أقلام حرة

أقلام حرة

العراق بلد الحضارات السامقات الرائدات الأصيلات، تتوطن أجياله موروثات لا تستغني عنها البشرية، لما ستورقه من صيرورات واعدة بالمتواكب الجديد.

العراقيون قادة العقول!!

العراقيون أفذاذ عطاء بديع سبّاقٍ وديع!!

العراقيون أوجدوا أبجديات الحضارة، وأطلقوا للقلم حرية التعبير عن الأفكار وتدوينها، فالكتابة مخترع عراقي، ولولاها لما توارثت الأجيال المعارف والعلوم.

العراقيون حضاريون، وهم الذين أسسوا الدول وشرّعوا القوانين، وإبتكروا أنظمة الري، وفي ديارهم تعلمت البشرية الزراعة وتدجين الحيوانات وتوظيف النار.

العراقيون مساهماتهم لا تُحصى ولا تعد، ولهم شرف إبتداء الخطوات، ومنطلق التطورات.

العراقيون المعاصرون، رغم الشدائد والمكائد والتوحشات العدوانية المتوالية، هم نبراس متوهج بالأفكار والطاقات التنويرية الفياضة بإرادة صناعة الحياة الأرقى والأجمل.

شعراء متميزون، كتاب رائعون، علماء يبهرون، وقوة إنطلاق نحو مستقبل أبهى لا تعرف التواني والحدود.

العراقيون قادة مجد المنطقة بدولها ومجتمعاتها، وبدونهم يتآكل وجود ما حولهم، وتتوطن ديارهم الأغراب.

العراقيون فخر الإنسانية وصوت الإرادة الحضارية الواعدة بالأثيل.

فلا تتوهموا غير ذلك، وتحسبوا العراقيين دون مجدهم وتأريخهم وصوتهم الداعي للحرية والكرامة والعزة والعمل الدؤوب، لتشييد معالم ما فيهم من الرؤى الخلابة التطلعات.

تحية لكل عراقي، ولنحتضن العراق سويةً، فبالعراق نكون وبدونه نهون!!

عراقي أنا يا عراق الشهب...!!

وإن العراق ساطع منير، والعراقي منطلق إلى العلياء بعد حين!!

وما تقدم جوهر حال، لا أوهام مُحال!!

***

د. صادق السامرائي

 

الكثير جداً من الادعاء والجرأة على تصدر المشهد في كل شيء، وكثير من الضحك على المواطن البسيط، مع قليل جداً من احترام عقول الناس، مع إساءة واضحة للنسيج الاجتماعي، وإصرار على إعلاء شأن الطائفية، يضاف لها مفردات عن الإصلاح والمواطنة والفساد والدستور والقانون الذي صار حديث بعض النواب .

منذ ايام خرج علينا النائب رائد المالكي صاحب مقترح تهديل قانون الاحوال الشخصية حيث ظهر في الفضائيات متباكياً على الدين ومطالباً بإقرار التعديلات ، هذا النائب كشف لنا عن وجه آخر حين تقدم قبل ايام بطعن إلى القضاء على قرار سابق يمنع منح العجلات للبرلماني، النائب رائد المالكي صاحب مشاريع إعادة العراقيين إلى جادة الهداية ونشر الفضيلة في بلاد الرافدين ، يريد الحصول على امتيازات جديدة لانه شرع قوانين تنهض بالعراق اقتصاديا وتنمويا .

لست في وارد الحديث عن ما قدمه السيد النائب رائد المالكي لأبناء محافظته ميسان أو ما هي الخدمات التي قدمها للعراق ، لكنني تعجبت وانا اجد نائب " الفضيلة والشرع " يطالب بإجراء تعديلات على قانون مجلس النواب من اجل مزيدا من الرواتب والامتيازات ، في الوقت الذي يشغل الناس بقوانين قرقوشية التي يريد فرضها على الشعب العراقي.

وستندهش عزيزي القارئ عندما تعرف أن النائب الآخر الذي يصر على " بحبحة " الامتيازات هو النائب محمد الزيادي الذي خرج علينا في الجلسة الأولى للبرلمان وهو يرتدي ملابس ممزقة قال حينها إنها تضامن مع فقراء محافظته المثنى .. وبعد سنوات من جلوس الزيادي على كرسي البرلمان ، ترك الملابس الممزقة وركب " التاهو " فيما لا تزال محافظة المثنى تحتل المرتبة الأولى في الفقر حسب إحصائيات وزارة التخطيط .. من المثير أن النائب رائد المالكي وهو يتحدث عن الحق والعدالة نجده بغفلة من الناس يقدم طلباً بضرورة منح السادة النواب سيارات حديثة أسوة بأبناء الشعب العراقي الذين يتمتعون بخيرات التنمية والصناعة والزراعة التي ازدهرت أثناء جلوس النائب رائد المالكي على كرسي البرلمان .

كم سنحتمل من استعراضات أمثال هؤلاء النواب الذين يريدون منا أن نتربى في مزارعهم، وأن نرفع شعار السمع والطاعة؟ كم مرة سنتحمل سياسياً متقاعداً يريد منا أن نلغي كل إمكانية التفكير والبحث، من خلال استدرار عواطف البسطاء واستغفالهم؟!.

يريد السيد رائد المالكي أن يخبرنا أنه لا ضير في الحصول على الامتيازات ، فالسياسة مثلما يفهمونها تعني اللعب على أكثر من حبل.

كلما تحدث سياسي عراقي أتذكر حكاية سنغافورة ومعجزة لي كوان. وكلما تذكرت مئات المليارات التي نهبت في مشاريع وهمية ، أردد مع نفسي، ما كان أغنانا عن ظاهرة " نواب الفضائيات "

***

علي حسين

 

مثال تطبيقي لنظرية التفاعل والتغالب

ليس صحيحا، أو ليس صحيحا دائما أو تماما أن المنتصر أو القوي أو الأقوى أو الغالب هو الذي يكتب التاريخ! وأن ما نعرفه كحقائق تاريخية غالبًا ما يعكس تحيزات ورغبات المنتصر، كما يقول إدوارد سعيد. أو أن التاريخ هو فن الكذب المشترك بين المنتصرين، كما يقول غوته!. لكن الإنسان كائن معمم خالط يميل إلى التعميم والخلط !

إستنادا إلى نظرية أو مبدأ التفاعل والتغالب الذي هو شكل من أشكال التفاعل كما هو واضح، الذي مضمونه العام أو المجمل هو أن الفواعل تتفاعل فيما بينها تآزرا أو تضاربا، حسب الحالات، ليستقر التفاعل ويتزن على  حالة وسط أو منحاز إلى الطرف الغالب!

فإن كل طرف (فاعل، ملائم) يمكنه أن يكتب التاريخ، بالشكل المستطاع والملائم له أو لجماعته أو للجهة التي يريد إقناعها أو التأثير فيها أو خدمتها! سواء كان قويا أو ضعيفا، غالبا أو مغلوبا!

وإن كان يظهر على السطح سطح الواقع أن الطرف الغالب أو المنتصر ظاهرا هو الذي يكتبه!

لكن هذا لا يمثل الحقيقة عند التحقيق!

ربما تتمثل الفواعل الملائمة مثلا في باحثين أو مؤرخين مستقلين يتناولون التاريخ بشكل مخالف لطريقة المنتصرين المقصودين! يكشفون جوانب مختلفة من التاريخ، ويحققون في وثائق ونصوص وروايات وينيرون زوايا مظلمة!

كذلك قد تتمثل في التغييرات الإجتماعية والسياسية والواقعية التي تؤدي إلى تغير الروايات والتفسيرات وتقييم الأحداث والأشخاص والحالات والمواقف.

وكما أن التاريخ هو نتيجة للتفاعل والتغالب، كذلك هو وسيلة وأداة فعالة لهذا التفاعل والتغالب! أو هو فاعل ومنفعل حسب الحالات!

فالتاريخ ليس بالضرورة ما حدث؛ بل هو ما يُكتب عما حدث!

أو هو صورة الأحداث التي يتفق الناس المقصودون عليها! حيث أن هذه الصورة قد تقتل حقائق معينة أو تغيبها!

أو أنه ظل الأفكار والإعتقادات التي يعتنقها من كتبوه أو أشرفوا على كتابته!

وكثيرون شاركوا في صناعة الأحداث، لكن لم يشاركوا في صناعة التاريخ بسبب هذا التغالب ونتيجته!

ولأن التاريخ عدو كبير وفعال للسلطة المختلفة المعادية للسلطة المقابلة، لذلك تعمد كل سلطة إلى ترويض التاريخ ليصير أداة ملائمة ونافعة لها!

كل ذلك وفقا لمبدأ التفاعل والتغالب! حتى أن من يعرفون الحقيقة أو الحقائق يبقون صامتين مقموعين!

والتاريخ هو الذاكرة التي تريد السلطة إبقاءها ناشطة وخادمة! في معركة التفاعل والتغالب متعددة الأشكال والموضوعات والجبهات!

إذن، كل طرف باعتباره فاعلا واقعيا، يمكن أن يكتب التاريخ حسب قدرته ورغبته وهدفه! وليس المنتصر والقوي فحسب!. حيث، وكما هو المبدأ الواقعي:

أن كل فاعل يتفاعل مع غيره تآزرا أو تضاربا، حسب الحالات، ليستقر التفاعل ويتزن على  حالة وسط أو منحاز إلى الطرف الغالب!

ملاحظة: تجدر الإشارة إلى أن موضوع من يكتب التاريخ، هو مجرد مثال لتوضيح مبدأ أو نظرية التغالب الذي هو فرع عن مبدأ التفاعل العام! وليس هو الغاية الأساسية للمقال!

***

جميل شيخو - العراق

 

إلى سليلة الشّهداء... إلى صاحبة الهيْبة الحقيقية...

إلى مَن نظرتْ إلى السّماء؛ واشتكتْ إلى الله... لا إله إلا هو سُبْحانه... إلى مَنْ هزّتْ دموعُها قلوبَ الجزائريين في كل بقاع العالَم...فاستنفروا للدفاع عنها وعاشوا مِحْنتَها بكل جوارِحِهِم؛ حتى جاء النّصْر البهيج....

إلى جوهرة الجزائر؛ "إيمان خليف"... كلُّ التّهاني والتّقدير

إلى صاحبة الضِّحْكة البريئة والملامح الطموحة، إلى الجميلة "إيمان"؛ أهدي هذه الكلمات:

نحن أهل الحُبّ والخير والنخوة، لا نعرف الكراهية... الثقة في الذّات؛ كانت وما تزالُ من عوامل النّجاح في كلِّ مسارات الحياة.. الحروبُ أنواع... ونحن عِشْنا كلّ الأنواع؛ قاومْنا بِعزْمٍ وصلابة فؤاد؛ وحَرِيٌّ بنا؛ استحْضارُ شعر المتنبّي في هذا المقام:

رماني الدّهْرُ بالأرْزاء حتّى

  فؤادي في غِشاءٍ مِنْ نِبالِ

*

فصِرْتُ إذا أصابتْني سِهامٌ

  تكسّرتِ النِّصالُ على النِّصالِ

*

وهَانَ.. فما أُبالي بالرّزايا

  لأنّي ما انْتَفَعْتُ بِأنْ أُبالي

وأنتِ؛ بُنَيّتي؛ "إيمان" خُضْتِ اليوم حرْباً ضروساً ضدّ العُنْصُرية المَقيتة، خُضْتِ حرْباً في وجه المُتكالبين على مقامات الإنسانية الرفيعة، خُضْتِ حرباً ضدّ ظلْمٍ منْ نوعٍ جديد... وكما الحروب أشكال وألوان؛ فكذلك العداوات.... وأنتِ كسرْت كل هذه الألوان؛ وسَموْتِ فوق كل الأحْقاد،  تعاليْتِ فوْق كلِّ النّزَعَات ، وحلّقْتِ في سماء المجد والبطولة؛ مِثْلَما حلّقتِ النّساء الجزائريات في ميادين الكفاح وهنّ يخُضْنَ الحروب ضدّ الهمجية الاستعمارية؛ فشقَقْنَ طريقهنّ بقهْر المُعْتَدين.. مع اخْتلافٍ في السّبُل وتوْحيد في الغايات...

لا يفوتني في هذه الوقفة؛ أن أُشيد بالبطل الجزائري: "جمال سجاتي" .. الذي أُسْتُهْدِفَ هو الآخر بالحملات المسعورة... فالهجمات أصبحتْ تطالُ النّاجِحين، لا لشيء؛ إلا لأنّ العقول الجوفاء؛ يَعْسُرُ عليْها التحليق في السماء...

***

شميسة غربي /سيدي بلعباس/الجزائر

الكثيرون من أعلام الأمة منشغلون أو موسوسون بمسألة تعريب المصطلحات الأجنبية، وهو جهد طيب، لكىه في أحيان كثيرة كترجمة الشعر إلى غير لغته.

فما هي الفائدة من ترجمة المصطلح الأجنبي إلى العربية؟

من الأفضل أن نستبدل كلمة تعريب المصطلحات، بشرح المصطلحات، ولغتنا العربية بأبجديتها وأصواتها  تستوعب أي مصطلح وتكتبه بأحرفها، وعلينا أن نشرح معناه بالعربية.

النسبة العظمى من المصطلحات الأجنبية يمكن كتابتها بالعربية، فلماذا نضيّع جهدنا بتعريبها، أي البحث عن إسم يناسبها بالعربية.

خذ على سبيل المثال "فيس بوك"، إنترنيت"، أمزون"، يكون كتابتها بالعربية أفصل من تعريبها، ومنها يمكن الإنتقال إلى مصطلحات في ميادين المعرفة الأخرى، التي علينا أن نكتبها بالعربية بدلا من تعريبها.

فالمصطلحات الأجنبية بعضها يمكن توطينه في اللغة وبعضها يتحقق شرحه بذات اللغة، ومن الإعتداء على أي لغة توهمنا بأنها تستطيع توطين جميع المصطلحات بأبجدياتها، أي أن تخترع إسما لها.

ومثل آخر مرض "الشيزوفرينيا" يمكن كتابته بالعربية بدقة ووضوح، ما الفائدة من تسميته بمرض "الفصام"، هل أضفنا معلومة جديدة، هل يفهم القارئ بالعربية معنى الفصام، من الأفضل أن نشرح معنى الكلمة بلغة عربية واضحة لكي يفهمها الناس، لا أن نقول "فصام" وإنتهى الأمر، لأن السؤال الذي يبحث عن جواب سيبقى ما هو الفصام؟!

وقس على ذلك الكثير من المصطلحات التي نرهق أنفسنا بالبحث عن إسم عربي لها بلغتنا، ونغفل دلالاتها وضرورة تعريفها وتوضيح معناها.

الفوبيا : الخوف

وربما يمكن إحتضان كلمة فوبيا، وجعلها مما يشير للخوف فنقول (فاب، يفوب، يفوبون) أي (خاف، يخاف، يخافون).

ما تقدم يبدو غير مقبول لدى الكثيرين، لكن الواقع المعرفي المعاصر يدعونا للتفاعل الموضوعي مع المستجدات ودفق المعلومات الهادر.

***

د. صادق السامرائي

 

رددت مع نفسي وأنا أتابع بعض الصفحات الممولة التي تسخر من المرأة وتتعمد الإساءة لها وتنشر أكاذيب مفبركة : "إذا بليتم فاستتروا"، لأن شر البلية ما يضحك، وشر السياسة السذاجة. . وأنا أتابع الحملة الممولة، تذكرت العراقية صبيحة الشيخ داود التي طافت البلاد العربية داعية إلى تأسيس اتحاد المرأة وتفعيل دورها ونشاطها في إنشاء المنظمات والجمعيات. وبعدها أقامت في بيتها مجلساً ثقافياً كان من أبرز رواده روفائيل بطي وجعفر الخليلي، بعد ما يقارب النصف قرن على رحيل صبيحة الشيخ داود خرج علينا عدد من الشيوخ ومعهم رجال دين يصرخون بصوت " إحنا ما عدنا نسوان تطلع مظاهرات " .

انظر الى وجوه الرجال الذين يقودون الحملة الظالمة ضد النساء، واتذكر الوجوه المشرقة في تاريخ العراق التي وقفت الى جانب حقوق المراة، محمد رضا الشبيبي، جعفر العسكري، جميل صدقي الزهاوي، جعفر ابو التمن، حسين الرحال، مصطفى علي، ومئات غيرهم

ربما يقول البعض يا رجل تحتل المرأة في العراق منذ سنوات ربع مقاعد البرلمان، لكن ياسادة للأسف تتشكل الحكومات وتنحل من دون أن ينتبه أحد إلى أن المرأة يجب أن تكون ممثلة فيها. والمؤسف أنه عندما أعطيت حقها البرلماني، طلب منها الساسة أن تظل مجرد رقم على الهامش، وعندما وقفت مجموعة من النائبات ضد تعديل قانون الأحوال الشخصية خرج من يتهمهن بالعمالة للأمريكان وبأنهن ينفذن أجندات خارجية .

