أقلام حرة

أقلام حرة

في مجتمعٍ تم تجريده من الحق في محاسبة السياسي والمسؤول، وحرمانه الاقتراب من قلاعهم الحصينة، يغيب التواصل بين الناس والسلطة، ويجد المسؤول الكبير أن اللقاء بالمواطنين والتحدث إليهم نوع من انواع الفضل الذي عليهم أن لاينكروه باعتباره إنجازاً تاريخياً .

في ظل هذه الأوضاع التي يبني فيها المسؤولون سدوداً بينهم وبين الشعب، يصبح من العجائب أن يعرف المواطن ما هي اهتمامات رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو من يجلس على كرسي رئيس البرلمان، فهذه أمور لا يجوز طرح الأسئلة عنها .

بالأمس وأنا أطالع بعض المواقع الإخبارية لفت نظري خبر مثير يقول إن الرئيس المكسيكي مانويل لوبيز يقدم نصيحة للشباب بقراءة أعمال فيودور دوستويفسكي وليف تولستوي وكتاب مكيافيلي "الأمير"، وكتب الرئيس في تغريدة له على موقع X: "بالنسبة للشباب، ومع كل الاحترام لـ (تيك توك)، وشبكات التواصل الاجتماعي، لكن لا شيء أفضل من قراءة كتاب جديد" .

دائماً ما أسأل نفسي: ما قائمة الكتب المفضلة عند بعض سياسيينا، مَن قرأ منهم فؤاد التكرلي أو السيابأو وضع هوامشه الشخصية على كتب علي الوردي او جواد علي؟ سيقول البعض ساخراً يارجل إنهم يعشقون مكيافيلي من خلال السماع وطبقوا مبادئه في السياسة من دون أن يقرأوا كتابه "الأمير".

يقال عن الرئيس الفرنسي الراحل ميتران، بأنه كان دائم الاستعارة لكبار كتّاب فرنسا وهو يدير اجتماعات الحكومة وحين سأله أحد الصحفيين يوماً: لماذا يردد مقولات قديمة، في زمن وصل فيه الإنسان إلى سطح القمر؟ قال وهو ينظر إليه متعجباً :"يفقد الإنسان اتصاله بالمستقبل إذا لم يكن محاطاً برجال مثل روسو ولم ينصت إلى فولتير"، بينما فقد معظم ساستنا اتصالهم بالواقع لأنهم مهمومون بالامتيازات والصفقات السياسية والأهم بالانصات إلى أهل الثقة والابتعاد عن أهل المعرفة والكفاءة.

لا يعترف المسؤول والسياسي العراقي بالخطأ ويعتقد أن الخطأ والصواب لا علاقة لهما بالفشل.. حين تحول العراق، من أغنى دولة عربية إلى بلد يخضع لقوانين العشائر ومصطلحات "الكوامة" ومفردة " من يا عمام؟".

من المهم، بل من الواجب هنا أن يتساءل الناس عن مقدار المسافة بين المسؤول والثقافة في ظل هذا التوغل المخيف للشعارات الطائفية وتمكين القبيلة على حساب مؤسسات الدولة ..من حق الناس أن تسأل، وتناقش لماذا يريد لنا البعض أن نعيش في ظل أجواء الماضي ويحاولون الابتعاد بالبلاد عن المستقبل؟

أتمنّى أن يقرأ معظم مسؤولينا وساستنا مذكرات السنغافوري لي كوان " من العالم الثالث إلى العالم الأول "، ليعرفوا أن هناك قادة يختارون بناء المستقبل، فيما نحن نصر على العيش في الماضي.

***

علي حسين

 

هبطت عليها الثروة والشهرة من دون أن تسعى اليها . كانت في السادسة والثلاثين من عمرها عندما قررت نشر روايتها " إله الأشياء الصغيرة " لتنال عليها عام 1997 أكثر من نصف مليون دولار، وجائزة البوكر، أهم جوائز الرواية العالمية . أصابها الذهول والدهشة ولم تخرج من البيت لثلاثة أيام كانت تعتقد أن في الأمر مزحة، رفضت الحديث لمراسلي الصحف الذين جاءوا لمحاورة المرأة الهندية التي خطفت واحدة من أهم الجوائز الأدبية .

أرونداتي روي المولودة عام 1961 في شرقي الهند، والتي ظهرت مؤخرا في احدى الاحتجاجات لمساندة سكان القرى الفقيرة،هاجمت بعض الأكاديميين والصحفيين والكتاب في الهند ووصفتهم بالمترددين في إظهار الشجاعة، وسخرت من الطبقة الأكاديمية التي غالباً ما تظهر مستوى عالٍ من الاحترام للسلطة لدرجة أن الكثير من المثقفين والأكاديميين يمتنعون عن التعبير عن مخاوفهم حتى عندما يتم انتهاك حقوقهم. وقال ساخرة " أنهم يعتبرون "الصمت" هو ضمانتهم" مضيفة: "كيف سيحكم علينا التاريخ إذا اخترنا الصمت؟".

ماذا يعني أن تكون مثقفاً في عالم اليوم؟ يقول المفكر الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد " المثقف فرد يتمتع بالقدرة على تمثيل وتجسيد وصياغة رسالة أو وجهة نظر أو موقف أو فلسفة أو رأي للجمهور ومن اجل هذا الجمهور . علاوة على ذلك، أكد سعيد أن واجب المثقف هو "إثارة أسئلة محرجة، وأن يكون شخصاً لا يمكن بسهولة أن يتم استمالته من قبل الجهات الحاكمة ". فيما هاجم نعوم تشومسكي، طبقة التكنوقراط والمثقفين الذين ينحازون إلى مصالح الأقوياء، وجادل بأن مسؤولية المثقفين هي قول الحقيقة وفضح الأكاذيب وتمثيل كل هؤلاء الأشخاص والقضايا التي يتم نسيانها أو يتم تجاهلها.وهذا يعني أن على المثقفين أن يظهروا الشجاعة للدفاع عن الحقيقة، وأن يكونوا المدافعين عن أولئك الذين لا يسمعهم أحد .

في معظم دول العالم نرى كيف يصنع المثقف مصير بلاده، فيما نحن نترجى المسؤول أن يمنحنا الفتات من عطاياه، بعدها لايهم أن تعيش الناس في الجهل والتخلّف والطائفية.. متى يصبح المثقف العراقي ناطقا باسم الناس، وليس صامتا من اجل ارضاءً لاهل السلطة ؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه، للاسف في الوقت الذي تسعى فيه بعض الجهات السياسية إلى إشاعة ثقافة الجهل والخراب، يسعى الذين يَحسبون أنفسهم على خانة الثقافة إلى مغازلة المسؤول من أجل الحصول على عطاياه .

تعترف الهندية روي بأن أكثر ما يثير حفيظتها، ويصيبها أحيانا بالجنون: ” سماع أحدهم يصنفها بأنها صوت الذين لا صوت لهم " فهي تؤمن بأنه لا يوجد شيء اسمه صوت الذين لا صوت لهم"، بل هي ترى نفسها صوتا لمكممي الأفواه، الذين لا يريد أحد سماع شكواهم .

***

علي حسين

 

قبل عام ألفين، لم يكن العالم بهذه القدرة التفاعلية عبر شبكات الإنترنيت والتواصل الإجتماعي، وقد تحققت ثورات نوعية أصيلة في وقت قياسي، خصوصا بعد العقد الأخير من القرن العشرين، مما نقلت البشرية إلى فضاءات كانت لا تخطر على بال الأجيال في أي عصر.

وبعد أن أمضت البشرية معظم القرن العشرين على أنه عصر النفط وحضارته، تراها اليوم تتحفز للإنتقال إلى مرحلة طاقوية جديدة مذهلة، تتوازى مع المستوى الإليكتروني والتواصلي الذي بلغته الدنيا، وهذا يعني أنها مقبلة على مصادر للطاقة ما خطرت على بال الأجيال قاطبة، وسيكون النفط بسببها مقبورا في مكانه ولا قيمة له أو دور في الحياة كما كان في القرن العشرين.

فالعالم مقبل على الطاقة الخيالية التي لا تلوث البيئة، ولا تتسبب بما تسبب به النفط على مرّ العقود الحارقة، والتفاعلات التدميرية الصاخبة، فمصادر الطاقة تنوعت وتعددت وبلغت مدارات المطلق، وأنها لسوف تجتاح الدنيا كما فعلت الإنترنيت والهاتف النقال ووسائل التواصل الإجتماعي بأنواعها.

ذلك أن العقل البشري مبتكر خلاق ومكتشف حاذق، وبتفاعل العقول  في أرجاء الأرض تم سكب الأفكار في أوعية صيرورات إبداعية غير مسبوقة، وأصبحت الأفكار يسيرة التصنيع والإنتاج المادي العملي الذي يترجمها، فالفكرة تسعى للتكوّن ببدن فعّال في الحياة ومؤثر بمسيرة البقاء، فلكل فكرة رسالة، وهي كالأحياء تتفاعل وتتلاقح وتتكاثر وتموت وتنتحر وتنطلق إلى ما هو أرحب وأوسع.

الأفكار تقودنا، ونحن نستطيع الإرتقاء إليها وجذبها وإستنزالها وتخليقها، لكنها تمتلكنا وتتسيد على آفاق وجودنا وسبل حياتنا ومعيشتنا.

الأفكار تملكنا، وكل واحد منا ملك مشاع لما يتماوج فيه من الأفكار، فإرادتنا إرادة أفكارنا، وما نحن إلا وسائط للتعبير عنها وترجمتها، والعمل الدؤوب لبذرها ورعايتها وجني أثمارها.

الأفكار تقتلنا، وهذا ما يتحقق في ديارنا، لميلنا المروع نحو الأفكار القتالة، ومعاداة الأفكار القادرة على صناعة القوة والحياة والبناء والرخاء.

الأفكار القتالة هي التي فعلت فعلها في واقعنا، وأسست لآليات التناحر والتنافر والتشاقق والتخندق والتضندق في باليات الرؤى والتصورات، والتفاعلات الخسرانية البائسة الشاحبة النكراء.

وبسبب هذه الأفكار العاصفة في أرجاء الوعي والخيال، يتخلق الواقع المتطابق مع جوهرها ونوازعها وإرادتها الفعالة الصاخبة.

فهل من وقفة ثورية أمام الأفكار الموتية الإنتحارية التي تحسب الحياة محض هباء وهراء؟!!

و"الحياة بلا فائدة موت مسبق"!!

***

د. صادق السامرائي

 

كثير من قصيري النظر، لم يقتنعوا بالإجراءات الحضارية التي اتخذتها حكومة السيد محمد شياع السوداني في المجال الاقتصادي والمالي، المتمثلة في تشجيع المواطنين على استخدام تقنيات تطبيق انظمة وسائل الدفع الالكتروني، باعتبار ذلك واجهة حضارية، ولابد للعراق ان يتجه الى ما وصلت عليه دول العالم، ولاسيما دول الجوار التي بدأت مسيرتها في الدفع الالكتروني، وبات مواطنوها يستعملون البطاقة الائتمانية في تعاملاتهم اليومية، وبذلك تخلصوا من عمليات الاحتيال والسرقات ..

لكن السيد السوداني، لم يعر اهمية لقصيري النظر، فالعراق يعيش في وجدانه، لذلك استمر بدعم خطوات تحسين الخارطة المالية للوطن، مشددا على التطور المجتمعي، ليكون بمصاف الدول الحضارية، التي تركت شعوبها اكتناز الاموال في البيوت والجيوب، اثناء البيع والشراء، ودعا بخطوات جريئة الى اتساع نطاق التعامل الالكتروني في تعاملات الدولة، مؤكدا على ضرورة تضاؤل دور النقود والدفع التقليدي الذي كان الآباء والاجداد يستعملونه في التعامل اليومي، كون نظام دفع الالكتروني أمن وخالي من المشاكل التي ترافق استعمال النقد بشكله المعروف، كما يمتاز الدفع الالكتروني، عبر بطاقة صغيرة، بالخصوصية والأمان عبر شبكة الانترنت في وقت قياسي، ويوفر الجهد والكلفة ..

ولعل من المفيد الذكر ان بوابة الدفع الالكتروني، التي اصبحت احدى دلائل الدول الراقية، هي خدمة لتسهيل استلام وتسديد المدفوعات (أونلاين) وتلعب هذه البوابة دورًا رئيسا كوسيط بين المواطن والجهات التي يتعامل معها في مشاويره اليومية وغير اليومية، وهي تضمن سرعة وأمان ونجاح كل معاملة بينهما بيسر وسهوله ..

ان التجربة التي نعيش بدايتها في العراق حاليا، في مجال التعامل الالكتروني، اثبتت نجاحها، وبدأ المواطنون يجنون ثمارها، كون بطاقة الدفع الالكتروني تحقق لحاملها سهولة ويسر في الاستخدام وتمنحه الامان بدل حمله للنقود ..

ان خطوات السيد السوداني، وفريقه الحكومي، حظت بأعجاب دولي، من خلال برنامج الامم المتحدة الانمائي، الذي اعلن نجاح مستلزمات اعداد القواعد الاساسية و تعليمات تنظيم الية الدفع الالي بالتعاون مع البنك المركزي في العراق .. وهذه المباركة من برنامج الامم المتحدة الانمائي، يعتبر انجازا جديدا وعالي المستوى للحكومة العراقية ..

ومعروف ان الدفع الالكتروني هو عبارة عن منصة يستخدمها الافراد والمؤسسات الحكومية كوسيلة أمنة ومريحة لأجراء عمليات الدفع عبر الانترنت، وهي من صور التقدم المجتمعي، وبوابة للتقدم التكنلوجي في مجال الاقتصاد المحلي والتجارة الدولية..

ومما يجدر ذكره، ان الحكومة، صادقت رسميا على لائحة الدفع الالكتروني، التي تحققت من خلال الجهود التعاونية بين البنك المركزي العراقي ومشروع تسهيل تمويل الاصلاح الاقتصادي التابع لـ (UNDP) بدعم سخي من (USAID) من خلال نشره في الجريدة الرسمية للعراق في 29 نيسان 2024 وهذه الموافقة ترتكز على التقدم المحوري في القطاع المالي العراقي، حيث يمثل تنظيم الدفع الإلكتروني خطوة اساسية نحو تحديث البنية التحتية المالية للبلاد، وتحفيز التحول الرقمي، ورعاية التنمية الاقتصادية ..

ولعل من المفيد الذكر ان بوابة الدفع الالكتروني، التي اصبحت احدى دلائل الدول الراقية، هي خدمة لتسهيل استلام وتسديد المدفوعات (أونلاين) وتلعب هذه البوابة دورًا رئيسا كوسيط بين المواطن والجهات التي يتعامل معها في مشاويره اليومية وغير اليومية، وهي تضمن سرعة وأمان ونجاح كل معاملة بينهما بيسر وسهوله .. كما تعد هذه البوابة من الوسائل التي تسهم في تطور القطاعات الاقتصادية والمالية للدولة عن طريقه تحويل الاموال وتسوية المدفوعات بين المصارف والمؤسسات المالية والاقتصادية بسرعة وكفاءة عالية.

شكرا اقولها بالفم المليان، للسيد رئيس الوزراء، فمثل هذه الاجراءات، التي اصفها بالشجاعة، تليق بالعراق واهل العراق .. شكرا .

***

زيد الحلي

 

عام 2014 يجلس بهاء الأعرجي أمام مقدم أحد البرامج ليتحدث عن النزاهة والإصلاح وضرورة احترام الطرف الآخر.. بعد عام يقدم الأعرجي استقالته من منصبه أو قل أجبر على تقديم الاستقالة بعد بيان صدر من مكتب السيد مقتدى الصدر يتهمه بالاستحواذ على عقارات في بغداد، وشراء عقارات خارج العراق ..

ولم يكن الرجل يمكك أموالاً طائلة قبل أن يدخل لعبة السياسة من بوابة البرلمان .. بعد أن ضمن السيد الأعرجي تقاعداً مجزياً يضاف إلى الأموال التي بحوزته تفرغ للظهور على الفضائيات ليقدم لنا خلطة الهدف منها الإساءة للنسيج الاجتماعي العراقي، وإعلاء الخطاب الطائفي، مع تزويق الحديث بعبارات عن الإصلاح والفساد الذي يخبرنا بكل أريحية أنه الوحيد الذي تصدى له .

ظل صاحبنا يظهر في الفضائيات مبتسماً، يمثل دور العارف ببواطن الأمور وأسرار ما يجري في الكواليس، يسيء لبعض شرائح المجتمع العراقي، يتهم تظاهرات تشرين بأنها جلبت البلاء والخراب للبلاد، ولم يكتف بذلك بل تحدث بلغة العارف بأن تظاهرات تشرين كانت حركة خارجية تديرها دول .

لست في وارد الحديث عن ما قدمه بهاء الأعرجي للسياسة العراقية أو ما هي الخدمات التي قدمها للعراق، لكني سأحيلك عزيزي القارئ لحديث تفلزيوني معه قبل أشهر حيث ظهر فيه ليخبرنا وبلغة استعلاء، واستصغار لمكون اجتماعي وبالحرف الواحد: لقد " استعطفنا السنة وأعطيناهم رئاسة مجلس النواب".

ولم تنته صولات وجولات الأعرجي فقد قرر أخيراً أن يتحفنا بنظريته السياسية لإدارة شؤون البلاد والعباد في بلاد الرافدين، فها هو يجلس أمام مقدمة أحد البرامج بعد أن ارتدى بدلته الجديدة ووضع الدهون على شعره ووجهه وشذب لحيته ليقول بالحرف الواحد:

أولاً: سنستولي على الرئاسات الثلاث فهي حق مسلوب من الشيعة ويجب أن نستعيده .

ثانياً: محمود المشهداني تابع لنا نحن الشيعة ولحزب الدعوة.

ثالثا: الفترة القادمة سيكون رئيس البرلمان شيعيا وليس سنيا ونحن نريد السلطة بالكامل.

بعد أن أخبرنا بهاء الأعرجي بمقولاته الثلاث خرج ليركب سيارته الحديثة تحيطه حماية لا نعرف من وفرها له ليذهب مطمئناً يجلس ويتسامر مع أصحابه مطمئناً بأن لا أحد سيسأله: لماذا قلت هذا الكلام؟ ويعرف جيداً أن لا أحد يحاسبه، فمثله كثيرون يعتبرون أنفسهم فوق القانون وفوق سلطة الدولة.

عَلامَ الانتخابات إذن، إذا كانت المناصب توزع من قبل بهاء الأعرجي؟ ما الذي سيتغير اليوم ما لم تتغير هذه الوجوه؟، عن ماذا يتحدث بهاء الأعرجي بكل ثقة؟ ماذا عن المأساة التي عشناها مع اصحاب هذه " الطلات " منذ أكثر من عشرين عاماً؟.

***

علي حسين

 

لم نسمع ونحن أطفال في قريتنا يوماً شخصاً يصرخ، ويقول نحن الفلاحين لاندخل الجنة، إن ثقافتنا واخلاقنا وقيمنا تتعرض للخطر من هذه التغييرات في المجتمع الريفي، لأنها قيم راسخة وعميقة ومتجذرة وشعب تربى على ثقافة وعادات وتقاليد وعرف، لا يحتاج لقانون.

