاً من ذلك." فضحكت. أصبح هذا مزحة بينهما. "هل هو ليلة برتقال، ديفيد؟" كانت تسأله كلما غادر كل ليلة. كانت هناك ليالٍ كثيرة تُعرف بأنها "ليالي البرتقال"، لكنني لم أكن أعلم بذلك أبدًا.

عندما جاء والدي في عيد ميلادي، كان قد أخذني لتناول البيتزا واستمع إلى بكائي، ثم أخذني لتناول الإفطار واستمع إلى بكائي. وفي محاولة لإرضائه ولو بقدر معقول من الوقت، أخذته إلى حصن سنيلينج، حيث كان بوسعنا مشاهدة إعادة تمثيل المعارك العسكرية ورؤية أقدم مبنى في ولاية مينيسوتا، من بين أشياء أخرى. وفي ساحة انتظار السيارات، شاهدنا ديكًا روميًا بريًا ضخمًا يتبختر. وفي النهاية، اكتشف انعكاسه في جانب سيارة الجيب الجديدة اللامعة، وبدأ في نقره. كان الأمر صعبًا. بونك. بونك بونك. لقد مت من الضحك (يا له من أحمق!) حتى أشار والدي إلى أنني مؤخرًا كنت أتصرف كثيرًا مثل ذلك الطائر: أسوأ عدو لنفسي. قضيت معظم اليوم في التقاط الصور لوالدي الذي كان يلتقط صورًا لحصن سنيلينج. وفي متجر الهدايا، اشترى ديكًا روميًا محشوًا صغيرًا، على الرغم من حقيقة أنني كنت بالغًا جدًا. "توقف عن كونك ديكًا روميًا"، قال، وقبّل وجهي به.

بعد عدة أشهر، أثناء قراءته لمخطوطتي، صادف كل تلك البرتقالات في كتابي، بما في ذلك قصيدة بعنوان "البرتقالة"، حيث أذكر، بشكل خاص، كيف كان يقشر لي البرتقالات بعناية عندما كنت صغيرة. قال: "إنه غريب فقط. لم أخبرك بأي من هذا، لكن يبدو أنك كنت تعرفين على أية حال."

***

....................

الكاتبة: جريتشن ماركيت / مؤلفة مجموعة قصائد بعنوان "يوم مايو". وقد ظهرت قصائدها في مجلة هاربر، ومجلة باريس ريفيو، وأماكن أخرى. تعيش في مينيابوليس بولاية مينيسوتا.

https://lithub.com/my-fathers-unexpected-poetic-life

(هذي خَاطِرةٌ خَاطِفةٌ عَابِرَة، وعُيوبُها على كاتِبِها دابِرةٌ ودَائِرَة).

قد نَصَحَني غيرُ واحدٍ مُحتَرمٌ مُعتَبرٌ وبحَرفٍ وفيٍّ نَصُوحٍ؛ إن كنتَ للأضواءِ مَيَّالاً بجِنوح، وذا هوىً لأفيائِها سَيَّالاً بطَموح، فلكَ أن تَكفرَ بالتَّقوقعِ وتَفرَّ من حالكِ تَموضعِ مَقبوحِ. وأن تَنفرَ الى أماسيِّ أدبيةٍ في ملتقىً ومُنتدىً مَفتُوح، وتَنثرَ ذرفكَ هنالكَ بلاهِبٍ مِن لَهيبٍ جَمُوح، كراهبٍ من رَهيبِ ما يَخطُّهُ حَرفُكَ السَّمُوح. فعَسى ما لديكَ مِن لبيبِ نضحٍ نضُوحٍ، أن ينالَ استِحسانَ ناقدٍ مادحٍ بمدحٍ مَحمودٍ مَمدُوح. وهكذا نُصحُ النَّاصحِ كانَ خفيةً غير مَصدوح. فَرَدَدتُ عليهِ شاكراً بكلمٍ مُمتنٍّ صَبوح:

لا ناقةَ لي يا ذا عزٍّ في تَهي أماسيِّ سَقيمٌ حرفُها بَحُوحٌ، ولو تَرى إذ هيَ في كلِّ شيءٍ عَليمةٌ وبهِ تَنوحُ، إلّا في بيانِ الضَّادِ وجَمالِ مافي عَنانهِ من صُروح فهيَ عقيمةٌ وبهِ لا تَفوح. ولو ترى إذِ نَواديَ الضّادِ  بَهيمةٌ وعنهُ مُتَغرِّبَةٌ ومِنهُ مُتسرِّبةٌ كسُوح، ولبيانٍ سواهُ مُتحَزِّبَةٌ وبهِ مُتَحزِّمَةٌ بوضُوح. أوَلم تراها كيفَ إنًّها صَوبَ شِعرِ "الهايكو" لاهثةٌ ولم تزلْ تَشتَهيَ لهُ أن تغدوَ ولحرفهِ تلوح. فأمسَتِ الأمسياتُ غُرابَ بينٍ ناعقٍ أضاعَ المَشيَتينِ ذهاباً وحينَ يَروح.

ثمَّ مَن لهُ طاقةً -ياذا حِجْر- في إنصاتٍ لأدبٍ مَسطوح، ويَصرُّ بريحِ لَغوٍ مَلفُوح، ويَجرُّ على مَسمعِهِ بشَذرٍ مَذرٍ مَسفُوح، مابينَ شعرٍّ يَزعُمونَ أنّهُ حُرٌّ، ونثرٍ يَخرُّ بالهَذِّ، ويَدرُّ لبَنَ بَقرٍ غيرِ مَنكوح. بقرٍ لا يدري ما البيانُ بل من جنانِ البيانِ يَفرُّ مُتَثاقلاً بنزُوح.

رحمَ اللهُ ﷻ"الفَراءَ" إذ حدَّثنا عن "الكسائي" فقال: [تَعَلَّمَ الكسائي النحو على كِبر، لأنه جاء الى قوم وقد أعيا، فقال عَيِيتُ، فقالوا له: تجالسنا وأنت تلحن؟ قال: كيف لحنت؟ قالوا له: إن كنت أردت من التعب فقل: أعييتُ، وإن كنت أردت انقطاع الحيلة والتحير في الأمر فقل: عييتُ، فأنفَ من ذلك، وقام من فوره فسأل عمن يُعلم النحو ، فدُل على معاذ الفراء، فلزمه ثم خرج الى البصرة فلقى الخليل ثم خرج الى بادية الحجاز] .

ثمَّ رحمَ اللهُ ﷻ العَبقريَّ"عباسَ العَقَّاد"الفَذَّ الفهيمَ النَّصوح، إذ نزعَ عن"طه حسين"وجوقَةٍ معهُ لحوحٍ، ولاهِثَةٍ نحوَ تَقليدٍ غَربيٍّ بجِمُوح، فنزعَ عنهم لباسَ أدبٍ أغبرٍ أبترٍ أعورٍ نَطُوح، فكانَ عاقبةُ العقَّادَ أن غضبَتِ الجوقةُ عليهِ ومعها إعلامُ الحُكَّامِ بتَغافلٍ مُتعمَّدٍ وبتَجاهلٍ مَفضوح، وأعصَبَتْ رأسَ"طه"بلقبِ "عَميدِ الأدبِ العربيِّ"، فانتصبَ"طه"مُصدِّقاً أنَّه هوَ العَميدُ السَّديدُ المَرجُوح. ثمَّ باركَ اللهُ تعالى في عُمُرِ العلّامةِ "فاضلَ السَّامرائيّ" إذ يقولُ بوضوح؛ "نحنُ اليومَ لا نَتكلَّمُ العَربيَّةَ ولا نفهمُ منها شَيئا"إلّا نَبحٍ مَنبُوح.

ثمَّ إنّي ما خطَطتُ هِذِي الخَاطرةَ إلّا بقلمٍ ذي قُرُوح، ومن وراءِ ألمٍ من مهرجاناتِ أدبيةٍ قبيحٌ ذرفُها، كسيحُ صَرفُها لكنهُ للعَوامِ غيرُ مَفضُوح. عَوامٍ  لا تَدري ما الفَصَاحةُ ولا البَلاغةُ من ذَوي لسانٍ أهوجٍ أعوجٍ بقُروح.

وإذاً فأنا -يا ذا عزٍّ - لا ناقةَ لي في رَحْلِ أهْلِ ضَادٍ جهابِذةٍ في كلِّ شيءٍ مُفَلطحٍ مَطرُوح، إلّا في جمالِ بَيانِ الضَّادِ وكَمالِ مافي عَنانهِ من صُروح. ألا فبُعداً لذا أدَبٍ في ذا دهرٍ كلُّ تَفهٍ وسَفهٍ فيهِ مَسمُوح، وتَعِسَ القَائلُ ولبئسَ المَقالُ الطَّافحُ من زفرةِ الأبطِ لا مِنَ نفرةِ الرُّوح.

***

علي الجنابي

مهرجان الجواهري في دورته الخامسة عشرة.

 

دمشق 2018

ما كدت أدلف خطوتين أو ثلاثا في بهو ـ فندق الشام ـ حتى هرع نحوي بالأحضان الصديق الأديب الفلسطيني حسن حميد سائلا عن أحوالي وأحوال تونس وأدبائها الذين يعرف الكثير منهم ثم التقيتُ بصديقي الشاعر العراقي جبارالكوازالذي لقيته أول مرة في بغداد سنة 1984 بمناسبة المهرجان الأول الشباب

واحسرتاه على ذلك المهرجان وعلى أيامه ولياليه التي قضيناها بين شعر وندوات ورحلات وسهرات

والحق أنّ صديقي جبار الكواز هو الذي تعرّف عليّ الأول فناداني وهو الذي لم يرني منذ تلك السنة متعجّبا من شعري الذي غدا أبيض

تلك هي سنوات العمر

مضت سريعا

لم تترك وارءها إلا القصائد والذكريات

إن مثل هذه اللقاءات بين الشعراء والأدباء العرب مناسبة مهمة للتعارف ولتبادل الإصدارات التي لا تنتشر في أرجاء البلدان العربية وحتى المعارض التي تنتصب هنا أو هناك ليس بوسعها أن تفي بالحاجة بسبب الرقابة الصارمة واِرتفاع تكاليف نقل الكتاب

من أصدقائي القدامى الذين لقيتهم في دمشق الأديب رشاد أبو شاور الذي ما أن أتممت قراءتي الشعرية حتى هرع إليّ مبتهجا بما سمع ثم ونحن جلوس في البهو اِسترجع بحنين ذكرياته في تونس من حين نزوله من الباخرة التي نقلته مع المقاتلين الفلسطنيين بقيادة الزعيم ياسر عرفات من بيروت نحو بنزرت سنة 1982 إلى أن عاد إلى الأردن غير مطمئن إلى الاتفاقيات التي أبرمتها المنظمة في أوسلوا وقتذاك ولم يكن الوحيد من الأدباء الفلسطينيين الذين أبدوا احترازهم من تلك الاتفاقية وذكر لي أن صديقنا الشاعر أحمد دحبور قد مات وفي صدره غصّة خانقة من الوضع الذي آلت إليه الحالة الفلسطينية

لا شك أن الانفسام بين الفصائل الفلسطينية والذي وصل أحيانا إلى الاقتتال هو من أهمّ الأسباب التي جعلت القضية تتخبط في المعاناة بعد المعاناة فعندما يتوحدون ويتحالفون ضمن جبهة واحدة آنذاك سيجدون درب النصر

كان يمكن لرحلتنا أن تكون من تونس إلى دمشق مباشرة مثلما كانت من قبل ولكن حكومة الثلاثي الحاكم بعد 14 جانفي 2011 أسرعت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا مما نتج عنه انقطاع الخط الجوي المباشر ناهيك عن المعاناة الأليمة التي يتحملها آلاف التونسيين المقيمين في سوريا للعمل أو الدراسة وتلك هي عواقب اتخاذ الإجراءات المتسرعة وغير المسؤولة والتي لا تراعي المصلحة الوطنية بل هي بسبب إملاءات وولاءات ما كان لبلادنا أن ترتهن لها فمن الأجدر بها أن تظل تونس منتصرة لقيم الحرية والعدالة والتعاون والحوار فتكون بذلك مساعدة على التقارب والتفاهم بين مختلف الأطراف سواء بالنسبة للشأن الداخلي لكل بلاد أو بالنسبة للخلافات بين بقية البلدان إذا ما اِستوجب الأمر ذل

تلك هي دمشق اِحتفلت كعادتها بالشّعر والأدب فالحياة فيها نابضة دافقة وقد تأقلمت مع ظروف الحرب فالأسواق عامرة والشوارع ناشطة والأرصفة مفروشة بالكتب واللّعب ولابدّ من مقهى النّوْفرة

و ما أمتع الجلوس ساعة في النّوْفرة بعد أن دخلتها من سوق الحميديّة ووقفت للحظات عند تمثال صلاح الدين الأيوبي ثم زرت الجامع الأموي وصلّيْت فيه ركعتين وهو الجامع الذي يمكن اعتباره تحفة فنية وذاكرة معمارية للحضارات التي عرفتها دمشق

مقهى النّوْفرة

أعود إليه بعد عشرين عاما فأجده كما هو يختزن ذاكرة ويبعث الصّفاء والمسرّة رغم كراسيه الخشبيّة القديمة وطاولاته الحديديّة المتهالكة ولكنّ كأس الشّاي المنتصب فوقها يعطي لها بهاء فلا تجده إلا في بعض مقاهي مدينة تونس العتيقة أو في حيّ خان الخليلي بالقاهرة

مقهى النّوفرة

والجالسون فيه من كل الأعمار

***

سُوف عبيد

مرت ثلاثة عقود على غرق السفينة استونيا، وما زالت الصحف في الدول المطلة على بحر البلطيق تتحدث عن المأساة كلما تحل ذكراها.

كان بحر البلطيق هادئا مساء يوم 27 ايلول 1994، حين ابحرت من ميناء تالين سفينة نقل الركاب التي تحمل اسم "عذراء استونيا"، في طريقها الى استكهولم حاملة حوالي ألف راكب من جنسيات مختلفة، غالبيتهم من السويديين والأستونيين، وبينهم فنلنديون. كانت سنة بناء السفينة في المانيا عام 1979. عملت في السنوات 1980 ـ 1990 بين مدينة توركو الفنلندية والعاصمة السويدية ستوكهولم، وفي الاعوام 1991 ـ 1993 عملت ما بين مدينة أوميو السويدية وفازا الفنلندية. في كل مرة كانت السفينة تحمل اسما يناسب خط النقل واهواء الشركة المالكة، فهي مرة Viking Sally، ومرة Silja Star، ومرة Vasa King، الا انها في كل مرة ومع تغير الشركة المالكة ظلت سفينة لنقل الركاب والسيارات بين شواطئ المدن الكبرى في دول بحر البلطيق.

يومها كنت شخصيا مع 98 عراقيا، نخوض محنة اليوم التاسع من الاضراب عن الطعام للخلاص من ورطة السجون الاستونية، بعد ان القت القبض علينا السلطات الاستونية، لتجاوزنا الحدود بشكل غير شرعي في طريقنا الى السويد. غدر بنا المهرب العراقي، حامل الجنسية السويدية والمقيم حاليا في كندا، وتركنا لمصيرنا المجهول بعد صرف على موائد القمار والعاهرات ما استلمه من العراقيين الذين وثقوا به وسلموه أجور نقلهم الى السويد.

هل كان السجن منقذا لنا من الموت؟ ربما!

