أقلام ثقافية
عدنان حسين أحمد: "النزيل 086".. قصيدة بصرية متقشفة تعانق الأمل الكبير
تحتضن الدورة الخامسة لمهرجان بابل لسينما الأنيميشن يوميّ 26- 27 /2 / 2025 أحد عشر فيلمًا تحريكيًا عراقيًا إضافة إلى 41 فيلمًا تمثل 14 دولة وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والأرجنتين، وهولندا، وجنوب أفريقيا، وإيران، ومصر، والمملكة العربية السعودية، والجزائر، وعُمان، واليمن، وتونس، وفلسطين والسودان. يقتصر هذا المقال المُقتضَب على مناقشة فيلم واحد فقط وهو "النزيل 086 " سيناريو وإخراج شمس التميمي، رسم وتحريك أنَس الموسوي، ومدتهُ 3 دقائق و 15 ثانية لا غير. فهو أشبه بقصيدة الومضة أو اللحظة التنويرية ذات النَفَس البرقي المتقشِّف الذي يقول كل شيء في مدة زمنية قصيرة تراهن على تكثيف الحدث، وتخليص الشخصية من كل ما يُثقل كاهلها من أحمال وترهلات فائضة عن الحاجة. وكلمة "النزيل" تعني "السجين" تحديدًا الذي يحاول أن يهرب من درجات الحرارة العالية جدًا في زنزانته الصغيرة المُلتهبة، والأهمّ من ذلك أنه يعيش في السجن المُحكم بعقلية العبد الأسير لا الإنسان الحُر الطليق. فهل يستطيع هذا العبد المُكبّل أن يتحرر من سجنه الذهني قبل أن يتنفس هواء الحُرية النقي؟
لا تنطوي قصة هذا الفيلم على أي غموض أو إبهام، فالسيناريو مُتقَن إلى حدٍ كبير تُصوِّر فيه السينارست سجنًا كبيرًا مُحصنًا ترتفع فيه أبراج المراقبة العالية كما تحيطه منطقة جبلية قاحلة لا حياة فيها. وفي قلب هذا السجن المُحصّن ثمة نزيل يتفصّد عرقًا بسبب ارتفاع درجة الحرارة وثمة قطرة عرق واحدة تسقط على الأرض فتتبخر في الحال. ولترسيخ فكرة السجن وزرعها في ذاكرة المتلقّي تُرينا المخرجة الفتحة الضيّقة التي يُدخِل منها حرّاس السجن الطعامَ إلى النزلاء، وهي في الأعم الأغلب وجبة شحيحة لا تتجاوز صحن طعام صغير وكوب شاي، وثمة شوكة بلاستيكية يمكن أن يستعملها السجين كأداة حفر لتحطيم جدار السجن حتى وإن كان مُحصنًا بهذه الأداة الرمزية التي تُحيل إلى قوة الإرادة والإصرار على فتح كوّة في الجدار.
رسمت السينارست بهذه الدقائق الثلاث صورة مجسّمة لمكان السجن وشحنته بالدلالة العميقة حينما لصق السجين على جدار الزنزانة صورًا لبوسترات أفلام مهمة من بينها "المُبيد" لجيمس كاميرون، وبوستر "الخلاص من شاوشانك" لفرانك دارابونت، وثمة صور وملصقات لفنانات مشهورات لكن ما يهمنا في فيلم "النزيل 086" هو التعالق مع فكرة الهروب التي جسّدها المخرج فرانك دارابونت في فيلم "الخلاص من شاوشانك" ونجحت المخرجة العراقية شمس التميمي في "التناص" مع معطيات الفيلم الأمريكي والإفادة من عناصر القوة فيه وتسخيرها لمصلحة فيلمها الذي يحلم فيه البطل بأشياء كثيرة من بينها الهروب، والحرية، والأمل بحياة كريمة وسعيدة. وقبل التفكير بهذه المعطيات الثلاثة كان يفكر ويحلم بالتبريد والهواء المُنعش الذي يأتيه من مكيّف الهواء المتخيل. لا شكّ في أنّ "النزيل 086" يُعيد إلى أذهان المتلقّين أحداث شخصية المصرفي آندي دوفرين المتهم بقتل زوجته وعشيقها في أربعينيات القرن العشرين حيث زُجّ به في سجن شاوشانك الخيالي المعروف بدرجة حرارته العالية جدًا. ومع أنّ آندي محكوم بالسجن المؤبد لكن بصيص الأمل بالنجاة لم يفارقه أبدًا وقد نال إعجاب السجناء الآخرين بسبب أخلاقه العالية وإرادته التي لا تُكسر.
جدير ذكره أنّ المخرجة شمس التميمي هي خرّيجة كلية الفنون الجميلة، قسم الإخراج. أنجزت عددًا من الأفلام من بينها "المفقود" الذي يتمحور على امرأة فقدت زوجها في الحرب، فبقيت بينَ بين، فلا هي أرملة، ولا هي على ذمة رجل موجود على أرض الواقع. و "خط وردي" الذي يدور حول زواج القاصرات. و "النزيل 086" هو فيلمها التحريكي الثالث. وتستعد لإنجاز فيلم أنيميشن رابع للكبار عن "قضايا المرأة".
***
عدنان حسين أحمد