قصة: يوفى زلكو
ترجمة: د.محمد عبدالحليم غنيم
***
رن الهاتف مرتين قبل أن يدرك يوجين أنه كان يغفو على سريره بدلاً من المذاكرة. قفز مسرعا نحو الهاتف على أمل ألا يوقظ والدته. سقط كتابه في حساب المثلثات من على السرير وارتطم بالأرض.
- نعم؟
قال ذلك، مازال صوته مشوشًا من أثر النوم.
قال الصوت في ذعر:
- يوجين. ستفعل ذلك مع الأصلع مرة أخرى .
أغلق يوجين الهاتف. ثم كان هناك طرق على الحائط. قالت والدته من الجانب الآخر:
- يوجين، "كم مرة يجب أن أقولها؟ إنها بعد العاشرة.
فتح يوجين درج مكتبه بجوار النافذة. أخرج التلسكوب الصغير والحامل ثلاثي القوائم. في العام الماضي، في عيد ميلاده السادس عشر، أرسل له والده المنظار بالبريد. كان والده يرسل إليه دائمًا أشياء لا علاقة لها باهتماماته. لقد كان تلسكوبًا رخيصًا، أشبه بالمنظار أكثر منه إلى تليسكوب يمكن استخدامه لرؤية النجوم.
وجه يوجين التليسكوب نحو شقة السيدة يوفجيني عبر الشارع، إلى نافذة شقتها الاستوديو. كانت السيدة يوفجيني والرجل الأصلع يقبلان بعضهما البعض على أريكتها بجوار النافذة. كان الرجل الأصلع يرتدي سترته الجلدية البنية وسرواله الأسود. كان ممتلئ الجسم قليلاً وبدا صغيراً بجانب السيدة يوفجيني. كانت الأشرطة الرفيعة لفستان السيدة يوفجيني الأصفر قد ازلقت بعيدا بالفعل، وكانت يدا الصلع تغطي ثدييها الخارجين من الفستان. كان التلسكوب جيدًا بما يكفي بالنسبة له لرؤية حلمتى ثدييها الداكنتين على بشرتها الشقراء، لكن يدى الرجل الممتلئة ظلت كانت تعترض طريقه. بدأ يوجين يشعر بعدم الارتياح.
كان لدى السيدة يوفجيني لوحة ضخمة غير مكتملة على جدار شقتها الاستوديو. في البداية، اعتقد يوجين أنها كانت غير مكتملة عمدا - جبل نصف مرسوم، مخطط لرجل وامرأة بعيون ولا شفاه. ولكن ذات مرة، بعد فترة طويلة من نوم ضيفها، رآها يوجين وهي تحمل بالتة الالوان في يدها، مستخدمة اللونين الأحمر الداكن والأزرق على اللوحة.
كانت هناك هذه اللوحة الصغيرة أيضًا على الحائط وغالبًا ما كانت تنظر إليها أثناء لياليها التي لا تنام فيها، وهي تقف عارية أمامها وفي يدها سيجارة. ربما كانت صورة فوتوغرافية أو قصيدة، لم يستطع يوجين معرفة ذلك من وجهة نظره، كل ما كان يعرفه أنه مهما كانت، كان هناك ما يكفي لإبقائها تحدق بها لساعات.
بينما كان الرجل الأصلع يخلع سترته. ألقت السيدة يوفجيني بكعبها العالي على الأرض. نادرًا ما تبتسم أو تضحك: عرف يوجين أنها لم تتحدث حتى من خلال التلسكوب. وكانت تحدق في الأشياء لفترة أطول بكثير من الشخص العادي.
لم يحب يوجين أيًا من الزائرين الذكور - بدلاتهم الفاخرة والطريقة التي ينظرون بها إليها كما لو كانت لعبة يمكنهم تجميعها وتفكيكها كما يحلو لهم - لكنه بشكل خاص لم يعجبه هذا الرجل الأصلع ذو اليدين السمينتين واللتين تميلان إلى الخشونة.
حركت السيدة يوفغيني الرجل بلطف إلى جانبها ووقفت. كان طولها ستة أقدام تقريبًا وهزت ردفيها، وأسقطت الفستان على الأرضية الخشبية الصلبة. سحب يوجين نفسه بعيدًا عن التلسكوب. قام بفكه من الحامل. أعاد التلسكوب إلى الدرج وقفز إلى السرير. أغمض عينيه وحاول التفكير في اختبار الرياضيات الذي سيؤديه صباح الغد.
ضغط يوجين وسادته على وجهه. كان علم حساب المثلثات أفضل من الهندسة البسيطة — حساب الجيب وجيب التمام، وظل الزاوية عندما يقترب من تسعين درجة. لكن أساتذته لم يفهموا سبب انخفاض درجاته. لم يفهم أصدقاؤه سبب استمرار مرضه وأنه كان دائمًا متعبًا.
لم تفارق مخيلتخ صورة السيدة يوفجيني وهي تهز ردفيها لتحرير جسدها من الفستان. وضع يديه في سرواله. لقد كان ما بداخله صلبا بالفعل. باستخدام حساب المثلثات، حسب أن شقة آنا يوفجينى كانت على بعد أربعة وثلاثين مترًا بالضبط من شقته، دون الحاجة إلى الاقتراب من المبنى.
