أقلام حرة

أقلام حرة

عاش العلامة المرحوم محسن مهدي ينقب ويبحث في كتب التراث ويراجع النسخ المحفوظة في مكتبات العالم من حكايات ألف ليلة وليلة، ليقدم لنا نسخته المحققة من الليالي، يقول لنا فيها إنّ علي بابا ومعه الحرامية "الأربعون"، لم يتنزّهوا في شوارع بغداد.

العلامة الذي عاش حياته مغترباً، ينثر علمه في جامعات العالم ، استبدلته بلاد الف ليلة وليلة، بأكثر من " علامة " ليعيش العراقيون مع كفاءات من عينة مشعان الجبوري وحنان الفتلاوي ومثنى السامرائي وخالد الذكر عباس البياتي صاحب نظرية استساخ القادة ، ومؤسس نظرية " المالات " محمود المشهداني وهؤلاء جميعاً للأسف ينسفون نظرية المرحوم محسن مهدي ويؤكدون بالدليل القاطع أن هذه البلاد يعيش فيها اليوم ألف حرامي وحرامي ، فلا يعقل ياسادة أن هذه البلاد التي انتشر فيها مئات "علي بابا " ، لم تكن هي الراعي الرسمي لهذه الماركة من السرّاق خفيفي اليد والظل. ولو كان العلامة محسن مهدي على قيد الحياة لكان قد شاهد علي بابا نسخة 2024 وهو يرتدي ساعة يتجاوزقيمتها الدولارية ثمن خمسة بيوت تبنى لفقراء هذا البلد .. وأن نور زهير وأشقاءه الذين أصبحوا مليارديرية وجمعوا المليارات من الدولارات في زمن قياسي لم يتجاوز العام الواحد. لم يقرأوا ألف ليلة وليلة ، وأنهم وجدوا كنز علي بابا مطروح أمامهم . ألم يخبرنا نور زهير أن الثلاثة مليارات دولار التي نهبها في وضح النهار لا تعود لخزينة الدولة وسمعناه يردد بكل ثقة : " ولا دينار واحد يعود للدولة " ليؤكد لنا أن ما جرى هو كذبة وأن العراقيين عاشوا في الخيال ، فلا توجد سرقات ، والأمر باختصارهو مبلغ بسيط مليارات من الدولارات لا صاحب لها استولى عليه السيد نور بمساعدة بعض المسؤولين والسياسيين ، وهي مسموحا قانونا هكذا اتحفنا المحامي علي بدران وكيل الشاطر نور زهير لان : " الفعل الذي قام به موكلي من الفعل المسموح به قانوناً .. وأن القانون اعتبرها من الأفعال المعتمدة قانوناً وهي مسألة طبيعية جداً " .

على مدى واحد وعشرين عاماً عشنا مع سياسيين ونواب ليس لديهم شيء يقدمونه للعراقيين، فالمجلس مشغول بتعديلات قانون الأحوال الشخصية ، فهو أهم من سرقة المال العام ، وخطباؤنا الأفاضل يصرخون في الفضائيات "وا احوال شخصية".

يسخر المواطن العراقي من خطب السياسيين فيقول : " هذا الفيلم شايفه" كل ما شاهدناه على قناة الشرقية هو فيلم مكرر وساذج ، لاننا اليوم نعيش في بلاد فيها اكثر من أربعين ألف نور زهير، لن تستطيع شهرزاد أن تروي حكاياتهم ولا بمليون ليلة وليلة.

***

علي حسين

لا حديث للناس هذه الأيام إلا قرارات وزارة التعليم الأخيرة.. أولياء أمور وطلاب لم يعد لهم من هم إلا الحديث عن هذه القرارات. ومعلمون لبعض المواد الدراسية سيغلقون أبواب مراكزهم التعليمية الخاصة بعد أن ألغيت هذه المواد أو تم تجنيبها من المجموع الكلي!

 سوف تنتهي موجة الجدل، وسيتم تنفيذ القرارات. لكن هل سينصلح حال التعليم بتلك الطريقة التي نجرب فيها كل مرة صيغة إصلاحية، فلا يأتي الإصلاح إلا بمتاعب جديدة.

 القرارات شملت جميع المراحل، لكنها ركزت على المرحلتين الثانوية والابتدائية. وبالطبع انصب اهتمام الناس بمتابعة ما يخص المرحلة الثانوية لأنها الأكثر تأثيراً على مستقبل الطلاب.

في وقت حرج

جاءت القرارات، التي أراها متسرعة، قبيل بدء الدراسة بنحو شهر واحد! وهو الأمر الغريب والمثير للدهشة. إذ سوف تترتب عليها أشياء خاصة بطباعة كتب حكومية وملخصات دراسية، وترتيبات خاصة بتنظيم أوقات الدراسة في المدارس الثانوية والإعدادية، بسبب عودة الفترة المسائية.

 القرارات لم تلتفت للضرر الكبير الذي سيحدث للعديد من العاملين في قطاع التعليم. حتى لو كان بعضهم ينتمون لمؤسسات خاصة. كل الملخصات التي تمت طباعتها على النظام القديم سوف تصبح في خبر كان. كل مدرسي المواد التي ألغيت صار عليهم البحث عن مهنة أخري، أو الشروع في تدريس مادة أخري يستذكرونها من الآن.

 المبادئ التي قامت عليها القرارات في مجملها مبادئ لا خلاف عليها: مثل تخفيف المناهج، وبث مشاعر الانتماء بالاهتمام بمادة التاريخ، وتقليل كثافة الفصول، وربط التعليم بسوق العمل. كل هذا جيد، لكن ألم يكن التدريج في التنفيذ أولي من طريقة الصدمة التي تمت؟!

 الصف الأول الثانوي تم تخفيف مواد الدراسة إلى ستة مواد بدلاً من عشرة، بعد إعادة تصميم المناهج وإلغاء مادتي الأحياء والجغرافيا، وجعل اللغة الأجنبية الثانية مادة نجاح ورسوب خارج المجموع، وضم الكيمياء والفيزياء في مادة واحدة اسمها: "العلوم المتكاملة"!

 وانسحبت القرارات بطبيعة الحال على الصفين الثاني والثالث الثانوي. فيتم تقليل مواد الصف الثاني الثانوي، بعد تقسيمه إلى شعبتين: علمي وأدبي، إلى ستة مواد بدلاً من ثمانية. فتعاد مادة الأحياء لشعبة العلمي، ويعاد تصميم مادة الرياضيات لتصبح مادة واحدة. كما تتم إعادة الجغرافيا للقسم الأدبي. وتظل اللغة الأجنبية الثانية مادة نجاح ورسوب.

 وبالنسبة للصف الثالث الثانوي ثلاثة مواد تصبح مواد نجاح ورسوب، وهي: الجيولوجيا، والمادة الأجنبية الثانية، وعلوم البيئة. كما يعاد تصميم مادة الرياضيات لتصبح مادة واحدة. هكذا يدرس طلاب شعبة علمي علوم خمسة مواد بدلاً من سبعة: وهي اللغتين العربية والإنجليزية، ومواد العلوم الثلاثة. وشعبة الرياضيات نفس المواد بعد استبدال الأحياء بالرياضيات. أما الشعبة الأدبية ستصبح مادة علم النفس مادة نجاح ورسوب، فيتم تخفيف المواد إلى خمسة بدلاً من سبعة، وهي: اللغتين العربية والإنجليزية، بالإضافة للتاريخ والجغرافيا والإحصاء.

تخفيف الكثافة

لأجل استغلال فصولها لمرحلة الإعدادية، قررت وزارة التعليم نقل المدارس الثانوية جميعها للفترة المسائية! بينما يتم استغلال المدارس الإعدادية لصالح المدارس الابتدائية.

 ومهما كان الأمر في نظر الوزارة يحل مشكلة التكدس، لكنه سيتسبب في مشكلة أخري بالنسبة لأولياء الأمور هي مشكلة المواصلات، إذ سيصبح على تلاميذ الابتدائي والإعدادي الانتقال إلى مدارس أبعد لم يعتادوا على الانتقال إليها، وسيكون على الإدارات المنفذة للقرارات مواجهة أولياء الأمور بمبررات واهية تمتص الغضب ولا تشفي الصدور.

 أما أيام الدراسة فسوف تزيد يوماً، لتصبح خمسة أيام تعليم أكاديمي، بالإضافة ليوم سادس للأنشطة. وشملت قرارات الوزارة استخدام فكرة الفصل المتحرك المعمول بها في بعض الدول؛ من خلال تحريك فصل في المرحلة ليكون في غرفة نشاط أو تربية رياضية، وهو ما سيقلل الكثافة. هكذا ستنخفض الكثافة بنسبة كبيرة بحيث تصبح كثافة الفصل من 69 طالب إلى أربعين.

 هذا وقد اكتشفت الوزارة من خلال هيئة الأبنية التعليمية وجود فراغات كثيرة بالمدارس يمكن استغلالها لإقامة فصول جديدة بمدارس قائمة، مما سيسهم في تقليل الكثافة الطلابية.

كل هذا جيد ولا غبار عليه. وإن كانت حلولاً توضع في خانة الحلول المؤقتة، فلا أقامت الوزارة مدارس جديدة، ولا هي خففت على أولياء الأمور متاعبهم، بل أثقلت عليهم بأحمال جديدة. وإن كان المظهر العام سيبدو تخفيفاً في كثافة طلاب ربما سيؤثرون عدم الذهاب لمدارس بعيدة لم يتعودوا عليها ولم يألفوها!

زيادة أعداد المعلمين

لعلها القرارات الوحيدة التي قوبلت بفرحة كثير من الخريجين.. فقد أكدت الوزارة التزامها بالمبادرة الرئاسية لتعيين 30 ألف مدرس سنوياً. يضاف لهذا أن الوزارة قررت تفعيل قانون مد الخدمة للاستفادة من خبرة المعلمين الذين بلغوا سن المعاش ليستمروا سنوات أخري إذا شاءوا. أكثر من هذا أن القرارات شملت الاستعانة بعدد 50 ألف معلم بنظام التعاقد بالحصة. مع توجيه الإدارات لإعادة توزيع أنصبة الحصص لتجنب الهدر.

 شملت قرارات الوزارة بعض التعديلات في مناهج المرحلة الابتدائية، منها ضم المرحلة الثالثة الابتدائية لنظام امتحان الترمين. وتخصيص مائة درجة للتقييمات الشهرية، تلك التي يستغلها المدرسون في العادة للضغط على طلابهم لحضور مجموعات التقوية، مع إضافة لون جديد للتقييم لتصبح أربعة ألوان بدلاً من ثلاثة: (الأزرق، والأخضر، والأصفر، والأحمر)!

 أما المناهج التي أقرتها الوزارة للمرحلة الابتدائية فهي: (اللغة العربية، اللغة الإنجليزية، التربية الدينية، منهج متعدد التخصصات، الرياضيات، التربية البدنية والصحية، أنشطة التوكاتسو).

خارج التصنيف

بالعودة عدة سنوات للماضي، دعونا نتذكر ما حدث بسبب قرارات أكثر ثورية قام بها أكثر وزير إثارة للجدل، الدكتور طارق شوقي. فما الذي حدث كنتيجة لمثل تلك القرارات؟!

 الذي حدث أننا أصبحنا اليوم خارج التصنيف الدولي لجودة التعليم، فما نفعله في أبنائنا لا ينتمي لبند تطوير التعليم، بل تخريب وتجريب غير مدروس. إن مناهج الابتدائي التي ادعي الوزير القديم تطويرها تحولت إلى لعنة عند المعلمين وأولياء الأمور والطلاب، وبات تخفيف أو تعديل هذه المناهج من جديد يعني العودة لمناهجنا السابقة وهو أمر لم يعد ممكناً الآن!

 ثم نظام التابلت في الثانوي، بعد أن أثبت عدم فاعليته وجدواه، وبات أمر إلغائه مسألة وقت لا أكثر. هل كان مؤشراً للتطوير؟ هل تحسن مستوى الطلاب والخريجين؟ نتائج الكليات تقول إن الذي حدث هو العكس، وأن كثيراً من الكليات أعلن نتيجة مؤسفة رسب فيها طلاب كثيرين من طلاب السنة الأولي في هذه الكليات، وأكثرها من كليات القمة!

نحن نسير في مجال التعليم من سيء إلى أسوأ. وكلما أردنا إصلاح أو رتق عيب من العيوب تظهر عيوب أخري ومشكلات لا تنتهي إلا لتبدأ. كثيرون يقولون إن كل هذا الذي يحدث لا يصب إلا في مصلحة التعليم الخاص والدولي ومدارس اللغات والجامعات الخاصة. لأنها وحدها التي تهيئ لطلابها ظروفاً أفضل للتعليم مقابل ما يدفعونه من آلاف الجنيهات أو الدولارات!

 هكذا بات التعليم الحكومي في مهب الريح. وتم سحق الطبقة المتوسطة لصالح طبقات تستطيع توفير مناخ تعليمي مريح لأبنائها، وهي طبقات مترفة لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جداً من الشعب. كثير من الناس اليوم يفكرون في نفض أيديهم من التعليم، وتوفير أموالهم التي ينفقونها على تعليم أبنائهم في نفقات أخري، وهكذا سوف نجد أعداداً غفيرة في المستقبل من أطفالنا يتسربون من التعليم ويتجهون للمهن الحرة والحرف، أو ربما ما هو أسوأ!.

***

عبد السلام فاروق

الشعر نشاط تَرَفٍ، ويحتاج إلى بيئة آمنة مطمئنة، لكي يكون له تأثير في المستمعين أو القارئين له، فلا يصح أن ندّعي بأن الشعر فاعل في المجتمع الذي يعاني من صنوف الحرمان والقهر والعدوان؟

فكيف يستذوق الشعر مَن يطارد لقمة عيشه؟

كيف يستمع للشعر مَن يكتم أنفاسه الحر الشديد، ويرهقه عناء يومه المبيد؟

ما أكثر الشعراء، وأقل الشعر، وغياب رواده ومتلقيه.

الشعر بأنواعه بضاعة كاسدة!!

سيزعل الكثيرون من الذين يسمون أنفسهم بالشعراء، فهل وجدتم مجتمعا صنعه الشعراء؟

هل علمتم بشعب أسس قوته الشعراء؟

الشعر سلوك أضعف الإيمان!!

وفي زمننا المعاصر القوة للعلم، وأي مجتمع يتكاثر فيه الشعراء، يعبر عن إنحرافات فكرية مدمرة للحاضر والمستقبل.

فما قيمة ألف شاعر، أمام عالِم واحد مبدع ومبتكر لأدوات القوة والرقاء؟

القوة تكنولوجية وليست شعرية!!

نعم الشعر يبقى ويدوم لأنه لسان حال مشاعر وعواطف وإنفعالات، وأفكار تبحث عن مأوى لتكون، لكنه لن يؤمّن من خوف ولا يُطعم من جوع.

ويبدو أن عدد الشعراء يتناسب طرديا مع ضعف المجتمعات.

الكل شعراء، وهم في غياهب الهوان والتبعية والرمزية والغموض والإيروتيكية يعمهون، وبلسان الدجل والخيال المنمق يتكلمون، ويمدحون الكراسي، ويسبّحون بنعمة الثناء المنافق الذي يدر مالا وجاها إلى حين، وما أكثر الوجوه الكالحة الناطقة بالكذب المبين.

العلاقة بين الشعر والعلم إعتمادية، فإذا مات العلم في المجتمع فاقرأ السلام على الشعر، ولا تقل أنها الحداثة وما قبلها وما بعدها، فهذا محض إفتراء وإنزواء.

فاستحضروا العلم لينهض الشعر!!

فلا شعر دون علم منير!!

***

د. صادق السامرائي

 

قبل ما يقارب السبعين عاماً تقدم الفتى النحيل لدخول معهد الفنون، لم يكن يرغب أن يصبح ممثلاً، فقد جرب ذات يوم أن يمثل دور عنترة في إحدى المسرحيات المدرسية، فأثار سخرية الطلبة والمعلمين، كيف لفتى يملك ذراعين نحيليين أن يصرع وحوش الصحراء؟، ولأنه عمل في النجارة وجد أن النحت أقرب إليه بعد أن سحره طين جواد سليم وأخشاب محمد غني حكمت وصخور خالد الرحال، في المعهد نبهه المعلم الشاب آنذاك وجيه عبد الغني إلى أن مكانه الحقيقي على المسرح وليس مع الطين، وكان صاحبنا يرغب بأن يصبح نحاتاً بعد فشله في الجلوس على حصان فارس بني عبس، إلا أن وجهه الذي كان أقرب إلى وجه الصبي المشاغب دفع أسعد عبد الرزاق بأن يقنعه للانضمام إلى فرقة 14 تموز التي تشكلت في ذللك الوقت، هناك اكتشف أعضاء الفرقة أن هذا النحات يذهل الجميع بقفشاته الكوميدية وبتلقائيته التي تخفي وراءها طاقة تمثيلية ساحرة، وتشاء المقادير أن يحط خريج كلية الآداب سليم البصري رحاله في فرقة 14 تموز ليقنعهم بتقديم تمثيلية أسبوعية تحت عنوان " تحت موس الحلاق " وليجد في حمودي الحارثي رفيقاً مخلصاً سوف يعمل صبياً في محل حلاقة الحاج راضي . وهكذا قرر أن يكون " عبوسي " وقرر الاثنان أن ينسيانا نحن المتفرجين أننا نجلس أمام شاشة التلفزيون، فأخذانا لنجلس معهما، يتشاجران فننصت لهما، يغضب الحاج راضي فتذهب أنظارنا إليه، يضحك عبوسي، فتنطلق ضحكات العراقيين مجلجلة.

ليس هناك من اسم لامع في الكوميديا العراقية استطاع أن ينافس مقالب عبوسي وتقلبات الحاج راضي وحكمته الدفينة، أو أي اسم آخر يخطر لك. لذا، سوف يخطر ببالك ايها المواطن أن هذين الممثلين صنعا ثروة كبيرة . لكن سليم البصري عاش سنواته الأخيرة يشكو من العوز وعقوق الفن ليموت بحسرته، فيما لم يجد حمودي الحارثي أرضا تأويه غير لجوء إنساني في هولندا، ومصحة لكبار السن ترعاه في آخر أيام حياته، في الوقت الذي أخبرنا فيه كبير رجال كوميديا العصر الحديث نور زهير أن الثلاثة مليارات التي نهبها ليست ملكاً للدولة، فقد ظهر نور زهير في حلقة كوميدية جديدة يتجول بمكان فخم بكامل الأناقة، يطلب منا نحن جماعة " عبوسي " ان نصمت، لاننا لانعرف الحقيقة التي تقول ان هذا زمن الشطار والعياريين

ايها السادة ونحن نرثي حمود الحارثي ندرك جيدا ان ما يجري في بلاد الرافدين تجاوز حلقات " تحت موس الحلاق "  ففي اللحظة التي ظهور فيها نور زهير، كان هناك عراقي آخر يغادر عالمنا مثلما ولدته أمه، لا مال ولا عقار، ولا قصور في شارع الأميرات.