في هذه البلاد العجيبة كانت أول امرأة تتولى منصباً وزارياً في بلاد العرب عنوانها العراقية نزيهة الدليمي التي ظلت تملك حلماً كبيراً لصياغة صورة لعراق جديد شعاره المستقبل وغايته إسعاد الناس وبثّ الأمل في نفوسهم، لأننا بحاجة إلى أن نتذكر المرأة العراقية التي هي البطل الحقيقي في حياتنا، والتي أرشحها بضمير مستريح لأن تتولى أعلى المناصب .

من المؤسف ان الاخبارالواردة من بلاد الرافدين تخبرنا على لسان الأمين العام للأمم المتحدة أن نسبة العنف المنزلي ضد النساء في العراق ارتفعت خمسة أضعاف، والبرلمان يماطل في إقرار قانون العنف ضد المرأة، فالقانون حسب ما أخبرنا بعض النواب يريد أن يخرب مجتماعتنا المسلمة.. ولم يتجرأ احد منهم ويخبرنا : مَن الذي يقف وراء خراب المجتمع وضياع مستقبل أبنائه؟ ربما سيجد في الجواب حلاً لعقدته من النساء.

لعل السؤال الأهم لمن يتابع الوضع في العراق هو: هل ما جري في مدينة النجف ضد النساء المتظاهرات، مقطوع الصلة بما جرى ويجري من خراب، وأن سلوكيات البعض ليست بعيدة عن نظام دولة المحاصصة الطائفية، ووثيق الصلة أيضاً بحرائق التعصب والانغلاق التي تنتشر اليوم في أكثر من مكان .

***

علي حسين

 

الهزء: مصدر هزأ وهزئ، يعني السخرية والإستخفاف والتهكم

العديد من الذين حسبناهم رموزا ثقافية وأعلاما معرفية، يتخندقون في فترات إبتدائهم، ويحسبون أنفسهم من الجيل الفلاني والعلاني، ويمتازون بأنانية ونرجسية فاقعة، وما يقدمونه للأجيال المعاصرة، يتصف بالإستخفاف والسخرية وتقليل القيمة، ونعتهم بأقبح الأوصاف، ويحسبون أنفسهم في مقامات علوية، ومَن جاء بعدهم في أسفل سافلين.

هذه ظاهرة متوطنة في بلادنا التي ما وجدنا فيها مَن شد على أيادي الواعدين وسار بهم في طريق صاعد مبين، بل يستخفون وينتقصون، ويرون بذلك يحافظون على وجودهم وتصومعهم المنيف، وهم  في تجاهلهم وغيهم يعمهون.

هل وجدتم مَن إستطاع أن يستثمر الطاقات الشبابية الواعدة؟

هل قرأتم نقدا بناءً يعين على التطور والبناء؟

رموز الثقافة والمعارف بأنواعها في مجتمعات الجوار القريبة والبعيدة، تقوم بدورها الوطني المساهم في التعبير عن تكاتف الأجيال وتفاعلها الإيجابي، الداعم للقوة والقدرة على المعاصرة والإنطلاق في رحاب العالم الفسيح.

وعندنا التهافت على النيل من بعضنا على أشده، والتحبيط والتثبيط ما يجيده الرعيل الذي عليه أن يكون قائدا وقدوة، وذخرا للأجيال الصاعدة، لا أن يعوّقها ويشيّد العثرات والمصدات أمامها.

من المحزن أن يطرح الرعيل المعرفي في مجتمعنا نفسه، على أنه ضد مَن لا يتفق ورؤاه المعتقة في بودقة زمانه الغابر، وكأنه لا يرى بأن الأرض تدور، والتغيير قانون حتمي، ولابد من التجدد والتفاعل الإيجابي مع الطاقات الوافدة إلى مسرح الحياة.

وبموجب عاهة الهزء الصريح، فالواقع الثقافي سيتأسن، ولن يتعافي من آفات التداعيات والإنحدارات الإنكسارية الشنعاء.

فهل لدينا قدوات ثقافية ذات قيمة حضارية؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في خضم التحولات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم، يبرز دور المبرمجين كمحرك أساسي للتطور والابتكار. وفي العراق، بلد يسعى جاهداً للحاق بركب الثورة الرقمية، تلوح في الأفق بارقة أمل مع القراءة الثانية لإقرار قانون نقابة المبرمجين العراقيين في البرلمان وجهود رئاسته وبعض السادة النواب الذين كان لهم بصمة واضحة في تلك القراءة والأخذ بأدي الفريق التأسيسي لنقابة المبرمجين العراقيين الذي دأب منذ اكثر من خمس سنوات على العمل لتأسيس نقابة تليق بالمبرمج العراقي سيما وان الحكومة العراقية ماضية بمشروع التحول الرقمي الذي يلعب المبرمج دوراً محورياً واصيلاً فيه. هذه الخطوة، التي طال انتظارها، تحمل في طياتها وعوداً بمستقبل أكثر إشراقاً للقطاع التكنولوجي في البلاد.

لماذا نحتاج إلى نقابة للمبرمجين؟

تعد نقابة المبرمجين أكثر من مجرد كيان تنظيمي؛ إنها ضرورة ملحة في عصر أصبحت فيه البرمجة لغة العصر. وتكمن أهميتها في عدة جوانب:

1. حماية الحقوق المهنية:

ستوفر النقابة إطاراً قانونياً يحمي حقوق المبرمجين، ويضمن ظروف عمل عادلة في سوق متقلب. ستتصدى لقضايا مثل ساعات العمل الطويلة والعقود غير المستقرة، مما يخلق بيئة عمل أكثر استقراراً وإنتاجية.

2. رفع المعايير المهنية:

من خلال وضع معايير صارمة لممارسة المهنة وتطوير مدونات أخلاقية، ستساهم النقابة في رفع جودة الخدمات البرمجية في العراق. هذا بدوره سيعزز سمعة المبرمجين العراقيين محلياً وعالمياً.

3. منصة للتعاون وتبادل المعرفة:

ستشكل النقابة فضاءً حيوياً لتبادل الخبرات والمعارف بين المبرمجين. هذا التفاعل سيكون حاسماً في مواكبة التطورات السريعة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.

4. صوت مؤثر في صنع السياسات:

ستمثل النقابة المبرمجين في المحافل الوطنية، مما يضمن مشاركتهم الفعالة في صياغة السياسات التكنولوجية للبلاد. هذا سيؤدي إلى قرارات أكثر دراية وفعالية في مجال التحول الرقمي.

5. الحد من هجرة الكفاءات:

من خلال توفير بيئة عمل محفزة وفرص للتطور المهني، ستساهم النقابة في الحد من هجرة العقول البرمجية، محافظة بذلك على الكفاءات الوطنية.

إن النجاح في تجاوز التحديات التي لاشك ستواجه اي عمل وليس فقط مشروع النقابة سيفتح آفاقاً واسعة أمام القطاع التكنولوجي العراقي حيث يمكن للنقابة أن تلعب دوراً محورياً في:

- تعزيز ريادة الأعمال في مجال التكنولوجيا.

- جذب الاستثمارات الأجنبية في القطاع الرقمي.

- تطوير برامج تدريبية متقدمة لسد الفجوة بين التعليم الأكاديمي واحتياجات سوق العمل.

إن تأسيس نقابة للمبرمجين العراقيين ليس ترفاً، بل ضرورة ملحة لبناء مستقبل رقمي قوي للعراق. مع تقدم عملية إقرار القانون في البرلمان، يتطلع المجتمع التكنولوجي العراقي بتفاؤل حذر إلى المستقبل. إن نجاح هذه المبادرة سيكون علامة فارقة في مسيرة التحول الرقمي للبلاد، واعداً بعصر جديد من الابتكار والتقدم التكنولوجي.​​​​​​​​​​​​​​​​

***

ايهاب عنان

باحث في مجال الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني

لكل مخلوق رأس يتدبر شؤون حياته ويقوده في مسيرة التفاعل مع نفسه ومحيطه، وهو البوصلة التي تحسم نوعية وإتجاه السلوك وتقرر آليات التفاعل مع التحديات المناهضة لبقائه.

والكثير من المخلوقات خلعت رأسها أو إنخلع عنها رأسها لأسباب وتداخلات جراحية نفسية متنوعة، والذي يفقد رأسه يعرّض وجوده للهلاك.

والبشر مؤهل لأن ينخلع عنه رأسه، وخلع الرؤوس لا يتحقق بالسكين والسيف فقط، وإنما هناك آلة أخطر منهما جميعا، إنها آلة البتر النفسي، فالآلات النفسية الحادة المسلطة على رقاب الناس أشد فتكا من السيوف والسكاكين، ذلك أنها ذات قدرة على خلع الرؤوس بالجملة، وتحويل البشر إلى أبدان متحركة أو روبوتات تؤدي ما يمليه عليها الرأس البديل، أو المعوِّض للرأس المقطوع نفسيا وإدراكيا عن بدنه أو جسمه وشخصه.

والبتر النفسي للرؤوس حالة قائمة ومعروفة منذ الأزل، وللتضليل والتوهيم دور كبير في هذا الشأن، حيث يتم إفراغ الرؤوس من محتوياتها وآلياتها، وحشوها بغيرها من المفردات والأساليب التفاعلية ذات القدرات العاطفية العالية، والتي تنفجر بقدرات بركانية هائلة أمام ما لا يتفق ومناهج رؤيتها المحشوة فيها، فتساهم في تأسيس آليات التخاطب بالوعيد، وتسعى لبناء ميادين سفك روح الوجود وخنق صوت النجود.

وتلعب العقائد والمدارس الدينية دورها في قطف الرؤوس وتجميعها في سلال المهملات الخسرانية، ودحرجتها على سفوح الإهلاك والتنكيل بالمعاني الإنسانية والقيم الحياتية، والأعراف اللازمة للحفاظ على القوة والعز ة والكرامة في أي مجتمع.

وللدين دوره الفتاك في قطع الرؤوس وإستبدالها بخيارات مناهضة للحياة، ذلك أن للدين سلطة هائلة كامنة في الأعماق، و أول قوة أذعن لها  البشروسخرها الأقوياء لإمتلاكه.

فمنذ أولى الحضارات ما بين نهرين أو على ضفاف نهر وأنهار، والبشر يحكم البشر بواسطة الإرادة الدينية والإلهية، ولهذا كانت المعابد الأبرز والأضخم في عماراتها في جميع العصور، ولا تزال سلطتها قائمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وفاعلة في الحياة ومقررة لمسير التداعيات المتفاقمة.

ذلك أن الأديان يمكنها أن تُسخِّر للقيام بأي شيئ، فهي القادرة على تسويغ الخير والشر وقلب الموازين والمفاهيم، وإستبدال الرؤوس بسرعة خاطفة.

وعندما يحضر الدين والعمل المنفعل المقترن به، فأن التأثير الإستبدالي للرؤوس يكون على أشده وفي أفظع حالاته ومراراته، وقد مرت البشرية بمواسم ونوبات إستبدال رؤوسها برأس واحد يهيمن على مصيرها ويلقمها الويلات، ويغرقها بأغادير النجيع وعواصف الآهات.

ولكي تواجه البشرية هذا الإستبدال القمعي للرؤوس عليها أن تنمي إرادة المعرفة وتفعّل العقل، وتربي الأجيال وفقا للمبادئ الوطنية الرحيمة الجامعة، المعتصمة بقيم صالحة واحدة لا يحق للبشر تجاوزها، وتضع خطوطا حمراء مصيرية، وتضرب بيد من حديد على رأس مَن يحاول أن يتجاوزها.

أي أن الأمم والشعوب لا تكون قوية وعزيزة من غير ثوابت صالحة لبقائها ونمائها، تتفق عليها وتقضي على من يتحداها ويتجاوزها.

تلك حقيقة خفية متحققة في واقع بشري متصاخب!!

***

د. صادق السامرائي

 

من المؤسف والمثير للانزعاج أن يجد الوطني واليساري والديموقراطي العراقي نفسه في الموقع ذاته الذي تكدس فيه "نشطاء وناشطات" المجتمع المدني مدفوعو الأجر وحاشية المتصهين فخري كريم وأصدقاء السفارات الأجنبية بصدد رفض تعديل قانون الأحوال الشخصية المعروف شعبيا باسم "قانون تزويج القاصرات". يكفي هؤلاء عاراً أنهم طالما دافعوا عن الاحتلال الأميركي وسموه "تحرير العراق" أو "عهد التغيير" وهو أصل البلاء والمدافع حتى الآن حكم هؤلاء الذين يريدون سنَّ هذا القانون...إذن؛ يبقى الحق هو الحق فالناس تُعرف بالحق والحق لا يعرف بالناس الذين يزعمون تبنيه، وهكذا سنطبق مقولة "اعرف الحق تعرف أهله" وندافع عن بناتنا ونسائنا بوجه هذا التعديل القانوني الرجعي الطائفي!

وعلى هذا أقول؛ إن بعض المعممين والساسة يكذبون بفظاظة حين يزعمون أن تسمية تعديل قانون الأحوال الشخصية بقانون "تزويج القاصرات" هو كذب وتشنيع وجهل بالقانون وغباء وانحطاط أخلاقي من قبل الرافضين له والمدافعين عن الطفولة والبراءة لأنهم لم يقرأوه. وإنَّ من حق النساء جميعا والرجال الشرفاء أن يقفوا بوجه هذه القلة من الرجعيين والمرضى بالهوس الجنسي "البيدوفيلي" الذي يعتبر مرضا خطرا وممارسة تعاقب عليها القوانين المعاصرة في الدول التي تحترم براءة الطفولة مثلما تعاقب على بيع وشراء الرقيق والجواري الممنوع في عصرنا.

الحقيقة هي أن المنادين بالقانون قاموا بحيلة مكشوفة حين جعلوا تحديد سن زواج الأنثى بتسع سنين هلالية "قمرية" مذكوراً ضمناً في الفقرة ث من المادة الثالثة المعدلة والتي تنص على (تقسم مدونة الأحوال الشخصية إلى بابين: الأول ينظم أحكام المسائل الشخصية طبقا للفقه الجعفري، والآخر طبقا للفقه السني ويعتمد في وضعها على رأي المشهور عند فقهاء كل مذهب في العراق. وفي حال تعذر تحديد المشهور يعتمد المجلس العلمي رأي المرجع الديني الذي يرجع إليه في التقليد أكثر الشيعة في العراق من فقهاء النجف الأشرف وفي حال تعذر تحديد المشهور في الفقه السني فيؤخذ برأي المجلس العلمي والإفتائي).

والمعنى هنا واضح جدا وهو أن تحديد سن الزوجة سيكون وفق الرأي المشهور عند الفقهاء، وفي حال تعذر تحديد المشهور يؤخذ برأي المرجع الشيعي الأكثر تقليدا "اقتداءً" من قبل الجمهور، وبما أن المرجع الأكثر تقليدا أي المرجع السيستاني أفتى بأن سن الزواج هو "تسع سنين هلاليّة، وهو يعادل ثماني سنين ميلادية وثمانية أشهر وعشرين يوماً تقريباً" فإن من السليم والصحيح تسمية هذا القانون بقانون تزويج القاصرات منذ الآن وقبل أن يُصْدِرَ أصحاب القانون مدونتهم الفقهية للأحوال الشخصية" وإن أولئك الذين شتموا مَن وصفوها بهذا الوصف بأقذع الألفاظ هم كذابون ومنافقون وبيدوفيليون صرحاء يدعون إلى تزويج القاصرات!

من ناحية أخرى أشار تقرير إخباري نشرته "العالم الجديد في عددها ليوم 8 من شهر آب الجاري إلى أن صفقة قد تمت بهدف تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية وقالت الصحيفة المذكورة: "تمكن مجلس النواب يوم 5/8/2024 من القراءة الأولى لتعديل قانون العفو العام وسط مخاوف من شموله المدانين بتهم الإرهاب والانتماء الى داعش. كانت هذه النقطة تثير مخاوف الأطراف الشيعية من القانون تحديداً، ولكن كيف قبلت به وماذا حدث؟ بحسب صحيفة المدى وبناءً على مصادرها الخاصة، فإن الإطار التنسيقي الشيعي “اشترط مناقشة قانون العفو العام مقابل تعديل قانون الأحوال الشخصية” حيث تلجأ القوى السياسية غالباً الى مساومة بعضها لتمرير القوانين الخلافية في سلة واحدة. وهذا ما حدث بالنسبة لقراءة قانوني العفو العام والأحوال الشخصية بناءً على معلومات الصحيفة. وبذلك أنهى مجلس النواب في اليوم ذاته، القراءة الأولى لمقترح تعديل الأحوال الشخصية".