دعك يوجين نفسه وفكر في كيف أن السيدة يوجيني تمسك بيد زائرها في وقت من الأوقات وتقوده بهدوء إلى السرير،على بعد بضعة أقدام خلف الأريكة. كانت تسير فى ببطء، وردافاها المتماسكان يواجهان النافذة. لكن يوجين لم يستطع إنهاء خيالاته - لقد كان مرعوبًا من الشعور بعد ذلك، ربما كان هناك خطأ ما معه، لكم شعر بالخسة والوحدة في النهاية. كان من السهل الحصول على هزة الجماع في أي وقت كان يفكر فيها. قفز من السرير. عاد إلى مكتبه. وضع تلسكوبه على الحامل، وألقى نظرة خاطفة عليه. كانت السيدة يوفجيني مستلقية عارية على الأريكة وإحدى ساقيها مرفوعة على ظهر الأريكة. كان الرجل عارياً إلا من جوربيه بينما ركبتاه على الأرض يقبل جسدها وظهره المشعر على مرأى من الجميع.
ارتعش جبين السيدة يوفجينى وعيناها تحدقان من النافذة نحو السماء. لكن رأس الرجل الأصلع الغبي ظل يعيق الطريق أمام يوجين أبقى يوجين إحدى يديه في سرواله لكنه لم يحركها. كان يشعر بآلام في معدته، و صداع في جانبى رأسه. لم يعد يريد أن يفعل ذلك بعد الآن.
ألقى يوجين التلسكوب على الأرض وضرب رأسه بالمكتب. كان لابد من تغيير الأمور. ربما حان الوقت لفعل الشيء الوحيد الذي فى إمكانه القيام به. تم وضع الخطة في الغالب - لقد أخذ المال من صندوق الأحذية أسفل سرير والدته، وكان مستعدًا للتخلي عن التلسكوب، وكان يائسًا بما يكفي لرؤية الباقي. ضرب يوجين رأسه على المنضدة مرة أخرى.
طرقت والدته على الحائط من الغرفة الأخرى. وقالت:
- حاول أن تنام!
استلقى التلسكوب على الأرض بجانب المكتب ونظر يوجين إليه كما لو كان يتوقع أن يتحرك. أعاده إلى الدرج مرة أخرى، وهو يعلم أنه سيخرجه مرة أخرى قبل الصباح.
***
عند منتصف الليل، كانت السيدة يوفجيني مع الأصلع فى سريرها، وكان يرقد فوقها. أزاح شعرها جانبا وصفعها عدة مرات. ضغطت بطنه الثقيل على جسدها وأمسكت بكتفيه المشعرين ونظرت إلى السقف وهي تنتظر أن ينتهي.
في الثالثة صباحًا، بعد نوم الأصلع بمدة طويلة، وقفت السيدة يوفجيني بجانب اللوحة الصغيرة على الحائط ودخنت سيجارة وهي تنظر إليها بتمعن. مسحت عينيها عدة مرات، ربما كانت تبكي، لكن إذا كان الأمر كذلك، فقد كان البكاء قليلاً.
في الرابعة صباحًا، جلست السيدة يوفجيني عارية على الأرض بجوار النافذة، في وضع ملتف، و هى ما تزال تدخن، وتنظر إلى السماء. في الخامسة صباحًا، نامت السيدة يوفجيني على الأريكة بمفردها.
***
كانت الساعة تشير إلى السادسة من مساءً اليوم التالي عندما حمل يوجين التلسكوب والحامل ثلاثي القوائم بإحكام في كل يد بينما كان يضغط على أذنه على الباب الخشبي غير المصقول رقم 512.
كان مبنى شقة آنا يوفجينى في الداخل محبطًا أكثر بكثير مما كان يتوقع. على الأقل منزله لم تكن له تلك الرائحة العفنة. كانت السجادة ذات لون أخضر متسخ و قد جعلتها أضواء الفلورسنت تلمع بشكل فج.
كانت يدا يوجين متعرقتين، مما يجعل من الصعب الإمساك بالحامل ثلاثي القوائم. كان يعاني من صداع متفاقم في المنطقة المحيطة بصدغيه. وكان حلقه جافًا ووجد صعوبة في البلع. لقد كان بحاجة حقا إلى النوم.
كانت السيدة يوفغيني في المطبخ، وسمع أصوات القدور والمقالي، تخيل شوكة تضرب على وعاء بينما تعد بيضها المخفوق في المساء. كانت ترتدي ثوبها القطنى الأصفر المزركش، وكان يعلم ذلك دون الحاجة إلى رؤيتها. لقد كان لديها ساعة قبل أن تبدأ في الاستعداد للمساء. حك أذنه بالباب، محاولًا أن يتخيل المشهد كيف كانت تمشي وهي تتكئ على الطاولة، وما إذا كانت تدعك عينيها من الإرهاق.
كان يوجين قد جهز بعض الأشياء ليقولها لها، ولكن ما الذي يمكن أن يخرج من فمه؟ دائما ما يكون مضطربا عند التحدث إلى الناس تحت أية ضغوط في كل مرة يناديه المعلم، بغض النظر عن مدى معرفته بالمادة، فإن كل ما يدور في ذهنه يتسرب ولا يبقى سوى أم أم، ثم: "لا أعرف. آسف."
ولكن ما الذي كان ينتظره في المنزل - ليلة أخرى بلا نوم في الخزي والوحدة؟ إنه يفضل أن يموت في ردهة الطابق الخامس المتعفن فى مبنى آنا يوفجيني. تحسس يوجين المال فى جيبه. وضغط شفتيه معًا وفصل بينهما عدة مرات، للتأكد من استعداده للقدرة على الكلام.