كانت تالين في تلك الأيام محطة أساسية لعبور العراقيين، الهاربين من سجن كبير اسمه العراق، والحالمين ببلد يمنحهم سقفا آمنا بعيدا عن شرطة وسجون الديكتاتور المجرم صدام حسين وجبهات حروبه وزنازين سجنه وعذابات الحصار الاقتصادي، حيث يمكنهم العيش بهدوء وتربية ابنائهم في اجواء مطمئنة. يصل العراقيون الى تالين بشكل غير شرعي من روسيا بطرق مختلفة، في طريقهم الى دول الشمال الأوربي خصوصا الى السويد التي تمنح العراقيين ايامها حق اللجوء بسهولة. عمل العديد من المهربين العراقيين كوكلاء مع المافيات الروسية والشيشانية الذين لهم علاقات بشكل ما مع عاملين في السفن المبحرة في بحر البلطيق. الطريقة المثلى للتهريب، هي وضع مجموعة من الراغبين باللجوء، في سيارات الشحن، وذلك بإعداد مساحة فارغة بين البضائع، يزودون بالمياه ووجبة طعام ويطلبون منهم السكوت، (يعطون الأطفال حبوبا منومة) وتصعد السيارات بحمولتها الى ظهر الباخرة. قبيل وصول الباخرة الى الشواطئ السويدية يسمح للركاب بالخروج والاختلاط بركاب السفينة وثم النزول الى الأراضي السويدية وتسليم أنفسهم لاحقا للشرطة السويدية والادعاء انهم وصلوا عن طريق المطار او طريق اخر ما للتغطية.

فجأة هاج البحر، وبسرعة خاطفة هبطت السفينة استونيا مع 852 راكبا الى قاع البحر. لم ينج الا 230 راكبا. كأن مأساة التايتانك تتكرر هنا مع قلة قوارب النجاة، وعدم صلاحية بعضها. كان غرق السفينة استونيا صدمة انسانية، ادخل الرعب في نفوس سكان الدول في بحر البلطيق، المحبين للسفر والسياحة، مستثمرين عطلات نهاية الاسبوع، والاجازات القصيرة. هاج وغضب أوكو، إله الأعالي، مالك الرياح، عند الفنلنديين، فأرسل العاصفة التي حولت امواج البحر الى جبال غاضبة راحت تتلاعب بالسفينة مثل دمية.  سرعان ما مالت السفينة بحمولتها، فتكسرت سلاسل ربط وثبيت سيارات الحمل الكبيرة كما تقول فرضيات التحقيق. بدأ الهياج على سطح السفينة، وراح الناس يتراكضون بدون هدف. كان غالبية الركاب في قمراتهم، لم يفهم كثيرون ما الذي يجري وماذا يفعلون. خلال عشرين دقيقة، انفصلت مقدمة السفينة مثلما يكسر الانسان قطعة خيار مطلقة دويا كأنه الانفجار. هذا الصوت الغريب جعل فرضيات التخريب ووجود قنبلة وصراعات المافيا وشركات النقل تطفو للسطح عاليا. عند الواحدة والنصف ليلا بدأت السفينة بالغرق، خلال ثلاث وعشرين دقيقة اختفت تماما بكل ركابها وحمولتها في مياه البحر الهائج، ليعم الحزن والأسى والخوف والاحتمالات والتكهنات شواطئ بحر البلطيق والعالم، ولتشهد بلدان حوض البلطيق امواج اسئلة هائجة واشاعات لا حصر لها. كيف سكن البحر في اليوم التالي بشكل غريب؟ ماذا عن طاقم السفينة، لماذا نجوا كلهم؟ ما هي الاسباب الحقيقية لتخلف مساعد القبطان في اللحظات الاخيرة عن الالتحاق بعمله، ولماذا اختفى بشكل غامض؟ أهي حرب سرية بين شركات التأمين؟ أهي فصل من حرب التجسس؟ لحساب من، ومصلحة من؟ انتهت الحرب الباردة ولم يعد هناك بعبع سوفياتي للكثيرين؟ أتكون روسيا لا تزال تشكل خطرا على جيرانها؟ وما دخل السياسة بحياة 852 انسانا بريئا؟ ما هي عوارض ونتائج العقدة النفسية الجديدة التي ظهرت عند فئات من الناس بأسم "استونيا"؟ ما هو مصير الضحايا وحقوقهم؟

قررت الحكومات المعنية بمأساة استونيا ردم السفينة استونيا وما فيها بأطنان من الإسمنت وهي في قاع البحر وتحويلها الى قبر جماعي، تفاديا لأثارة الكثير من الاحزان. كتبت عن المأساة العديد من الكتب التي ترجمت لمختلف لغات العالم واخرجت العديد من الأفلام الوثائقية، وبثت عشرات الساعات من الأحاديث التلفزيونية، بل وهناك رابطة للناجين من مأساة السفينة. وتحول يوم غرق السفينة الى مناسبة حزن تجمع عوائل الموتى، فكل عام تبحر السفن الصغيرة والطائرات الشراعية الى هناك لتلقي بباقات الورد ولتقام مراسم الحزن.

لم يتحدث أحد عن سيارات الشحن وما تحمل؟

كان مقدرا للبعض من العراقيين، المسجونين في سجون استونيا، ان يكونوا على ظهر الباخرة استونيا، فقد نجح المهرب العراقي بأرسال شحنة من العراقيين على ظهرها قبل عدة شهور. غلب عليه الطمع، فبدل أرسال 45 شخصا، وكل شخص يدفع من الفين الى ثلاثة دولار، أراد المغامرة بجمع أكثر من خمسين شخصا، فقام بتجميعهم في شقق في مدينة تالين بانتظار اليوم الموعود للسفر، ولم يدر انه وزبائنه كان تحت مراقبة الشرطة الاستونية معززة بوحدات من السويد التي حصلت على معلومات كافية من زبائنه الذين وصلوا الأرض، وانتقاما من سلوكه العفن معهم زودوا السلطات السويدية بكل شيء، حتى صوره!

على الارض حصلت العديد من القصص المأساوية. في تلك الأيام ترددت قصة مجموعة من العراقيين الذين اختفوا في روسيا بشكل غامض. قيل انهم اختفوا في تالين. هل يمكن ان تكون المافيا الروسية وبعد ان سلبتهم ما يملكون قتلتهم في غابة على مشارف بطرسبورغ عند الحدود الاستونية ودفنتهم هناك؟ طويلا ظلت السلطات الروسية ايامها تحقق في جثث لناس مجهولين لا يحملون اي وثائق؟ هناك روايات أخرى ذكرت ان مافيا استونية أخبروا مجموعة من العراقيين انهم في طريقهم الى المانيا، ولكن في مقبرة استونية، وفي قبر واحد، دفنوهم جميعا بعد اعطائهم طعاما مسموما. اعتاشت المافيات جيدا على العراقيين الراغبين في الاستقرار وسقف آمن، فكان مصيرهم الموت وبغموض. تبرز مع مأساة السفينة استونيا، فرضية، لو ان مهربا آخر، وهم كثر، نجح في التعاون مع المافيا الشيشانية او الروسية، وقام شحن مجموعة من العراقيين على ظهر السفينة الغارقة استونيا، فهذا يعني انهم الان هناك في قاع البحر، لا أحد يعرف بأسمائهم ولا قصتهم.

من سيكشف اللغز بعد كل هذه السنين؟

***

هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز

بفضاء الهادي التركي للثقافة والفنون تابع كل من زار الفضاء من فنانين تشكيليين ونقاد وأحباء الابداع التشكيلي معرضا متنوع اللوحات الفنية في فسحة هي بمثابة " السفر العاطفي " حيث عوالم الفنان المعبرة عن أحواله وهواجسه واعتمالات دواخله الأمارة بالرسم والتلوين ..كان ذلك بمناسبة افتتاح المعرض الشخصي للفنان التشكيلي محمود عمامو الذي يتواصل الى غاية يوم 01 من شهر نوفمبر المقبل ..ازدان هذا الفضاء الثقافي والفني الأنيق الذي يحمل اسم علم من أعلام الفن التونسي المعاصر عم الهادي التركي رحمه الله والمفتوح أمام المعارض التشكيلية واللقاءات الفكرية والابداعية ومنها تقديم الكتب والاصدارات الجديدة..نعم ازدان الفضاء الجميل بجملة أعمال الفنان عمامو الذي فتح الزائرين لمعرضه هذا على أكوان من التشكيل والتلوين بمثابة الترجمان لأحاسيس شتى بثها في لوحاته وهو يرسل العبارة في النظر والتقبل مشيرا الى خبراتهالجمالية والفنية وهو الذي نوع من مشاركاته عبر المعارض الشخصية والجماعية ..437 amamo

هكذا يبحر الفنان في هذه الأحوال ومعها وبها وضمنها مشيرا بشغف لا يضاهى الى ممكنات التلوين حيث يقول حيزا من شواسعه وهو يحاور القماشة ويحاول عناصر فيها تبرز قابلة للقول بالرسم والتلوين مجالي خيال وابتكار في هذا البحر العاتية أمواجه من الفن الذي مر به منذ القدم محاولون ومبدعون ومحبون ومتمرسون وعشاق ديدنهم البوح بما في الأعماق رغبة في الامساك بلحظات امتاع ظلت بعض آثارها الى الآن من العلامات والشواهد في تاريخ الفن وفق اتجاهات وتيارات ومدارس وبما في بعضها من عفوية التعاطي ودلالات ورموز هي عين العصارة للتجربة وثمارها الجمالية واشراقاتها اليانعة..

ها هو الفن في زواياه المتعددة حيث الفنان يعي شيئا من هذه اللعبة الفنية التي تتلبس به فيمضي معها بالمهج والعواطف والعواصف والأحاسيس حوارا وسؤالا ونظرا مفتوحا قدام العناصر والأشياء..و هنا وفي سياق التجربة نمضي مع تجربة الفنان التشكيلي محمود عمامو بمناسبة معرضه الفني التشكيلي الشخصي هذا المتواصل الى غاية يوم 01 من شهر نوفمبر 2024 حيث تم افتتاحه يوم 18 أكتوبر الجاري ..تخير الفنان التشكيلي محمود عمامو عالمه المشكل للوحاته وفق رؤيته لجمالية بها عفوية واعية تبرز مفردتها الفنية وكأنها في تصميم متقصد يحيل الى ذلك العالم الساحر من احتشاد الذاكرة الحسية عبر فيض الأحاسيس لتبدو اللوحة في وحدة متكاملة عناصر القراءة حركة ولونا ومساحة قائلة بالوجد وما به من باطن الفنان من عواطف شتى..في هذه الأعمال بهذا المعرض رغبات للارتجال تلاؤما مع ما يفضي اليه العمل الفني في سياق من الانسيابية تلوينا وموضوعا وهذا ضرب من الخروج عن مألوف الايقاع الباطني لسياقات معيشة من قبل الفنان فكأنه يرجو اللامنتظر واللامتوقع فقط ما هو منسجم مع احساسه العميق وبطريقته هو فقط..انه الانسياب للذات تفعل فعلها العميق بعيدا عن بهرج اليومي والآخرين..انه الانصات لايقاع مخصوص هو ايقاع الدواخل بأحاسيسها المتحركة والمتراكمة والعميقة وقد حفرت في ذات الفنان حكاياتها وسردياتها المختلفة وها هو الفنان محمود عمامو ينصت اليها ويحاورها ويحاولها قولا بلذتها وجمالها ..لذة الفن وجماله..لوحات مختلفة في هذا المعرض معبرة ودالة على عوالم الفنان محمود عمامو فيها موسيقى بينة وهدوء ضاج وسردية ملونة هي عين بوحه وشجنه وبهجته وقوله الدفين وكل ما نسميه الاحاسيس التي عثر عليها في ذاته وبثها بدلال الفن واللون على مساحات القماشة ..438 amamo

معرض وتجربة وذهاب آخر من قبل الفنان محمود عمامو للتجريب تفاعلا مع دواخله وبنزعة فيها من الشاعرية الكثير ..سفر من عواطف شتى وسردية تشكيلية بها حساسية فائقة حيث التواصل مع الجمهور ومحبي الفن ضمن هذا المعرض الجديد في تجربة الفنان المميز محمود عمامو ليتواصل ذلك الى غاية يوم 01 من شهر نوفمبر 2024.

***

شمس الدين العوني

قبل الوصول إلى بيروت ومنها إلى دمشق لا بد من المرور عبر صراط الإجراءات فلا مناص من المراقبة والتفتيش والمعاينة والتثبت فخلعنا الحذاء والحزام وربما في المرة القادمة نخلع كل شيء…! فاللهمّ اُستُرنا… وباِسم اللّه مَجراها ومُرساها ومُحلِّقُها في الأجواء أيضا

عندما أقلعت الطائرة وشقّت السحاب واستقرت في سَمتها هادئةً ساكنة جال في فكري ِاجتهاد الإنسان عبر العصور منذ اكتشافه النار إلى حذقه اللغة والحساب والعلوم من عصر إلى عصر ومن حضارة إلى حضارة حتى هذا اليوم حيث أجد نفسي على متن جناحين من حديد ونار قاصدا المشرق من المغرب لأصل بيروت في أقل من ثلاث ساعات.

كنت رابع أربعة:

- الشاعر صلاح الدين الحمادي رئيس اتحاد الكتاب التونسيين ورئيس الوفد إلى الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب

- الشاعر عمر الكوز مساعده

- الدكتور فريد عليبي أستاذ الفلسفة

فرفاق السفر جميعهم أصحاب خبرة ودراية لذلك أسلمت لهم المشورة والقيادة فتجاوزنا تعقيدات المرور والأمور من مطار بيروت إلى دمشق بسرعة وسلام

الطريق من بيروت إلى دمشق مكتظة الحركة بالسيارات والشاحنات وتتلوّى بين الشّعاب والأودية والجبال فمنعرجاتها لا يكاد يكون بينها خط مستقيم وترتفع أعلى فأعلى حتى تشقّ السّحاب ثم تنزل هاويةً حتى نكاد نسقط متدحرجين في الوهاد…

الطريق بناياتٌ متصلة وهي مترامية الأطراف بين السّفوح والقمم وسط الاخضرار… اخضرار الغابات والبساتين… وأحيانا نرى الثلوج راسية في القمم ممّا يجعل الطريق لوحة جميلة فليس عجبا أن أنجبَ لبنانُ جبران خليل جبران وفيروز.

هذه دمشق

أقدم مدينة في العالم ما تزال مدينة وعاصمة. هذه دمشق سيدة بلاد الشام التي منحت الإنسانية أبجدية أوغاريت. هذه الشام وملكتها زنوبيا التي حكمتها وجعلت الفلاسفة مستشاريها. هذه شام سيف الدولة الذي نازل الروم وتصدى لهجماتهم على الثغور. إنها شام المتنبي وأبي فراس الحمداني والناصر صلاح الدين.

هذه دمشق

وصلناها أول الليل فإذا هي ساطعة الأضواء والحركة فيها على قدم وساق فالمقاهي والمغازات مفتوحة والناس سائرون على الأرصفة في اِطمئنان ووئام ولم يسترع انتباهي إلا نقاط التفتيش في المفترقات والمداخل ولكنك تمرّ منها بسلاسة وِاحترام.