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

.....................

* رابط يحيل الى فتوى المرجع السيستاني حول سن البلوغ ونصها:

"السؤال: ما هي علامات البلوغ عند الذكر والأنثى؟

الجواب: ١ـ علامة البلوغ في الأنثى إكمال تسع سنين هلاليّة، وهو يعادل ثمان سنين ميلادية وثمانية أشهر وعشرون يوماً تقريباً".

* رابط صفحة المرجع السيستاني وهو ينفتح بالنقر عليه وإلا فبنسخة ونقله الى خانة البحث ثم النقر عليه:

https://www.sistani.org/arabic/qa/0363/

البشر تتنازع فيه قوتا النفس والعقل، ولكل منهما سيادته في ميادينه التي يتمكن فيها ويهيمن، ويمكنهما أن ينفصلا ويستكينا في مواضعهما، وقد يتشابكا ويتصارعا ويمتلك بعضهما البعض فيستعبده ويذله.

فهناك بشر النفس تذل عقله وآخر يحصل فيه العكس، وآخر تتوازن فيه القوتان، ويمكن أن تكون العلاقة بأشكال وديناميكيات لا تحصى ولا تُعد.

وكلما إنشغل العقل بما يرضيه ويجذبه ويطلقه، كلما إزداد تحررا من قوة النفس، والعكس صحيح أيضا.

ومن الواضح أن المعتقدات والإنتماءات تستند على آليات نفسية، وتترسخ وتتوطن وتتعمق فيكون العقل بعيدا عنها، ولهذا لا يمكن المحاججة العقلية في أي معتقد، لأنه إرتباط نفسي مشحون بالعواطف والإنفعالات الشديدة، فتجد ذوي المعتقدات يؤهلون أصحابهم للتأجج العاطفي الإنفعالي، الذي لا يسمح لقوة العقل أن تتحرك.

فالقول بأن الإنتماءات العقائدية بأنواعها عقلية نوع من البهتان والتضليل،  فلا تناقش صاحب أي معتقد بما يؤمن به، لأنه قد تمترس نفسيا في بودقة معتقده، وتخندق في ترس سميك فولاذي المواصفات.

وبعض المجتمعات تهيمن فيها القوة النفسية على القوة العقلية، لأن العقل غير مسخر لما خُلق له، وهو التفكير والتدبير والإبتكار والتقدير والمعرفة والتطوير، فالناس تعيش في فراغ ولا تجد أمامها مشاريع وتحديات تقنية وعلمية وإبتكارية تحث على إعمال العقل، كما أن التعليم فيها  جوهره تعطيل العقل وإلغاؤه، وتسويغ التبعية والإذعانية والقبول دون سؤال أو نقد وتمحيص، فالإنسان تابع وقابع ومرهون بإرادة غيره، ولا يمكنه أن يكون بعقل فاعل ومنير.

وفي هذه المجتمعات لا ينشغل العقل بالعلم، ويكون عبدا مطيعا للقوة النفسية الفاعلة في المجتمع، والقائدة لسلوكه على مختلف المستويات والتوجهات.

بينما في المجتمعات المتقدمة تكون القوة العقلية متصدرة وفاعلة في الواقع السلوكي، فتجد الناس منهمكة بإعمال عقولها وإطلاق ما فيها من الطاقات والقدرات، وتتسابق نحو الأقوى والأقدر من المبتكرات والإبداعات والإختراعات اللازمة لتطوير الحياة.

فتراهم يتوثبون نحو أهداف لا محدودة، وميادين ذات آفاق مطلقة تزيد الحياة جمالا وبهاءً، وقابلية على النماء والرقاء، فتنكمس القوة النفسية أو تنفصل عن القوة العقلية، وتبقى في مكامنها محكومة بما يتوجب عليها أن تقوم به وتؤكده في البشر الملتزم بإرادة عقله، والمنشغل بمعطياته المعززة لقيمته ودوره الإنساني المنير.

وعليه فلكي نبعد النفس، أو نقلل من دورها في تفاعلاتنا، علينا أن نشحذ عقولنا بما يشغلها ويبعدها عن التوحل بما لا ينفع الناس، وبهذا تكون المجتمعات المقتدرة المعطاء.

فأطلقوا قوتكم العقلية وأخمدوا قوة النفس السلبية!!

***

د. صادق السامرائي

 

تعد ظاهرة التسول واحدة من الظواهر السلبية في المجتمع والتي تعاني منها عدة دول ومن اسباب تفاقمها الأوضاع الاقتصادية السيئة والنزاعات والحروب وضعف النظام التعليمي هذا فيما يخص التسول المباشر وكثيرا" ما نشاهد النساء على قارعة الطريق واستغلال الأطفال لاستمرار عطف الناس وزيادة فرص الحصول على المال ومن بعض حالات التسول هو انتحال بعض العاهات المصطنعة من قبل طائفة مستعملين في ذلك المستحضرات الطبية التجميلية تمويهاً وخداعاً وعطف الناس والسؤال بإظهار الحاجة الملحة المصاحب بالبكاء أحياناً كأن يدّعي الشخص بأنه ابن سبيل منقطع نفد منه المال لظروف طارئة فيطلب العطاء .

اما ان يصل الحال الى ظاهرة التسول الإلكتروني والتي انتشرت بين الشباب كالنار في الهشيم تعد ظاهرة غريبة ومنافية للعادات والتقاليد الاجتماعية التي تربينا علينا منذ نعومة اظفارنا وليستعطفوا المدمنين على مواقع التواصل الإجتماعي بمتابعتهم والتي باتت كظاهرة غير حضارية لكسب ودهم من أجل زيادة عدد المتابعين والتباهي بهم لاسيما رواد البث المباشر والتي قد تدر عليهم الأموال واصبحت وسيلة سهلة للعيش في زمن التكنولوجيا والعولمة التي جعلت من الكرة الأرضية قرية صغيرة .

وفي الاونة الأخيرة وقع كثيرون ضحية عمليات نصب واحتيال بعد استجداء أشخاص بهم عبر مقاطع فيديو وصور لحالات إنسانية أو مرضى يعانون من أمراض مستعصية تتطلب أموالا ضخمة لمعالجتها ليتبين فيما بعد أن الأمر لم يكن إلا احتيالا وضحكا" على الذقون وبأساليب حضارية تتناسب والوضع الراهن .

وقد عاقب المشرع العراقي على جريمة التسول باعتبارها من الجرائم الاجتماعية في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل حيث نصت المادة 390/1 بان (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن شهر كل شخص أتم الثامنة عشرة من عمره وكان له مورد مشروع يتعيش منه او كان يستطيع بعمله الحصول على هذا المورد وجد متسولا في الطريق العام او في المحلات العامة أو دخل دون إذن منزلا أو محلا ملحقا لغرض التسول وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر اذا تصنع المتسول الإصابة بجرح أو عاهة أو الح في الاستجداء).

***

حسن شنكالي

مكدّر: إسم المفعول من كدّرَ: مختلط بأتربة وما شابه ذلك، وعكِر، ومحدث للقلق والحزن.

المقصود هنا المفكرون.

المكدّرون: المفكرون!!

فهل وجدتم مفكرا في الأمة فتح أبواب الأمل وأشاع في العقول والنفوس أنوار التفاؤل، والقدرة على بناء الحاضر والمستقبل؟

المفكرون ينغمسون في عوالم "لماذا" فيحللون ويؤوّلون، ويؤسسون لمشاريع هامدة، متوطنة صفحات الكتب، ومتوارية في رفوف ظلماء.

وكل منهم يدّعي أنه صاحب مشروع، وما نطق به هو عين الصواب، ويمثلون في سلوكهم التطرف والنرجسية والأنانية، ورفض التفاعل الإيجابي مع الآخر.

وبسبب سلوكياتهم السلبية، تحولت بلداننا إلى موجودات خاوية على عروشها، تستنجد بالأجنبي لحمايتها من بعضها، ولا تستطيع التثوير الذاتي وإطلاق قدرات أبناء الأمة.

سوف لن يقبل الكثيرون ما تقدم، لكنهم يعجزون عن الإتيان ببرهان يدحضه، ودليل يفحمه.

أعطونا مفكرا، أسهم في صناعة الإشراق الحضاري ولو كذبالة شمعة، ذات بصيص أمل بأن الضوء نور سيكتسح الظلام.

الأمة فيها المكدِّرون وتحسبهم مفكرين، وهم الذين يطعمون الأجيال بالغثيث، ويساهمون ببناء المصدات والحواجز في دروبهم، وينطلقون في مدارات الدوائر المفرغة، والمطبات التيئيسية، والإمعان في إكتشاف التسويغات اللازمة لتأمين منطلقات " ليس في الإمكان خير مما كان"!!

المفكرون العرب ذاتيون وعاجزون عن التفاعل مع مفردات الواقع وعناصره المؤثرة فيه، ويستنزلون الرؤى والتصورات من عوالم خيالية ويحاولون فرضها على الناس، وكأنهم يعيشون في أبراج عاجية ويتوهمون بأنهم يفكرون.

فما قيمة أفكار السراب، إنها كنعيق غراب!!

***

د. صادق السامرائي

 

العادات والتقاليد الشعبية موروث تاريخي ومعاصر وهي نمط من السلوك ظلت تنتقل بسلاسة من جيل الى جيل دونما الزام من سلطة معينةن ولشدة تأثيرها على الحياة الاجتماعية فأنها قد حظيت بالاهتمام وصارت موضوعا للدراسة في العديد من المجالات الاكاديمية خصوصا في العلوم الاجتماعيةن كما ان بعضها اصبح جزءا من القانون الرسمي في بعض المجتمعاتن وقد بقيت ومنذ زمن طويل تمثل ارثا مهما وقائما في سلوك شرائح واسعة من المجتمعات ومنها المجتمع العراقي على الرغم ما اصاب بعضها الاندثار والزوال بفعل العديد من المتغيرات ومنها العامل الاقتصادي الذي يؤثر على النمط الاجتماعي والثقافي في المجتمع ويظهر هذا جليا عند تحسن الحياة في المجتمعات الفقيرةن ومن بين العادات التي ظلت الأسرة العراقية محافظة عليها هي (تجراة الدم) حيث تلجأ العوائل الى هذه العادة عند شراء سلعة جديدة فهي تخشى ادخالها البيت قبل ان تقوم بذبح دجاجة وتلطيخ السلعة بدم المذبوح وكذلك الخشية من الانتقال الى البيت الجديد قبل تقديم تجراة دم كقربان لدفع العين، ولجعل البيت مباركاً، ولتجنب المآسي والحوادث غير المستحبة، أما الفقير الذي لا يملك ثمن دجاجة فانه يلجأ الى كسر بيضة على بدن القادم الجديد وهو موروث عربي قديم ربما سبق عصر ظهور الإسلام بكثير ويقال انه من زمن السومريين ووراء هذه العادة اعتقاد ان هذا الفعل يطرد الشر الواقع او المتوقع وكأن الارواح الشريرة وابعاد العين والحسد لا تذهب الا بتلطيخ جدران البيت الجديد او السيارة الجديدة او اية سلعة اخرى جديدة بدم المذبوح مثلما هو الخوف من الحسد وطرده بوسائل بسيطة مثل التبخير بالحرمل او وضع ام سبع عيون على واجهة الدار او ما يستعمله البعض في سياراتهم بتعليق قطعة بلاستك تمثل كف اليد وغيرها .

اليوم وبفعل المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على نسبة كبيرة من حياة العراقيين فان هذه العادة تكاد تختفي او تنحسر بشكل كبير وهذا يؤكد على العلاقة الوثيقة بين العادات والوضع الاقتصادي فأننا نلمس ان العراقي لم يعد مهتما بهذه الأمور بسبب انه صار بين فترة قصيرة واخرى يستبدل سيارته وأثاثه دونما حاجة الى تجراة الدم وهذا ما يشير ايضا الى ان العادات ليست صالحة لكل الأزمنة ولكن لا نستغرب من بقاء البعض متمسكا بها طالما الجهل والقلق الدائم من زوال النعمة باقيان والذي يشفع لهؤلاء ان مذهبا فلسفيا صاحبه الفيلسوف الألماني "فاينجر" يقول: حتى لو كانت الافكار الشائعة خاطئة أو خرافية ولكنها مريحة فهي الأولى بالرعاية والأصح ان نتمسك بها لأن فائدتها النفسية والاجتماعية والمادية أكبر      

***

ثامر الحاج أمين

 

القدرة على التفوق تتلخص بالقابلية على تحويل ما هو مثالي إلى فعل واقعي مؤثر في صناعة الحياة.

والقدرة على التأخر يمكن إختصارها بالتحليق الدائب في فضاءات المثالية العلياء، بعيدا عن ملامسة الواقع والتفاعل معه.

وهذا يأخذنا إلى مأساة النظرية والتطبيق، التي عاشتها مجتمعاتنا على مر العصور، فما أسهل التنظير وأغزره، وأقل التطبيق وأندره.

فالعلة التي صنعت أحوالنا السيئة، تكمن في فقدان مهارات التعبير عن الأفكار بآليات عملية، ولو بحثتم بما كتب عن الموضوع لعثرتم على كتابات هائلة تتناول النظريات الخيالية، فمعظم ما أنتجه المفكرون لا يخرج من صندوق النظريات العاجزة عن التطبيق.

ولا توجد بحوث وكتابات ذات قيمة تطبيقية، وكأن المفكرين يخشون الإقتراب من التطبيق ويستلطفون التنظير، لأنه أسهل ويزيدهم هروبا وإبتعادا عن المواجهة والتحدي.

أحزاب الأمة بأسرها فشلت في ترجمة شعاراتها، وتخبطت في الكرسي كالمصروع.

وأصبح القول هو العمل ، وتسيدت في المجتمع التفاعلات الكلامية ذات التداعيات الخصامية، فهي تطارد خيط دخان، وتغطس في بحر السراب، وتحسب أنها تمشي فوق التراب.

وبسبب الغرق المتواصل في النظريات والتأويلات الفارغة، والتحليلات الحارقة، تحولت الحياة في مجتمعات "قال"، إلى كيانات واهية ذات قابليات عالية على التبعية والخنوع، والإنبهار بما يأتي به الآخرون من إبداعات ومبتكرات.

ويبدو أن الأجيال تدور في دائرة مفرغة من الإحباطات، ولا تمسك بيديها ما هو جدير بالفخر والإعتزاز، فالكلام منحوت في مسلات الهواء، والإبداع المادي المعاصر مجهوض، والقول السيئ قائد ومقدام ومتوثب نحو سفك دماء الأبرياء.

وبموجب ذلك فمجتمعات الأمة، تتفوق على غيرها بالكلام، وفي آخرها بالفعل المستدام، وما تجنيه من أقوالها ركام.

فإلى متى سنبقى نتمرغ بأوحال النظريات الخائبات؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

إذا كنت مثلي مجبراً رغم أنفك، على سماع أخبار هذه البلاد العجيبة، فإن هناك جيشاً قوامه العشرات من المدونين، يشن حملة ضد محامية ذنبها الوحيد أنها دافعت عن قانون الأحوال الشخصية، ففي ليلة وضحاها تحولت هذه المحامية إلى سارقة للمال العام، وأنها السبب وراء أزمة الكهرباء، وهي المسؤولة عما يجري في المنطقة من حروب وصراعات.. وإذا أردت أن تعرف السبب ستجده في الأموال التي تدفع لهؤلاء المدونين.

في مقابل هذه الهجمة الشرسة ضد كل من يرفض ألاعيب مجلس النواب وحماسه المنقطع النظير لإقرار تعديلات الأحوال الشخصية، وإصرار البعض من النواب على تصوير القضية على أنها نصرة للدين ضد الكفار من المدنيين والعلمانيين، شاهدنا كوكبة شجاعة من النائبات العراقيات يقفن ببسالة ضد مخططات البرلمان، كما فضحن ما فعلته رئاسة البرلمان من تزوير في جمع التواقيع..خطوة شجاعة استطعن بها تسليط الضوء ما يجري من الالاعيب داخل قبة البرلمان.. وأنا أشاهد صورة النائبات بحثت عن السيدة النائبة حنان الفتلاوي التي بح صوتها ذات يوم من أجل الدفاع عن المرأة السعودية وذرفت الدموع على احوال المراة البحرينية.. حتى أنها قالت ذات ليلة تلفزيونية: "لازم السعودية تسويلي تمثال".. أعتذر لأنني أعيد عليكم حكايات السيدة حنان الفتلاوي وبحثها عن مظلومية المرأة العربية، رغم أن السيدة النائبة للأسف تنسى في زحمة البحث عن أخبار الامتيازات أنها كانت ولا تزال، تبشر كل يوم بالخير الذي ينعم به العراق وبالتنمية الطافحة، وببغداد التي ينافس فيها عبعوب مدينة طوكيو.