***

علي حسين

 

(من وحي صورةٍ لمحتها عن عجوزٍ غربيةٍ ،وإذ كانت تُشعلُ سيجارتها من لهب شمعة كعكعة ميلادها المائة)

مائةُ عامٍ ، وكَفُّ هِذِي الخالة بِتمرّدٍ يشعلُ السيجار في كلِّ حينٍ وحالْ.. ألهِبي السِّيجارَ ياخالة، وأسْهِبي يا ذاتَ خَدٍّ مُتَوَرِّدٍ ولا تُبالي بقيلٍ وقالْ..

دَخَّنَي، فيا ليتَ لي مثل ما أوتيتِ من حلاوةِ الأقوالٍ ومن طراوةٍ في أفعالْ.. أنا يا خويلةَ، وكلمّا أشعلتُ سيجاراً لأُكنسَ ما ارتكسَ من الغمِّ في البالْ... إحتبسَ شعب العراق عن بكرةِ أبيهِ، موبِّخاً لي أو ناصحاً بتَنطُّعٍ أو بتَعالْ.. ويكأنَّ بني قومي لا يشهقونَ إلّا مما في سُويسرا من"أوكسجينَ" الجبالْ.. ويكأنَّهمُ لا يُطعَمونَ إلا سُعراتٍ مُقَدَّرةً بمقاديرَ طبيةٍ موزونةً بمكيالْ.. ويحهم! ما بالُهم حاشدينَ وراشدينَ لي بنصحٍ كأنِّي مجرمٌ بينهم أو محتالْ.. ومن قبلُ كان النصحُ منهمراً من الأقربين من جيرانٍ ومن أعمام وأخوالْ.. ويكأنَّهمُ الهداةُ المَهديونَ على ظهرها، والمنقذونَ من نتانةِ التبغِ باستئصالْ.. فتراهمُ يرمقونيَ كلمّا رأوني وكأنّني لهم نذيرُ شؤمٍ، أو غرابٌ عليهمُ قد نطَّ ومَالْ..83 ali

ثمَّ تراهمُ يسلقوني بلسانِ لقمانِ الحكيم، أو بيبانِ العليم الفهيمِ الدالْ:

"أرمِ من يدك يا هيكلاً ذا خبالْ، لفافةَ سَرطانٍ ذاتَ أعلالٍ وإعطالْ . لا ريبَ أنَّكَ ستموتُ ناقصَ عمر كأسدٍ عُتيٍّ منفيٍّ بإضمحلالْ. وحمداً للهِ، وبهِ نعوذُ مما إبتلاكَ به من أهوالٍ باختلالْ".

ويح أذني وما سَمعت من قيلٍ قد صالَ في صيوانِها وجالْ...

إنَّهم يقولونَ؛ "نعوذُ باللهِ مما إبتلاكَ به من أهوالٍ باختلالْ"!

أفحقَّاً يعوذونَ بالله منّي وأنا أخوهم صبوحُ الوجهِ طيِّبُ الإستقبالْ..

لعلَّ مصافحتي لأيديهم هي "جُنابةٌ" يُهرَعونَ من فورهم بعدَها لأغتسالْ؟

لعلَّهم يظنُّونَ بيَ أنيَ أنا الذي مَحقتُ "هيروشيما" و"وناكازاكي" باحتلالْ..

يا لسخريةِ الدهرِ وما آلَ إليهِ من مآل!

إنَّ (غثوانَ إكزوز) و(علوانَ القهوجي) وإخوانهما في الصنعةِ والمثالْ..

يستنكفونَ من مجالستي لأجلِ سيجارتي ذي النَّعناعِ والتفاحِ والبرتقالْ..

أدخَّانُ سيجارتي الصَّامتِ خيرُ يا"غثوانَ" أم دخانُ"إكزوزكَ" ذو الموَّالْ ؟

أم تظنُّ يا"علوانَ" أنيَ إبليسُ المُفسِدُ للبيئةِ في البرِّ والبحرِ القابعُ في التلالْ!

أم أنا يا غثوانَ ويا علوانَ دون ذلك من أشكالٍ وإشكالْ؟

لعلَّكَ يا "غثوانَ إكزوز" ظننتَ نفسَكَ أنّكَ موسيقارُ الأجيالْ!

"محمدُ عبد الوهاب" المهووسُ بالنّظافةِ، ذي الطَّربوشِ والبنطالْ!

لا أخالكم ترتضونَ ذلكَ من (غثوانَ إكزوز)، ألا يا أيُّها المُدَخنونَ الأبطالْ؟

(وإنَّما غَثوانُ؛ هو فنِّيٌ يقومُ فجراً وحتى المغيب بلحامِ الثقوبِ في أنابيبِ العادم "الإكزوز Exhaust system" للآلياتِ الثقيلةِ والخفيفة، ورُغمَ أنَّهُ يعبسُ من سيجارتي ولو كنتُ بعيداً عنهُ بأميالْ، لكنّي أشهدُ إنهُ رجلٌ طيّبٌ مُتقنٌ لصنعتهِ وغيرُ حَيَّالْ، في ذا دهرٍ يستوفي على النَّاسِ إن اكتالْ، ولاصبغةَ لهُ إلّا الغشُّ والفذلكةُ والإحتيالْ).

[التدخينُ مضر بالصحة ننصحكَ بالإمتناع عنه].

***

علي الجنابي

 

"أعذب الشعر أكذبه"، لا يُعرف تماما مَن قائلها، لكنها عبارة دارجة تقود الوعي عبر الأجيال، وتحسب الكذب من ضرورات الشعر.

وتجسد الكذب في المديح والفخر، ووصل ذروته وتجاوز حدود المعقول، بمسافات ضوئية، إبتداءً بعمرو بن كلثوم، ومَن بَعده، كالبحتري والمتنبي، وغيرهم وصولا إلى عصرنا، الذي تكاثرت فيه أبواق التمجيد والتعظيم لمراكز السلطة والقرار.

يقول إبن هاني الأندلسي، مادحا المعز الفاطمي:

"ما شئت لا ما شاءت الأقدار.. فاحكم فأنت الواحد القهار"!!

فهل يوجد أوضح من هذا النفاق، والكذب الصريح، الذي يحوّل الشعر إلى سلعة للتكسب والإتجار والمزايدة والمبالغة والإستجداء.

والكذب له مسوغاته ومحفزاته التي تطرح سؤال: لماذا المتسلطون على الآخرين يريدون المديح الكاذب؟

ومن المديح الفاضح:

"إذا رفعت إمرءاً فالله رافعه...ومَن وضعتَ من الأقوام متضع"!!

"أنت الذي تنزل الأيام منزلها...وتنقل الدهر من حال إلى حال "!!

يكذب الشعراء لأنهم يأتون بما لا تقبله الأفهام والذوق السليم، ومنهم المروّجون  للأكاذيب والنفاق، وبواسطتهم تهون مآثم السلاطين.

 وبرغم تطور وسائل الإعلام المعاصرة، فلا يزال الشعراء أبواق تصدح بمديح ذوي الكراسي المتنفذين في الأوطان، وهم يتكسبون وينالون مآربهم الدنيوية، وأشهرهم مَن يكون قريبا من الحكام، لأن وسائل الإعلام ستسوقهم على أنهم الأوحدون والنابغون، وجهابذة البديع والكلام.

فالكذب مائدة الأقلام، ومرتع للكسب والإغتنام، وبالتكرار إمام!!

***

د. صادق السامرائي

الحقيقة التي في تقديري لا يختلف عليها اثنان هي اننا في العراق نعيش وضعا غير مسبوق وأشبه ما يكون بلوحة سريالية فيها من الغرائبية والتناقضات ما يشغل العقل ويدمي القلب، فالعراق من البلدان الغنية وقد حل في المرتبة 117 عالميا، و11 عربيا ضمن قائمة " أغنى دول العالم " ولكنه في نفس الوقت وبحسب بيانات وزارة التخطيط، يوجد حوالي 25% من سكان العراق يعيشون تحت خط الفقر وهو ما يشكل أكثر من 10 ملايين مواطن اذا اعتبرنا أن مجموع السكان 43 مليون نسمة وهذه نسبة كبيرة لا تجدها في عدد من الدول التي لا تمتلك الموارد الطبيعية التي يمتلكها العراق علاوة على ارتفاع معدلات البطالة إلى 16.5% مع بداية عام 2024، والعراق ايضا من أول البلدان التي عرفت الكتابة قبل آلاف السنين على يد السومريين وخلفت إرثا معرفيا وثقافيا تغنت به بلدان المعمورة أجمع كما كان يمتلك منظومة تعليمية متطورة بشهادة اليونسكو غير أنه يطالعك اليوم بوجه آخر مختلف تتفاقم فيه الأمية لتصل إلى نسبة مخيفة حيث أعلنت وزارة التخطيط العراقية بوجود نحو 6 ملايين عراقي غير متعلمين، وعلى الرغم من امتلاك العراق أجهزة أمنية متعددة وبأعداد كبيرة من المنتسبين الا ان مرتبة العراق في معدلات الجريمة بين دول العالم هي 72 عالميا وتاسعا عربيا وقد بلغ مؤشر الأمان فيه 53.9%، أما على صعيد التدين فالعراق يكاد يكون من الدول المتميزة في انتشار مظاهر التدين واضرحة الصالحين وفي ممارسات الطقوس الدينية بحماس منقطع النظير الا ان هذا الالتزام لم ينعكس على مستوى الجريمة في المجتمع ولم يحد من تفاقم الفساد على الصعيدين الرسمي والشعبي كما لم يمنع من ظهور حركات متطرفة وعقائد منحرفة، أما عن أزمة السكن فالعراق على الرغم من الوفرة المالية المتأتية من صادرات النفط الا انه يشهد أزمة سكن منذ عدة عقود نتيجة عدم وجود مشاريع كبيرة تلبي حاجة المواطنين من السكن، وهذه المشكلة أدت الى انتشار العشوائيات وكذلك التجاوزات الكبيرة على مساحات واسعة من أراضي الدولة وبالتالي فان هذا التلكؤ في  تقديم الخدمات لا يعكس حجم الميزانيات المالية الضخمة المخصصة للأعمار خصوصا في المحافظات الوسطى والجنوبية، لذا فأننا امام هذه اللوحة المدهشة بتفاصيلها وتناقضاتها الغريبة التي طال وقوفنا امامها عقدين من الزمن نتساءل ونحتاج الى مصارحة وشجاعة لتعيين المتسبب في هذا المشهد القاتم، هل المشكلة في الشعب ام في الاحتلال ام ان المشكلة تكمن كما يقول الصحفي المصري الساخر " جلال عامر" (ان الموكل اليهم حل مشكلة الوطن هم المشكلة)؟.

***

ثامر الحاج امين

الأشياء المتحركة يتحرك ما فيها، ومنها الأرض الدائبة الدوران، وبموجب ذلك فأنها موجود يتحرك ما فيه.

كما أنها تقبض على نار متأججة، فقلبها سقر، وبسبب النيران اللهابة، فأنها تولد ضغطا هائلا يدفع إلى مزيد من الحركة الداخلية، وهذا الضغط يؤدي لإنبثاقات هائلة في المناطق الرخوة وتسمى بالبراكين، التي تنفث حمم النيران.

والأرض ثلاثة أرباعها ماء، ومعظم ما يتفجر فيها يكون تحت سطح المياه، وربع نشاطاتها تظهر على اليابسة.

والأرض موجود مرتعش مرعوب في الكون الفسيح، وإرتعاشها الدائم أقل من أربعة درجات على مقياس رختر فلا نستشعره، وعندما يتجاوز ذلك نشعر به، وبتزايد درجاته تظهر آثاره كزلازل ذات أضرار متنوعة.

ولا تستثنى بقعة أرضية من الحركة والإرتعاش، فالهزات تتواصل، وشدتها تتباين، ووفقا لذلك تمضي في دورانها، فربما تكون نظرية زحزحة القارات صائبة، لأن الإنفجارات الداخلية في قلب الأرض تسببت بتباعد أجزائها وحلول الماء فيها.

والحقيقة  أن الأرض بحركتها تأكل ما عليها وتعيد تصنيع ما فيها، وكأنها تسأم من الثبات وتميل للتجدد المتواصل، فما دامت تتحرك فعليها أن تغير وتتغير.

وللأرض سلوكها وطبائعها، وعندما يتدخل الإنسان في جغرافيتها ويعيق مساراتها، ويحاول تشويه منحدراتها وإيقاعات الإهتزازات الجارية على ظهرها، فأنه يؤهلها للإنتقام وإعادة ترتيب كيانها، وفقا لما يساهم بديمومتها والحفاظ على سلامة الحياة في وعائها الحاضن.

والأرض ذات توازنات دقيقة لا تقبل التفاعلات المغفلة، وأي محاولة جاهلة للنيل من معادلاتها الحركية وتفاعلاتها المائية والنارية، سينجم عنه ما لا يحطر على بال من الإستجابات الجيولوجية الرامية إلى إعادة التوازن وتأمين الإطمئنان الكوني.

فالأرض كائن قلق على مصيره، وموسوس بالحفاظ على دورانه السليم الذي يدرأ الأهوال عنه.

فهل نعرف أمنا الآرض، أم أن جهلنا بها سيدفعها إلى التخلص منا؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في هذة الحقبة الزمنية في الوقت الحاضر، أن تكون إِنسَانًا في زمن الرأسمالية المتوحشة والأقنعة المزيفة، واشباه رجال من لصوص وفهلوة وصعود الرعاع وحمقي يديرون المشهد  هذه جريمة كاملة الآركان في هذا الزمن ان يولد الإنسان إِنسَانًا، سيكلفك الكثير والكثير في مجتمع الذئاب، لقد أصبح الإنسان وسط البشر يخاف قول الحق ورفع كلمته، او الحديث سوف يَتهمُ بالجنون ويحاصر من طابور ألتراس المنافقون علي شبكات التواصل الاجتماعي.

ويخجل من فعل مايفعلون ليس لأنه خجول ولديةحياءٌ، لا لكنه إنساني جدًّا حقيقي جدًّا،، كيف لا وهم يحترمون من يُعنفهُمْ ويُمجدُونَ الخبيثَ والنصاب والمُحتالُ وسارِقُ الأرضِ والوطن والتاريخ، ويسمونه بالذكي، ويحتقرون الفقير المتواضع حتى لو كان يمتلك (كنوز الحكمة والحقيقة) البشر في زمن الرأسمالية المتوحشة، يقتلون ويشردون جماعات وقبائل وعوائل وافراد من اجل المال،، إن حوادث الشعوذة والسحر من ذبح اطفال علي قبور وأماكن أثرية من اجل الوهم لاستخراج أثار من اجل المال جريمة شنعاء، ياقارئي لا ترج مني الطرب لاترج مني الهمس حسبي والنار أولها غضب،،   نحن في زمن البشر يستهلكون ولا يفكرون.، المثقف والمفكر والعالم والفقير ليس لهم في عالم الذئاب مكان، نحن في زمن التفاهة والفرجة، "زمن السنيورة" سوسو وشوشو وفوفو " نزلت بوست منقول ودار علي كل الصفحات، او غيرت البروفيل علي صفحتها انقلب الفيسبوك واعلِنت حالة الطوارئ وتصارع التراس الفيس بالتهنئة والمدح والبركات وتجمع اهل النفاق والعهر الاجتماعي وتصارعوا في حشد كبير يتزعمهم الملك (آحا) في التعليقات، ولكن لآني لدي قصر حاد في البصر اعتقدت ان القدس رجعت.

أعجبتني نصائح الكاتب الانجليزي {شكسبير}حين قال:

لا تطلب قرب أحد..

‏ولا تنتظر عطفًا من أحد..

‏ولا تعش لغيرك؛ فنفسك أولى..

‏ولا تربط سعادتك بأشخاص أو بأشياء..

‏اصنع لنفسك وطنًا؛ كي لا تغترب

 بفراق أحد؛ فلا يوجد هنالك شخص

قادم من السماء لينير عتمتك..

‏كن أنت النور لنفسك..

‏أنت من يتقن إسعاد روحك،

وترتيبها من جديد بعد شتات..

‏لذا كن لنفسك كل شيء. اي دين دينكم. ابتلينا بكم في زمن المسخ..!! يوميات كاتب في الآرياف..

***

محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث مصري

 

في الوقت الذي تشتد فيه جبهات الرفض لتعديل قانون الأحوال المدنية الرقم 188 من العام 1959 وهو العام بدأت فيه الجمهورية بعد انطلااقها في 14 تموز من العام 1958 الناشئة لتأسيس مجتمع مدني قائم على الحق والعدل بين الجنسين وتكريس المساواة في الأحوال المدنية من زواج وطلاق مع احترامها لكل المذاهب والأديان، بل ان هذا القانون جاء كخلاصة مركزة واحترام لكل ما ورد في الأديان من أجل التأسيس لأسرة صالحة قوامها عند الاختلاف هو القانون المدني وإعطاء كل حق حقه عند حالات الفرقة الاضطراري وكما هو الزواج امساك بعرفان والطلاق تسريح بعرفان كما ورد في النصوص الدينية دون عبث واضطهاد لأطراف العلاقة، والدولة والقانون باعتبارهما الحكم الذي لا يمكن تجاوزهما لضمان فرقة مؤدبة وبأستحقاقات انسانية.

وهذا يجري لحد علمنا انسجاما مع لائحة حقوق الأنسان الذي شرعنته الأمم المتحدة والذي نص على احترام حقوق المرأة في مساواتها مع الرجل في قضايا الأرث والحضانة بعيدا عن الاجتهاد العبثي ودون وصاية وألتفاف من قبل دعاة المذهب والدين لأستغلال ضعف المرأة المكتسب بفعل عوامل القهر الأجتماعي.

وفي بعض ما يجري من تحايل على حقوق المرأة من قبل مضطهديها هو إجراء استبيانات لجر وتشويه الرأي العام حول ابداء الرأي حول تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 للعام 1958، مثل هكذا قضايا انسانية تتعلق بالمساواة بين الجنسين لا يمكن ابدا حسمها في استبيانات مشوهة تفتقد إلى المنطقية والواقعية فهي على نسق هل انت مع الأبادة الجماعية وهل انت من أنصار الجنس الأبيض او الأسمر هكذا اسئلة مرفوضة من أساسها البنائي المخالف للقيم الأنسانية وبالتالي لا تحل بالإجابة بنعم أو لا، بل بالرفض المطلق لتعارضها مع قيم العيش المشترك لكل التنوعات الجنسية والعرقية والأثنية.

والأستبيان بأعتباره احدى ادوات البحث العلمي، وهي تتكون من مجموعة من الأسئلة وغيرها من اوجه طلب المعلومات في القضايا ذات الصلة بالعديد من المشكلات الميدانية ذات الخلااف لتبيان الرأي فيها ولكن ليست في الموضوعات ذات الصلة الأنسانية بمصير الوحدات الأنسانية حيث الخلاف قد حسم فيها وغير قابلة للأجتهاد كمثل الطلاق والزواج والمساواة بين الشريكيين، ولا يمكن اثارة الأختلاف في قضايا ذات بعد انساني محسوم بفعل تعقد ظروف الحياة وان الأختلاف بين الجنسين هو اختلاف في الخلق وليست في الحقوق، فهناك ادوار مناطة بكلا الجنسيين استنادا الى البنية التشريحية والفسيولوجية والنفسية وليست اختلافات قهرية تقسم الظهر بل هي اختلافات تستند الى البنية النفسية والهرمونية لكلا الجنسين والاساس بينهما هم العدل والمساواة، فهذه الأستبيانات التي ترسل من صفحات النت هي مظللة في جوهرها الأجتماعي وتعكس ثقافة المجتمع الذكوري الذي يرغب في انتزاع الشرعية من الأمومة كما يرغب في الهميمنة الذكورية على مصير المرأة الضحية.

