نصوص أدبية
سعد جاسم: شاعر مُغترب في شارع مُصطخب

شاعرٌ مغتربٌ وحزين
يتمشّى الآنَ في شارعٍ أَجنبيٍّ
شاسعٍ ومصطخبٍ بالانوثةِ والحُبِّ والجمال
وهوَ يشبهُ " شارعَ الموكبِ " .
الذي كانَ " يَتَشَرْعَنُ " باذخاً وساحراً
في قلبِ بابل القديمة
التي كانتْ فردوسَ العالمِ
وجنَّتهُ السامقةَ حتّى أَعالي المُطلقِ
وغيومِ رهامِ الخِصْبِ
وسماءِ الرَبِّ والحقيقةِ،
التي لايعرفُ حقيقتَها،
غيرُ اللهِ ونحنُ الحكماء
والعارفينَ والخائفينَ والطامعينَ
والشعراءُ والمجانينَ والحمقى .
ولهذا يبكي الشاعرُ
على شوارعَ مدينتهِ المنسيةِ
في الخرائطِ، وفضاءاتِ الـ ...
" GPS "
و" يَثْغَبُ " على بلادهِ التي خرَّبَها
(اليانكيونَ) والخونةُ عَمْداً
ونكايةً بنورِ الحضاراتِ
و سِفْرِ " سومر " وآثارِها المهيبِة
والشاخصةِ منذُ سبعةِ آلافِ سنةٍ اسطورية
و " جنائنِ نبوخذِ نصَّرْ "
و أُنثاهُ الغريبةِ الديارِ والأطوارْ
وملحمةِ " السبي البابلي " .
و " ومسلَّةِ حمورابي ".
العادلةِ الدساتيرِ
ونورِ القوانينِ
وأَحلامِ " جلجامشَ".
بالخلودِ والخلاصِ
و " بوابةِ عشتارَ"،
وغرامياتِها المشتعلةِ
عشقاً ورغباتٍ
وغواياتٍ حُمْرٍ وجَهَنَّمية
وصحائفِ الخلقِ الاولى
وأَسفارِ التوراةِ
ووعودِ الميعادِ المزعومْ
في رؤوسِ الـ " بلفوريينِ "
وأَوهامِ سيدهِم السيئةِ
الصِيتِ والسمعةِ والأَسرارْ
ولذا فإنَّهم خبأوا ثاراتِهم
وضغائنِهم منذُ مهزلةِ السبي
حتى " سقوطِ بغدادَ " الأَوَّلْ
ومنْ ثمَّ سقوطِ صنمِ خادمِهم
وعميلِهم وعبدِهم الخائنِ
لكلِّ شيءٍ،
بدءاً من نفسهِ الشوهاءْ
وأحلامِهِ الحمقاء
ونواياهُ السوداءْ
حتى مزابلَ ومستنقعاتِ
شوارعِنا المنكوبة
وبلادِنا المركوبة
كأَيِّةِ فرسٍ مُعتلّة
وكأَيّةِ مُستوطنةٍ
مُحتَلَّةٍ ومُظْلِمةٍ ومظلومةْ
وشوارعُها لا تَشبهُ
هذا الشارعَ
الذي يمشي بهِ الآنَ
شاعرٌ عراقيٌّ مغتربٌ
ووحيدٌ وحزينٌ
اكثرُ من نبيٍّ مطرودٍ
إلى أرضٍ لاعودة منْها
ولَيْسَ لهُ فيها أَيُّ وطنٍ
ولا قبرٍ ولا شاهدةٍ
من طينٍ أَو رخامٍ
ولا حتى من هواءٍ فاسدْ
وهذا الشاعرُ
وأَعْني النبيَّ المطرودَ
هو أَنا ...
وربَّما هو شبيهي
أَو إنَّهُ ظلّي المُمتدُّ
من " ميزوبوتاميا "،
حتى منافي اللهِ
والوهمِ والثلوجِ
والقيامةِ الأَخيرةْ
***
سعد جاسم