تأليف: جون سوكول
ترجمة: د.محمد عبدالحليم غنيم
***
شعر وارين بيد ناعمة لينة تطرق أذنه اليمنى ونقرة ملحة ولكن خفيفة من إصبع فوق أذنه الأخري، قالت السيدة الشابة وهي تربت جانب وجهه:
- سيدى؟ هذا يكفي الآن. من فضلك. بدأ الناس ينظرون نحونا.
رد وارين وهو يرفع رأسه عن البطن المنتفخ:
- أوه، آسف.. اغفري لي.. لكن ذلك شعور جميل. شكرًا كثيرًا لك.
في طريق عودته إلى الاستوديو الخاص به، جلس وارين بجوار امرأة حامل في الحافلة. كان قد سألها بهدوء إذا ما كان يمكن أن ينصت إلى الحياة فى داخلها وقال: "زوجتي على وشك أن تلد طفلًا أيضًا " مقدمًا مبرره لطلب مثل هذا الفضل. وعندما وجدت الجد في نظره وافقت أن تسمح له بأن يضع رأسه فوق بطنها للحظة. وكالعادة تجاوز وارين الحد المسموح له، لذلك كان صحيحًا أن الناس قد بدأوا في النظر نحوهما.
عندما نهضت المرأة لتنزل في محطتها قال وارين:
- شكرًا مرة أخرى.
ابتسمت له متفهمة، ولوحت بيديها بخفة كما لو كانت تقول له "لا تشر إلى هذا مرة أخرى " ثم التفتت نحو النافذة، خطر لوارين أنها قد خجلت.
مبتهجا مشي وارين قدر بنايتين إلى مرسمه، وعندما وصل إلى هناك، توجه إلى جهاز التدفئة، ورفع درجة الحرارة، فبعد أقل من ساعة ستصل الموديل الجديدة، لذلك يجب أن يكون االدور العلوى دافئًا، فقد كانت الموديلات يصررن على ذلك.
وضع الماء من أجل إعداد القهوة، وأدار جهاز الكاسيت، وضع إسطوانة مخدوشة على القرص الدوار، كان وارين يستمع كثيرًا إلى موسيقى برامرز فى تلك الأيام .
عندما غلى الماء، أعد القهوة، شم رائحتها وفكر في نفسه.كيف يبدو الشىء الملموس الصغير عندما يكون لدى المرء شىء يتشوق إليه، شىء يعيش من اجله، حمل قهوته إلى مقعده القديم بجوار النافذة المغطاة بالستائر وخزانة الكتب غير المرتبة، جلس وانتظر وصول الموديل.
بعد أن انتهى من شرب القهوة، أعد الكنفاه وجهز مكان وقوف الموديل، لكنه في البداية نظر إلى عناوين الكتب على الرفوف، ووجد الكتاب الذي يريده. انتزعه والتفت إلى اسكتشات دافنشي لجنين فى الرحم، تأمل جنينا لم يولد ملتفا داخل رحم مظلم. بدا الشكل البشرى الصغير فى الرسم مثل نسخة نائمة من تمثال المفكر للنحات الفرنسى أوجست رودان (برأسه الضخم بين ركبتيه) متأملا بداية الحياة. وقد جعلت الاوردة المتدلية الملتفة حول التجويف الأسطورى للجنين وارين يفكر في قشرة الجوز المتعرجة.
قام وارين بعد ذلك بتقليب الصفحات ليصل إلى تصوير دافنشى: تصوير الجماع ودراسات أخرى، تأمل الرسومات التشريحية، الرسومات عميقة ومفيدة: شفاه وعيون من نماذج تم تشريحها مرسومة بإتقان. ثم شعر وارين بانقباض فى الصدر بسبب الرهبة التى شعر بها فى حضور مثل هذا الفنان العظيم (على الرغم من نبذ رسوماته مرات عديدة)، وأرجع وارين أن هذا الشعور بالانقباض إلى إدراكه أنه لن يكون أبدا فى نفس المستوى بلوحاته غير الكتملة وبقعه الموحلة وأشكاله المنسية التى لطخت بشكل عشوائى على القماش. حاول عدم التمادى فى الحديث عن أدائه المتوسط، بعد كل هذا، كان مازال فى البديات، وعندما فكر فى مثل هذه الأمور أيب بالاكتئاب، لم يستغرق الأمر كثير وقت لإحباطه.