الكثير من هذه الأستبيانات مظلل وذو اجندة متخلفة يتحايل على مؤسسات البحث العلمي لأضفاء على نفسه الشرعية لآغتصاب حقوق المرأة من خلال الأستعانة ببعض المؤسسات البحثية لأستمالة الرأي العام وتشويه فلسفة الحق والجمال والمساواة بين الجنسيين، ويلعب هنا الأسلام السياسي دورا خبيثا لتمرير اجندته في الحط من مكانة المرأة واعتبارها مشرووع متعة لا غير وتسهيل عملية استلابها كمربية وأم وحاضنة للطفولة.

الأصل في المؤسسات البحثية الراقية والمعتمدة ممنوع عمل هكذا استبيان لأنه متعلق بحقوق الأنسان كمسلمات ولا يجوز العبث في المسلمات فالأجتهاد هنا هو لتسويق خطاب مريض الهدف منه حرف الأنظار عن ما يجري من صراعات بين قوى التقدم المدني والقوى الأسلاموية ذات الطابع المعادي للأنوثة.

ما نحتاجه الآن هو ليست اجراء استبيانات تجيب على" هل انت مع تعديل قانون الأحوال المدنية أم لا " بل ما نحتاجه هو حملات توعية اجتماعية وثقافية وسياسية لتكريس مفهوم المساواة بين الجنسين في كل المجالات،  وليست الى حملات تظليل للرأي العام الهدف منها شرعنة وسلب حقوق المرأة المدنية من خلال فرض التعديلات المجحفة على قانون الأحوال المدنية الصادر في العام 1959 والمرقم 188 والمعمول به لحد الآن.

***

د. عامر صالح

 

لقد استطاع الكثير من الشعوب وخصوصا الأوربية منها أن تسبقنا أشواطا من التقدم والمعرفة والفكر والنظم الاجتماعية بغض النظر عن الكثير من السلبيات المجتمعية التي ترافق حياتهم اليومية التي يؤخذ عليها المجتمع الغربي الأخلاقي والسلوكي بعدما كانت تلك الشعوب تقبع في دهاليز الظلام والتخلف والفوضى لكن استطاعت بعد عدة قرون من النهوض بواقعها حين اكتشفت السبل الصحيحة في تسلق سلم الحضارة والتقدم وأخذت بيد مواطنيها والمجتمع ورتبت أوراقها مع ذاتها ومع غيرها من الشعوب ونبذت كل ما يقف عثرت في تقدمها وجعلت تأريخها المظلم وراء ظهرها وجعلته ماض لا رجعت إليه إلا العبرة عكس الشعوب العربية صاحبة الحضارة الموغلة في القدم لقيادة العالم في زمن من الأزمان وكان لهذا التاريخ العربي اشراقات فكرية وعلمية سادت فيها العالم لكن نلاحظ الآن الفارق الكبير بيننا وبين تلك الشعوب الغربية ومدى الفارق من التقدم وهذا ناتج أننا بقينا نتغنى ونطرب على أنقاض الماضي السحيق وأطلاله وبقيت حضارتنا كتبا على الرفوف يعلوها غبار الزمن والإهمال وعلى لسان مريدي نوادينا الثقافية والعلمية بدون تفكر وتمعن وتطور وما زالت ذكريات الماضي وحنينه قابعة في أذهان طلابنا ومثقفينا منها 0( السومرية والبابلية والآشورية والإسلامية ) بدون ترجمتها على أرض الواقع للنهوض بأجيالنا بعدما أصبح العالم قرية واحدة بفضل تقنياته ومواقع التواصل بين الشعوب .

أما حين النظر إلى الفارق الكبير بين ما يقال عن حضارتنا العربية القديمة وتقدمها على شعوب العالم آنذاك مع واقعنا المتردي في كل شيء والأفكار المنحرفة الكثيرة التي تسحب أجيالنا نحو مستنقع التخلف يتبادر إلى الأذهان كثيرا من  التساؤلات والتشكيك فيما يُقال عن حضارتنا أن كانت الحضارة حقيقية فأين مؤلفاتها الخطية وهل صحيح ما يُقال عن كنوز مدينة أور التاريخية وبطون أراضيها من حضارة مدفونة وما يُشاع عن حضارة أبو الهول وكنوزه المعرفية التي تقبع داخله وحضارة الفراعنة في مصر وأسرار الأهرامات ودفائن بعض مدن الشام ولماذا لا يتاح لشعوب هذه المناطق دراستها ومعرفتها عن كثب من قبل علماء العرب والعقول العربية المنتشرة في جامعات العالم ولماذا لا تسعى الحكومات العربية لاسترداد حضارتها المنتشرة في خزائن الغرب كونها موروث معرفي وعلمي للأجيال الحالية والقادمة كل هذه التساؤلات المشروعة والتي عليها علامات استفهام كثيرة نضعها على طاولة النقاش المعرفي الجاد لمعرفة الحقيقة وأبعادها عن الوهم والخيال ليتسنى للأجيال القادمة دراستها والنهوض بها نحو التقدم ومواصلة التطور والإضافة من قبل باحثينا وعلمائنا وأخرجها من دائرة الشك والتشكيك بصحتها وخصوصا بين الحين والآخر تظهر لنا معلومات خبرية عن كتب أو خزائن أو دفائن ومخطوطات علمية قديمة في الغرب عن حضارتنا والكثير منها في بلدان العالم حصرا لا يمكن للعرب من الاطلاع عليها مهما كان ومن هنا نطالب بموقف جاد ومسئول من المعنيين في التحرك للتواصل مع العالم لاستعادة هذه الثروة العلمية وأعادتها إلى جذورها العربية.

***

ضياء محسن الاسدي

 

فتى من أقاربي نقلت عنه لي طرفة قبل عدة سنوات تتعلق بوضعه في المدرسة فأحببت ان اسمعها منه بالذات..وفي أحد الأيام مرَّ سجاد لأمر ما الى بيتي وعندما تقابلت عيوننا تذكرت في الحال تلك الطرفه، فقلت لسجاد: سجاد.. أحكي لي ماذا سألتك معلمة الإسلامية وماذا كان جوابك.. ؟

قال: خالي آنا أداوم مسائي وعدنا امتحان اسلاميه شفهي، من وصلني السرا طلبت مني المعلمه قراءة سورة الكوثر، ما عرفت، قالت: اقرأ أي سورة من القرآن تحفظها.. ولكن كيف لي ذلك وانا لا أحفظ منه شيئاً.. ! فقلت لها: ست آنا زين بالفهم مو بالدرخ اسأليني سؤال فهم..  قالت: حسناً يا سجاد قل لي: ماذا كان يفعل الفرعون بالناس.. ؟ قلت لها: ست چان يكتل الفحلّه ويخلي النثايا.. !-"يقتل الذكور ويترك الأناث".

المعلمه صرخت بوجهي مهتاجةً: إي مو چان مطيرچي أبيت الخلفوك.. ! وطردتني وحطتلي صفر.. ! بس جوابي صحيح وعلى أثرها بطلت من المدرسه..  فأضحكني سجاد حتى اخضلت عيناي..

ولأنه يقال: "ثلثين الولد من خاله".. فأنا ايضاً أفتقر الى ملكة "الدرخ" ورغم تذوقي الشعر منذ نعومة أظفاري ومنذ نعومة أظفاري حاولت وباستمرار تنمية ملكة الحفظ عندي ولكن لم أفلح حتى أني عندما أحاول حفظ القصائد المطلوبة في المنهاج المدرسي لغرض الامتحان أخرج للحقول واتأكد من عدم وجود أناس يسمعوني واتحفى "أخلع نعالي" وأدس بعض من دشداشتي في سروالي واتوكل وعندما يضنيني حفظها كنت أستنبط ألحاناً لها من عندياتي وأغنيها بصوت عالٍ فذلك يساعدني على حفظها ومن اطول القصائد التي حفظتها بالاستعانة بطريقتي المبتكرة هذه هي قصيدة: مطر.. مطر للسياب فقد كان ايقاعها راقص أو لأني ابتكرت لها إيقاعاً راقصاً من عندياتي: " تتثائب السماء والغيوم ما تزال.. تسح ما تسح من دموعها الثقال، كأن طفلاً بات يهذي قبل أن ينام.. بأن أمه التي أفاق منذ عام، ولم يجدها فحين لج في السؤال.. قالوا له بعد غد تعود.. لابد أن تعود".  أما بقية الأشعار فأتذوقها.. ؟ نعم، أتفاعل معها.. ؟ نعم، استوعب واحفظ الصورة.. ؟ نعم، ولكن أن أحفظ القصيدة بكاملها.. ؟ فذاك خارج طاقتي على "الدرخ"، فأنا أقول مثلاً:

 الخيل والليل والبيداء تعرفني_ والسيف والرمح والقرطاس والقلمً.

أنام ملأ جفوني عن شواردها-ويختلف الخلق جراها ويختصم.

وأقول أيضا: نامي جياع الشعب نامي- حرستك آلهة الطعام.

نامي فإن لم تشبعي فمن عسل الوعود مداف في كلام.

وأقول: سقف بيتي حديد ركن بيتي حجر_ فأقصفي يا رعود واهطل يا مطر.

وأقول: لا تسقني كأس الحياة بذلة –بل فاسقني كأس العز ولو بالحنظل.

أي نعم.. بيت بيتين، لكن كامل القصيدة.. ؟ فذاك خارج نطاق امكانات ملكتي على الحفظ، وطبعاً البيت الذي أحفظه أعرف الشاعر وأخصه وأكَصَّه فالأمثلة في أعلاه للمتنبي والجواهري والفيتوري وعنتره.

هذا عن الشعر أما عن حفظ القرآن فأنا أيضاً على منهج ابن أختي سجاد في هذا الميدان ايضا، فأنا رجل فهم مو رجل درخ، أفهم الآية وأتدبرها ولكن قضية أن احفظ: "لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين"، الأولى قبل الثانيه أم الثانية قبل الأولى.. ؟ فذاك خارج حدود ملكتي على الدرخ.. ولذلك الجأ الى قول: "ما معناه".

في سن البلوغ لا  أتذكر كم كان عمري يبلغ بالسنوات ولكن المؤكد أني بالغ والدليل وجود  شعيرات في ابطي وهذه من علامات بلوغ  الذكر عند المذهب الجعفري..  وقعت في حب صبية من الجيران لا استطيع تحديد عمرها بالضبط ولكن المؤكد انها في سن البلوغ أيضاً، فقد كانت رمانتي صدرها بائنة نوعما وهذه من علامات البلوغ عند الأنثى في المذهب الجعفري أيضاً، وكنت أريد التغزل بها شعراً فحاولت وحاولت وحاولت لكني عجزت.

وكم كان عميقاً وغائراً ذلك الأثر الذي تسبب فيه إخفاقي بنظم الشعر في نفسي منذ مرحلة بلوغي المبكرة حتى اليوم..

لكن اليوم واليوم بالذات وبعد إن شارفت تصفيات تنقيح الشعراء من منهم الذي تورط في مدح صدام فاستحق الازدراء ومن منهم الذي لم يفعل فرفع شارة النصر محتفلاً، وجدت أن الشعراء في مدحهم لصدام أصناف:

 منهم الثيب: وهؤلاء مؤدلجون مؤمنون بما يقولون وإن طغى القول وبلغ مديات منفرة فلا تثريب عليهم، مثل شفيق الكمالي القائل:

تبارك وجهك القدسي فينا كوجه الله.

وقوله:

 لولاكَ ما كان العراقيون معدودين في جنس البشر.

وعبد الرزاق عبد الواحد القائل:

 "فيا أيها الوتر في الخالدين.. فرداً إلى اليوم لم يشفع".

وغير هؤلاء من شعراء أم المعارك وشعراء الرئيس وشعراء علي كيمياوي وعبد حمود.

 ومنهم الأبكار مثل الشاعر محمود البريكان الذي التزم الصمت،حتى ان عبد الرزاق عبد الواحد يقول عنه: "عجزنا، نحن اصدقاؤه، وعجزت وزارة الثقافة والاعلام عن ان تحصل من محمود على مجموعة شعرية له وتنشرها، رغم ما قدمت له من مغريات!".

ومنهم المتزنون: الذين مدحوا اشخاص وحكام لكنهم لم يتورطوا بمدح صدام وعدي مثل الجواهري الذي مرَّ بعمان في طريق عودته من القاهرة مارّا بدمشق فأُستقبل بحفاوة في عمان فألقى في عام 1992 أمام الملك حسين قصيدته:

يا سيدي اسعف فمي ليقولا     

    في عيد مولدك الجميل جميلا

*

يا أيها الملك الأجل مكانة       

    بين الملوك، ويا أعز قبيـلا

*

يا ابن الذين تنزلت ببيوتهم       

  سور الكتاب، ورتلت ترتيلا

فكان وقعها إن ترك الملك مكانه وخلافا للتقاليد صعد إلى المنصة لتقبيل الجواهري، وليس مثل ذلك الوضع البائس الذي يتفاخر به عبد الرزاق عبد الواحد من أن صدام أشعل له سيكارته من علبة ثقابه..

في حين أن الجواهري حاول معه صدام وابنه عدي ليحصلا منه على مديح لهما رغم أن الجواهري سبق ان مدح اشخاص حكام أو أن لهم صلة بالحكم مثل باسل ابن حافظ أسد ومحمد ابن احمد حسن البكر وقبلهم جميعاً عبد الكريم قاسم الذي قال فيه:

عبد الكريم وفي العراق خصاصة -  ليدِ، وقد كنتَ الكريمَ المحسِنا.

لكن الجواهري كان عصيا على صدام رغم الضغوط والإغراءات حتى فجرها بوجهه يوما:

لولاك يا ابن الخيس ما حل الخراب بأرضنا..

لولاك ما ذبحوا الولود من الوريد بارضنا..

لولاك ما عبث الطغاة بأرضنا وبعرضنا..

أنا.. من أنا.. سل دجلة سل نخيل بلادنا..

يا غادراً إن رمت يسألني أجيبك من أنا..

ومنهم مدعوا البكاره: هؤلاء أنكروا إن كانت عذريتهم قد خدشت بسوء ولكن من جراء التراشق الذي تواصل عنيفاً تارة وصاخباً أخرى على مدى شهر بتمامه وبعد إن فتحت الدواوين ومالوا على الصحف فنشرت، منها المزورة ومنها الحقيقية ظهر منهم من وصف صداماً بسليل الهواشم تارة، وآخر وصفه بـ: سيد النهرين تارة أخرى.. وغيرهم كثيرون ممن تمنوا في الراهن أن تكون لهم رقبة بعير فيستغرق القول مسافة أكبر في رحلته الى العلن.. 

عند هذه اللحظة بالذات حمدت الله واثنيت عليه لأنه عصمني من صنعة نظم الشعر فتنازعني على عذريتي، ومن ملكة "الدرخ" فأهجر بما لا أعي، ومكنني من قول ماذا كان يفعل الفرعون بالناس، "فهماً" وحسب بمخارج حروف واضحة ومتيقنة، فإن لم يعجب ذاك معلمتي فلتشرب من بحيرة ساوه..

***

د. موسى فرج

لم يكن الشيخ محمد رضا الشبيبي مجرد سيرة حافلة بالمواقف الوطنية، بل كتاباً غنياً لحقبة من الزمن الجميل، كان الشبيبي يريد دولة تقوم على العقل والأخلاق السياسية والاجتماعية وكرامة الإنسان، كان ذلك جيل الاجتهاد والبناء والذمة والخوف من محاسبة الضمير، جيل آمن بأن العراق لوحة كريستال جميلة، إذا فقد جزءاً منه فقد مبرر وجوده وتناثر.

أتذكر الشبيبي وانا اشاهد رجل دين يطلب من الناس أن تصمت أمام الفساد وسرقة المال العام، حيث خرج علينا السيد رشيد الحسيني في واحدة من خطبه ليقول بالحرف الواحد " أيهما أولى أن نعيش في فساد أم في الفوضى .. أيهما أولى الفساد خلي فساد، اليسرق خلي يسرق، بس آني أعرف وين أطلع وين أدخل، كيف أتعامل " وأتمنى أن لا يعتقد البعض أنني أتجنى على السيد الحسيني فالخطبة موجودة على اليوتيوب .. إذن يريد منا السيد الحسيني أن نرضى بالفساد، لأننا لو رفضنا ستحدث الفوضى، وان نرضى بما مقسوم،، فهذا وجسب راي الحسيني أفضل وأحسن من المجهول الذي لم يحذرنا منه .

هل اكتفى السيد رشيد الحسيني بذلك، بالتأكيد لا، فالرجل يشعر بالزهو عندما يقول إن زواج الشاب السني من الفتاة الشيعية لايجوز،.. ولم يكتف بذلك بل أخبرنا أن حديثه هذا غير طائفي .

ولأن السيد رشيد الحسيني منذور لمهمة إهانة العراقيين والسخرية منهم فقد خرج يشتم المعترضين على تعديلات قانون الأحوال الشخصية ويصفهم بأنهم :" لا قيمة لهم ولا تاريخ لهم، ولا دين لهم " والسيد الحسيني الذي يفترض به أن يختار ألفاظه بعناية وأن يكون نموذجاً للتسامج والمحبة، أصر أن يصف المختلفين معه بأنهم كفرة " لا دينيين "، وهم برأيه مجموعة من " الفاسدات والفاسدين " تخيل رجل دين يخوض بأعراض النساء . وذهب الامر بالسيد رشيد الحسيني الذي تصور نفسه حاكماً مطلقاً للعراق بأن هدد مجلس النواب : أما تقرّون التعديلات وإلا .

السيد الحسيني إن الخطاب الديني الحقيقي يفرض عليك أن تقرأ جيداً سيرة الإمام علي " ع "، وتتوقف عند قصته هذا الامام العظيم مع الحق والعدل، فقد كان معارضوه يتجاوزون عليه إلى حدّ شتمه فلا يبطش بهم ولا يمنع عنهم المال، لأنه يرى أنّ الخلاف أمر شخصي بينه وبينهم، وما بيده من حكم ليس سلطة يقاضي بها مخالفيه في الرأي، ولكنه يقاضي بها أعداء الناس والفاسدين، فمهمّته إقامة الحق ودفع الباطل، يقول لابن عباس: "هذه النعل أحب إلي من إمارتكم هذه، إلا أن أقيم حقًا أو أدفع باطلًا" .

