أقلام ثقافية

علي الطائي: شيخ الخطاطين حسام الشلاه.. رجل الحرف والنور

في مدينة الحلة، حيث تتعانق الحضارة مع الإبداع، وحيث كل حجر يروي قصة من مجد التاريخ، وُلد رجلٌ لم يكن مجرد خطاط، بل كان سيد الحرف وروح الفن المتجسدة. إنه الأستاذ الجليل، شيخ الخطاطين، السيد حسام الشلاه، الرجل الذي لم يكن قلمه مجرد أداة، بل امتدادًا لروحه، وسفينة تبحر في بحر الجمال والإتقان.
عرفته المجالس الثقافية رجلًا وقورًا، هادئًا في حضوره، عميقًا في فكره، يفيض بالحكمة التي لم تكن يومًا مجرد كلمات تُلقى، بل معانٍ تُجسد في لوحاتٍ تتراقص فيها الحروف، فتتمايل كأنها تنشد قصيدة خالدة. لا يكاد يغادر مكانًا إلا وقد ترك أثرًا، توقيعًا من روحه على جدران الذاكرة. كان يحمله الحرف حيثما حلّ، فلا يفارقه القلم أبدًا، وكأنه بعضٌ من يده، بل بعضٌ من كيانه.
كان مجلسه الثقافي قبلةً لذوي الفكر، ملتقى لعشاق الفن والأدب، حيث تجتمع العقول الراقية لتنهل من نبع المعرفة، وتنهض بالثقافة إلى آفاق أرحب. في هذا المجلس، حيث تمتزج الأصالة بالحداثة، تتجلى شخصيته الفريدة، رجلٌ يحمل في قلبه حبًّا لا ينضب للحرف العربي، يدافع عنه كمن يدافع عن هوية، وينقشه كما يُنقش الوشم على جلد الزمن.
من عادته أن يُخرج قلمه في أي مجلس، لا يقاوم إغراء الورق، فالحروف تناديه، وكأنها تستغيث أن تخرج من العدم إلى الوجود. رأيته ذات يوم وقد جلس بين جمعٍ من الأدباء والمثقفين، تأمل قليلاً، ثم أخرج ورقةً بيضاء، ومدّ يده إلى جيبه، حيث يقيم القلم مقام القلب. بحركةٍ رشيقة، وكأنه يستل سيفًا من غمده، شرع يرسم الحروف على الورقة، كمن ينسج ثوبًا من حرير. لم يكن يكتب وحسب، بل كان ينحت الجمال في فضاء الورق، حتى إذا اكتمل، رفع الورقة وأراها لي، فكان اسمي قد وُلد من جديد، لكن في أبهى صورة، كأنما انبعث من ألقٍ سماوي.
إنه حسام الشلاه، الرجل الذي لم يكن الخط بالنسبة له مجرد فن، بل رسالة، هوية، ونبض حياة. لم يكن الحرف تحت يده خطوطًا جامدة، بل كان حياةً تنبض، وروحًا تتنفس، وعشقًا يتجدد مع كل قطرة حبر تسري على الورق.
في زمنٍ بدأت فيه الحروف تفقد ألقها وسط موجة الحداثة الجامحة، ظلَّ حسام الشلاه صامدًا، كحارسٍ أمينٍ على بوابة الجمال، لا يساوم على مبادئه، ولا يُفرِّط في إرثه العريق. إنه من تلك الشخصيات التي لا يطويها الزمن، بل يُدوّنها في سجل الخالدين، حيث يبقى أثره شاهدًا على أن الحرف العربي لم يكن يومًا مجرد خط، بل هوية تنبض بالحياة، وروحٌ لا تموت.
سلامٌ عليك، أيها الخطاط العظيم، وسلامٌ على يديك التي كتبت الجمال، وعلى روحك التي صنعت مجد الحروف.
***
بقلم: د. علي الطائي
14-3-2025

في المثقف اليوم