أقلام ثقافية
خالد اليماني: في مخاض الحب والانطفاء.. بين التعلّق والتحرّر

تخمد إرادةُ الإنسان لأسبابٍ عدّة: تراكم الإحباطات، ضغوط الحياة، الفشل في العلاقات، وأحياناً بسبب إدراكه أن الشيء الذي كان شغوفًا بهِ، لم يعُد يعني له شيئًا؛ أي أن التحوّل نابع من وعيه أولاً بعدم جدوى الحلم الذي رسمه لنفسه أو نمط الحياة الذي توهّمهُ يومًا أنه الأمثل لعيشٍ كريم.
وعلى رأس هذه الأسباب: الحُبُّ! هو أكثر شعور يُشعل ويُضيء الإنسان من جهة، ويكسره وُيطفئ إرادته من جهةٍ أخرى حين يفشل.
الحُبُّ شكّل الثيمة الأكثر ديمومية في التراث الأدبي بجانب معاناة الحياة وتحدياتها، ويبرز كتوقٍ للنجاة وكمصدر للمعنى في عالمٍ متبعثر، يبعث على الإرهاق والاغتراب الوجودي.
حين تأملتُ تجربتي، تبيّن لي أن للحُبّ وجهين: الأول، «الحُبٌّ القَيديّ»، سمته علائقيّ، يقوم على الحاجة للآخر، ويمثّل افتقاراً وعجزًا في الروح. الثاني، «الحُبّ الإفساحيّ»، وهو الأنضج، يشبه حبّ مولانا جلال الدين الروحي لله وللوجود.. حبّ بطبيعته لا يطلب التملّك أو التعلّق، ويكتفي بالمؤانسة الروحية للمحبوب.
رغم قسوة الألم الناتج عن فشل الحب والانطفاء والشعور بغياب المعنى، تبقى هذه التجربة التربة الأخصب لتعلّم حبّ أعمق: حب غير مشروط، وإدراك أن الفراق مجرّد وهم نفترضه عندما لا نعرف من الحب إلا مثاله الأول: «الحب القَيديّ». أما الآخر، الأرقى، فيوقظ وعينا بأننا نتشارك ذات السماء مع محبوبنا، ونفس الوجود، أحياءً كنّا أم أمواتًا!
الفيلسوف الحقيقي هو من يعتق نفسه من آلام الحياة، بفسح المجال لطبيعة العالم أن تكون، دون قيد أو شرط؛ وعند هذا الإدراك، تتحدّد ملامحُ الحبّ في أنقى صوره.
***
خالد اليماني - باحث