ماذا حدث لفلاحي اليوم مع نهاية كل موسم حصاد وبداية تجهيز الأرض لمحصول جديد ..؟

نحن نعيش زمن ملتبس، في طريقي اليوم الي زيارة أخي الكبير كعادتي كل يوم جمعه، استوقفني صديق في حديث وكان جاراً لي منذ سنوات الطفولة، سألني هل الفلاح يدخل الجنة وهو يصرخ في وجهي ..؟ فقال :-الفلاح منذ سنوات يتعرض للسرقة. إذا زرع علي حدود الأرض (المساقي والمصافي) وشطوط الترع بعض الخضروات يحدث جريمة النهب والسرقة و سرقة ماكينات الري، ويقطع الأشجار والطرق ويتعدي علي حقوق جاره التي جاءت في وصايا الرسول/ والصحابه /عمر وابي بكر

لاتقطعوا شجرة واعطوا الطريق حقه، وقال ادعوك لحل مشكلتي مع اولاد عمومتي، حيث يوجد خلاف علي حدود الأرض، لم ينتهي من حديثة حيث انضما الينا صديق آخر وفي أثناء الحديث رن هاتف صديقي الذي انضم لحديثنا، طلب منه المتصل بالحضور فوراً لحضور حل مشكله فذهبنا الي الجلسة العرفية فوجدنا نفس الخلاف علي حدود الأرض، ومعدية بين الأرضين،، خلافات تافه انتشرت بصورة كبيرة ووصلت الي المحاكم بقضايا ضرب وقتل،، رغم وصية الرسول عن الجار وحق الجار / والآذان الذي يرفع خمسة مرات في اليوم (حي علي الفلاح ) حي علي الخير والعمل والكفاح،، ويقول الرسول : من كان يؤمن بالله

واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، وفي روايةٍ أخرى: فليحسن إلى جاره، وفي الرواية الثالثة: فليكرم جاره، فالواجب إكرام الجار، والإحسان إليه، وكف الأذى عنه. .، وللآسف في كل الخلافات يغيب عن القائمين في لجان العرف وصايا الرسول وما جاء في القرأن الكريم "-من وصية الله في حق الجار. ؟ فعتقد الكثير أن حق الجار جارك في المنزل فقط، وهي اوسع في المفهوم، جارك في القرية من قريتي حيث نقول القري المجاورة، ونقول من محافظتي، ثم تتسع الي الدوله والدول المجاورة ..!

قال الله تعالى عن الجار..؟

(الجار ذي القربي) أي: الجار القريب الذي له حقان حق الجوار وحق القرابة، فله على جاره حق وإحسان راجع إلى العرف. كذلك الجار (الجُنب)

أي: الذي ليس له قرابة. وكلما كان الجار أقرب بابًا كان له حقاً. ينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال وعدم أذيته بقول أو فعل.،، لذلك اوصانا الله تعالى بحب الجار،،، وفي سياق الموضوع، تعلمنا أجمل ما قيل في حق الجار؟

الجار قبل الدار، والرفيق قبل الطريق.أكرم الجار، وراع حقه، إن عرفان الفتي الحق كرم، من كان جار السوء يوماً جاره عدت فضائله من الأوزار. من كان له جار ممتاز، فإنه يملك كنزاً ثميناً.،، لذلك نحتاج الي المعرفة أن كلمة فلاح تعني النجاح والسعادة والصحة والخير، فالفلاح عمود الاقتصاد، ولكن عبر التاريخ كان الفلاح في المرتبة الاخيرة في المجتمع وليس له حق هو وابناءة في تولي بعض المناصب السيادية .. . وتشير كلمة الفلاح في السياق الإسلامي وبناء على ما جاء في القرآن الكريم عن الأعمال الصالحة التي تتفق مع أوامر الله .انة زمن ملتبس"

هذا اذا تبقى من قيمنا غير حفنة قيم تقاوم في محيط الابتذال وشرائح شريفة تقاوم كل لحظة السقوط في الهاوية.

في عصور غابرة يعيش هؤلاء..؟ هناك دائماً، اتذكر الكاتب والفياسوف / ميلان كونديرا / حمقى يقولون كل شيء لان الحمقى يعرفون كل شيء.

لا يظن أحد أن هذا نموذج فريد بل هو ظاهرة منتشرة، في مجتمع اصبح مستهلك، وفوضي عارمة تهدد" قيمنا" علي حافة الأرض دون أن يتعرض كما تتطلب تقاليد النقد والاخلاق الثقافية لهذا المجتمع وتحليله وتفكيكه نحتاج فعلاً (لصرخة في البرية ) نعيد للقرية قيمها الآخلاقية ونحاري المصطلحات الغريبة المتداولة الآن،،

ونعلن حالة الطوارئ في مجتمع يعيش فوضي في الشوارع من التكاتك والموتسكلات، أي قتل بلا دم، ونحذر من الظواهر الغريبة التي دخلت علي القرية بأسم الحداثة ونحن مازلنا نسقي الزرع بالطرق البدائية، نحن نعيش في زمن ملتبس، والملتبس ليس الغامض، بل التافه، كن سعيداً في منتبذك في أقاصي الآرض"....!!

يوميات كاتب في الآرياف.

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

 

الدكتور محمد الجابري وجورج طرابيشي الذي أمضى ربع قرن لنقد كتاب نقد العقل العربي للجابري، ربما توهموا بطروحاتهم التي أغفلت العلة الأساسية، وركزت على ما هو قائم في المجتمع بسببها.

العقل البشري لا ينحط بل تدوسه الكراسي بقوائمها، ووفقا للنفوس المنفلتة الجاثمة فيها.

فلكل مفكر مشروعه الذي يتوهم بأنه الأصلح والأقدر على حل المشاكل، فيركنه في رفوف معتمة ويتفاخر بما سطره من تصورات وإستحضره من أفكار، كما في حال الجابري الذي رأى أن أزمة العقل العربي يمكن إختصارها بثلاثيته المعروفة،  البيان – فقه، والعرفان - صوفية، والبرهان - منطق.

قرأت في شبابي معظم كتب الأستاذ طرابيشي، والعديد من كتب الجابري، وبين الإثنين فرق كبير، وكنت اميل لرؤى الطرابيشي أكثر من الجابري رغم قدرته على الإقناع حاضرة.

وبعد أن توسعت قراءاتي وتجاربي، تبين بأن المفكرين العرب عدا عبد الرحمن الكواكبي، صاحب كتاب أهوال الإستبداد، لم يتناولوا جوهر العلة، وإنما يدورون حولها ويؤكدونها، وربما جرأة الكواكبي أدت إلى قتله بفنجان قهوة مسموم.

ترى هل كانت هذه التفاعلات إلهائية لتأمين برامج مرسومة وخفية ؟

الواضح المؤلم أن تنامي عدد المفكرين والفلاسفة العرب يتناسب طرديا مع تعضيل مشاكل  الأمة، وإمعانها بالإندحار في الغوابر.

وهذه الظاهرة تحتاج لوقفة جريئة ومحاولة متوثبة لسبر أغوار جوهر المعضلة.

ويبدو أن معظم الكتابات والدراسات تدور حول المشكلة، وتخاف تناولها والدخول في معادلات نفاعل عناصرها ومفرداتها.

إن للمفكرين والفلاسفة والمثقفين ونخب الأمة دور مؤثر في صناعة واقعها المعاصر، وما تعانيه من تخبطات وصراعات بينية خسرانية متراكمة، وعدم قدرتها على الإستثمار الرشيد بثرواتها، ورزوخها في قاع الأحوال الريعية الكسولة المرهونة بإرادة الطامعين.

ربما سيقول البعض أن القوى الخارجية مهيمنة على مصير دول الأمة، ومن المعروف أن أية قوة لا تتمكن من قوة أخرى إن لم تتوفر عناصر داخلية تتفاعل معها.

هكذا يحدثنا التأريخ، وفي زمننا يكون الإستعمار الفكري والنفسي سبّاقا ومؤهلا للهدف لكي يستكين لمستهدفه.

و"إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه... وصدّق ما يعتاده من توهم؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الجاري في أنظمة الحكم منذ سالف الأزمان أن الذي في الحكم يوصي بالحكم لشخص ما بعد وفاته، وعادة ما يكون الشخص إبنا، وحالما يكتب عهد الولاية، فأنه كتب شهادة وفاته بيده، لأن ولي العهد سيتطلع إلى موته وسيضجر من إطالة بقائه في الحكم، ويتعجل الجلوس في مكانه، مما يعني أن ولي العهد سيتآمر على الذي عهد إليه بولاية العهد، وفي أكثر الأحيان فأنه سيلجأ إلى قتله بالسم أو بغيره، لكي يفوز بالسلطان ومغرياته.

وهذا ربما يفسر موت العديد من الخلفاء في أعمار قصيرة، فالقتل بالسم وغيره من الأساليب التي يتخذها ولاة العهد للتعجيل بالولاية.

قد يقول قائل أنها علاقة أب بإبنه، أو أخ بأخيه، والطبيعة البشرية لا تؤازر ذلك، بل أنها متوحشة وغابية، ولا تعرف أبا أو أخا عندما يتعلق الأمر بالسلطة والفرعنة، والإستحواذ على القوة والمال، وما يتصل بالسلطة من تطلعات وإغراءات.فالإبن يقتل أباه، والأخ يقتل أخاه، وإبن العم يقتل إبن عمه، فالدين والرب والمذهب والإنتماء يكون للكرسي الذي سيجلس عليه ولو لوقت قصير.

ولو تدارسنا مسيرة الخلفاء في الدولة الأموية والعباسية والعثمانية وحتى في دولنا في القرن العشرين، لتبين بوضوح أن الأمر عندما يتعلق بالكرسي فلابد من القتل وسفك الدماء، والشك بأقرب الناس إليك.

وفي الدولة العباسية على سبيل المثال، سنجد أن العلاقة ما بين أبناء بني العباس في أشد حالات العداء والتنافر بسبب الخلافة وولاية العهد، فكم خلع من ولاية العهد أخ أخاه، وكم تقاتلوا بسبب ذلك، وكم ذاقوا الوجيع والعذاب لأن لهم حق أو بعضه في الخلافة، وما أصاب هارون الرشيد والمتوكل والمعتز وإبنه،  أمثلة أخرى.

إنها معركة غابية شرسة لا ترحم، ولا تعرف دينا وقيما وأخلاقا ومواثيقا، بل السيف هو الحاكم والسلطان، ومن لم يخنع ويخصع يعمل برقبته السيف عمله البتار.

ولهذا تجد معظم الخلفاء ما أن يكتبوا عهدا بولاية العهد من بعدهم، حتى تراهم وكأن عليهم أن يغادروا مواقعهم، ويتركوها لمن عهدوا بها إليهم.

أي أنهم يجردون أنفسهم من القوة والقدرة على الحكم، ويفوضون ذلك لأولياء عهدهم الذين ستفعل فيهم أمارة السوء التي فيهم، ما تفعله بأي بشرٍ كان مهما تصورنا غير ذلك.

ولهذا يبدو أن عدم القول بولاية العهد (وسيعترض على هذا مَن يعترض) من قبل النبي الكريم، فيه وعي دقيق ومعرفة يقينية بالسلوك البشري ومآلاته الدموية الفتاكة.

ولن يدوم حكم ويتحقق تطور ونهوض وطني شامل في أنظمة حكم تعتمد ولاية العهد في حكمها!!

وذلك ما يوحي به السلوك البشري بطبقاته المتنوعة!!

فهل من تبصر وإدراك لمعنى الحكم؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

القوة تتخذ توصيفات متوافقة مع عصرها، فبعد أن كان السيف والحصان رمزها على مدى قرون، أوجدت الثورة الصناعية (1760)، مصادر متنوعة للقوة، بلغت ذروتها في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، بمبتكرات ومخترعات مذهلة.

وأصبحت القوة الحقيقية تكنولوجية وإليكترونية، فالدول الأقوى هي المتفوقة تكنولوجيا، والتي إستثمرت بعقول مواطنيها، ووفرت لهم البنية الملائمة لإطلاق طاقاتهم، وتعزيز قدراتهم وتبني مبتكراتهم .

والدول الضعيفة تعادي مواطنيها وتمحق قيمتهم وتعوق مسيرتهم في شتى الميادين، وتتخذ من أساليب الإلهاء والتضليل وسائل للحكم والقبض على مصير البلاد والعباد.

ولهذا فأنها دول مهزومة وبلا سيادة، ويمكن القول بأنها دول مستعمرة من قبل الدول القوية، المتفوقة عليها تكونلوجيا وفكريا.

ومن الواضح أن الدول المنكوبة بأنظمة حكمها، فرائس سهلة للدول المتمكنة المتمسكة بمواطنيها، والمعبرة عن قوتها بما يقدمونه من مبتكرات وإبداعات أصيلة.

ويصح القول أن الدول المقهورة بالكراسي المستلطفة للمآسي، هي الميادين المفتونة بممارسة أبشع الجرائم ضد الوجود البشري فوق ترابها، ومعوقة لسيادتها، وممعنة بالأضاليل والمغفلات الطاغيات!!

و"الأقوياء بكل أرض قد قضوا...أن لا تراعى للضعيف حقوق"!!

***

د. صادق السامرائي

16\4\2024

 

إن الإسلام لم يقتصر دوره على التهديد والوعيد بأن العقاب سوف ينال كل من أصاب حداً من حدود الله فى يوم يوم تقشعر فيه الأبدان وتشيب فيه الولدان وأن الطرد من رحمة الله ونعيمه هو مصير من يطلق العنان لشهواته ولذاته الفانية دون أن يتفكر فى المآل وسوء العاقبة. بل نجده قد وضع العقوبات الرادعة التى تكون بمثابة سيف مسلط يلاحق كل من ضعف وازعه الدينى وأصاخ بسمعه لهوى نفسه وأراد أن ينغمس فى وحل الخطيئة ويهوى فى لجج الشيطان "فالطبيعة البشرية مبنية على تحكم الرغبات والشهوات، وبخاصة إذا ما خفت دواعى السيطرة الروحية من القلوب فإنا ولابد واجدون فى أبناء هذه الطبيعة، من تضعف عقيدتهم فى الترهيب الأخروى، أو يغفلون عن تقديره والنظر إليه، وكان من مقتضيات الحكمة فى السلامة من تعارض الرغبات والشهوات، وضعف المعنى الروحى فى مقاومة الشر، إتخاذ علاج ناجع، لكبح هذه النفوس، صيانة للجماعة من شيوع الفساد، وتفشى جراثيم الإجرام". فشرع الإسلام العقوبات فى الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض:"فى النفوس، والأبدان، والأعراض، والأموال،كالقتل والجراح، والقذف والسرقة؛ فأحكم الشارع سبحانه وتعالى وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر".

"وحتى يصبح التشريع الإسلامى صالحاً للتطبيق فى كل زمان ومكان نوعت العقوبة إلى الزامية لا يجوز تعديلها، وأخرى اختيارية وفقاً لما يراه الحاكم".العقوبات الإلزامية أو المقدرة "هى التى ورد فيها نص من الشارع يبين نوعها ويحدد مقدارها وهى بهذا الوصف تشمل عقوبات الحدود والقصاص والدّيات.

والحدود تشمل حد الزنا والقذف وحد الخمر وحد السرقة والحرابة والردة والبغى. أما القصاص والدية فهما العقوبتان اللتان حددهما الشارع بسبب الإعتداء على النفس أو على ما دون النفس كالجرح والقطع...

وأما العقوبات التفويضية أو الغير مقدرة فهى التى لم يرد فيها نص من الشارع يبين نوعها ويحدد مقدارها وإنما يخضع أمر النظر فيها وتقديرها للقاضى وهذا النوع من العقوبات يطلق عليها العقوبات التعزيرية أو التعزير".وقد اتجهت الشريعة الغراء فى جرائم الحدود إلى الشدة والردع وأخذت على يد المجرم أخذاً شديداً، و"حكمة التشدد فى هذه الجرائم أن ضررها لا يقتصر على المجنى عليه بل يتعداه إلى المجتمع بأسره الأمر الذى يؤدى إلى فساده وتداعى أركانه وشيوع الفحشاء فيه، فالتشدد فى عقوبات هذه الجرائم قصد به الإبقاء على الأخلاق وحفظ الأمن والنظام، وقصد به مصلحة الجماعة، فلا عجب أن تهمل مصلحة الفرد فى سبيل الجماعة، بل العجب أن لا تضحى بمصلحة الفرد فى هذا السبيل".على أن الإسلام لا يشدد فى العقوبة هذا التشديد إلا "بعد تحقيق الضمانات الوقائية المانعة من وقوع الفعل، فتوقيع العقوبة وتنفيذها لا يتحقق إلا فى الحالات الثابتة التى لا شبهة فيها.

فالإسلام منهج حياة متكامل، لا يقوم على العقوبة؛ إنما يقوم على توفير أسباب الحياة النظيفة، ثم يعاقب بعد ذلك من يدع الأخذ بهذه الأسباب ويتمرغ فى الوحل طائعاً غير مضطر". أما العقوبة الأخروية فلقد ادخرها المولى عزوجل للعصاة من عباده الذين أفنوا حياتهم فى مقارعة الكؤوس ومطاردة اللذات دون أدنى اعتبار للجبار الذى يسدل عليهم ستره ظانين أنّ بعدهم عن أعين الناس ومواطن الإثبات كفل لهم النجاة من عين الرقيب ومن سطوة القاضى المهيب فالعقوبات الأخروية"تجد أثرها فى حسم الرزائل الخلقية التى تعزب العقوبات الدنيوية عن ملاحقتها ويتعذر عن رجال القضاء ورجال الضبط القضائى إثباتها كالحسد والنفاق وقريب منها الغيبة والنميمة وغيرها من الجرائم الخلقية". فإن سلم ذلك العبد العاصى وخفى أمره ونجا من العقاب والتنكيل فى دنياه فهو حتماً لن ينجو عقاب الله عزوجل الذى لا تخفى عليه خافية، فهو يراه أينما كان وكيفما فعل وسيحاسبه إذا اقتضت مشيئته ذلك عما صدر منه من جرائر اجترحها وآصار اقترفها.

وصفوة القول أن العقوبة هى الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة والفرد من تلك العصابة التى استزلها الشيطان واستفزها بخدعه وأغواها بأكاذيبه.

***

د. الطيب النقر

سقطت بغداد قبل غرناطة لكنها نهضت، وسقطت غرناطة وما نهصت، وسقطت بغداد في عام ألفين وثلاثة وستنهض من جديد وتتعافى، كما نهضت وتعافت بعد سقوطها بسبب الغزو المغولي الهولاكي الفتاك وما بعده من الغزوات.

فسقوط بغداد كبوة وسقوط غيره إنتهاء لا نهوض بعده . والذين يعتدون على بغداد أما يجهلونها، أو أنهم مرعوبون من طاقات نهوضها وإنطلاقها الحتمي من رماد ويلاتها وتداعياتها.

بغداد وجدت لتبقى وتدوم وتقود وتنير وتبعث البشرية من رقداتها المتنوعة، ففيها إرادات صيرورات لا حدود لها، وتختزن قدرات تألق وإمتداد في أعماق الإنسانية.

بغداد رمز الحضارة والحياة والقوة والمجد الأثيل السامق الشاهق، الذي يرفل بالعزة والبهاء والعلاء.

بغداد ليست مدينة كأي المدن، ولا كينونة بلا جوهر ومظهر، بغداد تعبير عن فكرة كونية وآليات ديمومية خالدة متجذرة في عمق المكان والزمان.

فلماذا يُعادون بغداد؟!!