هذه دمشق التي تنادت عليها السّيوف والرماح فأدمتها وأثخنت فيها مثلما تنادت على العراق وليبيا واليمن ومصر والجزائر وتونس…سيوف ورماح تريد الفتنة والشقاق والحروب الأهلية للظفر في آخر المطاف بثرواتها وإذا كان الأمر في هذه البلدان قد تطلب الإصلاح أو التغيير فإنّي أرى أنه كان يجب أن يكون من دون تدخل القوى الأجنبية على كل حال فكل بلاد مواطنوها هم الأولى بها ولسائل أن يسأل لماذا لم يتنادوا لتحرير فلسطين أو الجولان ومن أين لهم كل هذا العتاد الكبير والمتطور؟ لقد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

ما كدت أدلف خطوتين أو ثلاثا في بهو ـ فندق الشام ـ حتى هرع نحوي بالأحضان الصديق الأديب الفلسطيني حسن حميد سائلا عن أحوالي وأحوال تونس وأدبائها الذين يعرف الكثير منهم ثم التقيتُ بصديقي الشاعر العراقي جبارالكوازالذي لقيته أول مرة في بغداد سنة 1984 بمناسبة المهرجان الأول الشباب.

واحسرتاه على ذلك المهرجان وعلى أيامه ولياليه التي قضيناها بين شعر وندوات ورحلات وسهرات. والحق أنّ صديقي جبار الكواز هو الذي تعرّف عليّ الأول فناداني وهو الذي لم يرني منذ.

***

سُوف عبيد - تونس

 

أو عائد من دمشق

الطائرة نحو بيروت على الساعة الثامنة صباحا ويجب أن أكون في المطار قبل ساعتين على الأقل أي السادسة لذلك قضيت الليلة في دار والدي ـ رحمه الله ـ وسط العاصمة لأكون قريبا من المطار إذ الفصل شتاء والسّحب باتت دكناء والحالة الأمنية لا تبعث على الطمأنينة ممّا يجعل التنقل من ضاحية رادس إلى المطار في ساعة مبكرة غير مضمون فسيارات الأجرة لا تجازف بالجولان في مثل هذه الظروف.

وقبل أن ترنّ ساعة الهاتف بادرتُ بالنهوض وعند الخامسة كنت أّودّع زوجتي الحريصة دائما على أدقّ التفاصيل في حلّي وترحالي وأكّدتْ مُوصيةً على تناولل قراص الدواء في مواعيدها ثم دسّت بعنايتها المعهودة اللّمجة والبسكويت وقارورة الماء في حقيبتي الصغيره التي لا تحتوي إلا على نسختين من ديواني وقميصين وربطتيْ عنق وثيابي الداخلية فأنا أحبّ السفر خفيفّ الحِمل لا يُعيق تنقلي و يسهّل إجراءات التسجيل والتفتيش في المطارات والحدود

رذاذٌ على تونس

فجرَ يوم الجمعة الثاني عشر من جانفي سنةَ ثماني عشرة وألفين خرجت من المدينة العتيقة مُسرع الخطى نحو الشارع الكبير فلم ألاحظ الحركة العادية ولا تواتر سيارات الأجرة في مثل هذه الساعة بسبب الاضطرابات السائدة في البلاد التي لم تعرف الاستقرار رغم تعاقب الحكومات ووعود الأحزاب

صباح الخير يا تونس

الخامسةُ والنصف والسيّدةُ التاكسي لم تأت

ماذا أفعل إن فعلَتْها ولم تأت

لا شكّ أن الطائرة لن تنتظرني وسترحل في موعدها

بدأ هاجس الشك ينخرني

ولمحتها صفراء تطل قادمةً تتهادى في ثوبها الأصفر بإشارتها الضوئية الحمراء وهي علامة أنها مُهيأة لي فأشرتُ إليها من بعيد إني هنا يا سيدتي وفي اِنتظارك

صباح الخير

صباح الخير

إلى المطار من فضلك

لم أكن في حاجة أن أرجو من السائق أن يسرع حيث لم أكد أغلق الباب حتى انطلق كالعاديات ضَبحا والمغيرات صُبحا لا يعبأ حتى بالأضواء الحمراء وما رأيت سيارة أمامه إلا تجاوزها حتى وقف عند باب مطار تونس قرطاج

شكرا سيدي

والشكر يجب أن يكون نقدا كي يكون ذا جدوى وإلا أكون كقول الشاعر جَحظة

لي صديق يحبّ قولي وشدوي * وله عند ذاك وجهٌ صفيقُ

إن غنّيتُ قال أحسنتَ زدني * وبأحسنتَ لا يباع الدّقيقُ

ـ 2 ـ

قبل السّادسة بخمس دقائق مكثتُ واقفا أنتظر الأصدقاء مبتهجا بعدم وصولي متأخرا بل غمرتني الفرحة أيضا إذ لم أفوّت موعد الطائرة نحو بيروت ومنها أعبر إلى دمشق.

دمشق التي لم أعُد إليها منذ سنوات عديدة وهي اليوم قد أثخنتها الحرب التي أسعر نارها أطراف خارجية لمصلحة القوى العالمية وبعض الأطراف العربية التي دعمتها بالمال والعتاد والأيادي وقد كان من المفروض أن يبقى الخلاف في سوريا بين السّوريين فحسب فهم أدرى بشؤوتهم الوطنية وكان على االأشقاء العرب قبل غيرهم أن يساعدوهم على الوفاق وليس على الشقاق وليتهم تنادوا إلى تحرير فلسطين أو الجولان وليت أولئك الشيوخ نصحوا ملوكهم وأمراءهم ونصحوا أنفسهم أوّلا

قبل الوصول إلى بيروت ودمشق لا بد من المرور عبر صراط الإجراءات فلا مناص من المراقبة.

***

سُوف عبيد - تونس

 

مواطن عربي ينقل ابرة الراديو من محطة الى محطة ويعلق على ما يسمعه من اغان وبرامج واخبار وتعليقات من الصباح الباكر حتى نهاية الارسال في الوطن العربي.

إذاعة رقم 1: عزيزي المستمع في نزهتنا الصباحية كل يوم تعالى معنا الى ربوع وطننا الحبيب حيث لا شيء سوى الحب والجمال.

المستمع: والتخلف.

اذاعة رقم 2: اغنية لفيروز "جايي انا جايي...جايي لعندك جايي"

المستمع: يا فتاح يا رزاق انها حتما فاتورة الماء او الكهرباء او الهاتف.

إذاعة رقم 3: عزيزي المستمع مع الزهور والرياحين والنرجس والنسرين والفل والياسمين.

المستمع: يا فل يا ياسمين والله لو مات احد أصدقائي في هذا الغلاء الفاحش فلا استطيع ان اقدم له الا إكليلا من الخطابات.

إذاعة رقم 4: قصيدة اليوم وللحرية الحمراء باب.

المستمع: بكل يد قابضة يدق.

إذاعة رقم 5: وانا نعلن من هنا ان لا شروط لنا ابدا على تحقيق الوحدة العربية.

المستمع: باستثناء شرط واح هو اننا لا نريدها.

إذاعة رقم 6: حكمة اليوم قل كلمتك وامشي.

المستمع: الى البنك.

إذاعة رقم 7: ان المجلس الأعلى لشركات الطيران العربية يحذر في مؤتمره المارقين والعابثين بقضايانا المصيرية ويضع كافة امكاناته وطاقات في خدمة المعركة.

المستمع: بما ان الأمور قد وصلت الى شركات الطيران فمعنى ذلك ان القضية " طايرة قريباً"

إذاعة رقم 8: "حلم لاح لعين الساهر"

المستمع: عودة الحياة الطبيعية الى لبنان.

إذاعة رقم 9: من انبائنا الرياضية خرج الجواد العربي "نور الصباح" من الداربي الانكَليزي بعد الشوط الأول بسبب اهمال الجوكي وسقوطه عنه.

المستمع: طبعا لان العرب لا يعرفون ان يُخيلوا الا على بعضهم.

إذاعة رقم 10: وان الاتحاد النسائي العام في الوطن العربي يدعو كافة اعضاءه المنتسبات...

المستمع: الى ترك اطفالهن دون رضاعة وازواجهن دون طعام وبيوتهن دون ترتيب ومطابخهن دون جلي والتفرغ لحل مسؤولياتهن وفضح المؤامرات التي تحاك ضد قضيتنا وامتنا وكل فرع لا يتقيد بهذه التعليمات يغلق وتختم جميع مكاتبه "بالشكي الأحمر"

إذاعة رقم 11: وكما قلنا واكدنا مرارا نعلن امام العالم اجمع انه:

لا صلح

لاعترافات

لا مفاوضات

المستمع: لا تكذبي اني رأيتكما معاً.

إذاعة رقم 12: واننا نؤكد أيضاً من هنا لجميع الشعوب العربية والإسلامية اننا لن نذهب الى مؤتمر ولن ننسحب من جلسة ولن نتهاون في قضية ولن نساوم على حق ولن نتردد في مساعدة ولن نتراجع عن موقف ولن نفاوض ولن نصالح ولن نقرر الا ما تمليه إرادة الشعوب.

المستمع: والشعوب في السجون.

إذاعة رقم 13: اغنية " ديماً وراك دايماً اتبع خطاك ديماً"

المستمع: معروفة المواطن والمخابرات.

إذاعة رقم 14: وبعد ان شرح سعادته لسفراء الدول الغربية الظروف الخطيرة التي تمر بها المنطقة، اعطاهم مهلة شهرين للعودة بأجوبة واضحة من حكوماتهم، وذلك قبل بدء حملة الانتخابات الامريكية وانشغال العالم بها لأن العرب مصممون اكثر من أي وقت مضى على صوم رمضان القادم في القدس والصلاة في عكا والوضوء في مياه الأردن، ثم استقل سعادته الطائرة في رحلة استجمام في اوروبا تستمر.....

المستمع: الى ما بعد الانتخابات الامريكية.

إذاعة رقم 15: واننا في هذه الظروف المصيرية نحث جميع القادة والمسؤولين العرب على الالتزام بقرارات جميع القمم العربية دون استثناء: قمة الخرطوم وقمة الرباط وقمة بغداد وقمة فاس الأولى والثانية.

المستمع: عجيب كل هذه القمم ومازلنا في الحضيض.

إذاعة رقم 16: والان سيداتي سادتي ومع اقترابنا من ركن المنزل تنضم جميع موجاتنا العاملة....

المستمع: الى جبهة الصمود والكفاح العربي...و تقدم لكم طبخة اليوم.

إذاعة رقم 17: ان طريقنا الى فلسطين لا بد ان تمر ببيروت.

المستمع: وجونيه.

إذاعة رقم 18: ومن موسكو.

إذاعة رقم 19: ومن واشنطن.

المستمع: من كثرة الطرق التي أصبحت تؤدي الى فلسطين صارت القضية في حاجة الى ادارة مرور.

إذاعة رقم 20: فيروز تغني انا وشادي...تربينا سوا...راح شادي...ضاع شادي.

المستمع: بس شادي؟

المذيعون العرب: اخرس.

المستمع: لن أخرس.

المذيعون العرب: ستخرس رغماً عن أنفك. ( وتمتد مئات الأيدي من الراديو وتنهال عليك ضرباً وصفعاً): كلب جاسوس، حقير، طابور خامس...الخ....

إذاعة رقم 21: ناسف لهذا الخلل الفني، وسنعود بعد إصلاحه.

إذاعة إسرائيل: لا....لا...خذوا راحتكم.

***

الى القادمة (8): اللوحة المسمارية

عبد الرضا حمد جاسم

 

رَجَعْتُ الى بَغدَادَ مُتلَهِّفاً لنَوارسَ دجلةَ بعدَ طَوالِ غِيَاب. غِيابٍ ضَاعَتْ بهِ الأيامُ في أرَقٍ وجزعٍ من ضُروبِ الإغتِراب، وزَلَقٍ وجَزعٍ في دُروبِ الإكتِئاب، وماكانَ الاغتِرابُ إلّا غُروباً موجِعاً بعَذاب.

عُدُّتُ الى بَغدادَ وعنها ما ابتَعدتُ لحظةً في فُؤاديَ باحتجَاب، بلِ النَّبضُ فيها كلَّ حينٍ كانَ نابضاً بمَقامِ البَياتِ باستِطرَاب:

"على شَواطئِ دجلَة مُرْ، يا مُنيَتي وقتَ الفَجر، شُوفوا الطَّبيعة تِزهي بَديعة، ليلة ربيعَة يضوي البدرْ ..".

عُدُّتُ لبغدَادَ فقبَّلتُ رأسَ ما تَبقَّى من أهلِ داريَ الأحبَاب، ولقد بَصُرتُ رُؤوسَهمُ بالغَمِّ مُتَذَمِّرَةً وفيهِ شَارِعةً باستِقطاب، وكُؤوسَهم بالهَمِّ مُتَخَمِّرَةً ومنهُ جارِعةً بانكِبَاب، فقَالُوا لي؛ " كُلْ قِطَعَاً مِن كَعكَةِ بهجَتِنا بكَ وذَرِ كلَّابَ الغَمَّ وما أصَاب. كَعكعةٍ مُعطَّرةِ بماءِ دجلةَ بخِضَاب، ومؤطَّرةٍ بعَسلِ تَمرِها، وبَيضُ نوارِسها كانَ لها الرُّضَاب". فأجهَضتُ على قطعَةٍ ثمَّ نَهَضتُ مُيَمِّماً وَجهيَ شَطرَ منزلِ صَديقٍ من سَالفِ الأصحَاب.

صَديقي هذا هوَ لديَّ الأعزُّ بينَ الصِّحَاب، وما إنفكَّ يَعصِفُني طِيلةَ سِنينَ مِن اغتِراب، بنَفخٍ مِن لاذعِ حَرفٍ ولفحٍ من لاسعِ خطاب، على مَعَرَّةِ هَجريَ الوَطنِ وما كانَ يُباليَ بما لديَّ من أسبَاب، بل يُعَيِّرُني بفِراريَ مِن الوطنِ إن حاقَ بِرافِديهِ والتُّراب، مُحتلٌّ غاشِمٌ باغتِصاب، سَائِقٌ أمامَهُ أدِلّاءَ من هَوامٍ وذُباب، وأذلّاءَ مِمَّا سيخلِفُهُ من أذناب.

صديقي كانَ ينصحُنيَ أنَّ الأوطانَ حينَ الرَّغدِ أحضَانٌ لأهلِها ولضيوفٍ أغراب، و حينَ الرَّعدِ هيَ خنَادِقُ كفاحٍ لأبنائِها حتَّى يَنجليَ الضَّيمُ والضَّباب، وما كانَتِ الأوطانُ فَنادِقَ استِجمامٍ واستِرطاب.

ضَرَبَ خُنصُري على الجَرَسِ فَفتحَ صديقي ليَ البَاب، فأعربَ لي بحَنينٍ صَافٍ وخَلَّاب، وأنينٍ وافٍ من تِرحاب. ثمَّ غَربَ حَنينُنا والأنينُ الى كأسِ دَمعٍ فَشَربنا منهُ باضطِراب. ثمَّ هَربَ من صَديقي كلَّ عَصفٍ كانَ قد عَصَفَني بهِ طَوالَ أيامِ الغياب. فنَادَيتُهُ بكَلمٍ مَكلومٍ من فمٍ يَتَبَلَّعُ باللُّعاب؛

- كيفَ أنتَ يا خيرَةَ الأحبَاب؟

- لا تَسلْ  عِراقيَّاً "كيفَ أنتَ" في ذا حقبةٍ من أحقَاب، كيلا تضطَرَّهُ لردٍّ كاذبٍ من جَواب؛ " أنا بخيرٍ ولا يَنقُصنيَ إلّا رؤيةَ الأحبَاب". ولسوفَ ترى عينَاكَ ما في البلادِ من سُبابٍ وخرابٍ العجبَ العجاب.

