أقلام ثقافية
هل ترغب في أن تصبح كاتبًا جيدا؟ ماليا ماركيز تتحدث

عن تعلم رعاية وتغذية دوافع الكتابة
بقلم: ماليا ماركيز
ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم
***
يُظهر الدجاج مجموعة واسعة من السلوكيات الضرورية لسلامته وبقائه، بما في ذلك البحث عن الطعام، وتنظيف ريشه، والتعبير الصوتي المعقد. أنت كاتب، ومثل الدجاج، تحتاج إلى شروط معينة.
تشمل تجربتك، بطبيعة الحال، أن تعيش حالة وجودية معقّدة، وأيضًا- ولنكن واقعيين-البحث عن الفُتات وتنظيف الريش. تُعاني أحيانًا لتشعر بأن ما تفعله ذو قيمة، لأنك، عن طريق الخطأ، تُعلّق تقديرك لذاتك كفنان على اعتراف الآخرين بك. أنت لست بطلًا خارقًا، لا تمتلك قدرات استثنائية، ولا خلفية درامية مثيرة، ولا زيًا خاصًا ترتديه كلما احتجت إلى دفعة معنوية. ومع أنك تتمنّى أحيانًا لو لم تكن كذلك، فأنت تحتاج الناس، وتُهمّك نظرتهم.
تعمل بجد ولساعات طويلة على شيءٍ ما، ومع أنه يُنشر أحيانًا، إلا أنك، في آخر الليل، أو حين تُحبَس داخل لولب التمرير اللانهائي، تشعر بأنك لا وجود لك، وأن ما كتبته وأرسلته إلى العالم بنية صافية، قد ضاع هناك، في الفراغ. تفكّر أن لا أحد كتب كتابك. تفكّر أن الدجاجة، على الأقل، نجحت في عبور الطريق.
يمكن للدجاج أن ينام وعين واحدة مفتوحة، احتراسا من الثعالب أو الراكون أو ابن عرس. كان لك ديك في ما مضى، يحبّ أن يُعانق. جفناه الزهريّان كانا ينغلقان ببطء، نزولًا، نزولًا. كان دافئًا جدًّا وهو ملتصق بصدرِك، ريشه الأبيض وتاجه الأحمر مثل الحرير والشمع. التاج يساعده على تنظيم حرارة الجسم، ويذكّرك بأذن الإنسان. وحين تفكّر بكتابك—ذاك الذي لم يكتبه أحد—تسخن أذناك.
أنت كاتب، ومثل الدجاجة، تحتاج إلى ظروف معينة.
لا يحب الدجاج المشاركة. ليس من المفاجئ أن يقوم بعض الدجاج بالنقر على غيره، خصوصًا في الحبس. لكن إذا تُركت الدجاجات ترعى بحرّية في المروج الخضراء الوفيرة، خصوصًا إذا وُجدت الهندباء الصفراء الطازجة، فإنها بالكاد تتشاجر على المساحة أو الفُتات.
تتساءل: لماذا حين يجتمع الكتّاب، يكون ذلك دائمًا تقريبًا في أماكن مغلقة؟
ينحدر الدجاج من ديناصورات طائرة. يمتلك قدرة بصرية رباعية الألوان. تفترض أن هذا لا يعني فقط أن بصرها أقوى من بصرك، بل أن حكمتها متجذّرة في مادتها الوراثية—سابقة عليك، ومتفوّقة على إرثك كله. تتساءل لماذا هي محبوسة، وأنت حر.
تفتح بوابة حظيرة الدجاج. تركض دجاجة متحمّسة مباشرة نحو الطريق، فتصدمها سيارة عابرة. تتذكّر أن الدجاج ليس ذكيًا في كل الأمور. تفكّر في كيف أنك تواصل الكتابة، ترسل نصوصك إلى الفراغ، وترتدّ إليك أصداء بالكاد تُسمع، وفجأة يخطر لك الشعور بالتماثل. إنها نفس الدافعية، نفس الغريزة.
لا يهتم الدجاج بالمال. أما أنت، فتهتم. تكتب للأسباب الصحيحة… والخاطئة. هل سبق أن رأيت دجاجة تتذلّل أو تدير رأسها جانبًا؟ إنها تفعل ذلك لإظهار الخضوع، لتجنّب الشجار. أحيانًا يضحّي الكتّاب بأشياء عزيزة عليهم، أملًا في حريةٍ أكبر، أو مكاسب مؤجلة في زمنٍ لا يعرفونه: أفكار، حقوق فكرية، قِيَم، ألقاب، فرص، احتياجات شخصية، رغبات، أمانٍ، أهواء، معتقدات. أحلام.