سمع المزيد من أصوات المطبخ. تخيلها مع الخبز المحمص، وربما أنتهت من تجهيز البيضتا، وربما تشرب كوبًا من الحليب.
طرق يوجين الباب. توقفت الأصوات في الداخل. فتحت السيدة يوفجيني ضلفتى الباب والسلسلة مازالت بينهما. كانت أطول منه بمقدار رأسها ونظرت إلى الأسفل، وركزت على يوجين، في محاولة للتعرف عليه ولكن دون جدوى. أسفل عينها كان ثمة كدمة صغيرة، خضراء قليلاً وبالكاد يمكن ملاحظتها. لكن يمكنه أن يشم رائحة عطرها بالفعل. إنه عطر الإبيراج الفاخر.
قالت:
- ليس لدي أية نقود. كانت كلماتها بطيئة.
أضافت:
- ولا أريد أي شيء.. آسفة.
وأغلقت الباب بقوة.
ومع ذلك أذهله الطريقة التي تحركت بها شفتاها الممتلئتين ببطء شديد كما لو كانت لا تزال تتعلم اللغة، والطريقة التي تحركت بها عيناها بسرعة كبيرة قبل كلماتها،وانتشارعطرهافى المكان.
كان يعرف العطر لأنه قابلها ذات مرة في مكتب البريد وتذوقه جيدًا. ثم ذهب مباشرة إلى المحل وادعى أنه بيريد شراء زجاجة عطر لصديقته - كما لو كان لديه صديقة في يوم من الأيام. عندما صادف هذه الرائحة البرتقالية الحادة اشترى واحدة أصغر حجما وأخفىاها تحت سريره.
طرق مرة أخرى. هذه المرة، استخدم الحامل الثلاثي القوائم للطرق بقوة على الباب.
قالت السيدة يوفجيني من خلف الباب:
- أووف! ماذا الآن؟
ثم فتحت الباب فى النهاية.
كانت ترتدي روبها الأصفر، وهى تمسك بكوب كبير من الحليب. يمكن ليوجين أن يقول أنه حليب كامل الدسم.
كانت يدها على وركها وأدارت عينيها - كانت امرأة منزعجة، قالت:
- ألا يمكنك أن تصدق أننى معدمة ؟ وفوق ذلك متعبة؟
كانت جفونها ثقيلة وتساءل عما إذا كانت دائما هكذا.
أنزل يوجين الحامل الثلاثي القوائم. جلس مقرفصا لحمله. قال:
- أنا لا أبيع. هل يمكن أتحدث إليك؟
انحنت السيدة يوفجيني إلى الأمام ونظرت في كلا الاتجاهين من الردهة، ثم عادت إلى يوجين الذي كان ما زال جالسًا.قالت:
- أنا لا أساعد العذارى في الخامسة عشرة من العمر.
وجهت كل أصابعها نحو يوجين. أضافت:
- إذا كان ذلك هو الموضوع.
وقف يوجين وأومأ برأسه وقال:
- لا لا لا.. من فضلك.. أنا في السابعة عشرة من عمري، وهذا ليس بيت القصيد، ثم رفع التلسكوب وأضاف:
- أنا جار لك.
***
ظل التلسكوب على طاولة المطبخ لبعض الوقت قبل أن يتحدث أى منهما. كان يوجين ميتا من العطش لكنه كان يخشى أن يطلب شيئا. وكانت هى قد انتهت من شرب كوب الحليب وكانت في منتصف سيجارة، تنفض رمادها في كوب زجاجى فارغ متموج الألوان فوق المنضدة.
قالت وقد دفعت التلسكوب تجاهه، وهى تلمسه فقط بأطراف أصابعها:
- هكذا إذن. كنت تراقبني .
ثم نفثت الدخان في وجهه وأضافت:
- هل كان ذلك جيدا معك ؟
قال: - لا.
غطى عينيه بيديه.واستنشق رائحة العطر، ودخان السجائر، والخبز المحمص المحترق، وتخيل صورة أظافر السيدة يوفجيني المشذبة بعناية، ثم أضاف:
- أعني، الأمر مختلف عن ذلك.
قالت:
- أوه ؟
فتح عينيه وشاهد الدخان يتصاعد في الهواء فوق سيجارتها. ثم دفع بالتلسكوب تجاهها وقال:
- لا يمكنني المشاهدة بعد الآن. لهذا أريد أن أعطيك هذا.
قالت:
- أنا لست عالمة فلك، في حال لم تقضِ وقتًا كافيًا في مراقبة مهنتي.
اتكأت على الطاولة بمرفقيها، وكشفت قليلا عما بين ثدييها من خلال الروب. أراحت ذقنها على يديها المثنيتين ونظرت إلى يوجين باهتمام. لم يلاحظ يوجين أن عينيها كانتا رماديتين. ولم تكونا خضراوين كما كان يعتقد، لكنهما كانتا رماديتين فاتحتين. عندما كان طفلاً، اعتقد يوجين أن كونك مصاب بعمى الألوان يعني أنه لا يمكنك رؤية أي شيء بنفس لون عينيك. ضحكت والدته منه عندما حاول أن يشرح لها ذلك.
لم يستطع يوجين النظر إلى السيدة يوفجيني لفترة طويلة. كانت مرتاحة بطريقة جعلت يوجين غير مرتاح، كما لو أنه لم يكن موجودًا. تساءل عما إذا كان الأمر كذلك بالنسبة لزوارها أم أن الأمر معه هو فقط - و ما مدى شعوركوأنت أقل أهمية من منفضة السجائر الزجاجية على الطاولة.