نسوة العراق وقفن بكل صلابة وشجاعة ضد طغيان القوى الحاكمة وجبروتها وصرخن صرخة عراقية حرة: لا.

الـ"لا" التي أطلقتها بعض النائبات أعادت لنا الأمل بأن في العراق سياسيين شجعان. ففي عتمة الانتهازية السياسية وألاعيب القرقوزات لتشويه صورة المرأة العراقية وفي ظل مخطط شديد لتسفيه دور المرأة، تأتي نسوة ناصعات الضمير، يتحدثن فتشعر بنبرة الصدق تشرق في ملامح وجوههن فتصدقهن الناس، ليبعثن جذوة الحياة في برلمان يراد له أن يتحول إلى سوق للمساومات السياسية.

منذ سنوات وجمع من النواب يصرون على إعادة الاعتبار لزمن الحريم وتسعى رئاسة البرلمان المؤقتة على إجبار اعضاء البرلمان على التصويت على قرارات لا علاقة لها بحياة الناس، ومنها قانون الاحوال الشخصية، الذي يشكل صداعًا دائمًا لبعض الاحزاب، فقررت التخلص منه

بالتأكيد أن حنان الفتلاوي ومعها العديد من النواب سيشتعلون غيظًا وغضبًا، من نائبات قررن ان يتخذن موقفًا شجاعًا،يكشفن نت خلاله للمواطمن العراقي أن حبل الخداع والانتهازية قصير، ففي نهاية الأمر على النائب أن يختار في أي معسكر يقف.. وتلك هي المشكلة التي تواجه معظم العديد من نوابنا، لأنهم يلعبون على كل الحبال.

***

علي حسين

معظمنا قد قرأ لكتاب عرب يجيدون صنعة الكتابة ومهاراتها، وبرعوا فيها وتفوقوا، وما قرأنا لكاتب من بلادنا وتابعناه، ربما لغياب قدرات الكتابة وتقنياتها.

قد (يزعل) الأخوة والأخوات، لكنها حقيقة علينا أن نواجهها، ونتعلم منها فنطوّر مهاراتنا الكتابية، لكي نؤثر في الواقع ونخلق تيارا ثقافيا معرفيا، يمتلك أدوات التغيير في مسيرة الحياة.

وقد كتبتُ كثيرا عن محنة الكتابة، وضرورة التواصي بتقنياتها وأساليبها، ومعرفة فنونها ومهاراتها الأسلوبية، والتفاعل بها مع القارئ لا مع الكاتب، فألجمتُ جماح قلمي، وأرغمته على الإختصار والإقتصاد، والتكثيف والتركيز والتوضيح والمباشرة، فالقارئ يريد ما قل ودل، وأن يعرف لا أن يجهد لمعرفة ما يُراد قوله.

ولا أدري أن ما ذهبت إليه صحيحا أم حالة أخرى قد لا تفيد، لكن محاولات صب الأفكار في أقل الكلمات تتواصل، وأتمنى أن أقطع شوطا مهما في دروبها الوعرة، لأنها تتطلب تقنيات وأساليب ومعارف متراكمة، وقدرات على وعي فحوى الكلام المسطور.

فلكي تكتب ما يُقرأ عليك أن تتعلم مهارات أسلوبية، وتقنيات إبداعية تتفاعل مع القارئ وتشده إلى ما يقرأ، ولابد أن يتمتع بما يقرأ، وإلا لماذا يقرأ، إذا كانت القراءة تتسبب له بوجع الرأس!!

فمعظم الكتابات الطويلة التي تتناول موضوعات معقدة، يذهب كتابها إلى زيادة تعقيدها، وإفهام القارئ بأنهم لا يعرفون ماذا يريدون قوله، فتجد نفسك في متاهة، وتنفر من المكتوب عند أول عبارة أو فقرة.

وما يُحزن أن موضوعات قيّمة وأفكار طيبة تقدم للقارئ بأسلوب غثيث.

فعلينا أن نتعلم كيف نكتب ما يُقرأ، لا أن نتوهم بأن كل ما يُكتب يُقرأ، فالعالم قد تغير وأصبحت الصورة تغني عن كتاب، فلابد من مواكبة أسلوبية وثورة في تقنيات الكتابة وآلياتها، للوصول إلى الناس، وحثهم على التفاعل مع المكتوب، والتمتع بقراءته.

فهل ما نكتبه يمنح متعة القراءة؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

حب السلطة والتهافت على المناصب واحدة من أكثر الظواهر شيوعا بين العاملين في الميدان السياسي خصوصا في المجتمعات الشرقية ومنها مجتمعنا العراقي، وكان من ابرز الذين رصدوا هذه الظاهرة وحذروا منها هم الشعراء حيث قال فيها احدهم:

حب الرئاسـة داءٌ يحلق الدنيـا

ويجعل الحق حربا للمحبينا

*

يفري الحلاقيم والأرحام يقطعها

فلا مروءة تـبقى ولا دينا

وبالرغم ما قيل في السلطة من ذم وتحذير واستهجان الا ان هناك الكثيرين ممن يحسدون المسؤول على ما لديه من منصب ومال وابهة ويتمنون حياة البذخ التي يعيشها متجاهلين الطرق التي سلكها هذا المسؤول للوصول الى مبتغاه من استعمال المال الحرام والتزوير والرشوة والابتزاز وبعد نجاحه في الوصول الى السلطة يبدأ حياة جديدة من الخداع والمراوغات السياسية وتضليل الرأي العام من أجل المنفعة الشخصية، كما لم يدرك الحاسدون ان المسؤولين خلال فترة سلطتهم يعيشون فاقدين للحرية على حد وصف الكاتبة " نوال السعداوي " انهم (يعيشون في خوف ويموتون في خوف)، أنا بدوري اشفق على الهائمين في حب السلطة وامتيازاتها فهم لم يتعرفوا على قول افلاطون (أغلب الناس عند السلطة يصيرون أشرارا) كما انني لا أحسدُ مسؤولا عما يتنعم فيه من امتيازات توفرها له السلطة وأحسب نفسي انني أفضل منه بكثير فعندما انظر الى حياتي مقارنة بحياة المسؤول أجدها أكثر نظافة وزهوا، فعلى الرغم من حياتي التي فاتها تحقيق العديد من الأماني، الا انني سعيدٌ بها كثيرا، فلدي عدد من الصحبة والخلان الخلص الذين لا استبدلهم بكنوز الأرض، كما أشعر براحة الضمير لأنني لم أظلم أحدا، وأعتز كثيرا بحريتي ومواقفي التي لم تخضع يوما للبيع والشراء والمساومة، لذا وسط هذه السعادة والقناعة بنصيبي فانا لا أحسد أي زعيم سياسي أو ديني على ما لديه من مال حرام وسلطة محروسة بفوهات البنادق وجاه كاذب وحاشية واتباع وحراس  فكلها في نظري غيمة عابرة لن تمطر على رؤوس اصحابها سوى اللعنة والعار نتيجة ما اقترفوه بحق الشعب من جرائم وآثام، فلا خير في سلطة ومال تخسر من أجلهما سمعتك وانسانيتك وحريتك، فحياة هؤلاء ليس كما هي حياتي، انا اسافر حرا الى حيث أشاء واستمتع بمباهج الدنيا بدون اقنعة للتنكر وبلا حمايات و قلق وقيود، في حين هم لا يخرجون الى الشارع مالم يحيط بهم سور من البنادق وجوقة من الطبالين وهتافات المتزلفين، كما اني أقضي الليل بقراءة الشعر وسماع الموسيقى وأنام مرتاح الضمير متوسدا احلامي الجميلة في حين هم يقضون ليلهم خائفين وقلقين من الخيانات والغدر، ينامون والبنادق ساهرة على حياتهم ويفتقدون الحرية في تنقلهم وجولاتهم في حين امتلك كامل حريتي في التجوال اليومي اقف حيث اشاء واتحدث الى من أشاء، صح هم يملكون عدد من القصور والنساء ولكن في النهاية بيت واحد ينعم بالأمان والطمأنينة يكفي ان تعيش فيه سعيدا، كما اني اظهر تحت الشمس واستمتع بوجوه وأحاديث اصدقائي بينما هم غارقون في الوهم لا يسمعون سوى نفاق الوجوه الصفراء المحيطة بهم  .. ان الحياة تبدو لي أقصر من أن تعيشها وأنت تؤذي وتمثل وتكابر، فتبا للذين لا يعرفون قيمة الحياة .

***

ثامر الحاج امين

تفخيم الرجل: تعظيمه، تبجيله

التفخيمية من "فخم" ومصدرها تفخيم.

والمقصود بها إضفاء الألقاب الفخمة على الأشخاض، وهي ظاهرة مغفولة في مجتمعاتنا، فالسائد في القول، هذا عظيم، وعلامة، وخارق القدرات، ولا مثيل له في جميع العصور، وهذا كذا وكذا، كما يُقال أن فلان شاعر كل العصور، وذلك ملهم وفلتة الأزمان.

التفخيم سائد في كتاباتنا، وواضح في المدونات التأريخية، التي تقدم الأشخاص على أنهم موجودات لا آدمية.

لا توجد مثل هذه السلوكيات في مجتمعات الدنيا المعاصرة، فهل قرأتم مقالات تفخيم لرموز الإبداع فيها؟

بينما عندنا، لكي يكون الشخص مؤثرا لابد من تتويجه بالفخامة الفريدة، وإطرائه بالمدائح والتوصيفات الخارقة، ويبدو التفخيم متفاعلا بأوهام عالية مع الغابرين.

القائد الأوحد، القائد الملهم، الزعيم الأعظم، الشاعر الأكبر، الكاتب الأبدع، المجاهد الكبير، العلامة الجهبذ، العالم الأوحد، وغيرها الكثير من المسميات التفخيمية الخالية من الأدلة الواقعية، والتأثيرات الإيجابية في المجتمع.

وبموجبها، يبدو المجتمع وكأنه معطل العقول، ويجب أن يكون فيه مَن يمكن إستعارة عقله، وتقليده وإتباع خطواته ونهجه، لتأمين الإستقرار النفسي.

إن الأمم  المعاصرة لا تضفي ألقابا فارغة على رموزها، بل تتعامل معهم بموضوعية وإحترام، وتعدّهم للتفاعل مع الأجيال الصاعدة وتنشيط عقولهم، وأخذهم إلى فضاءات الإبداع والإبتكار.

فلماذا نسعى إلى تأكيد وجود البالونات الوهمية في ديارنا؟

فهل أن التفخيم البالوني أزرى بأحوالنا؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

ان استعار العقل العربي وتحجيم تفكيره من أخطر أنواع الاستعمار وعلى مدى عقود من الزمن مما أدى إلى تجهيل أجيال كثيرة مضت ولحد الآن من خلاله ورثنا أجيالا محدودة وطفيلية التفكير تعتمد على الغير في تفكيرها وبناء عقولها نتيجة اعتمادها على رجال أحاطوهم بهالة من القدسية والتمجيد والعظمة حتى أصبح التفكير في آلات المعرفة حكرا عليها ولا يسمح المساس بها أو مزاحمتها في استحصال المعرفة والحرية المطلقة في البحث عن المعرفة واعتبرها البعض خطا أحمرا لا يمكن تجاوزه والقفز على هكذا مسميات ( بعض علماء الدين ) وخصوصا عندما أستيقن هؤلاء البعض أن زمام الأمور انفلتت من أيديهم وأن الجيل الجديد ما عاد ينسجم ويتناغم من طروحاتهم وأفكارهم القديمة النمطية سمحوا لأنفسهم أن يفرضوها على غيرهم علما أنها خدمت مرحلة جيل قديم واكبت عصرهم وأصبح التيار الديني والمعرفي القديم بعيدا عن التيار الديني والثقافي والفكري المجدد للعقيدة والفكر الصحيح وتوجهاته ومقدار فهمها بالأسلوب المتطور الذي يفرضه الواقع الجديد حيث أشتد الصراع في السنوات الأخيرة وما زال هذا التيار المجدد يعاني من تبعات الضغط عليه . فقد كان للرأي الشخصي في مجريات الأمور الحياتية في عصر الرسالة المحمدية ودولته الإسلامية بصمته الواضحة من حث الصحابة في أعطاء الرأي والمشورة واستخدام الفكر والتفكير للعقل والخصوصية في فهم الأمور وما يدور من حولهم وتبادل الآراء وساحة النقاش مفتوحة في شؤون العقيدة والدين والحياة اليومية لكن سرعان ما تلاشت وأفل هذا المفهوم بعد رحيل النبي محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وأسدل الستار على باب النقاش والحوار الحر المطلق وضاقت فسحة التفكير ووضعت الحواجز والعراقيل على العقل العربي المسلم من قبل المتصدين للسياسة والدولة ورُبطت  السياسة مع  الدين بعدما منحوا البعض من القادة المسلمين لأنفسهم الحرية والسيطرة من خارج المنظومة الدينية والعقائدية وبعض المحسوبين على رجال الدين المتشددين في التحكم في الفرد ومقدراته وعقليته وكانت بدايتها في مرحلة صدر الإسلام الأول وخصوصا في محنة المعتزلة وسد باب الاجتهاد وهي المرحلة الخطيرة من حياة المسلمين في تكميم أفواه بعض الصحابة والتابعين والعلماء والمفكرين وأبعادهم عن محور القيادة والقرار والساحة الدينية والسياسية بعدما أصبحت آرائهم تعارض سياسة الدولة ومؤسساتهم الدينية والسياسية وبدأت حملة أبعاد المفكرين والمجددين لمفهوم العقيدة والدين والمجتمع ومنعهم من ركوب سفينة التجديد الفكري والركب العلمي للعالم حين أرادوا الابتعاد عن مفهوم السلف والتراث الذي ينقصه التطور والحداثة وما زالت هذه المحاولات لعزل التيار الفكري المجدد عن القاعدة الجماهيرية المتعطشة للفهم الجديد والتغير والمعرفة الحقيقية لعقائد الدين الإسلامي ومعرفة تأريخنا الصحيح وتراثنا الفكري والاجتماعي بوضع العراقيل أمامه على سبيل المثال حجة أن هذا التيار الجديد يمس جوهر العقيدة الإسلامية المقدسة والخروج عن مبادئ الإسلام وتارة أخرى أنها تخدم مصالح الفكر الغربي والمرتبط بايدولوجية الغربية وتارة فرض بعض رجال السياسة والأحزاب الدينية خصوصا أفكارها وهيمنتها على عقول الجيل الجديد وعدم السماح لها بالخروج عن نمط تفكيرها ومعرفتها وقد تصل إلى اتهام التيار الجديد بالإلحاد والكفر وغيرها من المسميات التي تنفر المجتمع منهم لكن التيار مستمر في البحث عن ما هو جديد وطرحه للعلن بقوة الحجة ووضوح الرؤى ومنهجية عالية في الإقناع والأسلوب.

***

ضياء محسن الاسدي

منذ مطلع القرن العشرين، والمطلوب من الأقلام أن تنعى الأمة، وتكتب عنها بسلبية وإحباطية مفرطة، لتأمين التبعية والخنوع والإستسلام لإرادات الآخرين، حتى صارت تتوسل بأعدائها لحمايتها من شرور بعضها.

وعلى مدى العقود القاسيات، ظهر فيها مفكرون وفلاسفة ومبدعون، يسيرون على ذات الخطى الممعنة بوصف الأمة بأبشع الأوصاف، وتبرير ما يدور في ربوعها من تداعيات، ولن تجد فيها ما يدعو للتفاؤل ويبشر بخير.

وإياك أن تكتب عن إيجابياتها، وطاقاتها المكبوتة، فسيتصدى لك أعوان التثبيط والتنكيل بها، وتمريغها في أوحال اليأس والقنوط.

فالكتابات والدعوات المعززة لوجود الأمة يتم إغفالها، وتعويق تسويقها أو إنتشارها.

ويبدو أن معظم رموزها ضحايا للعدوان النفسي المتواصل، وفقا لآليات التدمير الذاتي والموضوعي للهدف بقدراته الكامنة فيه، فطاقات الأمة الإيجابية تتحول إلى سلبية، وتدميرية فادحة الخسائر والأضرار.

فإذا قلت أن الأمة بخير، قالوا أنها أمة الأشرار والدمار، فلماذا تغفل ذلك؟

وعندما تتحدث عن تأريخها، يجابهونك بمساوئ الفترات التي ظهر فيها الفساد وتشرعن وتديّن.

وأكثرهم يتجاهلون مقارنة واقع الأمة مع الأمم الأخرى في حينها، ويحسبون ما وردهم عن الأمة خاص بها وحسب، وكأن الأمم الأخرى سامية القيم  راقية السلوك!!

