نصوص أدبية

يوسف جزراوي: حكايةُ غروبٍ سيعيشُ طويلاً

(مجموعةُ نصوص وومضات أدبيّة)

-نومُ العَوافي هبّهَا يَا رّبَّي!.

وَشارعكِ وحدي أمشيه ليلاُ في غُربتي

أدسُّ يدي في جيبيَّ وأمضي سائرًا...

ومَا المُضيّ؟ سوى خطوةٍ!

فأنَا كُلِّمَا تسكعتُ بِي إليكِ واستنشقتُ هواء درُبُونتكِ...

أتطلعُ  تَارةً إلى مَظانكِ..واستودعكِ أحلامي..

وتَارةً أُخرى إلى السّماءِ بِالدعاءِ :

هبّها يَا رّبّي نوم الهنا والعوافي!.

**

لعلَّ جمرة فيها تعيد الوجِد إليها..

لو نفحتُ في نارِها لانارت…

لكنّني سأنفخُ فِيمَا تبقى مِن رمادِها...

فلّعلَّ جمرة فيها تُشعِّلُ حطبها

وتعيد الوجِد إليها!

عساها تَتسخَى عليَّ

فتعيدُ تَسخِين دلّة قهوتها

فتقرأ لي فنجان حظها

وتفصح ليَّ عمّا مكنونٌ في داخلها.

وبهذا أكونَ قد أخذتُ بيدها

وأغدو دالّتها على ضالتِها.

**

بلادي وبوصلةُ شَعرها

أما زلتِ تُسرّحينَ شَعركِ

على صخرةٍ قبالة أمواج الشواطئِ؟َ

فقط دعيه حُرًّا.. طليقًا..

سَرحًا.. مُسدلاً على كتفيكِ..

عسى كُلّمَا حركتهُ الرّيح...

يكونَ دليلّيّ نحوكِ

فأعرفُ الدربَ إليْكِ!.

**

وفيَّ متسعٌ لِناركِ

يَا دجلة الفرات... أغيثيني مِنكِ

أنا يوسفُ إبن ذلكَ الرجل النبيل

أبي؛  الذي انتقل إلى الضّفةِ الأخرى مِنَ الحياةِ

في الثّمانيّةِ والأربعينَ شبابًا

ولمْ يعد حتّى الآن -عليه كُلّ المراحمِ-

ربّما طابت لهُ الحياةَ في دارِ البقاءِ مع الأبرارِ والصدّيقينَ.

وأمّي أمدَّ الله في عمرِها

رغم أنّها ارضعتني حليبّا بغداديًّا كثف الدّسامة

غيرَ أنّي لمْ أنجُ مِن هشاشةِ العظام في غربتي!.

فعلامَ كُلّمَا مشيتُ بِي إلَيْكِ مُتعبًا

وجدتُكِ معتصمةً بحبلِ الهودجِ الّذي يربطكِ بي…

ولماذا كلّما حذرتكِ مِني بِالقولِ احذريني …

تجيبني بحرفِ (الهاء) (ها ها..)

تنبيهًا أو أستفهامًا!

ولكن هذه المرّة سأنتصرُ لكِ وأتركني وديعةًعندكِ

عسى اللاّ تسيئينَ الظنَ بِي!.

فمن يدري عساكِ تكونينَ مُنصّرةً ليَّ

وتكونينَ لي وطنًا في منفًى!.

ولكن تذكّري في داخلي اغترابٌ يحترقُ

فيه متسعٌ لناركِ…

لعلّ حرائقكِ تشعُ أضواءها في ظلامي

وما الغريبُ في الأمرِ

أوَلستُ  المشتعلُ بكِ منذ أمدٍ!.

**

بعد أن همدَ لهيبُ النّيرانِ

ليلٌ موحشٌ والأجواءُ حولي مُملّة رتيّبةٌ بعض الشيءِ

والطّريقّ فارغّة إلّا مِنّي!