هل لأنها عباسية الملامح والأسس والمنطلقات؟

هل لأنها مدورة منورة بالرموز الحضارية الخالدة؟

هل لأنها تذكّرهم بالعروبة العزيزة المجيدة الساطعة؟

هل لأنها عصية على المحق والفناء؟

هل لأنها ذات قامة سامقة تشعرهم بذلهم وهوانهم؟

إنهم يتحاملون على بغداد لهذه الأسباب وغيرها الكثير، لكنهم لن ينالوا منها مهما توهموا وتصوروا، ولن تتنازل بغداد عن دورها ورسالتها وقدرتها على الحياة، وإن سقطت ألف مرة ومرة، فأنها لن تموت ولا مرة، وستنهض من تحت ركامها.

وإن بغداد لنجمة ساطعة في ظلمات ليالي الوجود العربي والإنساني.

وإن بغداد حية لا ولن تموت!!

***

د. صادق السامرائي

19\9\2018

 

الشعوب إما تدار بالقوة الخلاقة المتمثلة بقوة القانون والنظام التي تجعل منهم أحراراً في اوطانهم فكراً وعقيدة ونظاماً ينتج المواهب الخلاقة

وإما أن تدار بقوة الطغيان والسفاهة الفردية فتجعل من الشعوب كالعبيد او كالقطعان (بل أضلّ سبيلا) التي تنهشها الذئاب كلما اشتهت الدم فلا فكر ولا عقيدة ولا موهبة غير فكر الطغيان وموهبة الطاغية وابناؤه المتحفزين لوراثته

وهذا ما يفسر انتعاش وإزدهار الآداب  والفنون بمختلف أصنافها في عصور التنوير الأوربية بعد اسقاط الطغاة التاريخيين (الميثاق الإنكليزي  للحريات -الماكنا كارتا- 1215،الثورة الأمريكية 1765، ودستور الثورة الفرنسية 1789)

 وهذا ما حصل فعلاً في العهد الملكي العراقي (1921 - 1958) عهد الحريات العامة التي أنتجت نجوماً لامعة في سماء العراق الناشئ فقد ازدحمت حينها الاسماء اللامعة في سماء الأدب والفن ومنها الشعر والقصة والفنون التشكيلية والمسرح والغناء فقد ازدحمت الساحة الادبية بشعراء مبدعون (جميل صدقي الزهاوي، معروف الرصافي، الجواهري، نازك الملائكة، البياتي، بدر شاكر السياب، بلند الحيدري، الفريد سمعان، باقر سماكة، بثينة الناصري، حسب الشيخ جعفر، لميعة عباس عمارة ….. وقامات ثقافية عالية مثل (طه باقر، علي الوردي، مصطفى جواد، جواد علي، أحمد سوسة) والقائمة تطول رواد الفن التشكيلي العراقي (نوري الراوي، فائق حسن، وجواد سليم، ومحمد غني حكمت، وكاظم حيدر، وخالد الجادر، وإسماعيل الشيخلي، وحافظ الدروبي، سعد الطائي،رفعة الجادرجي نزيهة سليم، إسماعيل فتاح الترك، حسن شاكر ال سعيد فضلا عن نخبة من عمالقة الفن التشكيلي الآخرين،

وأبدع في مجال الرواية والقصة (ذو النون أيوب، فؤاد التكرلي، غائب طعمة فرمان، يوسف الصائغ، حياة شرارة، شاكر خصباك، عبد عون الروضان، عبد الرحمن الربيعي، سامي مهدي، حسب الشيخ جعفر، حسب الله يحيى وعشرات من العمالقة في فن الرواية … لازلنا نفتخر بهم ليومنا هذا ولكن لابديل حل محلهم  فقد عجزت الأنظمة القمعية اللاحقة عن انتاج مثيلاً لهم بل انتشرت الأفكار السوداوية المليئة برائحة الدم والموت المجاني فتحطمت المدنية الخلاقة وحلت محلها القروية التافهة شكلاً ومضموناً التي تقتل روح الابداع وتمجد الطغيان والآداب والفنون التافهة على حساب قوة القانون والمواهب الخلاقة.

***

فارس حامد عبد الكريم

 

الفاحشة: القبيح الشنيع من قول أوفعل، وفقهيا: ما تنفر منه الطباع السليمة، ولا تقره العقول الصحيحة، ويوجب الحد في الدنيا والعذاب في الآخرة.

القائلين بالفاحشة يحسبون الغناء والرسم والموسيقى والشعر من الفواحش التي تستوجب المنع والعقاب، وهي التي تخرب القيم والأخلاق والحياة المتوافقة مع الدين.

أما الظلم والفساد ومصادرة حقوق الإنسان وإنتهاك حرماته، وقهره بالحرمان من أبسط الحاجات اللازمة لحياة حرة كريم، فأنها وغيرها الكثير من الرذائل ليست من الفواحس، بل بعضها من طقوس الرؤية الفئوية المعينة وفي ممارستها تأكيد للإيمان.

وليس من الفواحش تقديس البشر وتحويله إلى وثن آدمي، تتعبد في محرابه المساكين المغفلة، المرهونة بالتبعية والخنوع والتفليد، والممهورة بخاتم السمع والطاعة إلى نائب رب العالمين.

كلها سلوكيات تعبدية، ونشاطات جهادية، وتعبيرات عن مدى التفاني بالإيمان، والعمل بموجب إرادة الكراهية والبغضاء،  والعدوان على الآخر بعد تكفيره وإخراجه من مملكة الإنسان.

ما يتوافق مع الرغبات المطمورة والنفس الدونية، لا يحسب فاحشة، وفقا لمنهج دينهم هواهم، وما يعيق ذلك يكون من الفواحش.

فقتل الأبرياء وخطفهم وتعذيبهم وتغييبهم من ضرورات القوة والتمسك بالمعتقد، والتقرب بالضحايا إلى الرب المعبود.

و"من أطاع هواه باع دينه بدنياه"!!

***

د. صادق السامرائي

 

العام 2008 قرر الحاج إبراهيم الجعفري صاحب الـ 200 كتاب وكتاب أن ينشر مذكراته التي أسماها "تجربتي في الحكم" وفيها كان شديد التواضع حين أطلق على نفسه فيها لقب "النجاشي" تشبهاً بملك الحبشة وهو "ملك لا يظلم عنده أحد"،

في الوقت الذي اجتاحت العراق أخطر موجة عنف طائفي أيام تولي صاحب المذكرات رئاسة الوزراء، والناس تسأل ترى ماذا لو استمر الجعفري ليكتب لنا الجزء الثاني من مذكراته، وواصل القاء خطاباته المفعمة بغرائب القاموس السنسكريتي ؟، لكننا والحمد لله لم ننتظر طويلاً فبعد أن غاب الجعفري في لندن وترك " المارد في القمقم "، خرج علينا رئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني ليبشرنا بأنه قرر إصدار ديوان شعري بعنوان "نواميس الشجن"، ولا تسألني أي شجن يعاني منه المشهداني الذي أعلن ذات يوم أنه جاء لإصلاح حال هذا الشعب "الدايح". بعدها شمر السيد عادل عبد المهدي عن ساعديه ليخرج لنا كتاباً بعنوان " الدولة العراقية " وفيه يقسم بأغلظ الأيمان أن الحكومات والأحزاب العراقية خلال 20 عاماً لم تنهب ديناراً واحداً، وأنها سعت لبناء عراق ديمقراطي قوي لولا تامر الامبريالية ومعها شباب تشرين، ويصفن قليلاً ليبشرنا أن هذه العشرين عاماً كانت البداية وأمامنا عشرون أخرى جديدة، واطمئنوا سنلحق بالصين ونتجاوز سنغافورة.

تمنيت أن يقرأ ساستنا الأكارم تجربة الرئيس الصيني دنغ كسياو بنغ، وكيف استطاع أن يحول هذا البلد الضعيف اقتصادياً في سبعينيات القرن الماضي إلى أقوى اقتصاد في العالم.

قدّم دنغ للعالم صورة مختلفة عن الجنس الأصفر وأصحاب البدلة الواحدة، أراد أن يرسل الماضي إلى النسيان، وقال لمنتقديه وهم يهاجمونه على فتح قنوات اتصال مع أميركا: إن الأنظمة التي تغلق على نفسها الأبواب تموت. يجب أن أعترف بأنني دائماً ما أعيد على مسامعكم تجارب الشعوب، وأنسى أننا بلاد علّمنا البشرية القراءة وخطّ الحرف، أكتب عن الصين، وأعيد وأصقل بحكايات ماليزيا وزعيمها مهاتير محمد، وأنسى أن لدينا أكثر من مئة ألف مسؤول يؤدون الفرائض بانتظام وسيماء التقوى على وجوههم، هذا معيب ياسادة، ويجب أن أتوارى خجلاً لأنني أعتقد أن الكتابة في الأمور الصغيرة مثل تقارير عن اختفاء عشرات المليارات من المال العام، أهم من جلسة البرلمان التي ستعيد لنا قفشات محمود المشهداني .. صحيح أنا لا أفهم بالمسائل الكبرى التي تشغل السادة المسؤولين، مثل نظرية حصتي وحصتك، فأنا مهموم بالقضايا التي لا تشغل بال الكثير من السياسيين، مثل الذين يعيشون فقراء في أغنى بلاد في العالم. ومثل الذين لا يشبعون من سرقة المال العام، ومثل الملايين الذين يحلمون بمدن نظيفة، ومثل الشباب الحالمين بجسور للمحبة لا تقطعها خطابات طائفية .

***

علي حسين

 

دائماً ما أتذكر الفنان الراحل جعفر السعدي وإطلالته المحببة من على شاشة التلفزيون، وأنا أشاهد المهرجانات الفنية التي تحولت إلى كل شيء باستثناء الفن الحقيقي . كان جعفر السعدي فناناً في كل المقاييس، ولد وترعرع في مدينة الكاظمية، وشب على المسرح فيها.

قبل أن يعلن القادة الجدد لائحة الممنوعات والتي لا تتضمن بالتأكيد لائحة منع لسرقة المال العام والمحسوبية وإشاعة الطائفية وتكريس المحاصصة. جعفر السعدي من جيل فني لا يعرف الخديعة شعاره الصدق في الحياة أولا والصدق الممتع في الفن ثانياً وثالثاً ورابعاً.. ممثل يتمتع بعبقرية لها طعم خاص يترك أثراً في النفس، ولاتزال جملته الشهيرة "عجيب أمور غريب قضية" والتي أطلقها قبل أكثر من ثلاثين عاماً في مسلسل الذئب وعيون المدينة كأنها قيلت بالأمس.

وأريد أن أفتح قوسين لأضع فيهما هذه الجملة "عجيب أمور غريب قضية" وأنا أتابع آخر تطورات معركة كرسي رئاسة البرلمان، فقد قررت كتلة محمد الحلبوسي أن تتحالف مع محمود المشهداني لتعلن ترشيحه للعودة الميمونة إلى رئاسة مجلس النواب .. وتوقع المواطن العراقي أن الأزمة في طريقها إلى الحل، وأن مجلس النواب "الموقر" سينتبه إلى هموم الناس والقوانين التي تتعلق بمصالحهم، لكننا أيها السادة وجدنا العجب وقرأنا الأغرب بعدما هاجم عدد من المقربين من الإطار التنسيقي ترشيح المشهداني، لماذا ياسادة والرجل كان أقرب إليكم من حبل الوريد؟

ولنعد إلى غرائب الأمور.. تقول الهجمة على المشهداني إنه خيار غير موفق، لكنه قبل أشهر كان خياراً متميزاً . أتمنى أن لا يعتقد البعض أنني أدافع عن محمود المشهداني وأتمنى عودته إلى رئاسة البرلمان، فأنا وأنتم نعرف جيداً أن السيد محمود المشهداني استطاع وبشطارة تُحسب له أن يحول سنوات السياسة إلى بنك متنقل يحصد من وراءه مئات الملايين سنوياً، ورغم أن الرجل يعترف بأنه "لا يعرف ما هي الدولة"، لكنه مشكوراً يخرج علينا بين الحين والآخر ليبث همومه ومصاعبه في خدمة الوطن والتي تتطلب منه جهداً يأخذ من وقته الثمين الكثير..

ينسى المعترضون على عودة محمود المشهخداني أن الناس تعرف جيداً أن البعض من السياسيين لا يريدون للبرلمان أن يكون صوتاً حقيقياً للناس ..ولنعد ثانية إلى ما يؤرق السادة المعترضين، فهم يخبروننا أن " الإطار لا يمكن أن يثق بالحلبوسي "، وينسون أنهم صوتوا بالإجماع على أن يجلس محمد الحلبوسي على كرسي البرلمان في المرة الثانية .

يا أعزائي أصحاب البكاء على أطلال البرلمان، لن أذكركم بعبارة الراحل جعفر السعدي الشهيرة "عجيب أمور غريب قضية" لأننا اليوم أصبحنا مواطنين مغلوبين على أمرنا، مأساتنا أن البعض يعتقد أننا شعب بلا ذاكرة.

***

علي حسين

إسهاب: التوسع والتطويل بلا فائدة

إطناب: أن يزيد اللفظ عن المعنى لفائدة

سألني زميلي عن رأي فيما أرسله إلي وهي مقالة طويلة يشرح فيها لقطات من ذكرياته، فقلت له، الموضوع طويل، لا يغري القارئ بالتواصل معه، حبذا لو كثفتها وأخرجتها بأسلوب جذاب!!

زعل زميلي، وتوقف عن إرسالي ما ينشره في المواقع، وحسبني إعتيدت عليه!!

وهذا التفاعل يمثل سلوكنا بوجه عام.

فإياك أن تقول لواحدنا: "على عينك حاجب"، بل عليك أن تمدح وتبجل وتنافق، وتشترك جميع الكراسي بضرورة الإطراء، والكذب المعسول، مما أصاب مسيرة الحياة بالوجيع المتراكم، والمعاصر منه واضح وشديد.

لماذا لا نقبل النصح؟

لماذا لا نتفاعل بإيجابية؟

لماذا نسيئ الظن ببعضنا؟

أنت تريد رأيّ فلماذا تنزعج منه؟

لم أتطوع بإبداء الرأي وإنما أنت الذي طلبته!!

ذات يوم وجدتني في مجلس الحاضرون فيه يرون أنهم يعرفون كل شيئ، فقلت لهم : لا أعرف شيئا، فحدقوا بوجهي مندهشين.

قلت: وما أوتينا من العلم إلا قليلا، ومهما عرفنا فلا نعرف!!

لم تعجبهم الكلمات، وحسبوني من الجاهلين، وأنهم من أعلم العالمين.

ولله في خلقه شؤون، وتلك مصيبة مجتمعات بذاتها وموضوعها!!

و"من قال أنا عالم فهو جاهل"!!

و"لا إطناب ممل ولا إيجاز مخل"!!

***

د. صادق السامرائي

 

الوعي الجمعي محكوم بالغابرات المتصورات وفقا لما أرادتها أن تكون عليه المدونات، وأغلبها لا تنقل الحقيقة بل تكتب بمداد التملق والمحاباة وإرضاء ذوي الشأن والسلطان.

فهل وجدتم مَن يكتب بصدق وأمان؟

إن السلوك الذي إتبعته الأقلام بأنواعها عبر مسيرة الأمة، أنها ترتزق بما تكتب، فالشعراء والمؤرخون والأدباء المفكرون والفقهاء، وبلا إستثناء، كانوا يسعون للإرتزاق مما يقدمونه من كتابات ورؤى وتصورات، فهمهم ما يغنمون وقربهم من كراسي الظلم والعدوان على حقوق الإنسان، بإسم الدين الذي يمثلونه وبموجبه ينوبون عن رب العالمين.

وما ينتشر في الأوساط التواصلية محكوم بالغابرات، ومنقطع عن الحاضر والمستقبل، وما مضى حالة متخيلة يُضفى عليها صور وتهيؤات لا تتصل بالواقع الذي تجسدت فيه.

فلا تفترق كثيرا عما كان دائرا في حينها من تفاعلات بين البشر، وأكثرها توحشية دموية صاخبة، وهي صراعات قِوى ومحاولات هيمنة وإستحواذ على ما عند الآخر أيا كان ، فلا علاقة للدين بها، وإنما إستعملوه  كمطية لتأمين السلوك العدواني على الآخر.

وهذا الأسلوب التفاعلي رافق البشرية منذ عصور ما قبل التأريخ.

فالقول بأن سلوك هذه الجماعة لم يكن متصفا بما كان سائدا، لا يمت إلى الواقع المحتدم بصلة واضحة، وإنما هو تحليقات فوق الحقائق والبراهين، وإنكار للطبع البشري، ونزعات النفوس الأمارة بالسوء.

فلا يمكن القول بأن مسيرة الأمة كانت تختلف نوعيا عن مسيرة أية إمبراطورية عاصرتها أو سبقتها، وما تحقق في بعض مراحلها كان نتيجة لبلوغ العلوم لدرجة من التقدم، وتوصل العقول إلى رؤى وتصورات إستطاعت أن تعبّر عنها بقدرات زمانها ومكانها.

ومما يثير الشكوك ويستدعي تفعيل العقول، أن المدوّن عن المراحل قبل بضعة عقود يكشف مدى التعبير المحكوم بنزعات النفوس المتفاعلة مع القلم والورق، قكل يدوّن ما يراه، لا ما جرى وحصل، فالتدوين لم يكن نزيها وإنما متأثرا بما يتوهمه الكاتب.

"وما كُتب التأريخ في كل ما

روت لقرائها إلا حديث ملفق

*

نظرنا لأمر الحاضرين فرابنا

فكيف بأمر الغابرين نصدق"!!

فلنُعمل العقل بما نقرأ، وبجرأة الباحث الأمين عن الحقيقة!!

***

د. صادق السامرائي

تحولت مواقع التواصل الاجتماعي في بلاد الرافدين والبلدان المجاورة لها، إلى ساحة صراع بين مؤيدي قرار أمير الكويت بحل مجلس الأمة وتعطيله، وأنصار الحفاظ على الديمقراطية، ووجدنا من يصرخ :" إن صناديق الانتخابات هي وحدها التي تقرر مصير ملايين الناس".

ولم يلتفت صاحب هذه الصرخة إلى ما فعله بعض النواب الكويتيين الذين ينتمون إلى تيار الإسلام السياسي، ومحاولاتهم لتضييق الحياة على الناس، حتى قرأنا أن عدداً من النواب طالب باصدار قانون يحظر إجراء عمليات التجميل، ووجدنا عدداً آخر من نواب مجلس الأمة الكويتي يصرخون من أجل منع دخول الكتب والمطبوعات من خارج البلاد حفاظاً على القيم.

وأنا أقرأ التعليقات المؤيدة لقرار أمير الكويت والتعليقات المنزعجة منه لفت انتباهي تعليق يلخص صاحبه المشكلة حيث كتب :" بشخطة قلم ارتحنا لمدة 4 سنوات من سماع أصوات بعض الدجالين والمشعوذين اللي دمروا الكويت من أجل مصالحهم الشخصية " وتمنيت لو نمتلك من لديه سلطة " شخطة القلم " هذه ليخلصنا من مجلس نوابنا الذي تحول من مؤسسة مهمتها تشريع القوانين التي تخدم العراقيين جميعا بلا استثناء إلى منصة تبث رياح التفرقة والطائفية بين العراقيين . في مقابل صاحب عبارة " شخطة قلم "، كان هناك فريق يتباهى بالتجربة الديمقراطية في العراق حيث كتب مواطن عراقي يتمتع بخيرات ومحاسن مجلس النواب :" مبروك عليكم موت الديموقراطية " . الذين يتباهون بديمقراطيتنا، لا يريدون أن يلتفتوا للحاضر قليلاً. في بلد مثل العراق يمتلك ثروات هائلة صنفته مجلة "فوربس" الأمريكية، بأنه واحد من أبرز الاقتصاديات العربية، بناتج محلي يصل إلى "191" مليار دولار عداً ونقداً، في الوقت الذي ينتظر فيه المواطن العراقي أن يحتفل باليوم الذي يتخلص فيه من المولدات والبطالة ومن شعارات عالية نصيف.