ما حصل في ربوع الأمة لا يختلف كثيرا عما جرى في الأمم الأخرى القائمة حولها، مع فوارق معروفة.

وبرغم الإدعاء بأن الإسلام شرعها ودستورها، فمعظمها عبرت عن سلوك السلطة والدولة، وإتخذت من العقائد بأنواعها ذرائع للقبض على مصير البشر، وتذعينهم بالسمع والطاعة.

هذه النزعة المضادة للحياة لا تزال فاعلة ومؤثرة في واقعنا، ويرقص على أنغامها المبدعون والمفكرون والمؤرخون، وجميعهم يسعون إلى تبرير أسوأ الأحوال!!

"وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر"

***

د. صادق السامرائي

ليست المرّة الأولى التي يتقدّم فيه التحالف الشيعي بمشروع قرار لتعديل الفقرة 57 من قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1959 ولن تكون الأخيرة، فهذا القانون والذي كان تحت مرمى سهام رجال الدين منذ إقراره ولليوم سيظلّ ورقة طائفيّة بيد رجال الدين الشيعة وأحزابهم من جهة، وورقة سياسيّة  بيد الإسلام السياسي للهروب الى الأمام خلال الأزمات التي يمر به بلدنا على مختلف الصعد من جهة أخرى.

دعونا بداية مناقشة دستورية هذا التعديل الذي إن أقُرّ يوما، فأنّه سيساهم في تمزيق النسيج الوطني العراقي حتّى على مستوى الأديان والطوائف والمذاهب نفسها، لأختلاف الأحكام الفقهية بين نفس الفرق المختلفة للأديان  والمذاهب المكوّنة للنسيج المجتمعي العراقي، وهذا ما سيعقّد الأوضاع الأجتماعية على مستوى الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والإرث وغيرها. فالمواطنة ومساواتها بين فئات السكان المختلفة ستصطدم وقتها بجدار فقهي لا يعرف معنى المواطنة بالمرّة، وهو المؤمن بحل مشاكل مريدي ومقلدّي هذه الأديان والمذاهب بعيد عن ضوابط يتساوى فيه الجميع من الناحية القانونية.  نقول دعونا نناقش قبل الخوض في المقالة في تناول مادتين دستوريتين تتعارضان وبشدة مع مشروع التعديل الذي يريد التحالف الشيعي إقراره في البرلمان.

إن تمّ إقرار التعديل المزمع على قانون الأحوال الشخصية، فأنّ أحد أهم إشكالياته هو تجاوز الدستور أو عدم الإهتمام بالحقوق المدنية للشعب العراقي، تلك التي نصّ عليها الدستور الذي كان في لجنة أعداده وصياغته عدد من رجال دين الطائفتين وممثلين عن الأديان والطوائف من غير المسلمين،  والذي ينصّ في مادّته الرابعة عشر على أنّ (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الأقتصادي أو الإجتماعي). كما وإن التعديل سينسف أساس المجتمع من خلال تدميره لنواة هذه الأساس أي الأسرة، وهذا ما جاء به الدستور في المادّة  29 – أولا- أ والذي ينصّ على أنّ (الأسرة أساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية).

 نستطيع القول هنا من أنّ العلاقة بين الأسلام السياسي الذي يعمل على تمرير القانون وبين المؤسسة الدينية الراعية لهذا القانون، سينعكس سلبا على طبيعة المجتمع من الناحية الدينية والمذهبية. وبالتالي فأنّ هذا المشروع سيؤدي الى أستقطابات طائفية ستمزّق ليس نسيج المجتمع الرث نفسه، بل ستمزّق وحدة العائلة العراقية بسبب علاقات المصاهرة بين المذاهب والقوميات المختلفة.  لذا فأنّ هذا التعديل الذي هو بالحقيقة جس نبض لتمرير مشاريع أكثر خطورة منه مستقبلا  لا يتلائم مطلقا مع بناء الدولة، التي هي بحاجة الى تجاوز التخندقات القومية والدينية والطائفيّة لبنائها بالشكل الصحيح والعلمي.

يريد المشرّع الشيعي ومن وراءه المؤسسة الدينية الشيعية تمرير التعديل على الرغم من أنّ المسلمين أنفسهم لازالوا غير متفقين لليوم (لن يتفقّوا أبدا) على عدد الشهود عند عقد الزواج خارج المحكمة الشرعية!! من خلال إختلاف المذاهب الإسلامية المختلفة على تفسير الآية الثانية من سورة النساء والتي تقول (فأذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا)، فالشيعة الإمامية يفسرون الآية على وجوب وجود شاهدين عدلين عند الطلاق، والمذاهب السنية يفسرونها على وجوب وجود شاهدين عدلين عند الزواج  هذا حينما نبحث عن الفروقات بين مذهبين مختلفين، لكن المشكلة الأخرى هي وجود تفسيرات مختلفة عند فريقين من نفس المذهب وهذا ما يعمّق المشكلة أكثر، فجمهور رجال الدين عند مذهبين من مذاهب أهل السنّة يختلفون في تفسير معنى العدالة في نفس الآية آنفة الذكر، فأصحاب المذهب المالكي يقولون أنّ الشاهد العادل هو من (يتجنب الكبائر ويؤدي الأمانة ويحسن معاملة الأخرين)، أمّا أصحاب المذهب الحنبلي فيقولون أنّ العدالة (هنا) هو ( الصلاح في الدين وأداء الشاهد لجميع الفرائض وتجنّب الكبائر)، وفي حالة تمرير التعديل فأنّ المشاكل في هذا الحقل بين زوجين من نفس المذهب ونفس الدين ستكون كارثية، وهذا ما يؤكّد لنا صحة وفاعلية قانون الأحوال الشخصية لعام 1959، على الرغم من عدم تناوله لجميع حالات الخلاف، وفتحه الباب مفتوحا لتعديلات المشرّع العراقي من خلال مواد دستورية وقانونية تتعامل مع المشكلة على أساس المواطنة لا على الطائفة والدين، فالمادة الخامسة من الدستور تقول أنّ ( السيادة للقانون ....)، ولم تقل أنّها أي السيادة لرجل الدين.

أنّ تمرير القانون والمصادقة عليه سيمنح رجال الدين المسلمين ومنهم رجال الدين الشيعة الحق في إبرام عقود زواج دائم للقاصرات (قانونيا) خارج المحكمة الشرعية عند إكمال الأنثى (تسع سنين هلاليّة، وهو يعادل ثمان سنين ميلادية وثمانية أشهر وعشرون يوماً تقريباً) كما يقول السيد السيستاني في باب الأستفتاءات، وهذا السن متفّق عليه مع بقية المذاهب الإسلامية مجتمعة. كما يمنح رجال الدين الحق بتنظيم عقود الزواج المؤقت المعمول به اليوم بالعراق للأسف الشديد، والذي هو بالحقيقة  ليس الا باب من أبواب الدعارة التي يدّعي رجال الدين محاربتها كونها منافية للأخلاق. كما ولا يختلف رجال الدين الشيعة والسنّة في تزويج الصغيرة حتى قبل البلوغ إستنادا الى الآية الرابعة من سورة الطلاق (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ). وهنا تحديدا يبدأ أحد أخطر حالات الزواج التي يرفضها العقل الأنساني السوي والقانون، وهو تزويج الرضيعة التي هي دون سنّ البلوغ من رجل بالغ لأسباب عديدة منها الفقر وتأثير رجل الدين على العامّة وغياب الوعي عند والدي الطفلة الرضيعة.

لا يختلف الإماميّة عن مذاهب أهل السنّة في زواج الرضيعة في أصل الأباحة بل في جزئياتها، ومن أهم جزئيات هذا الشكل من أشكال الزواج هو إباحة الأستمتاع بالرضيعة لحين بلوغها ودخول زوجها عليها!! فأهل السنّة والجماعة ووفق مصادر لأحمد بن حنبل وغيره والتي صحّحها الألباني يقولون " لا يجوز له – أي الزوج - بأي حال أن يستمتع بها أي استمتاع يؤدي إلى الإضرار بها ، فإن فعل فهو آثم،  لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار". أمّا الإمام الخميني فيقول في تحرير الوسيلة – الجزء الثاني- ص 241  مسألة 12  " لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواما كان النكاح أو منقطعا، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة، ولو وطأها قبل التسع ولم يفضها لم يترتب عليه شئ غير الإثم على الأقوى، وإن أفضّاها بأن جعل مسلكي البول والحيض واحدا أو مسلكي الحيض والغائط واحدا حرم عليه وطؤها أبدا لكن على الأحوط، في الصورة الثانية، وعلى أي حال لم تخرج عن زوجيّته على الأقوى، فيجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة أختها معها وغيرها، ويجب عليه نفقتها ما دامت حية وإن طلقها بل وإن تزوجت بعد الطلاق على الأحوط، بل لا يخلو من قوة، ويجب عليه دية الافضاء، وهي دية النفس، فإذا كانت حرة فلها نصف دية الرجل مضافا إلى المهر الذي استحقته بالعقد والدخول، ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولم تثبت الدية، ولكن الأحوط الانفاق عليها "!! فيما يقول السيد السيستاني في كتاب منهاج الصالحين – الجزء الثالث – ص 10 وحول نفس المسألة " لا يجوز وطئ الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواما كان النكاح أو منقطعا، وإما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والتقبيل والضم والتفخيذ فلا بأس بها، ولو وطئها قبل إكمال التسع ولم يفضها لم يترتب عليه شئ غير الإثم على الأقوى - والافضاء هو التمزق الموجب لاتحاد مسلكي البول والحيض أو مسلكي الحيض والغائط أو اتحاد الجميع - ولو أفضاها لم تخرج عن زوجيته، فتجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة أختها معها وغيرها، ولكن قيل: يحرم عليه وطؤها أبدا. إلا أن الأقوى خلافه.، ولا سيما إذا اندمل الجرح - بعلاج أو بغيره - نعم تجب عليه دية الافضاء، وهي دية النفس إن طلقها، بل وإن لم يطلقها على المشهور، ولا يخلو عن وجه، وتجب عليه نفقتها ما دامت مفضاة وإن نشزت أو طلقها، بل وإن تزوجت بعد الطلاق على الأحوط. ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولم تثبت الدية، ولكن الأحوط وجوب الانفاق عليها كما لو كان الافضاء قبل إكمال التسع، ولو أفضى غير الزوجة بزناء أو غيره تثبت الدية، ولكن لا إشكال في عدم ثبوت الحرمة الأبدية وعدم وجوب الانفاق عليها".

نحن في حالات إباحة الزواج من القاصرات ومنهنّ الرضيعات وفق مختلف المذاهب الإسلاميّة وهذا ما يريد المشرّع الشيعي تحقيقه من خلال تعديل قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 ، أمام جريمة كبرى بحق الطفولة وهي إباحة البيدوفيليا* شرعا في المجتمع، خصوصا مع إزدياد حالت الفقر وتعدد الزوجات. فإختلاء الرجل البالغ برضيعة قد يكون عمرها ثلاثة أشهر وحتى أقل شرعا في بيت والديها، وممارسة كل ما تشتهيه نفسه المريضة معها وفق الشرع الإسلامي الذي حلّل له هذه الممارسات !! عمليّة غير أخلاقية تضاف الى ما يعانيه مجتمعنا اليوم من أنتشار أمراض أجتماعية وأخلاقية لم تكن معروفة سابقا في مجتمعنا المحافظ قبل الأحتلال الأمريكي للبلاد، أو كانت على مستوى ضيّق جدا وغير محسوس ويعاقب عليه القانون.

أنّ جميع القوى الديموقراطية والنسوية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والعقلاء من البرلمانيات والبرلمانيين العراقيين، مدعوون اليوم للوقوف بحزم ضد جريمة  تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يطالب الأطار التنسيقي الشيعي تمريره وإقراره، من خلال تثقيف الجماهير على الجرائم التي سترتكب بحق المرأة وأستعبادها والطفولة وبراءتها. أن القوى صاحبة هذا المشروع الكارثي لم تكتفي في نهب ثروات البلاد ومصادرة الحريات وإشاعة الفساد في كل مفاصل المجتمع ومرافق ما تبقى من الدولة، بل تريد أن تذهب بعيدا اليوم في إشاعة الأنحلال الأخلاقي من خلال تفاسيرها غير المواكبة لحركة التاريخ، كما وعلى رجال الدين التنويريين العمل على أنسنة الشريعة والفقه ليواكب عصرنا اليوم خصوصا حينما يتعلّق الأمر بالمرأة وحقوقها والقاصرات والرضيعات وبرائتهن..

*البيدوفيليا: أنجذاب البالغين نحو الأطفال ذكورا وإناثا لأشباع رغباتهم الجنسية وهو أضطراب عقلي وقد أثبتت الاختبارات (أن مرضى البيدوفيليا يعانون من بعض التشوهات العصبية ونسبة الذكاء عندهم أقل بحوالي ثماني في المائة عن المتوسط، حسب الطبيب النفسي جورخي بونسيتي، الذي يضيف وفق مقالة  لفرانك هاجاش نشرت في موقع وكالة الأنباء الألمانية DW بتاريخ 25/ 5 / 2014  أن"من المثير للاهتمام أيضا أن عمر الضحية له علاقة مع نسبة الذكاء عند الجاني". وهذا يعني أنه كلما كان غباء الجاني أكثر، يكون الطفل اصغر سنا. كما أن هناك أدلة على أن المولعين بالأطفال يكونون أقصر من متوسط حجم السكان. كما وجد باحثون كنديون أن المولعين بالأطفال تعرضوا لضعف عدد إصابات الرأس في مرحلة الطفولة بالمقارنة مع غيرهم من الأطفال). لكننا في العراق اليوم أمام مشرّع يريد منح البيدوفيلي إن صحّ التعبير أو أنتاج ظاهرة البيدوفيليا ووفق فتاوى دينية، الصفة القانونية والشرعية في إعتداءه على الرضيعات، ولا نعرف من الأكثر غباءا هنا، هل هو المشرّع الذي يبيح هذه الممارسة الشاذة، أم البيدوفيلي الذي يمتلك فتوى شرعية لممارسة هذا الشذوذ الأخلاقي، أم من..؟

***

زكي رضا - الدنمارك

2/8/2024

 

لكل زمان أقلامه، وقادة فكره وثقافته، ووفقا لمعطيات وقتهم تتجلى قيمتهم ويكون دورهم، وليس من الموضوعية والصدق أن نقايسهم بفترات زمنية لاحقة، فهم ينتمون لأجيال خلت، وعلى الأجيال التي أتت، أن تراهم بعيون ذلك الزمان لا بعيون زمانها المعاصر.

فالدنيا تتغير بسرعة، ودفق المعارف هادر ووثاب، والمتراكم في العقول من العلوم تنوء منه الرؤوس وتكِل الأفهام.

فأبناء العصر يعرفون أكثر من أبناء العصور السالفة، ولديهم من المصادر والمنابع المعرفية الفورية ما لم يتيسر لمن سبقهم.

فهل يجوز لهم قراءة ما مضى بعيونهم الحاضرة؟

هذه إشكالية تفاعلية تظهر في عدد من المقالات والنصوص، وكأن كتّابها يقللون من قيمة الأسلاف، ويتناسون أحوال الدنيا في حينها، وكيف كانت الأمم  الأخرى آنذاك.

ويبدو أنه سلوك عدواني على الأمة وإساءة لمسيرتها الحضارية، وما قدمته رموزها من إبداعات وإضافات أصيلة للإنسانية.

فماذا قدمنا للدنيا بالمقارنة بما قدموه؟

إن رموز الأمة وأعلامها أفذاذ متميزون، وضعوا الحجر الأساس للإبداع الإبتكاري الذي نتمتع بمنجزاته اليوم.

فلا يجوز مقارنتنا بهم، لعدم تفاعلنا مع عصرنا بذات الروحية المقدامة، والثقة العالية بالإرادة الذاتية والموضوعية، وتوطن العجز والشعور بالقصور والتبعية في وعينا الجمعي.

فعلينا توقي الحذر، عندما نتناول رموز الأمة المعرفية بأنواعهم، فهم الذين أبدعوا وإجتهدوا وقدموا ما بإستطاعتهم للتعبير عن جوهر وجودهم في قلبها النابض بالأنوار.

***

د. صادق السامرائي

قال أخي الصادق ان (الكلمة السيئة قنبلة) اعدت للامة منذ ازمنة غابرة ولا زالت شظاياها ودويها وغبارها واشعاعاتها ومفعولها الذي يبدو لا علاج له، قاسية وتراكمات نتائجها تمنع الامة من الحركة وحتى التنفس.