- قد عُدُّتُ في أجازةٍ خاطِفةٍ لأتَمَلَّصَ من آهاتِ الاغتراب، وأتَخَلَّصَ ولو لشهرٍ من واهاتٍ في الصَّدرِ جَلَلٍ صِعاب.

- حسَناً فعلتَ يا نابِضَاً "بالهامبُرغرَ"، ورابضاً في "الكافِيه" ورافِضَاً لليشماغِ والجلباب. ولا ريبَ أنَّ لتُرابِ الوطنِ رَنَّةً بِأنَّةٍ من عَذاب، وكُثَيِّبُ رَملِهِ هوَ على خَافقِكَ دَوماً غالبٌ غَلَّاب. وذلكَ كُثَيِّبٌ لا يشعرُ بدِفئِهِ إلّا مَن فارَقَهُ شَطرَ الهَوى الأشقرِ الجَذّاب. وأراكَ قد غَرفتَ من ذاكَ الهَوى حتَّى بردَ فيكَ الوَطيسَ وكفَّ عنكَ سيلُ اللُّعاب. ثمَّ عَرَفتَ دِفءَ النَّوى في هذا الكُثيِّبِ الغَلّاب، فَذَرَفتَ الدَّمعَ فانجَرَفتَ صَوبَهُ توقاً بانقِلاب، وإذِ كان نغمُ "على شَواطئِ دجلة مُرْ" لكَ رافِعاً، والدَّمعُ فيكَ وقتَ الفجر دافعاً وقد تَهطَّلَتِ الأهداب.

- أجل، يا زبدَةَ مَن رأتَ عينيَّ من أصحَاب. بيدَ أنَّ دَمعيَ قد جَفَّ وكَفَّتْ رَعشَةُ الأهداب، لمَّا بَصُرتُ وأنا في طَريقيَ إليكَ خَراباً في تَباب. وإذ رأيتُ القومَ قد أبدلَوا صورةَ الزَّعيمِ بألفِ صَورةٍ لزعماءَ شتّى من أحزاب وحتَّى عمائِمَ دينٍ شيبةٍ وشَباب، وإذ شَعرتُ أنَّها صُورٌ لضباعٍ، وبعضُها كانت أقربُ لوجوهِ ذِئاب. وإذ رأيتُهم كارَهينَ لأشارةِ مرورٍ وَمُتَفَكِّهينَ بالشَّغبِ والصَّخبِ جيئةً وذهاب. وإذ يتَفَوَّهونَ بكلِّ تلاعنٍ وتلاحنٍ وسباب. لقد شَعرتُ أنَّهم مُتَرَفِّهونَ بحَالكٍ من جهالةٍ ولا يفهمونَ خردَلةً في فيزياءَ ولا حتَّى جدولِ الضَّربِ في الحِسَاب. وعَجَبي هذا أُبدِيهِ بينَ يَديكَ بامتعَاضٍ وارتيَاب، فَعَسى أن يكونَ بؤبؤُ عينيَ هو ناقدٌ حاقِدٌ كذَّاب، فما عهَدتُ بني قوميَ عبر سِجلَّاتِ الأحقَابِ والأعقَاب، إلَّا من ذوي الفضائلَ ومن خيرةِ الأنسَابِ والأحسَاب. فهَلَّا أنبأتنيَ يا صاحبي باقتِضاب؛

ماهذا السَّفهُ في النُّفوسِ والسَّفلُ بأقبحِ ما يكونُ من خطاب. وعَلامَ قائِمٌ ومستَمِرٌّ هذا الخزيُ وهذا الخَراب. أوَليسَ الحِصارُ عنِ بلدِنا قدِ انقَشَعَ، والاستبدادُ عن مُتونهِ قدِ انخَلَعَ، ثمَّ قانونُ "الدِّيمُقراطيةَ"في قلبهِ قدِ انجَمَعَ، وهاهوَ"بنكُهُ"المركزيِّ بالأموالِ قدِ فاضَ وارتَفَعَ فوقَ السَّحَاب. فعلامَ قائِمٌ هذا السَّفلُ وذا الخَزيُ والخَراب؟

- لا أدري يا أخيَّ، وحقَّاً لا أملكُ لكَ بينَ يديَّ من جواب. بلِ العَجَبُ إنَّ حُكمَ البلدِ مدعومٌ من أممِ الغربِ كافةً بإيجاب، وإنَّهُ مباركٌ من مَراجعِ الدِّينِ كافَّةً باستِحباب، ومؤَيَّدٌ من مجامعِ العشَائرِ وغيرُ مُعاب. أنا حقَّاً لا أملكُ تبياناً عن ذا سَفَهٍ وسَفَلٍ مَهينٍ مُعاب. وألتمسُ منكَ العذرَ يا صاحبي على مافَرَّطَ لساني بحقِّكَ من عَصْفٍ فَاقدٍ للذَّوقِ والآداب. ولكَ أن تقصِفُنيَ الآنَ بشَذرٍ من عِتَاب بل بشَرَرٍ من عِقاب، جزاءً وفاقاً على ما عَصَفتُ بهِ عليكَ طِيلةَ أيامِ غِيابِ الإغتِراب. ولقدِ اكتَشَفتُ اليومَ بعدَما زالَ عنّيَ الحِجاب، أنَّ كلَّ أولئكَ كانَ مِنّي مَحضُ هَباءٍ في هضَاب. ثمَّ إنِّيَ أرى أنَّ الشَّهرَ طويلٌ أمدُهُ عليكَ في بلادِ الغَاب، فعُدْ راشِداً في غدٍ أو بعدَ غدٍ، ودَعْ لنا الهمَّ وشَوْكَ الرّهَابِ، والغَمَّ ولوكَ اللُّعاب. مهلاً يا كارهَ الغترةِ والجِلباب؛

هلّا تَكرَّمتَ يا صاحُ فأرسَلتَ اليَّ تأشيرةَ دخولٍ لبلدكَ البعيدِ، يا سيِّدَ أولي الألباب.

***

علي الجنابي

 

من الملاحظات المحيرة أن الشعراء كالبحتري، وعلي بن الجهم، وإبن المعتز، لم يشيروا في أشعارهم ولو ببيت واحد إلى الجامع الملوية!!

فالبحتري الذي رافق البناء منذ بدايته لم يتحفنا بوصف شعري له، بل وصف العديد من القصور ومدح جميع الخلفاء، وقصيدته في البركة الحسناء معروفة، لكنه لم يذكر الملوية في شعره !!

 ترى كيف يصح في الأفهام ذلك؟

كيف يتم إهمال جامعين كبيرين في المدينة، هما الجامع الملوية وجامع أبي دلف، ويتحقق تخريبهما، وينتفي ذكرهما في قصائد الشعراء، وهما يمثلان ثورة معمارية أصيلة، ويتمتعان بجمالية متميزة في ذلك الزمان.

لو كان الحرص على الدين متقدما في الدولة آنذاك، لظهر واضحا في النصوص الشعرية، ولنال الجامعان حقهما من الوصف والتقدير والتعبير عن دورهما في المجتمع، لكن الدين يبدو كان من الدرجات الأخرى، وأن الجامعين كانا مجرد مظاهر لحالة غير موجودة، وإلا كيف يفسر غيابهما من النصوص، وخرابهما بعد أن تحولت العاصمة إلى بغداد، وربما قبل ذلك.

فلا يعقل أن يتحول جامعان بروعة المواصفات المعمارية والأهمية الدينية، إلى خرائب وأطلال، والذين خربوهما المسلمون أنفسهم!!

نعم الذي خرب معالم سامراء بقصورها وجوامعها هم المسلمون، فهل كانوا حقا يعرفون دينهم؟

بقيت معالم الأندلس التي سبقتهما بأكثر من قرن، وتحولت إلى أطلال بائدة مباني سامراء.

إنها الإنتقامية والكراهية، والشعور بالقهر لسيادة الأجانب على الدولة، والنيل من العرب والحط من قبمتهم ودورهم، وتحكم الأغراب بمصائرهم، مما دفع إلى حركة عدوانية على ما يمثل تلك الفترة العصيبة، التي عصفت في سامراء أثناء فوضتها الدموية العارمة.

وحبذا لمن لديه الدليل الواضح أن يدحص المقال، ويزيدنا معرفة ودراية.

"رفعوا القصور على كواهل شعبهم...وتجاهلوا حقا له مشروعا"!!

***

د. صادق السامرائي

 

(إن الهدر يبدأ من هدر الدم إلى هدر الوقت مرورا بهدر الفكر والوعي والإبداع، "وقد يتخذ الهدر شكل عدم الاعتراف بالطاقات والكفاءات أو الحق في تقرير المصير والإرادة الحرة وحتى الحق بالوعي بالذات والوجود).

من كتاب "الانسان المهدور"

(لا يمكن أن يصل إنسان العالم المتخلف إلى التوازن النفسي وإلى الشخصية المعافاة والمتوازية والغنية، إلا إذا تحرر من وضعية القهر التي تفرض عليه. لا يمكن للرجل أن يتحرر إلا بتحرر المرأة، ولا يمكن للمجتمع أن يرتقي إلا بتحرر وارتقاء أكثر فئاته غبنا، فالارتقاء إما أن يكون جماعيا عاما، أو هو مجرد مظاهر وأوهام.)

"من كتاب مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور"

صباح هذا اليوم الاثنين الرابع عشر من تشرين الاول 2024 رحل عن عالمنا المفكر اللبناني مصطفى حجازي تاركاً وراءه إرثاً فكريا كبيرا من الاشتغال بحقل التحليل النفسي، وعلم الاجتماع والتزاماً لم ينقطع عن هموم المجتمعات العربية وقضاياها.مات مصطفى حجازي وبلده لبنان يتعرض الى عدوان وحشي في وقت يعاني منه المواطن من تجبر السلطات وتغولها وسرقتها لاحلام الناس

ولد  مصطفى حجازي في مدينة صيدا عام 1936، درس علم النفس  في جامعة عين شمس" المصرية  وتخرج عام 1960. بعدها سيحصل على منحة دراسية الى بريطانيا  بأربع سنوات سافَر إلى بريطانيا للاطّلاع على التجارب العليمية الجديدة في مجال علم النفس، يدرس في جامعة ليون الفرنسية ليحصل على الدبلوم  في  علم الجريمة العيادي عام 1965، ثمّ دكتوراه في علم النفس من الجامعة ذاتها عام 1967. وهناك يتعرف على عالم النفس الشهير مصطفى صفوان .

عمل استاذا لعلم النفس والصحة النفسية في عدد من الجامعات . اهتم مصطفى حجازي بدراسة أحوال المجتمعات العربية منذ النصف الثاني من القرن العشرين، وقد شملت في إطارها موضوعات عديدة مثل الطائفية والتخلّف والمجتمع المدني وانتظام السلطة الحاكمة وعلاقتها بالمحكومين والعولمة، وفي هذا السياق قدّم كتابين  اساسيين عن  أحوال الإنسان العربي، وهُما: "التخلّف الاجتماعي: مدخل إلى دراسة سيكولوجية الإنسان المقهور" ، و"الإنسان المهدور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية" وكتاب " العصبيات وافاتها" و"النقلات الحضارية الكبرى اين نحن منها.

***

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

بعد ثلاثين سنه من الثقة المتبادلة بين المواطن العربي وأجهزة الاعلام العربية، نعلم انه عندما تركز هذه الأجهزة على قضية ما وترعاها فجأة بكل ما عندها من صحف ومجلات وخطب ومهرجانات ومطربين ومطربات، فمعنى ذلك أن نقرأ الفاتحة قريباً على هذه القضية.

انا مثلاً دون تردد او مناقشة ما ان تركز هذه الأجهزة على قضية الحرية فجأة حتى اجهز شحاطتي وبيجاماتي واحلق رأسي على الصفر سلفاً.

و عندما تركز على موضوع الاشتراكية اسارع على الفور واتفقد برادي صحناً صحنا وبيضة بيضه لأن معنى ذلك ان الناس ستأكل بعضها عما قريب.

وعندما تركز على موضوع النصر والتحرير واستعادة الأماكن المقدسة أضب الحقائب واستعد للمبيت قريباً انا وعائلتي تحت أحد الجسور في الفاتيكان لأن معنى ذلك ان قطعة أخرى من الأرض العربية ستطير.

والان تركز هذه الأجهزة في مشرق الوطن العربي ومغربه فجأة وبعد خراب البصرة على موضوع الوحدة العربية بحجة انها الرد الحاسم على ما تطرحه الامبريالية الامريكية في المنطقة من مشاريع جديدة للتجزئة والتقسيم ومعنى ذلك ان عدد الدول العربية سيرتفع من 22 الى 42 دولة أي بعدد الولايات المتحدة الامريكية تقريباً

ماذا فعل المواطن العربي لحكامه خلال الثلاثين سنة حتى يُعامل هذه المعاملة؟

اعطاهم أولاده للحروب

و عجائزه للدعاء

و نساءه الزغاريد

و كساءه لليافطات

ولقمته للمآدب والمؤتمرات

و شرفاته وموطئ قدميه للمهرجانات والخطابات

وطلب منهم نوعاً واحداً من الحرية وهو النوع المتعارف عليه في ابسط الدول المتحضرة، فأعطوه عشرين نوعاً من الحرية لا يوجد لها مثيل لا في الدول المتحضرة ولا في الدول المتوحشة

و طلب منهم نوعا واحد من الاشتراكية وهو النوع المعمول به في معظم الدول الاشتراكية ، فأعطوه خمسين نوعاً من الاشتراكية الا النوع المعمول  به في الدول الاشتراكية

اعطاهم سبع دول عام 1949 لتوحيدها فأعطوه بعد ثلاثين سنة 22 دولة لا يستطيع 22 بسمارك ان يوحد أنظمة السير فيها.

ومنذ ثلاثين سنة أيضا اعطاهم قضية ظريفة خفيفة كالفلة تتمنى معظم الدول والشعوب في ذلك الحين ان يكون عندها قضية مثلها وهي قضية فلسطين فأعطوه بالإضافة اليها:

قضية لومومبا

وقضية المالكي

وقضية الشواف

وقضية البارزاني

وقضية بن بركة

وقضية بن بلا

وقضية بن عاشور

وقضية عبد الحكيم عامر

وقضية برلنتي عبد الحميد

وقضية علي صبري

وقضية خزنة عبد الناصر

وقضية موسى الصدر

وقضية جنبلاط

وقضية سعد الحداد

وقضية احمد الخطيب

وقضية الخميني

واخيراً قضية السادات

فماذا يتحمل هذا الانسان ليتحمل؟

بمعنى ان ينام المواطن العربي على هم قديم هذا لا يجوز وامر لا ترضاه أنظمة الحكم العربية ولا دول عدم الانحياز ولا منظمة الوحدة الاسيوية الافريقية ولا منظمة الصحة العالمية

المفروض كل يوم جديد، هم جديد وان يعود المواطن العربي الى بيته في المساء وهو لا يحمل لعائلته واطفاله اكلة جديدة او ثياباً جديدة بل قضية جديدة.

وتقول إعلانات الدعاية ان ساعة اوريس التي تتحمل الصدمات هي ساعة المستقبل.

