أقلام حرة

أقلام حرة

كثيرًا ما يُقال: إن الحياة تبدأ بعد الخمسين، لكن في بعض البيوت، لا تُسمع سوى أصداء "بوق إسرافيل"، حيث تتحول هذه المرحلة إلى إعلان غير رسمي لنهاية الأنوثة والعاطفة والتواصل الزوجي. فجأة، تصبح المرأة أكثر انشغالًا بالتفاصيل الصغيرة، وأكثر ميلًا لافتعال المشاكل، وكأنها تعزف لحن النهاية لحياتها الزوجية والاجتماعية والعاطفية، ووأد لأنوثتها بدواعٍ واهية، لا تعدو أن تكون أوهام.
بعد الخمسين، قد تجد بعض النساء أنفسهن في حالة من التوتر الدائم، حيث يتضخم الشعور بالفراغ بعد خروج الأبناء من المنزل أو انشغالهم بحياتهم، فيتحول الزوج إلى المتنفس الوحيد لتفريغ المشاعر السلبية. تبدأ المشاكل الصغيرة في التفاقم، ويصبح الصمت بين الزوجين أكثر حضورًا من الكلمات، ويتحول البيت إلى مساحة يسودها الجمود العاطفي، وكأن الحياة الزوجية قد انتهت دون تصريح رسمي.
البرود العاطفي… الموت الصامت
إحدى أكبر المشكلات التي تواجه المرأة بعد الخمسين هي البرود العاطفي، سواء من جانبها أو من جانب زوجها. بعد سنوات من الزواج، تضعف المبادرات الرومانسية، ويحل الروتين محل الشغف. قد تهمل المرأة نفسها، لا من باب اللامبالاة، ولكن بسبب شعور داخلي بأن الأنوثة لم تعد أولوية، أو بأن الجمال بات شيئًا ماضيًا لا طائل من السعي وراءه. هنا، لا يكون "بوق إسرافيل" مجرد استعارة، بل حقيقة يعيشها الكثير من الأزواج في صمت.
بعض النساء يتعاملن مع الخمسين وكأنها خط النهاية، فتبدأ مرحلة الاستسلام للاكتئاب واليأس والشعور بعدم الجدوى. لماذا؟ لأن المجتمع، وللأسف، زرع في أذهانهن أن المرأة ينتهي دورُها عندما تتجاوز سن الشباب. لكن الحقيقة أن الحياة لا تتوقف عند عمر معين، بل كل مرحلة تحمل معها جمالًا وفرصًا جديدة، لمن يريد أن يراها.
كسر الدائرة المغلقة
الحل ليس في انتظار المعجزة، بل في اتخاذ قرارات صغيرة تعيد للحياة الزوجية والعائلية معناها. على المرأة بعد الخمسين أن تستعيد اهتمامها بنفسها، ليس فقط من أجل زوجها، بل من أجلها هي أولًا. الرياضة، الأناقة، الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية، وحتى المغامرة بتجربة أشياء جديدة، كلها طرق لإعادة إشعال فتيل الحياة. كما أن الحوار مع الزوج ومحاولة إحياء اللحظات الجميلة التي جمعتهما قد يكون المفتاح لإعادة الدفء الذي فقد مع الزمن. أن تضع وردةً بيضاءَ طرية في صندوق الهدايا وتقدمه لزوجها الحبيب قد يعيدا اللحظات الشبابية ويعودا ليعيشا أجمل لقاء وكأنهم يلتقون لأول مرة.
وختاماً، بوق إسرافيل لا يُنفخ عند الخمسين، بل عند الاستسلام لليأس والمشاكل المفتعلة والبرود العاطفي. المرأة تملك الخيار: إما أن تجعل من هذه المرحلة بداية جديدة لحياة مليئة بالحيوية، أو أن تعلن النهاية بنفسها قبل أوانها.
***
بقلم د. علي الطائي
26-2-2025

الأرض تدور وتعطينا أياما وأعواما وعقودا وقرونا، والأحداث تحصل ولها أسباب ووقائع ونتائج، هذه النتائج تتفاعل مع مفردات الواقع بأبعاده الزمنية والمكانية، لتؤدي إلى أسباب تدفع إلى وقائع ونتائج وهلم جرا.
هكذا هي المسيرة شئنا أم أبينا، دورة بقاء متكاملة بكل حلقاتها الإفنائية والإستيلادية والتدميرية والبناءة.
إنها دورة في حلقة مفرغة، وعلى بقعة كونية نائية تشعر بالخوف والوحشة والرعب في هذا المحيط الكوني الهائل، ولا تدري إلى متى ستستمر في عزلتها، ومتى ستصطدم بجرم سماوي فيقضي عليها، أو وحش كوني هائل يفترسها أو يفتتها، إنها لا تدري حقا.
لكننا ندري أن في الكون دورات إستحالة، فالأكوان تدور في حلقات تفاعلية ثابتة تحقق بقاءً عاليا، ولولا هذه الدورات لحلت النهايات.
إن الحلقات المفرغة جوهر السرمدية وعنوان الأبدية، ولكي تدوم لابد من تكرار التفاعلات الكيميائية وتواصل إفرازها للعناصر اللازمة لتأسيس مركّبات ستؤدي إلى تفاعلات أخرى حتى ينتهي كل شيئ إلى حيث البدايات.
عناصر مفردة تختزن طاقات لتفاعل جديد وصيرورة أخرى، بذات العناصر والذرات والجزيئات، في عملية إستحالة ودورة إبتداء وإنتهاء أبدية.
هكذا نحن ندور مثلما الأرض تدور صانعة الزمن المحسوس، فتحقق فعلها وتأثيرها فينا ودورتها في أعماق وجودنا الذاتي والتأريخي، وبسبب دورانها نمر بمراحل ونخرج منها إلى مراحل أخرى أكثر قوة وتجربة ووعيا وإقتدارا على إنجاب مراحل جديدة.
إن الدوران والحركة الفلكية الزمنية، تمنحان التجدد والصيرورة الأرقى للأشياء، حية أو جامدة كانت.
ولا يمكن التمحور حول مرحلة ماضية داستها العجلات، وأنجبت غيرها وغيرها من مراحل الوعي واليقظة والإدراك والترابط والتفاعل الحار الجديد.
هذا التفاعل يتطلب من الأحياء التعامل معه على أنه حالة كائنة ومعاصرة ومنبثقة من زمن آخر، فيها مفردات سابقة ومركبات متجددة من ذات العناصر والمكونات، التي أنتجت وألفت ما ألفت في لحظة من لحظات الزمن .
إن طبيعة الأشياء الأرضية، تستوجب أن يكون الماضي ماضيا والحاضر ذات يوم ماضيا، وأبعاد الزمن الثلاثة حركات ماضية، لا تتوقف أو تتصنم، لأن الأرض تدور وفي كل دورة هناك جديد، أو قديم يتجدد أو آت يتحقق، أو قل ما شئت، لكن الأشياء لا تبقى على حالها، بل تستحيل إلى حالة أخرى ذات مفردات وعناصر واحدة لاغير.
وهذا القانون المستمد من القانون الكوني الأكبر ينطبق على الموجودات الأرضية، وعلى كل فعل وسلوك بشري وفي أية لحظة قائمة، حيث لا يملك المخلوق القدرة على إيقاف حركة الأرض، ولا يسترجع الماضي مثلما كان، ولا يجوز أن يتعامل مع أية مفردة زمنية من خلال مفردة لاحقة أو سابقة لها، لأن في ذلك إجحاف وتضليل وتشويه وتغيير.
إن الأحداث لا توضع تحت منظار زمني مختلف، لأن ذلك يدفع إلى الزوغان البصري والى إضطراب البصيرة.
فالأحداث يمكن النظر إليها من خلال تلسكوب إدراكي ذو عدسات زمنية، وأنبوب يتناسب طوله ومدى إبتعاد تلك الأحداث عن الزمن الحاضر المتحرك الذي لا يدوم في مكانه.
إن الحركة أساس الحياة، وأصل بقائها وقوة تواصلها، وبدون الحركة يتحقق الموت والإنقراض، لهذا فالمخلوقات لا تمسك بالماضي، لكنها تستطيع تجاوزه، والنظر إليه من خلال تلسكوب زمني وبعدسات ذات أبعاد بؤرية متناسبة مع المسافة ما بين ذلك الوقت المنتهي والوقت الذي في طريقه إلى الانتهاء.
وهكذا فأن المراحل الزمنية، برغم دورانها على نفسها وحركتها في ذات الدائرة المفرغة، لكنها لا تتوقف، بل تتطور وتمضي في مسيرة الميلاد والإنتهاء.
ومن هنا فالبشر لكي يتواصل مع الحركة الزمانية عليه الإنتقال إلى مراحل متناسبة والمرحلة التي يحقق وجوده فيها، فالإمساك بأقدام الماضي حالة متعارضة ومتناقضة مع طبيعة الوجود وقوانين الكون الأرضية.
فلا يحق لمجموعة من البشر في زمن ما أن تعيد قراءة مرحلة ماضية ما، وتستخلص منها ما تراه بعين مرحلتها التي هي فيها وليس بعين تلك المرحلة الماضية.
وهنا يحصل خلل تدميري وإضطراب تفكيري وإستنتاجات عاطفية وإنفعالية، لأن العقل لا يمكنه أن يرى ما حصل قبل ألف عام مثلا، إن لم يكن عبدا مسخرا للعاطفة التي تريد أن تحقق شيئا وتستخدم العقل لغاياتها، وتحاول أن تزجه في ما لا يطيقه ويقدر عليه، فينتهي إلى رؤى خاطئة وخلا صات مؤذية وأحكام لا تصح.
إن قراءة ما مضى يجب أن يأخذ بنظر الإعتبار المسافة ما بين الحالتين، والتي أثرت على العقول والنفوس وحوّلت وجودها إلى غير وجود الآخرين، الذين عاشوا على ذات البقعة قبل ألف عام أو يزيد.
فلا يمكن لأبن اليوم أن يتحدث عن السومريين والبابليين والفراعنة وكأنه يعرفهم كمعرفته لنفسه، ويبدأ بتنظير ما يراه بعين الحاضر، وهو جاهل كل الجهل، لمكونات ومفردات حالة الماضي التي أنجبت تلك الصيرورات الحضارية.
وعندما نقترب أكثر لزمن الحضارات التي تحققت في الألفين سنة الماضية، ليس من الإنصاف أن نراها بعين الحاضر ونتعامل معها بعقل وروح ونفس اليوم، ونتصورها وفقا لمرآتنا الإنفعالية وصوتنا العاطفي، وعقلنا المسخر لتأدية واجبات التبرير والتزوير والخداع والتضليل، والتلفيق والتغيير من أجل تمرير لعبة رؤيتنا وإتجاه نظرتنا.
إن الماضي حالة مضت ولا يمكن إستحضارها إلى الزمن الحاضر وإتخاذ المواقف والإتجاهات على ضوئها.
إن الذي يقرأ الماضي عليه أن يقرأه بعيونه لا بعيون الزمن الحاضر، وأن يرحل إلى الماضي لا أن يستحضره إلى مسرح الحاضر.
هذا الإضطراب يتسبب في كثير من التصورات والإستنتاجات الخادعة المضللة، التي تؤدي إلى الإجحاف والتقصير والتجني، وتحميل الماضي مالا يطيقه وزرقه بالملوثات أو المحسنات وفقا لمنهج الرأي الحاضر والإنفعال الفاعل مما يؤدي للإساءة إلى الماضي.
إن مَن يريد معرفة الحقائق عليه أن يرحل إليها لا أن يدعوها للحضور، لأن ذلك مستحيل أرضي وبشري.
ونحن بشر، وما نجهله أعظم بكثير مما نعلمه.
نحن لا ندري ونتوهم بأننا ندري، وتلك أم المآسي البشرية، وستبقى حالة أبدية الطباع والصيرورات، حتى تقرر الأرض حكمها بما يجري على ظهرها من التعسف والإجحاف والمغالطات والمكابرات!!
و" عش رجبا ترَ عجبا"!!
***
د. صادق السامرائي

من الناحية الفنية الصرفة وبعيداً عن نظريات الفساد والسرقة والتهريب التي يجري تداولها، هنالك حقائق يجب الاشارة اليها لكي ل اتضيع بعض الثوابت والقواعد الاقتصادية في ظل فوضى الاعلام المسيّس والاشاعات والتسقيط وغيرها من الدوافع التي تلغي الموضوعية والمهنية..
الحديث عن فرط عمليات بيع الدولار وكونها تتعارض مع مصلحة الاقتصاد الوطني. تحتاج الى بعض الايضاحات.
- الطلب على الدولار يعني وجود حاجة الى تمويل الاستيرادات السلعية أو الخدمية او لتمويل عمليات السفر الى الخارج للسياحة او العلاج او الدراسة وغيرها..
- الاحتياجات المذكورة اعلاه ترتبط بزيادة الانفاق المحلي بشقيه الحكومي والخاص (الانفاق الخاص يعني الانفاق العائلي وانفاق قطاع الاعمال)..
حيث ان السوق العراقية تعتمد بنسبة كبيرة على السلع المستوردة بسبب ضعف انتاج القطاعات السلعية كالصناعة والزراعة. مما يجعل الاستيراد هو السبيل الوحيد لتلبية احتياجات السوق.
- عندما تتوسع الحكومة في انفاقها لابد لها من ان تتوقع زيادة في الطلب على الدولار لان انفاقها سوف يخلق طلباً اضافياً على العملات الصعبة (الطلب على الدولار هو دالّة او متغير تابع للانفاق المحلي)..
تراكم فائض وطني من العملات الصعبة لدي البنك المركزي ينتج عن فائض في ميزان المدفوعات بسبب زيادة الصادرات السلعية والخدمية على الاستيرادات السلعية والخدمية.
***
د. صلاح حزام

هل خلقنا للحياة أو لفهم الحياة؟.. سؤال مخبول قد يتردد في أروقة الخيال، ويثير تساؤلات.. فمن الذي يفهم الحياة؟

يبدو أن المفكرين هم الذين يحاولون فهم الحياة، لكن فهمهم وإستيعابهم لجوهرها لن يصنعها!!

فالحياة قائمة وتدور بقوانينها وطبائعها، ولا يعنيها مَن يفهمها أو لا يفهمها، وبهذا ربما يكون دور المفكرين متصف بكثير من العجز والتسويغ الترقيدي لمسيرتها.

ومن الذي يصنع الحياة؟

إن الذين خلقوا للحياة هم صناعها ومدبري أمورها، وهؤلاء أصحاب العقائد والطبائع المعبرة عن كنهها وقوانينها وتطللعاتها التفاعلية، المفضية إلى جريان نهر الوجود المحتدم في أوعية إنصبابها المتدفقة في كل مكان، والمحكومة بإرادة الدوران.

ولا بد من التوازن ما بين الفكر والعقيدة، لتتحقق الأمم وتتطور، وتعوم بنشاط فوق مياه المكان والزمان الذي تعاصره، وإلا تموت الحياة بالفكر وحده، وتتدمى بالعقيدة لوحدها، وهذا ما حصل في عدد من المجتمعات التي إنفصل فيها الفكر عن العقيدة، وصار الصراع حاميا وقاسيا، فتدمرت الأفكار والعقائد جميعا، وحل العدوان والإضطراب والسُقام والزؤام.

