نصوص أدبية
مجيدة محمدي: سقوط الأسماء

ماذا لو انسكبت الذاكرة من رؤوسنا مثل ماءٍ في إناءٍ مثقوب؟
ماذا لو صرنا نَصحو فجأةً، غرباء عن أنفسنا،
ننظر في المرآة كما لو كانت نافذةً لشخصٍ آخر؟
ليس لنا ماضٍ نستند إليه،
ولا جرحٌ قديم نتحسّسه كلّما مرّت ريح.
*
كأم تغمض عينيها عن طفلها
لن نعرف اسم أول حبّ،
ولن نميّز ملامح من رحلوا،
ولن نفهم لماذا نبكي حين نسمع لحنًا معينًا،
أو لماذا نخاف من غرفٍ بعينها.
*
سننسى كيف كانت الأم تضع يدها على جبيننا إذا اشتعلت الحمى،
وسننسى أن ضحكة الاب كانت موسيقى خفيّة،
نُطفئ بها الليل.
*
سنفقد طريق العودة إلى الأماكن الصغيرة،
زقاق المدرسة،
بائع الكعك،
شجرة التين التي كانت تؤمن بأسرارنا أكثر من أهلنا ،
*
سنفقد أصدقاءنا القدامى ،
لأنّ الذاكرة لن تجد لهم عنوانًا.
سنراهم في الشوارع، فنبتسم كمن يرى وجهًا مألوفًا في حلم،
ثم نُكمل المسير دون أن نعرف لماذا اقشعرّ الجلد.
*
سننسى كيف كنّا نضحك حين نركض تحت المطر،
وكيف كنّا نرتبك أمام من نُحب،
سننسى الأخطاء الجميلة التي علمتنا الحياة،
والكلمات الغبية التي قالتها قلوبنا بصدق.
*
ولكن، هل سنجني شيئًا؟
ربما،
*
ربما سنحبّ الناس بلا ذاكرة سابقة،
سننظر إلى الوجوه كأنها لوحات بلا توقيع،
جميلة، دون أن نعرف لماذا.
سنصافح العالم بأيدٍ بيضاء،
لا تذكر من طعنها،
ولا من ضمّها.
*
سنبدأ القصّة من سطرها الأول،
بدون ندم،
بدون توقّعات.
*
لكن، ماذا عن الحنين؟
من أين يولد حين تُخرس ذاكرته؟
أين يسكن من لا ماضٍ له؟
وأين يذهب مَن لا أحد يتذكّره؟
*
ستسقط أسماءنا،
ويسقط وجه الايمان كما تعلّمناه،
فنبحث عنه في كل تفصيلة،
في قوس قزح،
وفي صراخ المواليد،
وفي يدٍ لا نعرفها، تمسك بنا حين نتعثّر.
*
أيّ ألمٍ هو ألّا نعرف لماذا نحزن؟
أن نستيقظ بانقباضٍ في القلب،
ولا نجد لصاحبه صورةً أو اسمًا أو سببًا.
*
كحبيبةٍ غضوب، نتمنى ان تعود،
وتدخل علينا بنظراتٍ ساكنة،
وتفرش على الطاولة كل الصور،
كل اللحظات،
كل الخسارات،
كل الضحكات.
لنعود، نحن، بكلّنا،
تمامًا كما نحن.
***
مجيدة محمدي