سيقول البعض يارجل، صدعت رؤوسنا بالكتب والتغني بمقولات روسو وفولتير، واليوم تقف مع انقلاب ضد الشرعية، أيها السادة على مدى عشرين عاماً عشنا في هذه البلاد مع مجالس نواب منتخبة ليس لديها شيء تقدمه للعراقيين، مهمتها إعلان الحرب على النساء وحقوقهن، وإعلاء شأن كل فاشل وانتهازي وسارق .

ظلت الناس تأمل بسياسيين يعلون مبدأ الحوار السلمي، شعارهم القانون أولاً وأخيراً، لكنهم وجدوا أمامهم عقلية سياسية تتعامل مع الجميع باعتبارهم أعداء للوطن وعملاء للخارج، كانت الناس تأمل بسياسيين يخرجون البلاد من عصر الفساد والقمع إلى عصر الحريات، فوجدوا أمامهم نواب يريدون إعادة البلاد إلى زمن القرون الوسطى وعهود الظلام.

التغيير ليس بانتخاب مجلس نواب، بقدر ما هو تفكيك بنية سياسية ترى في كرسي البرلمان حقاً شرعياً، وتعيد إنتاج الفاشل كل مرة بوجه جديد وبشعارات وخطب جديدة.

***

علي حسين

 

ذات يوم قال طه حسين " التعليم كالماء والهواء وحق لكل إنسان"، فلو كان بيننا لتبين له بأن ما كان يدعو إلليه صار حقيقة فاعلة في الأجيال المعاصرة.

فالمعرفة متوفرة للجميع، وكتب الأجيال ومكتباتها تحت طلبه، في جهاز صغير يحمله في جيبه، ويسأله عما يريد فيأتيه الجواب فورا.

آلاف الكتب يستطيع الوصول إليها بتفاعله مع باحث كوكل، أو غيره من أنظمة البحث المتنوعة على شبكات الإنترنيت.

كنت أتحدث مع عدد من الشباب الصاعد، وما أن أقول كلمة أو أطرح فكرة، حتى أجدهم قد بحثوها في هواتفهم وأكدوها، ويضيفون لي معلومات جديدة، وبالصور والأدلة القاطعة.

فيا عميد الأدب العربي، المعرفة أصبحت كالهواء يستنشقها مَن يريد الوصول إليها وبسرعة خاطفة، ولا يتكلف عناءً سوى أن يكتب مراده على الشاشة الصغيرة لتحضر أمامه العديد من الخيارات، فيضغط على ما يختاره منها لتنفتح أمامه عوالم معرفية فياضة ومتجددة.

بل أن مقولة التعليم كالماء والهواء فقدت قيمتها لأن الزمن تجاوزها، وصار التعليم متاحا لمن يسعى إليه بلا عناء كبير، فالشاشات تقدم لنا العلوم بوسائل توضيحية غير مسبوقة، ويمكن التفاعل بين العقول عن بعد، فعالم القرن الحادي والعشرين تنتفي فيه المسافات، وتنكمش الكرة الأرضية لتكون أصغر من كف اليد الواحدة.

فأنت لست معنيا بالبحث في الكتب والمكتبات عندما تريد الكتابة في موضوع ما، وما عليك إلا أن تستحضر ما كُتب عنه  في شبكات الإنترنيت التي تغنيك عن ألف كتاب وكتاب، بل أن ثورات الذكاء الإصطناعي أصبح لها دور متطور ومؤثر في صياغة الأحداث والتطورات وآليات التفاعل مع المخلوقات، إضافة للثورات الإليكترونية المتنوعة التطبيقات.

فما أسهل التعليم والفهم وفقا لمعطيات عصر السرعة، الذي يطغى على الموجودات الأرضية، ويدفعها للإنطلاق البعيد نحو عوالم كونية ستسبرها بإرادات إليكترونية فائقة.

فهل نحن نعلم أم نتعلم، يا أمة وعلمنا الإنسان ما لم يعلم؟!!

والضلال في ديارنا كالماء والهواء ويغرق فيه كل إنسان، فالسمع والطاعة من الإيمان، وتعطيل العقول هو البرهان!!

"وقل ربي زدني علما"!!

:وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"!!

***

د. صادق السامرائي

 

ذكريات العهد الفريد

نعم لقد كانت ليلة خالدة من ليالي كوالالمبور الكاعب الدعجاء، ليلة شاع فيها الطرب في النفوس، وسرت اللذة في المشاعر، ولاحت على الوجوه الكالحة المجبولة على السماحة والكرم علامات الجزل والارتياح.. ليلة تخللتها أغاني ماجت لها القلوب، وأحاديث انفطرت لها الأفئدة تفوه بها شماريخ امتلكوا ناصية اللغة وخناذيذ انفتقت ألسنتهم بألفاظ عسجدية تنزهت عن شوائب اللبس، وخلصت من أكدار الشبهات، ألسنة تمجد ذلك الرعيل الذي جلب الاستقلال لسوداننا الذي مازالت تركض فيه المصائب، وتتسابق إليه النكبات، تلك الكوكبة التي لها أناة الوزراء، وصولة الأمراء، وتواضع العلماء، وفهم الفقهاء، والتي كان لها هدف سامٍ شبت في مهده، وتحركت في اطاره، هدف من أجل تحقيقه سلكت درباً غير مأنوس، وعبدت طريقاً غير مألوف مهدته بالمهج والجماجم حتى تسير قافلتنا نحن غير ظلعاء أو وانية، ولم يدر في خلدها أنّ من انحدروا من صلبها سوف يتراشقون بالسهام، ويتقارعون بالكلام، ويكيلون لبعضهم القدح جزافاً، حتى غرقت البلاد في عصبية رعناء وقبلية ممجوجة.

إلا أنّ تلك الجموع الهادرة التي قصدت على حرد ذلك الفندق الراسخ البنيان، الموطد الأركان، الذي يكمن فيه الجمال، ويسير بين ردهاته الكمال، أشاحت بوجهها عن الردى، وكفت يدها عن الأذى، وأصمت أذنها عن كلام يفصم العرى، ويضعضع القوى، ومضت خلف سجيتها التي فطرها الله عليها تعانق في إلفة، وتبتسم في وداعة، لقد أسقطت تلك الجموع الإحن والسخائم من صدرها الموبوء بضغائن توهن جلاميد الجبال، فانصدع ليلها البهيم، واستبان طريقها المظلم، وتجاوبت مع أصحاب الأصوات الندية وهم يرسلون النغم الشجي عذب الإيقاع، صافي الرنين، وألهبت أكفها بالتصفيق لرئيس الجالية الدكتور صبير الذي سحر العقول، وخلب الأسماع، بحلاوة لفظه، وطلاوة منطقه، وانتهجت نفس النهج مع السفير الذي يرفل في شرخ الشباب وميعته، الأستاذ نادر الطيب، الرجل الذي يتكأكأ حوله الطلاب لأنه جزل المروءة، جم التواضع،أغرُّ المكارم، لقد خاطب السفير الحفل بلفظ عذب سائغ حتى استرق قلوب المستمعين بحلاوة لسانه، وحسن بيانه، زاعماً أن السودان سوف تنجلي عنه غمرة الحروب، ويعود السلام إلى ربوعه، داعياً شريحة الشباب للتزود بسلاح العلم، وأن يكونوا أهلاً للتحصيل، ومن أهل القدم الراسخة في المعرفة، وناشدهم ألا يكونوا وثابين على الشر، مقعدين عن الخير، كما مكث خليط من الأساتذة الجامعيين ورجال السلك الدبلوماسي والأعمال وطلاب الجامعات والمعاهد العليا، يستمعون في خشوع العابد، وسكون العاشق، للبروفيسور أحمد إبراهيم أبو شوك، الموسوعي الذي ينداح في كل علم، ويستفيض في كل حديث، وهو موغل في حديثه المتزن الذي اجترَّ فيه الماضي وأماط اللثام عن زمرة ناوشت الدهر، وصاولت الزمان، حتى أتت بالاستقلال حنكةً وعنوةً، زاعماً أنَّ عدة عوامل قد ساعدت في جعل الاستقلال واقعاً معاشاً، منها العامل الأمريكي الذي كان يبحث عن موطأ قدم يحارب فيه الماركسية العجفاء التي كانت متفشية في ذلك الزمان، لقد سعى الأمريكان لاجتثاث شأفة المد الشيوعي وعملوا على تقويض دعائمه، وذلك بجلب الاستقلال لذلك القطر الشاسع، المترامي الأطراف، وأرادوا ضمه للتاج المصري، الأمر الذي رفضته النخب السياسية وتصدت له، ومن العوامل التي جعلت الاستقلال أمراً سجسجاً سهلاً، اندلاع ثورة ثلاثة وعشرين يوليو في مصر وسقوط النظام الملكي فيها، إضافة لإرادة الشعب الذي ليس بضعيف المغمز، ولا هش الحشاشة.

لعل الحقيقة التي ينبغي عليَّ ذكرها أنه لم يكن بين فقرات ذلك البرنامج الشيق، فقرة مدعاة للسأم أو مجلبة للكدر، حتى فقرة التكريم التي يتبرم منها الحضور في العادة عدها الجميع من أجمل فقرات ذلك الحفل الأسطوري، لأنها احتفت بنخبة من أصحاب العقل الراجح، والفكر القادح، علماء يُستضاء بضوئهم في الملمات، ويُرجع إليهم في المشكلات، على شاكلة العلامة البروفيسور مالك بدري، الأب الحاني لكل سوداني تسير قدماه في حواشي ماليزيا، والبروفيسور هنود أبية كدوف، القانوني الضليع، والسوداني الشهم الأصيل، وممن تمَّ تكريمهم الصوفي الورع الدكتور سعد الدين منصور والمهاتما حسن النقر، والبروفيسور مدثر عبد الرحيم، والأستاذ الدكتور إبراهيم زين، الرجل الذي يملأ شعاب القلب بالإعجاب، وزوجته الدكتورة نجاة محمود، والدكتور عبد الله خيري، وكثير الرماد الأستاذ السخي عبدون، وغيرهم من الأستاذة الأجلاء، إلا أنّ هذا التكريم غفل عن نفر يبسطون ألسنتهم بالمعروف، وأيديهم بالمعونة، لكل من يستحقها ومن لا يستحقها، مثل البروفيسور حسن أحمد إبراهيم، والأستاذ المشارك عائشة حسن هاشم، والإعلامي النشط طالب الدكتوراة العزيز سيف الدين حسن العوض، ومن ينطق الكرم من محاسن مناقبه، طالب الدكتوراة المبجل هشام ملاسي، ويحدوني الأمل أنّ تتدارك جاليتنا الفتية هذا القصور في برامجها المقبلة.

ولكن يُحتَّم علينا جميعاً في نهاية المطاف أن نزجي الشكر، ونعاود فيه حتى ينضب معينه لكل من أسهم في ذلك الحفل البديع الذي أجلى عنا غمرات الكرب، ومنغضات العيش، وخفف عنا وطأة الغربة والبعد عن الخلان.. سائلين الله أن يكون ميزان هذا العمل في رصيد حسناتهم.

***

د. الطيب النقر

هذا التركيب الفريد الذي يضم بين عناصره طيبة الإنسان العراقي، وشغف الكاتب بعوالمه، واستقامة وعفة الصداقة، وحنو الأب، والايمان بالثقافة حتى اللحظة الأخيرة من الحياة، وإعلاء قيمة المحبة . هذا التركيب العجيب احتواه شخص كانت الابتسامة لا تفارق وجهه لتختلط هذه الابتسامه بأسمه الذي اصرت والدته أن تسميه " باسم "، وكأنها كانت تعلم ان الابتسامة لن تغادر ملامحه، فمن النادر أن ترى باسم عبد الحميد حمودي من دون ابتسامته المتميزة .

واستميحكم عذرا ان تختلط مشاعري الذاتية مع تقييمي للراحل الكبير وانا اكتب عنه، ولكنني اظن ان الحديث يلمس جانبا ذاتيا، فقد عرفته منذ اكثر من ثلاثة عقود كان فيها هذا الانسان يقدم للآخرين افضل ما في دور المعلم من الحنان والاهتمام والرعاية .

يقول باسم عبد الحميد حمودي في اخر كتبه " العراقي الدكتور داهش " ان بغداد ظلت دوما موحية بتفاصيبل كثيرة، ولهذا لم يكتب عن بغداد باعتبارها ارثا تاريخيا وإنما كان يكتب عن القيم والمعرفة والحضارة، تفاصيل مدينة حاول باسم عبد الحميد ان يتفرغ لها ولحكاياتها، بل نستطيع القول انه عاش لها .

تربى باسم في بيت يعج بالكتب واحاديث الادب فوالده الاستاذ عبد الحميد حمودي تخرج من دار المعلمين العالية عام 1929 وكان من خريجي دورته الفنان عزيز علي وطاهر يحي رئيس الوزراء في عهد عبد الرحمن عارف، وعندما عين معلما في المدرسة الشرقية في الحلة كان من ابرز طلبته علي جواد الطاهر الذي خصص فصلاً من كتابه " اساتذتي " للحديث عن استاذه "عبد الحميد حمودي"، وفي متوسطة الحلة ارتبط بصداقة مدير المتوسطة الاديب الشهير ذو النون ايوب واستاذ اللغة العربية محمد مهدي الجواهري، في هذا الجو المشحون بالادب والفكر نشأ باسم عبد الحميد حمودي الذي بدأ حياته الادبية قاصا صدرت له عام 1958 مجموعة قصصية تحمل عنوان "أنا عاطل وقصص أخرى " وجاء على غلافها أنها " لوحات قصصية غرامية إنسانية واقعية "، وكان قبلها قد نشر عددا من المقالات في مجلتي الاديب والاداب اللتان تصدران في بيروت.

لم يشأ باسم عبد الحميد ان يحرمنا في الاشهر الاخيرة من حياته من كتاباته، وكان استمراره في النشر والتأليف يختلف عن استمرار غيره، فقد بدأ في الفترة الاخيرة وكأن هناك حلما يطارده، كأن عالم قديم يدعوه فلا يملك إلا ان يلبي الدعوة وأن يستمر في الكتابة كي تصل كلماته الى الناس . لقد مارس الصحافة بادوات الباحث، وكتب النقد الادبي باصرار الصحفي، واستهوته الرواية من اجل ان تصل رسالته وموضوعه الى اوسع دائرة من القراء ليمتعهم في معظم كتاباته بحكمة انسانية يقظة، تنم عن طيبة وذكاء ومحبة اصيلة للانسان، وكنا نتابعه وقد تجاوز الثمانين يتمتع بقدرة على إدراك العصر، ومتابعة اشكالياته، وروايته الاخيرة " الباشا وفيصل والزعيم " يدعونا فيها الى اعادة التفكير في نظرتنا الى التاريخ المعاصر والدعوة الى استخلاص العبر منه وهذا دليل على اهمية دور المثقف والذي حاول ان يلعبه طوال حياته، ان يكون مثقفا وطنياً .

استاذ باسم .. لكم نحتاج اليك في هذا الزمن، لكم نحتاج الى اضاءتك التراثية التي تنور العقول، وقلمك الهادئ .. لكنك اثرت الرحيل لنفتقدك، لكن صورتك ستظل شاخصة تذكرنا بالحكيم البابلي الذي لا يزال يجلس منذ الآف السنين، صامتا صامدا، وقورا، شاهدا، شاخصا نحو المستقبل، كذلك كنت ايها الباسم، وكذلك رحلت .

***

علي حسين

 

العلاقة بين العقل واليد من مكونات الحضارة، وكلما إقتربت المجتمعات من ذروتها التعبيرية عن جوهرها تواشج العقل مع اليد.

والمجتمعات التي لا تستطيع الربط بين العقل واليد لن تعاصر وتتقدم.

ومعنى ذلك القدرة على تحويل الأفكار إلى موجودات فاعلة في الحياة، وبهذا يتحقق التطور وتتنامى مفردات الحضارات.

في معظم مجتمعات الأمة، العقل عاطل واليد مشلولة، فأنظمة حكمها طاردة للعقول الفاعلة، ومعززة للعقول الخامدة المتقوقعة في أوعية السمع والطاعة، والأيادي لا تتحرك إلا للتصفيق للجائر الفتان.

بينما المجتمعات القوية المعاصرة، تمكنت من تفعيل عقول مواطنيها وتحريك الأيادي وتأهيلها لتتوافق مع إرادة العقل وتساهم في إنجاز ما تأتي به من أفكار وطاقات إبداعية تؤثر في دفع عجلات التقدم إلى مستقبل متنامي الإتساع.

فالعلاقة بين العقول والأيادي تواشجت وتلاحمت فأنتجت ما لا يخطر على بال، كما نعيشه من تطورات إليكترونية وتكنولوجية وإبداعية متنوعة، حتى صارت البشرية قادرة على تصنيع أي الأفكار، وتحويلها إلى موجودات مادية مؤثرة في مسيرة الأيام.

إنها الحياة الجديدة المعاصرة التي بلغتها البشرية بعد مسيرة طويلة، إجتهدت فيها بالبحث عن مستويات ذات قيمة عقلية وإنسانية لتعيشها، فكان ما بلغته من تقدم يمثل ذروة التفاعل الإبداعي بين العقول والأيادي المتوافقة مع أفكارها.

وما يعوز مجتمعاتنا العمل على تقعيل العقول وتحقيق العلاقة العملية القادرة على إنتاج التعبيرات المادية الواضحة عن الأفكار، فمعظم أسباب الفشل الفاعل في واقع الأمة، سببه  الخصومة المتفاقمة بين العقل واليد، فجميع الأفكار والنظريات والشعارات، باءت بخسران شديد لبعد المسافة بينها وبين القدرات اليدوية على تطبيقها، فصارت متخيلات في كتب مرفوفة.

فهل لنا أن نتعلم كيف نصنع أفكارنا لنكون؟!!

فالعقل بحاجة ليدٍ ماهرة قادرة على تمثل أفكاره، وتحويلها إلى كينونات متحركة فوق التراب!!

و"إذا تم عقل المرء تمت أموره... وتمت أياديه وتم بناؤه"!!