سرعان، ما كان هناك طرق على الباب، نحى وارين الكتاب جانبًا، وابتلع بقايا القهوة التى في الكوب، وأسرع يفتح الباب.
- مرحبًا
قالت المرأة الشابة ذات البطن الكبير، فقال وارين:
- مرحبًا، ادخلي.. ادخلي.
كان قد طلب من وكيل الموديلات، في وسط المدينة أن يرسل إليه امرأة شابة حاملا. وقد فعل حقًا، إنها تامة، لم تكن مجرد حامل، لقد كانت حاملا جدًا، على الأقل ثمانية أشهر.
- الناس في الوكالة يقولون أنك تريد موديل حامل.. حامل حقيقة، يقولون، لذلك أنا هنا. لا أستطيع أن أصدق هذا، أنا لم أعمل منذ الشهر الثاني من حملي. لقد تصورت أنني لن أعود للعمل إلا بعد أن أضع طفلي، لكن الوكيل اتصل بي وقال مرحبًا ليندا هناك هذا الفنان الذي يحتاج إلى موديل حامل، حامل جدًا، هل أنت مستعدة ؟ لذلك قلت " أكيد لم لا؟" هل تريد دائمًا أن ترسم الموديلات الحوامل؟
قالت المرأة الشابة ذلك ونظرت إلى وارن بابتسامة ساخرة،ابتسامة متكلفة تقريبًا.
قال وارين:
- حسنًا، في الواقع، أرسم أفكارًا تجريدية، لكن، كما ترى زوجتي حامل وأردت العودة إلى موديل حي مرة أخرى. لم أرسم موديلًا منذ أن كنت في المدرسة. أحب أن أرسم بعض الصور والرسومات لزوجتي عندما تحمل. وخلال مراحل الحمل المختلفة كما تعلمين؟ لكني فكرت أنه من الأفضل أن أتدرب مسبقًا، أعتقد أن هذا مهمًا، أقصد أعتقد أنه مهم لي كفنان. لكي أرسم زوجتي عندما تحمل. أقصد، حتى لو بقيت في العادة تجريدياً. هذه مناسبة خاصة ألا تعتقدين ذلك؟
قالت المرأة الشابة:
- حسنًا، إذا قلت ذلك. عمل الموديل وهو مجرد عمل بالنسبة لي. وأنا وزوجي بالتأكيد بحاجة إلى المال. لم يطلنى أحد للعمل منذ أن كنت حاملاً، فيما عداك بالطبع، أنا لا أشكو، لا تفهمني خطأ. إن هذا مجرد شيء قليل خارج المألوف، هذا كل ما في الأمر، لكن لكل واحد ذوقه الخاص، أليس كذلك؟
قال وارين:
- الحمام هناك.. يمكنك أن تستخدميه كغرفة تبديل الملابس؟
قالت ليندا:
- أكيد، حسنًا، إذا كنت جاهزًا للعمل، أخلع ملابسي حالًا، وعندما أخرج يمكنك أن تخبرني بما تريد.
قال وارين:
- لا بأس.
وأخذ منها معطفها وعلقه فوق شماعة حائط بجوار الباب.
بينما تخلع ليندا ملابسها، جهز وارين طبق ألوانه ومزج نصف دائرة من الألوان فوق قطعة خشب قديمة.
سرعان ما خرجت ليندا عارية من الحمام وقالت:
- حسنا.. أين تريدني؟
قال وارين وهو يشير إلى منضدة الموديل.
- على اليمين هنا. دعينا نرى. دعينا نجرب وضعية جلوس سهلة ولطيفة، كبداية.
جلست ليندا على منصة من الخشب الفينير وقالت وهي تنظر إلى وارين:
- أهكذا؟
أجاب وارين:
- أوه،.. حسنًا.
ثم ذهب إليها ووضع كلتا يديه على العروق الزرقاء المستديرة في محيط بطن ليندا، وحاول أن يلاطف بشهوة البطن المنتفخ، لذلك ارتفع ببطء بطن ليندا إلى المنتصف، عندئذ قالت وهي تؤكد على مخرج كل حرف في كلماتها:
- انتظر فقط دقيقة.