الكلمة السيئة كما قالها الصادق لم تأت الى الأمة من زاوية واحدة ضعيفة أو من ثغرة أو من جهة مترهلة أو من موضع معلول أو كسيح، إنما جائتها من كل الجهات الأربع ومن تحتها وفوقها غضباً او إشتهاءاً.. فلماذا العداء للأمة بالكلمات القنبلات اللأتي يتفجرن كل يوم وفي كل جهة؟

منذ ما قبل الأسلام، كانوا يكرهون أمة العرب ويتمنون محقها. ومنذ ما بعد الأسلام باتوا يعملون على طمسها وإذلالها وتدميرها ونهبها ومسح هويتها وعمل البعض على اغتصابها في احضانهم وتجريدها من وطنيتها أو قوميتها بعد طمس مقوماتها.

لماذا أمة العرب؟

لماذا اختار الله سبحانه وتعالى أمة العرب لينزل عليها القرآن الكريم؟ لماذا لم ينزله على أقوام الروم والبيزنطيين والساسانيين وأقوام ما وراء العصور؟

لماذا اختار الله أمة العرب؟ لأنها كانت تؤمن بمنظومة القيم التي لم تكن موجودة لدى أمم أخرى (الاخلاق – إنك لعلى خلق عظيم – والعدل والانصاف والشهامة والكرم والشجاعة والإلتزام بالعهود وبقوة الحق).. حباها الله بهذه القيم، فجاء الإسلام فشذب مساوئها (وئد البنات، والجواري، وبيع وشراء العبيد وشرب الخمرة والربى.. إلخ) وباتت قوية في انتشار رسالتها الحقة الخالية من الهيمنة والاذلال والاستغلال والطغيان والداعية الى الرحمة والعدالة والانصاف بين الناس والشعوب.. فلماذا توجه الكلمات السيئة كالقنابل نحو الأمة؟

لا يريدون وحدة الأمة، ولا يريدون اتحادها، ولا يريدون ترابطها اجتماعيا ولا اقتصاديا ولا ثقافيا، ويرفضون تواصلها وتكاملها وتفاعلها ويحطون من قيمتها وقيمها وماضيها وحاضرها  ويشيعون ما يفسد فيها ويحط من قدرها ويشجعون على تفسيخها.

الغرب يمنع وحدة امة العرب والشرق يمنع وحدة العرب، والعرب لا يريدون وحدتهم، فمن يريد وحدة العرب غير الشعب العربي المغلوب على أمره بالتجويع والتركيع والتهجير والإضطهاد.

ايها الصادق، الكلمة السيئة قنبلة.. نعم، وكأني أراك تقول بصدق  إن الكلمة الطيبة حسنة.. فكيف تُصَد السهام، وكيف تبطل القنابل الموجهة نحو الأمة من كل جهاتها؟ وتبطل الحجج التي يسوقونها كذبا ودجلا، أن أمة العرب لا تقرأ ولا تكتب، وقلت انت ايها الصادق، كلا إنها تقرأ و تكتب وتتفاعل مع عصرها، وصدقت في ذلك وألقمت هذا البعض حجرا.. وقالوا إن أمة العرب غير منتجة ومصيرها العدم، ولم يتحدثوا عن حقبة الاستعمار الذي قسم وفكك وعبث ونهب ودمر وبنى عواصمه من ثروات الشعوب التي نهبوها، وصمتوا كصمت القبور.

***

د. جودت صالح

31/ تموز- 2024

 

المعارك تتوالد والحياة تتواصل، والإنتقال من حالة إلى أخرى أرقى منها يتحقق، فلا تغيير إلا بمعركة ذات رؤية وأهداف واضحة.

وللبشرية معاركها المتنوعة منذ الأزل، وستتواصل إلى الأبد، فهذا ديدن الوجود وطاقة البقاء والتجدد والرقاء.

فالحياة معركة، والبقاء معركة، والإنتصار إبن معركة!!

وفي العديد من المجتمعات تفقد المعركة معناها ومغزاها، وتتحول إلى محرقة أو سقر لهّاب يأكل أسباب الوجود الصحيح، بينما المعركة الحقيقية تطلق قدرات الأعماق البشرية، وتحفز العقول وتدفع بها إلى الإبداع والإبتكار والتنوير والتثوير.

ومجتمعاتنا تتفاعل مع المعارك بسلبية فادحة الخسائر، فتنزلق إلى دوائر مفرغة من التداعيات والتفاعلات التدميرية للذات والموضوع، أي أنها تعيش في دوامة خسرانية مروعة.

بينما الشعوب القوية المعاصرة، تقترب من معاركها بإيجابية فتستولدها ما ينفع حاضرها ومستقبلها، ويؤهلها لمزيد من التقدم والتجدد والنماء.

والفرق بين معاركنا ومعاركهم سبب جوهري لإنطلاق الفساد والإضطراب، وعدم الإستقرار وفقدان الأمن والأمان.

وعليه فلابد من الإقتراب من معاركنا بعلمية ودراسة وبحث مستفيض، لإستجلاء العناصر والمفردات، وما يتمخض عن تفاعلاتها، ويكوّن مآلاتها وما يتوجب القيام به إزاءها.

إن التقييم الموضوعي لواقعنا، يشير إلى أننا نجيد تبديد الطاقات وتعطيل العقل، وعدم الإستثمار بالموجود الإيجابي، ونميل إلى ما هو سلبي ومدمر.

فهل لنا أن نعرف ما عندنا من القدرات الحضارية اللازمة لتحقيق وجودنا المنير؟

***

د. صادق السامرائي

 

"وما إجتمعت بأذوادٍ فحول"

"لا يجتمع سيفان في غمدٍ واحد"

قالوا وقالوا وقالوا...ووفقا لمَن قالوا تم صياغة سلوكنا المتوارث الذي أجهز على وجودنا، رغم أننا نحيا في عصر متقدم على عصورهم بمئات السنين، لكن ما قالوه يحكمنا ويحدد معالم مسيرتنا، وبسببه وصلنا إلى ما نحن عليه من عدم القدرة على صناعة الحياة المتوافقة مع جوهر ذاتنا وموضوعنا.

فما يدور في واقعنا أننا نتناحر ونتصارع، ولا نعرف كيف نتنافس بإيجابية تساهم في تحفيز طاقاتنا وبناء قدراتنا المثمرة.

فصراعاتنا إستنزافية، وتناحراتنا إتلافية، أما تنافساتنا فإن وجدت فهي عدوانية شرسة، تسعى للمحق ولا تدعو للتقدم والرقاء والعلاء.

أبناء المجتمعات تتنافس فيما بينها للإتيان بما هو أفضل، ففي معظم نشاطاتها يكون منطلقها أن تتفوق على ما حولها بإبتكار الأفضل والأصلح للحياة والمجتمع.

حتى في ميادين السياسة، فالأحزاب تتنافس مع بعضها للوصول إلى ما هو أصلح وأنفع للوطن، ولا تتماحق وتسفك الدماء، كما يدور في عوالم وجودنا المقهور بنا.

هذه الآلية التماحقية ذات نشاط فاعل في أرجاء أيامنا، فترانا نركز على السلبيات ونتجاهل الإيجابيات، ونحط من قدر بعضنا، وكأن الواحد منا لا يكون إلا بالقضاء على الآخر.

فلا يجوز أن يكون هناك مبدعان متنافسان، بل يجب أن ينمحق أحدهما ، وفي القرن العشرين ظهر الرصافي والزهاوي في العراق، وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم في مصر، وبموجب التنافس الإيجابي بينهم قدموا روائع إبداعية.

وما تعلمنا منهم وامتثلنا لأقوال ورؤى وتصورات عدوانية تدميرية بالية، تسببت بما لا يحمد عقباه من النتائج الأليمة، التي أصابت الأجيال بأوجاع حضارية قاهرة.

***

د. صادق السامرائي

17\6\2021

 

يقول الشاعر حافظ ابراهيم:

 الأُم مدرسة إذا أَعددتَها

 أعدَدت شعباً طيِّب الأعراقِ

بعد ما ضجت منصات التواصل الإجتماعي والأعلامي وبعض القنوات الفضائية بعقد جلسات نقاش وتداول آراء من ذوي الإختصاص القانوني بمشاركة رجال دين وغيرهم للاستفسارعن مدونة تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي، فيحق التساؤل عن ماهية التعديل الضروري لكل شرائح المجتمع، وما بين متوقع وغير متوقع ما سيصدر عن التعديل، وما الغرض منه!!، والأكثر إثارة ما يشاع مسألة تمرير قانون تعسفي السماح بتزويج القاصرات من سن التاسعة باسلوب أو بآخر بتغطية قانون آخركما يقال!!، ربما، ليس غريبا أن كان المجتمع يغط في وادي ليس بذي وعي، وبعيدا عن اسشارته أو مشاركته أو استثارته برأي مطروح !!، وعلى الشارع العراقي أن يعي ما وراء التعديل وأي فقرة من نصوص القضاء تدعم مصلحة المجتمع، وما يثير الإنتباه التأكيد على زواج القاصرات وهناك تحدي بين أعضاء البرلمان ما بين مؤيد يجيز وآخر رافض وضمن حدود التحدي هو الموافقة على قانون آخر!!، وهل لهذا التعديل أن يسعف ما تردى من استغلال قوانين أخرى تحت عباءة رأي ما؟؟، وبلا جدوى توافق حلول مقنعة بتضارب الآراء.

علما من المعروف في القانون العراقي أن من يُزوج قاصرا يحيل للقضاء؟ وهناك عقوبة على ولي الأمر، أو من يرغمها على ذلك!!، وإن كانت العقوبة غرامة مادية أحيانا تكون مدفوعة الثمن من المستفيد من الزواج، فما أسهله من ردع!!، وبجميع الأحوال يُعد ما متوجس منه استهانة بالطفولة وعنفوان ظلم ضد المرأة بل أفراد الأسرة كافة والمجتمع العراقي عامة، وتهديم لبناء دولة، والعجيب في الأمر يأخذنا التساؤل هل تم حَل كل المشاكل العالقة وبقى فقط مشكلة تزويج القاصرات ليصبح علني، ووفي جميع الأحوال القضاة مرغمون على توقيع قسيمة الزواج فيما لو جئ بعقد من مصدر شرعي تم تزويجها!!، وهذا الذي يجعل التزويج أكثر انتشارا، فأين تطبيق القانون؟؟.

ماذا يعني البنت ما زالت قاصر، هو أو هي الصغير الذي لم يبلغ سن الرشد بعد أي سن ال 18، والذي يبقى تحت وصاية الأبوين أو الولي، هو العمرالذي يحتاج لرعاية واهتمام عائلي، وأحتواء عاطفي من الوالدين، والأفضل أن يكون باشراف ورعاية مؤسسات معنية من الدولة أيضا، لخلق مجتمع واع!!، هل تكوين عالم أُسَري يحتاج أن تكون المرأة بمرحلة نضوج بايولوجي ومظهر بدني فقط، وأن ظهرت تغيرات فسلجية على جسم الفتاة فلا يعني أن تكون مكتملة النضوج العقلي ولها القدرة على تكوين أسرة وتَحمُل أعباء مسؤلياتها وهي الأم المربية، فاذا كانت نفس الأم فاقدة لصلاحية التربية لأنها بعمر قاصر؟؟، فكيف نعد مجتمعا واعيا من جميع النواحي النفسية والإجتماعية والثقافية وحتى السياسية والأسرة تعاني من قصور فكري!!، يقول الشاعر حافظ ابراهيم (الأُم مدرسة إذا أَعددتَها-- أعدَدت شعباً طيِّب الأعراقِ)،

التساؤل يفرض نفسه هل من الممكن ان تعقد جلسة برلمان دولة من أجل تخريب لُحمة مجتمع أكثر مما نحن فيه، وبناء الأسرة بأم لاتفهم شئ عن الأمومة والتربية والعلاقات الزوجية وتحمل المسؤليات؟؟، وهل البنت في عمر التاسعة أو أكبر بعدة سنوات تستطيع أن تختار بشكل صحيح فيما لو مُنحت حق الإختيار!!، وهل هناك آية في أي من الكتب السماوية ولا حتى في القرآن الكريم تشير لتزويج البنت بعمر التاسعة؟، فكيف صياغة كذا قانون وما يترتب عليه من مساوئ إنسانية.

أ الوأد أن نكون في سباق مع الجهل؟، فلتدنس العقول بكل ما أوتيت من عتمة!!، والمؤسسات المعنية بلا اكتراث فكري فسحقا لأي تطور حضاري فما لنا وتقدم الشعوب؟، لا أهم من قانون دولة يؤيد تزويج القاصرات!!، وبين مؤيد ورافض فنحن في زمن جاهلية الوأد والاستحياء من ولادة الأم لأنثى، فهي وصمة عار لا يُغسل إلا بطمس معالمها الأنسانية!!، ولأجل غسل عارها وحفظ ماء وجه الوالد يذبح طفولتها بسكين الضياع بلا رأفة أبوة ولا رجفة ضمير، فهو الذكر الولي وله أحقية الحياة وتقرير المصير لها!!، فأين سيولي وجهه من ذويه وعشيرته التي تأويه، هكذا هو من صميم الواقع والحوادث كثيرة بلا توعية اعلامية فنحن في جاهلية عصرية متراكمة التعصب الذكوري !!، نتنافس في حيز الجهالة وننسى تعاليم ما جاء به الإسلام من أحترام حقوق الأنسان وغير كل شئ ونزلت الآية 58 في القرآن الكريم من سورة النحل (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم)، وبعد كل هذه العصور ويبقى وجهه مسودا!!، ما لم يقف في سوق النخاسة لبيع أبنته بسعر بخس، فمن الشاري ؟ هو الزوج المنتظر لانتهاك حرمة الطفولة وهو سلوك غير سوي ومضطرب من رجل ناضج يختار زوجة قاصر.

أذن نحن على حافة الإنهيار الإنساني وفي سبق السقوط الكلي في دهاليز الإباحة بحجج شرعية والإغتصاب العلني تحت برقع الشرع، أيعقل أن تكون المتاجرة مسموحة والبيع علني بلا حياء بأبخس الأثمان، رغم ما مربه البلد من أحداث كثير وما عانى حين سيطرة الزمر الارهابية وعبثهم بحياة آلاف النساء والطفولة، وإستغلالهم في معظم الحروب مما تركت آثارها النفسية والسلبية على حياة عوائل، أثناء الاعتداء الإرهابي على بعض القرى والمحافظات فكيف نسمح بتطبيق قانون مجحف للإنسانية بميول ذكورية، لا خوف من قانون يحمي الطفولة ولا وجل من الله، الفتاة القاصر هي أضعف البشر، ثم يحق لنا ان نتساءل، اين هو التوافق العاطفي والروحاني بين كهل وطفلة في التاسعة؟ وكيف يمكن أن يستمر هكذا زواج وارتباط البالغين نفسه محكوم بالفشل؟، أرحموا نعمكم.

هل من الممكن بحث سبل قانونية تزويج طفلة بدل أن نضع قوانين تعتمد تربيتها بإدراك واعي داخل مناخ أسرة صالحة بقاعدة رصينة لتربية الأبناء بين زوجين على قدر مسؤلياتهم الفكرية والاجتماعية والثقافية لتنشئة جيل المستقبل، وهل مؤسسة الزواج تقوم على اُسس النضوج الجسدي فقط، أليس من الأولى أن يتكافل النضوج الجسدي مع النضوج العقلي ليكتمل بناء متين لتخطي معظم عقبات الحياة باستيعاب فكري وثقافي؟، ليكون الأهم بنية قوية الأساس في داخل الأسرة وتربية أبناء أصحاء عقليا وجسدياً للمجتمع!!. فهل ظهور علامات فسلجية وبايولوجية معناه نضج عقلي، بل حتى لا يعني نضوج اجهزة لاكتمال جسد امرأة.

أن الإجحاف المرعب بحق الطفولة والفتاة القاصر عند إجبارها على الزواج وهي في مرحلة انتقال جسدي تحتاج لتفهم هذه المرحلة العمرية المؤثرة نفسيا ولتتقبل تغيرات جسدها كأنثى خلقها الله لتشارك الرجل الحياة وتقاسمه المهام الحياتية الصعبة، في كل المراحل وخاصة حين تكوين أسرة، ولأن العائلة أساس المجتمع والمرأة أساس العائلة، والعائلة عالم اجتماعي مصغر ولأجل بناء دولة، وهناك الكثير من العقد النفسية تصاب بها القاصر وبسببها يختل توازن الأسرة، والتي تتراكم من بناء حياة على عدم التكافؤ، فالزواج حياة شراكة بكل مرها وحلوها فاذا كانت الزوجة قاصر محتاجة رعاية أبوية لطفولتها، أكيد تتفاقم المشاكل من علاقة غير سوية النضوج الفكري، وبالأخيرستؤدي الى الطلاق وما أكثر أسبابه، أو تستمر حياة مريرة المشاكل، فتترتب نتائجها انحرافات عدة مثل انسياق وراء الخيانة أو ممارسة الرذيلة، لدرجة ارتكاب جريمة للخلاص من ورطة الإرتباط، اتقوا الله بذرياتكم وقوارير بيوتكم.

