أقلام ثقافية
رنا فخري جاسم: الشعراء الموظفون في مملكة غرناطة

كان شكل الشعر الغرناطي يشبه الخزفيات ذات الطابع الواحد لدى معاصريهم المدجنين من الحرفيين، فنجد في هذا الشكل الواحد يتكرر في نموذج واحد الى ما لا نهاية. إن المذهب التأسيسي الغرناطي المحافظ قام بعملية بعث وإحياء لأشكال إجتماعية ثقافية قديمة بصورة قوية، من المؤكد أنها لم تكن تملك تمتلك النموذج أو المثال، وهكذا تحول الشاعر البلاطي الذي كلف بالتغني بأمجاد السلطة، تحول إلى موظف يراعي كل الاصول، وهناك عدد من الوزارات كل مسؤولياتها أن تحرر الرسائل الرسمية للسلطان الغرناطي وهي تكتب في أوراق حمراء، وهو اللون المتخذ كشعار لإمراء قصر الحمراء .
وهنا يجب أن نشير إلى أن طريقة أو مذهب هؤلاء الشعراء الموظفين- أن هناك دائما بحث مستمر عن شكل لطيف وممتع يمكن تطبيقه في المناسبات المختلفة شأن القوانين الادارية ذات الصيغة الموحدة، وقد سبق وأشرت إلى أن مذهبهم هو مذهب طائفة الحرفيين، الذي كان يسعى إلى المادة الرقيقة للغة العربية بإشراف شيخ أو معلم كان يصحح ويهذب ويزخرف العمل لدى المتعلمين المبتدئين ويقوم يقراءة كتبه الخاصه التي ألفها وخصصها لتكون صالحة للاستشهاد بها في الاوقات الرسمية أو في الاحتفالات. ومن هنا تشابه أسلوب الشعراء الذين كانوا يعملون في خدمة القصر (قصر الحمراء)، ومن هنا جاء الخلط واللبس في إثبات القصائد المنقوشة لمؤلف بعينه، هذه النصوص هي نتاج هؤلاء الشعراء الذين جمعتهم الوظيفة المشتركة كما جمعتهم علاقة المعلمين بالمتعلمين أو الاساتذة بالتلاميذ.
إن أول شاعر موظف من الناحية التاريخية هو إبن الحكيم الرندي(1261-1309) الذي لم يحفظ من شعره نماذج كثيرة، ذلك لأنه فضلا عن كونه رئيسا لقلم أو قسم الكتابة بقصر الحمراء، كان رئيسا للوزراء ووصل إلى أن أستولى على السلطة الملكية، مع ما كان تتوجه به إليه من قصائد رسمية، ليس هناك مايمنع أن تكون القصائد المكتوبة على المدخل الرئيسي، هي قصائد من تأليفه. كان من حسن حظه بقيام تلميذه إبن الجياب الغرناطي (1261-1348) الذي كان رئيسا لقلم الكتابة طيلة خمسين عاما في خدمة السلاطين بالقيام بحفظ شعره أو ديوانه.
أما إبن زمرك( 1333-1393) الذي كان تلميذا لابن الخطيب، الذي كان بدوره تلميذا لابن الجياب، فعندما كان يعمل كشاعر رسمي في البلاط، لديه مسحة شعرية أكثر علوا ورقيا- لانه في تصوري كان أفضل الشعراء الغرناطيين الثلاثة الذين عملوا كموظفين في القرن الرابع عشر.
أما إبن الخطيب تلميذ إبن الجياب وأستاذ ابن زمرك، فقد كان أكثر الثلاثة تحذلقا، ربما يرجع ذلك إلى قدرته على جمع كل ألوان المعرفة، فقد كان كاتبا أصيلا أستطاع في إسلوب يتسم بالصعوبة أن يتعامل مع أكثر الموضوعات المتباينة.ونشير من بين قصائده المدحية، قصيدته اللامية التي يقال أنها كتبت على جدران قصر الحمراء، والتي ألفها بمناسبة عودة محمد الخامس إلى العرش.
وفي النهاية، رغم إنشغال الشعراء الموظفون في غرناطة بأعمالهم الادارية، فإنهم حافظوا على حضورهم الادبي ‘ فجعلوا من الشعر وسيلة للتعبير عن مشاعرهم وتجاربهم الحياتية والمهنية وأمتزج في نتاجهم الادبي الحس الابداعي مع الخبره اليومية، فأنعكس في قصائدهم طابع يجمع بين الرسمي والوجداني، مما أغنى المشهد الثقافي الغرناطي وخلد أثرهم في تاريخ الادب الاندلسي.
***
رنا فخري جاسم
كلية اللغات/ جامعة بغداد