أطفأت السيدة يوفجيني السيجارة في المنفضة الزجاجية. ذهبت إلى الحوض وملأت كوبًا من الماء وعادت إلى الطاولة. دفعت الكوب نحو يوجين. أخذ الماء فى جرعات كبيرة وبصوت عالٍ حتى انتهى.
قالت:
- ولماذا لا يمكنك مشاهدة المزيد بعد الآن؟
أخذ يوجين الحامل ثلاثي القوائم من فوق الطاولة. دفع الرافعة حتى انفتحت في أرجلها الثلاثة الصغيرة. كان يبلغ ارتفاعه نصف قدم فقط. قال :
- أنا فقط. إنه فقط...
ضغط يوجين ساقيه معًا مرة أخرى. قال:
- أنت كذلك. أنا كذلك...
أشعلت السيدة يوفجيني سيجارة أخرى وأسقطت عود الثقاب في المنفضة الزجاجية. كان الأمر جنونيًا - التحدث مع هذه المرأة شخصيًا. نظر إلى الشق المظلم بين ثدييها.
ثم قال لها:
- أنت لا تعرفين كيف سيكون الحال بعد ذلك.
فتحت السيدة يوفجيني عينيها على أقصى اتساعهما وحركت يدها بالسيجارة جانبا للحصول على رؤية أفضل. بدت شفتاها وكأنهما على وشك قول شيء ما، لكنهما لم يفعلا
قال يوجين:
- وحيدة هكذا.
عندما سأل والده منذ عدة سنوات عما إذا كان يؤمن بالله، قال والده لابنه البالغ من العمر تسع سنوات:
- أعتقد أننا نموت وحدين.
ثم أضاف والده بعد ثوانٍ:
- لماذا الوجه المثير للشفقة؟ أقول لك كما هو الحال، نحن وحدنا.
وربت على رأس يوجين، وذهب إلى العمل. في الليل، كان يوجين لا يزال يفكر فيما قاله له والده. لم يفهم، لكنه شعر بأنه قريب، كل تلك اللحظات في غرفة نومه المظلمة، كانت متصلة بطريقة ما.
شاهد يوجين الاحتراق البطيء لسيجارة السيدة يوفجيني. أخذ نفسًا عميقًا، محاولًا الحصول على بعض الدخان السلبي. ضغط على الحامل الثلاثي بقوة لمنع ذراعه من الارتعاش.
قال يوجين:
- لا أستطيع أن أصدق أنني في نفس الغرفة مع السيدة يوفجيني.
حدقت في ذراعه المرتجفة. كان الأمر كما لو أن ذراعه كانت جزءًا من لعبة ألغاز ولم تكن متأكدة من رغبتها في حلها. أو ربما نظرت إلى ذراعه كما لو كانت حشرة على الطاولة. أو ربما لم تكن تعرف كيف تساعد. حركت السيدة يوفجيني يدها ببطء حتى أمسكت بمعصمه. بقيت يدها الدافئة هناك، ومنعت ذراعه من الاهتزاز. خفت قبضته على الحامل ثلاثي القوائم.
قالت: "آنا" وهي تمسك معصمه بإحكام.
كانت بضع ثوان من الهدوء. مع السيجارة في فمها، تمتمت، "أنا ذاهبة إلى الحمام." ثم أسقطت السيجارة المشتعلة في المنفضة الزجاجية وغادرت الغرفة. "آنا"، قالها يوجين بعد رحيلها. كان هناك مكان دافئ على معصمه حيث كانت يدها.
مد يوجين يده إلى جيبه ووضع يده على لفافة الأوراق النقدية. تم عقدها بشريط مطاطي. 145 ورقة نقدية من فئة الدولار الواحد. انتظر عودة آنا. سيجارتها اشتعلت ببطء في المنفضة الزجاجية. شاهد أثر أحمر الشفاه الصغيرة على عقب السيجارة. فقط أحمر بالكاد. التقط يوجين كوب الماء الفارغ ورشف آخر قطرة.
كان يأمل أن يحصل على فرصة لرؤية هاتين اللوحتين في غرفتها الرئيسية. في المطبخ، لم يكن هناك سوى مجموعة من الثقوب بحجم الأظافر في الجدران كما لو كانت هناك زخارف ذات يوم.
احتفظت والدة يوجين هذه اللوحة ليسوع بجانب ثلاجتهم. لم تتحدث أبدًا عن الدين، ولم يسأل هو بدوره أبدًا، لكنه عرف من الطريقة التي نظرت بها إلى تلك اللوحة أن هناك شيئًا ما هناك. تساءل عن آنا، ربما كانت تؤمن بشيء ما. كل ما عرفه يوجين أنه لا يحب أن يكون يسوع في المطبخ أثناء تناول الإفطار، ربما كان من المفترض أن يكون التوهج حول رأسه باعثا على الراحة، لكن يوجين لم يستطع تجاهل الدم المتساقط من يديه وقدميه. وتلكما العينان.
عادت آنا من الحمام وكان وجهها مبللًا كما لو كانت قد غسلته للتو. لا يزال بإمكان يوجين رؤية الكدمة الصغيرة تحت عينها. ربما باق ثلاثين دقيقة فقط قبل وصول الزائر. أخرجت آنا السيجارة المشتعلة من المنفضة وأخذت نفسا منها.