أجاب وارين في براءة:
- ما الخطأ ؟
- أنت – أكرر – لا يسمح لك بلمسي، أتفهم النزاهة والتفانى وكل ذلك، لكن قواعد الوكالة تقول " أن الفنان لا يلمس الموديل" إذا كنت تريديني أن أجلس بطريقة معينة، عليك فقط أن تشير بيديك، بهذه الطريقة اوتلك الطريقة، حتى أفهمها. هل فهمت ذلك؟
- ليندا. أنا آسف جدا، أعتذر، أؤكد لك أنني لم أقصد أية إساءة.
قالت ليندا:
- أنا متأكدة من أنك لم تفعل ولكن، للرجوع إليها في المستقبل....
- حسنًا، حسنًا، هذا جيد. تمامًا كما أنت، إذن. ذلك تمام..
عندئذ رفعت ليندا رأسها وابتسمت كما لو كانت تعرف طوال الوقت أفضل وضع لوارن.
خلال الساعتين التاليتين، تراجع وارين مرات عديدة عن الكنافاه لفحص عمله اليدوي، تمشى مرات عديدة لدراسة بطن ليندا من جميع وجهات النظر الممكنة، أخيرًا قالت ليندا:
- حسنًا، انتهى الوقت. لا أستطيع أن أقف فوق الساعتين. دعنا نرى ماذا ستدفع؟"
قالت ذلك ومشت إلى الكنافاه حاملة روبها. لف وارين شعر الفرشة الخشن في قماشة الورق الموحلة وانتظر رأي ليندا. حدقت ليندا إلى العلامات القليلة والبقع التي وضعها وارين على الكنافاه ونظرت بسماجة إلى النقاط واللطخات كما لو كانت تشكل جزءًا من خريطة سرية.
قالت:
- ما هذا؟
- أوه، ذلك فقط تحت الرسم، هذه الكنافاه تحتاج إلى العديد من ساعات العمل قبل أن تصبح مثلك.
- آمل ذلك.
قالت ليندا ذلك وأسرعت نحو الحمام لكي ترتدي ملابسها.
بمجرد أن غادرت ليندا المكان نحى وراين ألوانه جانبا، ونظف فرشاته في زيت التربنتين والصابون والماء، ثم اندفع ليلحق بالحافلة إلى المركز المجتمعي. حيث يبدأ فصله الدراسي في تعلم الطبخ عند الساعة الثانية. وكانت هذه حصته الأولى، ولا يريد أن يفوته أي شيء.
عرف وارين أنه كان هاويا غير محترف، دائمًا ما يندفع ويقوم بعمل جديد متصورًا أنه المناسب، ثم يتخلى عنه، لهذا كان متوسطًا في العديد من الأشياء، وليس جيدًا في أي واحدة منها، لكن تلك كانت طريقته، لا جدال في ذلك، هكذا فكر في نفسه.
في المركز المجتمعي اكتشف أن الفصل صغير، حوالي ثمانية أو تسعة أفراد، كلهن من النساء بما فيهن المدربة.
عندما انتهى التدريب، جمع كل فرد متعلقاته الشخصية، وارتدى معطفه وغادر الغرفة فيما عدا امرأة بقيت هناك في آخر القاعة، كانت تحمل طفلًا رضيعًا فوق ذراعيها، جلست في المقعد كما لو كانت تخطط للبقاء لفترة من الوقت، كان وارين قد لاحظها من قبل. الآن صمم أن يحصل على نظرة أفضل، عاد وارين إلى الخلف كما لو كان في طريقه إلى المغادرة، تجاوزته المدربة تاركة إياه وحده مع المرأة والطفل، اقترب وارين من المرأة فى خجل، وسألها:
- أيمكنني أن أجلس.
قالت:
- بالطبع.
- أوه، إنه لطيف.
صححت:
- إنها
قال وارين:
- آه إنها لطيفة، ما اسمها؟
أجابت المرأة بفخر:
- أليسون. أتمت أربعة شهور الأسبوع الماضي.
سأل وارين وهو يدرك مدى حرجه:
- لماذا تنتظرين هنا؟
أجابت المرأة:
- حسنًا.