**

د. صادق السامرائي

 

أن المتدبر للقرآن والمتمعن بما فيه من بيان لكلماته نجد أشارتين لجميع خلقه (يا أيها الناس -  يا أيها الذين أمنوا) التي تتردد عل سطور الكتاب المقدس القرآن الكريم وهاتين الكلمتين تدل على أن الخطاب من قبل الله تعالى لجميع خلقه الذين تنطبق عليهم كلمة إنسان في زمان ومكان ولا تفرقه قومية ولا بلد حتى قيام الساعة ما دام تحت مفهوم الإنسانية والإيمان بالله تعالى والملتزم بتعاليمه حرفيا وهذا ما يدل على أن القرآن نزل لجميع البشرية ولجميع أجناسه وحسب متطلبات الحياة وقياس الفكر والعقل المتقبل لفكرة وجود الله الخالق الواحد في عقله وقلبه وعمله لذا نرى أن التعاليم الإلهية عبر الأزمنة المنصرمة نزلت مرتلة حسب نزولها وظروفها على الرسل والأنبياء كل حسب الحاجة وحسب التطورات الزمنية وكلما زاد الإنسان تطورا زادت الحاجة لتعاليم أكثر تطورا عن سابقتها وأكثر شمولية بنصوصها وتعاليمها  وهنا نجد أن كثيرا من الأقوام لم يحتاجوا إلا إلى نذر فقط أو مجموعة من التعاليم المحددة لظرفها الزماني والمكاني وبعدها تنسخ أو تبدل أو تعدل حسب تطور الزمن والعقلية وبناء المجتمع .

حتى وصلت إلى خاتمة الرسالات وهي الرسالة المحمدية التي حمل كاهلها سيد الأنام والكائنات النبي محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه ختم بها عصر الرسالات لأنها كانت شمولية لبني البشر جميعا ولكل زمان ومكان ليأخذ منها جيلا بعد جيل من حرامها وحلالها ومنهجها الأبدي ناسخة رسالات التي سبقتها علما أن الإسلام ومفهومه ونظريته وتعاليمه قابل لمواكبة الحداثة والتطور لما يحمله من أفكار وحلول تلبي الحاضر والمستقبل ليطبق على أرض الواقع وتبني مجتمعات واسر وتطوره فكريا واجتماعيا فهناك حلول بين دفتي القرآن الكريم بشرط تفسيره وتدبره ومعرفة خصوصياته ومنهجه في الفهم ومراده بصورة صحيحة ومعرفة صراطه المستقيم بعيدا عن الأهواء والميول والأشخاص وبلغة العصر الذي هو فيه بوجود رجالا يستنبطون أحكام آياته .لكن مع الأسف ما أن أنتقل النبي الكريم إلى الرفيق الأعلى تحولت الرسالة الإلهية التي أنزلت عليه شيئا فشيء إلى رسالة محلية محدودة الموقع الجغرافي والقومي والفهم تخضع للزمان والمكان ولأناس بذاتهم وهم العرب و الجزيرة العربية بعدما وصفوهم بالبداوة والجهل بالفكر والاعتقاد والعيش وتقاس هذه الرسالة على مقاسهم الفكري والاجتماعي مبتعدة عن العالمية والشمولية وجعلوها عربية قومية مناطقية ولغوية حين أفهموا الناس أن القرآن أعجازه أنه نزل بلغة العرب ولغة وأمة الضاد العرب على العكس ما أراده الله تعالى أن تكون عالمية مفهومة وواضحة لكل من يقرئها ويطلع عليها من كل قومية وشعب على الكرة الأرضية.

***

ضياء محسن الاسدي

تعتبر اللغة الفارسية واحدة من أقدم اللغات التي ما زالت حية حتى يومنا هذا، وقد شهدت هذه اللغة تطوراً وتغيراً عبر العصور، ومن اللافت أن اللغة الفارسية كانت تُعرف باسم "الفارسية القديمة" في العصور القديمة، وفي العصور اللاحقة تم تسميتها باللغة الفارسية الوسیطة وأخيراً باللغة الفارسية الحديثة.. في هذا البحث سنتناول تطور اللغة الفارسية عبر الزمن، بالإضافة إلى شرح العوامل التي أثرت على تطورها.

وتعد اللغة الفارسية من لغات العالم الإسلامي التي أثرت بشكل كبير على صورة الحضارة الاسلامية وما زالت كذلك لما أفرزته إيران من علماء في مختلف مجالات الحضارة.

جاءت تسمية اللغة الفارسية على العديد من اللغات المتداولة في إيران ومنذ الهجرة الآرية لهذا البلد حتى وقتنا الحاضر، وهي من اللغات الهندو - أوربية والتي شهدت عملية تطوير كبيرة عبر مسيرتها الطويلة، وهنالك ثلاث مراحل مهمة مرت بها هذه اللغة:

1- اللغة الفارسية القديمة:

تعود جذور اللغة الفارسية القديمة إلى العصور القديمة ومنها عصر الإمبراطورية الفارسية القديمة (550 -330  قبل الميلاد)، حيث كانت اللغة الرسمية في الإمبراطورية الفارسية القديمة هي اللغة الإيلامية واللغة البابلية، ومن بين النصوص القديمة التي تم العثور عليها والتي تعود إلى هذه الفترة تمثل النقوش الفارسية على الصخور والتي تحتوي على نصوص باللغة الإيلامية.

لقد تكلم الفرس عدة لغات عبر تاريخهم الطويل،فكانت الفارسية القديمة هي لغة البلاط الملكي وأعيان البلاد،وكان ذلك في عهد (دارا الأول)، وهي لغة ترتبط كثيراً باللغة السنسكريتية حتى ليعتقد أنهما (الفارسية القديمة والسنسكريتية).

ولما مارس الفرس الكتابة استخدموا في نقوشهم الخط المسماري واستخدموا الحروف الهجائية الآرية لكتابة وثائقهم .. وقاموا بتبسيط مقاطع اللغة البابلية الثقيلة والصعبة، فأنقصوها من ثلاثمئة رمز إلى ست وثلاثين علامة، تبدلت شيئاً فشيئاً من مقاطع إلى حروف حتى صارت حروفاً هجائية مسمارية" فاللغة المسمارية هي اللغة السائدة في إيران والتي تكتب من اليسار إلى اليمين، وكانت اللغة الرسمية للدولة الاخمينية (558–331 ق.م) والتي أسسها القائد (كورش الكبير)

2- اللغة الفارسية الوسطى:

في الفترة الزمنية ما بين القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الثالث الميلادي، بدأت اللغة الفارسية القديمة في التطور والتغير لتصبح ما يعرف باللغة الفارسية الوسطى، في هذه الفترة ظهرت مجموعة من النصوص الأدبية والشعرية التي كتبت باللغة الفارسية الوسیطة، مثل كتاب "شاهنامه" للشاعر الكبير فردوسي.

والبعض يقول أنها تمتد من القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد حتى القرنين الثامن والتاسع بعد الميلاد، إذ سادت في إيران العديد من اللغات الإيرانية المتطورة على اللغات القديمة، التي امتازت بعدة ميزات، كان أهمها بساطة قواعدها وصورها و وضوح شخصيتها ومن ابرز هذه اللغات:

- اللغة الپهلوية (Pehlevi) أو (الفهلوية):

وظهرت هذه اللغة بعد حدوث تطورات كبيرة على اللغة الفارسية القديمة وتفرعت إلى فرعين هما: الزندية – لغة الزند – أبستاق، والبهلوية التي هي من اللغات الهندية واشتقت منها اللغة الفارسية الوسطى.

 وهنالك لهجتان للغة البهلوية والتي عرفت في مرحلة اللغة الإيرانية الوسطى وهما:

- البهلوية الساسانية: والتي كانت سائدة في منطقة الجنوب الغربي لإيران وفي الوقت نفسِهِ تعد اللغة الرسمية للدولة الساسانية .

-  البهلوية الاشكانية: التي كتبتْ بها بعضُ النقوش المأثورة عن أوائل الملوك الساسانيين بصفتها اللغة الرسمية للملوك الإشكانيين، وكانت قد سميت بتسمية لا تلائمها (الكلدانية البهلوية).

- اللغة الآرامية:

وهي من اللغات السامية، وكانت لغة عامة الاستعمال في أجزاء آسيا الصغرى كلها،واستعملها الاخمينيون في كتابة دواوينهم، ولما كانت اللغة المسمارية غير عملية فقد استعملت الكتابة الآرامية بدلاً عنها حتى في الوثائق المكتوبة باللغة الفارسية،وكان هذا أصل الكتابة البهلوية وأيضاً استعملت الألفاظ الآرامية في النصوص البهلوية.

- اللغة الصغدية:

 يعود تاريخ هذه اللغة الى بدايات العصر المسيحي، وكانت تمتد من سور الصين وحتى سمرقند، وهي لغة دولية لآسيا الوسطى، وقد وجدت نصوص في العهد الجديد مترجمة إليها، مما يدل على استعمالها أثناء مرحلة الفارسية الوسطى، وهي اليوم تعدُّ العامية التي يتكلم بها أهل وادي (يغنوب) في (بامير).

- اللغة الساجية:

 وهي من مجموعة اللغات الإيرانية الشرقية ،ويمثلها اليوم اللغة الأفغانية وبعض اللهجات (الباميرية) مثل: الساريكولية ، والشغونية ، والواضية  وغيرها .

- اللغة السريانية:

وهي لغة المسيحيين الذين يقيمون في إيران في العهد الساساني، وهم من أصل سامي، وأصلها مدينة  (أدسا).

3- اللغة الفارسية الحديثة:

تعتبر اللغة الفارسية الحديثة هي الشكل الحديث للغة الفارسية، والتي استمر تطورها عبر العصور حيث تأثرت بالعديد من اللغات الأخرى مثل العربية والتركية والفرنسية، وظهرت في هذه الفترة قواميس ونصوص أدبية وفلسفية مهمة كتبت باللغة الفارسية الحديثة، مما اعطى لها مكانة هامة في الثقافة الشرقية.

أذن اللغة الفارسية الحديثة هي امتداد للغة الفارسية القديمة واللغة البهلوية على مدى تاريخها أي من بداية الدولة الاشكانية (250ق.م) وحتى انهيار الدولة الساسانية ودخول الدين الإسلامي الى بلاد فارس، وعلى أثر انهزام الملك الإيراني (يزد جرد الثالث) وبشكل نهائي وكان ذلك في معركة (نهاوند) والتي عرفت عند المسلمين بـ (فتح الفتوح) سنة (21هـ / 642 م).

وبعد الفتح العربي الإسلامي لإيران ظلت اللغة البهلوية هي اللغة الرائجة والسائدة في بلاد فارس فهي اللغة الرسمية والأدبية والسياسية والدينية في ايران .

وبما ان اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم وهي اللغة التي جاء بها الدين الإسلامي، فكان لزاماً على من يدخل هذا الدين أن يتعلم اللغة العربية وأن يجيدها لفهم تعاليم هذا الدين الجديد، لذلك كان على الإيرانيين أن يتعلموا اللغة العربية فقد أقبلوا عليها إقبالاً شديداً لتعلمها وتعلم الكتابة بها .

أصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية في إيران، بل واللغة الأدبية والعلمية في إيران، إذ أنها أصبحت لغة مفهومة لدى معظم أفراد الشعب الإيراني، إلاّ أنّها لم تصل إلى حد أن تكون اللغة المحكية ولغة المخاطبة، لذلك ظلت اللغة البهلوية سائدة لدى فئات الشعب، وأن تسربت إليها مفردات ومصطلحات عربية، وخصوصاً في المسائل الدينية والفقهية وكذلك في الشؤون الإدارية والسياسية وفي القضايا الأدبية والعلمية .

ونشأت عن تفاعل اللغة البهلوية واللغة العربية لغة جديدة عرفت بـ (الفارسية الدرية) أو (الفارسية الإسلامية) والتي تمثل اللغة الفارسية الحديثة التي تطورت إلى اللغة الفارسية المعروفة اليوم .

العوامل التي أثرت على تطور اللغة الفارسية:

تأثير الحضارات القديمة: لعبت الحضارات القديمة في المنطقة دوراً كبيراً في تطور اللغة الفارسية، حيث كانت هناك تبادل للعلوم والثقافة بين الحضارات.

التأثير العربي: بعد فتح بلاد فارس من قبل العرب في القرن السابع الميلادي، شهدت اللغة الفارسية تأثراً كبيراً من اللغة العربية في مجالات مختلفة مثل الأدب والعلوم.

التطور التكنولوجي: مع تقدم التكنولوجيا وانتشار وسائل الاتصال الحديثة، شهدت اللغة الفارسية تطوراً في مجالات مثل الإعلام والإنترنت.

الاستنتاجات:

من المعروف للجميع، أن اللغة العربية لغة سامية، والفارسية لغة آريه، لذلك، وعلى الرغم من أن اللغتين العربية والفارسية غير مرتبطتين لا في الأصل ولا في التكوين، إلا أنهما موجودتان منذ القدم، لأن التاريخ جمعهما وجمعتهما الحضارات المشتركة، وكانت هناك روابط بينهم لم تكن موجودة بين اللغات التي لها نفس الأصل والنسب.

وبعد دخول إيران في الإسلام، وحدث تبادل ثقافي كبير بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الفارسية، تحطمت كل الحدود والحواجز بين هاتين الحضارتين وأصبح التأثير المتبادل بين اللغات ضروريا.

وكان تأثير اللغة العربية على اللغة الفارسية هو الأقوى والأكثر وضوحا بسبب صرامة اللغة العربية وقوة أسسها البنيوية، ومن ثم عزز القرآن الكريم أسس هذه اللغة وزادها وحافظ على هيبتها وأصبح السبب الرئيسي في التأثير في لغات البلدان التي انضوت تحت راية الإسلام.

وبصورة عامة تجد في ايران القوميات الأتية:

- الاتراك: يقول البعض أنهم اكثر من الفرس انفسهم،وتجدهم ذوي سلطة وامكانية مادية وثقافية عالية، الخامنئي نفسه وهو المرشد والقائد الأعلى في ايران وصاحب الصلاحيات الواسعة من أصول تركية .. يتواجدون في محافظات – أذربيجان الغربية وأذربيجان الشرقية،اردبيل  وزنجان وقزوين وخرسان شمالي - وهم يمثلون 35 بالمائة من التعداد العام في ايران.. وتجد ان مدينة تبريز وهي تقع في اقصى الشمال الغربي من أيران وملاصقة لتركيا، مدينة صناعية عملاقة في كل شيء .

- الفرس: يتركزون في مدن - طهران واصفهان ومشهد وشيراز ويزد وكرمان - وتتميز تلك المدن بعرق ايراني اصيل وانتماء للدولة كونها مناطق دينية تنتشر فيها العمائم والحوزات الدينية الداعمة لرجال الدين والجمهورية الاسلامية.

- الكرد: يتواجدون غرب ايران  في محافظات – كردستان وكرمنشاه  وإيلام  وجنوب غرب أذربيجان - وعلى طول المدن الحدودية مع العراق، وهم دائما ما كانوا يسببون الارق والمشاكل للحكومة، مجاهدي خلق والانفصاليين دائما ما يكونون من الاكراد، والتلفزيون الإيراني يعرض بشكل دائم لقطات لمحاولات ارهابية فاشلة ومصادرة أسلحة ومعدات حربية ومخططات ضد الدولة.

- البلوش: وهم في - محافظة سيستان وبلوجستان -  جنوب شرق أيران على حدود باكستان وافغانستان، وبأعداد قليلة في محافظات – هرمزكان وكرمان وخرسان - وهم  فقراء ويعيشون في مناطق صحراوية ومن اضعف الحلقات في المجتمع الإيراني .

- اللر:  يتركزون في محافظتي - لرستان وجهار محل وبختياري وكهكلوية وبوير أحمد وأطراف الأهواز، وهم اقل عددا وتأثيرا وهم موالون تماما للحكومة.

- العرب:  في محافظة خوزستان عاصمتها – الاهواز-  وعلى طول سواحل الخليج العربي في مدن هرمزكان وبوشهر واقلية في مشهد وقم ، ويشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثالثة، وهم  متذمرون دوماً، وليس على وفاق مع الحكومة، نعم هم ايرانيون ويمتلكون الجنسية الإيرانية، ولكن دائما هناك تذمر قومي وشعور بعدم الرضا من الحكومات الإيرانية المتعاقبة لأسباب أثنية، مع تفشي البطالة، وكثرة المتسولين في الشوارع والأسواق العامة رغم توافر حقول النفط والغاز  فيها، والبعض منهن يتلقى الاموال والدعم الخارجي لترسيخ روح التمرد و النعرة القومية والقبلية عندهم .

- بقية متنوعة:  من الزرادشتية والعلي اللاهية والمسيح واليهود والأرمن وغيرهم يمثلون5  بالمائة تقريباً .

النسيج معقد ومتنوع ولكن الكل بلا استثناء يتميز بالآتي:

- عنصرية واضحة لإيران كبلد، وهم يعتبرون انفسهم اصحاب امبراطوريات حكمت العالم والجميع تابع لهم، رغم كل محاولات التذمر والسخط والضغوطات الاقتصادية التي حطمت معنويات الشارع الايراني ولكن عند الجد تجد ان البدائل معدومة، وليس هناك جهة حقيقية من الممكن ان توفر بديلاً ناجحا للحكومة الحالية.

(أردشير زاهدي 1928- 2021) زوج بنت الشاه (محمد رضا بهلوي  1919-1980) ووزير خارجيته وسفيره في أمريكا، هرب من إيران بعد ثورة الإمام الخميني /1979م  وعاش في المنفى.. بعد مقتل الجنرال (قاسم سليماني 1957-2020) على يد أمريكا في مطار بغداد، هنا المفترض من أردشير أن يفرح بهذا الحدث، لكنه لم يفعل ذلك، وقد نعى اللواء بقوله (سليمـاني كان جندياً وطنياً شريفاً وأمريكا هي الإرهابــي الأكبر).

وقال: انه جنرال وقائد عظيم مثل الجنرال شارل ديغول ومونتغمري والجنرال أيزنهاور والجنرال رومل، أردشير الذي فقد عز الملوكية والسلطة والحكم، هكذا ينعى جنرال من نظام معارض له حرمه وأقصاه من السلطة والنفوذ..

- تجمعهم لغة أطلقوا عليها - اللغة الفارسية - والتي نشأت عن تفاعل اللغة البهلوية باللغة العربية، والتي سميت بـ (الفارسية الدرية) أو (الفارسية الإسلامية) وهي تمثل اللغة الفارسية الحديثة التي تطورت إلى اللغة الفارسية المعروفة اليوم، لذلك تجد فيها مفردات عربية قد تشكل 40 بالمائة منها.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

.........................

المصادر

- محمد التونجي: التسرب اللغوي بين العربية والفارسية، مجلة الدراسات الادبية: الجامعة اللبنانية، السنة السابعة، العددان 1 و 2، 1965 .

- د. محقق، مهدي: صور من التعريب ونقل المعاني من الفارسية الى العربية، مجلة الدراسات الادبية: الجامعة اللبنانية، السنة الثانية، العدد الرابع، 1961 .

- - ياقوت الحموي: معجم البلدان، ج4، ذيل كلمة (فهلو).

- مركز بابل للدراسات الحضارية والتاريخية، بحث: العوامل المؤثرة في تطور اللغة الفارسية، م. مساعد: اياد محمد حسين.

الكاتب يسطر ما يرى والقارئ يرى ما يقرأ، ولكل رأس منظاره الذي يبصر بواسطته ما تحثه الكلمات في وعيه ومداركه.

المسافة بين الكاتب والقارئ المعاصر تزداد إتساعا، فما عاد الكتاب خير صديق، ولا القراءة ذات متعة وقدرة على وعي المكتوب، فالنظر في الورق صار غيرمستحب، والميل للتحديق في الشاشة يسيطر على نشاطات البشر، خصوصا بعد تطور تكنولوجيا التواصلات والتخاطب بالصورة والافلام القصيرة.

وأصبحت الأذن تقرأ أكثر من العين، فالمسموع يسود والمكتوب يخبو ويخور.