أخرج يوجين لفة النقود من جيبه وأسقطها على الطاولة.
زرت آنا عينيها وحدقت في اللفة الخضراء. قالت:
- لقد قلت لك أننى لا أريد..
قال يوجين:
- لا. انها ليست التي....
دفع يوجين الحامل ثلاثي القوائم والتلسكوب إلى جانب بحيث لا يوجد شيء في طريق المال. ثم أضاف:
- لقد سرقت هذا المال من أمي.
سعلت آنا وهى تخرج بعض الدخان، وقالت:
- ماذا؟
قال يوجين:
- إنها ليست لها، لقد تم إرسالها بالبريد من والدي. أنها لي. إنها من أجل الكلية.
دفعت آنا كرسيها للخلف واستمرت في التحديق في المال، كما لو كانت تستطيع اكتشاف شيء ما بلابتعاد عنه قليلا.
قال يوجين:
- إنه لا يكفي للكلية، ولا يكفي لأن تتقاعدى.
نظرت آنا إلى يوجين عند ذكر تقاعدها. كانت مرتبكة تماما. وبطريقة جيدة، اعتقدت. لقد أولته المزيد من الاهتمام.
أمالت آنا كرسيها إلى الأمام مرة أخرى. استنشقت بعض الدخان. قالت:
- إذن لأى شىء هو كاف؟ تلسكوب أفضل من هذا؟
حرك يوجين يده بجانب لفة النقود ونقرها بأصابعه حتى تدحرجت إلى آنا، وعندما تدحرجت من على الطاولة، مدت يدها وأمسكت بها. قال يوجين:
- يمكن أن تشتري بها ستائر.
وقف الاثنان عند النافذة ينظران إلى الخارج. وكانت هى ق تركت النقود على طاولة المطبخ.أشار يوجين عبر الشارع. وقال:
- تركت مصابيحي مضاءة حتى يمكنى أن أراك.
وضعت يدها على الزجاج ونظرت إلى غرفته - كانت في نفس ارتفاع غرفتها بالضبط.
قالت:
- لماذا الستائر بعد أن سلمتني سلاحك السري؟
قال:
- ليس من أجلى.. هناك بول وكريستوف وليف.
أشار يوجين إلى العديد من الشقق في مبناه، فى الأعلى وفى الأدنى. كان يعلم أن أصدقاءه ذهبوا من أجل مباراة كرة القدم الكبيرة في المدرسة.
لم يبد أن آنا مندهشة من حقيقة وجود آخرين يراقبونها - لقد توقع يوجين أن يكون هذا هو الجزء المحرج. قالت:
- يجب أن أتقاضى نقودًا. هناك ما هو أهم من التلصص عن المضاجعة.
التفت يوجين إلى آنا. لقد كانت الطريقة التي قالت بها "المضاجعة"، كانت سهلة للغاية ورائعة.
نظر يوجين حوله فى الاستوديو- بخلاف المطبخ وما كان يعتقد أنه الحمام، كانت هناك تلك الغرفة الوحيدة في الشقة، ذات السقف الذى يبلغ ارتفاعه عشرة أقدام. وكانت هناك أريكة سوداء، وسرير بملاءات سوداء، وكتب كبيرة مجلدة عن الرسامين ملقاة على الأرض، ومقعدان متهالكان بالقرب من الحائط، وعلى الحائط نفسه كانت هاتان اللوحتان- الكبيرة والصغيرة.
قالت:
- لا أستطيع أن آخذ نقودك. أنا أحب انكشف هكذا. أنتم الأولاد يمكنكم مشاهدة كل ما تريدون.
ثمم فتحت ذراعيها فى وضع من تقف عارية، لكن الروب الأصفر غطاها جيدًا. باستثناء قدميها النحيفتين، ويديها، وأظافرها المشذبة بعناية، الظل الداكن بين ثدييها، ورقبتها، وعينيها الرماديتين، الكدمة تحت عينها.
أولاد. كان يكره الطريقة التي استخدمت بها تلك الكلمة. بعد بدء الاتصال بينهما، لم يكن لديها من سبب لتدعوه بالولد.
سار من وراء الأريكة، باتجاه هذه اللوحة العملاقة التي لطالما تساءل عنها. عندما اقترب، أدرك أن رؤية ما يحدث عن قرب كان أصعب من رؤية ما يحدث من الجانب الآخر من الشارع. كانت الجبال ضبابية من اللون الأخضر والرمادي. كان الشكل غير المكتمل للرجل مجرد سلسلة من الخطوط الحمراء والبرتقالية الحادة التي اندمجت معًا. بدا الغضب على جبين الرجل وكأنه بقع برتقالية. والمرأة التي ليس لها فم لا تشبه المرأة على الإطلاق. كانت مجرد خطوط صفراء مموجة. بدا الأمر وكأنه درس هندسة قد حدث خطأ. قال:
- إنه لأمر مدهش.
أمكنه سماع وقع خطوات قدمي آنا العاريتين وهي تتجه نحوه وقال:
- لا يمكنك حتى رؤية الشخصين يتشاجران.
ثم وضع يده بالقرب من جبين الرجل وكاد يلمسها وأضاف:
- يمكنك الشعور به فقط.
امتدت يد آنا الدافئة مباشرة إلى كتفه - جزءعلى قميصه، وجزءعلى عنقه. فاحت رائحة البرتقال الحادة لعطرها. وهى تقول من ورائه:
- إنت أقوى ملاحظة من الرجال الذين يأتون إلى هنا.