ترى كيف تتمكن الأفكار من التفاعل مع العقائد بأمان؟

من أهم الإقترابات أن يتحقق الإصغاء المتبادل، والتفاعل بالتي هي أحسن، لكي توضع اللبنات الأساسية للجسور القادرة على إدامة التواصل، وتبادل المنطلقات وتوفيق المعطيات، وما يترتب عليها من دلالات وسلوكيات.

ولكي ينهض أي مجتمع من وجيع ويلاته عليه أن يوقظ مفكريه، ويحيّ عقائد الحياة لبناء وجودٍ حميد.

فهل لنا أن نستقيد؟!!

و"من أُعجب برأيه ضل"!!

***

د. صادق السامرائي

أراد العراقيون بعد عام 2003 ان يعيشوا الحرية التي حلموا بها منذ عقود، لكن السياسيين وجدوا حلولا تلغي فيها احلام المواطن العراقي لتسود احزاب المصالح والمنافع . قرر الساسة الكرام خطف التغيير وتشكيل مؤسسات للحكم، هدفها تقاسم السلطة بين الرؤوس الكبيرة، وظل الهدف واحدا " الحفاظ على المالات " كما صرح كبير ممثلي المسرح السياسي في بلاد الرافدين محمود المشهداني، ومارسوا لعبة تقلب المواقف، فبعد ان ذرف ساستنا الدموع على بشار الاسد خرج علينا رئيس جهاز المخابرات العراقي، حميد الشطري ليقول إن: " الأسد كان يزج بمئات الانتحاريين والمقاتلين المتطرفين إلى العراق " .كيف يا رجل؟ والسيد نوري المالكي أخبرنا ذات يوم انه سيأخذ الجيش ويدافع عن بشار الأسد؟ .
ولانني لا اريد ان ادخل القارئ العزيز في لعبة التصريحات المتناقضة التي اشتهر بها ساستنا ومسؤولونا، فاسمحوا لي ان اتحدث عن ذكرى رجل يرافقنا كل يوم، ونحن ننشغل بشاشة الهاتف المحمول، انه ستيف جوبز الذي تصادف اليوم ذكرى ميلاده السبعين – ولد عام 1955 - وكنت قبل مدة استمتعت بقضاء وقت مع كتاب " آبل من الداخل " وفيه يروي مؤلفه " آدم لاشينسكي " كيف استطاع هذا الرجل الذي كان يعاني مرضاً فتاكاً من ان يؤسس اكبر شركة عملاقة في العالم ونقرأ كلماته وكأنها وصايا للاجيال: "عندما أقف كل صباح أمام المرآة أسأل نفسي، لو كان هذا آخر يوم لي في الحياة هل سأفعل ما أنوي القيام به اليوم؟ وإن كان الجواب لا، لعدة أيام متتالية.. سأعرف أنه يتوجب عليّ تغيير شيء ما"، ترك لنا المرحوم جوبز جهازا مسطحا خفيفا نستطيع أن نرى فيه العالم بكل جهاته ونسمع أخبار ابطال الفضائيات، وكان آخرهم وأعجبهم حديث السيد المالكي الذي قال فيه انه تنبأ بسقوط نظام بشار الاسد منذ مدة، كيف " يامولانا " وجهاز " الآيفون " الذي اخترعه " الامبريالي " ستيف جوبز يدلنا على حوار تلفزيوني قديم مع جنابكم الكريم تحذرنا فيه من المساس بنظام بشار الاسد وتقول ساحمل بندقيتي وادافع عنه؟.
للاسف لا تزال الامبريالية العالمية تترصدنا، والا ما معنى ان يُصر جهاز الآيفون ان يعرض علينا صباح كل يوم على شاشته الصغيرة تصريحات سياسية مليئة باطنان من الكوميديا والتناقض لابطال الكرسي الذين صبغوا حياتنا بالخطابات المتلونة.
يشبه ما جرى للمرحوم ستيف جوبز، ما يجري في قصة علاء الدين والمصباح السحري، ففي لحظة ما فرك هذ الرجل مصباح الاصرار ليقدم لنا درسا في المثابرة، لا مكان فيه لجمل وشعارات عن عملاء الإمبريالية الذين تسببوا في حرمان ابراهيم الجعفري من جائزة نوبل للاداب والرجل اصدر اكثر من 200 كتاب .
***
علي حسين

إن صفات الإنسان الأول العاقل المتعلم المتميز عن باقي الخلق ومن البشر والتي جُبل عليها والتي أودعها الله تعالى فيه وهي صفات فطرية تكاد توازي بها الملائكة تقريبا في صفاتهم (ونفس وما سواها)، (فألهمها فجورها وتقواها) الشمس 7-8 منها الحق والعدل والأمانة والتفكير السليم والعبادة و الطاعة الخالصة لله تعالى خالقه ومصوره ومعلمه الأول لهذا أستحق مكانه الطبيعي الذي أسكن الله الإنسان الصافي النقي في سريرته وتفكيره بالتخطيط الإلهي أن تكون الجنة الأرضية هي المأوى المكاني والزمني المؤقت على هذه الأرض إلى يوم الدين لكن مع الأسف لم يستطيع  أبونا آدم أن يتحمل مسئولية الامتحان الرباني والفرصة التي مُنحت له والميزة التي وفرها الله تعالى له في البقاء في الجنة حيث فشل في أول اختبار ألهي وهو العصيان ومخالفة أمر الله والتمرد عل فطرته التي خصها الله له لذا أستحق هذا الإنسان العاصي أن يخسر أول مكسب دنوي وهي الجنة وألحقها تباعا بهذا الخسران أبنائه وحفدته وذريته وأستمر بنوه على العصيان والإصرار عليه وفقدان صفات فطرتهم السليمة واحدة تلو الأخرى بعدما ترافقت وتوافقت أهوائه أهواء الشيطان بعهد أخذه على نفسه أمام الله تعالى للسعي في إغواء هذا الكائن الجديد المُفضل عليه وكان من المنظرين إلى يوم الدين وقد أستطاع من خلال ضعف عزيمة الإنسان وأبنائه في التأثير على الإنسان في السير على ما يريده منهم وإطاعة أوامره وإملاء العصيان عليهم بالهمز واللمز والوسوسة والتزيين وتزييف الحقائق بمساعدة ذريته وأعوانه من جنة الناس والجنة من الشياطين وتحولت فطرت الإنسان وصفاته السليمة النقية غلى صفات مغايرة لطبيعتها الربانية مغايرة للمشروع الإلهي لأعمار الأرض وعبادة الله تعالى وفق شريعة منهاج رُسم له حيث انحرفت هذه الصفات الفطرية عن مواصفاتها إلى مواصفات ضارة لبني الإنسان وللبشرية وخرجت  عن نطاق السيطرة لقوة الصفات الشيطانية وأساليبها المحكمة أمام ضعف الكائن البشري ومن هذه الصفات الكذب والزور والسُحت وأكل المال الحرام والباطل والظلم والجور وعبادة الشيطان والإنسان وأعوانه وارتكاب المعاصي والقتل والسعي في الفساد وإفساد الأرض وكل هذه الصفات التي فرضها بعمله وعقله وكل الأفكار التي تبناها في بناء مجتمعه وبهذه الصفات الخاطئة المكتسبة صعبت وعقدت العيش في مجتمعه وخسارته لدنياه وآخرته وإذا لم يتدارك وضعه الحالي والمستقبل والرجوع إلى الله تعالى وإلى فطرته السليمة والعودة إلى شريعته وسننها التي نظمت له حياته والمصالحة مع الله تعالى لنيل رضاه في سبيل العيش في جنته التي كتبها له في آخرته وبناء مجتمع سليم الصفات خالي من شوائب الدنيا التي لوثها الشيطان وأعوانه بمشاريع منحرفة  وبعهد من الله في إغواء هذا الكائن الجديد المنافس له والمكرم عليه عن طريق التمسك بالدين النقي الصحيح والعقائد التي تبنتها الشرائع السماوية والرجوع إلى منبعه الرباني والسير على الصراط المستقيم الذي رسمه الله له بعدما أتبع الشيطان خطوة بخطوة بل تفوق عليه بأشواط قطعها في التخلي عن الفطرة السليمة والمبادئ السامية التي زرعها الله تعالى فيه (فطرة الله التي فطر الناس عليها) ليعيد نفسه إلى الحياة الطبيعية والعمل بسنن الله ومنهجه وتعاليمه قبل فوات الأوان والندم والخسران يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم صافي نقي خالي من الذنوب والدنس والكبائر والرجوع إلى التفكر والتدبر والتفكير السليم العقلاني بحرية عقلية مطلقة بعيدا عن أتباع الشيطان وذريته بعدما خان العهد والأمانة التي أرادها الله تعالى  منه في خلافة الأرض وأعمارها.

***

ضياء محسن الاسدي

 

"وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم

وما هو عنها بالحديث المرجّم"

التفاعل بالعضلات ما عاد يصلح في القرن الحادي والعشرين، وكذلك تبادل الخطابات، لأننا نعيش في عصر الثورات التكنولوجية المتسارعة بمعطياتها المذهلة، وبعض المجتمعات لا تزال متمسكة بالغابرات المادية والمعنوية، وتدس رؤوسها في رمال الماضيات، ولا تريد أن تواجه حاضرها وتتطلع لمستقبلها.

الحروب لا تنفع دولا متأخرة تكنولوجيا، وقاصرة دفاعيا، ومنشغلة بتعاطي التفاعلات التصارعية البينية المؤدية إلى مزيد من التداعيات والنكبات، وهي ترفع رايات أوهامها وتصرّح بشعارات هذياناتها، وتتصور أن الماضي يقودها والحاضر عدوها، والمستقبل يدمرها.

و"الحرب هي أن تلتهم الأرض لحوم البشر"، وما أبخس بشرنا، وما أسخانا وأقوانا عزما وتوثبا نحو حياض الموت السريع، ونحسب ذلك من معاني إنتصاراتنا الشماء، ونرى أن العالم يحسب لأخلاقنا وقيمنا أي إعتبار، ونحن نترنح في سوح الغاب.

الثقافة الموتية شائعة، والروح الإذعانية متواجدة، فالنصر معناه أن يموت المزيد من الأبرياء، وليفترس الأقوياء ما يفترسونه، ولتتناثر أشلاء الناس وتتهدم بيوتهم على رؤوسهم، لتتحول إلى مقابر جماعية لساكنيها، فهذا هو النصر المبين في عرفنا المستكين.

في مسيرتنا نبدو وكأننا الحمل الوديع المستسلم للمفترس المكشر عن أنيابه، والمتأهب بمخالبه للفتك والإلتهام.

والحرب تستعر في قلوب الناس وأفكارهم قبل أي فعل، ويكون الكلام فيها القادح اللازم لإستعارها.

"فإن النار بالعودين تذكى...وإن الحرب مبدؤها الكلام"، والحقيقة أن الحرب أوقدها الإستلاب.

الأقوياء يزدادون قوة وإقتدارا، والضعفاء يتدحرجون إلى ما وراء العصور، وكأنهم يأنسون بالتفاعل مع الحجر، ويمعنون في الإنطمار بالحفر، لأن المواجهة والتحدي ينابيع خطر.

فهل وجدتم أفظع من الغفلة وتعطيل العقول وقصر النظر؟!!

و"عصب الحرب المال"، وما أثرانا وأفقرنا، فمالنا منهوب، وجمعنا مغلوب، ولساننا معطوب، فتواردت الكروب، وأضحت الحقوق ذنوب، فمتى إلى رشدنا نثوب؟!!

***      

د. صادق السامرائي

حالة نفسية وسلوكية ناجمة عن تعرض الشخص لمواقف سلبية متكررة دون إمتلاك القدرة على التحكم بها، مما يتسبب بإعتقاده بأن محاولاته بلا جدوى فيخنع ويستكين.
وتكونه التجارب السلبية المتكررة، والبيئة القمعية، والنقد المستمر، وعدم وجود دعم، وتؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس الحوافز للمحاولة والتعلم، والقلق والكآبة، والإستسلام السريع أمام التحديات.
ولابد من التغلب عليه بإعادة بناء الثقة بالنفس والقدرة على التأقلم، ومعرفة آليات حل المشكلات، وإشاعة الأمل والتفاؤل.
دول الأمة ومنذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، في دوامات العجز المُتعلم وتطبَّق على مجتمعاتها نظرياته وأخواتها، القاضية يتعطيل العقول وتقنيط الأجيال، ودفنها في خنادق الخيبات والنكسات والإنكسارات والنكبات، حتى إنطمرت في تراب عجزها وكسلها وإمعانها بالتبعية والتوكل على غيرها لتأمين حاجاتها، فصارت تستورد طعامها وتئن من عدد أبنائها، وفقدت قدرات تفعيل عقولها والإستثمار في ثرواتها البشرية.
ويلعب الإعلام العالمي والمحلي الدور الأكبر في تأمين السلوك المؤدي للتحول إلى ضحية سهلة، ووجود روباتي الملامح، فيكون أبناء المجتمع أدوات نافعة لتحقيق الأهداف القاضية بإفتراسهم ومصادرة حقوقهم وهم في غاية الشكر والإمتنان.
أي أن عناصر الهدف تكون قوة ضده ولا يحتاج المستهدف لبذل جهد وخسائر، لأنه قد إصطاد الهدف بعناصره، وقيّده بما عنده من القوة والإقتدار، أي أن الهدف يطعن نفسه، وهذا سلوك إنتحاري تؤهَّل له المجتمعات لتقضي على نفسها وتبيد.
ومن الأمثلة أن بعض دول الأمة إعتمدت على ما تمنحها الأرض من ريع، فتعطلت قواها وفقدت الكثير من المهارات التي تواصلت بها الأجيال، وأصبحت تستورد كل شيئ ولا تستطيع توفير المواد الغذائية الأساسية لمواطنيها.
وهذا العجز الجمعي تسبب بتداعيات متراكمة وإتكالية مروعة، لا تجدها في مجتمعات دول الدنيا الأخرى.
فكيف بالنعمة تتحول إلى نقمة، وللطاقات أن تخمد وتتبدد؟!!
"وشر العالمين ذوو خمولٍ... إذا فاخرتهم ذكروا الجدودا"!!
***
د. صادق السامرائي

من المؤلم أن تستمع لمذيع يتعثر نحويا، أو خطيب يرفع المنصوب ويجر المرفوع، ويتوهم بأنه يتكلم صحيحا، فماذا جرى لواقعنا، كيف يُسمَح لأمثاله بالتصدر وتدمير اللغة.

والأنكى من ذلك، أن معظم قادة الأمة المعاصرين لا يجيدون الكلام السليم، بينما مسيرة الأمة تهتم بالكلمة وبرز فيها الخطباء المفوهون الذين يحاسَبون بشدة عن أي زلة نحوية.

كأن الأمة تستهين بلغتها، ورموزها لا يعيرون إهتماما لما ينطقونه، ويحسبون أفواههم تعطي ذهبا.

فزعت من أحدهم وهو يخاطب الجماهير بلغة خالية من أبسط الضوابط النحوية، والناس تصغي، ولا من أحد يواجهه ويشير إلى جرائمه بحق اللغة أو يبعده عن المنصة.

وتجد في مواقع التواصل العديد من المنشورات المتقصدة في نيلها من لغة الضاد، وتُقدَّم بأساليب الإهانة والتكرارية، التي تسعى لإقناع العرب بأنهم أضاعوا لغتهم وعليهم أن يتركوها، وهي لغة حضارية سامية ذات قدرات متطورة ومطواعة ومستوعبة لما في الكون من جديد.

