أقلام ثقافية
حسين صقور: غرافيكية الإيحاء وضبابية المشهد في أعمال علي مقوص

كانت ذاكرتي تستعيد بضع صور ولوحات من البدايات ومن البدايات شكل البنفسج والأزرق انطباعاتي عن فنان حركي شفاف في أسلوب معالجته للمساحة وعاشق متصوف تربطه علاقة حميمة مع الموضوع لم يغادر البحر (موضوع بداياته) إلا حين شكل غيمته من بخاره وامتطاها راحلاً نحو تلك الجبال ليهطل على تلك الوديان والسفوح وليكشفها ويكتشفها وليصير الشاهد على أسراراها في كافة أعماله اللاحقة.
هو الفنان علي مقوص وتلك هي مقالتي التي تأخرت عنه لأسباب لست بصددها الآن .. فأن تصل ولو متأخراً خير من ألا تصل أبداً .. وأخيراً وصلت .. وصلت إلى حيث البداية وعند أبواب مرسمه الفسيح أسرد لكم الحكاية وقبل كل حكاية وجب علينا الوضوء فرحلة سبر أغوار الطبيعة هي صلاة وهي المدخل للتسليم بعظمة الخالق في خلقه وهي المدخل أيضاً لفهم الذات وفلسفة الحياة.
وُلد علي مقوَّص في مدينة اللاذقية عام 1955 وتخرّج من قسم التصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق عام 1978. وأصبح أستاذاً جامعياً مرموقاً في مجال الفنون البصرية، ودرّس في الجزائر والإمارات العربية المتحدة وعُمان وسوريا.
أما بدايته الفعلية تلك التي مهدت لأسلوبيته الحالية فكانت أمام تلك الشجرة العظيمة وحولها إذ صورها مراراً وتكراراً في لوحاته بتقنية الخط والأحبار لتصير رمزاً للحياة ومزارا لتلك الحشود المتماهية مع طقوسها ضمن حفلات رقص ودبكات
أمام تلك الشجرة وقف مقوص متأملا تفاصيلها حد الإشباع الذي مده بتلك الروح المثابرة لتتحول فوق صفحات لوحته لوسيط ما بينه وبين المتلقي يترجم نفحات الروح ويعكس نفساً طويلاً في المعالجة التي ستسطر لاحقاً لفلسفة العمل الأكثر خصوصية والذي سيقدمه الفنان عبر تكنيكه الخاص المنبثق عن رؤية غرافيكية الإيحاء ضبابية المشهد للطبيعة الساحلية بكل ما تتسم به من جروف وسفوح وصخور وأعشاب ... وحضور متماهي للشكل الإنساني عبر كافة طقوسه ليصير جزءاً لا يتجزأ من تلك الطبيعة المشغولة بتقنيات تراكمية تبدأ بالرسم والتكثيف عبر الأحبار والأسود وتنتهي بالتوشيح الشفاف للون وما بين وبين تشهد معركته مع اللوحة حالات الهدم والبناء والحف والحك الذي يعطي لعمله ذلك الإيحاء الغرافيكي بالجروف الصخرية وغيرها
ويبقى أن أشير لبورصة اللوحة والفنان علي مقوص في قضايا تسويقها خبير الخطورة تكمن هنا حين تأسرنا رغبة السوق حينها ستتحول تلك الرغبة لقيد يربط الفنان بالعمل المباع ليجتر ذاته مراراً وتكراراً في الإعادة التي لا يمكنها أن تجاري الأصل .. وهذا الفخ يقع فيه الكثير من الفنانين بالفعل
وأقول أخيراً أمام هذا الكم من اللوحات المعادة استطيع أن أبرر للفنان عمله هذا طالما كان لا يزال يأمل بالكشف عن أسرار جديدة سواء في قلب الطبيعة أو في ذاته المتماهية معها
***
حسن صقور