***

علي حسين

 ليس الجمالُ بمئزرٍ

 فاعلمْ وإن رُدِّيتَ بُردا

*

إِنّ الجمالَ معادنٌ

 وَمَنَاقبٌ أَورَثنَ مَجدا

*

أَعددتُ للحَدَثانِ

 سابغةً وَعَدَّاءً عَلَندى

*

نَهداً وذا شُطَبٍ يَقُدُّ البَيضَ

 والأبدانَ قَدَّا

*

أُغني غَنَاء الذاهبينَ

 أُعَدُّ للأَعداءِ عَدَّا

***

وهكذا تكلمَ لسانُ أبي بحرفِ الأولينَ وهكذا تَبّدَّى، وكذا جرى عبقُ البيانِ في ذرف السابقين جَلدا، وكذلك سرى ألقُ المعاني في ترفِ عنان الأقدمين جِدَّا. وعجباً من فلقهم وكيف كان يتكلم في صبحٍ وحين المساء حَدَّا، وكلُّ امرئٍ منهم كان يجري إلى يوم الهِياجِ بما استعَدَّا، وكلُّ امرئٍ منهم كان بوجهِ الرَّدى يزأرُ ، وكانَ يتبوَّأ لأخيهِ بيدَيَّهِ لَحدا. ثمَّ...

خَلَفَ مِن بَعدِهم خَلفٌ ناعقٌ في ضحىً، وبعد العشاء لاعقٌ نهدا. خلفٌ...

على النومٍ عاقدٌ رَمْدا، وفي اليأسِ راقدٌ كَمْدا ، وللبأسِ فاقدٌ زرافاتٍ وفردا.

خلفٌ مافَتِئَ يزفرُ ببقيةٍ من زفيرٍ..

"ليك الواوا ، بوس الواوا ، خلي الواوا يصح"

ألا ليتَ الخلفَ غَنّوا غَنَاء الذاهبينَ للأَعداءِ نِدَّا،

*

ألا ليتَ الغناءَ فيهم كانَ بأضعفِ الإيمانِ وردا...

"سيبْ الوِزَّة ، ورُوحْ لغَزَّة ، وخَلِّي العِزَّة تَكُحْ"

ويحكَ عبطان!

أما مِن قائدٍ أمينٍ يُوقظنا نحنُ الخلف، ويَعدُّ علينا أنفاسَنا عدَّا.

أما من زعيمٍ كريمٍ يزجُرُنا بحزمٍ وقوةٍ فيردَّنا لإرثِ آبائنا ردَّا.

كلا ، لا قائدَ ولا زعيمَ يا عُليَّان ،ولا شروقَ يبدو في ذا أفقٍ فوق ذي كثبان.

أوتظنُّ ذلكَ يا عبطان؟

لعلكَ على حق عبطان، وإذاً فتعال يا عبطان وهلمَّ لندخل معاً دارَ ابن أبي "غوغل" الفتان، كي نقرأ القصيدة سوياً ونتمعنَ بما في مبانيها من معان، ولن نقرأ في غوغلَ (تحشيشاً) مضحكاً مُهان، لا ولن نقرأ تأويلاتِ قارئة الفنجان، ولن نتنفسَ تحت الماءَ فنغرقُ نغرقُ في الغثيان.  هلمَّ ياعبطان كي نفهم معانيها ونتعرف على الجمال الحق في أحسن تبيان، فذلك لنا هو خيرُ ، وذلك هو السمو في العنان ، وهو لنا أقومُ قيلاً من هلوساتِ الصبيان : " منور الفيس حبيبي أبو داليا الفنان " وهو أزكى لنا من غمسات الفلتان: : " ضيعت القلب ببيروت، وخلاص فاللي كان كان. ويا لدفء مافي بيروت من حنان باحتضان! " ، وإنّما الجمالُ يا عبطان هو كما تكرَّمَ الفارسُ العربي العدنان: عمرو بن معد يكرب الزبيدي وقال بأنفةٍ وعنفوان: إنَّ الجمالَ معادنٌ ، وَمَنَاقبٌ أَورَثنَ مَجدا، فهلم وتعالَ لنقرأ يا عبطان ـ فلربما قبسٌ من هذي قصيدةٍ قد يقدحُ بشررٍ في رمادِ أجسادِنا ويقدّها قدَّا.

***

علي الجنابي

.........................

الحدثان: الحوادث،

السابغة: الدرع الواسعة،

العداء: الفرس الكثير الجري،

العلندي: الغليظ الشديد من كل شيء .

يقول عمرو: هيأت لدفع الحوادث درعا واسعة وفرسا ضخما شديدا جيد الجري].

 

إستخف: حمله على الخفة والطيش، تجاهل، إستهان، إستهزأ، إحتقر، إستفز.

أسلوب لتدمير الشعوب والأمم، وتحويل المجتمعات إلى موجودات ضائعة مهانة، وفاقدة لقدرات التفاعل مع عصرها ووعيها لقدراتها الحضارية .

ويبدو أنها أعطت أكلها في مجتمعاتنا التي فعلت فيها على مدى القرن العشرين، ولا تزال في ذروتها الإستخفافية بكل ما يبدر منّا.

الإستخفاف سلوك بارز ومتوطن في ديارنا، ويشمل كافة ميادين الإبداع والنشاطات الأدبية والعلمية والسياسية، حتى تحولت مجتمعاتنا إلى كينونات معوقة تستجدي أعداءها لحمايتها من بعضها.

منابرنا الإعلامية يهيمن عليها الإستخفاف ، والتركيز على ما هو سلبي دون الإتيان بمعالجات ذات قيمة عملية، بل المهم أن ندين ونستنكر، ونطلق العواطف المتأججة تجاه ما يحصل، وحسبنا الكلام المباح المشحون بالإستخفاف.

على المستوى الثقافي، شعريا يسود الرثاء والغموض والهروبية، وفي النثر نميل إلى نواحيات كلامية مسطورة على ورق يحترق من الأنين.

كتاباتنا تبريرية، تسويغية لحالات مزرية، نخدع الأجيال بقولنا أنها أفضل ما إستطعناه وعبرنا عنه، فلكل زمان ومكان أحكامه.

وهذا ديدن المفكرين والباحثين والفلاسفة والنخب المثقفة بأنواعها.

التواصل مع العديد من المثقفين البارزين، يكشف موضوعات تثير العجب، فهم المتصومعون والمستخفون بما يدور حولهم، ويعجزون عن تقديم ما يساهم في التغيير النافع للمجتمع وأجياله المتوافدة.

فهل أن الإستخفاف وسيلة مرسومة إنطلت على رموز الأمة وقادتها؟

تأملوا المواقع الإعلامية ستجدون الإستخفاف طاغيا، والنيل من قدراتنا ساريا، وأكثر المنشور شيوعا ما يندب ويرثي ويستخف!!

فهل لنا أن نستفيق ونواجه مصيرنا؟!!

***

د. صادق السامرائي

يخبرنا القاموس الفرنس الشهير "لاروس" بأن كلمة نخبة استخدمت للمرة الأولى في فرنسا عندما احتجت مجموعة من الكتّاب، على رأسها إميل زولا على سجن ومحاكمة ضابط فرنسي اسمه درايفوس العام 1898 زوراً لتبرئة أحد كبار قادة الجيش، فقد نشرت كبريات الصحف الفرنسية على صفحاتها الأولى مقالاً مثيراً لإميل زولا بعنوان "إني أتهم" وفيه يوجه سهام النقد لرئيس الوزراء ووزير الداخلية وقادة الجيش لأنهم زوروا الحقائق، المقال الذي أصبح فيما بعد عنواناً للاحتجاج ودخل قاموس الأدب باعتباره أبلغ بيان ضد التعسف والظلم .

بالأمس استمعت إلى حديث السيدة " ندى كاظم " وهي أستاذة جامعية تعرضت للشتم والرجم بالطابوق والحصى لأنها خرجت في تظاهرة لنساء النجف ضد تعديلات قانون الأحوال الشخصية، واخبرتنا السيدة إن التظاهرة ضمت مجموعة من النسوة، تخيل جنابك أن مجموعة من الذين يرتدون العمائم ومعهم تابعين لهم يرتدون " العقال " مع مجموعة من الصبية يحاصرون سيدة ذنبها الوحيد أنها أرادت أن تعبر عن رأيها، في بلاد يتغنى فيها الجميع بحقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الرأي .

وأنا أستمع إلى حديث السيدة النجفية تساءلت مع نفسي عن دور النخب الثقافية في شجب وإدانة الاعتداء الذي حصل على نساء النجف..صحيح ان البعض من المثقفين اصحاب الرأي الحر تضامنوا مع نسوة النجف، ولكن اين البقية ؟

كان سارتر يقول "إننا"،- ويعني المثقفين والنخب الفكرية - "من سنصنع التغيير، لأننا نعبر عن مشاعر الناس وأحاسيسهم"، في بلاد العالم اليوم نرى أساتذة الجامعة وكبار المثقفين، يخوضون معركة التغيير بصلابة ويصبحون جزءاً من صناعة الحدث اليومي، يصرون على أن تبقى أصواتهم أعلى من أصوات السياسيين.. أما في العراق فقد يأخذ البعض على النخبة، أن الكثير منهم للاسف يقفون معظم الوقت في منطقة رمادية ليست لها معالم واضحة، في الوقت الذي كان بإمكانهم أن يحركوا المياه الراكدة في المجتمع.

بين الحين والآخر أعود لكتب المفكر الاقتصادي جلال أمين "ماذا حدث للمصريين؟" والذي يقدم فيه وصفاً لتحولات المجتمع المصري في نصف القرن الأخير، وقد وضع الكتاب صاحبه على سلم الشهرة الحقيقية، وليست الشهرة الزائفة التي يبحث عنها بعض متنطعي مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات .

في كتابه " ماذا حدث للمصريين " يشير الراحل جلال أمين إلى دور المثقف الذي ارتضى أن يُقصي نفسه عن أحداث بلاده، ويفضل عدم الانغماس في مشاكل البلاد، فتحول بعض أصحاب الرأي والقانون وبعض من يسمون بالتكنوقراط إلى فئة مستعدة لتقديم ما تطلبه السلطة، من أجل استمرار النظام السياسي.

عل تسمحون لي أن اسأل : ماذا حدث للمثقفين في بلادي؟

***

علي حسين

 

العراق بلد الحضارات السامقات الرائدات الأصيلات، تتوطن أجياله موروثات لا تستغني عنها البشرية، لما ستورقه من صيرورات واعدة بالمتواكب الجديد.

العراقيون قادة العقول!!

العراقيون أفذاذ عطاء بديع سبّاقٍ وديع!!

العراقيون أوجدوا أبجديات الحضارة، وأطلقوا للقلم حرية التعبير عن الأفكار وتدوينها، فالكتابة مخترع عراقي، ولولاها لما توارثت الأجيال المعارف والعلوم.

العراقيون حضاريون، وهم الذين أسسوا الدول وشرّعوا القوانين، وإبتكروا أنظمة الري، وفي ديارهم تعلمت البشرية الزراعة وتدجين الحيوانات وتوظيف النار.

العراقيون مساهماتهم لا تُحصى ولا تعد، ولهم شرف إبتداء الخطوات، ومنطلق التطورات.

العراقيون المعاصرون، رغم الشدائد والمكائد والتوحشات العدوانية المتوالية، هم نبراس متوهج بالأفكار والطاقات التنويرية الفياضة بإرادة صناعة الحياة الأرقى والأجمل.

شعراء متميزون، كتاب رائعون، علماء يبهرون، وقوة إنطلاق نحو مستقبل أبهى لا تعرف التواني والحدود.

العراقيون قادة مجد المنطقة بدولها ومجتمعاتها، وبدونهم يتآكل وجود ما حولهم، وتتوطن ديارهم الأغراب.

العراقيون فخر الإنسانية وصوت الإرادة الحضارية الواعدة بالأثيل.

فلا تتوهموا غير ذلك، وتحسبوا العراقيين دون مجدهم وتأريخهم وصوتهم الداعي للحرية والكرامة والعزة والعمل الدؤوب، لتشييد معالم ما فيهم من الرؤى الخلابة التطلعات.

تحية لكل عراقي، ولنحتضن العراق سويةً، فبالعراق نكون وبدونه نهون!!

عراقي أنا يا عراق الشهب...!!

وإن العراق ساطع منير، والعراقي منطلق إلى العلياء بعد حين!!

وما تقدم جوهر حال، لا أوهام مُحال!!

***

د. صادق السامرائي

 

الكثير جداً من الادعاء والجرأة على تصدر المشهد في كل شيء، وكثير من الضحك على المواطن البسيط، مع قليل جداً من احترام عقول الناس، مع إساءة واضحة للنسيج الاجتماعي، وإصرار على إعلاء شأن الطائفية، يضاف لها مفردات عن الإصلاح والمواطنة والفساد والدستور والقانون الذي صار حديث بعض النواب .

منذ ايام خرج علينا النائب رائد المالكي صاحب مقترح تهديل قانون الاحوال الشخصية حيث ظهر في الفضائيات متباكياً على الدين ومطالباً بإقرار التعديلات ، هذا النائب كشف لنا عن وجه آخر حين تقدم قبل ايام بطعن إلى القضاء على قرار سابق يمنع منح العجلات للبرلماني، النائب رائد المالكي صاحب مشاريع إعادة العراقيين إلى جادة الهداية ونشر الفضيلة في بلاد الرافدين ، يريد الحصول على امتيازات جديدة لانه شرع قوانين تنهض بالعراق اقتصاديا وتنمويا .

لست في وارد الحديث عن ما قدمه السيد النائب رائد المالكي لأبناء محافظته ميسان أو ما هي الخدمات التي قدمها للعراق ، لكنني تعجبت وانا اجد نائب " الفضيلة والشرع " يطالب بإجراء تعديلات على قانون مجلس النواب من اجل مزيدا من الرواتب والامتيازات ، في الوقت الذي يشغل الناس بقوانين قرقوشية التي يريد فرضها على الشعب العراقي.

وستندهش عزيزي القارئ عندما تعرف أن النائب الآخر الذي يصر على " بحبحة " الامتيازات هو النائب محمد الزيادي الذي خرج علينا في الجلسة الأولى للبرلمان وهو يرتدي ملابس ممزقة قال حينها إنها تضامن مع فقراء محافظته المثنى .. وبعد سنوات من جلوس الزيادي على كرسي البرلمان ، ترك الملابس الممزقة وركب " التاهو " فيما لا تزال محافظة المثنى تحتل المرتبة الأولى في الفقر حسب إحصائيات وزارة التخطيط .. من المثير أن النائب رائد المالكي وهو يتحدث عن الحق والعدالة نجده بغفلة من الناس يقدم طلباً بضرورة منح السادة النواب سيارات حديثة أسوة بأبناء الشعب العراقي الذين يتمتعون بخيرات التنمية والصناعة والزراعة التي ازدهرت أثناء جلوس النائب رائد المالكي على كرسي البرلمان .

كم سنحتمل من استعراضات أمثال هؤلاء النواب الذين يريدون منا أن نتربى في مزارعهم، وأن نرفع شعار السمع والطاعة؟ كم مرة سنتحمل سياسياً متقاعداً يريد منا أن نلغي كل إمكانية التفكير والبحث، من خلال استدرار عواطف البسطاء واستغفالهم؟!.

يريد السيد رائد المالكي أن يخبرنا أنه لا ضير في الحصول على الامتيازات ، فالسياسة مثلما يفهمونها تعني اللعب على أكثر من حبل.

كلما تحدث سياسي عراقي أتذكر حكاية سنغافورة ومعجزة لي كوان. وكلما تذكرت مئات المليارات التي نهبت في مشاريع وهمية ، أردد مع نفسي، ما كان أغنانا عن ظاهرة " نواب الفضائيات "

***

علي حسين

 

مثال تطبيقي لنظرية التفاعل والتغالب

ليس صحيحا، أو ليس صحيحا دائما أو تماما أن المنتصر أو القوي أو الأقوى أو الغالب هو الذي يكتب التاريخ! وأن ما نعرفه كحقائق تاريخية غالبًا ما يعكس تحيزات ورغبات المنتصر، كما يقول إدوارد سعيد. أو أن التاريخ هو فن الكذب المشترك بين المنتصرين، كما يقول غوته!. لكن الإنسان كائن معمم خالط يميل إلى التعميم والخلط !

إستنادا إلى نظرية أو مبدأ التفاعل والتغالب الذي هو شكل من أشكال التفاعل كما هو واضح، الذي مضمونه العام أو المجمل هو أن الفواعل تتفاعل فيما بينها تآزرا أو تضاربا، حسب الحالات، ليستقر التفاعل ويتزن على  حالة وسط أو منحاز إلى الطرف الغالب!

فإن كل طرف (فاعل، ملائم) يمكنه أن يكتب التاريخ، بالشكل المستطاع والملائم له أو لجماعته أو للجهة التي يريد إقناعها أو التأثير فيها أو خدمتها! سواء كان قويا أو ضعيفا، غالبا أو مغلوبا!

وإن كان يظهر على السطح سطح الواقع أن الطرف الغالب أو المنتصر ظاهرا هو الذي يكتبه!

لكن هذا لا يمثل الحقيقة عند التحقيق!

ربما تتمثل الفواعل الملائمة مثلا في باحثين أو مؤرخين مستقلين يتناولون التاريخ بشكل مخالف لطريقة المنتصرين المقصودين! يكشفون جوانب مختلفة من التاريخ، ويحققون في وثائق ونصوص وروايات وينيرون زوايا مظلمة!

كذلك قد تتمثل في التغييرات الإجتماعية والسياسية والواقعية التي تؤدي إلى تغير الروايات والتفسيرات وتقييم الأحداث والأشخاص والحالات والمواقف.

وكما أن التاريخ هو نتيجة للتفاعل والتغالب، كذلك هو وسيلة وأداة فعالة لهذا التفاعل والتغالب! أو هو فاعل ومنفعل حسب الحالات!

فالتاريخ ليس بالضرورة ما حدث؛ بل هو ما يُكتب عما حدث!

أو هو صورة الأحداث التي يتفق الناس المقصودون عليها! حيث أن هذه الصورة قد تقتل حقائق معينة أو تغيبها!

أو أنه ظل الأفكار والإعتقادات التي يعتنقها من كتبوه أو أشرفوا على كتابته!

وكثيرون شاركوا في صناعة الأحداث، لكن لم يشاركوا في صناعة التاريخ بسبب هذا التغالب ونتيجته!

ولأن التاريخ عدو كبير وفعال للسلطة المختلفة المعادية للسلطة المقابلة، لذلك تعمد كل سلطة إلى ترويض التاريخ ليصير أداة ملائمة ونافعة لها!

كل ذلك وفقا لمبدأ التفاعل والتغالب! حتى أن من يعرفون الحقيقة أو الحقائق يبقون صامتين مقموعين!

والتاريخ هو الذاكرة التي تريد السلطة إبقاءها ناشطة وخادمة! في معركة التفاعل والتغالب متعددة الأشكال والموضوعات والجبهات!

إذن، كل طرف باعتباره فاعلا واقعيا، يمكن أن يكتب التاريخ حسب قدرته ورغبته وهدفه! وليس المنتصر والقوي فحسب!. حيث، وكما هو المبدأ الواقعي:

أن كل فاعل يتفاعل مع غيره تآزرا أو تضاربا، حسب الحالات، ليستقر التفاعل ويتزن على  حالة وسط أو منحاز إلى الطرف الغالب!

ملاحظة: تجدر الإشارة إلى أن موضوع من يكتب التاريخ، هو مجرد مثال لتوضيح مبدأ أو نظرية التغالب الذي هو فرع عن مبدأ التفاعل العام! وليس هو الغاية الأساسية للمقال!

***

جميل شيخو - العراق

 

إلى سليلة الشّهداء... إلى صاحبة الهيْبة الحقيقية...