المهتمون باللغة العربية من الأكادميين والمجامع اللغوية والكليات، عليهم أن يؤسسوا لمراصد ذات نشاطات جادة للتصدي للهجمة الشرسة على لغة الضاد، وأن لا يستكينوا، ويتعللوا بأنها لغة محفوظة بسلطان فهي لغة القرآن.

المراصد اللغوية من ضرورات حماية اللغة العربية من أعدائها، وأن لا تخاف من أحد، وتبدأ بالقادة والرموز في كافة ميادين الحياة، وتنبهم وتنتقدهم وتصوب أخطاءهم.

اللغة العربية أمانة في أعناق الأجيال، فليصونوا الأمانة، ويعبروا عنها بإخلاص وحرص حضاري وإيماني عميق.

اللغة العربية هوية الأمة، ومَن يريد قتل الأمة يصيبها بلغتها، فكونوا غيارى على لغة الضاد، يا أبناء يعرب الميامين.

"إن الذي ملأ اللغات محاسنا...جعل الجمال وسره في الضاد"!!

***

د. صادق السامرائي

العراقُ، البلدُ الذي يطفو على بحرٍ من الحضاراتِ والمعرفةِ، يحتلُّ اليومَ موقعًا متقدمًا عالميًا في عددِ منابرِ الوعظِ الدينيِّ. ومع ذلك، يواجهُ العراقيُّ أسئلةً مصيريةً حول واقعِهِ وتقدمِهِ، بل ويعاني من حالةٍ فكريةٍ قد توصفُ بالركودِ أو حتى "الكساحِ العقليِّ". فهل يمكنُ أن يكونَ هذا الكمُّ الهائلُ من الخطابِ الوعظيِّ قد تحوَّلَ من عنصرِ نهضةٍ إلى عاملِ شللٍ فكريٍّ؟

التناقض بين الوعظ والواقع

يفترضُ أن تكونَ كثرةُ المنابرِ الدينيةِ دليلًا على زيادةِ الوعيِ الأخلاقيِّ والاجتماعيِّ، ولكنَّ الواقعَ يشيرُ إلى عكسِ ذلك. فالعراقُ يعاني من أزماتٍ سياسيةٍ، فسادٍ متفشٍ، انهيارٍ في البنيةِ التحتيةِ، وضعفٍ في التعليمِ، فضلًا عن فقدانِ بوصلةِ التفكيرِ النقديِّ. وهنا يكمنُ السؤالُ الجوهريُّ: إذا كان هناك هذا الكمُّ الهائلُ من الوعظِ، فلماذا لم ينعكسْ إيجابًا على الواقعِ العراقيِّ؟

 الكساحُ العقليُّ: ظاهرةٌ أم صناعةٌ؟

الكساحُ، طبيًّا، هو مرضٌ ناتجٌ عن نقصِ فيتاميناتٍ ضروريةٍ لنموِّ العظامِ. وبالمقابلِ، فإنَّ الكساحَ العقليَّ هو نقصٌ في "الفيتاميناتِ الفكريةِ" التي تغذِّي العقلَ: التساؤلِ، النقدِ، البحثِ، والتجديدِ. في العراقِ، يواجهُ الفردُ طوفانًا من الخطابِ الوعظيِّ الذي لا يركزُ على التنميةِ البشريةِ بقدْرِ ما يرسِّخُ مفاهيمَ الطاعةِ المطلقةِ، الخضوعِ، وتقبُّلِ الواقعِ كما هو، مما يخلقُ عقليةً تستهلكُ الأفكارَ بدلَ أن تنتجَها.

هذا النمطُ من التفكيرِ لم يأتِ صدفةً، بل هو نتاجُ عواملَ متراكمةٍ:

التعليمُ التلقينيُّ الذي يقتلُ روحَ التساؤلِ.

الخطابُ الدينيُّ الموجَّهُ الذي يركزُ على الشعائرِ دونَ القيمِ الفكريةِ العميقةِ.

السياسةُ الطائفيةُ التي تستثمرُ في تغييبِ الوعيِ.

الإعلامُ المنحازُ الذي يكرِّسُ ثقافةَ التبعيةِ بدلَ الاستقلالِ الفكريِّ.

هل من مخرجٍ؟

العقلُ العراقيُّ ليسَ عاجزًا بطبيعتِهِ، لكنه يعاني من بيئةٍ فكريةٍ غيرِ صحيةٍ. وكما يحتاجُ الجسدُ المصابُ بالكساحِ إلى علاجٍ، فإنَّ علاجَ العقلِ يبدأ بإعادةِ الاعتبارِ للمعرفةِ النقديةِ، وإحياءِ الثقافةِ القائمةِ على التساؤلِ بدلاً من التلقينِ، وتحويلِ المنابرِ من أدواتِ وعظٍ إلى مناراتِ تفكيرٍ حرٍّ.

ربما يكونُ العراقُ الأغنى بمنابرِهِ، لكنه يحتاجُ إلى منبرٍ واحدٍ فقط، يقولُ للعراقيِّ: فكِّرْ، لا تتبعْ، بل ابحثْ، لا تردِّدْ، بل ناقشْ. حينها فقط، سينتعشُ العقلُ العراقيُّ، ويفردُ جناحيهِ من جديدٍ.

***

بقلم: د. علي الطائي

22-2-2025

معظم احزابنا لديهم حساسية من القوى المدنية، إلى درجة أن أحدهم خرج علينا يومًا ليقول، بالحرف الواحد، "لقد سحقنا التيار العلماني وسيظل تابعًا للتيار الديني إلى أمد بعيد"، وكان صاحب هذه المقولة يشغل أعلى منصب في السلطة التشريعية وأعني به رئيس مجلس النواب محمود المشهداني الذي استيقظ ذات يوم ليعلن إقامة ولايته "القندهارية".

وظل قياديون ومسؤولون يسخرون من مصطلحات، مثل دولة المواطنة، والقوى المدنية، والحريات، باعتبارها تمثل فكرًا انهزاميًا، ولا تزال كلمات السيد نوري المالكي التي قال فيها إن حزبه استطاع أن يدحر الملحدين والعلمانيين وسنهزم الحداثويين وننتصر عليهم، ماثلة في الذاكرة.

صار الحديث عن "العلمانية" نغمة يستخدمها البعض ليثبت أنه يفهم في السياسة، فتجدهم وهم يشاركون في دراما السلطة ومنافعها يصوبون مدافعهم باتجاه الحياة المدنية في العراق. للأسف يُدخلنا بعض الساسة كل يوم في أتون حرب جديدة المفاجأة فيها، أن العدو لم يكن تنظيم القاعدة، وإنما "العلمانيون الذين يتجرّأون على إقامة فعاليات ثقافية وفنية".

يكتب نصر حامد أبو زيد في نقده للخطاب الديني السائد، عن الخلط الستراتيجي المعتمد في المفاهيم، حيث يحاول المحافظون والإسلامويون تضليل البسطاء بأن العلمانية تعني فصل العقيدة عن الحياة والمجتمع، وبذلك يصورون للرأي العام المتأثر بالخطاب الديني السائد أن العلمانية، مطابقة للإلحاد، ويطرح أبو زيد مفهومًا للعلمانية ليس ضد الدين، وإنما ضد هيمنة الدين على كل المجالات، والمقصود هنا بالتحديد تقليص السلطة السياسية لرجال الدين. فنحن لا نطالب بعلمنة قانون الدولة ولا نريد إبعاد الدين عن الحياة العامة، ولكننا نريد تحرير الخطاب الديني من قبضة المؤسسات والآيديولوجيات السياسية، وبذلك يؤسس لخطاب حر بعيد عن الاستغلال.

اليوم نسمع خطبًا لسياسيين ومسؤولين تهيئ الناس لحرب ضد الرذيلة وانعدام الأخلاق، وكأن العراق تحول إلى ملهى وماخور ليلي كبير، فقررت العناية الإلهية أن ترسل لنا دعاة الفضيلة وحماة الأخلاق ليملأوا الأرض عدلًا وفضيلة بعد أن ملأناها نحن الخطاة جورًا وبهتانًا.

احزاب وساسة لا يدرك الكثير منهم ان المواطن العادي لا تشغله البيانات السياسية، ولا يشغله أن يقرر مدير شرطة منع المكياج النسائي . لا يشغله هل إن إنتاجنا النفطي 4 ملايين أو 3 ملايين برميل، هذا المواطن يريد حدًا أدنى من الحياة الكريمة، وظيفة ومسكنًا ومأكلًا وأملًا في الغد.

أقرأ بتعجب ما يصرح به العديد من ساستنا وأنظر إلى وجوه البعض منهم فأجدها باهتة تفتقد الرؤية والقدرة على إلهام مجتمعهم، ساسة نشعر بالحسرة كل يوم على وجودهم بيننا، ونرفع أيدينا إلى الله داعين: اللهم ارزقنا سياسيين لا نختلف معهم على درجة تقواهم وإيمانهم، بل على درجة تمسكهم بخدمة الناس واحترام القانون وحماية أموال الشعب!

***

علي حسين

 

الإبداع: إنشاء على غير مِثال

حسب نظرية تدرج الحاجات في هرم "إبراهام ماسلو" (1908 - 1970)، الإبداع يأتي في المراتب العليا أي تحقيق الذات، بعد إرضاء الحاجات الأساسية.

وفي بعض المجتمعات العاجزة عن تلبية الحاجات البايولوجية والأمان، تجد نخبها منشغلة بالإبداع بأنواعه، وفي ذات الوقت تتشكى من فقدان دور ما تكتبه في المجتمع.

فهل وجدتم جائعا يقرأ؟

هل وجدتم خائفا مذعورا يهتم بشعر؟

لا بد من الموضوعية وفهم ما يعتمل في أعماق المواطنين، فهل يصح في الأفهام القول بأن الشعب لا يقرأ، وأنه جاهل، ونجتهد في التوصيفات المجحفة، ونحسب أننا نقوم بعمل جاد؟

المجتمع ربما لا يحتاج للشعر والقصة والرواية، إنه بحاجة للماء والكهرباء والرعاية الصحية والمدرسة المعاصرة والبناء والإعمار وتأمين حقوقه والإعتراف بقيمته.

الصين بعد المجاعة التي ضربتها (1959 - 1961)، أدركت أن الجائع لا يصنع، فاهتمت بالأمن الغذائي، فشبعت الأجيال وأمنت فأبدعت.

"....وهذا البلد الأمين الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" 

فإرضاء الحاجات الأساسية لها الأولوية، وبعدها سيبحث الإنسان عما يحقق ذاته .

 المبدعون في خيالاتهم يسبحون، فلا قيمة لما ينتجون، وكأنهم لأنفسهم يسطرون، فالإبداع كأنه تأكيد لما هو قائم، وتعبير عن " ليس في الإمكان خير مما كان"!!

و" الدنيا وين والأقلام وين"!!

فهل "وافق شن طبقه"؟!!

***

د. صادق السامرائي

تتصاعد الاحاديث عن مأزق مالي تواجهه الحكومة العراقية حيث انها سوف لن تتمكن من دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين!!. السبب كما يقال هو بيع الدولار بقوة من قبل البنك المركزي (ورد ذلك في اكثر من فيديو كان آخرها للسيد عدنان الطائي والذي نسب تلك المعلومة الى السيدة وزيرة المالية)..

ذلك أمر محيّر حقاً لأن بيع مزيد من الدولارات معناه تدفق مزيد من الدنانير الى وزارة المالية لأن مبيعات الدولار تذهب عوائدها الى مالك الدولارات والذي هو وزارة المالية والبنك المركزي هو وسيط فقط..

والحكومة لا تدفع الرواتب بالدولار بل بالدينار ..

اما اذا كانت عوائد تلك المبيعات لا تكفي لتغطية النفقات الحكومية فهذا يعود الى فرط الانفاق الحكومي..

وربما تواجه الحكومة صعوبة في الاقتراض من البنوك لتمويل العجز بسبب عزوف الناس عن إيداع اموالهم لدى المصارف وبالتالي عدم امتلاك البنوك ما يكفي من الودائع الجاهزة للاقراض.

وهذا لاعلاقة له ببيع الدولار (وهذا من الناحية الفنية فقط ولا يعني اني ادعم سياسة البنك المركزي وطريقته في بيع الدولار)..

بدل القاء اللوم على بيع الدولار يفترض الحديث عن الايرادات غير النفطية الضخمة التي ينبغي ان تذهب الى الموازنة لتغطية

عجزها.

كذلك ينبغي الحديث عن خفض وضبط الانفاق الحكومي ومكافحة الفساد.

هل هو جهل عام مستشري ام انها مغالطات مقصودة لصرف الانظار عن الاسباب الحقيقية!!.

***

د. صلاح حزام

الذكاء الإصطناعي يهدف إلى تطوير أنظمة وبرامج قادرة على محاكاة الذكاء البشري كالتفكير والتعلم وحل المشاكل وإتخاذ القرارات.

والتفاعل بين الآلات من أخطر التحديات التي ستواجه الأجيال القادمة، لأنها ستصل إلى مستويات ذكاء بعجز البشر عن الإرتقاء إليها.

فعقول المخلوقات محدودة ومرهونة بالنفس ومآلاتها، وبغيرها من الظروف الذاتية والموضوعية، أما عقول الآلات المتفاعلة فمطلقة، مما يعني أنها ستتفوق على قدرات العقول البشرية، وستستحضر أفكارا ومعطيات من العسير التوافق معها وإستيعابها، أي أن الآلة ستقودنا وتقرر مصيرنا.

الذكاء الإصطناعي مخلوق مادي والأحياء مخلوقات بايولوجية!!

فهل أننا نقاتل عقولنا بعقولنا؟

وهل أن أقواما قبلنا قتلوا عقولهم في هذه المعمورة الأزلية؟

من الصعب الإجابة، لكن العقود القادمات ستكشف الغطاء، وستتعرى الكثير من المفاهيم والتصورات، وسنندهش بأننا كنا نعيش في صناديق أوهام.

فالعقل يصنع آلة تنافسه وتنتصر عليه، وتحيله إلى موجود ضعيف، وكينونة خالية من القدرات الفائقة، والتطلعات الأصيلة، لأن الآلة ستسبقه بأشواط ربما تقدر بعدة قرون.

تطبيقات الذكاء الإصطناعي المعاصرة مذهلة، والآتيات من البرامج ستجعلنا نقف واجمين أمام قدرات الآلة على إبتكار ما لا تطيقه عقولنا.

الذكاء الإصطناعي يتفوق على قدراتنا الحالية ويجعلنا نشعر بالضعف، مقارنة بما يستحضره من معلومات فورية طازجة، وحسبنا أن نتكيف مع هذا الضخ المعرفي الفياض.

ويبدو أن الإنتاجية الفردية بأنواعها قد تضاعفت وتيسرت عما كانت عليه في سابق العقود، مما يعني بأن الثراء المعرفي والإبتكاري سيتواصل بوتيرة متسارعة ومتواكبة مع تيار الفيض المعلوماتي الهادر.

فهل لنا الدخول في دنيا العقول الجديدة، ونشارك في التفاعل مع مستجدات التكنولوجيا المتراكمة بقوتنا الشبابية الطالعة نحو آفاق فجر أثيل؟

و"العلم رأس مالٍ لا يفنى"!!

"وكل عزٍّ لم يؤيَّد بعلمٍ فإلى ذلٍ يصير"!!