لم تكن اللوحة الصغيرة،التي لم يستطع يوجين رؤيتها من غرفة نومه، لوحة على الإطلاق، بل كانت رسمًا بالقلم الرصاص كان من الصعب جدًا تحديدها حتى من موقعه المتميز، على بعد خمسة أمتار. لقد كان رسمًا تقريبيًا، وأسلوبًا مختلفًا تمامًا. أراد أن يلقي نظرة فاحصة، ولكن قبل أن يتمكن من الذهاب إلى هناك، أمسكت آنا بيده، أمسكت بها بقوة، وسحبته بعيدًا عن الحائط، كما لو أن الرسم الصغير يحتوي على شيء محرم على يوجين.
قادته آنا إلى السرير، السرير ذى الملاءات السوداء حيث أخذت جميع زوارها في نهاية الليل. خففت قبضتها عنه وقالت بصوت هادئ:
- أخبرني المزيد عن وحدتك.
***
أغلق يوجين عينيه بمجرد قالت له أن يفعل ذلك. كان مستلقيًا على السرير وكانت آنا بجواره على السرير.انخفضت المرتبة حول خصره بسبب ثقل وزنها. لكن الاثنين لم يتلامسا.
قالت له:
- أتريد الحديث عنه؟
كان تنفسها بطيئاً وهادئاً
قال:
- نعم .
لكنه لم يتكلم. حاول إبطاء تنفسه، لكنه استمر في التنفس.
قالت:
- لا بأس. يمكنك أن تقول الكثير أو القليل. يمكن أن تكون فوضويًا أو نظيفًا.
لم يكن يعرف ما تعنيه بالفوضى. هل أرادت أن تسمع عن تخيلاته الجنسية؟ أم أرادت أن تسمع حديث والده عن الموت وحده؟ ماذا لو كان منتصبا أمامها؟ هل كانت ستلمسه؟
من المؤكد أنها كانت ستضحك على خياله حول نومهما عاريين في الحديقة العامة، وجسدها مغطى بعصير بذور الرمان الصغيرة المثيرة، وكيف كان يلعقها، وجسمها ملطخ باللون الأحمر من العصير.
وضع يوجين يديه على سرواله لتغطية انتصابه، ثم ألقى نظرة خاطفة عليها. وكان ذلك عندما رآها: السيدة يوفيني تنظر إلى ساعتها. استدار يوجين إلى الجانب الآخر من السرير. جلس ووجهه في الاتجاه الآخر. ذهب انتصابه بأسرع ما بدأ.
كانت يدها على كتفه، حاولت شدّه نحوها. سألت:
- ماذا؟
- لم أقصد أي شيء.
نفخت وراء اذنه بفمها وقالت:
- يوجين. ألا تحب ذلك ؟
تحدثت إليه وهى تضحك معه بلطف بصوت خفيض. لكنه أهمل يدها.
اعتاد والده أن يفعل ذلك عندما كان يعيش مع يوجين - كان يلقي نظرة على ساعته بينما كانا يلعبان في الحديقة، في منتصفهما يلعبان كرة القدم. كان يفكر دائمًا في شيء آخر. عندما لاحظ يوجين، أنه سيصاب بألم حقيقي في المعدة.أو كاذب حتى يتمكنا من العودة إلى المنزل و هناك يمكن أن يلعب يوجين بمفرده.
حدق يوجين في الجدار الفارغ. قال:
- هل سيأتي الأصلع الليلة؟
- ماذا؟
قالت ذلك وامحت بالتأكيد ابتسامتها الساخرة من وجهها على الفور.
شدد يوجين قبضتيه وقال وهو دائخ قليلا :
- أليس لديك شيء أفضل لتفعلينه ؟ بدلا من مضاجعة هذا الوغد.
نهضت من السرير. خرجت من الغرفة وقدماها العاريتان تصفعان الأرض ببطء.
نظر يوجين في أرجاء الغرفة أثناء ذهابها. هاتان اللوحتان - لماذا لم تصبح رسامة أو تعلم الرسم أو تدرس علم النفس أو شيء من هذا القبيل. بالطريقة التي رسمت بها تلك الخطوط على اللوحة، ربما كانت تعرف الهندسة أو علم المثلثات. كان هناك توتر في معدته. في هذه المرحلة، كان بإمكانه أن يجعل نفسه يتقيأ بعقله فقط – لقد اعتقدت والدته أن معدته ضعيفة.
حول يوجين وجهه عندما عادت بسيجارة فى يدها. جلست آنا في نفس المكان حتى عادا إلى الوراء. كانت ثمة رائحة لعطرها البرتقالي. صوت نفخ دخانها ينفث من رئتيها رائحة الدخان.
قالت:
- مرشد مهني آخر لدي.أستطيع أن أعتمد على نفسى.
- لا يمكنك إخفاء تلك الكدمة تحت عينك.
كانت قبضتا يوجين قويتين وكان يضرب بهما على صدره مع كل جملة يقولها:
- يضربك. يشد شعرك. أنت تكرهين ذلط ألاحظك. وحدك طوال الليل.
أصيب يوجين بالدوار بعد التحدث وجعل نفسه يتنفس ببطء أكثر. قال بصوت خافت:
- أنا أكره ذلك.
امتصت القليل من دخان السيجارة ثم قالت:
- ربما حان الوقت لكى تذهب.
