
إن الذي يسعى إليه المُشتَغل في المجالِ الإعلامي يتمثل في إمكانيةِ تحقيق الشهرة على أوسع نطاق، ومن المعروف أن معيار ما يحقق الشهرة، أي ما ينبغي أن يعمله المرء في سبيل تحقيق الشهرة، يكمن في تقديم قاموس عملي يؤثر في الواقع المعاش، فضلاً عن الممارسة الإبداعية والعبقرية، والتي من خلالها يتمكن من السيطرة على ذائقة المتلقي للمُنتَج الفني، وبالتالي فبتقديم المحتوى المميز والأسلوب المرهف، يتمكن صاحب الإنتاج الفني من السيطرة على الذائقة المستهلكة لذلك الإنتاج، ولكن نحن نتحدث عن ميديا القرن العشرين وما قبلها، أما ونحن ننظر إلى الإنتاج الفني، من غناء ومسرح وبرامج تلفزيونية والكترونية بشكلٍ أدق، في القرن الواحد والعشرين، فإننا في زمنٍ تكون الغاية فيه تتمثل بخلق الشهيرة لا الشهرة، فبمقدار ما تقدم من عرض ساذج، ويحوي على ممارسات تافهة وساخرة، يكون معياراً لنجاحه ونفاذه لذائقة المتلقي، لان الغاية كما أسلفنا لا تتمثل بأن تكون شخصاً مشهوراً، بقدر ما تكون شخصاً مُشتَهِراً.
والعلة في زمننا لا تكمن في صانع المحتوى الفني فحسب، وإنما في الذائقة الجوفاء التي تتلقى العمل الفني فتهضمه وتتابعه وتُثني عليه، وإذا ما أردنا أن نغيّر من واقع الحال المزري، فما ينبغي عمله في بادئ الأمر، التحقق من مسؤولية الذائقة، لأنها وراء شهرة المشتهر، ومن ثم الولوج إلى ميدان صناعة المحتوى الرسالي والقيمي.
وما نعاني منه في عصر الميديا المعاصرة، سيطرة شخصيات سافلة وهزيلة، ذات إنتاج فني عقيم وتافه، تتغنى وترقص على جراح ما تبقى من ثقافة ومبادئ وقيم، الأمر الذي يدعونا إلى إصلاح ما تبقى من فن، عن طريق مجموعة من الممارسات النقدية على الذائقة الشعبية، في سبيل تعديلها وإعادة توجيه بوصلتها نحو الإنتاج الفني المثمر، لأن ما نححتاجه أولاً في تقويم السلوك الفني، الثورة على تغيير الذائقة الفنية، ومن ثم البدأ في تغيير عملية الإنتاج الفني، وخلق أجواء لصناعة المحتوى الإعلامي، لان البدأ بالأخير من دون الأول يجعله عملاً خاوياً لا يحقق أثراً في واقعية الفن، فضلاً عن تفعيل دور النقابات الرقابية، والتي تتولى مهمة هدم السائد، وبناء سستم فني من نوع آخر، لا يغازل العاطفة فيكسبها، وإنما يعيد توجيه العقل فيُشغّله…
ولكن كيف نريد البحث عن الحقيقة ونحن في زمن الحقائق الافتراضية، كيف ونحن نقع تحت سطوة التحكيم الالكتروني في مواقع التواصل الاجتماعي، كيف نجد الحلول والأكثر مسبةً عن طريق التفاعل والتعليق على المحتوى المُقدّم هو الناجح والحاصد للجوائز، كيف نساهم في تغيير الواقع الفني ونجد العرض الهابط يحصل على ملايين المشاهدات، على الرغم من أن المشاهدات ليست معياراً للنجاح، ولكن اليوم هي الأصل الرئيس والخيار الفاصل، وهذا ما قصدناه بالشهيرة.
إنه زمن الصعاليك الهابط كما يقول (ألان دونو) في كتابه (نظام التفاهة)…
***
د. حيدر عبد السادة جودة