***

د. صادق السامرائي

 

كان شاعر سوريا الكبير بدوي الجبل يشرح لجلاسه مفهومه للوطن فيقول: إنه مبني على ثلاث قواعد هي: الحرية والملكية والكرامة، فإذا كنت أعيش في وطن قضى فيه رئيسه على حريتي وداس على كرامتي وسلب ملكيتي، فماذا يستطيع العدو أن يأخذ مني وأنا لا أملك شيئاً؟ ". اتابع مثل غيري من المهتمين بالشأن السياسي ما جرى وما يجري من احداث واتذكر ان هذه البلاد بتاريخها الممتد قرونا وقرونا ستظل حتما مثلما وصفها عالم الجغرافيا الادريسي قبل ما يقارب الألف عام:" أكثر مدن الله بهجة في العالم بأسره".

وأنا اتابع الاحداث في سوريا اتذكر فصيلة من المفكرين والكتاب السوريين الذين اغنوا حياتنا، واشاروا بصدق الى ضرورة الحرية والعيش بكرامة وكان منهم الياس مرقص، ادونيس وجورج طرابيشي، ياسين الحافظ وزكريا تامر، حنا مينه وغادة السمان، والمفكر صادق جلال العظم الذي أثّر بجيل كامل من المثقفين، في نقده الجريء للمؤسسة الدينية، فالكاتب الذي تخصص بالفلسفة، وعشق الادب هو نفسه صاحب أهم كتاب عن النقد الذاتي لهزائم العرب، حاول من خلاله تفنيد خطاب الأنظمة العربية، التي تحولت من جمهوريات مستقلة الى طوائف وقبائل وعشائر.

كان في التاسعة من عمره حين سمع مدرس الدين يحذرهم من عذاب الجحيم، عجزهُ عن استيعاب حجم العذاب الذي سيتلقاه بعد ان يموت زاد من حيرته.

نشأ في عائلة تدافع عن التنوير والعلمانية، كان والده جلال العظم أحد العلمانيين السوريين الداعين الى دولة مدنيّة، ولأن المعرفة والبحث والجدل دائما ما تؤدي بأصحابها إما الى السجن او المنفى، فقد اختار العظم ان يعيش في بيروت التي فتحت أمامه أبواب النشر ليقدم خلال سنوات قليلة عشرات الكتب توزعت بين نقد الفكر الديني الذي ظلت صورته راسخة من خلال مدرس الدين الذي يدعو إلى استبدال الدنيا بدار الآخرة، والأقرب الى عقله الفكر الماركسي الذي خصص له القسم الاكبر من اهتمامه، وسعى الى تطبيق منهجه على الدراسات النقدية من خلال عدد من الدراسات. في تلك المرحلة المضيئة كان صادق جلال العظم ينام حالماً بعالم العدالة الاجتماعية، لكنه يفيق على صوت المشاحنات السياسية ومعارك الرفاق.

نقرأ سيرة صادق جلال العظم ونتمنى ان لا يغيب الصوت المدني عن دمشق، وان لا يستقوي المسؤولون الجدد بالطائفة بدلا من الوطن وان ينحازوا للدولة العلمانية التي قرأنا عنها في كتب صادق العظم، وان لا تتحول صفة العلماني الى تهمة تؤدي بصاحبها الى الرجم.

نتذكر صادق جلال العظم لان كلماته باقية، ونتذكره ونحن نتطلع ان تبني بلدان العرب على ثلاثية بدوي الجبل الحرية والملكية والكرامة.

***

علي حسين

 

الأمة تكون، وتتكون في بودقة التداعيات والتفاعلات القاسية التي تتحقق في كيانها، وما فيها يتخلّق ويتأكد حيا جديدا معاصرا، منطلقا نحو آفاق وجودٍ إنساني مَجيد.

الأمة حية، والحي يتوالد ويكون.

مَن يهون فلنفسه، ومَن لا يرى أمته بعيونها، فلن يضيرها عماؤه وإنحراف نظرته.

الأمة تمد أجنحتها على آفاق الوجود الإنساني، وتخفق لتحركها نحو مسارات ذات إشراقات حضارية برّاقة.

الأمة ليست خيالا أو وهما أو تصورا سرابيا، الأمة واقع حال إنساني معاصر منذ الأزل، ومتفاعلة مع منطلقات الأبد والسرمد.

الأمة كائنة وقادرة وفاعلة ومتجسدة بالتعبير الأصدق عن قدرها الأسمى والأنبل، الذي لا تستطيعه أمة سواها حملت جوهر أسرار الكنه الكوني الأكبر.

الأمة لا تهون إذا هان بعض أبنائها أو دولها أو حكامها، بل ستهينهم وتدوسهم يسنابك الذل وترميهم إلى هاوية هوانهم المقيت.

الأمة تعرف كيف تدافع عن نفسها، وبأي الوسائل تواجه الذين يريدون بها السوء.

والذين يجهلون أمة العرب عليهم أن لا يتحدثوا بلغة العرب، وأن لا يهذربوا بمفردات اليأس والهوان والهرب، لأنهم دون هذه الأمة وليسوا على صلة بها، ولا يدركون عظيم ما فيها من المكنون!!

أمة العرب ذات أرب!!

و"تفاءلوا بالخير تجدوه"!!

***

د. صادق السامرائي

25\10\2020

 

كان إبراهيم عرب أشهر "منكّت" عراقي، قبل أن يتخذ بعض الساسة تلك المهنة والامتياز، وبسبب طرافته وطيبته كان رواد المقهى التي يملكها يتعاطفون مع رواياته، التي لم يكن يدّعي فيها البطولة والشجاعة، لكنه كان يتحدث عن قدرته على إيجاد الحلول لكل شيء، في السياسة والاقتصاد والامن، ويقدمها لكبار القوم مجانا، إضافة الى أحاديث عن مغامراته في السفر والمغامرات التي تفوق حدود المبالغة والخيال، ولم تكن شخصية إبراهيم عرب خيالية، بل هي مجموعة ملامح للبغدادي، الذي كان يعتمر الجرّاوية ويلبس الصاية، ويحمل مسبحة يحركها بين أصابعه، كان يُضحك الناس، كلما سمع حكاية تجري أحداثها في الهند أو السند أو بلاد الواق واق، يعرّقها وينسبها إلى نفسه.

وفي حالة الفشل التي عمّت العراق في العقود الاخيرة، اختفت شخصية إبراهيم عرب، وتُركت النكتة يتداولها صناع الطرفة في السياسة العراقية من عينة ابراهيم الجعفري ومحمود المشهداني، وحلّت خطابات النزاهة والاصلاح محلّ مبالغات إبراهيم عرب.

في صبيحة كل يوم مطلوب منك أيها العراقي "المسكين" أن تضحك على حالك، وأنت تستمع لعدد من سياسيينا ومسؤولينا، وهم يتحدثون عن النزاهة والعدالة والقانون وحب الوطن، وأسأل العديد من الزملاء: ما هي اخر نكتة ؟ فيأتي الردّ ساخراً مع المطالبة " العادلة" لرئيس جمهوريتنا بان يرتفع راتبه من 20 مليون دينار شهريا، الى سبعة وعشرين مليون دينار لتحسين وضعه المعيشي، وعليك أن لا تصاب بالحيرة او الدهشة عزيزي القارئ فما قيمة سبعة ملايين دينار عراقي امام المليارات التي لفلفها " المدلل " نور زهير والتي حول بعضا منها الى فضائية تناقش اوضاع العراق وتطالب بالنزاهة والإصلاح؟.

وقبل ان نضحك على خيباتنا، اسمحوا لي ان انقل لكم هذا الخبر الذي يقول، إن مبيعات البنك المركزي العراقي بلغت أكثر من 80 مليار دولار في مزاد العملة خلال العام الماضي 2024.

ولا تسأل اين ذهبت هذه الاموال التي يمكنها ان تعيد بناء العراق " طابوقة، طابوقة " ؟، ولهذا اسمحوا لي ان احيي السادة القائمين على خزينة هذه البلاد، الذين استطاعوا ان يدفعوا بعدد من اللصوص الى الدخول الى قائمة اثرياء العصر الديمقراطي الجديد.

ومن هنا لا أتصور أنّ صاحب عقل أو ضمير يمكن أن يُصدّق ان الثمانين مليار دولار، استخدمت في مشاريع بناء وصحة وتجارة وتعليم، بل انها تحولت لشركات سرقت اموال العراقيين في وضح النهار، فكيف يمكن للمواطن البسيط أن يثق في مثل هذا الدجل الاقتصادي والسياسي المفضوح؟.

***

علي حسين

 

أبحث في النص الذي أقرأه عن المعنى الذي يريد أن يعبر عنه كاتبه، وهل تمكن من توظيف المفردات المستعملة للوصول لذروة المعنى، وفي أكثر الأحيان لا يتبين المعنى ويسود الأسلوب، وكأن الإبداع أسلوب وكفى.

بينما الإبداع الرائق هو الذي يرتكز على المعنى والأسلوب بتوافقية إمتزاجية ذات قدرة تعبيرية خلابة جذابة وواضحة.

ولا يمكن للمبدع أن يصل إلى هذا المقام الكفيل بإداء المعنى دون ممارسة ومران وقراءة معمقة لنصوص المبدعين المتمكنين.

وتجدنا أمام سيادة الأسلوب على المعنى، فما أروع الأسلوب وما أهزل المعنى وأوهنه!!

ما قيمة النص المجرد من المعنى؟!!

تراثنا الكتابي أو التدويني يحفل بأرقى أساليب الكتابة بفنونها المتنوعة المتوافقة مع عصرها، لكن المعنى يكاد يكون مغيبا، فسحر الأسلوب لا يساهم في بناء العقل الثقافي المعرفي المقتدر.

الإبداع آلية لوضع التفكير السليم في أشكال تعبيرية عن معنى مفيد بأسلوب ممتع ومتناغم مع طاقة المعنى ومعطياته الشعورية والإنساانية.

فلماذا التنافر بين المعنى والأسلوب؟

يبدو أن لضعف المعجمية اللغوية، وضيق الأفق، والتسرع بالنشر، ومؤثرات المواقع الإليكترونية، وإنحسار القراءة، وفقدان الكتاب لدوره التنويري، جعل الإبداع كتابة روتينة آلية، كانها من إنتاج روبوت، يجيد وضع الكلمات في سياقها النحوي، ولا يعنيه ما تشير إليه أو تريد التعبير عنه.

وكثيرا ما أتساءل، بأننا مقبلون على كتابات الذكاء الإصطناعي التي ستطغى في العقود القادمات، بل أن جهاز الكومبيوتر سيكون هو الكاتب المفضل، فأطلق فكرة م وسيكتب عنها الكومبيوتر بسرعة وموسوعية غير مسبوقة، وتتفوق على قدرات البشر العقلية!!

فهل سيبقى للإبداع بأنواعه قيمة في المستقبل؟

إنه سؤال خطير يلوح في أفق الأيام!!

***

د. صادق السامرائي

 

31\8\2021

وصلتني هذا الصباح من صديق رسالة نعي لأحد الأساتذة الذين ما سمعنا عنهم في حياتهم، وكانت الرسالة ذات إطراء باذخ، وتفخيم وتعظيم، وبث حسرات، وذرف دموع وتأوّهات على الفقيد.

وتساءلت هل نال الرعاية والإهتمام في حياته؟

الكثير من عقولنا المتميزة مهملة ومنبوذة في مجتمعاتنا المهرولة وراء الأدعياء والأذلاء، ونستذكر طاقاتها الإبداعية حين وفاتها.

بسلوكنا نعبر عن عجزنا على صناعة القدوات الحية، وندفع بالأجيال للتوهم بإتباع القدوات الميتة، التي ستضفي عليها من أوهامها ما لا تتصف به، أي تتحول إلى حالة للتعبير عن المكبوتات المطمورة في الأعماق، ووسائل لتبرير العجز والإستسلام للآلام.

فما فائدة تبجيل الأموات وإهمال الأحياء ومعاداتهم وطردهم من مجتمعاتنا؟

لماذا نكره الناجحين بيننا؟

الناجحون في المجتمعات المتقدمة يتحولون إلى رموز للقوة والعطاء الأصيل، ويتم تسويقهم كقدوات على الأجيال الصاعدة أن تقتدي بهم وتسعى لتكون مثلهم أو تتجاوزهم.

فبهذه الأساليب التفاعلية الواعدة تتقدم الشعوب وتتقوى، وتقبض على زمام الريادة وتحوز مفاتيح السبق.

وعندنا السلبيون يتكاثرون والإيجابيون يندثرون، والناجحون يفشلون أو يهاجرون، فالموت شريعتنا، والحياة غريمتنا، فالدنيا فانية والحياة الحقيقية بعد موتنا، فكل من عليها فان.

مجتمعات الدنيا ترى الحياة حق والموت حق، ونحن ننكر أن الحياة حق!!

" وما الدنيا بباقية لحي...وما حي على الدنيا بباق"

و" الحياة العقيمة موت مسبق"

***

د. صادق السامرائي

لقد استطاعت القوى المنفذة للمشاريع العالمية وصاحبة صناعة القرار وهيمنتها على وفرضها على كثيرا من الشعوب لتدمير شعوبها ونسيج مجتمعاتها وعلى رأسها الأسرة من خلال مشاريع مخطط لها بعناية منذ زمن بعيد وبتسلسل في التنفيذ في الزمان والمكان وفق أساليب متطورة وشيطانية ولعبت دورا أساسيا في ضرب المجتمع من الداخل بتغير المفاهيم الاجتماعية والأخلاقية التي كان يتعامل بها الفرد والأسرة حيث بدأت هذه القوى بجني ثمار مخططاتها وباتت تسيطر على مفاتيح هذه التغيرات منذ عقود عديدة أخذت هذه المؤسسات العالمية بالشروع في تدمير الأجيال جيل بعد جيل بسقوف زمنية محددة وبالخصوص لما تبقى من الجيل السابق وما يحمله من أخلاقيات ومفاهيم دينية وقيم ما زال يتمسك بها حيث نجحت في سحب البساط منه وترويض الجيل الجديد لصالح مخططاته المشبوهة وأنشأت جيل لا يريد أن يتعلم من غيره وممن سبقه ممن حمل شعارات القيم والمبادئ وأسس الحياة بأخلاقيات مجتمعية رصينة تربى عليها وأسس أسر متماسة ترتكز عليها تصارع الحياة الصعبة ومشاكلها المتطورة فقد ساهمت هذه المؤسسات في أنتاج جيل جديد أُريد منه أن يكون هامشيا بعيدا عن الواقع لا يسمع ولا يرى ولا يفكر طفليا يعيش على الآخرين وفتاتهم مغيب عن الواقع وما يدور من حوله من عقد نفسية وأخلاقية وعقائدية أريد لهذا الجيل الجديد أن يكون بعيدا عن الواقع والتطور يتلقف ما يسمع وما يرى بدون دراية معرفية ولا فكرية وما مدى خطورة ما يجري من مخططات تحاك ضده جيل غير مرتبط بالماضي ولا بالحاضر يعيش ليومه وساعته فقط بعيدا عن التخطيط لمستقبله وغير عابه عن بناء الأسرة والمجتمع جيل فوضوي وهذا ما تريده المؤسسات المشبوهة التي تقود العالم بدوائرها المظلمة في تأسيس حريات منفلتة يسير مع القطيع بدون فهم ودراية وأدراك لما يدور من حوله وسوف يظهر هذا الجيل بعد الإزاحة للجيل الحالي المتبقي الذي يحمل ما تبقى من عبق الماضي الذي كان العمود الفقري للحياة والأسرة وصمام الأمان للمجتمع ومن هذه المشاريع المخطط لها هي كالآتي .