ثم أضافت وهي ترفع رقبتها لترى الباب:
- فكرت أن أنتظر حتى يغادر الجميع، ثم أرضعها قبل رحلة الحافلة الطويلة إلى المنزل، فعندما يجوع الأطفال لا يحبون أن ينتظروا.
قال وارين بحماس:
- أتنوين أن ترضعيها؟ أوه، هل تعقتدين.. حسناً، هل تعتقدين أن باستطاعتي أن أشاهد؟ أعرف أن ذلك يعد تعديًا على خصوصيتك، إذا كنت لا تمانعين .. أتعرفين، النساء في أوروبا والبلدان الأخرى يرضعون أطفالهم في الأماكن العامة بشكل طبيعي، إنه فقط نحن الأمريكان نتكلف الحياء والحشمة في مثل هذه الأشياء، سبب سؤالي هو أن زوجتي ستنجب طفلاً، وحسناً، إذا...
توقف للحظة ثم أضاف.
- إذا كنت ترين أنه من الأفضل أن أمشي فأنا أتفهم ذلك.
- لا لا، ابق. لا بأس أعتقد أنني أعرف شعورك. زوجي كان له نفس الأسلوب وأنا حامل بأليسون، حتى أنه ذهب إلى سيدة في محل الخضراوات وطلب منها أن يدفع طفلها للخلف وإلى للأمام في عربة الأطفال لبضع دقائق، إلى جانب ذلك أنا لا أمانع.
فتحت المرأة بلوزتها وراقب وارين بوقار وهي تمسك بثديها المنتفخ وتوجه حلمته البنية إلى فم طفلها الباحث عنه. همس وارين:
- هذا جميل. هذا جميل حقًا.
ابتسم لنفسه وهو يتذكر رسم دافنشي لمقطع عرضي للشبكة يمتد من داخل جسد المرأة عبر الغدة الثديية.
نظرت المرأة من حين لآخر وابتسمت لوارن، مفتونة أنه بدا مفتونًا للغاية، ثم سألته وقد بدت مستريحة جدا لحضور وارين:
- كم مدة حمل زوجتك؟
- كم المدة ؟ أوه أتقصدين مدة الحمل؟ أوه فقط شهور قليلة.
ابتسمت المرأة واحنت رأسها لتراقب طفلها الرضيع.
شاهد وارين الأم والطفل حتى شبع ونعس، تحدث إلى المرأة وهو يمشي معها نحو محطة حافلاتها. سألها:
- أأنت متاكدة أنك على ما يرام؟
- نعم أنا بخير، شكرًا لك.
شعر بالوحدة القاسية عندما تركها هناك، ثمة فراغ.
في الحافلة شعر وارين بانقباض شديد في معدته، يأس يغوص في داخله ثم ينهض، ليرقص مثل اللهب حول طوقه، ويرتع مثل الحمى إلى مناطق غامضة في دماغه، ربما ذلك لأنه قضى يومًا جميلًا ومرضيًا والآن وهو في طريقه إلى المنزل لا يصدق أنه ثمة شيء يمكن أن يفسد هذا اليوم.
نزل من الحافلة وهو يحاول نسيان اكتئابه، عندما وصل إلى بنايته، جمع بريده وصعد الدرج باتجاه شقته رقم 6.
مر بالسيدة كوفنجتون التي كانت تتحدث إلى إحدى جاراتها في الردهة، لم يحبها وارين، كانت بدينة وغريبة الأطوار، لا تشبع من النميمة، أمل وارين ألا توقفه للحديث إليه.
قال وارين في عجلة وهو يواصل صعود السلم:
- مرحبًا.. سيدة كوفنجتون.
ردت في صوت رخيمم ممطوط:
- مرحبًا وارر ي ين.
بمجرد وصول وارين إلى مقدم مدخل الشقة، سمع السيدة كوفنجتون تهمس لجارتها، فكان صوتها بمثابة مقصلة اليوم التي هبطت على عنقه:
- وارين هو الساكن العزب فى المبنى.
انتهت
***
.........................
* جون سوكول / John Sokol كاتب ورسام أمريكى يعيش فى ولاية أوهايو، نشر العديد من القصص فى المجلات الادبية المطبوعة والالكترونية.