وعندما تجالس الجيل الجديد تجده مصابا بإضطراب التركيز، ويندفع نحو السرعة وإلتقاط الفكرة الجوهرية لأي موضوع بمهارات خاطفة وغير مسبوقة، فقوة ضخ المعلومات في العقول، ذات إندفاقية مطلقة، وتأثيرات متراكمة.

ولهذا فما يتوقعه الكاتب من القارئ لا يتوافق مع ما يتوقعه القارئ من الكاتب، لأنهما ينتميان إلى عالمين متباعدين.

ويبدو أن ما تبقى من أجيال القرن العشرين يتخبطون في معمعة التفاعل مع قرّاء القرن الحادي والعشرين، فما كتبوه سيتوارى، وما يظهر على الشاشة سيتفاعل معهم ويؤثر فيهم، فالكتاب سيكون مرفوفا أو ديكورا لا أكثر!!

الجيل الجديد يميل إلى ما هو قصير وكثيف، ولا يمتلك القدرة النفسية والرغبة على التواصل مع أكثر من صفحة واحدة، تلوح أمامه على الشاشة التي يحدق فيها ليل نهار.

فالذين ينهمكون بكتابات طويلة عليهم أن يحببوها للقارئ بتقنيات وعبارات جذابة، تثير التفكير وتؤجج التطلع للجديد والأصيل.

فهل سنكسر الأقلام، ونتعلم كيف نعيش في القرن الحادي والعشرين؟!!

و"كتبتُ ولو قدِرتُ هوىً وشوقاً...إليكِ لكنتُ سطراً في الكتاب"!!

فما نفع الأقلام والشاشة ينبوع غرام؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

وتجلّت ذكرى سنويته الحزينة

طموحه كان حكومة الانسان لخلاص الشعب من الضيم والعدوان..

طيلة عقدين ونيف من السنين التي عايشنا فيها استاذنا المفكر الشهيد عز الدين سليم (عبد الزهراء عثمان).. وجدناه ملاكاً يتحرك على الارض، على نقيض الكثير من الساسة (الدينيين) الذين عرفناهم وعرفهم أهل التقى.

لا أهتك سرّاً إن قلت انه شخصية استثنائية من رجال الفكر والأصالة. احببنا هذا العملاق الخالد لإعتداله وتوازنه ورعايته للجميع، وبفكره الاصيل والمتحضر متسقاً في جنباته مع العراق الوطن. مما أجبر خصومه على احترام وتقدير مشروعه رحمه الله تعالى.

الأقسى علينا ليست شهادته رغم صورتها المؤلمة حقاً، انما الأقسى هو محاولات عدم تفعيل مشروعه الوطني في ارساء القيم والنهوض بالواقع العراقي بحسب ما كنا نجاهد من أجله لإسعاد العراقي ودحر الظلم وتحقيق بحبوحة العيش الكريم لهذا الشعب المهتضم. اذ كنا نتوقع استقامة من سيخلفه (رض) في الحكم..!

لقد حفلت حياة شهيدنا الخالد منذ بدوها جهاداً ونبضاً يهتف للقيم ويدافع عن المبادئ التي آمن بها ومشروع التغيير الذي تلقاه من استاذه المفكر الكبير اية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر. ظل يحملها مشعلاً طوال مسيرته الجهادية ضد نهج فاشستية حزب عفلق والزبانية المجرمين، يمارس نشاطه الديني والتوعوي والسياسي. لم توقفه حملة إعدام اخوته وذوي حُزانته ورفاقه الشهداء الذين اعدمهم نظام الطاغية صدام.

وفي المهجر..

حين اشتدت وقتئذٍ عليه وعلى رفاقه المحنة، وضاقت بهم الظروف للهجرة الى الجمهورية الاسلامية. انطلق من هناك يرفع معنويات العراقيين في مدن ايران ومخيمات الهجرة واللجوء. عشقته الساحة لتواضعه الشديد وإباء نفسه المتفانية تجاه مرتكزاته ومبادئه وحبه للعراق.

عز الدين سليم، سليم القلب اذ كان حقاً عزّاً للدين.. سار على منهج الصالحين الذين قدموا ما يملكون في سبيل معتقدهم .. يتنقل بين مدن الهجرة في ايران يبّلغ الدين، وينظّر ويخطب وأطلق العنان لقلمه تدوين أفكاره في عشرات المؤلفات وموسوعات البحث العقدية والفكرية والسياسية بعيداً عن المطامع الدنيوية.

وبعد سقوط هبل..

ما إن سقط نظام الديكتاتورية في بغداد، سارع الحاج ابو ياسين الحجاج الى ربى العراق دون حرس أو حماة.. لم تك قناعته ترحب بالوجود الامريكي على ارض المقدسات اذ كان يراه إحتلالاً ولم يك امامه غير القبول مجبوراً بحكم الظرف آنئذٍ برئاسة الحكم المحلي لإستثمار الفرصة والنهوض بمشروعه الرسالي الذي كان يؤسس له استاذه المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) إلا ان الموت اختطفه ولم يمهله شهراً، وكأنّ يد الغيب ارادت أن تنقذه من مهاوي ما حصل فينا بعد.!

سلام عليك ايها الشهيد الطيب، وسلام على عمقك النقي وروحك التي اصطفاها الله الى ملكوته قبل ان تكدّرها وعود المحتل، فحق لنا وعلينا الافتخار بك مقارعاً للطغيان. وسنبقى نذكرك عنواناً للشرفاء المضحين وسيبقى صوتك مستمراً في نفوسنا رغم فجيعة الذكرى السنوية الحزينة التي تزيدناً ألماً حينما نقرأ افكارك المدونة وعندما نستعرض بعض آفاق مسيرتك الرسالية، ونزداد حزناً على فراقك الذي هو بحق خسارة كبيرة لأهل الدين وللشعب المظلوم.

 كم نحتاج اليوم ابا ياسين الثائر و المعلم المربي..

كم يحتاجك العراق ايها القائد الشجاع..

ذكرى مايس/2004 الفجيعة، وذاك اليوم الكارثي افجع قلوب المخلصين الذين فقدوا ثلة مؤمنة معك اذ لا انسى الصديق والزميل الشهيد أبا محمد (طالب قاسم العامري) رحمهم الله تعالى.

ذكرى الكبير (عز الدين سليم) تستوجب استيفاء بعض حقٍ على مؤسسات الدولة لإحياء فكره وعطائه في اقامة معرض لمؤلفاته على اقل تقدير واقامة ندوات فكرية وثقافية للتعريف اكثر بهذه الشخصية الفذة.

عطائه لم نجده الا في النوادر، وفي مفاخر العراق سواء على صعيد الفكر او صعيد العقيدة ومصنفات الحكم من منظور اسلامي، وكذا في ميدان البحث في السيرة النبوية وسيرة الائمة الاطهار او على صعيد البحث الاجتماعي بالعمق الاستدلالي الرصين.

ومن هنا يمكن القول:

أن لو بقي فينا ابو ياسين وكذلك افذاذ اكارم كالشهيد السيد محمد باقر الحكيم رحمه الله تعالى لكان عراق اليوم بوضع غير ما عليه عراق الان.

عز الدين سليم:

هو عبد الزهراء عثمان محمد الحجاج وكنيته (ابو ياسين) ولد في البصرة عام 1943، انهى مرحلة دار المعلمين عام 1964. تعرض للاغتيال مرات من قبل نظام البعث العراقي ثم سجن من عام 1974 إلى عام 1978.

ونذكر ممارسته لوظيفته في التعليم ومعها، لم يترك دراسته عند العلماء وله مؤلفات ثرّة إبتدأها بباكورة كتبه (الزهراء فاطمة بنت محمد) عام 1969. تلاه عشرات الكتب في السيرة والتاريخ والسياسة والثقافة والاصول والعقيدة. وله مجموعة كبيرة من الابحاث والدراسات في المجلات الاجتماعية والتربوية، غير نشاطه الاعلامي في النشر والصحافة منذ مطلع الستينيات في العراق وفي الكويت ولبنان.

 وعندما تشكل المجلس الاعلى في ايران اسس الشهيد صحيفة الشهادة عام ١٩٨٣.

كما انشأ المركز الاسلامي للدراسات

 عام 1961 شرع المفكر عز الدين سليم ضمن تنظيم حزب الدعوة حتى تسنم عضوية لجنة الاشراف على التنظيم في البصرة وما حولها عام 1973 قبل أن يعتقل في البصرة.

 اختتمت حياته بعد ان ترشح عضواً بارزاً في مجلس الحكم الانتقالي وكان له الباع بصياغة قانون إدارة الدولة الانتقالي. وعين كرئيس دوري لمجلس الحكم الانتقالي إلى يوم اغتياله في 17 مايس 2004 بحادث تفجير سيارة مفخخة وقتت مع مرور موكبه في حي الحارثية قرب أحد مداخل المنطقة الخضراء.

 وارتقت روحه الطاهرة الى الفردوس الاعلى شهيداً فعليه منا السلام أبدا.

***

مصطفى كامل الكاظمي

 

أتابع هذه الأيام صولات بعض المحللين السياسيين التي تدعو إلى محو بغداد من الخارطة، لأنها تسبب لهم صداعاً في الرأس، وخفقاناً في الذاكرة، فبعد أن طالب السيد جمعة العطواني بطرد أبو جعفر المنصور من بغداد، خرج علينا محلل سياسي آخر وهذه المرة من " الوزن الثقيل " ليقول وهو يبتسم، لا نكتفي بتمثال المنصور وإنما نطالب بإلغاء شارع الرشيد ..

وماذا بعد ياسيدي الكريم الذي طالبت الشعب العراقي أن يأكل العظام من أجل أن تستمر مسيرة الديمقراطية العراقية إلى الأمام؟، هل من مزيد؟ لقد نسيت ساحة الواثق والمستنصرية، وها نحن نذكرك؟ ولهذا عزيزي القارئ ستجدني أضمّ صوتي إلى صوت الدكتور مؤيد آل صويت الذي كتب في صفحته على موقع "فيسبوك " ساخراً ومتألماً:" أخوان حتى نرسم خارطة طريق وميكون الموضوع عبثي وبلا تخطيط؛ وره ما تفلشون تمثال أبو جعفر المنصور وتخلوه أطلال؛ مرّوا على شارع الرشيد فلشوه؛ وأكو شغله ناسيها حبيت اذكركم بيها؛ تره المستنصر بالله خليفة عباسي مو من الصواب معلم بنص بغداد يسمى باسمه؛ فبطريقكم مروا على جامعة المستنصرية وفلشوها حتى ميبقى أثر لبني العباس بوسط بغداد وتصبح نقية جداً؛ ومن بعد ما تسوون الجامعة كردة وترتاحون؛ بلكي تاخذولكم فرة بالحميدية وسبع قصور والدسيم والمعامل؛ خاف أكو إرث عباسي هناك محد منتبهله؛ لأن هاي مناطق نقية ولازم تبقى نقية من كل ما يدنسها!!" .. تخيل جنابك أين وصل العبث بهذا الشعب، أن تشاهد أرتالاً من القوات الأمنية تحمي تمثال وسط بغداد من جماعات مسلحة، دون أن يصدر المدعي العام أمراً بإلقاء القبض على الذين يحرضون على الفتنة الطائفية، فالقضاء العراقي مشغول البال بكرسي الحلبوسي وبإصدار فرمانات تمنع الاقتراب من قلاع الدولة الحصينة .

للأسف يريدوننا أن ننشغل بحكايات التاريخ، لكي تكون بديلاً للمستقبل، فما نفع التنمية والبناء وهناك شارع في بغداد اسمه شارع الرشيد؟، وما فائدة بناء المجمعات السكنية والمدارس الحديثة والمستشفيات وهناك حي في بغداد اسمه المنصور؟ .. هم يريدون قتل المستقبل، يا عزيزي، يستهدفون اغتيال أي أمل في أن تمتلك هذه البلاد قرارها، وأن تتعافى من سنوات الحرمان والتخلف.

قبل وفاته بأشهر دون المعماري الكبير محمد مكية وصيته التي جاء فيها: " بغداد أيها الأحباء جوهرة من جواهر العصر، ربما تمرض، وربما تتعب وتئن – لكنها لا تشيخ فزمن المدن العظيمة مغاير لتفسيرنا للزمن. أوصيكم ببغداد أصغوا إلى صوتها كثيراً اعتنوا بها لتعتني بكم" " .

للاسف لا يريد أحد أن يستمع إلى وصية محمد مكية، فالبعض يريد لهذه المدينة أن تُصبح تابعه، بعد أن كانت سيدة المدن.

***

علي حسين

 

إن المناقشة الحالية حول الذكاء الاصطناعي مبالغ فيها إلى حد ما، مما يجعلها موضوعا غامضا يظهر ويختفي مثل شروق الشمس في الصحراء، ويتسبب في توقعات ومخاوف مبالغ فيها، ويسبب مشاكل جوهرية في المجتمع.

ويقال إن التغييرات سوف تحدث، كل مجال من مجالات الحياة يؤدي إلى نهاية العالم، أو كليهما، ويجب أن نعرف ذلك على الفور، ومن ناحية أخرى، فهو يقدم أيضًا إجابات لأسئلة جوهرية حول هذا الموضوع: ما هو بالضبط؟ كيف يعمل؟ من أين أتى؟ أين سيذهب؟ - مصطلحات جافة لا يفهمها معظم الناس.

حين بدأت المئات من الشركات الكبرى في جميع أنحاء العالم موجة من تسريح العمال وخفض الوظائف، والتي ينطوي بعضها على استبدال الموظفين بالذكاء الاصطناعي، آذ تسعى هذه الشركات إلى تعظيم النتائج المالية عن طريق خفض التكاليف، وهناك أسباب اقتصادية أخرى مرتبطة بهذا الجهد أيضا.. ففي 25 مارس/آذار/ 2024، جمعت صحيفة "وول ستريت جورنال" قائمة بأبرز الشركات التي أعلنت عن خطط لخفض عدد الموظفين في فروعها حول العالم.

وبحسب الدراسات، فإن 25 بالمائة من الشركات الكبرى في مختلف القطاعات حول العالم تستعد لإلغاء نحو5 بالمائة من وظائفها بسبب الذكاء الاصطناعي.

والبطالة التكنولوجية: هي فقدان الوظائف بسبب التغير التكنولوجي. تتضمن مثل هذه التغييرات بشكل عام إدخال أجهزة توفير العمالة (العضلات الميكانيكية)، أو بشكل أكثر تحديدًا، الأتمتة (العقول الميكانيكية). مثلما تم استخدام الخيول كمحركات، جعلتها السيارات تدريجيًا عتيقة الطراز وأثرت على العمل البشري طوال العصر الحديث.

ومن الأمثلة التاريخية على ذلك النساجون الذين أصبحوا فقراء بعد ظهور النول الآلي، فخلال الحرب العالمية الثانية، تمكنت آلة صنع القنابل الخاصة بآلان تورين من فك العديد من الرموز في غضون ساعات، والتي لم يتمكن البشر من حلها لآلاف السنين.

ورغم أن هذه الفكرة مقبولة بشكل عام، فإنها لا تقضي على معدلات البطالة المرتفعة، هناك متفائلون ومتشائمون في المناقشة حول البطالة التكنولوجية، وفي حين يتفق المتفائلون على أن هذا التطور من شأنه أن يزيل التأثيرات السلبية الطويلة الأجل على الوظائف، فإن المتشائمين يزعمون أن التكنولوجيا الجديدة تعمل على خفض العدد الإجمالي للعمال في أماكن العمل.

 انتشر مصطلح "البطالة التكنولوجية" في ثلاثينيات القرن العشرين على يد جون ماينارد كينز، الذي قال إن "سوء التكيف ليس سوى مرحلة مؤقتة"، لقد كانت مسألة استبدال العمل البشري بالآلات محل نقاش منذ زمن أرسطو حتى أواخر العام / 2023، عندما بدأت الشركات في الإعلان عن تسريح العمال والتركيز على الكفاءة العلمية .

وكالآتي:

* أصدرت شركة الاستشارات العالمية برايس ووترهاوس كوبرز نتائج استطلاع شمل أكثر من 4700 مدير تنفيذي من جميع أنحاء العالم في أكثر من عشرة  قطاعات اقتصادية تعمل في 105 دول، واتفقوا بالإجماع على اتخاذ إجراءات حقيقية لخفض ملايين الوظائف.

* ويخطط 32 بالمائة من الرؤساء التنفيذيين في مجال الإعلام والترفيه لتقليص قوتهم العاملة هذا العام/ 2024، في حين قال 28 بالمائة من الرؤساء التنفيذيين للخدمات المصرفية والمالية إنهم بدأوا الاستعداد لتقليص قوتهم العاملة.

* ويبلغ الرقم الخاص بقطاع النقل والخدمات اللوجستية حوالي 25 في المائة، ونفس الشيء بالنسبة لقطاع الاتصالات، و24 في المائة لقطاع التسوق بالتجزئة.

* ويخطط 22 بالمائة من أصحاب العمل في قطاع السيارات الذين شملهم الاستطلاع لخفض الوظائف ، مقارنة بـ 21 بالمائة في قطاع الطاقة وأعداد مماثلة في القطاع الصناعي.

* فيما أعلنت شركة معدات الاتصالات السويدية إريكسون عن خطط لإلغاء 1200 وظيفة من إجمالي قوتها العاملة البالغة حوالي 99900 في البلاد بحلول نهاية عام/2023.

* وفي الوقت نفسه، أعلنت شركة ستيلانس، الشركة الأم لشركة كرايسلر موتورز، عن تسريح 400 موظف في الولايات المتحدة، معظمهم في قسم البرمجيات والهندسة بالشركة.

* وفي الوقت نفسه، قالت شركة السلع الاستهلاكية Unifeller إنها تخطط لفصل قسم الآيس كريم الخاص بها إلى شركة مستقلة، مع تأثر حوالي 7500 وظيفة كجزء من خطة إعادة الهيكلة،

* وتخطط شركة معدات الشبكات Cisco لخفض حوالي 5 بالمائة من قوتها العاملة كجزء من إعادة الهيكلة.

* وأعلنت شركة التوقيع الإلكتروني DocuSign أنها ستسرح حوالي 6 بالمائة من موظفيها، معظمهم من فرق المبيعات والتسويق لديها.

* وفي الوقت نفسه، أعلنت شركة مستحضرات التجميل Estée Lauder أنها ستلغي ما يصل إلى 3100 وظيفة، أو حوالي 5 بالمائة من قوتها العاملة، بعد عدة فترات ركود.

* قررت شركة السفر Expedia خفض ما يقرب من 9 بالمائة من قوتها العاملة، أو حوالي 1500 شخص، من حوالي 17 الف موظف في نهاية العام / 2023.

*  أعلنت شركة توصيل البقالة Instacart أنها ستسرح حوالي 250 شخصًا، أو حوالي 7 بالمائة من قوتها العاملة، حيث تركز على الربحية.

* تخطط  - شركة مورجان ستانلي - لإلغاء مئات الوظائف في قسم إدارة الثروات، وفقًا لأشخاص مفصلين في صحيفة وول ستريت جورنال، و مورغان ستانلي: هي مؤسسة خدمات مالية واستثمارية أمريكية متعددة الجنسيات، تعتبر من أكبر المؤسسات المصرفية في الولايات المتحدة والعالم، يقع مقرها في مبنى مورغان ستانلي الرئيسي، وسط مانهاتن، مدينة نيويورك، مورغان ستانلي تعمل في 42 دولة ولديها أكثر من 1300 مكتب و60 الف موظف.