إلى مَن نظرتْ إلى السّماء؛ واشتكتْ إلى الله... لا إله إلا هو سُبْحانه... إلى مَنْ هزّتْ دموعُها قلوبَ الجزائريين في كل بقاع العالَم...فاستنفروا للدفاع عنها وعاشوا مِحْنتَها بكل جوارِحِهِم؛ حتى جاء النّصْر البهيج....

إلى جوهرة الجزائر؛ "إيمان خليف"... كلُّ التّهاني والتّقدير

إلى صاحبة الضِّحْكة البريئة والملامح الطموحة، إلى الجميلة "إيمان"؛ أهدي هذه الكلمات:

نحن أهل الحُبّ والخير والنخوة، لا نعرف الكراهية... الثقة في الذّات؛ كانت وما تزالُ من عوامل النّجاح في كلِّ مسارات الحياة.. الحروبُ أنواع... ونحن عِشْنا كلّ الأنواع؛ قاومْنا بِعزْمٍ وصلابة فؤاد؛ وحَرِيٌّ بنا؛ استحْضارُ شعر المتنبّي في هذا المقام:

رماني الدّهْرُ بالأرْزاء حتّى

  فؤادي في غِشاءٍ مِنْ نِبالِ

*

فصِرْتُ إذا أصابتْني سِهامٌ

  تكسّرتِ النِّصالُ على النِّصالِ

*

وهَانَ.. فما أُبالي بالرّزايا

  لأنّي ما انْتَفَعْتُ بِأنْ أُبالي

وأنتِ؛ بُنَيّتي؛ "إيمان" خُضْتِ اليوم حرْباً ضروساً ضدّ العُنْصُرية المَقيتة، خُضْتِ حرْباً في وجه المُتكالبين على مقامات الإنسانية الرفيعة، خُضْتِ حرباً ضدّ ظلْمٍ منْ نوعٍ جديد... وكما الحروب أشكال وألوان؛ فكذلك العداوات.... وأنتِ كسرْت كل هذه الألوان؛ وسَموْتِ فوق كل الأحْقاد،  تعاليْتِ فوْق كلِّ النّزَعَات ، وحلّقْتِ في سماء المجد والبطولة؛ مِثْلَما حلّقتِ النّساء الجزائريات في ميادين الكفاح وهنّ يخُضْنَ الحروب ضدّ الهمجية الاستعمارية؛ فشقَقْنَ طريقهنّ بقهْر المُعْتَدين.. مع اخْتلافٍ في السّبُل وتوْحيد في الغايات...

لا يفوتني في هذه الوقفة؛ أن أُشيد بالبطل الجزائري: "جمال سجاتي" .. الذي أُسْتُهْدِفَ هو الآخر بالحملات المسعورة... فالهجمات أصبحتْ تطالُ النّاجِحين، لا لشيء؛ إلا لأنّ العقول الجوفاء؛ يَعْسُرُ عليْها التحليق في السماء...

***

شميسة غربي /سيدي بلعباس/الجزائر

الكثيرون من أعلام الأمة منشغلون أو موسوسون بمسألة تعريب المصطلحات الأجنبية، وهو جهد طيب، لكىه في أحيان كثيرة كترجمة الشعر إلى غير لغته.

فما هي الفائدة من ترجمة المصطلح الأجنبي إلى العربية؟

من الأفضل أن نستبدل كلمة تعريب المصطلحات، بشرح المصطلحات، ولغتنا العربية بأبجديتها وأصواتها  تستوعب أي مصطلح وتكتبه بأحرفها، وعلينا أن نشرح معناه بالعربية.

النسبة العظمى من المصطلحات الأجنبية يمكن كتابتها بالعربية، فلماذا نضيّع جهدنا بتعريبها، أي البحث عن إسم يناسبها بالعربية.

خذ على سبيل المثال "فيس بوك"، إنترنيت"، أمزون"، يكون كتابتها بالعربية أفصل من تعريبها، ومنها يمكن الإنتقال إلى مصطلحات في ميادين المعرفة الأخرى، التي علينا أن نكتبها بالعربية بدلا من تعريبها.

فالمصطلحات الأجنبية بعضها يمكن توطينه في اللغة وبعضها يتحقق شرحه بذات اللغة، ومن الإعتداء على أي لغة توهمنا بأنها تستطيع توطين جميع المصطلحات بأبجدياتها، أي أن تخترع إسما لها.

ومثل آخر مرض "الشيزوفرينيا" يمكن كتابته بالعربية بدقة ووضوح، ما الفائدة من تسميته بمرض "الفصام"، هل أضفنا معلومة جديدة، هل يفهم القارئ بالعربية معنى الفصام، من الأفضل أن نشرح معنى الكلمة بلغة عربية واضحة لكي يفهمها الناس، لا أن نقول "فصام" وإنتهى الأمر، لأن السؤال الذي يبحث عن جواب سيبقى ما هو الفصام؟!

وقس على ذلك الكثير من المصطلحات التي نرهق أنفسنا بالبحث عن إسم عربي لها بلغتنا، ونغفل دلالاتها وضرورة تعريفها وتوضيح معناها.

الفوبيا : الخوف

وربما يمكن إحتضان كلمة فوبيا، وجعلها مما يشير للخوف فنقول (فاب، يفوب، يفوبون) أي (خاف، يخاف، يخافون).

ما تقدم يبدو غير مقبول لدى الكثيرين، لكن الواقع المعرفي المعاصر يدعونا للتفاعل الموضوعي مع المستجدات ودفق المعلومات الهادر.

***

د. صادق السامرائي

 

رددت مع نفسي وأنا أتابع بعض الصفحات الممولة التي تسخر من المرأة وتتعمد الإساءة لها وتنشر أكاذيب مفبركة : "إذا بليتم فاستتروا"، لأن شر البلية ما يضحك، وشر السياسة السذاجة. . وأنا أتابع الحملة الممولة، تذكرت العراقية صبيحة الشيخ داود التي طافت البلاد العربية داعية إلى تأسيس اتحاد المرأة وتفعيل دورها ونشاطها في إنشاء المنظمات والجمعيات. وبعدها أقامت في بيتها مجلساً ثقافياً كان من أبرز رواده روفائيل بطي وجعفر الخليلي، بعد ما يقارب النصف قرن على رحيل صبيحة الشيخ داود خرج علينا عدد من الشيوخ ومعهم رجال دين يصرخون بصوت " إحنا ما عدنا نسوان تطلع مظاهرات " .

انظر الى وجوه الرجال الذين يقودون الحملة الظالمة ضد النساء، واتذكر الوجوه المشرقة في تاريخ العراق التي وقفت الى جانب حقوق المراة، محمد رضا الشبيبي، جعفر العسكري، جميل صدقي الزهاوي، جعفر ابو التمن، حسين الرحال، مصطفى علي، ومئات غيرهم

ربما يقول البعض يا رجل تحتل المرأة في العراق منذ سنوات ربع مقاعد البرلمان، لكن ياسادة للأسف تتشكل الحكومات وتنحل من دون أن ينتبه أحد إلى أن المرأة يجب أن تكون ممثلة فيها. والمؤسف أنه عندما أعطيت حقها البرلماني، طلب منها الساسة أن تظل مجرد رقم على الهامش، وعندما وقفت مجموعة من النائبات ضد تعديل قانون الأحوال الشخصية خرج من يتهمهن بالعمالة للأمريكان وبأنهن ينفذن أجندات خارجية .

في هذه البلاد العجيبة كانت أول امرأة تتولى منصباً وزارياً في بلاد العرب عنوانها العراقية نزيهة الدليمي التي ظلت تملك حلماً كبيراً لصياغة صورة لعراق جديد شعاره المستقبل وغايته إسعاد الناس وبثّ الأمل في نفوسهم، لأننا بحاجة إلى أن نتذكر المرأة العراقية التي هي البطل الحقيقي في حياتنا، والتي أرشحها بضمير مستريح لأن تتولى أعلى المناصب .

من المؤسف ان الاخبارالواردة من بلاد الرافدين تخبرنا على لسان الأمين العام للأمم المتحدة أن نسبة العنف المنزلي ضد النساء في العراق ارتفعت خمسة أضعاف، والبرلمان يماطل في إقرار قانون العنف ضد المرأة، فالقانون حسب ما أخبرنا بعض النواب يريد أن يخرب مجتماعتنا المسلمة.. ولم يتجرأ احد منهم ويخبرنا : مَن الذي يقف وراء خراب المجتمع وضياع مستقبل أبنائه؟ ربما سيجد في الجواب حلاً لعقدته من النساء.

لعل السؤال الأهم لمن يتابع الوضع في العراق هو: هل ما جري في مدينة النجف ضد النساء المتظاهرات، مقطوع الصلة بما جرى ويجري من خراب، وأن سلوكيات البعض ليست بعيدة عن نظام دولة المحاصصة الطائفية، ووثيق الصلة أيضاً بحرائق التعصب والانغلاق التي تنتشر اليوم في أكثر من مكان .

***

علي حسين

 

الهزء: مصدر هزأ وهزئ، يعني السخرية والإستخفاف والتهكم

العديد من الذين حسبناهم رموزا ثقافية وأعلاما معرفية، يتخندقون في فترات إبتدائهم، ويحسبون أنفسهم من الجيل الفلاني والعلاني، ويمتازون بأنانية ونرجسية فاقعة، وما يقدمونه للأجيال المعاصرة، يتصف بالإستخفاف والسخرية وتقليل القيمة، ونعتهم بأقبح الأوصاف، ويحسبون أنفسهم في مقامات علوية، ومَن جاء بعدهم في أسفل سافلين.

هذه ظاهرة متوطنة في بلادنا التي ما وجدنا فيها مَن شد على أيادي الواعدين وسار بهم في طريق صاعد مبين، بل يستخفون وينتقصون، ويرون بذلك يحافظون على وجودهم وتصومعهم المنيف، وهم  في تجاهلهم وغيهم يعمهون.

هل وجدتم مَن إستطاع أن يستثمر الطاقات الشبابية الواعدة؟

هل قرأتم نقدا بناءً يعين على التطور والبناء؟

رموز الثقافة والمعارف بأنواعها في مجتمعات الجوار القريبة والبعيدة، تقوم بدورها الوطني المساهم في التعبير عن تكاتف الأجيال وتفاعلها الإيجابي، الداعم للقوة والقدرة على المعاصرة والإنطلاق في رحاب العالم الفسيح.

وعندنا التهافت على النيل من بعضنا على أشده، والتحبيط والتثبيط ما يجيده الرعيل الذي عليه أن يكون قائدا وقدوة، وذخرا للأجيال الصاعدة، لا أن يعوّقها ويشيّد العثرات والمصدات أمامها.

من المحزن أن يطرح الرعيل المعرفي في مجتمعنا نفسه، على أنه ضد مَن لا يتفق ورؤاه المعتقة في بودقة زمانه الغابر، وكأنه لا يرى بأن الأرض تدور، والتغيير قانون حتمي، ولابد من التجدد والتفاعل الإيجابي مع الطاقات الوافدة إلى مسرح الحياة.

وبموجب عاهة الهزء الصريح، فالواقع الثقافي سيتأسن، ولن يتعافي من آفات التداعيات والإنحدارات الإنكسارية الشنعاء.

فهل لدينا قدوات ثقافية ذات قيمة حضارية؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في خضم التحولات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم، يبرز دور المبرمجين كمحرك أساسي للتطور والابتكار. وفي العراق، بلد يسعى جاهداً للحاق بركب الثورة الرقمية، تلوح في الأفق بارقة أمل مع القراءة الثانية لإقرار قانون نقابة المبرمجين العراقيين في البرلمان وجهود رئاسته وبعض السادة النواب الذين كان لهم بصمة واضحة في تلك القراءة والأخذ بأدي الفريق التأسيسي لنقابة المبرمجين العراقيين الذي دأب منذ اكثر من خمس سنوات على العمل لتأسيس نقابة تليق بالمبرمج العراقي سيما وان الحكومة العراقية ماضية بمشروع التحول الرقمي الذي يلعب المبرمج دوراً محورياً واصيلاً فيه. هذه الخطوة، التي طال انتظارها، تحمل في طياتها وعوداً بمستقبل أكثر إشراقاً للقطاع التكنولوجي في البلاد.

لماذا نحتاج إلى نقابة للمبرمجين؟

تعد نقابة المبرمجين أكثر من مجرد كيان تنظيمي؛ إنها ضرورة ملحة في عصر أصبحت فيه البرمجة لغة العصر. وتكمن أهميتها في عدة جوانب:

1. حماية الحقوق المهنية:

ستوفر النقابة إطاراً قانونياً يحمي حقوق المبرمجين، ويضمن ظروف عمل عادلة في سوق متقلب. ستتصدى لقضايا مثل ساعات العمل الطويلة والعقود غير المستقرة، مما يخلق بيئة عمل أكثر استقراراً وإنتاجية.

2. رفع المعايير المهنية:

من خلال وضع معايير صارمة لممارسة المهنة وتطوير مدونات أخلاقية، ستساهم النقابة في رفع جودة الخدمات البرمجية في العراق. هذا بدوره سيعزز سمعة المبرمجين العراقيين محلياً وعالمياً.

3. منصة للتعاون وتبادل المعرفة:

ستشكل النقابة فضاءً حيوياً لتبادل الخبرات والمعارف بين المبرمجين. هذا التفاعل سيكون حاسماً في مواكبة التطورات السريعة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.

4. صوت مؤثر في صنع السياسات:

ستمثل النقابة المبرمجين في المحافل الوطنية، مما يضمن مشاركتهم الفعالة في صياغة السياسات التكنولوجية للبلاد. هذا سيؤدي إلى قرارات أكثر دراية وفعالية في مجال التحول الرقمي.

5. الحد من هجرة الكفاءات:

من خلال توفير بيئة عمل محفزة وفرص للتطور المهني، ستساهم النقابة في الحد من هجرة العقول البرمجية، محافظة بذلك على الكفاءات الوطنية.

إن النجاح في تجاوز التحديات التي لاشك ستواجه اي عمل وليس فقط مشروع النقابة سيفتح آفاقاً واسعة أمام القطاع التكنولوجي العراقي حيث يمكن للنقابة أن تلعب دوراً محورياً في:

- تعزيز ريادة الأعمال في مجال التكنولوجيا.

- جذب الاستثمارات الأجنبية في القطاع الرقمي.

- تطوير برامج تدريبية متقدمة لسد الفجوة بين التعليم الأكاديمي واحتياجات سوق العمل.

إن تأسيس نقابة للمبرمجين العراقيين ليس ترفاً، بل ضرورة ملحة لبناء مستقبل رقمي قوي للعراق. مع تقدم عملية إقرار القانون في البرلمان، يتطلع المجتمع التكنولوجي العراقي بتفاؤل حذر إلى المستقبل. إن نجاح هذه المبادرة سيكون علامة فارقة في مسيرة التحول الرقمي للبلاد، واعداً بعصر جديد من الابتكار والتقدم التكنولوجي.​​​​​​​​​​​​​​​​

***

ايهاب عنان

باحث في مجال الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني

لكل مخلوق رأس يتدبر شؤون حياته ويقوده في مسيرة التفاعل مع نفسه ومحيطه، وهو البوصلة التي تحسم نوعية وإتجاه السلوك وتقرر آليات التفاعل مع التحديات المناهضة لبقائه.

والكثير من المخلوقات خلعت رأسها أو إنخلع عنها رأسها لأسباب وتداخلات جراحية نفسية متنوعة، والذي يفقد رأسه يعرّض وجوده للهلاك.

والبشر مؤهل لأن ينخلع عنه رأسه، وخلع الرؤوس لا يتحقق بالسكين والسيف فقط، وإنما هناك آلة أخطر منهما جميعا، إنها آلة البتر النفسي، فالآلات النفسية الحادة المسلطة على رقاب الناس أشد فتكا من السيوف والسكاكين، ذلك أنها ذات قدرة على خلع الرؤوس بالجملة، وتحويل البشر إلى أبدان متحركة أو روبوتات تؤدي ما يمليه عليها الرأس البديل، أو المعوِّض للرأس المقطوع نفسيا وإدراكيا عن بدنه أو جسمه وشخصه.

والبتر النفسي للرؤوس حالة قائمة ومعروفة منذ الأزل، وللتضليل والتوهيم دور كبير في هذا الشأن، حيث يتم إفراغ الرؤوس من محتوياتها وآلياتها، وحشوها بغيرها من المفردات والأساليب التفاعلية ذات القدرات العاطفية العالية، والتي تنفجر بقدرات بركانية هائلة أمام ما لا يتفق ومناهج رؤيتها المحشوة فيها، فتساهم في تأسيس آليات التخاطب بالوعيد، وتسعى لبناء ميادين سفك روح الوجود وخنق صوت النجود.

وتلعب العقائد والمدارس الدينية دورها في قطف الرؤوس وتجميعها في سلال المهملات الخسرانية، ودحرجتها على سفوح الإهلاك والتنكيل بالمعاني الإنسانية والقيم الحياتية، والأعراف اللازمة للحفاظ على القوة والعز ة والكرامة في أي مجتمع.

وللدين دوره الفتاك في قطع الرؤوس وإستبدالها بخيارات مناهضة للحياة، ذلك أن للدين سلطة هائلة كامنة في الأعماق، و أول قوة أذعن لها  البشروسخرها الأقوياء لإمتلاكه.

فمنذ أولى الحضارات ما بين نهرين أو على ضفاف نهر وأنهار، والبشر يحكم البشر بواسطة الإرادة الدينية والإلهية، ولهذا كانت المعابد الأبرز والأضخم في عماراتها في جميع العصور، ولا تزال سلطتها قائمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وفاعلة في الحياة ومقررة لمسير التداعيات المتفاقمة.

ذلك أن الأديان يمكنها أن تُسخِّر للقيام بأي شيئ، فهي القادرة على تسويغ الخير والشر وقلب الموازين والمفاهيم، وإستبدال الرؤوس بسرعة خاطفة.

وعندما يحضر الدين والعمل المنفعل المقترن به، فأن التأثير الإستبدالي للرؤوس يكون على أشده وفي أفظع حالاته ومراراته، وقد مرت البشرية بمواسم ونوبات إستبدال رؤوسها برأس واحد يهيمن على مصيرها ويلقمها الويلات، ويغرقها بأغادير النجيع وعواصف الآهات.

ولكي تواجه البشرية هذا الإستبدال القمعي للرؤوس عليها أن تنمي إرادة المعرفة وتفعّل العقل، وتربي الأجيال وفقا للمبادئ الوطنية الرحيمة الجامعة، المعتصمة بقيم صالحة واحدة لا يحق للبشر تجاوزها، وتضع خطوطا حمراء مصيرية، وتضرب بيد من حديد على رأس مَن يحاول أن يتجاوزها.

أي أن الأمم والشعوب لا تكون قوية وعزيزة من غير ثوابت صالحة لبقائها ونمائها، تتفق عليها وتقضي على من يتحداها ويتجاوزها.

تلك حقيقة خفية متحققة في واقع بشري متصاخب!!

