أقلام ثقافية

غريب دوحي: ابيات بطعم المعلقات

عرف عن العصر الذي سبق الاسلام بانه عصر المعلقات او الملاحم الشعرية التي تتغنى بالحروب والابطال وقد برع الاغريق فيها مثل الالياذه والاوديسا لشاعرهم هوميروس الذي عاش في القرن التاسع قبل الميلاد.

ولقد كان العرب في جزيرتهم شعبا من الشعراء وكان الشعر ينبض في حياتهم اليومية وكانت اشعارهم تمتزج فيها عناصر القوة والفخر بالقبيلة كما كانت فيها الحكمة والغزل ولخمر والوصف واشياء اخرى.

ومع ظهور الاسلام خفت حدة الافتخار والانتساب القبلي وحل محلها الولاء للدين الجديد فتقوقع الشعر في زاوية ضيقة وما ان حل العصر الاموي حتى اصبحت صورة الدين باهته بحيث استطاع شعراء ذلك العصر تجاوزها فاصبح الشعر شعرا سياسيا اكثر منه شعرا غزليا او وصفيا باستثناء بعض شعراء الغزل العذري مثل جميل بثينة وكثير عزة ومجنون ليلى.

وفي العصر العباسي ظهر فطاحل الشعراء الذين كانت قصائدهم تنضح حكمة وروعة وكانت تشكل موقفا حياتيا افرزته الظروف المعتمة القاسية التي كان يمر بها المجتمع العربي الاسلامي في ظل دولة متداعية يتلاعب بمقدراتها الفرس والاتراك مما ولد صراعات سياسية واقتصادية نتج عنها انتقاضات وثورات اجتماعية مثل القرامطة والزنج هزت كيان الدولة والمجتمع وتسبب في الحطاط حضاري مريع وفي ظل هذه الاجواء المدلهمة كان شعراء كالمتنبي وابو العلاء المصري وغيرهم يمثلون الشموس التي تضيئ تلك العتمة التي المت بالشعوب الاسلامية وانحطاط الفكر فيها وكان شعراء العصر العباسي بحق مرآة عكست الواقع المزري للمجتمع العربي فعبروا عنه وصوروه بأبرع الصورة فكانت قصائد رائعة بطعم المعلقات.

وهذا ما نريده من شعرائنا اليوم ان يكتبوا قصائد قوية يتغنى بها الشعب العراقي في مناسباته لتغسل قطرات دموعنا الكبيرة والتي هي بحجم ماستنا الكبيرة.

نحن بحاجة الى المعلقات جديدة بشرط ان تشكل موقفا حياتيا يقف الى جانب الحقيقة بعيدا عن نوازع العنصرية والطائفية والقبلية لقد اخترت سبعة مقاطع لسبعة شعراء من عصور مختلفة لأهمية موضوعاتها من جهة ولمساسها بحياتنا ومشاكلنا الحاضرة من جهة اخرى وهذه الابيات.

مَلكْنا فكان العَفْو منَّا سَجيَّةً

فلمَّا ملكْتُمْ سالَ بالدَّمِ أبْطَحُ

*

وحَلَّلْتُمُ قتلَ الأسارى وطالَما

غَدوْنا عن الأسْرى نَعفُّ ونصفَح

*

فحسْبُكُمُ هذا التَّفاوتُ بيْنَنا

وكلُّ إِناءٍ بالذي فيهِ يَنْضَحُ

هذه الابيات قالها الشاعر ابن الصيفي وهو سعد بن محمد بن سعد صيفي التميمي الملقب بـ(حيص بيص) 492 – 574م والمعروف ايضا بشهاب الدين وشاعر اهل البيت وهو شاعر عاش في العصر العباسي له ديوان مطبوع.

أَرى كُلَّ حَيٍّ هالِكاً وَابنَ هالِكٍ

وَذا نَسَبٍ في الهالِكينَ عَريقِ

*

فَقُل لِقَريبِ الدارِ إِنَّكَ ظاعِنٌ

إِلى مَنزِلٍ نائي المَحَلِّ سَحيقِ

*

إِذا امتَحَنَ الدُنيا لَبيبٌ تَكَشَّفَت

لَهُ عَن عَدوٍّ في ثِيابِ صَديقِ

قالها الشاعر ابو نؤاس 757-814م وهو من كبار ادباء العصر العباسي، لقب بشاعر الخمرة، عاش في العصر الذهبي للخلاقة قربة الرشيد وجعله الامين شاعره، اسرف في الخمرة وللهو وتاب في اواخر ايامه، له ديوان مطبوع اجود اشعاره في الخمريات.

فُؤادٌ ما تُسَلّيهِ المُدامُ

وعُمْرٌ مثلُ ما تَهَبُ اللِّئام

*

ودَهْرٌ ناسُهُ ناسٌ صِغارٌ

وإنْ كانتْ لهمْ جُثَثٌ ضِخام

*

أرانِبُ غَيرَ أنّهُمُ مُلُوكٌ

مُفَتَّحَةٌ عُيُونُهُمُ نِيَامُ

هذه الابيان قالها ابو الطيب المتنبي 915 -965م، عاش في عصر الحطاط الدولة العباسية، عاصر سيف الدولة الحمداني امير حلب واسرف في مدحة ومدح كافور الاخشيدي في مصر ابتغاء حصوله على الامارة، كان متكبرا شجاعا شديد الطموح محبا للمغامرات افضل اشعاره في المحكمة وفلسفة الحياة ووصف المعارك، قتل في النعمانية في طريق عودة من فارس الى بغداد.

يعيب الناس كلهم الزمانا

وما لزماننا عيب سوانا

*

نعيب زماننا والعيب فينا

ولو نطق الزمان اذن هجانا

*

ذئاب كلنا فى زى ناس

فسبحان الذى فيه برانا

*

يعاف الذئب يأكل لحم ذئب   

ويأكل بعضنا بعضا عيانا

قالها شاعر عباسي يسمى (ابن لنكك) وهو شاعر بصري يحسب من الشعراء الماجنين او الخلعاء، وهو محمد بن محمد بن جعفر ابو الحسن المعروف بابن لنكك البصري، كان صدر ادباء البصرة في زمانه ولعله اراد ان يكون من فحول الشعراء لولا بروز شعراء اخرين وفي مقدمتهم ابو الطيب المتنبي.

***

ابو العلاء المصري 973-1057م شاعر مفكر، عاش معتزلا متزهدا متبرما بالدينا والناس، سمي رهين المحبسين لفقده بصره ولزومه البيت ثم انه لم يتزوج ولم يتقرب الى النساء لذلك غلب على شعره أتشاءم وآلكابه قال في قصيدة له يذم الزمان ويفتخر بنفسه:

ألا في سبيلِ المَجْدِ ما أنا فاعل

عَفافٌ وإقْدامٌ وحَزْمٌ ونائِل

*

تُعَدّ ذُنوبي عندَ قَوْمٍ كثيرَةً

ولا ذَنْبَ لي إلاّ العُلى والفواضِل

*

وقد سارَ ذكْري في البلادِ فمَن لهمْ

بإِخفاءِ شمسٍ ضَوْؤها مُتكامل

*

وإنــي وإن كــنتُ الأخـيرَ زمانـه ُ

لآت ٍبمــا لــم تـّسْــتطعه الأوائـلُ

*

فيــا مـوتُ زُرْ، إنَّ الحيـاة َذميمـة ٌ

ويـا نفسُ، جـِـدِّي، إن دهـرَك ِهازلُ

***

غريب دوحي

في المثقف اليوم