قسماً بالله الف ساعة اوريس لا تتحمل في ثلاث سنوات الصدمات التي يتحملها المواطن العربي في ثلاث دقائق

و لذلك كل ما يلزمه هو قشاط جلد من عند الرأس والقدمين ليلفه الطيارون ورجال الاعمال حول معاصمهم باعتباره هو لا أحد سواه ساعة المستقبل ...

الى التالية: 7/ سيداتي سادتي

***

عبد الرضا حمد جاسم

 

‏العام 1886 سألت احدى السيدات الكاتب الأنكليزي أوسكار وايلد وكان يعمل رئيسا لتحرير مجلة " عالم المرأة" عن الكتب التي ينصحها كامرأة بقراءتها فكانت إجابته مقال نشره في المجلة بعنوان " مقدمة في الفن " والطريف إن المقال الشهير الذي وضع فيه وايلد نظريته في الفن والأدب ترجمه الى العربية أحد أشهر أطباء علم النفس في العراق الدكتور علي كمال ونشرته مجلة الرسالة المصرية عام 1942، ومن وصاياه التي تضمنها المقال :" ليس هناك كتاب أخلاقي أوغير اخلاقي.الكتب أما أن تكون كتابة جيدة أو رديئة، وهذا كل شيء.

‏في ظهيرة يوم ممطر من شهر تشرين الثاني عام 1895، وقف أوسكار وايلد بانتظار القطار الذي ينقله الى السجن، كان قد حكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة عامين بتهمة الأفعال الفاضحة، شاهد المارة الكاتب الشهير مكبل اليدين، في السجن تمت مراعاة مكانته فكلف بمهمة مساعد أمين المكتبة، مما أتاح له فرصة نادرة للحديث مع السجناء عن موضوع محبب الى نفسه، وهو القراءة. في الوقت نفسه أخذ يقدم نصائح ممتازة عن الكتب لمن يريد أن يقرأ من السجناء.

‏التقارير التي كانت تقدم عن وايلد في السجن تقول انه كان منهمكاً في إعادة قراءة الكلاسيكيات المحببة الى نفسه، فقد طلب أن يحصل على سبع كتب أبرزها الكوميديا الالهية لدانتي، ويكتب في رسالة الى شقيق زوجته إن : "الحرمان من الكتب فظيع مثله مثل الحرمان الجسدي في حياة السجن الحديثة، هذا الحرمان الجسدي لا يُقارَن بالحرمان التام من الأدب بالنسبة لشخص كان الأدب له أهم شيء في الحياة، الشيء الذي يمكن من خلاله إدراك الكمال، ومن خلاله وحده يمكن للعقل أن يشعر بأنه حي".

‏وفي عريضة قدمها الى وزير الداخلية شرح وايلد معاناته من نقص الكتب التي هي اساسية لكي يحافظ الانسان على توازنه العقلي. وقد سمحت له ادارة السجن بقراءة كتابين في الأسبوع، ولكن مكتبة السجن صغيرة جدا، فتم السماح له بادخال كتب جديدة، فطلب روايات غوستاف فلوبير وكتب ارنست رينان، وبعض مؤلفات شكسبير ورواية ثيربانتس " دون كيشوت "، وكتب سبينسر واشعار كيتس ومؤلفات افلاطون ونسخة من الانجيل، ومجلد يضم أعمال من المسرح الاغريقي، ونسخة من ألياذة هوميروس، ويكتب في احدى رسائله إن :" "الكوميديا الإلهية" لدانتي فوق كل الكتب ساعدته على فهم العالم البشع للسجن، لقد قرأت دانتي من قبل كل صفحة فيه، لا المطهر ولا الفردوس كانا يعنياني... ولكن الجحيم! ما الذي يمكنني فعله سوى أن أعجب به؟ الجحيم، ألم نكن ساكنين فيه؟ الجحيم: كان هو السجن".

‏بعدما قضى العام الأول من مدته، وضع وايلد مقترحات بشأن أفضل الكتب التي على السجناء الاطلاع عليها، وقد قسم قائمته الى ثلاثة اصناف من الكتب.

‏يضم القسم الاول الكتب الواجب قراءتها ويضع وايلد الكوميديا الالهية والياذة هوميروس ودون كيشوت في المقدمة بعدها رسائل شيشرون وكتاب رحلات مارك بولو ومذكرات سان سيمون ورواية مدام بوفاري وصومعة بارما لستندال.

‏أما القسم الثاني فيضم الكتب التي تستحق أن تُقرأ مثل مؤلفات افلاطون ودواوين كيتس وكتاب دليل المرأة الذكية لبرنادشو.

‏الى جانب هذين القسمين يضيف وايلد قسماً ثالثاً وهو يخص الكتب التي يجب ان لاتُقرأ، وهو يقول :" مثل هذه القائمة بالكتب السيئة ضرورة مهمة، خصوصا اننا نعيش عصر يقرأ كثيرا الى حد إنه لم يعد له الوقت ليتعجب ويفكر، ويطالب كل قارئ كتب أن يضع قائمة بأسوأ مئة كتاب ليجنب الشباب فوضى القراءة غير النافعة ".

‏ساهم أوسكار وايلد الذي عاش حياة قلقة في تجديد شكل الأدب والفن، وكان من أبرز نقاد الفنون، أهتم بالتجربة الفنية وركز على أهمية الفن في مواجهة الإنحطاط الذي يحيط بالعالم المتصل وعلى الزمن المنفصل لحظات والمتصل سنيناً وقروناً.

***

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

 

بقلم: أوليفيا روتيجليانو

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

بصراحة... محتمل.

كان عيد ميلاد ماري شيلي بالأمس، وللاحتفال بها، دعونا نتوقف لحظة لتفكيك إحدى القصص الأكثر تداولاً عنها: أنها فقدت عذريتها فوق قبر والدتها مع بيرسي شيلي. رغم أن هذا يبدو مثيرًا، فإنه ليس تمامًا مجرد خرافة، بل فرضية طويلة الأمد ومقبولة. ولكن هناك سياق أعمق لسبب اختيارها هذا الموقع. تبدأ القصة ليلة ولادتها في 30 أغسطس 1797، حيث توفيت والدتها، الكاتبة ماري ولستونكرافت، بعد الولادة بسبب تعقيدات صحية.

وفقًا لكاتبة السيرة ديان جاكوبس، وُلدت ماري الصغيرة على يد قابلة مرموقة تُدعى السيدة بلانكنسوب من مستشفى وستمنستر للولادة، ونجت الولادة بسلام. ولكن بعد أربع ساعات، لم تخرج المشيمة من جسد ماري ولستونكرافت، مما عرضها لخطر النزيف. استدعى زوجها الفيلسوف وليام غودوين طبيبًا لاستخراج المشيمة يدويًا، ولكن دون غسل يديه، مما أدى إلى إدخال عدوى تسببت بوفاتها بعد 11 يومًا. ماري الصغيرة نشأت وهي تدرك أن ولادتها كانت السبب في وفاة والدتها المبدعة.

قضت ماري شيلي حياتها الأدبية في مواجهة علاقاتها المعقدة مع والديها. في الواقع، ترى الباحثة الأدبية ساندرا جيلبرت أن فرانكشتاين ليس مجرد قراءة جديدة من منظور ذكوري لـ الفردوس المفقود كما يعتبره الكثيرون، بل هو إعادة سرد لقصة نشأة ماري شيلي نفسها. فهي ترى مخلوق فرانكشتاين كرمز لطفل وحشي يريد الحب من الوالد الذي تسبب أيضًا في موته.

لم تكبر ماري بدون أم فحسب، بل نشأت مع أم ميتة. وهذان أمران مختلفان تمامًا. فقد تم اصطحابها إلى شاهد قبر والدتها في ساحة كنيسة القديس بانكراس في سن مبكرة، ولأنهما كانتا تشتركان في نفس الاسم الأول، فقد تعلمت ماري كيفية كتابة اسمها من خلال تتبع النقش على شاهد قبر والدتها. في الواقع، كما يكتب جيلبرت، "كانت أمها الحقيقية الوحيدة هي شاهد القبر". وبالتالي، كان قبر وولستونكرافت هو المكان الذي ستحوله ماري إلى ملاذ آمن لها. تلاحظ مورييل سبارك أنها كانت تحمل كتبها إلى هناك، وكانت تقرأ، بنفسها. تلاحظ جيلبرت أنها أعادت قراءة كتابات والدتها بحماس، مرارًا وتكرارًا. يبدو أن نصبها عند قبر والدتها كان محاولة للتواصل مع عقلها - للتعلم منها، قدر الإمكان. وكما ذكرت بيس لوفجوي في مجلة جيستور ديلي، كانت ماري تقضي وقتًا هناك بشكل خاص عندما انتهى الأمر بوالدها إلى الزواج من جارتهم المزعجة ماري جين كليرمونت في ديسمبر 1801، عندما كانت في الرابعة من عمرها. كان هذا مكانها الخاص والهادئ. وبعد سنوات، أحضرت الشاعر بيرسي شيلي إلى هذا المكان لتعلن له عن حبها.

التقى بيرسي شيلي بماري جودوين في عام 1812. كان عمره آنذاك تسعة عشر عامًا، وكانت في الرابعة عشرة. كان معجبًا جدًا بعمل والد ماري، وانضم إلى العائلة لتناول العشاء. لم يلتق الاثنان مرة أخرى لمدة عامين آخرين، عندما كانت ماري في السادسة عشرة، وكان بيرسي في الحادية والعشرين من عمره ومتزوجًا من فتاة أخرى تبلغ من العمر ستة عشر عامًا تدعى هارييت، وكان لديه طفل منها بالفعل. لم يكن الأمر مهمًا. كانت ماري مفتونة تمامًا ببيرسي، الصبي الشرير الصاعد في عالم الأدب - والذي رُفضت بعض مؤلفاته الشعرية للنشر لكونها حادة للغاية. فقد كان متمردًا ومؤمنًا بالحب الحر. (اعذروني بينما أرفع عيني إلى الأبد). كانت زوجة أبي ماري متشككة فيه؛ وفقًا لكاتب السيرة ويليام سانت كلير، كانت تعتقد أن بيرسي كان يغازل الفتيات الثلاث في منزلهم: ماري، وأختها غير الشقيقة فاني، وأختهم غير الشقيقة كلير "جين" كليرمونت، التي كانت أصغر من ماري بثمانية أشهر فقط. كانت تعتقد أن الفتيات الثلاث وقعن في حب الشاعر الوسيم، الذي ادعى صديقه الحميم توماس جيفرسون هوج أنه كان يبدو "متوحشًا ومثقفًا وغير عادي".

لكن بيرسي وماري  كانا يتسللان معًا في كثير من الأحيان، حيث كانا يتجولان ويقرآن في المكان المفضل لماري في المقبرة. في يوم الأحد، 26 يونيو من ذلك العام، اصطحبت ماري جودوين بيرسي مرة أخرى إلى المقبرة وأخبرته أولاً بأنها تحبه،فبادلها نفس الشعور على الفور. ويبدو أنهما مارسا الجنس بعد ذلك بوقت قصير، حيث كتب بيرسي في مذكراته الخاصة في اليوم التالي أن شيئًا رائعًا حدث جعله يعتبر ذلك اليوم "عيد ميلاده" الحقيقي الجديد.

يعتقد الباحثون أنهما مارسا الجنس لأول مرة في هذا المكان، مع اعتراف كاتب سيرة ماري، مارتن جاريت، بالتقاليد المتوارثة حول هذا الافتراض، حيث كانت القبر مكانًا للعديد من مراحل علاقاتهما العاطفية.. في الواقع، كما تلاحظ ساندرا جيلبرت، كان هذا المكان يمثل معظم النشاط العاطفي لماري: "القراءة، والكتابة، أو ممارسة الحب." ومع ذلك، كما تشير بيس لوف جوي في مقالها، لم يكن المكان فظيعًا بالنسبة لهما: "لم تكن المقبرة مجرد مكان لجثث متحللة، بل كانت موقعًا للمعرفة والتواصل: حيث قرأت لتعميق تعليمها الأدبي وتواصلها مع والدتها، ومكانًا أدخلت فيه أسرار الجنس." بعد كل شيء، لم يكن هذا المكان مجرد مقبرة ماري وولستونكرافت، بل كان أيضًا موقع زواجها من غودوين، الذي تم بعد أربعة أشهر فقط من وفاتها. بالنسبة للأم وابنتها وعشاقهما، كان هذا المكان يدمج بين مظاهر الجسد المختلفة، حيث يمكن أن تتحول الروابط المجردة إلى واقع ملموس. هنا تبدأ حيوات جديدة وما بعد الحياة، متداخلة ومترابطة، تعكس عمق التجارب الإنسانية.

في 28 يوليو 1814، ترك بيرسي زوجته هارييت وهرب مع ماري، رغم أنهما لم يتزوجا رسميًا نظرًا لوجود زوجة أخرى له. سافرا إلى فرنسا، وأحضرا معهما كلير كلارمونت، أخت ماري غير الشقيقة. لم يكن ويليام جودوين، والد ماري، الكاتب البوهيمي الذي أدان الزواج ذات يوم باعتباره سجنًا، مسرورًا بهذا الوضع، خاصة بعد أن علم بمشاكل بيرسي المالية. يبدو أن ماري كانت تعتقد أن خطوبتها لبيرسي، وتبنيهما للأفكار التقدمية للحب الحر، سيكون متوافقًا مع الإيديولوجيات الراديكالية التي اعتنقها والداها، عندما كانا صغيرين. لكن جودوين أصبح بعيدًا جدًا  عنها بعد هروبها، مما زاد من معاناتها.

خلال شهر العسل، اكتشفت ماري أنها حامل، ولكن فرحتها تحولت إلى كآبة عندما بدأ بيرسي وأختها غير الشقيقة كلير (التي كانت تُعرف بـ "جين") في قضاء وقت طويل معًا، مما يُشير إلى احتمال بداية علاقة عاطفية بينهما. سافرا ببطء من كاليه إلى بقية القارة، في محاولة للابتعاد عن زوجة والد ماري التي كانت تسعى للانضمام إليهما وإقناعهما بالعودة. ومع نفاد أموالهما في النهاية، وعندما كتبت ماري إلى والدها تطلب المساعدة، أصيبت بالخيبة عندما رفض مساعدتها بشكل قاطع.

عند عودتهما إلى إنجلترا، اكتشف بيرسي وماري أن زوجة بيرسي، هارييت، قد أنجبت ولداً. ولكن في فبراير 1815، أنجبت ماري ابنةً صغيرة قبل الأوان بشهرين، وتوفيت في بداية مارس، مما أدخلها في حالة اكتئاب شديد. كانت ماري تشعر بوجود شبح طفلتها المتوفاة يطاردها. وعندما ورث بيرسي ميراثًا كبيرًا في ذلك الصيف، أخذ حاشيتهما بأكملها إلى بيشوبس جيت للاسترخاء. ومن غير المعروف كيف قضت ذلك الوقت (فقدت مذكراتها من هذه الفترة)، وفي يناير 1816، أنجبت ماري ولداً سمته ويليام. وفي ذلك الصيف، سافرت المجموعة بأكملها إلى جنيف، حيث اجتمعوا مع صديق بيرسي اللورد بايرون (الذي كان قد جعل جين حاملاً بحلول ذلك الوقت)، وجون ويليام بوليدوري وآخرين. كان هذا هو الصيف الممطر وغير السار حيث بدأت المجموعة، التي علقت في الداخل لفترة طويلة جدًا، في سرد قصص الأشباح، حيث بدأت ماري كتابة القصة التي ستصبح فرانكشتاين. كانت تشعر بالإحباط بسبب نقص الأفكار حتى خطر لها فكرة قصة عن جسد يمكن أن يعود إلى الحياة، وهو ما كان منطقيًا بالنظر لتجربتها مع جثة والدتها. وفقًا لكاتبة السيرة الذاتية إميلي صنشتاين، كانت هذه هي اللحظة التي شعرت فيها شيلي البالغة من العمر ثمانية عشر عامًا بأنها "أول خطوة خارج الطفولة إلى الحياة".

