أقلام ثقافية
عبد السلام فاروق: الرئيس والدراما

تقف الدراما المصرية اليوم عند مفترق طرق، إما أن تنزلق نحو الهاوية بفعل التكرار والاصطناع أو تعانق السماء بجناحي الموهبة والجدية، حديث الرئيس السيسي عن ضرورة إيجابية الدور الدرامي لم يأت من فراغ ، بل هو صرخة في واد تعصف به رياح التجارة والانتهازية، فالمشهد الحالي يشبه لوحة مرسومة بألوان باهتة، رغم أن التاريخ الفني لمصر يحتفظ في جعبته بلوحات خلدها الزمن، لكن العودة الحرفية للماضي ليست سوى هروب من مواجهة الحاضر، فالماضي جميل لأنه ماض، لكنك إن أعدت إنتاج ذات المشاعر بنفس الأدوات فستحصد دراما أشبه بمسلسلات الأبيض والأسود تعيش في عصر الألوان.
القضية ليست في "ماذا نروي" بل في "كيف نرويه"، العبرة ليست في بطولة النجم الذي يملأ الإعلانات ضجيجاً، بل في سيادة الفكرة التي تتنفس من خلال الممثل لا أن يختنق العمل تحت أضواء نجمه، النظام القديم الذي ينتج مسلسلات كالفقاعات، صعيدي هنا واجتماعي هناك وأكشن في الوسط، كلها تصب في بحر من النسيان لأنها تخلو من روح المبدع الحقيقي، المسلسل ليس سلعة تغلف بأسماء النجوم وتطرح في السوق، بل حكاية تحتاج إلى من يصوغها بيد أمينة، يد الكاتب الذي يعرف أن الحبكة ليست مجرد حواديت تخيط عشوائياً، والمخرج الذي يرى في كل مشهد لوحة يجب أن تنبض بالحياة.
أما الحديث عن "ورش الكتابة" التي تنتج نصوصا كالوجبات السريعة، فذلك أشبه بجريمة فنية ترتكب في وضح النهار، مسلسلات تكتب بين غمضة عين وانتباهتها، حوارات مبتذلة وشخصيات مسطحة، كل هذا تحت شعار "الشعب بيسيبها ويروح يشوف دراما المخدرات أو بير السلم"؛ لكن هل فكر أحد أن الجمهور لم يعد يخدع بسهولة؟ أن عينيه تتعطشان لعمق ما، لذكاء ما، لشيء يلمس وجدانه لا فقط بصره؟
الانتهازيون الذين يلوكون شعارات القيم والأخلاق كذبا، هم وباء ينهش جسد الدراما، يعيدون إنتاج الإسفاف تحت مسميات براقة، أعمال تتدثر بعباءة "الأسرة" أو "البطولات" بينما جوهرها فارغ كقشر البصل، مهمتهم ليست إثراء المشهد الثقافي، بل اصطياد الفرص لتحقيق مكاسب سريعة، لكن النجاح الحقيقي ليس في كم الأعمال، بل في كيفيتها، في ذلك الموسم برهان واضح، "قلبي ومفتاحه" و"ظلم المصطبة" وغيرها أثبتت أن النجاح له عنوان واحد، النص القوي، والإخراج المتقن، والموهبة التي تحترم ذكاء المشاهد.
الحل ببساطة: اقطعوا الطريق على النصابين، سلموا الراية للموهوبين أولئك الذين يعرفون أن الدراما ليست تسلية عابرة، بل مرآة تعكس هموم الناس أحلامهم تناقضاتهم دراما تلامس الواقع دون أن تسقط في فخ الواقعية البائسة تقدم الحلول دون وعظ مباشر تصنع الفرح دون تفاهة الحل أيضاً في إيقاف خط التجميع؛ فلماذا نُنتج عشرات الأعمال الهزيلة إن كنا نستطيع تقديم خمسة أعمال تخلد في الذاكرة؟
الدراما المصرية قادرة على العودة كـ"فينيق"؛ لكن ذلك يحتاج شجاعة في هدم الأصنام القديمة. الأصوات التي تقدس النجم على حساب الفكرة. ترفع شعارات التجديد وهو تكرر الماضي الدراما ليست مهرجاناً للوجوه المعروفة بل ساحة للإبداع الحقيقي. وهنا مربط الفرس فما قيمة أن نصنع دراما "إيجابية" إذا كانت إيجابيتها سطحية كالزبد؟ الأهم أن تكون إنسانية صادقة قادرة على هز المشاعر دون تكلف.
في النهاية المشاهد ليس مغفلاً. والعصر لم يعد يحتمل اللف والدوران؛ إما أن نصنع دراما تليق بتاريخ مصر الفني أو نقبل بأن نصبح مجرد ذكرى في ذاكرة الدراما العربية، الخيار بين أيدينا، والموهوبون موجودون، فهل نسمح لهم بالانطلاق؟.
***
عبد السلام فاروق