كان عقب سيجارتها قد وصل وجهها، ضغطت بإبهامها على إحدى عينيها وبالسبابة على الأخرى، وطرف السيجارة يحترق بالقرب من شعرها. خفف يوجين قبضتيه، وجعل آلام معدته تختفي من خلال التظاهر بأنه يستطيع رؤية خيوط العضلات الفردية تتخلى عن بطنه.
قال:
- لماذا تفعلين ذلك؟
قالت وكانت هذه هي المرة الأولى التي ترفع فيها صوتها:
- ألم تسمعني؟ أريد منك أن تخرج.
تمشى يوجين حول السرير. دفعت آنا أصابعها على عينيها ودعكتهما بقوة كما لو كان الصداع يضغط عليهما. ستكون الليالي أكثر عزلة الآن لأنه لم يكن لديه أية وسيلة للدخول إلى غرفة نوم آنا. لم يكن يريد أن يؤذيها. لم يكن يريد أن يزيد الأمر سوءًا. كانت تدعك عينيها ورأسها إلى أسفل. كانت السيجارة تحترق بشكل رهيب بالقرب من شعرها.
اقترب وجين منها ي وسحب السيجارة من بين أصابعها دون أن يلمسها. قال:
- كوني حذرة.
سحب نفسا طويلا من السيجارة، بالضبط حيث كان أحمر شفاهها،. لقد أبقى حلقه طليقا حتى لا يضطر إلى السعال. طعمها مختلف عن السجائر التي اعتاد على تدخينها خلف المبنى مع كريستوف. كانت هذه أسهل، لكنه شعر بالوخز في الداخل. عندما زفر، تفاجأ بعدم خروج الكثير من الدخان.
كان من المريح أن تكون السيجارة في يده. شعر بأنه أكبر سنا، وشعر أنه أقوى. قال:
- أنا آسف.
كان من السهل أيضًا قول ما كان يفكر فيه. أضاف:
- دعني أبقى.
رفعت أصابعها عن عينيها. قالت آنا على الأرض:
- لدي أسباب. قد لا تكون مقنعة، لكن لدي أسباب .
نظرت إلى يوجين، كانت عيناها حمراوين لكنهما لم تكونا مبتلتين. كانت ابتسامتها مرتجفة ومدّت يدها نحو السيجارة، ووضعت يدها على يده لبضع ثوان، ممسكة بالسيجارة، ثم سحبت السيجارة بعيدًا.
استنشقت الدخان بشكل طبيعي مثل الهواء. كانت عيناها تتحركان بسرعة، وتلقيان نظرة خاطفة على وجهه وجسمه. كان منظرها جميلاً برموشها الطويلة وهي ترفرف. أراد أن يلمس بأصابعه عظام وجنتيها، وبشفتيه أراد أن يضغط عليها على تلك الكدمة.
نظرت خلفه للحظة إلى الحائط مع اللوحات، ثم نظرت إليه مرة أخرى. ما زالت لم تتفهم هذا اللغز معًا. كان ذلك عندما كان هناك طرق على الباب، كانت هناك نقرتان ثقيلتان من مفاصل كانت بالتأكيد أكبر وأقوى من يوجين أو آنا. عندما وقفت آنا، بدت أطول من أي وقت مضى. نظرت إلى ساعتها، وأخذت نفثًا من الدخان، ثم مسحت يدها على السرير، وتخلصت من التجاعيد.
في المرة التالية التي طرق فيها الباب، كان الصوت أعلى. قالت آنا:
- أووف !
كلتا ذراعيها ارتفعتا في الهواء. تمسح عينيها تحسبا لأى بلل. يتمايل جسدها وهي تحبك الروب حوله.
بقدر إعجاب يوجين بالروب الذي يرتديه، لن يسعد زائرها أنها لم تكن ترتدي الفستان الأسود القصير مع الحمالات الرفيعة أو البلوزة الحمراء التي تكشف عن ظهرها بالكامل تقريبًا. ولم يكن وجود صبي يبلغ من العمر ستة عشر عامًا في منزلك أفضل دائمًا لضبط الحالة المزاجية.
سرعان ما انتقلت نظرة آنا من المطبخ إلى النافذة الكبيرة إلى اللوحتين إلى يوجين. فكر يوجين في قصة الخيال العلمي التي كان عليه أن يقرأها للمدرسة، القصة التي تسافر فيها العائلة في مركبة فضائية ويمكنهم الانتقال عبر الفضاء بطريقة تجعلك، إذا نمت، تشعر وكأنها مرت بضع ثوان. الماضي، ولكن إذا كنت مستيقظًا، ستشعر تلك الثواني الخمس وكأنها أبدية، وعندما تخرج من الجانب الآخر، ستموت تقريبًا من الإرهاق. أراد يوجين أن تستمر هذه اللحظة مع آنا إلى الأبد.
بدلاً من السير نحو الباب، جلست آنا على السرير. وكانت الضربات عالية جدًا لدرجة أن يوجين تساءل عما إذا كانت مشكلة في ذهنه. نفضت رمادها على الأرض لوحت بيدها نحو الباب.
قالت آنا بصوت منخفض:
- دع الأصلع يطرق كما يريد.
***
خبطت آنا على السرير عدة مرات لجعل يوجين يجلس بجانبها وأطاع. وضعت يدها على رأسه ونكشت شعره الفوضوي - وهي حركة كرهها عندما كانت تفعلها والدته، لكن وهو جالسً هنا بجوار آنا كان على استعداد أن يسمح لها بمواصلة القيام بذلك طوال الليل.
