أقلام ثقافية
سونيا عبد اللطيف: رسالة إلى السيّد الرئيس (الرسالة الأولى)

تحية وسلاما،
وبعد،
سيدي الرئيس
إنه من دواعي سروري أن أخطّ لكم بعض شجوني، أعبَر عن قلقي، حيرتي، أسفي فأنا ما وجدت حلا غير هذا، فأرجو أن تصلكم رسالتي وانتم في مزاج حسن، لقراءتها بشغف …
أنا مواطنة صالحة تحب الخير للبلد، تحترم نفسها وتحترمكم، فهات لي يدكم، وانصت لخفق قلبي، كم هو يختلج، لست مجرمة، أبحث عن عفو، أو براءة، فقط انا معذبة في أرضكم..
سيدي الرئيس، لم أضع لك سما في رسالتي، فلا تجزع، ولا تدْعُ خدما أو حرسا لفتحها غيرك، ولا تدْعُ عُدُولَ إشهاد أو كتّابا لتلاوتها عليكم، ولا تجمع من حولك حاشية ولا شهودا ليشهدوا على ما دُوِّن فيها،
سيدي الرئيس
خبرت أنك لا تثق في إنس ولا حتى إبليس،
وأنك مولع بالعربية إلى حدّ الثّمالة، ففاكهتك عربية، أطباقك عربية، السّوائل التي ترتشفها عربية، فأنت عربي، من الرأس حتى القدم بالرغم أنْ ملامحك تقول أنّك قادم من كوكبة غير كوكبة العرب، أنا مثلك... لا أشبه العرب في شيء، أشبه الغجر، غير أني أحمل مثلك الهوية العربية، أنتمي لبلد عربي، أحمل فكرا ودما عربيا، ومن هذا المنطلق سيكون حديثنا بلا منازع من ألفه إلى يائه عربيا،
سأناديك سيدي، مولاي، حضرة الرئيس، في أدب وهمس وهسيس، وأنتظر منكم الإذن في الكلام، والاذن في السلام، والاذن في الجلوس، فلن أكون ثرثارة كما النّواب، لا ماكرة كما الذّئاب، ...
سيدي الرئيس
انا مثلك أحب الانزواء، لا أثق بمن يحوم حولي، وحتى الهواجس اتجنّبها، والنّقاشات الحادّة أتجاهلها، أنا مثلك، تماما، وديعة كالحمل، نقيّة كالحليب، بل أكثر، لأن الحليب بات مغشوشا، فما عدت أشربه منذ تعرضت أبقار جارنا الفلاح لعمليْة تسمّم، وماتت جميعها، ولأنه فقد كل ما عنده وما يملك، فقد كرامته، وعزّته، واضطرّ للتّسوَل فتخلّى عنه الأهل والجيران والرفاق وكذلك الحرفاء، وحتى الزوجة والابناء،
سيدي الرّئيس
كل ما في الأمر، أني من سلالة الانبياء والشرفاء، أتكشّف على الحقائق في المنام، وكأني أمام شاشة تلفاز، أرى الوجوه دون أقنعة، أرى أنيابهم كالسيوف لامعة، أرى اياديهم ملطْخة بالدماء، أرى بطونهم كالبالونات، أراهم في السرايا وفي فاخر الفيلات، والنساء تقبل عليهم، من كل الجهات، يحملن البيانات، يحفظن الشعارات، يرتدين ملابس العاهرات، يجلسن في الخمارات، يغادرن وهنّ يمسكن بالازهار باقات باقات، وعلى صدورهن، رسمت أبهى اللوحات، وقصائد غزل خطّت على نهودهنْ بدم الخفافيش، فلا يشوبها زغب ولا ريش،
سيدي الرئيس
كل ما في الامر أني لا أفكر، لا أدبّر، لا أتكتك، لا أخطط، أنا فقط أشعر، اتكشّف، أعبر، أكتب، فما ذنبي إن تعرّت حقائق، وما ذنبي إذا افتضح أمرهم وبانت نواياهم، انا ما اشتركت في كتابة دستور، وما حرّضت على انقلاب، وما وقفت يوما في اعتصام، ولا مع المحتجين، أنا جدّ بيوتيّة، وتقليدية، قديمة قدم قرطاج، فأنا ما قلت ان اصولي بربرية، ولا والدتي أمازيغية، ما تناولت موضوع السبية والاغتصاب ولا الخطف والاستبداد، ولا وصفت بشاعة الاستعمار وما ارتكبه في حق السكان والانسان، أنا أكره التبكي، وأكره التشكي، فكيف أبوح للقراء بسري، أذكر فقط أني كنت شهوة شجرة تفاح، واني ابنة فلاح، وان شهريار خطف أمي قبل ليلة الزفاف، وكانت له منها إلف شهرزاد، وشهرزاد، ليس سواهن يدخلن خدره حتى الصباح، وليس سواهن تحدّثن عن العشق المباح، فما لاح فجر وما لاح فَلاح، وحدهنّ يُؤذّنّ ويدّعين الدّيك صاح،
سيدي ألرئيس
أردت أن أحدثك عن قضيتي، لكني لم أجد بطاقة هويّتي، فكيف أقنعك إني عربية، وكيف أثبت إن دمائي فلسطينية، وكيف أبيّن إني من أمة اسلامية، أعلم أن القوانين سنّت لتزجّ بالمغفلين في السجون، ولتحمي المخادعين، إن المغفل بائس ومسكين، يحلم بعيش كريم، وبيت وعمل وخبز ولحم وتين، لا يهمه من كتب القوانين، ولا يسأل عن تفسير الدين، تكفيه بسم الله الرحمان الرحيم، وتكفيه الحمد لله رب العالمين، وعلى الضّالين آمين، ونحن الشعراء، لا تهمنا عيشة الأمراء، نريد فقط التغزل بالنساء، نريد الهوى بدل الهواء، نريد عصير العنب بدل الماء، وكل شاعرة من النساء، تكفيها أن تشبّهها بهيام، وتكفيها قبلة المساء، وتكفيها ضمة الاحضان وسرير من ريش النعام، ورشفة حبّ وأمان...
هل رأيت يا سيدي حلم البسطاء، خبز وماء وعيش في سلم وأمان، ومحفظة ومحبرة واقلام، ومعقم للقروح ودواء أحمر للجروح واسبيرين ومسكّن للآلام،
سيدي الرئيس
نسيت ماذا سأكتب لكم، لأني عطشت ولم اعثر على قطرة ماء، فأنا لم ادفع ثمن الفواتير فانقطعت فجاة الكهرباء، وحتى الورق اختفى، وما وجدت شايا لا قهوة لأعدل من مزاجي ولم أجد سكرا للمرطبات، حسنا سأخرج ريثما تعود لي الذاكرة، حينها سأكتب لكم عن قصة مواطنة تحلم لتصير أدبية وشاعرة فهل من دستور يحميها من الأذى ويجنّبها المضايقة…
رسالة لم تكتمل
من مواطنة
***
سونيا عبد االطيف
قليبية في 07/ 09/ 2022