أولا: تشجيع المثلين في المجتمعات الجديدة وعل نطاق واسع وحمايتهم من قبل هذه المؤسسات وفرضها على واقع الحكومات ومؤسساتها .

ثانيا: الزواج خارج المحاكم الشرعية أو بدونها وتشجيع الشباب في بناء علاقات خارج الأسرة وبحرية غير منضبطة لغرض تفكيك الأسرة والمجتمع .

ثالثا: أفراغ مفهوم الوطنية والانتماء للأوطان وأبعادهم عن الدفاع عنهم .

رابعا: محاولة تفكيك الأسرة من الداخل بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي الغير أخلاقي ببرامج معدة بدقة وعناية لتدمير ذهنية وعقل الفرد بذات الاتجاهات الخاطئة المضرة .

خامسا: التشكيك في الأديان والعقائد وتشويهها والتشجيع على الصراعات السياسية والطائفية والعرقية .

سادسا: تدمير العملية التربوية والتعليمية من داخل مؤسساتها ومن خارجها لصنع جيل بعيد عن التعليم والثقافة والمعرفة .

أن بغية هذه المشاريع هو صناعية جيل هارب من واقعه متمرد عليه غير مقتنع فيه ضعيف نفسيا ومهزوم ومهزوز من الداخل فارغا عن أي طموح رافضا لواقعه ومجتمعه ليكون لقمة سائغة وسهلة للسيطرة عليه فكريا ونفسيا وأخلاقيا من قبل الدول صاحبة القرار الراسمة لخارطة العالم الجديد ولهذا علينا الاهتمام الواعي لشريحة الطلبة في مقتبل العمر والشباب خصوصا السعي في أعدادهم وتدريبهم ذهنيا وعلميا ونفسيا وأخلاقيا وتربويا في كيفية التعامل مع بعضهم البعض ومع مجتمعهم بتهيئة كوادر تدريسية وتربوية أكفاء لهذا الغرض ومن أساتذة جامعيين من علم النفس والاجتماع وتربويين وذو تأثير كبير على الطالب وسلوكه وخلق بيئة وتفاهم بين الطالب وأستاذه بفرض شخصية المعلم أو الأستاذ وخصوصا في المراحل الأولى من التعليم وهي المرحلة المهمة من عمر الطالب التي تحدد ملامح شخصية الطالب ومن هنا يحتاج في زيادة الوعي والتوجيه للطالب وخصوصا في المناطق الشعبية ذات الكثافة السكانية والمناطق البعيدة عن المركز التي تتأثر بسهولة بمجريات التحولات المجتمعية وأرض خصبة للعمل في تدميرها بحرية ومناخ ملائم للمشاريع المظلمة لإنبات ما تريد زرعه من سلوكيات وأخلاق وقيم وعقائد منحرفة وهذا العمل يقع على عاتق الحكومة أولى وعلى المؤسسات المجتمعية والآباء والمؤسسات التربوية بالذات بوضع مناهج دراسية متطورة تواكب عصرها لتحصن المجتمع والأسرة من الانهيار السريع.

***

ضياء محسن الاسدي

بغياب المحررين ومَن يتفحص المكتوب أو يراجعه قبل النشر، أصبح من مسؤولية الكاتب أن يتعلم مهارات الرقابة الذاتية على ما يخطه قلمه. بعض المواقع أخذ أصحابها يقرأون ما يردهم قبل نشره، وهذه ظاهرة عليها أن تتطور وتسود.

ذلك أن الغثيث طغى، والمبهم المدغم سرى، وما عاد الناس يقرأون المنشور، لأنه خاوي ومضطرب، ويتسبب بالتشويش والتنفير

ترى كيف يكون الكاتب محررا ومراقبا لما كتبه؟

أول من أجاد الرقابة الذاتية على ما يكتبه هو (زهير بن أبي سلمى)، الذي كان يجلس على ما يبدعه حولا كاملا، ولهذا سميت معظم قصائده بالحوليات، أي أنه ربما كان يبيض في كل سنة قصيدة!!

فهل أن كل ما يُكتب يصلح للنشر؟

الكثير مما تكتبه الأقلام لا يصلح للنشر، أي أن يُقرأ من قبل الآخرين، لأنه ربما يزدحم بالمفردات الخبيثة، ومن مسؤولية الكاتب تشذيب المكتوب، وتطهيره مما علق به من الكلمات الغير صالحة لبناء النفس وتعطير الروح بالساميات والعقل بالراجحات.

الكتابة في جوهرها إدمان، والكاتب كأي مدمن يصاب بأعراض إنسحابية لا تهدأ إلا بعد أن يمارس الكتابة، وهذه الحالة تملي عليه التوهم بأن ما يكتبه يستحق القراءة من الآخرين.

والمشكلة أن العديد من الكتاب يحسبون ما يكتبونه جزء مهم وأساسي من الأنا الفاعلة فيهم، مما يدفع بهم إلى الذود عن كتاباتهم وكأن الذي يقترب منها يتحداهم.

بينما المكتوب فكرة تتعرى بوضوح، وربما تكون ذات قيمة أو مجردة من طاقات الحياة، فما ينفع يبقى ويتنامى، وما لا يصلح يحمل أسباب غيابه معه.

فدع الأيام تفعل بها ما تشاء، ولا تحسبها دواءً لكل داء.

فشذبوا ما يسطره اليراع!!

***

د. صادق السامرائي

النفاق صفة ذميمة، والمنافق شخص خبيث ومنبوذ لأنه يتسبب بمشاكل اجتماعية عديدة من بينها نشر الكراهية والفرقة بين الأطراف المتحابة وكذلك تخريب العلاقات وتهديم الأسر، ومهما تعددت وجوه النفاق الا ان جميعها تنتهج الغش والخداع والزيف طريقا لتحقيق الهدف، وأشد الناس نفاقا هو الذي يستغل احوال الناس وعواطفهم وظروفهم الاستثنائية فيمرر نفاقه من خلال حلو الكلام والأكاذيب المنمقة وهو ما تفعله وتشتغل عليه ما تسمى بـ (النايحة) او العدادة وهي المرأة التي يستأجرها ذوو الميت للنواح على الفقيد في محفل الجنازة، وسميت بالعدادة لأنها تعدد المناقب والصفات الجيدة لدى الميت فان لم تجد في سيرته صفة حسنة فأنها تبقى حائرة في البحث عن صفة كي تذكرها لترفع من شأنه، وفي هذا المأزق قيل المثل (تحير النايحة شتعدد وشتدكول). والنايحة ومن أجل زيادة العطايا التي يجود بها القائمون على مجلس العزاء فأنها تلجأ الى اظهار سجايا واسباغ صفات عظيمة على الميت هي غير موجودة لديه أصلا، فالنائحة تستعير اكرم الصفات وتلصقها بالفقيد وتصفه بالفارس الشجاع وصاحب المواقف العظيمة في الكرم والهيبة الشامخة بين الرجال مثل قولها (يبو حچي العدل يل تعدل الديوان) والميت كان في الاصل منغوليا، وايضا تلك التي تنوح على الميت الذي لم يدخل المدرسة في حياته بقولها (كتبك والشهايد وين اوديها) .

الذي قادني لموضوع النايحة هو اعلان صدور كتاب عن تجربة سياسي عراقي رفيع يمثل خلطة سياسية غريبة عجيبة، اذ تساءلت مع نفسي بأي كلام تمكن مؤلف الكتاب من حشو كتابه الضخم والعراقيون لم يعرفوا عنه غير انتهازيته وتقلباته السياسية وشهد عهده ابشع الجرائم التي ارتكبتها عصابات الجريمة بحق شباب العراق، أرى ان المؤلف عاش حيرة النائحة فلم يجد وسيلة لإتمام منجزه سوى تسطير مناقب وبطولات يعتقد انها سوف تنطلي على العراقيين الذين يرون فيه اكبر مهزلة قذف بها التاريخ في المشهد السياسي العراقي.

***

ثامر الحاج أمين

 

من المعلوم إن الكلمات هي الترجمان المعبر عن مستودعات الضمائر، والكاشف عن مكنونات السرائر، فإذا أردت أن تستدل على ما في قلب الإنسان فانظر إلى كلماته وألفاظه، فإنها الدليل على ما يكنه في قلبه من خير أو شر، شاء أم أبى، ان " القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مصارفها، فانظر إلى الرجل حين يتكلَّم، فإنَّ لسانه يغترف لك مما في قلبه"، فما صلحة كلمة رجل اوفسدة إلا ظهر ذلك على سائر عمله، ولا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم لسانه، الكلمة إذن ليست شيئاً يمكن أن يُلفظ فيُهمل، أو يُودع في عالم النسيان، كلا، بل هي ذات شأن جليل، سلب، أو إيجاب، ولها تبعة دنيوية وأخروية، فإنها مسجلة ومكتوبة لن تضيع أبدا. فالكلمة أمانة ضخمة في دين الله تعالى وأننا مسئولون بين يدي الله عن هذه الأمانة العظيمة، ان الكلمة التي يصفها النبي صلى الله عليه وآله بالطيبة صدقة تحصل الرغبات كلها، فكم قربت بعيداً، ويسرت صعباً، وذللت عسيراً، وفتحت أبواباً، وعبدت طرقاً، وهيأت أسباباً، وبلغت غايات لا تبلغ إلا بشق الأنفس؛ يسيرة على المتقين، فقد نشرت في بحورهم شراعها، وألقت عليهم رياحها، فطابت بها صدورهم. أن الكلمة أمانة ولها أهمية عظيمة في حياة الإنسان، وفي تعامله مع الناس، من بيع وشراء، وعقود ومعاهدات، ونحو ذلك مما يتطلب الصدق في الحديث، وأن الانسان عليه أن يضبط لسانه ويحفظه، وأن يستعمله فيما فيه الخير، فإن كان خيراً تكلم وإلا سكت، فالسكوت في هذه الحالة عبادة.

من الافضل على الإنسان أن لا يقبل من الأخبار إلا ما ثبت عنده، وأن يكون صادقاً في نقل ما ثبت لديه، فليس كل خبر يصلنا صحيح و مطابقاً للواقع، وليس كل امرئ مأموناً على نقل الأخبار، فالبعض من الناس لهم عادة تضخيم الكلام، وبعضهم له عادة الإنقاص منه، وبعضهم يضفي عليه عاطفته وشعوره. لا يخفى ان ما للكلمة الطيبة من أثر طيب في العلاقة بين الناس، لأنها تجمع الناس وتوحد الصفوف وتزيد من تماسك المجتمع، وكلما توحدت الصفوف تحققت إنجازات عديدة يعود نفعها على الفرد والمجتمع، أما الكلمة الخبيثة فهي تسبب الفرقة والتنافر بين أبناء المجتمع الواحد، وتؤدي للعنف والفرقة، ويظهر خطر الكلمة الخبيثة في الشائعات التي تطلق في المجتمع وتستهدف وحدة الأمة وتماسكها، أو النيل منها وبث الإحباط في نفوس أبنائها، أو العمل على إسقاطها أو إضعافها أو تمزيقها، أو تفتيت كيانها. خلاصة القول ان حفظ الخبر لنفسك وعدم ترويجه لغيرك هو صيانة لقيمك وخُلقك إلا بعد التأكد من الحدث او الخبر، والأصل هو إحسان الظن بالآخرين حتى يثبت بالبرهان والدليل الصادق عن حقيقته الامر؛ لأن القضية قضية اخلاق المجتمع والمسألة مسألة حسنات وسيئات، وهذه الايام وعن طريق وسائل الاتصال أصبحت الاشاعة سهل في نشرها، فعلينا ان لا نستعجل في تقبلها دون استفهام أو اعتراض.

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامی

 

أي مدينة في تأريخ البشرية أسهمت بإضافات حضارية أصيلة لا تسقط، وإن تعرضت لأعتى التحديات، وتمكنت منها الصولات العاتيات.

مدن الحرب العالمية الثانية أكدت وجودها بعد دمارها، ومن المدن القديمة روما، الإسكندرية، دمشق، بغداد، وإستنبول، وغيرها من المدن الأخرى المعروفة.

فالقول بأن بغداد سقطت، كلام هزيل وتعبير خطيل.

بغداد تعرضت لنواكب أقسى مما تعرضت له في القرن الحادي والعشرين، وبقيت أبية مصدحة في الآفاق، كمدينة أساسية تسطع في الأرض، وستطبب جراحها وستستعيد مجدها المعاصر وتطلق جوهرها الحضاري الأثيل.

"مُدوّرة مُخلّدة وتَبقى...مُحَصّنةً بمانِعَةِ الزوالِ"!!

الذي بناها كان عنده إدراك كوني ووعي بمعنى الدائرة، وجوهر الديمومة الكامنة فيها، فكانت مدوّرة عصية على التدمير والإنهيار، فأسست لروح الإرتقاء والتفاعل مع الأفكار العلوية، وأصبحت موئلا للعقول والأرواح والنفوس، فإغتنت بشخوص الحياة المعرفية بأنواعهم، فلا تناظرها مدينة في الدنيا بإمتلاك ترابها لرموز الإشراق اليقيني المبين.

"بغداد يا بلد الرشيد... ومنارة المجد التليد"

بغداد رعت جهابذة وأفذاذا بسطوا أجنحة إقتدارهم على القارات، وفجروا الطاقات، فكان بيت حكمتها، وثورة الترجمة والتدوين والتأليف، فهي التي حفظت تأريح الأمة ووثقت أمجادها وأشعارها، وصانت قيمها ومبادءها.

"بغداد يا قلعة الأسود...يا كعبة المجد والخلود"

بغداد أنجبت الأبطال الغيارى الأباة، والعلماء الرواد، وسبقت الدنيا فيما أوجدته من العلوم والنظريات، فهي قلب الدنيا، ومنارتها في ظلمات الكون السحيق.

فلن تسقط مدينة إسمها بغداد، وفيها الأمجاد والأجداد!!

***

د. صادق السامرائي

 

"لولا الجهل لجاع الكهنة وسقط الطغاة"

الجهل كلمة ترددت على مسامعنا منذ الطفولة ولا تزال تصك الآذان، وتقرأها في الصحف والمنشورات وتلعلع بها وسائل الإعلام.

أنظمة الحكم البائدة والسائدة تغنت وتتغنى بها، وترى أنها السبب وراء عدم قدرتها على تقديم الحياة الأفضل للمواطنين، فالجهل شماعة الآثام والخطايا والمظالم الشنيعة بحق الوطن والمواطنين.

فهل يوجد جهل؟!!

السؤال غريب، لأن التكرار رسخه في أذهاننا ووعينا الجمعي، وما أسهل أن نردد الكلمة.

الأجيال اعتادت أن تلهج (لهج: ولع) بكلمة جهل، ولا وجود لها بمعناها الجوهري والحقيقي، ففي زمننا المعاصر لا يمكن للبشر أن يجهل، بل الجميع يعرف، والمعارف متفاوتة، والحياة مدرسة والخلق فيها تلاميذ، فمصادر ضخ المعلومات متنوعة ومتعددة، وفي تنافس صاخب لتوصيل المعلومات للمتابعين.

فالبشر صار يحمل في جيبه ذخائر معلوماتية مطلقة تجيبه عن أي سؤال يخطر بباله، فما يريده سيظهر على شاشة صغيرة يألفها ويأنس بما تحضره من المعلومات والصور والأفلام.