هُناكَ سألتُ نفسي:

أ أمضي في رحابِها أمْ لا؟

فجأةً.. وجدتُ ظلّاَ لكائنٍ آخر يتعقّبني

وتناءى إلى مسمعي صوتًا:

يَا صاح... يَا صاحَ...

كُلّمَا ناديتُ إيّاكَ أجدني أُناديني..

فمَا الأمرُ؟!.

مددتُ رأسي متلّفّتًا في الفضاءِ والعتمةِ

محاولاً الاصغاء واقتفاء أثر الصوتِ لعلّيَّ أعي مَا تبقى مِنْ صدى...

ومَا يترددُ مِنْ كلماتٍ.

وإذا بِها بنيرانٍ تُلقي نظرةً على رمادِهِا الأخير!.

**

أنَا والشّامُ قصّةُ حُبٍّ لم تكتملْ

مَا مِنْ مرَّةٍ جاءتني العواجل فِي التّلفاز عن الشّامِ

إلاّ واتضورُ ألمًا وأتسألُ:

عن حالِ جرمانا ...معرّة صيدنايا

باب توما... والقصاع ...مشروع دمر... وألخ.

فتسألني:

أينَ كاهنٌ عراقيٌّ كانَ يُصلي ويكتبُ هُنا. وتزيد:

مَا الذي فيَّ فيكَ مَا زالَ حيًّا فيكَ؟!.

**

مقطوعةٌ صوفيّةٌ

يَا رّبُّ...

وجئتُ أرنمُ لكَ

أَوَليسَ بعض الترنيم شعرًا؟!.

وقصدتُكَ مُصليًّا في ليلٍ أهيمٍ..

أوَليسَ بِالشِّعرِ يقولُ المرءُ ويُصلي  مَا يريد

وبلغةٍ معبّرةٍ ومختلفةٍ؟!.

**

حرير رموشكِ

في زُكامٍ صيفيٍّ ومغصِ أمعاءٍ

دعيني أدربُ العينَ..

كيفَ تغمضُ الأحداق عليكِ؟!.

وكيفَ أسنُّ مِن رموشكِ وأنسجُ

طورًا مشطًا... أُسرّحُ فيهِ شِعركِ

وطورًا آخر شال حريرٍ لكِ!.

**

مقطوعةٌ شِعريّةٌ/ دائمًا هُنالكَ شيءٌ جديدٌ

وأنَا أجوبُ بالقلمِ المدنَ الأمريكيّة في اغترابي

سأختارُ المرور بِهذا الشّارعِ العتيقِ البلاطِ والكتابة فيه!.

بِه مناظرٌ آخاذة منكِ وتآسرني!

أجل ساجلسُ في مقهًى  قبالته  وأكتبُ...

فأنَا كُلّمَا آتيه أو أزوخُ مِن مشاغلي في أزقةِ الغُربةِ

أجدُني أحتسيها في مقاهيها الأدبيّة وطبيعتها الخلاّبة

رشفةً... رشفةً.. تأمّلاً تأمّلاً...

أجلسُ قُبالة قلمي أتدارسُ أمرها..

ربّما لأنّها الظلُّ الآخر لكلمتي

أمْ لأنَّ كتاباتي مَقضْومة بِشفاهِها!.

**

وبقى عطرُ الهيل

لقد زاروا المكانَ الّذي أحبّهُ…

فكم مِنْ مَرَّةٍ وَمرّةٍ كنتُ ارتادهُ للكتابةِ والتّرويح عَنَ النّفسِ.

هُنالكَ استمعوا إلى موسيقى لطالما استمعتُ إليها بِصحبتهم…

وأحتسوا قهوةً عربية بالشّكرِ وفتحوا الفنجان في غيابي!

هذا مَا كانَ باديًّا للعيانِ فِيمَا راسلوني بِه كتابةً وصورًا.

لقد عادوا في الغروبِ إلى  ادراجِهم

وبقى عطرُ هيل قهوتهم في فمِ الصورِ!.

***

الأب يوسف جزراوي/ أمريكا

 

في نصوص اليوم