أقلام ثقافية
محسن الأكرمين: الذاكرة المنسية

من مُسوغات مَفْسدةَ يومي حين سألتني ذاكرتي: في أي يوم نحن؟ ابتسمت دون قهقهة، وأنا أقف عنوة عند موازن ذاكرتي وقد أتلفت بوصلة الاتجاهات الأربعة. لم أفكر بالتخمين عن إجابة مُنمقة ومُرصعة بالبيان والتبيين، بل بقيت عند فسحة الارتجال الفطري أتناول كلامي، وبلا مكملات من علم الكلام. لم تكن إجابتي عن ذاك السؤال البئيس في زمن الذكاء الاصطناعي موضع إفادة تامة، بل قلت بنباهة الأحمق المغفل: نحن في يوم ما!!!
ابتسم التذكر بالشراهة الموغلة في الغبطة، والتشفي من داء ذاكرتي الفزعة، والمتعبة من اليقظة المستديمة. كنت حينها لا أزال أُرتق العلاقة بين ذكرياتي الماضية، وذاكرتي الحاضرة، لكي يتسنى لي التذكر حين أمسي لفراشي مساء أني أضعت يوما من حياتي الفانية.
في حديث مُنعش بالمنبهات التنشيطية قالت ذاكرتي: لا تسرع (يا أنا) في خطى الهرولة والجري نحو خط النهايات، فكل ما في الغابة يسقط فريسة الموت نتيجة السرعة والتسرع في اتخاذ القرارات المربكة!!! لا يمكنك (يا أنا) إيقاف عقارب الساعة في الماضي، والبكاء على الأطلال المهشمة، وبيت الحبيبة التي تسللت ليلا من فراشك هروبا، ورحلت في صبح النفعية والانتهازية بعيدا.
حين رأيت القمر ليلا يتشكل إبداعا فنيا مع الغيوم الداكنة المتقطعة، فرحت من تلك الأشكال المتموجة، ومن نوعية رسومات حيوانات الظل البيضاء، ومن إنس التحكم في رقاب العباد بالنياشين المرتخية.
كنت في كل مرة أُحس بالخوف وأتراجع الخطى وراء من رسم الدب الأسود، لكني أبيت أن أسقط أرضا للتمويه والتخفي في عدة مرات، مادام الغول الفتاك يربح النزال عند الفرار ويزيد من سرعته في ركض الصيد.
في ليلة القمر القريب من الأرض السفلية، يموت الشر ليلتها وراء السد العتيد، ولم يقدر لا (يَاجُوجُ) ولا (مَاجُوجُ) من نقب قطر حديد ذي القرنين. فلعنة الحقيقة ليلتها بات بادية، وبلا ماكياجات، إنه يوم نهاية التخمين والتفكير في أي يوم نحن؟ مادامت الأيام تتناسخ بالثبات ونحن بالتحول نتغير. فمن كان يضع الأقنعة البلهاء ليلتها، قد يماثل في الأسطورة الوُحوش الآدمية من الأكلة لحوم البشر في يوم الاستيقاظ على نور شمس حارقة.
***
محسن الأكرمين