فهذه الكلمة تتردد في مجتمعاتنا ونادرا ما تُذكر في المجتمعات الأخرى التي تتناول مفردة التثقيف، ولا يوجد تفسير لسلوكنا المتوج بها، إلا أنها من الوسائل المهمة للقبض على مصير الناس وتركيعهم وتحويلهم إلى قطيع.

الرابض في الكرسي يرى المواطنين من الجاهلين، وكذلك الذي يفترض إحتكاره للمعرفة ويصف غيره بالجهل الشديد.

فرية الجهل متوطنة في ديارنا، ولها تجار يستثمرون بنشرها وترسيخها لكي يدوم ربحهم وتتعزز مكانتهم، وهم الجاهلون الفاسدون.

و"الجهل موت الأحياء"!!

***

د. صادق السامرائي

 

سأظل أكرر القول، اليوم وغداً وبعد غد، بأن المحبة والتسامح وحدهما طريق للخلاص من كل هذا الخراب، الكراهية موت ودمار، ونتائجها دائماً مقابر جماعية، وأعتقد أن هذه البلاد "شبعت" من الخراب ولم يتبقّ في روزنامتها يوم لألاعيب اصحاب الصوت الواحد.

وأيضاً، سأظلّ أكرّر في هذه الزاوية الحديث عن ساحر أفريقيا نيلسون مانديلا، وباني التسامح في الإمارات الشيخ زايد، ومؤسس نهضة سنغافورة لي كوان، وعظيم الصين دينغ هسياو بينغ الذي نقل بلاده من خطب الكتاب الأحمر إلى خطب العمل والتنمية والاستقرار. ربما سيقول البعض، ما الذي يمكن لكاتب ضعيف الحال والأحوال مثل جنابي أن يضيف إلى رجال عاشوا حياتهم وماتوا وهم محبين لكل الناس، بكل ألوانهم وأطيافهم وقومياتهم ودياناتهم؟

اسمحوا لي أن أؤجل الحديث عن ما يجري من ألاعيب سياسية يتوهم أصحابها أنهم سيجعلون من العراق مدينة بلاد تنافس اليابان شرط أن لا تحتفل بالفرح، وأن نحجر على أصوات الغناء، فنحن بلاد تريد أن تشرّع قوانين لمحاصرة العراقيين، ففي لفتة كوميدية قرر مدير شرطة النجف منع بيع اسماك الجري والأخطبوط في المحافظة، وكان قبل ذلك اصدر أوامر قراقوشية بمنع اي امرأة سافرة من المشي في معظم محافظة النجف.او ان تسول لها نفسها الجلوس في احدى المكانات العامة.

‏وربما يعتقد البعض أنني احاول التشهير بمدير شرطة النجف، لكنها الحقيقة يا سادة، فحاكم النجف العسكري يصر على التدخل في شؤون المواطنين، بدلا من ان يعمل على محاربة المخدرات واشاعة الامن والاطمئنان.

فلا سمك إلا بموافقة مدير الشرطة.. مئات التقارير التي تحذر من خطر انتشار المخدرات في العراق، فماذا حدث؟.. لا شيء في هذه الدولة التي انتفضت للان على نوادي اجتماعية، لكنها تصمت، عندما يتعلق الأمر بجرائم سرقة المال العام.

في كل مناسبة بعنوان "عيد الحب" اعود لكتاب رسائل الشيخ الجليل ابن حزم، ولأنني أدرك جيداً أن البعض سيذهب بذهنه إلى الشيخ همام حمودي الذي اعتبر عيد الحب من الكبائر، فأحب أن أخبركم بأن ابن حزم سطر لنا كتاباً في أحوال المحبين لم يعرف مثله، رقة وعذوبة، وصراحة هو "طوق الحمامة" وفيه يقول "الحب – أعزك الله – أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكور في الديانة، ولا محظور في الشريعة"، وهذه العبارة حتماً لم يقرأها الذين يعتبرون الاحتفال بهذا العيد رجس من عمل الشيطان.

ولأننا نعيش اليوم أجواء عيد الحب، فقد تذكرت ما كتبه شاعر فرنسا الكبير أراغون الذي كتب لمحبوبته إلزا "إنهم لا يصدّقون قولي عن الحب برغم هذا الذي أُعانيه".

في النهاية أتمنى أن نحتفل جميعاً بعيد حبّ العراق.. ولتذهب إلى الجحيم كل فتاوى ساستنا ووصاياهم، فنحن بدون المحبة والتسامح سنعيش حتماً في ظلام وخراب مع مسؤولين مصرّين على أن يورثونا "قمقم" ابراهيم الجعفري الذي نفتقده في مثل هذه المناسبات.

***

علي حسين

 

في عام 1940 عرض فلم شاري شابلن "الديكتاتور العظيم" الذي يسخر فيه من هتلر وسعيه للسيطرة على العالم، وكانت عبقرية شابلن تتنبأ بما هو قادم، والقادم كان اعظم!

  توج هتلر حلف محوره بحرب معلنة على العالم بما فيه امريكا البعيدة جغرافيا والقريبة بجنس طموحها منه، منتقما من تجاوز حصته التي يجب ان تكون كبيرة ومؤثرة وفائقة لتليق به وبالجنس الجرماني - الاري، وتفوقه العرقي، كانسان فائق القدرة "سوبر" برفقة الوصيفات الارية التي تتبعها سلاليا وبحسب وصفة غوبلز للاجناس والاعراق، وحتى تتحقق النبوة لا بد ان يتطهر عقر الدار من دنس المشكوك باصالتهم ونقاء دمائهم، كاليهود والغجر، وفي الطريق كل اعداء انفسهم من شيوعيين ومثليين !

 تم انتاج وعرض الفلم في امريكا حيث كانت وقتها تستقطب صفوة الهاربين من النقمة النازية، ككبار العلماء والاغنياء من اليهود وغيرهم، ومنهم انشتاين والعديد من القامات الفكرية الاوروبية طلبا للحماية، وقد استثمرت الطغمة الامريكية بالفرصة المتاحة، وكان حصولها على اسرار السلاح النووي بفضل انشتاين واحدا من عوامل مراهنتها على التدخل المباشر في الحرب وبهدف متجدد لاعادة تقاسم العالم والحد من النفوذ الشيوعي المتصاعد خاصة بعد انتصارات الجيش الاحمر، وكانت تجربة هيروشيما ونكازاكي كافية لدحض اي ادعاء كاذب عن الدعم الامريكي النزيه للشعوب، وما خطة مارشال لاعادة اعمار اوروبا الغربية الا استثمار مباشر على طرق سطوتها، المعززة باستسلام اليابان، وكان درع الناتو قد ارسى قواعده لمواجهة السوفيات، وتقليم اظفارهم في اوروبا وفي شبه الجزيرة الكورية !

التفتت الطغمة الامريكية الى الداخل الامريكي، بحملة منظمة لمكافحة الفكر اليساري الذي انتعش في المراكز الفكرية والفنية بما فيها استوديوهات هوليوود ذاتها، حيث انتج واخرج فلم شابلن،  فكانت المكارثية " نسبة الى عضو مجلس الشيوخ جوزيف مكارثي " حملة اجتثاث استمرت منذ 1950 – 1954  لملاحقة ومحاكمة وسجن الآلاف من اصحاب الثقافة المنفتحة والمناهضة للحروب الامبريالية بتهم ملفقة كالخيانة والتجسس والشيوعية، كانت ارهابا ثقافيا صارخا، ومن المفارقات ان رونالد ريغان كان احد نشطاء تلك الملاحقات سيئة الصيت، ايام كان احد ادوات السلطة بين العاملين والممثلين في هوليوود !

شايلوك يبعث لحكم امريكا !

يقول نعوم تشومسكي في كتابه من "يحكم العالم" ان الطغمة المالية الاوليغارشية المتكاثفة بارصدتها المليارية والترليونية تعيد انتاج السلطة بعد تنشيفها من اي روح اخلاقية، فالشعب الامريكي، بل شعوب العالم تدار كالقطعان، لذلك تبرز مسؤولية الطبقة المثقفة لتعرية الانتهاك الناعم والخشن لكل القيم الانسانية، ومن يغمض عينيه عن رؤية الواقع جبنا ومداهنة لاصحاب النفوذ سيكون شريكا في جريمة الدوس على كرامة البشر، وهنا تفقد الثقافة روحها الحرة الخلاقة!

ترامب تاجر العقارات، يتصرف كما هتلر في فلم الديكتاتور العظيم، وهو كتاجر البندقية في مسرحية شكسبير، يتلاعب بمصائر الناس، يستقطع من اللحم الحي بحق سطوة المال والقوة الغاشمة، يبيد شعوبا ويمحو دول، وسوط القروض وارهاب الكمارك، والحصار والدمار عقاب لكل عاصي!

ترامب هو الابن الشرعي لتزواج قديم جديد بين الصهيونية الايمانية، الوجه العنصري للراسمالية اليهودية وبين الوجه الاخر للعنصرية "البيضاء الانكلوسكسونية" للراسمالية المتوحشة الساعية للتسيد على العالم، فمن إبادة الهنود الحمر والاستيطان بارضهم الى مسعى ابادة الفلسطينيين واحتلال ارضهم !

رب توراتي ملفق يعقد صفقة مع رب انجيلي مزيف لينزل على الهيكل رب جديد فيه شيء من شايلوك وهتلر وترامب، اجرام بربري ربوي باسم رب وثني مختلق، اجرام، يفوق خيال شارلي شابلن وانشتاين بالمطلق !

***

جمال محمد تقي

أفكارنا مدفونة في الكتب وقابعة في ظلمات الرفوف والمخازن، ولهذا لم تجد لها نفعا في الواقع المعاش، وما أثرت بحياة الناس.

فما قيمة أن تكون أفكارنا في كتاب، وهي منبوذة في دروب الأيام؟

أجدادنا كتبوا عن كل شيء وما إنتفعنا منهم بشيء، سوى تخيلهم وإضفاء المثالية والقدسية عليهم، وأمعنا بالتصرفات المنحرفة وننسبها إليهم.

ويمكن القول بأننا نجيد دفن الأفكار، والسبب أن عقولنا معطلة ومرهونة بقوالب سلوكية لا نستطيع التحرر من قبضتها.

أقوالنا، أمثالنا، أشعارنا، خطبنا، وما وردنا من الثوابت التعبيرية عن سلوكيات جامدة، ذات إنتمائية عالية للغابر البعيد، فصار أمواتنا أحياء وأحياؤنا أموات، وفي ديارنا نعيق الغراب وعويل البوم.

ومن المرجح أننا نجيد مهارات الوأد، أي دفن الصالح للحياة، ودحيه في ظلمات التراب.

عقولنا من الإثم تفعيلها، ومن الكفر أن تطرح سؤالا، أو تستفهم ممن يحتكر معرفته بالدين.

والعجيب فيما توارثناه، أننا نحسب ديننا هو الدين، ولا غيره بدين، وكأننا لوحدنا أصحاب دين، وغيرنا من الكفرة المارقين.

ثوابت عقيمة، ذات نتائج سقيمة، تجعل الأجيال رجيمة، وتحسبها رحيمة، وللحياة مقيمة، وهي سلوكيات ذميمة، لوجود أمتنا خصيمة.

فأين أفكار الحياة؟

وأين عقول الأباة؟

وهل ستبقى الأمة في قنوط وسبات؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

سؤال يواجهنا كثيرا، فنشاهد حالات قد انقلبت من حال إلى حال ونقول:

"سبحان مغير الأحوال "!!

من عجائب المخلوقات أنها تولد وفيها خارطة مسيرتها، فهي تمضي وتسخر طاقاتها لتأمين ما يعتلج فيها من نداءات.

ويمكن القول أن في المخلوقات موروثات جينية تدفعها للقيام بهذا الفعل أو ذاك.

ربما سيقول البعض، تريد القول بأننا مسيّرون، ليس كذلك، إنها تفاعلات محتدمة بين ما فينا وما نريده، ونتيجتها تكون غير متوقعة، أو متخيلة.

ذات مرة سألت استاذنا وكان من العلماء المشهود لهم بحقل إختصاصه، فقال أن ما فينا يقودنا إلى حيث سنكون.

وتتوالى أمامنا مشاهد أشخاص تحولوا إلى حالات أبعد مما يتوقعه منهم الآخرون، وفي التأريخ شواهد عديدة، كما أن الحاضر يزدحم بأكثر من شاهد.

هذا يبدأ من لا شيئ ويصبح أثرى رجل في العالم، وذاك في زمن مراهقته يتحدى أكبر الشركات ويصرعها، وغيره يستثمر بفكرة قد تبدو بسيطة فيحوّلها إلى مشروع لا يُضاهى في أرباحه، وآخر يريد الإستيطان في المريخ، وغيره صار في ليلة وضحاها عنوانا للسلام والحكمة والعقل، بعد أن عاش في ميادين سفك الدماء.

إن الأفكار لها أجنحة وتحلق في فضاءات وجودنا، وحالما تجد الدماغ المؤهل لإستثمارها ترتاده، وتنطلق في مشوارها للتواصل مع الحياة التي تختزن جوهرها.

فالحقيقة المجهولة، أنها أفكار تتفتح، وتنطلق من شرنقتها، بعد أن وجدت الحاضنة الملائمة لصيرورتها، وبما أن أعداد البشر في تنامي، فأن قدرات الأفكار على التحقق ستزداد توافقا مع زيادة أعداد الأدمغة القادرة على تمثلها، والإنطلاق بها إلى آفاق مدياتها المطلقة.

الفكرة لا يعنيها مَن هو الشخص الذي ستستسلم لإرادته، مادام لديه دماغ يستوعبها.

ولهذا فلا يوجد شيئ مستغرَب، والعجيب أن نستغرب !!

" ومهما تكن عند امرىءٍ من خليقةٍ.... وإن خالها تخفى على الناس تُعلمِ"!!

وما فينا يوافينا!!

***

د. صادق السامرائي

 

كلنا نعلم نتيجة التهور وقيادة السيارة بسرعة جنونية. ومن المؤكد أن ضحايا الحوادث أنفسهم كانوا على يقين بأن الموت نتيجة حتمية لـ “هوَس” السرعة، والافتتان والمظهرية الخادعة، وتسلط النزعة الاستعراضية القاتلة. هل هناك فئة من الناس تبحث عن الموت وتسعى إليه؟ لماذا يصر هؤلاء الصبية والشباب والمراهقون، وحتى الناضجون أحياناً على السلوك المتهور الاستعراضي، ويضربون بقول العقل، وحكم المنطق، وبالقوانين والتعليمات عرض الحائط؟ دراسات مرورية عالمية عديدة حاولت تقصي واستقراء “سيكولوجية” ضحايا حوادث المرور قبيل أن يلقوا حتفهم، واستطاعت كثير من المحاولات أن تقف عند الحالة النفسية للضحية، وتشخيص الأسباب الكامنة. ففي دراسة أميركية منشورة، تبين للباحثين أن أكثر من 68% من ضحايا حوادث السيارات المميتة لم يكن لديهم عمل أو حاجة ملحة، فنجد الصبية والمراهقين المتهورين يقومون بحركات تنافسية استعراضية قاتلة يميناً وشمالاً دون اكتراث أو شعور بالخطر، أو تقدير لما يمكن أن يحدث، وهناك من يتفننون في أنواع من الحركات المميتة فتقع الكوارث من زهق الأرواح وتحطيم الأبدان، وترويع الآمنين. ولا ينبغي أن نغفل التأثير السلبي لتمويل البنوك وتشجيعها لتسويق السيارات بسهولة ويسر، والضمان الإجباري من قبل شركات التأمين على السيارات، فنجد الشاب المستهتر لا يعير اهتماماً لأي ضرر يمكن أن يلحق بسيارته، فغالبيتهم حصلوا عليها بسهولة ودون مشقة، وعند الضرر أو التلف ستتحمل شركات التأمين كافة التكاليف والأضرار، وهو مؤشر خطير يعزز الاتجاهات السلبية والاستهتار لدى هؤلاء المراهقين”. حقيقة «الهوس» يوضح الدكتور محمد الجارحي، استشاري الطب النفسي، حقيقة “هوس” السرعة والتهور عند بعض المراهقين والشباب.