عادت ماري الملهمة ورفيقها إلى إنجلترا في سبتمبر، لكنهما لم يتخيلا حجم الحزن الذي سيلاقيهما هناك. في أكتوبر 1816، تلقت ماري رسائل مخيفة من أختها غير الشقيقة فاني، تعبر فيها عن نيتها في الانتحار، مما دفع بيرسي للبحث عنها في محاولة لإنقاذها. لكن محاولاته باءت بالفشل، وعُثر على فاني ميتة في غرفة فندق في سوانسي، بجوار رسالة انتحار وزجاجة من اللودانوم. وبعد شهرين، عُثر على زوجة بيرسي، هارييت، ميتة منتحرة أيضًا، غرقًا في بحيرة سيربنتين في هايد بارك بلندن.لكن عائلتها منعت بيرسي وماري من الحصول على وصاية طفليه، لذا اقترح بيرسي – بناء على نصيحة محاميه - الزواج من ماري، التي كانت حاملًا فى ذلك الوقت .

لقد تزوجا أخيرًا في 30 ديسمبر 1816، بعد عامين ونصف من إعلانهما لأول مرة عن حبهما لبعضهما البعض في ظل قبر ماري وولستونكرافت.

***

.......................

الكاتبة: أوليفيا روتيجيلانو / Olivia Rutigliano:   محررة في Lit Hub وCrimeReads. وهي أيضًا محررة مساهمة في Bright Wall/Dark Room. تظهر أعمالها الأخرى في Vanity Fair وVulture وLapham's Quarterly وLos Angeles Review of Books وPublic Books وThe Baffler وPolitics/Letters وThe Toast وTruly Adventurous وPBS Television وغيرها. حصلت على درجة الدكتوراه من أقسام الأدب الإنجليزي/المقارن والمسرح في جامعة كولومبيا، حيث كانت زميلة ماريون إي بونسفورد.

*بيرسي بيش شيلي (1792-1822) شاعر إنجليزي يُعتبر واحدًا من أبرز الشخصيات في الحركة الرومانسية. وُلد في لندن لعائلة من الطبقة الأرستقراطية، وقد أثرى أدبه بمواضيع مثل الطبيعة، والثورة، والحرية، والخيال.نشأ شيلي في بيئة تعليمية جيدة، حيث درس في جامعة إكسفورد، لكنه طُرد منها بسبب كتاباته المثيرة للجدل حول الدين والسياسة.تزوج من ماري  وولستونكرافت جودوين وأبوها هو الفيلسوف وناقد الأدب وليام جودوين .توفي شيلي في عام 1822 في حادثة غرق بالقرب من سواحل إيطاليا. ورغم حياته القصيرة، ترك إرثًا أدبيًا كبيرًا أثرى الأدب الإنجليزي.

**ماري شيلي (1797-1851)  كاتبة إنجليزية شهيرة، تُعرف بشكل أساسي بأنها مؤلفة رواية    (فرانكشتاين) التي نُشرت لأول مرة في عام 1818. تُعتبر هذه الرواية من أبرز الأعمال في أدب الرعب والخيال العلمي،وُلدت ماري شيلي في لندن لعائلة مثقفة. كانت ابنة الفيلسوف وناقد الأدب وليام جودوين والكاتبة ماري وولستونكرافت، التي عُرفت بأفكارها النسوية.

رابط المقال:

https://lithub.com/did-mary-shelley-actually-lose-her-virginity-to-percy-on-top-of-her-mothers-grave/

الفن.. تلك الفكرة القائلة بالجمال تقصدا للكامن في الذات من هواجس وأمزجة في كثير من ضروب التعاطي حيث الذهاب عميقا باتجاه اليانع والخصب والأنيق والبشع والممكن جماليا لأجل الافصاح عن الأحوال والعناصر والتفاصيل وهي تغدو الى ما تفكر به وفيه شواسع الكائن الناظر والمتأمل تأويلا وبحثا...و حلما..ونعني الفنان...

وهكذا هي الفسحة في العوالم حيث الرغبة الجامحة في تحويل الأمكنة الى علبة تلوين مثل أطفال يمرحون تحت سماء وقبالة بحر في زرقة تكللها موسيقى البراءة..و الفن هو تلك اللعبة البريئة تجاه الآخرين في قصدية باذخة للقول بالأشياء في شفافيتها العالية وجودة ايقاعاتها الخافتة والصاخبة ..كل ذلك دفعة واحدة ..فكأن الريح مجال سفر والقلق عنوان متعة لا تضاهى..368 majed zolayla

انها فكرة الترحال في المكان الواحد..و في الأمكنة وديدن الفنان هنا وغنمه الهائل الانصات لعناصر الكون الفارة من كينونته ليطاردها في غنائه المسترسل مثل فراشات من ذهب الأزمنة..أزمنة متداخلة وأمكنة ضاجة بما يسر وما هو محزن غير أن الجامع بين معانيها شجن معتق نابع وقادم ومقبل من مهجة هذا ...الفنان.

و الفن فنون وهذا يمسح في الأهمية والعناية والدراسة كل ضروب الفن ومنها وما يعنينا هنا هو التشكيل..الفن البصري..الابداع الفني التشكيلي وهو مجال مخصوص تتداخل فيه الأحاسيس لتمتزج بالفكرة المراد قولها في مناخات من دأب والوعي والحرص والبحث الدؤوب...كل ذلك تجاه ذات فنانة وآخرين ينظرون كما ينظرون للمنجز الفني ..و للعالم..هذا المتحول والمربك في متغيراته ليأخذ الفن والفنانين الى مختلف مناطق تحولاته بأسئلتها وحيرتها الدفينة...

في هذا السياق من فكرة الفن العارمة والطافحة بالعناء والمراكمة بحثا وتجريبا وخروجا عن المألوف للقول بالمبتكر أسلوبا وجمالا وتخييلا نمضي مع تجربة فنية تشكيلية عبرت منذ بداياتها عن مسار محفوف بالمغامرة لتقود المتقبل الى الآفاق حيث  نقطة الذهاب الأولى المدينة الكامنة في القلب والشواسع بجمال مياهها والنخيل..هي الجزيرة قرقنة..369 majed zolayla

الفنان التشكيلي هو من ربوعها ونعني ماجد زليلة الذي انطلقت تجربته بروح طفل وهو ينظر للأشياء والحياة والعوالم نظرات فنان حالم حيث تطورت التجربة عبر ذهاب السنوات ولازمها الحلم لتكون الرحلة الفنية بين أروقة تونسية ومعارض الى فضاءات فنية متعددة في العالم وهو بذلك يعلي من شأن رغبة وشغف شديدين تجاه فنه ..و في ذاته شيء من الحلم ...

تميزت أعمال الفنان ماجد زليلة بمسحة من تخييل ومرح في نظرة ساخرة وقائلة بجمال التعاطي مبتكر لونا مخصوصا لشخصياته المرئية التي يستعيرها من الواقع ليعيدها للمنجز الفني في هيئات مختلفة وبجمالية يرى من خلالها المتلقي للأثر الفني شيئا من ذاته وحالاته وأنفاسه ضمن المجتمع بأطياف ثقافته ووعيه وشجنه ..انها لعبة الفن في كون من الدعابة المبهجة والمؤلمة في آن  بوعي الفنان ورؤيته للفن من رسم خطي وتلوين وابراز بليغ عبر المجسم والتوظيف من خلال استثمار الديكور وما أهمل أو تم نسيانه وصولا الى المحامل المتعددة كا الصالونات والدراجات والسيارات حيث يخرج علينا ماجد بسرديته الجمالية التي تعيد للأشياء وظائفها الجديدة فضلا على الافادة من الأمثال والمتخيل العام والتراث من ذلك الدراجة النارية " الموبيلات " التي كان لها حضور مكثف كوسيلة نقل في السبعينيات وخاصة في صفاقس وقرقنة ليضفي عليها عملا فنيا يبرزها كحاضنة جمالية وشعبية من خلال المثل الشعبي المتداول في قرقنة وصفاقس حيث رجل وامرأته في سفر ومستلزماته التقليدية آنذاك..370 majed zolayla

هذه الفكرة الفنية كررها بروح ابداعية مغايرة ماجد زليلة وخاصة مع آلات الموسيقى والأواني والصواني والدمى الروسية والخزفيات وآلة الخياطة والكراسي وخزانة الجدة والأكواب حيث كان ذلك في معرضه الممتاز بفضاءات قصر دار التركي  الأنيقة  بسيدي بوسعيد حيث الفن بعناصر جماله في اطلالاته الباذخة على البحر.

زليلة..فنان بروح طفل وبخيال سفر وبموهبة متمكن و...بقلق فنان لا يقر له قرار ولا يقنع بغير النشيد...انه نشيد الفن وهو يأسر الذات بشواسعها وعنفوان توهجها تغمره حالة قصوى من  الدعابة وهو يفكر في عمله الفني وكذلك عند انجازه وأيضا وهو يتجول بين الأمكنة والعواصم والمدن التي زارها ويزورها باثا فيها شيئا من أحاسيس وكلمات ومعاني فنه الذي يمتزج فيه سحر الخطوط والتلوين نحو فضاء تشكيلي معبر وتحتشد فيه المعاني وعباراتها المتعددة..كل ذلك وفق شخصيات محورية فردية ومتعددة التي هي أساس العنوان والترجمان في اللوحة والعمل الفني لديه.

ماجد زليلة من مواليد 3 جانفي 1981 بتونسو هو  رسام وفنان خريج المعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس قدم العديد من المعارض الفنية الخاصة الى جانب مشاركاته في المعارض الجماعية وذلك في تونس وخارجها وهو يعرض بانتظام في قاعات العرض المتعددة حيث  شارك في معارض جماعية بدار الفنون بالبلفدير، قصر العبدلية وبمتحف قصر خير الدين كما أنه عرض فرديا في مناسبات عديدة لنذكر مثلا معارضه الشخصية ب بفضاء دار الجلد وبرواق حدائق السلامبو الى جانب معارضه التي كانت باستمرار في Galerie Kalysté وخاصة  خلال شهر جانفي سنة  2015 وله خلال سنة 2016 إقامة فنية في باريس.و نذكر أيضا تجربته المميزة في الرسم على السيارة وهي الجميلة هونداي .

هكذا هي لعبة الفن الأنيقة عند ماجد زليلة التي اقتحم بها ومن خلالها مجالات مفتوحة كالفضاءات العامة والشوارع ليبرز من خلال رسوماته شخصياته المتسلحة بالسخرية والبهجة وبالقوة والدعابة  ..

فنان خبر نهجه الفني فغدا فيه لا يعنيه ضجيج الساحات والفنانين همه الذهاب عميقا في تجربته وفنه منذ خطاه الأولى تلك الشغوفة بالبدايات الملونة حيث كان طالبا للفنون مأخوذا بسير الفنانين الرواد والكبار لينشد معجبا بالرسام الإيطالي أميديو موديلياني الذي يرى فيه كونا فنيا مخصوصا من التعبير والاحساس ..و في هذا كله يواصل زليلة البحث والتجدد في مسار تجربته بتخير الفضاءات وصالات العرض وفق رغباته ومفهومه الحديث لها ولدورها في الفن والمجتمع ..تجربة متواصلة ضمن مسيرة مفتوحة تحلت بعديد الأعمال والمبتكرات والمشاركات في المعارض والترحال والسفر والانكباب بحزم على العمل والعزلة الجميلة والمولدة ليغرد خارج السرب..فنان مؤمن بما يتخيره من مواضيع وبه رغبة فادحة في التجدد في عالم فني لا يقبل الجمود والسكون ..تم اقتناء عديد الأعمال له فهو بفنه كون لنفسه أحباء ومقتنين من مؤسسات وخواص كما أنه نال عديد الجوائز والتتويجات.

الفنان ماجد زليلة ..تخير جمالي به قراءات متعددة ونظر من زوايا مختلفة حيث الفن في عمق بيئته ومجتمعه... وأحواله الجمة.

***

شمس الدين العوني

الأغنياء والفقراء، القضاة والمتهمون، الحراس واللصوص والمخمورون كلهم يقولون لي: ماذا تفعل في هذا الوطن بعد ان ابيض شعرك تحت سماءه وانحنى ظهرك فوق ارصفته؟ ماذا تنتظر منه بعد ان تحدد فيه مستقبلك ومستقبل غيرك في السياسة كما تحدد مستقبل محمد امين في الفن؟

 سافر الى بلاد الله الواسعة فقد لا تجد وقتا في المستقبل لشراء حقيبة وقد لا تجد يدا او اصبعا في يدك لحمل تلك الحقيبة... وكلما عدت الى بيتي في اخر اليل اجد على عتبته جواز السفر وتأشيرة الخروج  ودفتر الصحة وبطاقة الطائرة وحبوب الدوخة

 واحزم امري وحقائبي واسافر. في الذهاب أتمنى ان يكون مقعدي في غرفة القيادة على ركبة الطيارة او المضيفة لابتعد بأقصى  سرعة عن هذا الوطن وفي الإياب أتمنى ان يكون مقعدي في مقدمة الطائرة على غطاء المحرك لاعود بأقصى سرعة الى هذا الوطن

أخر مرة كانت الى تونس أربعة الاف كيلو متر فوق البحار والقارات وانا احدق من نافذة الطائرة كما يحدق اليتيم في واجهات الحوانيت في الأعياد، كانت الغيوم هاربة من العرب، التلوث هارباً من العرب، العروبة هاربة من العرب وبعد أسبوع كنت اهرول عائدا اليهم وحزام الأمان مازال حول خصري

و سألتني زوجتي بدهشة: ما الذي عاد بك بهذه السرعة؟ ألم تعجبك تونس؟

قلت: انها الجنة بعينيها، شمس وبحر وغابات

قالت: وماذا تريد اكثر من ذلك؟

قلت: بصراحة، بلد لا يوجد فيه مشاكل!

قالت مستغربة: مشاكل؟

قلت: نعم بلد بدون ازمة سكن،  ازمة مواصلات، أزمة غاز وبدون شائعات...لا فلان طار ولا فلان راح لا استطيع ان اُقيم فيه أكثر من اسبوع . كما انني بدون دخان مهرب ودعوسة رجلين في الباصات ومسؤولين يخالفون شارات المرور وشاحنات صاعدة هابطة وقت القيلولة تصب جهود الجماهير في أساس بناية او شاليه لهؤلاء المسؤولين وكل نشرة والثانية يا جماهير شعبنا وفي هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ امتنا، لا اشعر بانني في بلدي بين اهلي واحبابي كما يقولون في كلماتهم الترحيبية كل شيء عندهم في تونس هادئ كمراكز الامتحانات  وكل شيء واضح ومحدد حسب النظام والقانون لذلك فقدت اعصابي وصرت كالخليجي الذي اعتاد النوم طول حياته على صوت المكيف فما ان يتوقف عن العمل حتى يستيقظ ولا يعرف كيف ينام حتى يعود للعمل والهدير من جديد .