الدجاج كائناتٌ قطيعية. يختلف الكُتّاب باختلاف طباعهم، لكن لا أحد ينجح بمفرده. مهما كرهتَ الاعتراف بذلك، فأنتَ كائنٌ قطيعيٌّ أيضًا.
لنتحدث عن الصوت، والإعلام، والصياح عند الفجر. صوتك، صوت شخصياتك. لنتحدث عن الحوار. هل أنت أنت أم صورةٌ كاريكاتوريةٌ عنك؟ هل تبدو شخصياتك حقيقية؟ هل تشعر أنت بالواقع؟ هل أنت حقيقي؟ هل كتبت دجاجةٌ كتابك بالفعل، أم لم يكتبه أحد؟
يجب عليك أن تقرأ وتشاهد الأفلام وتعيش وتهتم بالأشياء بنفس الطريقة التي تهتم بها الدجاجات بالطعام.
حدّثني، بصوتك الأكثر أصالة، لكن اجعله أخّاذًا (غريبًا، لامعًا، لاذعًا) عليك أن تحضر حفلات إطلاق الكتب، والقراءات، والبودكاست، والمؤتمرات، والمهرجانات. وتُنسّق اللقاءات، تملأ الرزنامة. ومع ذلك، فإن أثر الورق—الإيصالات، المواقف المحرجة الصغيرة—واللقطات المصوّرة، كل تلك "الأدلة" على أنك هنا، أنك كنت، أنك كنت تحاول، لا تزيدك إلا تلاشيًا. تنقسم في داخلك: شخصية ومراقب، نسخة جبانة من الكاتب الذي يفترض أن تكونه. يقال إن كل انتصار، مهما صغُر، يستحق الاحتفال. احتفل أيها الكاتب، مهما كانت الساعة. هذه المرة بمشاعرك.
وهنا تصل إلى أبرز ما يميّز فصيلة الدجاج، من وجهة نظر المستهلك البشري (باستثناء النباتيين، على الأرجح): قدرتها على وضع البيض ولكن لكي تبيض، يجب أن تأكل كثيرًا. الدجاج يرعى طوال اليوم، هذا هو عمله حين لا يكون رابضًا.
عندما تكون الكتابة على ما يُرام، غالبًا ما تنسى تناول وجبات كاملة، وتقتات على ما تجده في الخزائن. طعامك ككاتب ليس طعامًا، بل مادة خام. عليك أن تقرأ وتشاهد الأفلام وتعيش وتصبح مهووسًا بالأشياء، تمامًا كما تصبح الدجاجات مهووسة بالطعام.
أتذكر قصة الإوزة التي تبيض بيضًا ذهبيًا؟ أيها الكاتب، أنت تفهم. إذا لم تحصل الدجاجات على ما يكفي من ضوء الشمس، كما يحدث أحيانًا في الشتاء، فإنها إما تتوقف عن وضع البيض أو تصبح قشور بيضها رقيقة وضعيفة.
لا تعدم الدجاجات القدرة على الطيران تمامًا، لكنها لا تطير إلا عندما يكون الأمر مهمًا حقًا. الدجاجات تستحم في التراب. إذا دفنت كتبك، تلك التي لم يكتبها أحد، في تراب سحري، فإنها ستنبت. وسينمو من تلك البراعم شجرة عظيمة ستظلل جميع دجاجات العالم في الأيام المقبلة التي ستكون أكثر حرارة من أي وقت مضى.
أيها الكاتب، لقد حلمت يومًا بأنك تستطيع الطيران. أيها الكاتب، اعتنِ ببيضك بحرص شديد. أيها الكاتب، قد لا تكون من سلالة الديناصورات، لكن هذا لا يعني أنك لن تُخلد في النهاية.
***
..........................
الكاتبة: ماليا ماركيز/ Malia Márquez: مؤلفة رواية "مدينة الدخان والبحر". وُلدت في نيو مكسيكو ونشأت في نيو إنجلاند. حصلت على بكالوريوس الفنون الجميلة في الفنون ثلاثية الأبعاد من كلية ماساتشوستس للفنون والتصميم، وماجستير الفنون الجميلة في الكتابة الإبداعية من جامعة أنطاكية في لوس أنجلوس. نُشرت أعمالها المترجمة في مجلة "بويتري"، ونُشرت قصصها القصيرة ومقالاتها في العديد من المجلات والمختارات الأدبية. تعيش مع عائلتها في لوس أنجلوس، حيث تُدرّس وتكتب وتستمتع بجمال الطبيعة.