قالت:
- أراهن أنك سميتهم جميعًا.
أغمضت عينيها لبضع ثوان ثم فتحتهماا ببطء شديد لدرجة أن تألم يوجين وهو يراقبها.
بدأ أرقها يتفاقم. أصبحت تلك الليالي الطويلة أطول من المعتاد، بينما كنت تدخن بجوار النافذة.
توقفت الطرقات على الباب. وكانت يد آنا على ساقه - لم يكن يوجين يعرف كم من الوقت مضى ويدها هناك. لم يشعر وكأن شخصين قد التقيا للتو، لم يكن مجرد صبي يبلغ من العمر ستة عشر عامًا مرتبكًا مع تلسكوب بجانب امرأة متعبة لديها موعد مع زائر غريب. كان الأمر أشبه بشخصين مرا بعوالم كاملة معًا، كما لو كانا ينتقلان عبر الفضاء.
وضع يوجين يده فوق يدها، وأمسك بها واستمتع بهذه الثواني الخمس حتى رفع يده عن حجره ومشى إلى الرسم.
***
كان هذا الرجل النحيل ينظر إلى نفسه في مرآة الحمام، يصل حوض الحمام إلى خصره. كان صدره مشعرًا، وشعرًا فوضويًا على رأسه، وشفتاه حزينتان، ومحجرا عينيه كبيران جدًا لدرجة أن يوجين كان يعتقد أن رأس الرجل ما هو إلا جمجمة عارية لرأس إنسان حي.
لابد أنه كانت هناك مرآة خلف المرآة لأن صورة الرجل المنعكسة بدت أصغر وأصغر فوق االصورة الكبرى له.
كان هناك عقد حول رقبته، لكنه كان يضع يده حيث قد يتدلى رمز أو قلادة. وكانه يخفيفها، كان الأمر كما لو أنه لا يريد حتى أن يتم رسمه وتساءل يوجين عن سبب اهتمام الرجل برسمها على الإطلاق.
تصاعد دخان آنا من خلف يوجين، عابرا أذن يوجين، متجاوزًا خده باتجاه اللوحة.
قال يوجين وهو يشعر بدفءأذنه من أنفاسها:
- أين هو؟
قالت آنا وقد زاد دخانها المتصاعد حوله:
- في المستشفى.
لم يكن لدى يوجين نقص في الأسئلة التي أراد طرحها، ولكن بدلاً من ذلك، كانت هناك فترة طويلة من الصمت بينهما. وكأنه انعكاس بعد انعكاس لهذا الرجل الذي يختبئ وراء مليون مرآة.
وأخيراً، قال يوجين للسيدة يوفجيني:
- شكرًا لك على هذه الليلة.
أدار رأسه لينظر إليها من جديد، بيد أن عينيها مركزتان على رسم حبيبها.
قال يوجين:
- ربما من الأفضل لك الاتصال بالأصلع، الوقت متأخر.
نظرت آنا فى ساعتها وتنهدت:
- أعتقد أنه ينبغى أن أفعل.
***
خرجت آنا من الحمام ببلوزتها الحمراء وملابسها الداخلية الحريرية الحمراء، تمشط شعرها الأشقر كما لو كانت قد تراكمت عليه مئات العقدة من زيارة يوجين.. لم يكن فخذاها صلبتين كما كان يتخيل، وكانتا شاحبتين جدا بل وأجمل مما كان يتصور. لم يستطع التحرك من مقعده وشاهدها تمشي عبر الغرفة وهي تمشط شعرها. قالت:
- خذ نقودك.
توقفت عن تمشيط شعرها وسارت نحو يوجين، كل خطوة بقدميها النحيفتين العاريتين. قالت:
- والتلسكوب أيضًا . سأحتاج إلى الصديق الليلة.
ذهبت قبلتها إلى منتصف جبينه تماما وتركت شفتيها هناك لعدة ثوان. كانت شفتاها باردتين من أثر ماء الحوض. أما هو فكان وجهه حارًا ولم يكن يعرف كيف يودعها، أمسك يدها وربت بها برفق على فخذها العارى. أبعد يده عن فخذها كما لو كان يخشى أن تحترق.
ثم كانت هناك ابتسامتها، الابتسامة التي كان يحلم بها، لا شيء واضح، لكنها كانت موجودة حول العينين وفي الخدين وبالقرب من المعابد – سر بين اثنين.
عادت لتسلك بالمشط عقد شعرها. وبينما كانت تخطو مبتعدة، رأى البقع البنية على باطن قدميها العاريتين.
أخذ يوجين التلسكوب - لم يكن يعتقد أنه يستطيع البقاء طوال الليل دون رؤية آنا من النافذة. ربما كانت تلوح له الآن أو تحاول أن تقول شيئًا من مسافة أربعة وثلاثين مترًا.
لكنه ترك النقود على المنضدة. جعلها منتصبة مثل برج صغير في وسط المنضدة. كان يعلم أنها لن تقبل أمواله أبدًا، لكنها على الأقل ستضمن له لقاء آخر مع آنا يوفجيني.
(النهاية)
***
.....................
المؤلف: يوفى زالكو/ Yuvi Zalkow كاتب قصة وروائى أمريكى، حصل على ماجستير في الفنون الجميلة من جامعة أنطاكية. يعيش يوفي زالكو مع زوجته وطفله وقططه الغاضبة في بورتلاند بولاية أوريجون.
.