ما نراه في مجتمعاتنا العربية تسلط وأعراف ذكورية منحازة لحق الرجل أكثر، وأن المرأة هي الجنس الوحيد المعرض للتخلص من وجودها كفرد من العائلة، وباسهل الطرق أحيانا بلا رادع ضمير، بطردها من أسرتها بحجة الزواج ألم تكن مسؤولية الآباء ان يكد ويتعب من أجل أن يربي على مستوى مقدرته بعيش كريم، الأبناء لا ذنب لهم في مجيئهم للحياة تقول الآية الكريمة (نحن نرزقكم وإياهم)، فحقهم مسؤولية الوالدين لحين ما يقوى عودهم وينضج فكرهم.

 ومن واقعنا المؤلم عدة قصص عن تزويج القاصر، وتداولها كسلعة لكسب الأموال فهي لا تملك حريتها الإنسانية ولا حول لها ولا قوة على فهم ما يحدث، تباع وتشترى بعد أن أصبحت عملة نخاسة، وأحيانا لعدة مرات دون أحراج خُلقي ولا ضمير حي، ولأنه لا توجد حماية من الدولة تحد هذه الظاهرة المتزايدة التطاول بلا ضوابط قانونية صارمة لحماية الطفولة والبنات القاصرات خاصة، وبما أنه لا أحد له حق التدخل للدفاع عنها وهي ملك الأب الجاهل حصرا، أو الولي كيفما تكون درجة نسبه أخ ..عم ..خال.. جد، وبما أن الأم لا تستطيع الدفاع عنها فيما لو كانت واعية لما سيحدث، فهي مملوكة حتما وبضاعة جارية له ومعرضة للتعنيف بشتى الوسائل، وهي الملامة لأنها أنثى وأنجبت أنثى، سيكون كلاهما حملا ثقيلا على عاتق الأب المتاجر ببنته والغير مسؤول.

وبتسييد ابوي لا تستطيع هذه الأنثى (الطفلة البريئة) أن تدافع عن حرية اختيارها للتزويج أو للدراسة أو حتى بيعها لآخر، وهناك قصص واقعية موجودة على السوشيال ميديا عن أب يبيع بناته من أجل أن يصرف على عربدته وملذاته، أو لزواجه من أمرأة أخرى، وأحيانا كثيرة لم تتقبل أمرأة الأب تربية بنات زوجها بعد الطلاق فتكون الضحية الإجتماعية الأولى هن البنات فيسعى لبيعهن أو يعرضها للتهديد بطردها أو الرضا بتزويجها وربما تعنيفها حتى الموت للتخلص منها، أو استغلالها كمصدر رزق له بدفعها للتسول في الشوارع، وحتى البغي أحيانا أخرى، فكيف نحد من هذه الظاهرة .

والمعروف أن بعض من العوائل الفقيرة تسعى لتزويج بناتها للخلاص من ثقل اعالتها المادية وعاهل تربيتها، فليس لها رأي أوقناعة أو وجه نظر عما يحدث أو ما يترتب لحياتها المستقبلية فتستوعبها!!، وأيضا غير مسموح استشارتها، وربما تتفاجأ بتزويجها لرجل دون علمها فهي أمام أمر واقع أذ لا مفر من تنفيذه بحق حياتها كاصدار حكم الإعدام بلا شرعية استئناف وقتل براءة الطفولة خصوصا أذا كان الزوج بعمر كبير غير مناسب لعمرها وهذا واقع حال حدث ويحدث كثيرا على مستوى اجتماعي، فلا تستطيع أن تتنفس ببنت شفة وإلا يكون مصيرها العنف، الطرد، الغصب على ماهو عليه من قرار أبوي ذكوري لمصلحة الأب أو الأخ.

وأحيانا كثيرة تكون عملة متداولة لحل مشكلة عائلية وبين عشيرتين باعطائها بما يسمى عشائريا (فصلية) هبة للتراضي بينهم لا رجعة عنها حتى تحرم من رؤية وزيارة أهلها، فكم من بنات قاصرات تُزَوج من أجل حل مشكلة عشائرية وفداء لقاتل تتعرض للمعاملة السيئة والإذلال من الزوج وأهل القتيل وربما تكون زوجة رابعة وخامسة، جارية مستعبدة لا قيمة لحياتها الا لخدمة البيت بذل وإهانة واعتداء وتعنيف وربما تُحرم من لقمة العيش لتدفع حق القاتل بتلك المعاملة، تساق كسوق الأبل والحادي وليها المهم ذكر، وهنا يكون القاتل متنعم بحياته لأنها أخته أو بنت عمه، والأعراف جارية المفعول بفضل تشتت القانون وغياب وجه العدالة.

واعزاءاه : لو سُن قانون السبايا علنا، يبخس حق الطفولة، وإزهاق روح البراءة بتفسيرات شهوانية لتخريب كيان الأسرة من أجل التخلص من مسؤولية البنات، فأي قوانين قاصرة تناقش داخل برلمان دولة وتنفذ بإصرار مخيف على مجتمع ممزق، فما يبقى لمعنى وطن يزهق أرواح أبناءه بطرق شتى، أتكون دولة كل همها فرض قوانين تستقطب من نصوص إرهابية، تستند على تفسيرات أجرامية التطبيق أو تأويلات لأحاديث لا اعتقدها مؤرخة بشكل صحيح بل مفربكة التناقل ضمن فترة زمنية محددة لحكم أو سلطة، فكيف لقاصر أن تربي أسرة وهي محتاجة الى تربية واعية،

وأن تم الموافقة عليه سيكون قانون علني لسبايا القرن الواحد والعشرين، سبايا جدد تساق لحتفهم المرعب بدل حمايتهم من وحل الخطيئة ومصائد البغي والإعتداء المنظم والغير منظم من مشاكل بيع الأعضاء والمتاجرة بالمخدرات وغيرها من العصابات المتعطشة للمال والدماء والجريمة المنظمة’ فهي لا حول لها ولا قوة إذ القانون يدعم إذلالها والسقوط في هاوية المتاجرة بلحمها ودمها وعمرها وشرفها وحريتها وأنسانيتها، وبدل ما نبحث عن حلول لمشاكل استغلال الطفولة والمرأة بإشراف مؤسسات الدولة لتطيح بالمجتمع لحضيض الأخلاقي بحجج البعض أن كثير من القاصرات تُزوج ولا يضمن لها القانون أي حقوق فليصدر قانون بحق تزويج القاصرات كي يضمن لها حق قانوني!!، لما لا يصدر قانون حمايتها من التزويج القاصر؟.

فهل الدولة في صدد أصدار تعديل شنيع بحق إنسانية الطفولة ترتكب بحقها كل أنواع الظلم والإعتداءات ولا أحد يستطيع الدفاع عنها فهي ملك حر للولي، فأي أعراف إنسانية ستخط تلك القوانين؟. أليس من العدل والكرامة والحرية ولخاطر عيون الديمقراطية أن تُسن قوانين دعم الطفولة بدل أن يسن قوانين ضدها، الى متى نبقى في لغط الرغبات وميول عاطفية تتحكم بالقانون بحجج ما لها من سلطان.

لذا نحتاج لحلول قانونية جذرية والألتزام بها من الدولة والمجتمع بدعم الطفولة، القاصر، والمرأة قانونيا واجتماعيا وعلى المنظمات المدنية والمؤسسات الحكومية وقفة مساندة واحدة بعمل دورات تثقيفية عن أهمية دور المرأة في المجتمع، وبمساعدة منظمات حقوق الإنسان مع مناقشة المعوقات من ذوي الاختصاص القانوني والاجتماعي وتبادل الآراء ومساهمات المرأة نفسها لتأكيد دورها الفاعل في الحياة مشاركة مع الرجل في المجتمع العراقي، ويفترض من الجهات المعنية والمختصة لإقامة دورات توعية للمراة والرجل وتعريفهم عن مسؤلياتهم تجاه الأبناء، للحفاظ على كيان الأسرة بما لا يتعارض مع أحكام الدين، لأنها أهم أساس في المجتمع. فتزينوا بهم وأدوا رسالاتكم على أثمن صورة تيمنا بالأية الكريمة 56 من سورة الكهف (المالُ والبنُونَ زِينةُ الحَياةِ الدُنيَا والبَاقِياتُ الصالحاتُ خيرٌعِندَ رَبكَ ثواباً وخيرٌ أَملاَّ)

كلما نود الإلتحام نتمزق فمن يرتق عيوبنا ومن يصلح أفكارنا لنكون دولة عادلة بحق.

***

إنعام كمونة

الأمة حال انتفضت من رقدتها وطردت نعاس العدم، تصدى لها المفكرون والمصلحون والمنوّرون بالخداع والتضليل، فحوّلوا إنتفاضتها الحضارية إلى عصف مأكول، ذلك أنهم طرحوا كلمات مجوفة، بلا رؤية وآلية للتحقق والإنجاز.

ولازلنا نتغنى بأعلام النهضة العربية، وما تساءلنا أين هي النهضة؟

وما هي الإنجازات التي أعدوا الأجيال لها؟

منذ الأفغاني ومحمد عبدة، وما قبلهم وما بعدهم، طُرِحَت الأفكار، ولم توضع خرائط واضحة للنهوض كما حصل في أمم الأرض الأخرى.

ما جرى في واقعنا العربي، أن قادة النهوض تواصلوا بالطرح الخيالي، المنقطع عن الواقع المعاش، وما تمكنوا من رسم معالم الطريق الصاعد إلى آفاق الحضارة المعاصرة.

فعندما نقرأ لهم نتعجب من روائع أفكارهم وصحيح تطلعاتهم، وما جاهدوا في سبيله، لكنهم كانوا يصفون وينظرون ويطلقون العبارات البليغة والأفكار المنيفة، وما فكروا بكيفيات تحقيقها، فوجدتنا عبر أجيال وأجيال رهائن للنظرية والتطبيق، وقد عجزت جميع الأحزاب والحركات والدعوات الإصلاحية  النهضوية عن إنجاز نظرياتها، وتحقيق شعاراتها، فالعلة التي تجاهلها المفكرون هي آليات تطبيق الأفكار، واكتفوا بالطرح وبالتحليل والتبرير والتفسير، وما قيمة ذلك، إن لم يدفع إلى آليات إنجازية ذات قيمة فاعلة في المجتمع.

وحتى اليوم، السائد في الواقع الفكري والثقافي طروحات نظرية خاوية، خالية من قدرات التحول إلى ممارسات يومية نافعة، فالجميع يتحدث بمثالية وبأنه يعرف قولا ويجهل عملا أو فعلا.

حتى أدعياء الدين تراهم يتحدثون في خطبهم ومواعظهم، وكأنهم أنبياء وتعاين أفعالهم فتجدها لا تليق بشيطان رجيم، وتتعجب من هذا التناقض الفاضح ما بين القول والفعل.

وهذا السلوك عاصف في أرجاء الأمة، منذ منتصف القرن التاسع عشر، وفي ذروته القصوى الفاعلة فينا اليوم.

ولا يمكن التحرر من خدعة التفكير وتضليل المفكرين للأجيال، إلا بتعلم مهارات كيف، أما البقاء في خنادق لماذا، فلن يجلب سوى السوء والوجيع.

وأين مناهج العلم فيما تناوله المفكرون؟!!

***

د. صادق السامرائي

11\6\2021

 

  وكنتُ قد قرأتُ في سالفٍ من زمن غالب مؤلفاته رحمه الله تعالى، وتابعتُ حلقات برنامجه التلفازي الشهير "العلم والإيمان" كافة، وإذ كنتُ يومئذٍ نَهلاً من شروحاتهِ اللطيفة، وذَهلاً منبهراً بتأوّهاته الرهيفة. بيد أنيَ اليوم، وبينما قطفاً أتصفحُ له سطوراً من مؤلفاته، أو خطفاً أتابع مقتطفاتٍ من برنامجه، وبينما شيبتي باتت في موقد الرأس تَشتعلُ، إذ أشعرُ أن خواطره تلك لا تتوائم إلّا مع فئة من الناس شيباً وشباناً من الذين لا يمسون كتاباً يُعينهم على امتلاكِ ما في الفلاة من نياسم، وإدراكِ مافي الحياة من طلاسم. وأرانيَ أقول ذلك كي أتشجَّعَ ولا أتسجَّعَ في تبيانِ كبوةٍ فادحةٍ في ذي عبارة؛ (إذا رأيت الناس تخشى العيب أكثر من الحرام، وتحترم الأصول قبل العقول، وتقدس رجال الدين أكثر من الدين نفسه...فأهلا بك في الدول العربية). ولعمري إنها لهفوةٍ من د. مصطفى كانت قادحة، وبها تجنّ قاسٍ على أمتنا العربية وغير مبرر، وما كان ينبغي له رحمه الله أن يُفصحَ عن ذا تصريح،

ذلك..

أن أمم الأرض كلها أجمعين اليومَ هي أمم حمَّالة لما إنتقدَ من صفات، ولولا فضل الله ﷻ ورحمته المهداة ﷻ لما آمن بشراً، ولمَا اهتدى الى سواء الصراط والى ارتواء الفضائل، بل لكان د. مصطفى نفسهُ اليوم أولَ الناس نراهُ مضطجعاً ومربوطاً بعقدةٍ من حبلٍ أو خرقةٍ من قماش مع إبهامِ القدمِ لهبل العظيم أو للات أو للعزى ينتظر منه الشفاء من داء الشقيقة أو من داءٍ غيره.

  ثم إن د. مصطفى ورُغم انه عاش في زمان العلوم واستنارته بما تعلَّمَ من قراطيس علميةٍ أو فلسفيةٍ، لكنه ومع كل علومه المختزنة في دماغه لا يعدلُ مثقال ذرة من حكمة (عبد المطلب بن هاشم)، ولا يرتقي الى فهم (أبي الحكم بن هشام)، ولا الى إدراك (الوليد بن المغيرة)، فلقد كان كل رجل منهم جبلاً من الحكمة سيَّارةً في كل فضاء، ونَبلاً من الفصاحة طيَّارةً تحت كل سماء.

  أفلم يرَ د. مصطفى رحمه الله ﷻ أن امتنا اليوم تخشى العيب قبل الحرام لأنه (حرام)، ولو لم يك حراما لما خشيته. ثم انها تحترم الأصول قبل العقول لأنها أصول (سماوية) وما هي بأصولٍ أرضية ولو كانت ارضية لتمردت عليها. ثم إنها تقدس رجل الدين أكثر من الدين ذاته، ليس عن سذاجةٍ منها بل لأنها أمة راقية صادقة النوايا، ولا يمكن أن تظن برجل الدين على أنه مخادع كاذب دجال، والمسلم الموحد فيها والذي لا يدعو مع الله ﷻ أحداً تراه لا يُخدَعُ من أمرٍ مرتين. وإنما كلُّ امرئ ينظر على الناس من خلال نقاء وصفاء دواخله، وهذا ما فعله الحسين رضي الله عنه معنا نحن أهل العراق رُغم التحذيرات من عدم الرحيل شطر ديارنا لأنه كان ينظرُ الينا من خلال نقاء سريرته هو لا من خلال غدرنا نحن، فما كان يتخيلُ قط أننا سوف نخذله أو به نغدرُ، ورضي الله تعالى عن عبدالله بن عمر بن الخطاب إذ كان يقول: "من خدعنا بالله انخدعنا له".

  ثم إن قيمة أيةِ أمة هي من قيمة ووزن الكتاب المنزل عليها من ربِّ السماء ﷻ. ثم إن أمة العرب هي أمة وقّافةٌ على الحق المبين وليس كما تهجَّمَ عليها بذا وصفٍ غريبٍ معيب.

  ثم كيف لم يتذكرْ د. مصطفى عباقرة الغرب من علماء فيزياء ومن أطباء، وهم يهرعون -رغم عبقريتهم- في يوم الأحد الى الكنائس كي يلتمسوا من (ابن الله) الطمأنينة والخلاص؟ وكيف لم يتفكر في عباقرة اليابان من علماء النانو وكيف يهرعون اليوم -رغم عبقريتهم- الى المعابد كي يلتمسوا من (بوذا) البركات والسعادة، بل وكيف لم يتدبر عدد الملحدين في الأمم الأخرى؟ ولو أنه تدبرَ لما تجبَّرَ، ولعلمَ أنهم يشكلون الأكثرية في تعداد أممهم.