ليس من الجديد القول إن هناك فجوات في ثقافة السواقة لدينا، وعدم إدراك الكثيرين لخطورة ما لا يلتزم به! قد تكون هناك أسباب اجتماعية واقتصادية لذلك، سواء من توفير السيارات بسهولة، وبالذات الرياضية منها، وعادة السواقة في عمر مبكر، أو عدم التزام السائقين الشباب بالأنظمة، لأنهم يعتقدونها أنها مقيدة لهمَ مثل ربط حزام الحزام، أو تجاوز السيارات وعدم إعطاء الأولوية ،، نحن بحاجة تعزيز الثقافة المرورية، ورفع الوعي المجتمعي، مع تعزيز دور المؤثرين في نشر ثقافة القيادة المسؤولة، ناهيك تكثيف معلومات وأهمية وتطبيقات السلامة المرورية في المناهج الدراسية، و الأهم هو ضرورة تشديد الأنظمة وتطبيقها بصرامة، مع فرض غرامات مرتفعة على المخالفات الخطرة، مثل قطع إشارة المرور، والتجاوز الخطر، وهذا يشمل تكثيف رقابة الكاميرات الذكية في أهم المحاور والطرق. وقد يساعد تبني مفهوم تسجيل نقاط المخالفات لمن يحمل رخصة السواقة، ذلك أن تفعيل النقاط التي تؤدي إلى سحب الرخصة عند تكرار المخالفات، سوف يمنع الكثيرين من المخالفة، ويقودهم نحو الالتزام الصارم، وتكثيف الرقابة باستخدام الكاميرات الذكية والدوريات المتنقلة، ورغم أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتقنا السائقين أنفسهم، إلا أن تحسين ثقافة السواقة يحتاج لجهد مشترك بين الجهات المنظمة وأفراد المجتمع، والجهات ذات العلاقة، وهو ليس ترفاً، بل ضرورياً للحد من الحوادث وحماية الأرواح.

***

نهاد الحديثي

هو خمار بن أحمد بن طولون (220 - 270)، ولد في سامراء (250 - 282) هجرية. بويع له بعد وفاة أبيه خليفة على مصر والشام، وتولى قيادة الجيوش وهو دون العشرين. إنهزم أمامه المعتضد إبن الموفق، وعاد لمصر، وتمكن من الشام سنة 273 هجرية. وحكم 12 عاما، وقتله خدمه بعد ثورتهم عليه، سنة 282 هجرية.

يلقب بأبي الجيوش لإهتمامه بالجيش والحروب، وهو الحاكم الطولوني لمصر وسوريا (270 - 282)هجرية.

وقد زوّج إبنته قطر الندى (أسماء) سنة (282) للخليفة العباسي المعتضد بالله (279 - 289)، ويبدو أنها كانت صغيرة في العمر، وأقام لها حفل زقاف فخم لا مثيل له في التأريخ، وإستمر لشهر، وهذه المسكينة قتلتها زوجة المعتضد (شغب) بالسم سنة (287) هجرية.

عند زواج قطر الندى كان عمر والدها (32) سنة، ووفقا لذلك يمكن تقدير عمرها، وهو على الأرجح دون سن (20) بسنوات، وبعد زواجها بأشهر قتلوا والدها.

وكانت غاية المعتضد من زواجه بها إفراغ خزينة الدولة الطولونية، لمعرفته ببذخ خمارويه، فكان الزواج سياسيا، وربما يكون الخواء الذي أصابها سبب قتله من قبل حراسه، ولم يتجاوز عمره (32).

ويُقال أن المعتضد كان قاسيا ويدفن قادته أحياءً إذا غضب عليهم.

ولا يُعرف كثيرا عن حياة (قطر الندى) في قصر الخلافة، وكيف كانت تعاملها (شغب)، لكنها أمضت أياما نكيدة، وماتت شابة صغيرة.

وهذه حالة تثير علامات إستفهام، فهو الذي تولى الحكم وعمره (20) سنة، فهل أنجب (قطر الندى) وهو في عمر أقل من ذلك بعدة سنوات، وكم عمرها حين زوّجها، والمعتضد تولى الخلافة في عمر (37) وتوفي في عمر(47) وعاشت معه خمسة سنوات وربما لم تنجب.

وإبن خماروية جيش بن العساكر تولى السلطة في عمر 14 بعد وفاة والده وحكم (282 - 296) هجرية.

ففي واقع مسيرة الأمة، حكم دولها المراهقون، وساموها الجور والعدوان على أبسط حقوق مواطنيها!!

و" تقدّرون وتضحك الأقدار"!!

***

د. صادق السامرائي

 

ليس من المعقول ان يعيش الانسان حياته بدون ان يمر يوما ما بحالة من الشعور بعدم الرضا عن النفس أو تأنيب الضمير بسبب بعض الافعال أو الأقوال الصادرة عنه، ذلك ان الانسان طالما يعمل ويجتهد فهو عرضة للخطأ، وقد يكون هذا الخطأ على درجة من الجسامة يدفع بسببه ثمنا باهضا ماديا كان او معنويا يقوده في النهاية الى الندم، والندم كما هو معروف شعورٌ يصيب الإنسان حينما يقوم بفعلٍ يكتشف انه غير صحيح، وليس بالضرورة ان يأتي الندم واحساس الشخص بالذنب نتيجة ارتكابه لفعل مخالف انما قد يكون بسبب فعل لم يقدم عليه أو كما يقول برناردشو (الندم لا يقتصر على التصرفات الخاطئة فكثيرا ما نشعر بالندم على تصرفات صحيحة) فكم من تضحيات قدمتها للبعض وقابلوها بالنكران والخيانة او اسداء معروف لأشخاص لا يستحقون، وكذلك الندم على التفريط بالفرص ومنها اللحظات الجميلة التي لا تشعر بقيمتها وعظمتها الا بعد فوات الأوان أي الندم على فعل لم يسارع الشخص الى تنفيذه ولم يغتنم الفرصة واكتشف لاحقا انه كان مغفلا حينما تقاعس عن ادائه وهو ما جسده الشاعر السياب في قوله :

كيف ضيعتك في زحمة أيامي الطويلة

لم أحل الثوب عن نهديك في ليلة صيف مقمرة

*

ضيعتك آه يا جميلة

انه ذنبي الذي لن اغفره

فكلمات السياب تعكس لوعة الشعور بالندم على اشياء لم يفعلها ولم يدرك حينها ان الذي يمضى لن يعود وكان عليه ان يكون شجاعا وجسوراً في اقتحام حاجز الخوف واعتلاء اسوار مملكته الساحرة فلا ينفع الندم بعدما فرط بالفوز العظيم وهذا ما اشعل في نفسه الرغبة في البوح والحديث عن تلك الغفلة التي عاشها قبله الشاعر ابو تمام وقال فيها:

البينُ جرّعني نقيعَ الحنظلِ

والبينُ أثكلني وإنْ لم أثكلِ

*

ما حسرتي أنْ كدتُ أقضي انما

حَسرَاتُ نَفْسي أنَّني لم أفْعلِ

المنتصرين فقال: وكذلك ما حذّر منه الشاعر ابو الحسن الجرجاني حينما وجد نفسه خائبا وسط زحمة

اذا انت لم تزرع وأبصرت حاصداً

ندمت على التفريط في زمن البذر

لقد استحوذ الندم على صفحات ليست بالقليلة من تاريخ الشعر العربي ومن أبرزها ما جاء في قصة الشاعر" ديك الجن" وهو شاعر عباسي أقدم على قتل حبيبته وزوجته (ورد)، إثر _خيانة مزعومة_ دون أن يتأكد منها، وعندما تبيّن له الحقيقة ندم على قتلها طوال حياته:

ما كان قتليها لأنّي لم أكن.. أبكي إذا سقط الذباب عليها

لكن ضننت على العيون بحسنها.. وأنفت من نظر الحسود إليها

أما الشاعر علي بن أحمد بن محمد معصوم الحسني الشهير بابن معصوم وهو عالم بالأدب والشعر والتراجم فهو يدعو الى التحلي بالصبر والهدوء وعدم الركون الى الندم فكل ما يجري ــ حسب اعتقاده ــ هو مكتوب ومقدّر وبالتالي لا مفر منه:

دَع النَّدامةَ لا يذهب بك النَّدَمُ

فَلستَ أَوَّلَ من زَلَّت به قَدمُ

 *

هيَ المَقاديرُ والأَحكامُ جاريةٌ

وَللمهيمن في أَحكامه حِكم

ووسط الكم الكبير من التقريع للمكتوي بنار الندم نجد هناك من يحاول ان يجبر بخاطره ويهّون الأمر عليه ويسعى الى انتشاله من الحزن والضيق فيقول له متعاطفا (الندم ليس عيبا بل دليل قاطع على إنك شخص لديه ضمير) فلا بأس أن نفهم الأشياء في وقت متأخر .

***

ثامر الحاج امين

هل نكتب بلغة يفهمها القارئ؟. مشكلة نخب الأمة، أنها تكتب بلغة بعيدة عن واقع الجماهير، ولهذا ربما فشل المفكرون والفلاسفة والمبدعون في التأثير الإيجابي على حياة الناس.

المكتوب لا يُقرأ!!

ينشرون غثيثا ويحسبونه أصيلا، وتحتار في الأمر، وتتساءل، ماذا يريد الكاتب؟

لدينا مشكلة في الكتابة، فهي لا تؤثر في المجتمع، ولا تصنع التيار الثقافي القادر على إحداث التغيير.

لم ندرس كيف نكتب منذ البداية، ولم نتعلم مهارات وضع الأفكار في كلمات معبّرة عنها، بينما في المجتمعات المتطورة يتعلم التلاميذ كيفيات وضع الأفكار في كلمات وجمل، فتكون مقاصدهم واضحة وكتاباتهم ذات قيمة، وفي مجتمعاتنا الكتابة كالعهن المنفوش، والفَراش المبثوث.

عندما يُطرح سؤال كيف نكتب، يُقابل بإستهجان من قبل النخب، فكل منهم يحسب نفسه إمام الكتابة وسيد الإبداع الأصيل.

تبدو الكتابة وكأنها فقدت معناها، لإضاعتها لمميزاتها ومواصفاتها ومهاراتها، وتناسيها لرسالتها، وأوهمتنا وسائل النشر السريع بأننا نكتب، فغاب الكتّابُ وتكاثر المنسوبون للكتابة بمستوياتهم المتفاوتة، مما تسبب بتنمية الجهل وتدمير العقل والإرادة وفقدان الشعور بالمسؤولية.

فهل سنعيد للكلمة دورها وهيبتها وقيمتها؟!!

و"إن الكتابة عِلمٌ "!!

و"مَن يكتب يقرأ مرتين"!!

***

د. صادق السامرائي

كان من المفترض أن يكون موضوع المقال لهذا اليوم عن قرارات المحكمة الاتحادية التي تريد ان تدخل البلاد في " حيص وبيص"، ورغم انني من المؤيدين للقرارات التي تشطب على سلة المشهداني الذهبية، لكنني تعجبت يا سادة من موقف نواب الاطار التنسيقي، ففي الوقت الذي صوتوا فيه على سلة المشهداني وخرجوا فرحين باقرار تعديلات قانون الاحوال الشخصية، وجدتهم اليوم ايضا فرحين بتعطيل القوانين، ولا ادري سر هذه " الحزورة السياسية ".
إياك عزيزي القارئ أن تظنّ أنّ "جنابي" يهدف إلى السخرية من قرارات مجلس النواب، او تسول لك نفسك وتعتقد انني سأتحدث عن المحكمة الاتحادية، فانا مواطن مغلوب على امره لا يدري يصدق من مجلس النواب ام المحكمة الاتحادية، ام مجلس القضاء الاعلى ؟.. اترك هذه الألاعيب للنواب الذين سيقضون معها اوقاتا مسلية على الفضائيات، واسمحوا لي ان اكتب عن الخطاب الاخير الذي القاه السيد نوري المالكي على جمع من شيوخ العشائر، ومعروف عن السيد المالكي تشجيعه للعشائر، ورغبته تحويل العراق الى الجمهورية العشائرية، بدلا من الجمهورية العراقية، ولهذا كان لا بد من أن يخرج علينا السيد نوري المالكي ليحذرنا مما يجري في سوريا، ويطالبنا بان نؤمن بمشروعه السياسي الذي بدأه عام 2006، والذي لم تسمح له الإمبريالية أن يواصل إكماله.
لا جديد، هذه المرة، أيضاً. نوري المالكي يصرّ على تحويل معركة العراقيين في التنمية والسعي لبناء البلاد، إلى معركة طائفية، وفي الوقت الذي ترنو فيه أعين العراقيين جميعاً باتجاه المستقبل، وتمتلئ القلوب بالأمل في إعادة العراق الى مكانته التي يستحقها بجدارة يتكرر خطاب المالكي، وتتكرر معه التجارة بمستقبل العراق، سياسيون يبتزّون الناس ويواصلون الصعود بهم إلى قمة الفشل، يردّدون العبارات ذاتها، ويُعبّئون الإعلام بحكايات عن المؤامرة التي يقودها النظام الجديد في سوريا ضد العراق، في الجانب الآخر يُحشّد البرلمان جميع أسلحته الفاسدة في الحرب على الحريات المدنية، يعلن حالة الطوارئ، لأن النوادي الاجتماعية تفتح أبوابها في بغداد، في الوقت الذي يصمت على الفساد الذي ينخر في جسد مؤسسات الدولة، فساد لم يسلم منه حتى الوقفين الشيعي والسني.
يُعيد المالكي الحديث عن المعركة التي يجب ان نخوضها على تخوم مدينة دمشق، لا يسأله أحدٌ ماذا فعلت خلال الثماني سنوت من جلوسك على كرسي رئاسة الوزراء، ولماذا العراق حتى هذه اللحظة يعاني من ازمة كهرباء، ومستشفيات متطورة ومدارس حديثة وفرص عمل لملايين الشباب العاطلين؟.
***
علي حسين

 

الكثير من الثورات أو الانقلابات التي تحدث في المجتمعات الفقيرة أنتجت عنفاً في السلوك العام، خاصة في بداياتها، أنتجت فوضى مَسّت كل مفردات المجتمع، صنعت الطغاة، مارسوا كل أنواع الاضطهاد، هكذا بوعي أو بغير وعي، بجعل الجلادين أبطالاً يسحقون حقوق الإنسان حتى البسيط، هناك العقول المدبرة للثورات أو الانقلابات، الذين كثيراً ما يخطئون في تقرير المصائر، رغم كل الجهود التي يبذلونها في صناعة تاريخٍ جديد.

