أقلام ثقافية

إميلي زاريفيتش: كاثرين مانسفيلد وأنطون تشيخوف

بقلم: إميلي زاريفيتش

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

كانت الكاتبة النيوزيلندية الشابة كاثرين مانسفيلد، التي عاشت في المنفى بألمانيا، تجد العزاء في دراسة قصص تشيخوف القصيرة ونسخها.

كان عام 1909 عامًا صعبًا على الكاتبة النيوزيلندية كاثرين مانسفيلد. فقد كانت عواقب العديد من القرارات السيئة في حياتها تلحق بها الأذى. فلم تكتف بالتخلي عن زوجها الأول ـ — الذي كان في الأصل معلمها في الغناء، جورج بوندن — في ليلة زفافهما فحسب، بل كانت أيضاً حاملاً بطفل من رجل آخر. بالإضافة إلى ذلك، كانت والدتها المُهانة قد أودعتها في بلدة نائية في بافاريا، ألمانيا، لإخفائها عن المجتمع المحافظ. كانت مانسفيلد وحدها تماماً، مقطوعة عن عائلتها وأصدقائها، وكانت آفاقها قاتمة. هل من المستغرب إذن أنها لجأت إلى فنان أكبر سناً بحثاً عن الراحة والإرشاد في عملها الكتابي، والذي لم يكن بإمكانه أن يؤذيها؟

كانت مانسفيلد كاتبة رئيسية للقصص القصيرة، وكانت مصممة على أن تكون رائدة في هذا المجال. رغم أن عالم الأدب باللغة الإنجليزية في أوائل القرن العشرين كان مشبعاً بالروايات والمسرحيات والشعر، إلا أنه لم يكن لديه بعد علامات متطورة ومُعتمدة للقصص القصيرة. لكن الأدب الروسي كان يمتلك تلك العلامات، وكان نجم كتابة القصص فيه هو أنطون تشيخوف. وقد تعلقت به مانسفيلد—أو على الأقل بأعماله. رغم وفاته منذ عام 1904، إلا أنها وجدت فيه نموذجاً ناضجاً وموثوقاً يبدو أنه يفهمها، على عكس والديها الحقيقيين.

"إن ذكر كاثرين مانسفيلد يذكرنا دائمًا بمعلمها الرئيسي في القصة القصيرة، تشيخوف. فهي لا تشبه تشيخوف في نبرتها العاطفية الحساسة فحسب"، كما كتب الناقد الأدبي والشاعر جوزيف وارن بيتش في عام 1951، لكن ..

تذكرنا به أيضًا من خلال ميلها إلى إخضاع الأحداث للمزاج، ومن خلال العديد من السمات الأخرى للتقنية التي تترتب على ذلك. قد يميل المرء إلى القول إن كاثرين مانسفيلد كانت شخصية تشيخوفية - واحدة من أقوى شخصياته؛ كان هناك الكثير في تجربتها فى الوحدة والإحباط، من التناقض بين الظاهر والواقع، بين المثال والفعل، وهو ما يتكرر كثيرًا في شخصيات قصصه."

في بافاريا، عاشت مانسفيلد ما يمكن اعتباره مرحلة تقليد (أو محاكاة)، حيث انغمست في عالم تشيخوف الخيالي الذي يصور المستضعفين والتعليقات الاجتماعية. ومن نتائج هذا الانغماس العميق في كتاباته، برزت قصتها "الطفل الذي كان متعبًا" التي نشرت في عام 1910، والتي لا يمكن إنكار أنها نسخ من قصة تشيخوف "النائم" التي كتبها في عام 1888.

يبدو أن شيئًا في قصة تشيخوف المأساوية عن طفل خادم مُستَغل ومحروم من النوم بشكل خطير قد لامس شيئًا عميقًا في مانسفيلد.

ظهرت قصة "الطفل الذي كان متعبًا" لأول مرة في مجلة The New Age الطليعية، التي ساهمت فيها صديقتها وعشيقتها أحيانًا، بياتريس هاستينجز، ثم أُدرجت لاحقًا في مجموعة "في نُزُل ألماني" الصادرة عام 1911. كان هذان المنشوران من العوامل الأساسية التي قدمت مانسفيلد إلى الأوساط الأدبية في إنجلترا وساهمت في تقدم مسيرتها المهنية. ولكن، لا يمكن تصنيف القصة على أنها قصة خيالية أو ذات قيمة فنية عالية ، إن القصتين متطابقتان تقريباً؛ فلو كانت قصة "الطفلة التي كانت متعبة" نتيجة لمهمة جامعية، لكان من المرجح أن تواجه مانسفيلد الطرد. ونظراً لحالتها العاطفية الهشة ويأسها من تحقيق نوع من النجاح والأمان في حياتها، فربما يمكن أن يُعذرها المرء عن هذا التعدي/ السرقة.

يبدو أن شيئًا ما في قصة تشيخوف المأساوية عن خادمة طفل مُستغَلّة ومحروقة من النوم قد أثر في مانسفيلد بعمق، فهي التي كانت دائمًا حساسة للتفاوتات الطبقية والعنف العارض الذي يأتي غالبًا مع الفقر وعدم الحماية. ستظهر هذه المواضيع مرة أخرى في قصصها القصيرة الأكثر أصالة، مثل "حفلة الحديقة" و"المرأة في المتجر"، التي كتبتها عندما اكتسبت الثقة الحقيقية وطورت صوتها الخاص ككاتبة. لم تتخلَ عن حبها لتشيخوف أبدًا، لكنها انتقلت من كونه معلمها إلى أن أصبحت زميلة متأخرة له.

(تمت)

***

.......................

الكاتبة: إميلي زاريفيتش/ Emily Zarevich: إميلي آر زاريفيتش هي معلمة لغة إنجليزية وكاتبة من مدينة بيرلينجتون، أونتاريو، كندا. نُشرت أعمالها في العديد من المجلات والمواقع الإلكترونية، كما تُعرض أعمالها بانتظام في مجلات Inspire the Mind وThe Archive وEarly Bird Books وHistory Magazine وSmithsonian Magazine وThe Queen’s Quarterly وغيرها.

 

في المثقف اليوم