***

د. صادق السامرائي

 

من المؤسف والمثير للانزعاج أن يجد الوطني واليساري والديموقراطي العراقي نفسه في الموقع ذاته الذي تكدس فيه "نشطاء وناشطات" المجتمع المدني مدفوعو الأجر وحاشية المتصهين فخري كريم وأصدقاء السفارات الأجنبية بصدد رفض تعديل قانون الأحوال الشخصية المعروف شعبيا باسم "قانون تزويج القاصرات". يكفي هؤلاء عاراً أنهم طالما دافعوا عن الاحتلال الأميركي وسموه "تحرير العراق" أو "عهد التغيير" وهو أصل البلاء والمدافع حتى الآن حكم هؤلاء الذين يريدون سنَّ هذا القانون...إذن؛ يبقى الحق هو الحق فالناس تُعرف بالحق والحق لا يعرف بالناس الذين يزعمون تبنيه، وهكذا سنطبق مقولة "اعرف الحق تعرف أهله" وندافع عن بناتنا ونسائنا بوجه هذا التعديل القانوني الرجعي الطائفي!

وعلى هذا أقول؛ إن بعض المعممين والساسة يكذبون بفظاظة حين يزعمون أن تسمية تعديل قانون الأحوال الشخصية بقانون "تزويج القاصرات" هو كذب وتشنيع وجهل بالقانون وغباء وانحطاط أخلاقي من قبل الرافضين له والمدافعين عن الطفولة والبراءة لأنهم لم يقرأوه. وإنَّ من حق النساء جميعا والرجال الشرفاء أن يقفوا بوجه هذه القلة من الرجعيين والمرضى بالهوس الجنسي "البيدوفيلي" الذي يعتبر مرضا خطرا وممارسة تعاقب عليها القوانين المعاصرة في الدول التي تحترم براءة الطفولة مثلما تعاقب على بيع وشراء الرقيق والجواري الممنوع في عصرنا.

الحقيقة هي أن المنادين بالقانون قاموا بحيلة مكشوفة حين جعلوا تحديد سن زواج الأنثى بتسع سنين هلالية "قمرية" مذكوراً ضمناً في الفقرة ث من المادة الثالثة المعدلة والتي تنص على (تقسم مدونة الأحوال الشخصية إلى بابين: الأول ينظم أحكام المسائل الشخصية طبقا للفقه الجعفري، والآخر طبقا للفقه السني ويعتمد في وضعها على رأي المشهور عند فقهاء كل مذهب في العراق. وفي حال تعذر تحديد المشهور يعتمد المجلس العلمي رأي المرجع الديني الذي يرجع إليه في التقليد أكثر الشيعة في العراق من فقهاء النجف الأشرف وفي حال تعذر تحديد المشهور في الفقه السني فيؤخذ برأي المجلس العلمي والإفتائي).

والمعنى هنا واضح جدا وهو أن تحديد سن الزوجة سيكون وفق الرأي المشهور عند الفقهاء، وفي حال تعذر تحديد المشهور يؤخذ برأي المرجع الشيعي الأكثر تقليدا "اقتداءً" من قبل الجمهور، وبما أن المرجع الأكثر تقليدا أي المرجع السيستاني أفتى بأن سن الزواج هو "تسع سنين هلاليّة، وهو يعادل ثماني سنين ميلادية وثمانية أشهر وعشرين يوماً تقريباً" فإن من السليم والصحيح تسمية هذا القانون بقانون تزويج القاصرات منذ الآن وقبل أن يُصْدِرَ أصحاب القانون مدونتهم الفقهية للأحوال الشخصية" وإن أولئك الذين شتموا مَن وصفوها بهذا الوصف بأقذع الألفاظ هم كذابون ومنافقون وبيدوفيليون صرحاء يدعون إلى تزويج القاصرات!

من ناحية أخرى أشار تقرير إخباري نشرته "العالم الجديد في عددها ليوم 8 من شهر آب الجاري إلى أن صفقة قد تمت بهدف تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية وقالت الصحيفة المذكورة: "تمكن مجلس النواب يوم 5/8/2024 من القراءة الأولى لتعديل قانون العفو العام وسط مخاوف من شموله المدانين بتهم الإرهاب والانتماء الى داعش. كانت هذه النقطة تثير مخاوف الأطراف الشيعية من القانون تحديداً، ولكن كيف قبلت به وماذا حدث؟ بحسب صحيفة المدى وبناءً على مصادرها الخاصة، فإن الإطار التنسيقي الشيعي “اشترط مناقشة قانون العفو العام مقابل تعديل قانون الأحوال الشخصية” حيث تلجأ القوى السياسية غالباً الى مساومة بعضها لتمرير القوانين الخلافية في سلة واحدة. وهذا ما حدث بالنسبة لقراءة قانوني العفو العام والأحوال الشخصية بناءً على معلومات الصحيفة. وبذلك أنهى مجلس النواب في اليوم ذاته، القراءة الأولى لمقترح تعديل الأحوال الشخصية".

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

.....................

* رابط يحيل الى فتوى المرجع السيستاني حول سن البلوغ ونصها:

"السؤال: ما هي علامات البلوغ عند الذكر والأنثى؟

الجواب: ١ـ علامة البلوغ في الأنثى إكمال تسع سنين هلاليّة، وهو يعادل ثمان سنين ميلادية وثمانية أشهر وعشرون يوماً تقريباً".

* رابط صفحة المرجع السيستاني وهو ينفتح بالنقر عليه وإلا فبنسخة ونقله الى خانة البحث ثم النقر عليه:

https://www.sistani.org/arabic/qa/0363/

البشر تتنازع فيه قوتا النفس والعقل، ولكل منهما سيادته في ميادينه التي يتمكن فيها ويهيمن، ويمكنهما أن ينفصلا ويستكينا في مواضعهما، وقد يتشابكا ويتصارعا ويمتلك بعضهما البعض فيستعبده ويذله.

فهناك بشر النفس تذل عقله وآخر يحصل فيه العكس، وآخر تتوازن فيه القوتان، ويمكن أن تكون العلاقة بأشكال وديناميكيات لا تحصى ولا تُعد.

وكلما إنشغل العقل بما يرضيه ويجذبه ويطلقه، كلما إزداد تحررا من قوة النفس، والعكس صحيح أيضا.

ومن الواضح أن المعتقدات والإنتماءات تستند على آليات نفسية، وتترسخ وتتوطن وتتعمق فيكون العقل بعيدا عنها، ولهذا لا يمكن المحاججة العقلية في أي معتقد، لأنه إرتباط نفسي مشحون بالعواطف والإنفعالات الشديدة، فتجد ذوي المعتقدات يؤهلون أصحابهم للتأجج العاطفي الإنفعالي، الذي لا يسمح لقوة العقل أن تتحرك.

فالقول بأن الإنتماءات العقائدية بأنواعها عقلية نوع من البهتان والتضليل،  فلا تناقش صاحب أي معتقد بما يؤمن به، لأنه قد تمترس نفسيا في بودقة معتقده، وتخندق في ترس سميك فولاذي المواصفات.

وبعض المجتمعات تهيمن فيها القوة النفسية على القوة العقلية، لأن العقل غير مسخر لما خُلق له، وهو التفكير والتدبير والإبتكار والتقدير والمعرفة والتطوير، فالناس تعيش في فراغ ولا تجد أمامها مشاريع وتحديات تقنية وعلمية وإبتكارية تحث على إعمال العقل، كما أن التعليم فيها  جوهره تعطيل العقل وإلغاؤه، وتسويغ التبعية والإذعانية والقبول دون سؤال أو نقد وتمحيص، فالإنسان تابع وقابع ومرهون بإرادة غيره، ولا يمكنه أن يكون بعقل فاعل ومنير.

وفي هذه المجتمعات لا ينشغل العقل بالعلم، ويكون عبدا مطيعا للقوة النفسية الفاعلة في المجتمع، والقائدة لسلوكه على مختلف المستويات والتوجهات.

بينما في المجتمعات المتقدمة تكون القوة العقلية متصدرة وفاعلة في الواقع السلوكي، فتجد الناس منهمكة بإعمال عقولها وإطلاق ما فيها من الطاقات والقدرات، وتتسابق نحو الأقوى والأقدر من المبتكرات والإبداعات والإختراعات اللازمة لتطوير الحياة.

فتراهم يتوثبون نحو أهداف لا محدودة، وميادين ذات آفاق مطلقة تزيد الحياة جمالا وبهاءً، وقابلية على النماء والرقاء، فتنكمس القوة النفسية أو تنفصل عن القوة العقلية، وتبقى في مكامنها محكومة بما يتوجب عليها أن تقوم به وتؤكده في البشر الملتزم بإرادة عقله، والمنشغل بمعطياته المعززة لقيمته ودوره الإنساني المنير.

وعليه فلكي نبعد النفس، أو نقلل من دورها في تفاعلاتنا، علينا أن نشحذ عقولنا بما يشغلها ويبعدها عن التوحل بما لا ينفع الناس، وبهذا تكون المجتمعات المقتدرة المعطاء.

فأطلقوا قوتكم العقلية وأخمدوا قوة النفس السلبية!!

***

د. صادق السامرائي

 

تعد ظاهرة التسول واحدة من الظواهر السلبية في المجتمع والتي تعاني منها عدة دول ومن اسباب تفاقمها الأوضاع الاقتصادية السيئة والنزاعات والحروب وضعف النظام التعليمي هذا فيما يخص التسول المباشر وكثيرا" ما نشاهد النساء على قارعة الطريق واستغلال الأطفال لاستمرار عطف الناس وزيادة فرص الحصول على المال ومن بعض حالات التسول هو انتحال بعض العاهات المصطنعة من قبل طائفة مستعملين في ذلك المستحضرات الطبية التجميلية تمويهاً وخداعاً وعطف الناس والسؤال بإظهار الحاجة الملحة المصاحب بالبكاء أحياناً كأن يدّعي الشخص بأنه ابن سبيل منقطع نفد منه المال لظروف طارئة فيطلب العطاء .

اما ان يصل الحال الى ظاهرة التسول الإلكتروني والتي انتشرت بين الشباب كالنار في الهشيم تعد ظاهرة غريبة ومنافية للعادات والتقاليد الاجتماعية التي تربينا علينا منذ نعومة اظفارنا وليستعطفوا المدمنين على مواقع التواصل الإجتماعي بمتابعتهم والتي باتت كظاهرة غير حضارية لكسب ودهم من أجل زيادة عدد المتابعين والتباهي بهم لاسيما رواد البث المباشر والتي قد تدر عليهم الأموال واصبحت وسيلة سهلة للعيش في زمن التكنولوجيا والعولمة التي جعلت من الكرة الأرضية قرية صغيرة .

وفي الاونة الأخيرة وقع كثيرون ضحية عمليات نصب واحتيال بعد استجداء أشخاص بهم عبر مقاطع فيديو وصور لحالات إنسانية أو مرضى يعانون من أمراض مستعصية تتطلب أموالا ضخمة لمعالجتها ليتبين فيما بعد أن الأمر لم يكن إلا احتيالا وضحكا" على الذقون وبأساليب حضارية تتناسب والوضع الراهن .

وقد عاقب المشرع العراقي على جريمة التسول باعتبارها من الجرائم الاجتماعية في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل حيث نصت المادة 390/1 بان (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن شهر كل شخص أتم الثامنة عشرة من عمره وكان له مورد مشروع يتعيش منه او كان يستطيع بعمله الحصول على هذا المورد وجد متسولا في الطريق العام او في المحلات العامة أو دخل دون إذن منزلا أو محلا ملحقا لغرض التسول وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر اذا تصنع المتسول الإصابة بجرح أو عاهة أو الح في الاستجداء).

***

حسن شنكالي

مكدّر: إسم المفعول من كدّرَ: مختلط بأتربة وما شابه ذلك، وعكِر، ومحدث للقلق والحزن.

المقصود هنا المفكرون.

المكدّرون: المفكرون!!

فهل وجدتم مفكرا في الأمة فتح أبواب الأمل وأشاع في العقول والنفوس أنوار التفاؤل، والقدرة على بناء الحاضر والمستقبل؟

المفكرون ينغمسون في عوالم "لماذا" فيحللون ويؤوّلون، ويؤسسون لمشاريع هامدة، متوطنة صفحات الكتب، ومتوارية في رفوف ظلماء.

وكل منهم يدّعي أنه صاحب مشروع، وما نطق به هو عين الصواب، ويمثلون في سلوكهم التطرف والنرجسية والأنانية، ورفض التفاعل الإيجابي مع الآخر.

وبسبب سلوكياتهم السلبية، تحولت بلداننا إلى موجودات خاوية على عروشها، تستنجد بالأجنبي لحمايتها من بعضها، ولا تستطيع التثوير الذاتي وإطلاق قدرات أبناء الأمة.

سوف لن يقبل الكثيرون ما تقدم، لكنهم يعجزون عن الإتيان ببرهان يدحضه، ودليل يفحمه.

أعطونا مفكرا، أسهم في صناعة الإشراق الحضاري ولو كذبالة شمعة، ذات بصيص أمل بأن الضوء نور سيكتسح الظلام.

الأمة فيها المكدِّرون وتحسبهم مفكرين، وهم الذين يطعمون الأجيال بالغثيث، ويساهمون ببناء المصدات والحواجز في دروبهم، وينطلقون في مدارات الدوائر المفرغة، والمطبات التيئيسية، والإمعان في إكتشاف التسويغات اللازمة لتأمين منطلقات " ليس في الإمكان خير مما كان"!!

المفكرون العرب ذاتيون وعاجزون عن التفاعل مع مفردات الواقع وعناصره المؤثرة فيه، ويستنزلون الرؤى والتصورات من عوالم خيالية ويحاولون فرضها على الناس، وكأنهم يعيشون في أبراج عاجية ويتوهمون بأنهم يفكرون.

فما قيمة أفكار السراب، إنها كنعيق غراب!!

***

د. صادق السامرائي

 

العادات والتقاليد الشعبية موروث تاريخي ومعاصر وهي نمط من السلوك ظلت تنتقل بسلاسة من جيل الى جيل دونما الزام من سلطة معينةن ولشدة تأثيرها على الحياة الاجتماعية فأنها قد حظيت بالاهتمام وصارت موضوعا للدراسة في العديد من المجالات الاكاديمية خصوصا في العلوم الاجتماعيةن كما ان بعضها اصبح جزءا من القانون الرسمي في بعض المجتمعاتن وقد بقيت ومنذ زمن طويل تمثل ارثا مهما وقائما في سلوك شرائح واسعة من المجتمعات ومنها المجتمع العراقي على الرغم ما اصاب بعضها الاندثار والزوال بفعل العديد من المتغيرات ومنها العامل الاقتصادي الذي يؤثر على النمط الاجتماعي والثقافي في المجتمع ويظهر هذا جليا عند تحسن الحياة في المجتمعات الفقيرةن ومن بين العادات التي ظلت الأسرة العراقية محافظة عليها هي (تجراة الدم) حيث تلجأ العوائل الى هذه العادة عند شراء سلعة جديدة فهي تخشى ادخالها البيت قبل ان تقوم بذبح دجاجة وتلطيخ السلعة بدم المذبوح وكذلك الخشية من الانتقال الى البيت الجديد قبل تقديم تجراة دم كقربان لدفع العين، ولجعل البيت مباركاً، ولتجنب المآسي والحوادث غير المستحبة، أما الفقير الذي لا يملك ثمن دجاجة فانه يلجأ الى كسر بيضة على بدن القادم الجديد وهو موروث عربي قديم ربما سبق عصر ظهور الإسلام بكثير ويقال انه من زمن السومريين ووراء هذه العادة اعتقاد ان هذا الفعل يطرد الشر الواقع او المتوقع وكأن الارواح الشريرة وابعاد العين والحسد لا تذهب الا بتلطيخ جدران البيت الجديد او السيارة الجديدة او اية سلعة اخرى جديدة بدم المذبوح مثلما هو الخوف من الحسد وطرده بوسائل بسيطة مثل التبخير بالحرمل او وضع ام سبع عيون على واجهة الدار او ما يستعمله البعض في سياراتهم بتعليق قطعة بلاستك تمثل كف اليد وغيرها .

اليوم وبفعل المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على نسبة كبيرة من حياة العراقيين فان هذه العادة تكاد تختفي او تنحسر بشكل كبير وهذا يؤكد على العلاقة الوثيقة بين العادات والوضع الاقتصادي فأننا نلمس ان العراقي لم يعد مهتما بهذه الأمور بسبب انه صار بين فترة قصيرة واخرى يستبدل سيارته وأثاثه دونما حاجة الى تجراة الدم وهذا ما يشير ايضا الى ان العادات ليست صالحة لكل الأزمنة ولكن لا نستغرب من بقاء البعض متمسكا بها طالما الجهل والقلق الدائم من زوال النعمة باقيان والذي يشفع لهؤلاء ان مذهبا فلسفيا صاحبه الفيلسوف الألماني "فاينجر" يقول: حتى لو كانت الافكار الشائعة خاطئة أو خرافية ولكنها مريحة فهي الأولى بالرعاية والأصح ان نتمسك بها لأن فائدتها النفسية والاجتماعية والمادية أكبر      

***

ثامر الحاج أمين

 

القدرة على التفوق تتلخص بالقابلية على تحويل ما هو مثالي إلى فعل واقعي مؤثر في صناعة الحياة.

والقدرة على التأخر يمكن إختصارها بالتحليق الدائب في فضاءات المثالية العلياء، بعيدا عن ملامسة الواقع والتفاعل معه.

وهذا يأخذنا إلى مأساة النظرية والتطبيق، التي عاشتها مجتمعاتنا على مر العصور، فما أسهل التنظير وأغزره، وأقل التطبيق وأندره.

فالعلة التي صنعت أحوالنا السيئة، تكمن في فقدان مهارات التعبير عن الأفكار بآليات عملية، ولو بحثتم بما كتب عن الموضوع لعثرتم على كتابات هائلة تتناول النظريات الخيالية، فمعظم ما أنتجه المفكرون لا يخرج من صندوق النظريات العاجزة عن التطبيق.

ولا توجد بحوث وكتابات ذات قيمة تطبيقية، وكأن المفكرين يخشون الإقتراب من التطبيق ويستلطفون التنظير، لأنه أسهل ويزيدهم هروبا وإبتعادا عن المواجهة والتحدي.

أحزاب الأمة بأسرها فشلت في ترجمة شعاراتها، وتخبطت في الكرسي كالمصروع.

وأصبح القول هو العمل ، وتسيدت في المجتمع التفاعلات الكلامية ذات التداعيات الخصامية، فهي تطارد خيط دخان، وتغطس في بحر السراب، وتحسب أنها تمشي فوق التراب.

وبسبب الغرق المتواصل في النظريات والتأويلات الفارغة، والتحليلات الحارقة، تحولت الحياة في مجتمعات "قال"، إلى كيانات واهية ذات قابليات عالية على التبعية والخنوع، والإنبهار بما يأتي به الآخرون من إبداعات ومبتكرات.

ويبدو أن الأجيال تدور في دائرة مفرغة من الإحباطات، ولا تمسك بيديها ما هو جدير بالفخر والإعتزاز، فالكلام منحوت في مسلات الهواء، والإبداع المادي المعاصر مجهوض، والقول السيئ قائد ومقدام ومتوثب نحو سفك دماء الأبرياء.

وبموجب ذلك فمجتمعات الأمة، تتفوق على غيرها بالكلام، وفي آخرها بالفعل المستدام، وما تجنيه من أقوالها ركام.