* أعلنت شركة الأحذية الرياضية نايكي أنها ستخفض قوتها العاملة بنحو2 بالمائة ، أو أكثر من 1600 شخص، لخفض التكاليف.

* ستقوم شركة سوني بتسريح حوالي 900 موظف في قسم إنتاج ألعاب PlayStation التابع لها، وهو ما يمثل حوالي 8 بالمائة من القوى العاملة في القسم، وستشمل أيضًا إغلاق استوديوهات PlayStation في لندن.

* وفي الوقت نفسه، قامت شركة جوجل التابعة لشركة ألفابت بتسريح مئات الموظفين في وقت سابق من هذا العام، مع بدء عمليات تسريح العمال في أواخر عام /2023، مما يعكس موجة من التوظيف الوبائي الذي توسع خلال هذه الفترة.

ففي يناير، كانون الثاني / 2023، قامت جوجل بتسريح مئات الموظفين في أقسام مثل أدوات الأجهزة والبرامج الداخلية ، حيث واصلت الشركة إعادة بناء التوظيف الجماعي بسبب الوباء، وأعلنت الشركة في أواخر يناير أنه سيكون هناك المزيد من التخفيضات في الوظائف عام / 2024، لكنها لم تذكر عدد الموظفين الذين سيتم تسريحهم أو المجموعات التي ستتأثر.

* كما تقوم شركة أمازون العملاقة للتجارة الإلكترونية بإلغاء مئات الوظائف في استوديوهات الأفلام والتلفزيون ومنصة البث المباشر Twitch لخفض التكاليف.

* وأعلنت شركة بلاك روك لإدارة الأصول أنها ستسرح 600 شخص، أي حوالي 3 بالمائة من قوتها العاملة، بالإضافة إلى تسريح 600 آخرين في يناير، كانون الثاني/ 2024.

* وفي الوقت نفسه، أعلن بنك سيتي جروب أنه سيخفض عشرين ألف وظيفة بحلول نهاية عام /2026 كجزء من خطة إعادة الهيكلة متعددة السنوات.

* وفي وقت سابق من هذا العام/ 2024، أعلنت شركة التكنولوجيا مايكروسوفت أنها ستسرح 1900 موظف، أو حوالي ثمانية أشخاص سنويا.

* ومن المثير للدهشة بالنسبة لسفينة يبلغ طولها 78 متراً أن هناك 16 شخصاً فقط على متنها، بينما تحتاج السفينة التقليدية التي تقوم بذات العمل إلى طاقم مكوّن من 40 أو 50 فرداً، وتعتقد الشركة -أوشن إنفينيتي- أنَّ بإمكانها تقليل العدد بشكل أكبر، وذلك لأنّ العديد من الوظائف يُمكن القيام بها على بُعد مئات الأميال، والتحكم بها عن طريق الذكاء الاصطناعي.

* وتلعب الروبوتات دورًا مهمًا في حياتنا الشخصية، بما في ذلك الرعاية الصحية والترفيه والمساعدة المنزلية ومساعدة الأطباء والجراحين في المستشفيات، ويتم استخدامها في غرف العمليات والطب المتقدم لمساعدة المرضى على المشي والحركة وأداء المهام اليومية، وتستخدم في مختلف المهام ، كما أنها تساعد على تحسين الكفاءة والسلامة في مكان العمل، مما يسمح للشركات بإنتاج المزيد من المنتجات والخدمات مع عدد أقل من العمال وتحرير العمال لأداء المهام التي تشكل خطورة أو صعوبة على البشر.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

........................

المصادر:

World Economic Forum. "The Future of Jobs Report 2020." World Economic - Forum، 2020.

- الوثيقة نت، صحيفة الكترونية مستقلة/ الخيال العلمي صار واقعاً: الروبوتات تقود سفناً عن بعد/ 8 مارس أذار 2024.

https://www.alwathika.com/.

- موقع الجزيرة/ الروبوت في زمن التكنلوجيا الذهبي / أحمد عنتر/ 11 كانون الأول 2023.

https://www.aljazeera.net/tech/2023/12/11.

ربما كان البشر يأكل بعضه في بداية تواجده في الأرض، لأن صيده أسهل من صيد الحيوانات الأخرى آنذاك!!

وربما تعلم العيش في مجتمعات بعد أن تطورت مهاراته في صيد الحيوانات الأخرى، فما كان الفرق كبيرا بينه وبين أي حيوان مفترس آخر.

فهل تعلم الإفتراس من الحيوانات وهو يرقبها تأكل بعضها؟

وهذا ربما يفسر السلوكيات الإفتراسية المتنوعة التي تطورت مع الزمن، حتى وصلنا إلى عصر الإفتراس المطلق لبعضنا نفسيا وروحيا وفكريا وعقليا وإقتصاديا، وبأساليب أنانية معقدة تبدو على غير ما تهدف إليه.

إفتراس متوحش فظيع يرتدي أنواع الأقنعة، ويظهر بصور وخصائل ومميزات لا تعد ولا تحصى.

ما يجري في واقعنا المعاصر إفتراس متطور تكنولوجيا، بأسلحة بلغت ذروة الإفتدار التدميري والمحق السريع للملايين.

فعلى ما يبدو أن الطبع البشري إفتراسي إحترازي، مرهون بطاقات الشك وسوء الظن بالآخر، فلا يوجد تفاعل صادق طاهر أمين بين الناس، بل أنها تفاعلات إحترابية ذات مستويات متنوعة.

فالبشر ضد البشر، ويشعر بالنصر والفخر عندما يقتل غيره من البشر.

والحروب التي عانت منها البشرية يكون القتل فيها مشاعا، ولا توجد حروب بلا عشرات أو مئات وآلاف القتلى، وما تبقى منهم وأباد أكثر يرفع رايات النصر، ويتأسد في الدنيا، وهو في داخله من المهزومين، فلا يوجد نصر حقيقي عندما تسيل الدماء ويتخرب العمران.

الوحشية سلطان مهيمن على التفاعلات الأرضية بين المخلوقات ومنها البشر، الذي يختلف عنها بقدرته على المخادعة والتضليل بأساليب ومهارات سلوكية معقدة.

وبسبب التوحش الكامن فينا، لن يتحقق السلام فوق التراب، وناعور الصراعات بأنواعها متواصل الدوران، والنجيع يتدفق من العروق الآدمية!!

و"أخا الدنيا أرى دنياك أفعى...تبدّل كل آونة إهابا"!!

***

د. صادق السامرائي

هناك قاعدة فقهية أعملها جمهور الفقهاء في المجال العقابي هي أن الحدود تُدرأ بالشبهات، فمتى وُجدت شبهة لم يعد في إمكان القاضي الحكم بالعقوبة الحدية لهذه الجريمة التي خالط أحد أركانها أو دليل إثباتها شيء من ذلك، وهي صورة مثلى من من صور الاحتياط والتدقيق في تنفيذ الحدود في الشريعة الإسلامية كما أنها تمثل ضمانة لحقوق الإنسان وعدم أخذه وعقوبته بما لا يكون ثابتًا عليه ثبوتًا بينًا لا شك فيه». وبقدر ما تشددت الشريعة الإسلامية في العقوبات التي فرضتها لجرائم الحدود، بقدر ما حرصت على التضييق من نطاق توقيع هذه العقوبات، ويبدو هذا الحرص جليًا في الشروط الخاصة للإثبات التي تتطلبها الشريعة الإسلامية، كما يبدو في الندب إلى ستر العيوب وعدم التطوع بالإبلاغ عنها أو الإقرار بها» فليس المراد بالحدود التشفي والتشهي وإيقاع الناس في الحرج وتعذيبهم بقطع أعضائهم أو قتلهم أو رجمهم وإنما المراد هو أن تسود الفضيلة، ومن هنا نجد أن الشرع الشريف ييسر في هذه الحدود، فقاعدة «درء الحدود بالشبهات» تجعل الظن والشك في صالح المتهم» ولذلك لم يوجب سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه القطع عام الرمادة حيث عمَّت المجاعة، ولم يقطع كذلك في حادثة خاصة، عندما سرق غلمان حاطب بن أبي بلتعة ناقة من رجل من مزينة. فقد أمر بقطعهم، ولكن حين تبين له أن سيدهم يُجيعهم، درأ عنهم الحد، وغرَّم سيدهم ضعف ثمن الناقة تأديبًا له. وهكذا ينبغي أن تُفهم حدود الإسلام، في ظل نظامه المتكامل، الذي يضع الضمانات للجميع لا لطبقة على حساب طبقة والذي يتخذ أسباب الوقاية قبل أن يتخذ أسباب العقوبة».

وبناء على ذلك، يجب علينا دراسة التشريع الجنائي الإسلامي دراسة مقاصديّة تُبرز حِكمه والمصالح المنوطة به لإثبات خلاف ما ادعاه أعداء الإسلام بأنه نظام قديم بائد موغل في القسوة والتشفي، وحتى نعيد الاعتبار لهذا «الجزء المنبوذ والمظلوم في الشريعة الإسلاميّة»، وإزالة ما أُثير حوله من شبهات وأباطيل. ولقد عبّر عبد القادر عودة رحمه الله عن هذا الموقف العدائي من التشريع الجنائي بقوله: «أما القسم الجنائي فهو في عقيدة جمهور رجال القانون لا يتفق مع عصرنا الحاضر ولا يصلح للتطبيق اليوم، ولا يبلغ مستوى القوانين الوضعيّة. وهي عقيدة خاطئة مضللة» لأنها مبنيّة على جهل بنظام العقوبات الإسلامي، والغاية من إيقاعها على الجناة المعتدين على حدود الله.

***

د. الطيب النقر

 

تتسابق البلدان في جميع أنحاء العالم لتسخير إمكانات تقنيات الذكاء الاصطناعي، ليس فقط لتحقيق مكاسب تنموية واقتصادية ولكن أيضًا لتحقيق مكاسب استراتيجية وجيوسياسية. وفي خضم هذا السباق المحموم، برز السعي إلى السيادة على الذكاء الاصطناعي كهدف حاسم للدول التي تسعى إلى تأكيد استقلالها التكنولوجي في العصر الرقمي. وفي هذا السياق، يقف المغرب عند منعطف مفصلي، وهو يواصل مسيرته الطموحة نحو تحقيق السيادة على مجال الذكاء الاصطناعي..

تشير السيادة على الذكاء الاصطناعي إلى قدرة الدولة على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحكم فيها ونشرها بشكل مستقل عن دول خارجية ، وبعيدًا عن التبعيات أو التأثيرات الخارجية. وهي تشمل كذلك مجموعة واسعة من القدرات والإمكانيات ، بما في ذلك البحث والتطوير وتنمية المواهب وترقيتها ، وتطوير البنية التحتية للبيانات، والقوانين التنظيمية، والشراكات الاستراتيجية.

إن تحقيق السيادة في مجال الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على المهارات التكنولوجية فحسب، بل يتعلق أيضا بحماية المصالح الوطنية، والحفاظ على القيم الثقافية والاجتماعية ، وضمان الإدارة الأخلاقية في نشر الذكاء الاصطناعي.

لقد أدرك المغرب منذ سنوات الإمكانات التحويلية للذكاء الاصطناعي في النهوض بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية ودعم القدرة التنافسية على الصعيد العالمي . وعلى مدى العقد الماضي، اتخذت الدولة المغربية مبادرات مختلفة من أجل تنمية نظامها البيئي للذكاء الاصطناعي. وتشمل هذه الجهود إصلاحات سياسية، وحوافز الاستثمار، والبرامج التعليمية، والشراكات بين القطاعين العام والخاص التي تهدف إلى رعاية الكفاءات، وتشجيع الابتكار، وتحفيز اعتماد الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات.

من الأمور الأساسية في رحلة المغرب نحو السيادة في مجال الذكاء الاصطناعي هو تطوير إطار سياسي شامل ورؤية استراتيجية تعمل على مواءمة التقدم التكنولوجي مع الأولويات الوطنية. لقد أوضحت الدولة المغربية رؤيتها للتنمية القائمة على الذكاء الاصطناعي من خلال مبادرات مثل الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، التي تحدد خارطة طريق للاستفادة من الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المجتمعية، ودعم الإنتاجية الاقتصادية، وترسيخ الحوكمة.

أحد الركائز الأساسية لاستراتيجية المغرب فيما يتعلق بالسيادة في مجال الذكاء الاصطناعي هو الاستثمار في البحث والابتكار. فقد أنشأ المغرب عدة معاهد ومراكز للابتكار، وجامعات تكنولوجية متخصصة لتعزيز البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي ودفع التعاون بين الأوساط الأكاديمية والصناعية . تلعب مبادرات مثل المختبر المغربي للذكاء الاصطناعي والمركز الوطني للبحث العلمي والتقني دورًا فعالًا في بناء قدرات الذكاء الاصطناعي المحلية وتعزيز نقل المعرفة.

وقد قررت الحكومة عبر مصادقتها على مشروع مرسوم رقم 2.23.14 بتتميم المرسوم رقم 2.90.554 المتعلق بالمؤسسات والأحياء الجامعية، في اجتماعها الأسبوعي يوم الخميس 8 فبراير 2024 ، إحداث المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي وعلوم المعطيات بمدينة تارودانت، ستكون تابعة لجامعة ابن زهر بأكادير.

وفضلا عن المدرسة المذكورة، سيتم تحويل المُلحقة الجامعية بمدينة بركان إلى مدرسة وطنية للذكاء الاصطناعي والرقمنة، التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة.

يعد بناء قوة عاملة ماهرة ومجهزة بخبرة الذكاء الاصطناعي أمرًا ضروريًا لسعي المغرب نحو الاستقلال التكنولوجي. فقد أعطت الدولة الأولوية لتنمية المواهب من خلال مبادرات مثل برامج تعليم الذكاء الاصطناعي المتخصصة، وورشات العمل التدريبية، ومبادرات بناء المهارات. كما أن التعاون مع الشركاء الدوليين والمشاركة في المسابقات العالمية للذكاء الاصطناعي قد أتاح للمواهب المغربية فرصًا لتعزيز المهارات.

يعد الوصول إلى البيانات عالية الجودة وآليات الحوكمة القوية من عوامل التمكين الحاسمة لسيادة الذكاء الاصطناعي حيث يستثمر المغرب في بناء البنية التحتية للبيانات، بما في ذلك مستودعات البيانات، ومرافق الحوسبة السحابية، والشبكات الآمنة، لتسهيل جمع البيانات وتخزينها وتحليلها لتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وفي الوقت نفسه، تهدف الجهود المبذولة لتعزيز قوانين خصوصية البيانات، وتدابير الأمن السيبراني، والمبادئ التوجيهية الأخلاقية إلى ضمان النشر المسؤول للذكاء الاصطناعي والحماية من المخاطر المحتملة.

إن المغرب يولي أهمية التعاون بين الحكومة والصناعة والأوساط الأكاديمية في دفع الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال. وقد أدى إنشاء مجموعات الابتكار، ومكاتب نقل التكنولوجيا، وآليات التمويل للشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة إلى خلق بيئة مواتية لتطوير وتسويق حلول الذكاء الاصطناعي. وتعزز الشراكات الاستراتيجية مع الشركات المتعددة الجنسيات والمنظمات الدولية ولوج المغرب إلى التكنولوجيات المتطورة والأسواق العالمية.

على الرغم من التقدم الكبير، يواجه المغرب العديد من التحديات في طريقه نحو السيادة في مجال الذكاء الاصطناعي. وتشمل هذه الحاجة إلى زيادة الاستثمار في البنية التحتية، ومواصلة الجهود لسد فجوة الكفاءات، والعقبات التنظيمية، والمخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات وأمنها. بالإضافة إلى ذلك، فإن المنافسة العالمية والوتيرة السريعة للتغير التكنولوجي تتطلب المرونة والقدرة على التكيف في استراتيجية الذكاء الاصطناعي في المغرب. ومع ذلك، فإن هذه التحديات توفر أيضًا فرصًا للتعاون والابتكار والتمايز في المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي.

إن رحلة المغرب نحو تحقيق السيادة في مجال الذكاء الاصطناعي هي مسعى متعدد الأوجه يتطلب التزاما مستداما وتعاونا وابتكارا. ومن خلال الاستفادة من موقعه الاستراتيجي ورأس ماله البشري وإطار سياساته، يتمتع المغرب بوضع جيد يسمح له بالظهور كمركز إقليمي لابتكار الذكاء الاصطناعي ورائد في تطوير حلول الذكاء الاصطناعي الأخلاقية والشاملة. ومع استمرار الدولة في الاستثمار في البحث وتنمية المواهب والتعاون الصناعي، فإنها تمتلك القدرة على تشكيل مستقبل حوكمة الذكاء الاصطناعي والمساهمة في نظام بيئي رقمي أكثر إنصافًا واستدامة.

***

عبده حقي

 

الإعلام بأنواعه مترع بالأضاليل (معلومات كاذبة مخادعة لتبرير أجندات ومآرب مرسومة).

الإعلام هدفه كذلك منذ بدء الصراعات  بين البشر، فكان للدعاية وما يتصل بها من الإشاعات الدور الأكبر في النيل من الطرف الآخر في حلبة الصراع.

وأكثر الإنتصارات لعبت فيها النشاطات الإعلامية دورا مهما في تأمين الهزيمة وفرض أصحاب الصوت الدعائي القوي، المهيمن على واقع السلوك والتفاعل بين أطراف الصراع الدائر.

جنكيز خان وأحفاده بسطوا نفوذهم على بقاع شاسعة من الأرض بالإشاعات، وترويج الأباطيل والتصورات الكاذبة عن قدراتهم البطشية بالآخر.

وعالمنا المعاصر المتطور تواصليا بين البشر، أصبح الإعلام أداة فاعلة وسلاح تدمير شامل يتفوق على معظم أنواع الأسلحة الفتاكة، لأنه يشحذ القوة الداخلية ويؤهلها للتدمير الذاتي المروع.

ووفقا لذلك، يتم السيطرة على أي هدف بتفعيل عناصره وتحويلها إلى قدرات مضادة له، مما يدفع بالأهداف إلى التهاوي في قبضة الطامعين بها، أي يتحقق صناعة الأُرضة التي تنخر قلب الهدف وتؤهله للإنهيار عند اية ضربة.

ومن العناصر المهمة التي تقضي على المجتمعات إستعمال الدين ليكون طاقة مضادة للوجود الوطني والمجتمعي، ففي الدين تكمن طاقات تدنميرية هائلة، فهو سيف ذو حدين، ويتم التركيز على قدرة الدين لتبرير الشرور والمآثم والخطايا، فيقدم الفاعلون على حماقات مروعة.

و(غوبلز) ومقولته المشهورة "إكذب إكذب حتى يصدق الناس "، فعلت فعلها في الحرب العالمية الثانية، وتسببت بتحويل المجتمع المستهدف إلى عجينة طيّعة بإسم الفاعل الأول فيه.

ومنهج الكذب الفتان المنمق المزوّق قادر على تسويغ الشرور والأباطيل، وتجميل وجه الفساد والعدوان على حقوق الآخرين، حتى صارت الخيانة  قخر والوطنية سُبة، والتبعية عزة وكرامة، والعدوان على إبن الوطن بطولة.

و"لا يكذب المرء إلا من مهانته...أو عادة السوء أو قلة الأدب"!!

"ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون"!!