ثم انني احب هذا الوطن من محيطه الى خليجه فأينما كنت ما ان اقرا اسمه في جريدة او اسمعه في إذاعة حتى اتجمد كنهر سيبييري

كعريف في حضرة الجنرال، أنني احبه، قدروا ظروفي وعواطفي.

فيه قرأت او قصة لياسين رفاعية وسمعت اول اغنية لفهد بلان وقرأت اول افتتاحية ترد على كل المخططات الأجنبية في المنطقة، تبدأ ببيت للفرزدق وتنتهي ببيتين للأصمعي، فيه سمعت لأول مرة اسم قضية فلسطين، عائدون، حرب التحرير الشعبية، حرب الاستنزاف، الكيلو 101، مرسيدس 220،امبريالية، استعمار، انسبستر، ديبون، فيزون، بيار كاردان، جنرال الكتريك، جنرال سيلاسفيو.

صرخت زوجتي بحدة: مشكلتك انك تسخر من كل شيء في هذه المنطقة.

فلت لها: بالعكس، مشكلتي انني احترم كل شيء فيها حتى قمامتها بدليل، وانا عائد في اخر الليل سقط عليَّ كيس قمامة فلم احتج ولم انفضها حتى عن رأسي وثيابي لأنني من طريقة سقوطها عليَّ عرفت انها زبالة مدعومة.

قالت حالتك خطيرة جداً، عليك بمراجعة طبيب.

قلتُ: أن الدكتور كيسينجر لن يحل مشكلتي، وتصوري انني صرت ابكي في أفلام حسن الامام وافرقع بأصابعي في حفلات سميرة توفيق.

قالت: كم يؤلمني ان أرى شاعر مثلك لا يجد ما يتحدث به في أواخر عمره غير حسن الامام وسميرة توفيق وأكياس القمامة..

هل نسيت الشعر؟

قلتُ: الشعرا كأنك تُذَّكرينني بطفل فقدته ولا اعرف قبراً له.

قالت: هل تثق بيَّ؟

قلتُ: كثقتي بكرايسكي

قالت: أياً كان رأيك فأنت في حالة يرثى لها أُيها العجوز الصغير وعلاجك الوحيد هو الشعر، السفر الروحي على اجنحة الحلم والخيال.

فقلتُ: ولكن كيف؟ والى اين؟

ولما كانت زوجتي بطبيعتها حالمة وخيالية فسرعان ما فتحت النافذة وحدقت في الأفق البعيد وقالت، الان وليس غداً، انزع من رأسك كل السفاسف السياسية والمنغصات اليومية وتعال معي لنطير على اجنحة الحلم والخيال الى العوالم الذي سبقنا اليها رامبو وفيرلين وهايني وشلر ولوركا، لنطير بعيداً بعيداً في عالم السحر والجمال حيث السماء الزرقاء ولأمواج الحالمة والغابات العذراء.

فقلت لها حبيبتي اذا ما استمرت الأمور في المنطقة على هذا المنوال، تبادل شتائم ومؤتمرات وخطابات فلن نطير انا وانت وغيرنا في نهاية الامر الا الى كامب دافيد.

***

 الى التالية/ 6ساعة المستقبل

عبد الرضا حمد جاسم

تتميز الكتب التي تحوي تجارب القراءة والكتابة بطعم خاص، فما بالك إذا كان الكتاب يتحدث عن تجربة رجل كانت مهنته الوحيدة في الحياة هي القراءة وتحرير الكتب، مثل روبرت غوتليب الذي توفي العام الماضي عن عمر “ 92” عاما -ولد في 29 نيسان عام 1931 -، خلال ما يقارب 60 عاما كان فيها يقرأ ويكتب ويقدم النصيحة لكبار الكتاب الذين عاصروه، وعمل محررا أدبيا لعدد من الكتاب البارزين أمثال دوريس ليسينج، وتوني موريسون، وسلمان رشدي، وأنتوني بيرجيس، ونايبول، بالإضافة إلى راي برادبري، وبوب ديلان.

وضع غوتليب عنوان مثير لكتابه " القارئ النهم " . ترجمه إلى العربية أنس محمد .

يخبرنا أكيف ان جده قرر اختار أن يعلمه القراءة عندما كان في الرابعة من عمره، بعدها أمضى معظم مراحل حياته، من المدرسة إلى الجامعة، وهو في حالة.. قراءة دائمة، لدرجة أنه كانت تفوته مواعيد حصص الدراسة أو المحاضرة، إذ يكون غارقاً وقتها بين دفتي كتاب ما.

أتجول بين صفحات " القارئ النهم " واتذكر كيف ان القراءة مثلت إحدى أجمل ذكرياتي في الصغر، وكل شيء بدأ عندي اشيه برحلة، ذات يوم وانا ابن العاشرة من عمري وفي احدى مناطق بغداد، اخذتني قدماي الى مكتبة يملكها أحد أقاربي يبيع فيها الكتب والمجلات والصحف، في ذلك النهار وأنا أتجول بين العناوين وصور الأغلفة الملونة، اكتشفت إن هذا المكان يمكن أن يصبح كل عالمي .. عندما استرجع كيف قضيت سنوات طويلة من عمري في رفقة الكتب، أتساءل أحيانا إن كانت هذه الكتب غيرت حياتي، أم انها سجنتني في عوالم مثالية وخيالية . كنت وأنا أدخل المكتبة، التفت باتجاه الرفوف التي تحوي مئات العناوين، وأشعر ان هذه الكتب تنظر ألي وإنها تعرف عني أكثر مما أعرف عنها، وأحيانا أتخيل ان كل كتاب يخفي داخله عالماً سحرياً لانهاية له.

يكتب روبرت غوتليب: لقد اندلعت شرارة علاقتي الغرامية مع القراء وتأكدت من خلال الرسالة التي وجهها ريتشارد سيمون إلى جميع موظفي شركة سيمون وسوسته عن طريق اثقال ورقية برونزية حفرت عليها هذه الكلمات (رفقا بالقارئ) " .

على مدى الايام التي تجولت فيها بأجنحة معرض الرياض الدولي للكتاب،كنت اشعر بنشوة غريبة لحظة النظر الى الكتب، وغالباً ما كانت الأغلفة تقذف بي الى عالم مجهول، بينما كنت أرغب بكل كياني أن أغور في أعماق هذه الكتب، وحين أتمكن من الحصول على كتب جديدة، يبدأ قلق آخر، البحث عن عناوين جديدة آخرى، كنت أًبحث في رفوف المكتبات مرهوباً بالأسماء، هذا تولستوي وذاك ايمانويل كانط، هنا يقف ماركيز، الى جانب البير كامو، من زاوية في احد الأجنحة ينتظر سارتر على احد الرفوف، فيما شوبنهاور لا يريد ان يوضع على رف واحد مع غوته . في زاوية ما يقبع الجاحظ فيما يندب ابو حيان التوحيدي حظه، كنت مثل طفل ضائع وسط غابة كبيرة، يتطفل النظر في وجوه الآخرين، شعور بالسعادة يغمرني، وأنا أمارس لعبة بعث الكُتاب الموتى من قبورهم . تطلق الكتب العنان لمخيلة القراء وتمنحهمً، عالما جميلاً، ومنسجما .

***

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

نحات، ولد في سامراء (1933)، حاصل على دبلوم من معهد الفنون الجميلة، وبكلوريوس من أكادمية الفنون الجميلة، وهو عضو نقابة الفنانين وعضو جمعية الفنانين التشكيليين . عيّن مشرفا على قسم النحت والمعادن في مركز التدريب الحرفي....

من أعماله: تمثال ساطع الحصري، عباس بن فرناس.

(موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين لحميد المطبعي).

سامراء فيها العديد من الفنانين الذين قدموا أعمالا ذات قيمة فنية ومعرفية، فما أروع رساميها ونحاتيها وقادة الإبداع السيراميكي، ومنهم ماهر السامرائي ونايف السامرائي ، وآخرون لهم أساليبهم ومدارسهم الفنية، وأكثرهم تخرجوا من أكاديميات عالمية.

ومن المعاصرين المتميزن عدد من الرسامبن المبدعين، فيهم  الذي يقدم لوحات رائعة، وسيكون له مستقبل فائق المقام في دنيا الرسم.

ترى، هل هناك موروثات حضارية من النحاتين والفنانين والمعماريين الذين شيدوا "سر من رأى"؟!!

 فالمدينة قد عاش فيها نخبة من المبدعين  أصحاب العطاءات الخالدة، ولا يمكن الجزم بذلك، لكنها غنية بالرموز المعرفية الاصيلة.

فيها ألمع نحاة اللغة العربية والأطباء  والشعراء  والفنانين المتميزين، ولا تزال تضخ الوطن بالمواهب النادرة.

والنحات بدري فاضل السامرائي أحد رموزها الفنية، التي ترسخت في الموروث العراقي المعاصر، ويذكّرنا بموهبته، تمثال "عباس بن فرناس" (1973) في بداية شارع المطار.

وذكر أحد الفنانين أنه كان أستاذه لبضعة سنوات، ولديه أعمال عديدة في النحت، ولا توجد معلومات كافية عنه.

ومنحوتاته متنوعة ومنتشرة في أماكن متفرقة، ولا متحف يضمها، وحري بمدينته أن تؤسس متحفا لأعماله ولمبدعيها الآخرين.

***

د. صادق السامرائي

 

ألقاه بين فترة وأخرى هادئا مطمئنا في أحدِ الشّوارع وقد اِنتهى لِتَوِّهِ من إصدار كتاب أو مُستعدًّا لطبع كتاب آخر جديد.

نحيفُ الجسم رقيقُ الكلمات لطيفُ الحركات غير شاكٍ ولا باكٍ فصديقي من أولئك الذين يعلمون أنّ دروب الأدب طويلةٌ أوّلًا وصعبة ثانيا وأنّ بلوغ تخقيق الأماني لن يتسنّى إلا بالمكابدة والدّأب وأنّ الذي يرومُ حرقَ المراحل مصيره الاِحتراق قبل الأوان.

هو الشّاعر حسين القهواجي الذي في رصيده إلى الآن سبعة كتب إبداعية على الأقلّ… إنّه ما يزال على نفس الإصرار في عشق الحروف وإبلاغها إلى النّاس ولو على حساب الضّروريات من الحياة،

من هذه الدّواوين:

ليل المقابر

غراب النبوءات

أنْدَرُ من بُروق الصّيف

أرقُّ من غيمة الخريف

يوميات في مارستان

الأرواح البيضاء

كتاب الأيام

تندرج نصوص حسين القهواجي الشّعرية ضمن السّياق التجديدي العام من حيث المبنى وتتمحور حول الهواجس الذّاتية من حيث المعنى الذي كثيرا ما يحُومُ حول المعاني الصّوفية بما فيها من وجْدٍ وتغَنِّ بالكون والمَلَكُوتِ اِنطلاقًا من التراث الصّوفي العام.

يقول الشّاعر في ديوانه (غراب النبوءات) وفي قصيدة (نمل) التي تُوحي برباعيات الخيام لكنّها جاءت على شكل الدُّوبيتْ القديم:

1- بخدّي أُخدود ماءٍ غصّت به الجُفُونُ

أيُّنا أحصى شهور الحمل وهو جنين

2- جيئُوني بحفَّار وناعِ

قبل أن تنبش أشلائي الأفاعي

3- ولأنّ الدّهر كالعنكبوت نسّاجُ أكفانْ

هيَّأتُ فوق البُرج لحمي وليمةً للعُقبانْ

4- رياحٌ من عهد إرَمَا

ملأتُ بيتي مَأَتَمَا

5- هلالُ الخريف اِبتلعته غمامهْ

أسفًا دروبُ الفجر مُطفأةُ العلامهْ

فهذه المجموعة الشّعريّة ترشح بالمعاني الصّوفية فبالإضافة إلى الخيَام نقرأ فيها إحالات على الحلاّج وعلى غيره من النُسّاك والقدّيسين والفلاسفة في أثينا وفي غيرها وبقدر ما نلاحظ اِستيعابًا للأدب الصّوفي لدى الشاعر حسين القهواجي فإنّه من ناحية أخرى اِستطاع أن يرسم الملامح الخاصّة به في هذا الغرض القديم الذي حاول أن يضيف إليه لونه فيصبغه به:

أنكرتُ الوجوه والكتب التي أعرف

عساي أتصيّد الرّبيع

في قصب السكّر يغفو

لو عُدتُ للمهد صبيًّا

كنت صوّرت الأرض هالهْ

طوّافةً بين قرنيْ غزالهْ

ولاِنهمر الغيمُ ورقًا نديًّا

هكذا أعيشْ:

فانوسُ يرشح مَوْتًا

***

سُوف عبيد

 

(لعل الملاذ الوحيد هو أن تجعل صوتًا قادمًا من البعيد مسموعًا، من مكان آخر، منقطع الصلة بكلِّ ما عداه.. بيدَ أن تكون منقطع الصلة بكل ما عداك فتلك أمنية يوتوبي).. فرنسوا فال. 

في مفهوم الكتابة، تنزاح التخيلات الابداعية إلى ما يشبه ارتطام الصخور، وتحولها إلى أشلاء، قد تأخذ أشكالا نصية تداولية متعددة، ودرجات من التماهي في واقع التلقي، يجلبها إلى كثلة جديدة في مرمى فهم حقيقة "الرقمي التفاعلي"، وما يحبل به في إعادة قراءة اللغة وتمثلاتها وسد فراغاتها وتعدد تأويلاتها.

 نفسها القطيعة التي تنشطر إلى لسانية وآلية، تنسج نصوصا جديدة بآفاق مفتوحة على كل الواجهات، في تعدد وسائطها وتناغم مفاصلها، وانتقالاتها، من رمادها الخام، مستعذبة وسوما مغايرة، وأوضاعا تؤطرها بنية دلالية قرائية ووعي استقبال، بنكهة اعتبارية متحررة من تقاليد المفهوم التفاعلي السابق.

إن البحث عن ملاذ نوسطالجي آمن ومنتظم لتحميل الأفكار ونشرها، والامتداد بها، هو نفسه الشعور بالانتماء لنص بارت، الذي يطوف بلذاذته بآثار وملمات شاغرة، للانزياح عن فهمنا الخاص للكتابة.

وبما أن عوالم التغيير المستحدثة، أظهرت بالملموس مدى شساعة ولامحدودية الفضاءات الزرقاء في الافتراضي والتكنولوجي الرقمي، فإن تمة ما يدعونا إلى إعادة صياغة سؤال النشر وممكناته، على مستويات القابلية (القراءة)، والاندماج الفكري والنفسي وما يلي ذلك من الابدالات التي تؤثر في "الإمتاع" و"اللذة" و"توثيق النص"؟.

ووفق التحولات المندوحة لفعل التلقي والكتابة، يصير المنظور المتغير لثنائية (الكتابة والكاتب)، بعد الطفرة الجنونية التي شهدتها شبكات التواصل الاجتماعي وسرعة الانترنيت، وما يستتبعهما من التدفق الجرار للمعلومات والبيانات والتراجم الاصطناعية الذكية، موطنا نقدانيا يحيل بالضرورة إلى بداية التفكير في حلحلة أو حتى اسقاط نظرية بارت، بالنظر إلى التأثيرات الفكرية والاستخدامات الجديدة للانترنت وتجاذبات ذلك كله، على ما يسمى ب "قيمة المؤلف عند قراءة النص"و "حرية القارئ" و"إشكالية الكاتب الورقي"، والقارئ الإلكتروني"، و "الملكية الفكرية" وغير ذلك.