فإلى متى سنبقى نتمرغ بأوحال النظريات الخائبات؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

إذا كنت مثلي مجبراً رغم أنفك، على سماع أخبار هذه البلاد العجيبة، فإن هناك جيشاً قوامه العشرات من المدونين، يشن حملة ضد محامية ذنبها الوحيد أنها دافعت عن قانون الأحوال الشخصية، ففي ليلة وضحاها تحولت هذه المحامية إلى سارقة للمال العام، وأنها السبب وراء أزمة الكهرباء، وهي المسؤولة عما يجري في المنطقة من حروب وصراعات.. وإذا أردت أن تعرف السبب ستجده في الأموال التي تدفع لهؤلاء المدونين.

في مقابل هذه الهجمة الشرسة ضد كل من يرفض ألاعيب مجلس النواب وحماسه المنقطع النظير لإقرار تعديلات الأحوال الشخصية، وإصرار البعض من النواب على تصوير القضية على أنها نصرة للدين ضد الكفار من المدنيين والعلمانيين، شاهدنا كوكبة شجاعة من النائبات العراقيات يقفن ببسالة ضد مخططات البرلمان، كما فضحن ما فعلته رئاسة البرلمان من تزوير في جمع التواقيع..خطوة شجاعة استطعن بها تسليط الضوء ما يجري من الالاعيب داخل قبة البرلمان.. وأنا أشاهد صورة النائبات بحثت عن السيدة النائبة حنان الفتلاوي التي بح صوتها ذات يوم من أجل الدفاع عن المرأة السعودية وذرفت الدموع على احوال المراة البحرينية.. حتى أنها قالت ذات ليلة تلفزيونية: "لازم السعودية تسويلي تمثال".. أعتذر لأنني أعيد عليكم حكايات السيدة حنان الفتلاوي وبحثها عن مظلومية المرأة العربية، رغم أن السيدة النائبة للأسف تنسى في زحمة البحث عن أخبار الامتيازات أنها كانت ولا تزال، تبشر كل يوم بالخير الذي ينعم به العراق وبالتنمية الطافحة، وببغداد التي ينافس فيها عبعوب مدينة طوكيو.

نسوة العراق وقفن بكل صلابة وشجاعة ضد طغيان القوى الحاكمة وجبروتها وصرخن صرخة عراقية حرة: لا.

الـ"لا" التي أطلقتها بعض النائبات أعادت لنا الأمل بأن في العراق سياسيين شجعان. ففي عتمة الانتهازية السياسية وألاعيب القرقوزات لتشويه صورة المرأة العراقية وفي ظل مخطط شديد لتسفيه دور المرأة، تأتي نسوة ناصعات الضمير، يتحدثن فتشعر بنبرة الصدق تشرق في ملامح وجوههن فتصدقهن الناس، ليبعثن جذوة الحياة في برلمان يراد له أن يتحول إلى سوق للمساومات السياسية.

منذ سنوات وجمع من النواب يصرون على إعادة الاعتبار لزمن الحريم وتسعى رئاسة البرلمان المؤقتة على إجبار اعضاء البرلمان على التصويت على قرارات لا علاقة لها بحياة الناس، ومنها قانون الاحوال الشخصية، الذي يشكل صداعًا دائمًا لبعض الاحزاب، فقررت التخلص منه

بالتأكيد أن حنان الفتلاوي ومعها العديد من النواب سيشتعلون غيظًا وغضبًا، من نائبات قررن ان يتخذن موقفًا شجاعًا،يكشفن نت خلاله للمواطمن العراقي أن حبل الخداع والانتهازية قصير، ففي نهاية الأمر على النائب أن يختار في أي معسكر يقف.. وتلك هي المشكلة التي تواجه معظم العديد من نوابنا، لأنهم يلعبون على كل الحبال.

***

علي حسين

معظمنا قد قرأ لكتاب عرب يجيدون صنعة الكتابة ومهاراتها، وبرعوا فيها وتفوقوا، وما قرأنا لكاتب من بلادنا وتابعناه، ربما لغياب قدرات الكتابة وتقنياتها.

قد (يزعل) الأخوة والأخوات، لكنها حقيقة علينا أن نواجهها، ونتعلم منها فنطوّر مهاراتنا الكتابية، لكي نؤثر في الواقع ونخلق تيارا ثقافيا معرفيا، يمتلك أدوات التغيير في مسيرة الحياة.

وقد كتبتُ كثيرا عن محنة الكتابة، وضرورة التواصي بتقنياتها وأساليبها، ومعرفة فنونها ومهاراتها الأسلوبية، والتفاعل بها مع القارئ لا مع الكاتب، فألجمتُ جماح قلمي، وأرغمته على الإختصار والإقتصاد، والتكثيف والتركيز والتوضيح والمباشرة، فالقارئ يريد ما قل ودل، وأن يعرف لا أن يجهد لمعرفة ما يُراد قوله.

ولا أدري أن ما ذهبت إليه صحيحا أم حالة أخرى قد لا تفيد، لكن محاولات صب الأفكار في أقل الكلمات تتواصل، وأتمنى أن أقطع شوطا مهما في دروبها الوعرة، لأنها تتطلب تقنيات وأساليب ومعارف متراكمة، وقدرات على وعي فحوى الكلام المسطور.

فلكي تكتب ما يُقرأ عليك أن تتعلم مهارات أسلوبية، وتقنيات إبداعية تتفاعل مع القارئ وتشده إلى ما يقرأ، ولابد أن يتمتع بما يقرأ، وإلا لماذا يقرأ، إذا كانت القراءة تتسبب له بوجع الرأس!!

فمعظم الكتابات الطويلة التي تتناول موضوعات معقدة، يذهب كتابها إلى زيادة تعقيدها، وإفهام القارئ بأنهم لا يعرفون ماذا يريدون قوله، فتجد نفسك في متاهة، وتنفر من المكتوب عند أول عبارة أو فقرة.

وما يُحزن أن موضوعات قيّمة وأفكار طيبة تقدم للقارئ بأسلوب غثيث.

فعلينا أن نتعلم كيف نكتب ما يُقرأ، لا أن نتوهم بأن كل ما يُكتب يُقرأ، فالعالم قد تغير وأصبحت الصورة تغني عن كتاب، فلابد من مواكبة أسلوبية وثورة في تقنيات الكتابة وآلياتها، للوصول إلى الناس، وحثهم على التفاعل مع المكتوب، والتمتع بقراءته.

فهل ما نكتبه يمنح متعة القراءة؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

حب السلطة والتهافت على المناصب واحدة من أكثر الظواهر شيوعا بين العاملين في الميدان السياسي خصوصا في المجتمعات الشرقية ومنها مجتمعنا العراقي، وكان من ابرز الذين رصدوا هذه الظاهرة وحذروا منها هم الشعراء حيث قال فيها احدهم:

حب الرئاسـة داءٌ يحلق الدنيـا

ويجعل الحق حربا للمحبينا

*

يفري الحلاقيم والأرحام يقطعها

فلا مروءة تـبقى ولا دينا

وبالرغم ما قيل في السلطة من ذم وتحذير واستهجان الا ان هناك الكثيرين ممن يحسدون المسؤول على ما لديه من منصب ومال وابهة ويتمنون حياة البذخ التي يعيشها متجاهلين الطرق التي سلكها هذا المسؤول للوصول الى مبتغاه من استعمال المال الحرام والتزوير والرشوة والابتزاز وبعد نجاحه في الوصول الى السلطة يبدأ حياة جديدة من الخداع والمراوغات السياسية وتضليل الرأي العام من أجل المنفعة الشخصية، كما لم يدرك الحاسدون ان المسؤولين خلال فترة سلطتهم يعيشون فاقدين للحرية على حد وصف الكاتبة " نوال السعداوي " انهم (يعيشون في خوف ويموتون في خوف)، أنا بدوري اشفق على الهائمين في حب السلطة وامتيازاتها فهم لم يتعرفوا على قول افلاطون (أغلب الناس عند السلطة يصيرون أشرارا) كما انني لا أحسدُ مسؤولا عما يتنعم فيه من امتيازات توفرها له السلطة وأحسب نفسي انني أفضل منه بكثير فعندما انظر الى حياتي مقارنة بحياة المسؤول أجدها أكثر نظافة وزهوا، فعلى الرغم من حياتي التي فاتها تحقيق العديد من الأماني، الا انني سعيدٌ بها كثيرا، فلدي عدد من الصحبة والخلان الخلص الذين لا استبدلهم بكنوز الأرض، كما أشعر براحة الضمير لأنني لم أظلم أحدا، وأعتز كثيرا بحريتي ومواقفي التي لم تخضع يوما للبيع والشراء والمساومة، لذا وسط هذه السعادة والقناعة بنصيبي فانا لا أحسد أي زعيم سياسي أو ديني على ما لديه من مال حرام وسلطة محروسة بفوهات البنادق وجاه كاذب وحاشية واتباع وحراس  فكلها في نظري غيمة عابرة لن تمطر على رؤوس اصحابها سوى اللعنة والعار نتيجة ما اقترفوه بحق الشعب من جرائم وآثام، فلا خير في سلطة ومال تخسر من أجلهما سمعتك وانسانيتك وحريتك، فحياة هؤلاء ليس كما هي حياتي، انا اسافر حرا الى حيث أشاء واستمتع بمباهج الدنيا بدون اقنعة للتنكر وبلا حمايات و قلق وقيود، في حين هم لا يخرجون الى الشارع مالم يحيط بهم سور من البنادق وجوقة من الطبالين وهتافات المتزلفين، كما اني أقضي الليل بقراءة الشعر وسماع الموسيقى وأنام مرتاح الضمير متوسدا احلامي الجميلة في حين هم يقضون ليلهم خائفين وقلقين من الخيانات والغدر، ينامون والبنادق ساهرة على حياتهم ويفتقدون الحرية في تنقلهم وجولاتهم في حين امتلك كامل حريتي في التجوال اليومي اقف حيث اشاء واتحدث الى من أشاء، صح هم يملكون عدد من القصور والنساء ولكن في النهاية بيت واحد ينعم بالأمان والطمأنينة يكفي ان تعيش فيه سعيدا، كما اني اظهر تحت الشمس واستمتع بوجوه وأحاديث اصدقائي بينما هم غارقون في الوهم لا يسمعون سوى نفاق الوجوه الصفراء المحيطة بهم  .. ان الحياة تبدو لي أقصر من أن تعيشها وأنت تؤذي وتمثل وتكابر، فتبا للذين لا يعرفون قيمة الحياة .

***

ثامر الحاج امين

تفخيم الرجل: تعظيمه، تبجيله

التفخيمية من "فخم" ومصدرها تفخيم.

والمقصود بها إضفاء الألقاب الفخمة على الأشخاض، وهي ظاهرة مغفولة في مجتمعاتنا، فالسائد في القول، هذا عظيم، وعلامة، وخارق القدرات، ولا مثيل له في جميع العصور، وهذا كذا وكذا، كما يُقال أن فلان شاعر كل العصور، وذلك ملهم وفلتة الأزمان.

التفخيم سائد في كتاباتنا، وواضح في المدونات التأريخية، التي تقدم الأشخاص على أنهم موجودات لا آدمية.

لا توجد مثل هذه السلوكيات في مجتمعات الدنيا المعاصرة، فهل قرأتم مقالات تفخيم لرموز الإبداع فيها؟

بينما عندنا، لكي يكون الشخص مؤثرا لابد من تتويجه بالفخامة الفريدة، وإطرائه بالمدائح والتوصيفات الخارقة، ويبدو التفخيم متفاعلا بأوهام عالية مع الغابرين.

القائد الأوحد، القائد الملهم، الزعيم الأعظم، الشاعر الأكبر، الكاتب الأبدع، المجاهد الكبير، العلامة الجهبذ، العالم الأوحد، وغيرها الكثير من المسميات التفخيمية الخالية من الأدلة الواقعية، والتأثيرات الإيجابية في المجتمع.

وبموجبها، يبدو المجتمع وكأنه معطل العقول، ويجب أن يكون فيه مَن يمكن إستعارة عقله، وتقليده وإتباع خطواته ونهجه، لتأمين الإستقرار النفسي.

إن الأمم  المعاصرة لا تضفي ألقابا فارغة على رموزها، بل تتعامل معهم بموضوعية وإحترام، وتعدّهم للتفاعل مع الأجيال الصاعدة وتنشيط عقولهم، وأخذهم إلى فضاءات الإبداع والإبتكار.

فلماذا نسعى إلى تأكيد وجود البالونات الوهمية في ديارنا؟

فهل أن التفخيم البالوني أزرى بأحوالنا؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

ان استعار العقل العربي وتحجيم تفكيره من أخطر أنواع الاستعمار وعلى مدى عقود من الزمن مما أدى إلى تجهيل أجيال كثيرة مضت ولحد الآن من خلاله ورثنا أجيالا محدودة وطفيلية التفكير تعتمد على الغير في تفكيرها وبناء عقولها نتيجة اعتمادها على رجال أحاطوهم بهالة من القدسية والتمجيد والعظمة حتى أصبح التفكير في آلات المعرفة حكرا عليها ولا يسمح المساس بها أو مزاحمتها في استحصال المعرفة والحرية المطلقة في البحث عن المعرفة واعتبرها البعض خطا أحمرا لا يمكن تجاوزه والقفز على هكذا مسميات ( بعض علماء الدين ) وخصوصا عندما أستيقن هؤلاء البعض أن زمام الأمور انفلتت من أيديهم وأن الجيل الجديد ما عاد ينسجم ويتناغم من طروحاتهم وأفكارهم القديمة النمطية سمحوا لأنفسهم أن يفرضوها على غيرهم علما أنها خدمت مرحلة جيل قديم واكبت عصرهم وأصبح التيار الديني والمعرفي القديم بعيدا عن التيار الديني والثقافي والفكري المجدد للعقيدة والفكر الصحيح وتوجهاته ومقدار فهمها بالأسلوب المتطور الذي يفرضه الواقع الجديد حيث أشتد الصراع في السنوات الأخيرة وما زال هذا التيار المجدد يعاني من تبعات الضغط عليه . فقد كان للرأي الشخصي في مجريات الأمور الحياتية في عصر الرسالة المحمدية ودولته الإسلامية بصمته الواضحة من حث الصحابة في أعطاء الرأي والمشورة واستخدام الفكر والتفكير للعقل والخصوصية في فهم الأمور وما يدور من حولهم وتبادل الآراء وساحة النقاش مفتوحة في شؤون العقيدة والدين والحياة اليومية لكن سرعان ما تلاشت وأفل هذا المفهوم بعد رحيل النبي محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وأسدل الستار على باب النقاش والحوار الحر المطلق وضاقت فسحة التفكير ووضعت الحواجز والعراقيل على العقل العربي المسلم من قبل المتصدين للسياسة والدولة ورُبطت  السياسة مع  الدين بعدما منحوا البعض من القادة المسلمين لأنفسهم الحرية والسيطرة من خارج المنظومة الدينية والعقائدية وبعض المحسوبين على رجال الدين المتشددين في التحكم في الفرد ومقدراته وعقليته وكانت بدايتها في مرحلة صدر الإسلام الأول وخصوصا في محنة المعتزلة وسد باب الاجتهاد وهي المرحلة الخطيرة من حياة المسلمين في تكميم أفواه بعض الصحابة والتابعين والعلماء والمفكرين وأبعادهم عن محور القيادة والقرار والساحة الدينية والسياسية بعدما أصبحت آرائهم تعارض سياسة الدولة ومؤسساتهم الدينية والسياسية وبدأت حملة أبعاد المفكرين والمجددين لمفهوم العقيدة والدين والمجتمع ومنعهم من ركوب سفينة التجديد الفكري والركب العلمي للعالم حين أرادوا الابتعاد عن مفهوم السلف والتراث الذي ينقصه التطور والحداثة وما زالت هذه المحاولات لعزل التيار الفكري المجدد عن القاعدة الجماهيرية المتعطشة للفهم الجديد والتغير والمعرفة الحقيقية لعقائد الدين الإسلامي ومعرفة تأريخنا الصحيح وتراثنا الفكري والاجتماعي بوضع العراقيل أمامه على سبيل المثال حجة أن هذا التيار الجديد يمس جوهر العقيدة الإسلامية المقدسة والخروج عن مبادئ الإسلام وتارة أخرى أنها تخدم مصالح الفكر الغربي والمرتبط بايدولوجية الغربية وتارة فرض بعض رجال السياسة والأحزاب الدينية خصوصا أفكارها وهيمنتها على عقول الجيل الجديد وعدم السماح لها بالخروج عن نمط تفكيرها ومعرفتها وقد تصل إلى اتهام التيار الجديد بالإلحاد والكفر وغيرها من المسميات التي تنفر المجتمع منهم لكن التيار مستمر في البحث عن ما هو جديد وطرحه للعلن بقوة الحجة ووضوح الرؤى ومنهجية عالية في الإقناع والأسلوب.

***

ضياء محسن الاسدي

منذ مطلع القرن العشرين، والمطلوب من الأقلام أن تنعى الأمة، وتكتب عنها بسلبية وإحباطية مفرطة، لتأمين التبعية والخنوع والإستسلام لإرادات الآخرين، حتى صارت تتوسل بأعدائها لحمايتها من شرور بعضها.

وعلى مدى العقود القاسيات، ظهر فيها مفكرون وفلاسفة ومبدعون، يسيرون على ذات الخطى الممعنة بوصف الأمة بأبشع الأوصاف، وتبرير ما يدور في ربوعها من تداعيات، ولن تجد فيها ما يدعو للتفاؤل ويبشر بخير.

وإياك أن تكتب عن إيجابياتها، وطاقاتها المكبوتة، فسيتصدى لك أعوان التثبيط والتنكيل بها، وتمريغها في أوحال اليأس والقنوط.

فالكتابات والدعوات المعززة لوجود الأمة يتم إغفالها، وتعويق تسويقها أو إنتشارها.

ويبدو أن معظم رموزها ضحايا للعدوان النفسي المتواصل، وفقا لآليات التدمير الذاتي والموضوعي للهدف بقدراته الكامنة فيه، فطاقات الأمة الإيجابية تتحول إلى سلبية، وتدميرية فادحة الخسائر والأضرار.

فإذا قلت أن الأمة بخير، قالوا أنها أمة الأشرار والدمار، فلماذا تغفل ذلك؟

وعندما تتحدث عن تأريخها، يجابهونك بمساوئ الفترات التي ظهر فيها الفساد وتشرعن وتديّن.

وأكثرهم يتجاهلون مقارنة واقع الأمة مع الأمم الأخرى في حينها، ويحسبون ما وردهم عن الأمة خاص بها وحسب، وكأن الأمم الأخرى سامية القيم  راقية السلوك!!

ما حصل في ربوع الأمة لا يختلف كثيرا عما جرى في الأمم الأخرى القائمة حولها، مع فوارق معروفة.

وبرغم الإدعاء بأن الإسلام شرعها ودستورها، فمعظمها عبرت عن سلوك السلطة والدولة، وإتخذت من العقائد بأنواعها ذرائع للقبض على مصير البشر، وتذعينهم بالسمع والطاعة.

هذه النزعة المضادة للحياة لا تزال فاعلة ومؤثرة في واقعنا، ويرقص على أنغامها المبدعون والمفكرون والمؤرخون، وجميعهم يسعون إلى تبرير أسوأ الأحوال!!

"وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر"

***

د. صادق السامرائي

ليست المرّة الأولى التي يتقدّم فيه التحالف الشيعي بمشروع قرار لتعديل الفقرة 57 من قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1959 ولن تكون الأخيرة، فهذا القانون والذي كان تحت مرمى سهام رجال الدين منذ إقراره ولليوم سيظلّ ورقة طائفيّة بيد رجال الدين الشيعة وأحزابهم من جهة، وورقة سياسيّة  بيد الإسلام السياسي للهروب الى الأمام خلال الأزمات التي يمر به بلدنا على مختلف الصعد من جهة أخرى.

دعونا بداية مناقشة دستورية هذا التعديل الذي إن أقُرّ يوما، فأنّه سيساهم في تمزيق النسيج الوطني العراقي حتّى على مستوى الأديان والطوائف والمذاهب نفسها، لأختلاف الأحكام الفقهية بين نفس الفرق المختلفة للأديان  والمذاهب المكوّنة للنسيج المجتمعي العراقي، وهذا ما سيعقّد الأوضاع الأجتماعية على مستوى الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والإرث وغيرها. فالمواطنة ومساواتها بين فئات السكان المختلفة ستصطدم وقتها بجدار فقهي لا يعرف معنى المواطنة بالمرّة، وهو المؤمن بحل مشاكل مريدي ومقلدّي هذه الأديان والمذاهب بعيد عن ضوابط يتساوى فيه الجميع من الناحية القانونية.  نقول دعونا نناقش قبل الخوض في المقالة في تناول مادتين دستوريتين تتعارضان وبشدة مع مشروع التعديل الذي يريد التحالف الشيعي إقراره في البرلمان.

إن تمّ إقرار التعديل المزمع على قانون الأحوال الشخصية، فأنّ أحد أهم إشكالياته هو تجاوز الدستور أو عدم الإهتمام بالحقوق المدنية للشعب العراقي، تلك التي نصّ عليها الدستور الذي كان في لجنة أعداده وصياغته عدد من رجال دين الطائفتين وممثلين عن الأديان والطوائف من غير المسلمين،  والذي ينصّ في مادّته الرابعة عشر على أنّ (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الأقتصادي أو الإجتماعي). كما وإن التعديل سينسف أساس المجتمع من خلال تدميره لنواة هذه الأساس أي الأسرة، وهذا ما جاء به الدستور في المادّة  29 – أولا- أ والذي ينصّ على أنّ (الأسرة أساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية).

 نستطيع القول هنا من أنّ العلاقة بين الأسلام السياسي الذي يعمل على تمرير القانون وبين المؤسسة الدينية الراعية لهذا القانون، سينعكس سلبا على طبيعة المجتمع من الناحية الدينية والمذهبية. وبالتالي فأنّ هذا المشروع سيؤدي الى أستقطابات طائفية ستمزّق ليس نسيج المجتمع الرث نفسه، بل ستمزّق وحدة العائلة العراقية بسبب علاقات المصاهرة بين المذاهب والقوميات المختلفة.  لذا فأنّ هذا التعديل الذي هو بالحقيقة جس نبض لتمرير مشاريع أكثر خطورة منه مستقبلا  لا يتلائم مطلقا مع بناء الدولة، التي هي بحاجة الى تجاوز التخندقات القومية والدينية والطائفيّة لبنائها بالشكل الصحيح والعلمي.

يريد المشرّع الشيعي ومن وراءه المؤسسة الدينية الشيعية تمرير التعديل على الرغم من أنّ المسلمين أنفسهم لازالوا غير متفقين لليوم (لن يتفقّوا أبدا) على عدد الشهود عند عقد الزواج خارج المحكمة الشرعية!! من خلال إختلاف المذاهب الإسلامية المختلفة على تفسير الآية الثانية من سورة النساء والتي تقول (فأذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا)، فالشيعة الإمامية يفسرون الآية على وجوب وجود شاهدين عدلين عند الطلاق، والمذاهب السنية يفسرونها على وجوب وجود شاهدين عدلين عند الزواج  هذا حينما نبحث عن الفروقات بين مذهبين مختلفين، لكن المشكلة الأخرى هي وجود تفسيرات مختلفة عند فريقين من نفس المذهب وهذا ما يعمّق المشكلة أكثر، فجمهور رجال الدين عند مذهبين من مذاهب أهل السنّة يختلفون في تفسير معنى العدالة في نفس الآية آنفة الذكر، فأصحاب المذهب المالكي يقولون أنّ الشاهد العادل هو من (يتجنب الكبائر ويؤدي الأمانة ويحسن معاملة الأخرين)، أمّا أصحاب المذهب الحنبلي فيقولون أنّ العدالة (هنا) هو ( الصلاح في الدين وأداء الشاهد لجميع الفرائض وتجنّب الكبائر)، وفي حالة تمرير التعديل فأنّ المشاكل في هذا الحقل بين زوجين من نفس المذهب ونفس الدين ستكون كارثية، وهذا ما يؤكّد لنا صحة وفاعلية قانون الأحوال الشخصية لعام 1959، على الرغم من عدم تناوله لجميع حالات الخلاف، وفتحه الباب مفتوحا لتعديلات المشرّع العراقي من خلال مواد دستورية وقانونية تتعامل مع المشكلة على أساس المواطنة لا على الطائفة والدين، فالمادة الخامسة من الدستور تقول أنّ ( السيادة للقانون ....)، ولم تقل أنّها أي السيادة لرجل الدين.

أنّ تمرير القانون والمصادقة عليه سيمنح رجال الدين المسلمين ومنهم رجال الدين الشيعة الحق في إبرام عقود زواج دائم للقاصرات (قانونيا) خارج المحكمة الشرعية عند إكمال الأنثى (تسع سنين هلاليّة، وهو يعادل ثمان سنين ميلادية وثمانية أشهر وعشرون يوماً تقريباً) كما يقول السيد السيستاني في باب الأستفتاءات، وهذا السن متفّق عليه مع بقية المذاهب الإسلامية مجتمعة. كما يمنح رجال الدين الحق بتنظيم عقود الزواج المؤقت المعمول به اليوم بالعراق للأسف الشديد، والذي هو بالحقيقة  ليس الا باب من أبواب الدعارة التي يدّعي رجال الدين محاربتها كونها منافية للأخلاق. كما ولا يختلف رجال الدين الشيعة والسنّة في تزويج الصغيرة حتى قبل البلوغ إستنادا الى الآية الرابعة من سورة الطلاق (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ). وهنا تحديدا يبدأ أحد أخطر حالات الزواج التي يرفضها العقل الأنساني السوي والقانون، وهو تزويج الرضيعة التي هي دون سنّ البلوغ من رجل بالغ لأسباب عديدة منها الفقر وتأثير رجل الدين على العامّة وغياب الوعي عند والدي الطفلة الرضيعة.

لا يختلف الإماميّة عن مذاهب أهل السنّة في زواج الرضيعة في أصل الأباحة بل في جزئياتها، ومن أهم جزئيات هذا الشكل من أشكال الزواج هو إباحة الأستمتاع بالرضيعة لحين بلوغها ودخول زوجها عليها!! فأهل السنّة والجماعة ووفق مصادر لأحمد بن حنبل وغيره والتي صحّحها الألباني يقولون " لا يجوز له – أي الزوج - بأي حال أن يستمتع بها أي استمتاع يؤدي إلى الإضرار بها ، فإن فعل فهو آثم،  لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار". أمّا الإمام الخميني فيقول في تحرير الوسيلة – الجزء الثاني- ص 241  مسألة 12  " لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواما كان النكاح أو منقطعا، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة، ولو وطأها قبل التسع ولم يفضها لم يترتب عليه شئ غير الإثم على الأقوى، وإن أفضّاها بأن جعل مسلكي البول والحيض واحدا أو مسلكي الحيض والغائط واحدا حرم عليه وطؤها أبدا لكن على الأحوط، في الصورة الثانية، وعلى أي حال لم تخرج عن زوجيّته على الأقوى، فيجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة أختها معها وغيرها، ويجب عليه نفقتها ما دامت حية وإن طلقها بل وإن تزوجت بعد الطلاق على الأحوط، بل لا يخلو من قوة، ويجب عليه دية الافضاء، وهي دية النفس، فإذا كانت حرة فلها نصف دية الرجل مضافا إلى المهر الذي استحقته بالعقد والدخول، ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولم تثبت الدية، ولكن الأحوط الانفاق عليها "!! فيما يقول السيد السيستاني في كتاب منهاج الصالحين – الجزء الثالث – ص 10 وحول نفس المسألة " لا يجوز وطئ الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواما كان النكاح أو منقطعا، وإما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والتقبيل والضم والتفخيذ فلا بأس بها، ولو وطئها قبل إكمال التسع ولم يفضها لم يترتب عليه شئ غير الإثم على الأقوى - والافضاء هو التمزق الموجب لاتحاد مسلكي البول والحيض أو مسلكي الحيض والغائط أو اتحاد الجميع - ولو أفضاها لم تخرج عن زوجيته، فتجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة أختها معها وغيرها، ولكن قيل: يحرم عليه وطؤها أبدا. إلا أن الأقوى خلافه.، ولا سيما إذا اندمل الجرح - بعلاج أو بغيره - نعم تجب عليه دية الافضاء، وهي دية النفس إن طلقها، بل وإن لم يطلقها على المشهور، ولا يخلو عن وجه، وتجب عليه نفقتها ما دامت مفضاة وإن نشزت أو طلقها، بل وإن تزوجت بعد الطلاق على الأحوط. ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولم تثبت الدية، ولكن الأحوط وجوب الانفاق عليها كما لو كان الافضاء قبل إكمال التسع، ولو أفضى غير الزوجة بزناء أو غيره تثبت الدية، ولكن لا إشكال في عدم ثبوت الحرمة الأبدية وعدم وجوب الانفاق عليها".

نحن في حالات إباحة الزواج من القاصرات ومنهنّ الرضيعات وفق مختلف المذاهب الإسلاميّة وهذا ما يريد المشرّع الشيعي تحقيقه من خلال تعديل قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 ، أمام جريمة كبرى بحق الطفولة وهي إباحة البيدوفيليا* شرعا في المجتمع، خصوصا مع إزدياد حالت الفقر وتعدد الزوجات. فإختلاء الرجل البالغ برضيعة قد يكون عمرها ثلاثة أشهر وحتى أقل شرعا في بيت والديها، وممارسة كل ما تشتهيه نفسه المريضة معها وفق الشرع الإسلامي الذي حلّل له هذه الممارسات !! عمليّة غير أخلاقية تضاف الى ما يعانيه مجتمعنا اليوم من أنتشار أمراض أجتماعية وأخلاقية لم تكن معروفة سابقا في مجتمعنا المحافظ قبل الأحتلال الأمريكي للبلاد، أو كانت على مستوى ضيّق جدا وغير محسوس ويعاقب عليه القانون.

أنّ جميع القوى الديموقراطية والنسوية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والعقلاء من البرلمانيات والبرلمانيين العراقيين، مدعوون اليوم للوقوف بحزم ضد جريمة  تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يطالب الأطار التنسيقي الشيعي تمريره وإقراره، من خلال تثقيف الجماهير على الجرائم التي سترتكب بحق المرأة وأستعبادها والطفولة وبراءتها. أن القوى صاحبة هذا المشروع الكارثي لم تكتفي في نهب ثروات البلاد ومصادرة الحريات وإشاعة الفساد في كل مفاصل المجتمع ومرافق ما تبقى من الدولة، بل تريد أن تذهب بعيدا اليوم في إشاعة الأنحلال الأخلاقي من خلال تفاسيرها غير المواكبة لحركة التاريخ، كما وعلى رجال الدين التنويريين العمل على أنسنة الشريعة والفقه ليواكب عصرنا اليوم خصوصا حينما يتعلّق الأمر بالمرأة وحقوقها والقاصرات والرضيعات وبرائتهن..

*البيدوفيليا: أنجذاب البالغين نحو الأطفال ذكورا وإناثا لأشباع رغباتهم الجنسية وهو أضطراب عقلي وقد أثبتت الاختبارات (أن مرضى البيدوفيليا يعانون من بعض التشوهات العصبية ونسبة الذكاء عندهم أقل بحوالي ثماني في المائة عن المتوسط، حسب الطبيب النفسي جورخي بونسيتي، الذي يضيف وفق مقالة  لفرانك هاجاش نشرت في موقع وكالة الأنباء الألمانية DW بتاريخ 25/ 5 / 2014  أن"من المثير للاهتمام أيضا أن عمر الضحية له علاقة مع نسبة الذكاء عند الجاني". وهذا يعني أنه كلما كان غباء الجاني أكثر، يكون الطفل اصغر سنا. كما أن هناك أدلة على أن المولعين بالأطفال يكونون أقصر من متوسط حجم السكان. كما وجد باحثون كنديون أن المولعين بالأطفال تعرضوا لضعف عدد إصابات الرأس في مرحلة الطفولة بالمقارنة مع غيرهم من الأطفال). لكننا في العراق اليوم أمام مشرّع يريد منح البيدوفيلي إن صحّ التعبير أو أنتاج ظاهرة البيدوفيليا ووفق فتاوى دينية، الصفة القانونية والشرعية في إعتداءه على الرضيعات، ولا نعرف من الأكثر غباءا هنا، هل هو المشرّع الذي يبيح هذه الممارسة الشاذة، أم البيدوفيلي الذي يمتلك فتوى شرعية لممارسة هذا الشذوذ الأخلاقي، أم من..؟

***

زكي رضا - الدنمارك

2/8/2024

 

لكل زمان أقلامه، وقادة فكره وثقافته، ووفقا لمعطيات وقتهم تتجلى قيمتهم ويكون دورهم، وليس من الموضوعية والصدق أن نقايسهم بفترات زمنية لاحقة، فهم ينتمون لأجيال خلت، وعلى الأجيال التي أتت، أن تراهم بعيون ذلك الزمان لا بعيون زمانها المعاصر.

فالدنيا تتغير بسرعة، ودفق المعارف هادر ووثاب، والمتراكم في العقول من العلوم تنوء منه الرؤوس وتكِل الأفهام.

فأبناء العصر يعرفون أكثر من أبناء العصور السالفة، ولديهم من المصادر والمنابع المعرفية الفورية ما لم يتيسر لمن سبقهم.

فهل يجوز لهم قراءة ما مضى بعيونهم الحاضرة؟

هذه إشكالية تفاعلية تظهر في عدد من المقالات والنصوص، وكأن كتّابها يقللون من قيمة الأسلاف، ويتناسون أحوال الدنيا في حينها، وكيف كانت الأمم  الأخرى آنذاك.

ويبدو أنه سلوك عدواني على الأمة وإساءة لمسيرتها الحضارية، وما قدمته رموزها من إبداعات وإضافات أصيلة للإنسانية.

فماذا قدمنا للدنيا بالمقارنة بما قدموه؟

إن رموز الأمة وأعلامها أفذاذ متميزون، وضعوا الحجر الأساس للإبداع الإبتكاري الذي نتمتع بمنجزاته اليوم.

فلا يجوز مقارنتنا بهم، لعدم تفاعلنا مع عصرنا بذات الروحية المقدامة، والثقة العالية بالإرادة الذاتية والموضوعية، وتوطن العجز والشعور بالقصور والتبعية في وعينا الجمعي.

فعلينا توقي الحذر، عندما نتناول رموز الأمة المعرفية بأنواعهم، فهم الذين أبدعوا وإجتهدوا وقدموا ما بإستطاعتهم للتعبير عن جوهر وجودهم في قلبها النابض بالأنوار.

***

د. صادق السامرائي

قال أخي الصادق ان (الكلمة السيئة قنبلة) اعدت للامة منذ ازمنة غابرة ولا زالت شظاياها ودويها وغبارها واشعاعاتها ومفعولها الذي يبدو لا علاج له، قاسية وتراكمات نتائجها تمنع الامة من الحركة وحتى التنفس.

الكلمة السيئة كما قالها الصادق لم تأت الى الأمة من زاوية واحدة ضعيفة أو من ثغرة أو من جهة مترهلة أو من موضع معلول أو كسيح، إنما جائتها من كل الجهات الأربع ومن تحتها وفوقها غضباً او إشتهاءاً.. فلماذا العداء للأمة بالكلمات القنبلات اللأتي يتفجرن كل يوم وفي كل جهة؟

منذ ما قبل الأسلام، كانوا يكرهون أمة العرب ويتمنون محقها. ومنذ ما بعد الأسلام باتوا يعملون على طمسها وإذلالها وتدميرها ونهبها ومسح هويتها وعمل البعض على اغتصابها في احضانهم وتجريدها من وطنيتها أو قوميتها بعد طمس مقوماتها.

لماذا أمة العرب؟

لماذا اختار الله سبحانه وتعالى أمة العرب لينزل عليها القرآن الكريم؟ لماذا لم ينزله على أقوام الروم والبيزنطيين والساسانيين وأقوام ما وراء العصور؟

لماذا اختار الله أمة العرب؟ لأنها كانت تؤمن بمنظومة القيم التي لم تكن موجودة لدى أمم أخرى (الاخلاق – إنك لعلى خلق عظيم – والعدل والانصاف والشهامة والكرم والشجاعة والإلتزام بالعهود وبقوة الحق).. حباها الله بهذه القيم، فجاء الإسلام فشذب مساوئها (وئد البنات، والجواري، وبيع وشراء العبيد وشرب الخمرة والربى.. إلخ) وباتت قوية في انتشار رسالتها الحقة الخالية من الهيمنة والاذلال والاستغلال والطغيان والداعية الى الرحمة والعدالة والانصاف بين الناس والشعوب.. فلماذا توجه الكلمات السيئة كالقنابل نحو الأمة؟

لا يريدون وحدة الأمة، ولا يريدون اتحادها، ولا يريدون ترابطها اجتماعيا ولا اقتصاديا ولا ثقافيا، ويرفضون تواصلها وتكاملها وتفاعلها ويحطون من قيمتها وقيمها وماضيها وحاضرها  ويشيعون ما يفسد فيها ويحط من قدرها ويشجعون على تفسيخها.

الغرب يمنع وحدة امة العرب والشرق يمنع وحدة العرب، والعرب لا يريدون وحدتهم، فمن يريد وحدة العرب غير الشعب العربي المغلوب على أمره بالتجويع والتركيع والتهجير والإضطهاد.

ايها الصادق، الكلمة السيئة قنبلة.. نعم، وكأني أراك تقول بصدق  إن الكلمة الطيبة حسنة.. فكيف تُصَد السهام، وكيف تبطل القنابل الموجهة نحو الأمة من كل جهاتها؟ وتبطل الحجج التي يسوقونها كذبا ودجلا، أن أمة العرب لا تقرأ ولا تكتب، وقلت انت ايها الصادق، كلا إنها تقرأ و تكتب وتتفاعل مع عصرها، وصدقت في ذلك وألقمت هذا البعض حجرا.. وقالوا إن أمة العرب غير منتجة ومصيرها العدم، ولم يتحدثوا عن حقبة الاستعمار الذي قسم وفكك وعبث ونهب ودمر وبنى عواصمه من ثروات الشعوب التي نهبوها، وصمتوا كصمت القبور.

***

د. جودت صالح

31/ تموز- 2024

 

في المثقف اليوم