***

د. صادق السامرائي

تداولت الأقلام ووسائل الإعلام سؤالا مفاده: لماذا الجامعات الأجنبية فيها إحتجاجات وجامعات العرب والمسلمين خامدة؟!!

وجاء الجواب من بعض الكتاب الأجانب وخلاصته: أن الطالب الأجنبي يعرف ما سيحصل له وما سيترتب على سلوكه الإحتجاجي!!

أما الطالب في دول الأمة والدول المسلمة، فلا يعرف مصيره، ويكون قتله سهلا ومبررا، وتلصق التهمة بمجهول أو بطرف ثالث!!

والأجنبي عندما يكون في المعتقل، يعيش مكرما ومتمتعا بكافة الحقوق التي يكفلها له الدستور، وكأنه في فندق خمسة نجوم.

أما طالب الجامعات عندنا فإذا تم إعتقاله فيسومونه شر العذاب، ويتعاملون معه على أنه مجرم عليه أن يُهان ويُعذب وتستلب حقوقه، وفي أكثر الأحيان يكون القتل المروع مصيره.

تلك مجتمعات تحتكم لدستور، ومجتمعاتنا تحتكم للأهواء والأحقاد، وللكراسي المتمادية بالجور والعدوان على الإنسان.

الإحتجاجات في بلداننا قفز إلى التهلكة، وعندهم  تعبير عن الرأي، وقوة تؤثر في مسار النظام السياسي الدستوري الفاعل، وتؤدي إلى تغيير قوانين وإصدار ما يتوافق وإرادة المحتجين.

مجتمعاتنا غابية الطباع والتفاعلات، ومجتمعاتهم - رغم كل شيئ -  ذات مميزات إنسانية، فالعقد الإجتماعي سلطان والقانون قوة وبرهان.

مظاهراتنا سفك دماء وإختطاف وإغتيالات، ومظاهراتهم مواجهات ما بين قوى الأمن والمتظاهرين قد تؤدي إلى بعض الإعتقالات، التي يسعون إليها لإثارة الرأي العام، وتأكيد مطالبهم مهما كانت نسبة مشروعيتها.

فلماذا نقرأ كتابات تلوم طلبة الجامعات في بلداننا؟

علينا أن نكون واقعيين وموضوعيين، فالكراسي المتحكمة بالبلاد والعباد، عدوانية شرسة، لا ترحم المواطنين، وتتفنن بإبتكار أساليب ترويعهم، وقهرهم وحرمانهم من أبسط الحاجات الضرورية لحياة حرة كريمة، فكيف سيكون عفابهم إذا طالبوا بحق من حقوقهم، أو عبّروا عن رأيهم؟!!

إنهم يحترمون الإنسان ونحن نهينه ونحوّله إلى شيئ مبخوس!!

و"الإستقامة مفتاح الكرامة"!!

***

د. صادق السامرائي

نتفاجأ نحن البشر أحياناً من مشاهد الرعاية والإعتناء التي تحصل عليها الحيوانات الأليفة ونردها محظوظة بالنسبة لنظيراتها ، فتربية قط أو كلب في المنزل يتطلب الإهتمام والذي يتطور إلى الرفاهية التي يُحسد عليها الحيوان ، ودأبت الفيديوهات التي تنُشر على مواقع التواصل الإجتماعي على اظهار القطط والكلاب المتنعمة والناعمة كأحد أفراد العائلة، بل أقرب وأشد حباً لدى البعض ، وقد يتعرض أحد تلك القطط المدللة إلى حادث فجائي فيقلب أداة ثقيلة على رأسه الصغير أو يسقط من عمارة فيصاب بالكسر أو الكدمات، على الأقل، فيهرع ذووه إلى المستشفى لمعالجته.

وفي حادثة غريبة سقطت قطة من الطابق 16 في مجمع سكني ببغداد من أعلى النافذة على سيارة متوقفة، من سوء حظ صاحبها أن قوة الجذب أدت إلى تهشم شبه كامل يثير الدهشة في زجاج سيارته التي رفض مالكها التعويض، أثابه الله وعوضه خيراً بإعتباره حادث قضاء وقدر لا يد أو قصد في وقوعه، و أثارت الحادثة مشاعري رغم أني لم أر تلك القطة حتى ، ولكن سقوط حيوان لطيف أو تعرضه للإيذاء أو التعنيف شيء مؤلم .

يبدو فعلاً إن القط بسبعة أرواح، والحمد لله في ذلك لتتعافى تلك القطة المسكينة أرادت النزهة أو اللعب، فسقطت من غير وعي، فهي لاتعلم أن تلك النافذة تقع بالطابق 16 ، وهذه الحادثة فيها عِبرة كبيرة، لأن كل من يفعل شيئاً دون تحسب يقع، وقد يفقد حياته إذا لم يكن قطة مثل ما قال أحدهم.

***

ابتهال العربي

 

اللغة أداة الكتابة بأنواعها، وجوهر الكلام، ولابد من إتقانها قبل الكتابة والخطاب، لأن في ذلك تواصل نفسي وفكري مع المتلقين.

والإتقان اللغوي من أهم مميزات التواصلات المعرفية في لغات العالم كافة، فلن تجد رمزا بارزا في ربوعها لا يتقن لغته ويخبرها، وينتقي مفرداتها بعناية، ويسبك العبارات بقدرة بلاغية مؤثرة.

فعندما يغيب الإتقان اللغوي، تنتفي الحاجة للغة، لأنها ستتحول إلى نشاط عبثي مجرد من الإتجاه الواضح المبين.

وبموجب ذلك لن تجد قائدا في مجتمعات الدنيا أخرق لغويا، والويل للرئيس إذا أخطأ إملائيا أو نحويا، فستتصدى له وسائل الإعلام وتهزأ منه وتلقيه في أسفل سافلين، ولهذا تكون الخطابات محبوكة بعناية ومدروسة بإحكام، ومحسوب تأثير مفرداتها على المتلقين.

أما في مجتمعات الأمة، فأول مَن يهين اللغة هم الذين يسمون أنفسهم قادة بأنواعهم، فما أكثر الأخطال اللغوية في خطاباتهم، ووسائل الإعلام تتغاضى عنها، وتقدمهم على أنهم على غير حقيتهم الجدباء.

فاللغة العربية أصيبت بأمراض متوطنة وسارية ذات وبائية عالية، لفقدان المراصد اللغوية المتيقظة المتأهبة للإنتفاض بوجه ذوي الأخطاء اللغوية المريرة المتكررة.

اللغة هي اللغة أيا كانت أبجدياتها، وما يُظهرها هو العقل الذي يستخدمها، وإذا عزّت الأقوام عزت اللغات، ولا يلومن أحد أي لغة، بل العيوب كلها في أهلها.

لغتنا الجميلة معظمنا يعجز عن إتقانها، ويهملها، ويطلق العنان للسانه وقلمه، ليتخبط في عالم المفردات والعبارات المضطربة، والعجز على صب الفكرة في كلمات تليق بها.

وهذا الإنحطاط التعبيري والتفاعلي مع اللغة من المخاطر الجسيمة التي تواجه المجتمعات المنكوبة بلسانها، وبمنطق الكراسي المغفلة الجاهلة المتحكمة بمصيرها، وقد أذعنت لآكليها، وتأسدت على المأكولين من أبناء بلدانها.

و"إن من البيان لسحرا"!!

***

د. صادق السامرائي

 

الربّ: المالك، إسم الله تعالى، السيد، والجمع أرباب.

ربّ الأرباب: الله تعالى

الربوببية: الإعتقاد أن الله رب كل موجود، أي خالق كل موجود، ومدبر أمر الوجود.

النفس البشرية ذات ميول إرتيابية ونزعات خفية تدفعها للتفاعل مع التعدد، وتأبى الركون للحالة التي تتمثل في واحد إلا بالقوة والخنوع والإذلال والقدرة على مصادرة المصير.

وفي مسيرة البشر فوق التراب إنطلقت هذه النوازع وتحققت في مراحل متواصلة ومتوالدة ومتصارعة، حتى إنتهت إلى مفهوم الرب الواحد، والذي خاض عباب وعيه وجهاده أبو الأنبياء إبراهيم، كما ذكرت معظم الكتب السماوية، والتي جاءت بمفهوم الرب الواحد، والإله الواحد، الذي إتخذ مسميات تدل على الواحد.

لكن النزعة للتعددية أصابت حتى الأديان السماوية، وجعلتها تحتال على الواحد وتعدده.

ومع تطور الأحوال ودوران الأجيال وتباعدها، وتعاظم القوة والسلطان، تعددت الأرباب وصارت ذات توصيفات ومعايير جديدة، لا تفترق عما كانت تتصف به الأوثان المتعددة في مجتمعات الدنيا السابقة والمعاصرة، وفي العديد من الديانات السماوية التي تؤمن بالرب الواحد، إتخذ أصحابها أربابا من بين البشر، بعد ان وضعوا على رؤوسهم تيجان الألوهية أو القدسية، وأخرجوهم من ترابيتهم وحقيقتهم الآدمية، فصار البشر فرقا وجماعات لكل منها رب، فإذا بالرب أرباب، وإذا بالوحدانية محض سراب!!

وهذه عاهة نفسية سلوكية مستعصية ومتوارثة في البشرية، لا يمكنها أن تشفى منها على مر العصور.

فلكلٍّ ربٌّ يدّعيه، والرب العزيز الحكيم أقرب منه إليه!!

و"قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوّا أحد"!!

***

د-صادق السامرائي

11\11\2020

هذا ليس إقترابا دينيا وإنما نفسيا بحتا.

عندما نتساءل عن ماهية السيطان الذي يتردد على مسامعنا، ونتعوذ منه دائما، تظهر أمامنا النفس الأمارة بالسوء، والتي أشارت إليها العديد من المدونات عبر الأجيال ومنذ أزمان غائرة في الأزل.

النفس الأمّارة بالسوء هي النفس الدونية المشحونة بالطاقات الرغبوية، والساعية للتحرر من أي رادع يمنعها بلوغ مآربها الأنانية البحتة.

وقد تصدت لها الرسائل الدنيوية والسماوية، وما أفلحت بالإنتصار عليها إلا بنسب متفاوتة، وهذه النفس تستعبد العقل وترغمه على الإتيان بما يبرر خطاياها.

فعندما نقارن بينها وبين ما نسميه "الشيطان"، نجد أن ما يتصف به يتمثل فيها، وما تقوم به يدعو إليه ويرغّب به، وكأنه هي، وهي هو.

إنها تعشق الرجس والفساد وسفك الدماء، والقيام بالموبقات، وتستدعي المشاعر الكاذبة بالقدرة على السيطرة، والتلذذ بنشوة ما تقترفه من الأفعال السيئة.

قد يقول قائل أنك تنفي وجود الشيطان، والتقييم النفسي للسلوك البشري يؤكد أن (الشيطان) قائم فينا، ويسخرنا لما يريد القيام به من شنائع الأعمال، ويجند عقلنا وطاقاتنا لتأمين الوصول إلى أهدافه، وهي ذات سوء شديد.

فالبشر مرهون بشيطانه الكامن فيه، وما إستطاع عقله وما عنده من الروادع والثوابت الأخلاقية من لجم جماحه، بل تراه مستسلما له ومذعنا لما وفره من قدرات لتعزيز مساراته العدوانية على ذاته وموضوعه، وبسبب ذلك تعاني البشرية من مصائبها النكداء.

ويبدو أن البشر لكي يحرر نفسه من سطوة تلك النفس، يدّعي بأن قوة ما دفعته لفعل ما إقترفه، ويعلقها على عنق (الشيطان )، ويتناسى نفسه الدونية المتحكمة بما يبدر منه من أقوال وأفعال!!

و"إن النفس لأمّارة بالسوء"!!

***

د. صادق السامرائي

 

لو درسنا تاريخ البشرية منذ عصور موغلة في القدم، وقبل بزوغ شمس الحضارات الغابرات، لتبين أن الكراسي إتخذت الدين مطية للقبض على مصير البشر الذي تتحكم بوجوده.

ووفقا لمعطيات القوة الإلهية العليا، تم تأسيس الدول وأنظمة الحكم .

فالتأريخ يحدثنا عن أن الإله كان يحكم ومن ثم أنصاف الآلهة، وأبناؤها وبناتها وغيرها من التوصيفات.

فالجالس على كرسي السلطة يحكم بأمر إلهي، وما يقرره مطاع وحتمي، ولا بد من تأكيد مبدأ السمع والطاعة، لأنه مخوّل من قوة كبرى عليا ذات سطوة كونية خارقة.

ومع تطور المسيرة البشرية لم يتغير الجوهر والمنطلق، وإنما المظهر والآليات، التي بموجبها صار الحكم ماضيا في الأجيال.

فمعظم الذين في سدة الحكم يتوهمون بالتفويض الإلهي وبالقدرة على تنفيذ  ما يرونه صحيحا لأنهم لا ينطقون عن الهوى .

وفي زمننا المعاصر صار للرب نواب ووكلاء وممثلين، وأوهام لا تعد ولا تحصى  وأضاليل متنامية وفاعلة  في وعي البشر الجمعي، المرهون بإرادة وكيل رب فوضه بالنيل من العالمين.

و"مَن خشي الله فاز"!!

***

د. صادق السامرائي

 

إذا كان الجواب بنعم، فلماذا نسبة الفقر في إزدياد، والبطالة بلغت ذروتها، والخراب والدمار على أشده؟

أين تكمن العلة؟

هل أن دول المنطقة منكوبة بالإستحواذ على مصيرها؟

هل أن حكوماتها متواطئة مع الطامعين فبها؟

كيف يصح في الأفهام ما يحصل في ربوعها؟

تساؤلات أجوبتها خطيرة ومريرة، وتحاول الأجيال إغفالها، ويمكن إختصارها بالكراسي الفاعلة فيها!!

فلا يجوز لأي وطني أن يكون في كرسي السلطة، شئتم أم أبيتم!!

إنه خط أحمر فاقع!!

لابد من الأغبياء الأذلاء الساعين للإثراء والبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة قبل أن يبؤوا بسوء المصير.

فمن المعلوم أن مَن يخدم الشعب ويحرص على مصالحه تفترسه أنياب الطامعين بلا تردد.

الشعوب تحمي قادتها المخلصين وحكوماتها الوطنية الصالحة للبناء والتقدم والرخاء.

ثروات هائلة وفقر مدقع  وأناس يعتاشون على النفايانت.

فهل تستتحي الكراسي؟

لو كانت عندها ذرة وطنية، لهبت لنجدة البلاد والعباد ولتنكرت لأسيادها، ولهتفت بقوة وإصرار: "الشعب يريد الحياة"!!

فهل تقود البلاد الكراسي الوطنية؟!!

و" تُعرف قيمة الأوطان عند فراقها"!!

***

د. صادق السامرائي

عندما نستذكر الجيل القديم في زمن الخمسينات والستينات من القرن الماضي نجد أن الأعم الأغلب لهم الولع والديمومة على القراءة والإطلاع لما يدور من حولهم يتجولون في أروقة الصحف والمجلات والكتب والقصص والتمتع بروائع الكتب في العالم العربي والعالمي كان جيلا متطلعا ومثقف ذاتيا ومستوعبا ومكملا للدراسة المنهجية كان جيلا يقرأ ويتعلم ويطبق في حياته اليومية أستطاع أن يؤسس مجتمعا وأسرة ذات مواصفات عالية في التربية والتعليم لكن بمرور الزمن ونتيجة التطورات المعقدة والثورات العلمية والتكنولوجية وتحت ضغط ما يسمى بالحداثة المستوردة من الخارج استطاعت أن تفرض أسلوبها على عموم الأجيال والتأثير عليه نتيجة المناهج المدروسة من قبل الغرب ومؤسساته المشبوهة والخبيثة  استطاعت أن تبعد الجيل الجديد عن كثير من الممارسات التي تربى عليها آبائهم وأجدادهم حيث كان الجيل القديم يسمى بالجيل الذهبي يقصد المكاتب وشراء الصحف الورقية والمجلات بنهم الثقافية منها والعلمية التي تغذي فكره وتنعش ذاكرته وما زال محافظا عليها إلا القليل منهم الذي ركب الموجة في بحر لجي من التغيرات الغير مرغوب والمرحب بها أثرت على شخصيته وفكره وفقد الحس الثقافي تحت وطأة المؤثرات الفكرية والصحف والمواقع الإلكترونية حيث أصبحت بديلا عن الكتب والصحف الورقية كونها سهلة المنال وغير مكلفة وخصوصا من الشباب الذي ما زال متمسكا بالقراءة والثقافة وأصبح يبحث عن المعلومة الجاهزة ويعتمد على الصور بدلا من القراءة والصراع محتدم بين الجيل الذهبي القديم والجيل الجديد في فهم بعضهم البعض وعدم قدرة الجيل القديم بممارسة دوره في التربية وتمرير ما يحمله من قيم وأخلاق وما يحمله من فكر في التربية والعقلية لتنظيم وإدارة الحياة اليومية إلى أحفاده الذين يخوضون صراعا قويا شرسا مع الحداثة المغلفة بالخباثة والسوء والتدمير لشخصية الفرد التي أسست نظام الإزاحة الجيلية وأحدثت شرخا كبيرا بينهما في الفهم والتطبيق للحياة الجديدة وأحدثت جيلا متخلفا عقليا ونفسيا وأخلاقيا وعقائديا يقابله جيل قديم يحاول رفع مستوى الجيل الجديد إليه بعقليته وفكره لكن الفشل كان حاضرا وسائدا كون المعادلة غير متكافئة بين قطبي الصراع بل أصبح الجيل القديم يتأثر شيئا فشيء بالمتغيرات الجديدة وبمواقع التواصل الاجتماعي مما جعل الجيل القديم يخوض الصراع وحده ليعيش تحت بند قانون (لا أمر لمن لا يُطاع) وتحت ذريعة مقولة مفادها (لا تربوا أبنائكم على ما تربيتم عليه كون زمانهم غير زمانكم) لهذا بقي الآباء والأجداد يعانون صعوبة في التربية على القيم والمبادئ والأخلاق والدين وعدم تقبل أفكارهم كون التأثيرات الجانبية من التحولات الاجتماعية والمفاهيم والأفكار الجديدة التي استوطنت في عقول وشخصية وتصرفات الجيل الجديد تقع تحت بند الثقافة المصطنعة التي لا تلاءم مفاهيم مجتمعنا الشرقي الإسلامي وديننا وعقيدتنا لهذا لزاما علينا نحن كجيل قديم وأجداد أن نستسلم للأمر والواقع المفروض علينا ونحاكي الكثير من العقول والأفكار الجيل الجديد وحسب متطلبات التغيرات وتأثير الواقع بقدر المستطاع ومسك العصا من الوسط من غير أن ينفلت الجيل الجديد من بين أيدينا ونحاول أن ننزل إلى مفهوم وعقل أبنائنا ونطبق ما نريده بطريقة بسيطة وبحسب أدوات معرفية جديدة من خلال تطبيق برامج منهجية تعدها وسائل بحثية ودراسات حديثة لمعرفة شخصية الطفل والشاب برؤى وتربية حديثة حتى لو كانت بعيدة عن ثقافتنا العربية والأخذ بأحسنها وتجنب الباقي الذي يمس شخصيتنا العربية والإسلامية لتحصين الباقين والحفاظ على نشأت الأطفال والحفاظ على فطرتهم النقية.

***

ضياء محسن الاسدي

في المثقف اليوم