أقلام ثقافية

سميرة احيزون: ثقافة الحب في المجتمع المغربي

غير بعيد عن الموعد العالمي المخصص للاحتفال بالحب، لن أتحدث عن طرق الاحتفال أوعن ماهية الحب ولا الحب الافتراضي أو الواقعي، لكن بالمقابل سأتساءل عن تمثل المغاربة للحب، وكيف هو حال لغة الهوى لديهم؟ وهل يمتلكون القدرة على التعبير عن حبهم؟.

غالبا ما نصادف أفكارا وا تصنيفات تجعل من الدارجة المغربية، ومفرداتها عاجزة ولا ترقى لمستوى التعبير عن الحب، لكن ببحث بسيط جدا في المعجم اللغوي المغربي، نجد أنه مليء بمفردات مرتبطة بالحب الجد معبرة، فهناك أكثر من مرادف له وكمثال: بضاض، الزعطة، العطفة، البغو، الربطة، الهوا، " و"ثايري" بالأمازيغية الخ.

وإن كان العالم بأسره قد جعل من القلب رمزا للحب، فالمغاربة أضافوا عضوا آخر ألا وهو الكبد، والذي يقابله باللغة الأمازيغية "تاسا".

ناهيك عن الذاكرة الشعبية المغربية سواء بالدارجة أو الأمازيغية، والتي تزخر بقصص وحكايات وأساطير غرامية، دون نسيان بصمة الفن المغربي بمختلف تلاوينه وتركيبته وثراءه البادخ، بدءا بالأشعار و"تاموايت" الأمازيغية التي تنبض وتتنفس حبا، ومرورا بالملحون هذا اللون التراثي المكتنز، وصولا إلى العيطة نداء القلب والتاريخ العريق، هذه الأخيرة التي تضم في ثناياها تيمات متعددة ومن بينها تيمة الحب.

مما يجعلنا أمام غنى ثقافي وفني ولغوي أيضا، يدحض معه كل فرضية تفيد أن المغربي لا يعرف للحب طريق أو لسان، مما يطرح معه التساؤل حول مكمن الخلل وهو ما يحيلنا مباشرة على التربية والتي تعاني ثغرات عدة.

كيف يمكن للإنسان أن يحب؟ ويعبر عن ذلك إذا كان يعاني من مركبات نقص، تجعله غير قادر حتى على حب نفسه والتصالح مع ذاته، هو بالأساس نقص على المستوى العاطفي وغياب الثقة في النفس، وانعدام الاهتمام، ضعف الشخصية، الخجل ...

فالحب قبل أن يكون إحساسا هو ثقافة أسرية ومجتمعية، قلما نسمع عبارات الحب والود بين الآباء وأبنائهم أو بين الزوج والزوجة أو حتى تلك المتبادلة وبين الأصدقاء والإخوة... فلكي تشيع هاته الثقافة يجب أن تنطلق من أساس مهيأ لإعطاء الحب واستقباله.

 فلا زال العديد من الناس يخلطون بين الحب والإعجاب والانجذاب الجنسي، وهذا يعتبر مشكل بحد ذاته.

وكثر هم من يظنون أن الإبتسامة والإحترام وتشابه الإختيارات، وتقديم الخدمات أو المساعدة من الطرف الآخر، حبا وهذا راجع للشح والعطش العاطفي الذي يعانيه الإنسان منذ طفولته، ويظهر مع المدة على شكل خيبات وحرمان وسوء تقدير وفهم، فيحيلنا على اضطراب العواطف والتيه وهشاشة شعورية مترسبة.

دون أن ننسى أن هناك من يستنقص من الرجل إزاء بوحه أو تعبيره عن الحب علنا وقد يطلق عليه لقب "عنيبة " وهو من المصطلحات المستجدة على دارجتنا المغربية، أما بخصوص المرأة فتقرر عدم الإقدام على الخطوة، حفاظا على كرامتها ومكانتها وإلا سميت ب " المدلولة"، قد يكون هذا راجع للإبتذال والالتباس الحاصل على مستوى العلاقات وهو موضوع آخرذو شجون، فيحق لنا هنا التساؤل المشروع، ألم يمكنا التطورو الانفتاح الحاصل من إبتداع طرق تعبيرية تشبهنا وتلائم ثقافتنا وهويتنا وتراعي خصوصيتنا؟

وسبب التساؤل راجع لموجة التقليد الأعمى أو عقدة الآخر، حتى صرنا نستعير طباع وثقافة ولغة غيرنا لنعبر عن مشاعر تخصنا.

وفي خضم الحديث دائما عن أزمة التعبير عن الوله، فقد استطاع العديد الخروج منها، وكان البديل من خلال التعبير بالافعال والمواقف والاهتمام أكثر من الأقوال، مثلا كإلقاء أسئلة ملمحة غير مصرحة من قبيل : هل أنت حزين؟ ما بال ملامحك متغيرة؟ كل جيدا، إلبس معطفك، ألديك مصروف؟ وقد يظهرها البعض من خلال التنازل عن نصيب المحب من الحلوى أو قطعة اللحم لمحبوبه على غرار أجدادنا، هي في الظاهر حركات ومواقف وأسئلة روتينية وتبدو سطحية لكنها تحمل من الحب والود الشيء العميق.

ليظهر جليا أن المشكل ليس في اللغة بل في تقنيات غرس ثقافة التعبير عن الحب وهي من الحقوق المهدورة اجتماعيا لأنها تكتسب، فإذا كانت الأسرة عاجزة عن نشر هذه الثقافة، والمدرسة تلغيها من مقرراتها والمجتمع يدينها، فلا تنتظر كائنا كان أن يحب بشكل سليم لوحده إلا من رحم ربي، فهناك من ينهل من الروايات وآخر يستعين بالأفلام والسلسلات والكثير يستفيد من تجارب الغير، وآخرون يقصدون السوشيال ميديا والبقية انصرفوا عن الحب وما جاوره.

***

احيزون سميرة

أخصائية إجتماعية ومدونة

في المثقف اليوم