أكثر الثورات والانقلابات التي تحدث في أجواء الفقر والحرمان تنتج عنفاً غير منظم في مراحل الانتقال والتغيير، حيث ردود الأفعال العاطفية، بعيداً عن الوعي والمنطق.

في حالة الانقلابات كثيراً ما يكون هناك نقصاً في الوعي، وعدم إدراك المعنى الحقيقي للانتقام، والسياسة وتعقيداتها وصراع الأفكار تلعب دوراً في مجرى الأحداث.

إنها التجارب والصراعات تعيد نفسها، دون أخذ العبرة من التاريخ. لو سألنا أنفسنا؛ لماذا قتل الملك فيصل الأول والوصي عبد الإله والعائلة المالكة؟ لماذا سحلوه في شوارع بغداد؟ لماذا قتل الزعيم قاسم؟ لماذا كل انهار الدم في شباط 1963؟ لماذا كل ذلك العنف والكراهية؟ ماذا يحدث لو كانوا احياءً؟ لكانوا لهم الدور في وجود علاقات كبيرة في خدمة الوطن، لكانوا اليد الوطنية التي تبني الوطن، لكن شعور الانتقام كان اقوى.

لكل انقلاب حدث بتدخل يد من الخارج، الانقلابيون وضعوه أمام الكاميرا، وعلى الهواء مباشرة، وشخصيتان مأزومتان تبصق على الوجه وتضرب بالنعال، علماً أنه كان رجلاً متسامحاً، فلماذا عاملوه بهذه القسوة والإهانة؟ إنها السياسة الرعناء!

كان يحلم بوطن أكثر استقرار وزهواً، لكن الناس لم يخرجوا للدفاع عنه وعن الوطن، بل ظلوا متفرجين إلا أفراداً دافعوا عن الزعيم والوطن، ظلت اصوات المتفرجين مخنوقة ساكتة ساكنة، وصاروا يرونه في القمر يجلس على كرسيه، ينظر إلى ما وصل إليه الوطن، نسجوا صوراً وخرافات حول وجوده، فالخرافة دواء لجميع العلل، هذا ما رغب الطغاة به، حتى تركوا أنواعاً مختلفةً من عذابات الفقراء والمحرمين، تركوا بكل اشكالهم وتسمياتهم أنواع السياسة المبتذلة، لقنوا الشعوب الخوف والإذلال والفقر، تركوا الإنسان محطم الأفكار والأرواح مثل خرق بالية، تركوا الأمهات بحسراتهن منهزمات.

اليوم عندما ترغب بالتوثيق عن تلك الحقبة الزمنية تصل إلى حقيقة أن من يعمل فهو الشخص الغير مرغوب به، وهذه حقيقة مرة، لكن علينا أن نتجاهل الأنا من أجل هدفٍ واحد هو كتابة التاريخ دون الميول والاتجاهات والعواطف، الإيمان بالآخر وما يقدمه، التضحية دون مقابل. لكن ما كتبه البعض عن التاريخ وانجازاته وجدت فيه فقط التبجح، وهكذا حققوا الهدف.

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

ظاهرة فريدة تفترس الأجيال مفادها أن الماضي حي ومتفاعل، والحاضر والمستقبل بعدان زمنيان مغيبان، أو مفقودان في معادلة الحياة المعاصرة لمجتمعاتنا.

لا يوجد ما يماثلها في مجتمعات الدنيا قاطبة، فهي بنت زمنها وتسعى لغدها الأفضل.

لا يوجد تفسير مقنع للإنغماس الوهمي في الغابرات، والتيقن بأن الأمة توقفت عن الحياة بعد ذك، وأنها في أوعية الإنعاش، أو مجمدة في صناديق التحنيط والإتلاف الذاتي.

مَن يديم تأجيج المواقد، وحشو الأجيال بالأفكار السقيمة، وإقناعهم بأن واجبهم المقدس الإنتقام للغابرين من الحاضرين؟

الوهم قائدنا وقاتلنا، وما تتعاطاه الأجيال وهم جماعي متوارث لا يمكن زعزعته، بل الموت في سبيله والعمل بموجبه، وفي ذلك تكمن الطامة الكبرى.

الوهم نار جحيمية تحرق الأمم والشعوب، وتحتاج إلى مؤججين لها، ومشغولين بسكب البنزين عليها، لكي تحرق الأخضر واليابس، وتمضي في سعيرها اللهاب.

فالحرائق المدمرة الفتاكة فكرية وسلوكية، وما يدور في أروقة مجتمعات الأمة، يصب في أوعية التدمير المبرمج الشامل لجوهرها وهويتها الحضارية، وقيمها وأخلاقها، وما أسهل إستعباد الواهمين.

الأمة مدثرة بالأوهام المتنوعة، وتسعى في معاقلها الظلماء المؤدية إلى كهوف الويلات، وخنادق النائبات، وعلى أجيالها تدور الدوائر، ولا يوجد فيها صوت حياة ونداء بناء وإنطلاق نحو آفاق المستقبل، بعيدا عن التكبل بأصفاد الماضي المرير.

وهكذا فالأجيال معتقة في قارورة الأوهام، التي تحولت إلى ينابيع غثيان وتضليل وتدمير، وقنوط في قيعان الدونية والتحول إلى رماد تحت أقدام العصور.

فإلى متى سيتواصل بإفتراسنا الوهم المتوج بأقنعة التسويق اللازمة لتأمين مصالح الآخرين؟!!

***

د. صادق السامرائي

السائد في كتاباتنا الغموض، فالخوف سلطان، يجعل الأقلام ترتعش وتتغافل وتتمسك بالهوان، وكأن ما تقوم به نوع من التحايل والإدمان.

ألفاظ غامضة وجبن عقلي، وإمعان بالهروبية والرمزية، والتعبيرات اللا واقعية، الخالية من هموم الجماهير وتطلعاتهم اليومية.

القارئ يبحث عن الواضح المبين، يريد مَن يقدم له المعلومة الطازجة العارية بلا أغلفة وأقنعة وتزويقات لفظية لا فائدة منها.

الكتابة بالعربية أبحرت في جميع المشارب وأبعد، وعلى كتابها أن يتعلموا مهارات التعبير الواضح المعاصر اللازم لإستنهاض الطاقات الكامنة في الإنسان، لا تكميمها وإخمادها، وتدويخ القارئ بما لا تحمد عقباه.

ما فائدة مئات المنشورات اليومية في المواقع ووسائل الإعلام المتنوعة؟

لماذا تزداد الكتابة ويتنامى القهر والظلم وحرمان المواطنين من أبسط الحقوق؟

ألا تساءلنا وفكرنا؟

الأمم والشعوب بنخبها، وهذا يعني أن نخب الأمة مصابة بعاهات عليها أن تراها وتعالجها وتتجاوزها!!

كتابات غثيثة، كأننا نكتبها لأنفسنا، ونتجاهل أنها للقارئ وليست لنا!!

إنتهى زمن الكتابات المعقدة والنصوص القابلة للتأويل، ذلك إبداع بائد، فأبعدونا عن هذيانات تحليل النص، والنظر في باطنه وإهمال ظاهره، فالوضوح في عرف البائدين مباشرة سمجة، والغموض إبداع أصيل، وهل يتفق القارئ مع هذه الرؤية الصومعية؟

أمثال هذه الكتابات قضت على معاني الحياة، وصارت في كتب متأهبة للقفز إلى سوح النفايات!!

فهل نكتب لنكون؟!!

"إن الشجاعة في القلوب كثيرة.... ووجدتُ شجعان العقول قليلا"!!

***

د. صادق السامرائي

هو كل إبداع متصل بالكلمة، فهل ينفع الأمة إبداع الكلام، يبدو أن القول بأن أمتنا "أمة كلامية"، ربما يصدق عليها لأنها قد تكون من أكثر الأمم كلاما، وأقلها فعلا وعملا وإنجازا.

أمم الدنيا كلامها يشير إلى عمل، وعمل الأمة كلام مجرد من الإنجاز والعمل.

أقلام منهمكة بإنتاج الكتب، وكأن الغاية تأليف كتاب وحسب، أما دوره في صناعة الحياة فلا قيمة له ولا معنى، المهم أنه كتاب مرفوف في أروقة النسيان والتجاهل والإهمال، وفي أقبية الظلام والإنهزام.

للكتاب دور في صناعة العقول الفاعلة في المجتمعات، ومعظم كتبنا إن تناولها قارئ فأنها تعطل عقله، وترديه صريعا على هامش الأيام، فهي تهدف إلى تبرير المسكنة والإنهزامية والخنوع للآخرين.

وممهورة بما لا يمت بصلة إلى الأمة، لأن الآخر قد جعل الوعي الجمعي مُضَللا ومحشوا بالزيف والتحريف والانتكاس والإنتكاب والإنكسار، وعلى الأجيال أن تلقي إرادتها في مستنقعات العجز والإمتهان، وتستسلم لما ينفثه الآخرون من أفكار عسلية المذاق سمية الأثر.

فهل ينفع الكلام، إذا إدلهم الخطر!!

الكل يجيد الكلام، ويأبى العمل، بينما المطلوب أن يتكلم العقل الجاد المبصر العازم على بناء الحاضر والمستقبل.

فهل إعتصمنا بحبل مصالحنا بأنواعها؟

هل فكرنا بالعمل الإنساني المشترك؟

هل عرفنا نور الدين لا ناره؟

إن أمة الكلام، كلامها صراخ ونواح وندب، وهذا ما يسود ضروب الإبداع ومشاربه، ولا جدوى ولا منفعة من التواصل بالكلام، لأنه ليس كالمطرقة، بل يساهم بتفريغ الأجيال من طاقات العمل وقدرات الإنجاز.

فما دام الكلام العمل، فهل بقيت قيمة لأي عمل؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الكلمات الفارغة أو التي أفرغت من محتواها ودلالاتها وفحواها. 

ويبدو أن الكلمات أصيبت بهذا الوباء الخطير، فصارت من فصيلة مجرد كلام وما أرخص الكلام.

قال: لتتوقف الأقلام عن الكتابة!!

قلت: لماذا؟

قال: لأن الناس لا تقرأ، وإذا قرأت، لا تهتم وتنكر المكتوب وتهمله تماما.

قلت: وما الحل؟

قال: علينا أن نتعلم كيف نكتب، فالكتابة مهارة وفن!!

قلت: أ تقصد نحن لا نجيد الكتابة؟

قال: ألا تساءلت لماذا المنشور لا يُقرأ؟

قلت: أظنه يُقرأ!!

قال: الوهم فضاء الأقلام، فهي ممعنة بالإسهاب الممل، وترى أنها تبيض ذهبا!!

قلت: حيرتني!!

قال: لماذا لا تكتب الأقلام ما ينفع الناس ويتفاعل مع همومهم وحاجاتهم؟

وأضاف: ما هذا الإدغام والغموض، والإبهام، وغياب الوضوح؟

قلت: إنه الإبداع!!

قال: اللعنة على إبداع لا يُفهم، ويتدثر بالمجهول!!

ترى هل صدق بقوله، أم إعتدى على فيض اليراع؟!!

و"إن من البيان لسحرا"، "والكلمة الطيبة صدقة"!!

و" حشو كلام المرء في الخطاب...من عيّه كذاك في الجواب"!!

***

د. صادق السامرائي

إن الذي دعاني للكتابة عن موضوع جدوى سنوات الخبرة، التي يمر بها الفرد أو جهة معينة، هو ذلك الافتخار والاعتزاز الذي نسمعه الآن من أولئك الذين فشلوا في تحقيق أهدافهم، ولم يجنوا من هذه السنوات سوى الضعف والفشل والهوان. إذ أن هناك فرقاً كبيراً، كما يقول أحد المفكرين، بين خبرة السنوات وبين سنوات الخبرة. فهناك أشخاص لديهم، مثلاً، عشر سنوات خبرة، ولكنها سنة خبرة تتكرر عشر مرات. إذن العِبرة ليست بعدد سنين الخبرة أو العمر الزمني للإنسان أو الهيئة أو نحوهما. ولكن العبرة في مدى الاستفادة من هذه السنوات وما تفرزه من اتساع الأفق وتنوع الثقافات والاهتمامات، والإحاطة بما يجري من أحداث، وإدراك الباطن من النظر في الظاهر، وامتلاك بصيرة ثاقبة للمستقبل. وهناك مفارقة عجيبة، نجدها بخاصة عند بعض السياسيين، وهي أن الإنسان، عادة، يكتسب خبرة ويزداد تجربة بمرور الأيام والسنين، وهي حالة إيجابية. لكننا بالمقابل نلاحظ في حالات عديدة، أن التجارب المجمعة والخبرات المكتسبة تصبح عائقاً أمام فهم وتحليل موضوعات أو مشكلات جديدة، بسبب صعوبة التكيف معها، وهذه حالة سلبية تؤدي إلى التقليل من قدرات الابتكار والابداع، كما تؤدي في أحيان أخرى إلى الفشل والإندحار. وفي كثير من الحالات يتخلى هؤلاء السياسيين من مسؤولياتهم عن الفشل في تحقيق أهدافهم، بإلقاء اللوم على الآخرين. وفي حالات أخرى يعتقد بعضهم أنهم ضحايا، بينما هم في حقيقة الأمر قد سمحوا لأنفسهم أن يصبحوا ضحايا، عندما رهنوا حياتهم ومصيرهم  بوجود شخص أو جهة غالباً ما تمثل سلطة استبدادية، حينها تكون العلاقة بينهما كالتابع والمتبوع (السلطة)، أو بين الضعيف والقوي. وأحد خصائص هذه العلاقة هي الهيمنة لدى القوي، والخضوع والدونية عند الضعيف.

وقد شرح أريك فروم في كتابه "الخوف من الحرية"، مشاعر الدونية والعجز واللاجدوى الفردية، فيقول: "إن تحليل الأشخاص المحاصرين بهذه المشاعر يبين أنه على حين أنهم يشكون شعورياً من هذه المشاعر ويريدون التخلص منها، فأن قوة ما داخلهم تدفعهم لا شعورياً إلى الشعور بالدونية واللاجدوى... وبصفة منتظمة يظهر هؤلاء الأشخاص تبعية ملحوظة للقوى التي هي خارج أنفسهم،... وهم يميلون لا إلى تأكيد أنفسهم ولا إلى فعل ما يريدون، بل يميلون إلى الخضوع لأوامر هذه القوى الخارجية".

لذلك ينتهج هؤلاء السياسيين نهجاً مع القوي يتصف بسياسة تسمى سياسة المداراة والمداهنة والملاينة والملاطفة والمجاملة، لأنهم يعتقدون أن بقاء العلاقة مع السلطة المستبدة القوية، أهم بالنسبة لهم من تحقيق أهدافهم الخاصة.

وأخيراً، نذكر ما يقوله بعض المفكرين في هذا المجال: "إن الذين يتنازلون عن حرياتهم مقابل أمان مؤقت لا يستحقون الحرية ولا الأمان". و"الإلتحاق أو مرافقة القطيع، ستخسر مبادئك"، و"لا تماشي من لا يساويك"، و"لا تمشي أبداً على الطريق المرسوم، لأنه يقودك حيث ذهب الآخرون". وقول الشاعر:

وماذا ينال الضـعيف الذليل

سـوى أن يحقر أو يزدرى

*

وأولى لمن عاش مثل الثرى

ذليلاً لو احتل جوف الثرى

***

أحمد محمد جواد الحكيم - باحث وأكاديمي عراقي

 

في المثقف اليوم