نتساءل هنا، هل تمة ما يحيل إلى تكريس موت المؤلف، أو تأخير دفنه في ضوء انحسار الورقي، واستمرار تعثره؟. فالقضية هنا، ليست مرتبطة فقط بما تستثمره الثقافات المرقمنة، من الصمود اليوطوبي ضد التيار الجارف لتكنولوجيا المعلوميات وزحفها تجاه الروح والقيمة، ولا بسياق إحفاز النص على القفز والتداعي، بل بمنظومة قيم بدأت تتوسع بشكل خطير في بنيات الثقافات وتحولاتها الحضارية .

هذا لا يعني بالتأكيد، أننا متواطئون مع هذا الانجراف الداهم، ومسايرون لتداعياته الرجيمة، بل مندهشون من فتنه وقحالة زمنيته، حيث يبدو لنا للوهلة الاولى، أن خلاصنا من "النص" ومن سلطتنا الذاتية بإزائه، تعيق فهمنا لممكنات جعل القارئ المفترض قابلا لامتلاك سلطة أخرى موازية، وهو الشيء الذي يدفعنا إلى التخلص السريع من ثقل النص وإملاءاته الشكلية والفنية المضطربة، كما متاهاته المنذورة للهشاشة والتفكك والاختفاء؟!.

على أننا في هذا السير الصاعق المتوتر، نحاول ابتلاع تفاعلية الأيقونة بين تلقي النص في صيغته الإلكترونية التي لا تمايز فقط بين محتويات النص فقط، بل تعيده إلى مكمنه النفسي ومنشئه الأبجدي، دون إغفال مستوى الخطاب، عبر اللغة التي تبني هيكلها العام، دون انحراف بنائي أو تشظي دلالي.

***

د. مصطفى غَلْمَان

يوافق اليوم الثاني من شهر تشرين أول الذكرى الثالثة عشر لرحيل الشاعر العراقي (علي الشباني 1946 ــ 2011 ) الذي يعتبر واحدا من أبرز الشعراء المجددين في القصيدة الشعبية يضاف الى تاريخه النضالي الطويل المكلل بالبطولات والتضحيات الجسام، وكانت لي مع الشاعر رفقة امتدت لسنوات طويلة وعلى تواصل مع منجزه ونشاطه الشعري، وعند اشتداد مرضه كانت لي مع الاصدقاء مبادرات عديدة للتخفيف من وطأة المرض ومحاولة تجاوزه من بينها اننا في فجر يوم أيلولي من عام 2011 انطلقنا من الديوانية صوب بغداد أنا والصديقان الروائي "سلام ابراهيم "والفنان "علي الطرفي " وبرفقتنا الشاعر علي الشباني بعد ان أكملنا ترتيباتنا مع الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق وبجهود مميزة من الشاعرين الصديقين " كاظم غيلان " و" ريسان الخزعلي " لإحياء أصبوحة شعرية للشباني في محاولة لإخراجه من وحدته ودفقة معنوية لعبور المحنة المرضية التي كان يمرّ بها. وقد فوجئنا ونحن ندخل قاعة الجلسة بالجمهور الذي احتشدت به القاعة وكذلك عدد الفضائيات التي جاءت لتغطية  الجلسة، ولم يكن بالمفاجأة التقديم الرائع للشاعر كاظم غيلان ولا بشهادتي وشهادة الصديق الروائي سلام ابراهيم وليس كذلك في أداء الفنان على الطرفي الذي وقف في القاعة منشدا قصائد الشباني بحركات مسرحية ومحفزا الشاعر على النهوض من جديد والعودة الى ميدانه الأحب ميدان الشعر انما كانت المفاجأة الأبرز في العنفوان الذي ظهر به الشباني وهو يرتقي المنصة وينشد الشعر فكان اشبه بطائر تحرر من القفص الى فضاء الحرية وبدا بذات الألق والحماسة اللتين كان عليهما في سنوات الصحة والشباب والتي شهدتها أروقة المهرجانات الشعرية الكبيرة الأمر الذي غمرنا فرحا وتفاؤلا بنجاح مهمتنا حيث شعرنا حينها ان محاولتنا كانت فاعلة واعطت ثمارها سريعا وعدنا الى الديوانية في مساء ذات اليوم تملؤنا الفرحة والتفاؤل بنجاح خطوتنا وكان الشباني اكثر منا سعادة ونشوة لما شاهده من اهتمام وما لاقاه من حفاوة ولقاءات جانبية مع شخصيات ادبية وسياسية ودينية كبيرة وكذلك من الجمهور الذي احاطه بمودة صادقة، لكن للأسف بعد مضي اسابيع قليلة على ذلك الحدث الثقافي الرائع تبين ان فرحتنا لم تكن الاّ محض سراب، فقد رحل الشباني فجر الثاني من تشرين أول 2011 بعد ان شهد يوما جميلا أعاده الى واحدة من محطات حياته المليئة بالعنفوان والابداع .

***

ثامر الحاج امين

 

بعد ان اتى الجراد السياسي في الوطن العربي على الحاضر والمستقبل يبدو انه الان قد التفت الى الماضي وذلك حتى لا يجد الانسان العربي ما يسند ظهره اليه في مواجهة الاخطار المحيطة به سوى مسند الكرسي الذي يجلس عليه بدليل هذا الحنو المفاجئ على لغتنا العربية وهذه المناحة اليومية في معظم صحف واذاعات المنطقة على ما أصاب قواعدها من تخريب وما يتعرض له صرفها ونحوها من عبث واستهتار حتى لم يعد احدنا يعرف كيف يقرا رسالة او يدون رقم هاتف.

و مع احترامنا لكل حرف في لغتنا ومع تقديرنا لجميع ظروف الزمان والمكان في كل جملة ومرحلة في الوطن العربي لا بد ان نسأل:  ما الفائدة من الاسم اذا كان " صحيحاً" والوطن نفسه معتلاً؟

او اذا كانت هذه الجملة او تلك مبنية على الضم او الفتح والمستوطنات الإسرائيلية مبنية امام اعيننا على جثث التلاميذ والمدرسين الفلسطينيين؟ ثم لم وجدت اللغة أصلا في تاريخ أي امة؟ اليس من اجل الحوار والتفاهم بين افرادها وجماعاتها؟

فأين مثل هذا الحوار فيما بيننا؟

هل هناك حوار مثلاً بين التاجر والزبون؟

بين العامل ورب العمل؟

بين المالك والمستأجر؟

بين الراكب والسائق؟

بين المحقق والمتهم؟

بين الابن والأب؟

أو بين الزوج والزوجة؟

ايضاً لم تعد هناك حاجة لأن تسأل عن أي شيء او تجيب على أي شيء فالأسعار مثلاً في السينما مكتوبة في كل بطاقة وفي المستشفى فوق كل سرير وفي المطعم في كل فاتورة وكل ما حول المواطن العربي اصبح سعره واضحا ومعروفا ومكتوبا على جميع جوانبه من الألبسة والأحذية والفاكهة والخضروات والبيوت والبارات والمزارع والعقارات الى الرياضيين والمطربين والكتاب والصحفيين ولم يبقى الا ان يُكتب على الشعوب سعرها ومنشؤها ومدى صلاحيتها للاستعمال.

 والاهم من كل هذا وذاك: هل هناك حوار بين السلطة والشعب في أي زمان ومكان في هذا الشرق؟

فأي مسؤول إنكليزي مثلا عندما يختلف في الراي مع أي كان في محاضرة او مناقشة في بلده يأتي بحجه من شكسبير لإقناع مستمعيه والإيطالي يأتي بحجة من دانتي

و الفرنسي يأتي بحجة من فولتير

و الألماني يأتي بحجة من نيتشه

اما أي مسؤول عربي فلو اختلف معه حول عنوان قصيدة لاتاك بدبابة وتفضل وناقشها

ولذا صار فم العربي مجرد قن لإيواء اللسان والاسنان لا اكثر

و في مثل هذه الأحوال:

ماذا يفعل حرف الجر المسكين امام حاملة الطائرات مثلاً؟

او الفتحة والضمة امام مدفع مرتد يتسع لمجمع لغوي؟

و ما دام الحوار الوحيد المسموح به في معظم ارجاء الوطن العربي هو حوار العين والمخرز فلن ترفع الا الأسعار

و لن تنصب الا المشانق

و لن تُضم إلا الأراضي المحتلة

و لن تجر إلا الشعوب

لذلك كلما قرات او سمعت هذا او ذاك من الشعراء والصحفيين والمذيعين العرب "يجعجع" عن الديمقراطية والعدالة والحرية وينتصر على الصهيونية ويقضي على التخلف ويتوعد هذا ويهدد ذاك وهو جالس في مقهاه او وراء مذياعه لا أتمنى سوى تأميم اللغة العربية من المحيط الى الخليج وتكويمها في بيدر او ساحة عامة في قلب الوطن العربي وتكليف موظف مختص وراء اذنه قلم وامامه سجل يجمع الكتاب والشعراء والادباء  العرب وينادي عليهم بأسمائهم ويسالهم فردا فردا:

انت أيها الشاعر التقليدي، كم كلمة مثل: رماح، رمال، جراح، بطاح، تريد؟ تفضل مع السلامة.

وانت أيها الشاعر الحديث كم كلمة من أمثال: تجاوز، تخطي، أبداع، تأنس، تريد؟ تفضل مع السلامة

و انت أيها المذيع العصبي كم كلمة من أمثال: "في هذه الظروف العصيبة" و"في هذه اللحظات الحاسمة" تريد؟ تفضل مع السلامة

و انت أيها المثقف المتزن كم كلمة من مثال: "في الواقع"، "في الحقيقة"، "جدلية" و"شمولية"، و"نظرة موضوعية" و"قفزة نوعية" تريد؟ تفضل مع الف سلامة.

 وانت أيها المناضل والمتطرف والمتفرغ لكل محاضرة وندوة ومناسبة كم كلمة من أمثال: دم، دماء، استعمار ،امبريالية، شعوب، "وحدة شعوب"

، "وحدة المصير"، كوبا ،نيكاراغوا، وكم مناقصة فوقها تريد؟ تفضل ومع الف الف سلامة

فقبل احترام اللغة يجب احترام الانسان الذي ينطق بها.

 الى التالية 5/ الأجندة

 ***

 عبد الرضا حمد جاسم

من الصعب تحويل آهات الذات والآخر إلى كلمات دالة وصادقة، وبلا ثرثرة من سفسطة فلسفية. إنها بحق إنشاء بداية محاولات لينة لتشكيل لوحة تأطيرية يتداخل فيها الماضي والحاضر والمستقبل، والذي لا نعلم ما يخفيه عنَّا جميعا !! من صعب الفهم الكتابة عبر أنساق هندسة (علوية) مركبة لصورة (بورتري) تحتل منَّا جزء من سحر الزمن والمكان وتتجاوز مفهوم العمر المتسرب، وقد تنام الأفكار معنا (أمنا وسلاما)، وتصحو باكرا مع صياح الديك، لإعادة إنتاج مناولات الكتابة بصيغة التمرد.

من السهو استعادة الذكريات، وحضور أمكنة في المخيلة المشتركة لا الفردانية. من الصعب أن نستنسخ تلك الذكريات بتمامها (خيرها وشرها/ فرحها وحزنها)، وألا تغادر نزغ المخيلة العميقة دون إجراءات عمليات التشذيب  والتطهير من أوراق خريف الفسحة الضيقة للكتابة. فلا بد من حمية صحية لرزانة الكتابة، ولما لا التخلص من كل العادات غير السوية التي كانت تركب بروزا نزق الحياة الماضية.

أعلم جيدا أن الكتابة كشف للحقيقة وتعرية للذات  ولو بالهوان الهين. أقر بأن التفكير جزء أساس من (قبر المثقف)، وعالم  مثالي من (نهاية التاريخ) الشفهي. أعلم أن الكتابة مخاض صعب ماكر، لا يولد إلا بألم يوجد بين ثناياه صيرورة متجددة للتفكير، وقد لا يتكرر مثل الموت والولادة.

 أفقه بعلم العلة والسبب نحافة عقلي التنبيهي، وعوز وجداني تجاه منتوجات مصفوفة القيم الأساس، والتي لا تزيد في عصر (الحداثة البعدية) إلا ضمورا متفاقما في سوق العرض والطلب، وتنطيط التفاهة من (المثقف الثرثار) إلى (مواقع التواصل الاجتماعي).  قال محاوري بأسلوب من الاستفهام الاستنكاري المبهم: (لمن أشكو  بثي وحزني؟)، قلت له بأسلوب الإخبار: (ما نشكو بثنا وحزننا إلا لله العلي القدير)، قال: ونعم بالله، العلي القدير.

حين يعاودني الحنين للكتابة مرات عديدة. أكتب، لكل المغاربة أينما يوجدون وحيثما وجدوا. أكتب، عن الوطن الإنسان والأرض، والمستقبل المجهول. أكتب عن برزخ الترف والبذخ،  وأهل الحل والعقد في التخطيط العمودي. أكتب، عن سياسة البؤس بكثرته، وكفاف جيوب التغيير، وعن الرفاه الاجتماعي للجميع. أكتب عن كينونة الإنسان، عن الخير ومحاربة الشر والفساد. أكتب، عن القيم المعيارية والتي فشلنا جميعا في تنميتها بالتجديد والتطبيق المعاملاتي، وتثمينها وفق أنماط التحولات الاجتماعية المتسارعة. أكتب، عن مفهوم الثقة في الوطن والمستقبل، وعن غياب الثقة في السياسي والمثقف والمحلل الإعلامي الرسمي، وعن السذاجة والغباء (الجديد) في صناعة الثقة في المواقع الاجتماعية (الاليكترونية) عبر دعوات شريرة مجهولة المصدر في (الهروب الجماعي) من الوطن !!

هو الوطن الذي نتقاسم هواؤه بدون أداء، ولا رسوم ضريبية. هو الوطن الذي لا نلوي القبض فيه على عدل الاستفادة من ثرواته بالمساواة والكرامة، ولكنا نحمل هويته واسمه بالفخر، و نَفح السجال الهادئ، والترافع المؤسساتي. هو الوطن الذي نتشارك فيه سواسية البكاء بالجمع والإفراد على ضحايا زلزال الحوز، وفيضانات طاطا المدينة، ونشترك فيه فرحة عند نتائج كرة (منفوخة) بالريح !!

 أكتب، عن كل أصنام عابدي كراسي السيطرة، والتحكم في رقاب وأرزاق العباد. أكتب عن فزاعات التخويف من الحرية والحكامة. أكتب، عن الالتزام بالواجب الوطني في صلاح اختيار الصالح من الطالح، لأن الكاذب (الثرثار) لا يهمه غير تحصين (البقاء) والتغاضي عن المهازل الآتية، ونفث سموم الشياطين المفحمة بالشر.

أكتب، إشارة عن ملامح الحكامة وقوفا، ضد كل أصناف الأصنام السياسة والريع (الحلال). أكتب باليسر البسيط لتنمية الوعي بالجدية والنجاعة والصرامة. أكتب، عن تسريب القيم (الأخلاقية والوطنية) نزولا ورمليا (بالتَّمَرمِيدْ). اليوم، نريد ثقافة المراجعات السلوكية، وثقافة البساطة لا ذاك البرج العالي العاجي للنصائح!!!

***

محسن الأكرمين

في المثقف اليوم