نصوص أدبية
عبد الهادي الشاوي: مقهى على ضفة النهر
الصيادون المتعبون العائدون من ليلة صيد لا أعلم ما فيها غير اني رأيت زوارقهم وقد صفت وحمولاتها وقد وضبت ألوانها وتقاربت، ونظامها وقد تراصفت، تعلو أصواتهم، وتتوزع ارزاقهم، وتتسع ضحكاتهم، الصيد لهذا اليوم وفير، هذا ما ظنت، ولذلك سعيت نحوهم، لمحتهم من بعيد، يشربون الشاي وهم جلوس علي مساطب المقهى المتهالك، المطل المشرع الابواب على سطح الماء القريب المناسب، رأيتهم جلوسا، ومنهم من فضل الوقوف حتى يبدو من بين الصفوف، فيما كان صاحب المقهى صموت لا يستطيع ان يقول أكثر مما قاله منذ الصباح، فقد استنفذ مخزونه الكلامي والعاطفي مع بائعات الجبن والحليب، وكعادته يقدم لهم الشاي وربما ابتاع منهم صيدا وقد يهبون له بعضا مما اصطادوا وذلك مقرون بمزاجهم الذي تعكره الرياح حين يقل صيدهم. غير أن ما يسعدهم أكثر ليس الجلوس على مساطب المقهى واحتساء الشاي، فتلك عادة مستهلكة، فهم ينتظرون قدوم الشاعر بقوامه المنحني من ثقل السنين وثيابه الرثة التي اعتاد ارتداءها، فلا جديد في حياته غير الصباحات وما بها وما لها، كانوا يتحلقون حوله، فيهدأ عندها ضجيجهم، وتفتح اسماعهم،، فتراهم وقد علتهم السكينة وغمرتهم الدهشة، فهل امتلك هذا الشاعر قدرة الادهاش، وفجر في أنفسهم الاحساس، كنت أشك في ذلك حتى وقفت في دائرتهم غير مبال برائحتم، فادركت عندها أن للشاعر المجيد سحرا!!
***
عبد الهادي الشاوي