  إن التهجم أو الإنتقاص من أمة العرب (سواء في مراحل ما قبل الإسلام أو مابعده) لهو جريمة كبرى لا تُغتفر، ولا ينتقص منها إلّا من كانَ في نظرهِ قُصر، وفي بصرهِ فُقر، وتراه يَستَعجِلُ التصريحَ بما فَهِمَ ظنَّاً منه أنهُ به قد عَلِمَ، بل وظنَّ أنه أضحى عليماً بما في الزبر.

  ثم إننا كلنا أجمعين مهووسون بشتم أمتنا في صبح وفي مساء وما أبرئ نفسي، وترانا ننسى انه من غير اللائق أن يقول ربُّ الدار لضيوفه؛ (ان كنتم تحبون اللغو والصخب فأهلاً بكم في منزلي بين أسرتي)، وكان من الواجب عليه ان يُهذبَ افراد اسرته على فضيلة الهدوء بذكاء، وأن يُشذبَ منهم رذيلة اللغو بعواء، وربما جاز له أن يقول لهم سراً بينهم ساخراً من لغوهم هذي العبارة بغية استنهاض فضيلة الهدوء في نفوس افراد أسرته داخل الدار. لذلك ما وبَّخَ نبينا رسول الله ﷺ امته قطُّ حتى ولو تلميحاً، بل ما وبَّخَ خادماً أو مولىً عنده لأنه ﷺ يعلم ان الناسَ، كلَّ الناسِ ما هم إلّا قطعان تحتاج الراعيَ الهاديَ المرشد وليس الى اللائم الغائم، ولسانُهُ عن لين القول نائم.

إن ربَّ أمة العرب الحكيم ﷻ الخلّاق لها والعليم بها قد وصفها بأسمى وصف (سواء قبل الإسلام أو بعده)، فقالَ عنها سبحانه وتعالى:

(خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).

قال ﷻ : (أُخْرِجَتْ)

ولم يقل ﷻ : (خَرَجَتْ)، فتأمَّل، تأمَّلْ يا رعاك الله الفرق بين الفعلين، ففي الفرق سر الأمر كله، وسر التشريفِ كله.

(أُخْرِجَتْ)؛ أي أخرجها الله جل في علاه بيديه وليس خروجاً كما (خَرِجَتِ) الأممُ الأخرى، فتَجَمَّلْ بكمال ذا الوصف وتَكَمَّلْ بعظمته.

ورحم الرحمن ﷻ أستاذنا د. مصطفى محمود بوافر من رحماته، وأشهدُ أنه كان إنساناً نبيلاً ومفكراً جليلا.

***

علي الجنابي

 

مذ خطا الإنسان أولى خطواته في التحضر على وجه المعمورة، أضحت مفردة التغيير ضرورة لامناص منها في يومياته، فحينها لم يكن له من معالم الحضارة مَعْلم، الأمر الذي حدا به أن يستحدث وسائل وآليات وسبل عيش، تعينه على العيش والتأقلم مع متطلبات الحياة، ولما كان العقل ميزة ميزه خالقه بها، فقد وظفه لخدمة طموحاته وتلبية حوائجه. وحتى اللحظة لم يبرح التغيير ملازمته في حله وترحاله، حاضرته وباديته، وها نحن نشهد كل يوم تغييرا في نواح عديدة من حياتنا، على يد متخصصين وعلماء وخبراء، لم تعد تخلو منهم ساحة من ساحات الأمم ولاسيما المتقدمة منها، فباتت مفردة التغيير من أكثر المفردات التي تتناقلها الأفكار، وتتلقاها الأسماع، وتتداولها الألسن، فالكل ينشد التغيير، والكل يرحب به ويسعى الى إدخاله في حساباته.

في وادي الرافدين، هناك مفردة أخرى مرت عليه في حقب عديدة من تاريخه، تلك هي مفردة السقوط، والسقوط فيه طال سلاطين وولاة وحكومات، وكذلك أعراق وقبائل وشخصيات كانت تقطن ربوعه، وما يؤسف له أن مع سقوط هؤلاء تسقط متعلقات أمنية واقتصادية واجتماعية وثقافية عديدة، يقع وابلها ويتطاير شررها على أم رأس شعوب المنطقة، ومن كثرة السقوطات عبر التاريخ، صار التوجس والريبة في أمنهم واستقرارهم يساور نفوسهم، ومادام السقوط ليس جديدا في هذه الرقعة الجغرافية، فعلينا أن نتوقع حدوثه في أي حين وأية مرحلة نعيشها، وهو حدث يشمل التغيير ويتضمنه بأشكاله ووجوهه كلها حتما.

ويجرنا الحديث عن وادي الرافدين حتما إلى بغداد، فقد سبق أن كبلتها مفردة السقوط أكثر من مرة على مر تاريخها، والتاريخ يحدثنا بكل صراحة وشفافية عن هذا، إذ هناك ما يزيد على 20 واقعة سقطت فيها بغداد بيد حكم أجنبي، منذ إعادة تشييدها عام 762 للميلاد، في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور. ومن أبرز تلك الأحداث سقوطها يوم الأحد الموافق 10 شباط عام 1258م على يد هولاكو بن تولوي بن جنكيزخان، وتُنسب إلى الوزير آنذاك ابن العُلقُمي قصيدة، قالها متألما على أحوال بغداد والخلافة:

كيف يُرجى الصلاحُ من أمرِ قومٍ

ضيعوا الحزم فيه أي ضياع

فمُطاع المقالِ غيرُ سديدٍ

وسديدُ المقال غيرُ مُطاع

بعدها سقطت بغداد على يد تيمورلنك عام 1393م. وفي عام 1411م سقطت بغداد مرة أخرى بيد شاه محمد بن قرة يوسف، حاكم دولة "القرة قوينلو" التركمانية. ويتوالى سقوط بغداد، ففي عام 1466 تمكن جهان شاه من دخولها. وفي عام 1508هاجم الشاه إسماعيل ملك فارس بغداد. بعدها دخلها السلطان العثماني سليمان القانوني وكان ذلك في عام 1534م، وبقيت المدينة تحت حكم العثمانيين نحو 90 عاما. وفي سنة 1623م سقطت بغداد مرة أخرى على يد الشاه عباس الأول. وفي عام 1638م استعاد السلطان العثماني مراد خان الرابع المدينة، التي بقيت تحت الحكم العثماني حتى عام 1917م، حيث سقطت بيد البريطانيين إبان الحرب العالمية الأولى، ووُضعت في سنة 1920 تحت الانتداب البريطاني، وفي العام نفسه حدثت ثورة شعبية قامت على إثرها حكومة وطنية، وفي عام 1932 تخلص العراق من الانتداب البريطاني وانضم إلى عصبة الأمم. أما سقوطها الأخير فقد كان بالأمس القريب في التاسع من نيسان عام 2003، وفي الحقيقة أن بغداد لم تسقط بل سقط حاكمها وحزبه وأزلامة، وهذه المرة على يد القوات الأمريكية، وتسلمها حكام عراقيون فعادت إلى أحضان أهلها.

على هذا المنوال، مرت القرون على وادي الرافدين، إذ بين سقوط وسقوط هناك سقوط، وهاهي البلاد تنهض بتَرِكتها نافضة غبار السقوطات رغم جراحاتها، وقد حق فيها تغزل الشعراء والرواة والمؤرخين، فمما أنشده نزار قباني فيها:

بغدادُ عشتُ الحُسنَ في ألوانه

لكنّ حُسنَكِ لم يكنْ بحسابي

ماذا سأكتبُ عنكِ يا فيروزَتي

فهواكِ لا يكفيه ألفُ كتابِ

***

علي علي

 

القتل بالكلمات من أبشع وسائل القتل، وما أمهرنا في إستعمال الكلمات لقتل بعضنا وتدمير وجودنا.

فالكلمات قذائف ذات قدرات متنوعة للتدمير والإمحاق، وفقا لمعرفة خطورتها وتأثيراتها وآليات قذفها في العقول، لنحت أفكار ومواقف وسلوكيات فاعلة في الوسط المكاني والزماني.

الكلمة من أدوات أسلحة التدمير الشامل، لأنها تحث في البشر طاقات سلبية تسعى لتدميره وإخراجه من كينونته وتغيّب ذاته وموضوعه، حتى يكون من ألد المعادين لهما.

فالكلمة السيئة المدججة بما يؤهلها للإنفجار تتحول إلى فاعل نشيط في تدمير الهدف المطلوب، فلا يبذل الأعداء سوى صياغة الكلمات وبثها بين الناس لتمارس دورها التدميري الفعال.

وأمتنا تفعل بها الكلمات ما تشاء من الخرابات والإتلافات المتنوعة، وسُخرت لهذا الغرض أقلام كبيرة سقطت في مستنقعات الغفلة، وتوهمت بأنها تقوم بواجب نبيل، وهي المُسخرة لأغراض خفية، ومسوقة بآليات تمنعها من النظر الواضح، فتتحرك كالدمى وتؤدي وظائف لو وعتها لأجهزت على نفسها.

وتجد المواقع الإعلامية تعج بالأقلام القاذفة للكلمات القاتلة، والقاضية بإشعال الحرائق وتحويل الوجود العربي إلى دخان لتزداد الأبصار عماءً، وتفقد الخطوات مواضعها، ويفنى البشر بالبشر، وهو في غثيان من شدة سكره بالكلمات المحقونة في رأسه المثمول بالضلال والبهتان.

فلننتبه للكلمات وإستعمالاتها، ونتعلم كيف نصوغ العبارات الإيجابية، الحاثة على البناء والتفاؤل والقدرة على صناعة الحياة الحرة الكريمة.

وعلينا أن نعزز ما نذهب إليه بمختارات مشرقة من مسيرة الأمة الحضارية، بدلا من التركيز على بطولات الدم وإشاعة ثقافة التوحش والإفتراس، وفرض قوانين الغاب الشرس الفتاك.

إن الأمة بخير عندما تكون الكلمة الطيبة نبراس وجودها وبوصلة مسيرها، وعندما تتوفر لديها مناعة كافية ضد الكلام الخبيث الساعي إلى إنثلامها.

فهل سترعوي الأقلام وتتبصر الأفهام؟!!

***

د. صادق السامرائي

26\12\2021

 

ما علاقة اليسار بالفضائح "الأولمبية" للسلطات الفرنسية اليمينية ورئيس حكومتها المثلي جنـ سيا في افتتاح أولمبياد باريس؟ أليس الرئيس اليميني ماكرون هو الذي يكافح منذ أسابيع لحرمان اليسار الفرنسي من الحصول على استحقاقه الانتخابي؟ ركز بعض المعلقين في مواقع التواصل الاجتماعي على تحميل اليسار مسؤولية ما حدث من إساءات للديانة المسيحية وخصوصا في وضع أحد المثليــ ين الجنسيــ ين في موضع السيد المسيح في لوحة العشاء الأخير.

* لا يمكن إنكار دفاع بعض فصائل وتيارات اليسار الأوروبي عن المثــ لية الجنــ سية وتبنيها كموقف شأنه في ذلك شأن جهات من اليمين وحتى بعض الكنائس والمؤسسات. إن ظاهرة شرعنة والتبشير بالمثلية الجنسية ليست محصورة باليسار بل هي ظاهرة اجتماعية سياسية أورومريكية عامة تشارك فيها جميع الاتجاهات السياسية والفكرية اليوم، وتتظاهر حتى الاتجاهات المحافظة والدينية والقومية بعدم معاداتها وتسكت عنها بدليل الصمت الشامل الذي لف فرنسا وأوروبا بعد الإساءات التي حدثت للمسيح والمسيحية ليلة أمس. وهكذا سيكون في هذا التركيز والتكرار لما قالته وكالات الأنباء المنحازة ضد اليسار وخاصة وسائل الإعلام الروسية والمتضامنة دائما مع اليمين القومي، أو الأوساط الجاهلة بحقائق الأمور شيء من التسرع والمغالطات!

فأولاً، رئيس الدولة ماكرون يميني ومناهض لليسار، ورئيس حكومته غابريال عطال هو سياسي يمني ومثــ لي جنســ يا باعترافه هو في البرلمان، ووزير خارجيته ستيفان سيجورنيه مثــ لي أيضا.

وثانيا فإنَّ الحكومة الفرنسية الماكرونية هي التي شكلت "لجنة تنظيم الاحتفالات الأولمبية" برئاسة توني ستانجيه (وهو رياضي سباح وبطل أولمبي عالمي ثلاث مرات ويحسب على التكنوقراط ولا علاقة له باليسار) وظلت لجنته تخطط وتنفذ منذ ثلاث سنوات وأن هذه اللجنة الحكومية لا علاقة لها باليسار الفرنسي الذي يقبع في المعارضة منذ عدة عقود وليس في الحكم.

* لعل الصحافي أنس حسن قد عبر بدقة عن احتفالية باريس الأولمبية حين كتب: "أما حفل باريس، فهو عمل فلسفي تبشيري بامتياز، إنه صلاة "دينية" لحضارة النيوليبرالية في شقها الثقافي، ومنتجاتها الدينية الجديدة، من عبادة الجسد، وتعزيز الشهوانية كمقصد وغاية للوجود البشري.. الانقضاض على الأديان بعامة، والمسيحية بخاصة، ففرنسا في الافتتاح تسخر من المسيح، وتستبدله وحوارييه، بلوحة جندرية شهوانية، كعنوان لانتصار إله "اللذة" على إله "الألم".. في نسق ثقافي تبشيري، وكذلك في عرض "انقسامي" يعادي أغلب التوجهات البشرية الحالية لأكثر من سبعة مليارات إنسان.. كان حفل باريس حالة "استعلاء" بالإيمان "الإلحادي / النيوليبرالي" على كل أديان العالم، وثقافات الشعوب، في دولة تعاني من صعود اليمين المتطرف وقارة بدأ يأكلها اليمين".

أختم بالقول إن توخي الدقة في نقل الأخبار والتعليق عليها بموضوعية يجنبنا الكثير من اللغط والوقوع في شراك إعلام اليمين واليمين المتطرف الفرنسي والرجعي عالميا ومكايدات المتعصبين من كل لون وانتماء، وإلا سنصدق ذات يوم الهراء الذي يكرره دونالد ترامب ونعتبره محقا حين يتهم كامالا هاريس بأنها يسارية متطرفة!

والسلام على يسوع الفلسطيني ، نبي المساواة المحبة!

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

 

انشغلنا في الأيام الماضية بأحوال وأخبار النواب الذين قرروا مقاطعة البرلمان ما لم يتم إقرار تعديل قانون الأحوال الشخصية، ولا يعرف المواطن المغلوب على أمره : لماذا يصر بعض النواب الشيعة " حصراً " على إقرار مثل هذا القانون رغم أنهم يتحكمون في رقبة البلاد ورقاب العباد . وفي " هوجة " البرلمان، مر علينا خبر مثير نشره النائب أمير المعموري في صفحته على موقع " الفيسبوك .. الخبر مع الوثيقة يثبت صرف وزارة المالية مليارات الدنانير "كمنح مالية" إلى الأحزاب السياسية.. حيث كتب المعموري يخاطب المواطن المسكين : "هل تعلم يصرف للأحزاب السياسية منح مالية من الموازنة، حيث تم صرف 18 مليار دينار، والصرف مستمر في موازنة 2024 بـ5 مليار دينار. "

في كل مناسبة يخرج علينا مسؤول سياسي كبير من الصوبين "الشيعي والسني" وهو يتغنى بمحاسن الدولة المدنية، لكن ما أن يترك المايكروفون حتى تجده في الخفاء يخطط ويسعى لإقامة دولة دينية على مقاسه، تحفظ له السطوة والمال والامتيازات، وكان آخر هذه الخطط تغيير قانون الاحوال الشخصية

ورغم الاعتراضات والكتابات التي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي، يتخذ السياسيون شعار لا أرى.. لا أسمع، فهم يعتبرون هذا الشعب مجموعة من الأسرى لرغبات السياسيين.

وقبل أن يتهمني البعض بأنني أناصب العداء لساستنا " ولمشاريعهم في إصلاح أحوال الأمة، إسمحوا لي أن أسأل أيهما أهم قانون الاحوال الشخصية، أم قانون للضمان الصحي والاجتماعي؟، أم قوانين لتشغيل العاطلين، ورفع مستوى الخدمات؟.. الناس لا يعنيها أن يراقب أحد سلوكها وتصرفاتها، القوانين لا تعني شيئا إذا كانت حقوق جميع الناس منهوبة ومستلبة، فالقوانين تشرع من أجل خدمة المواطن، وبناء دولة المؤسسات.

هل نريد أن نتحول إلى دولة دينية؟ طبعاً من حق الأحزاب الإسلامية أن تنفذ مشروعها السياسي، لكن علينا أن لا ننسى أن كل هذه الأحزاب ظلت أيام الانتخابات، تصدع رؤوس المواطنين بالحقوق المدنية والديمقراطية.

ايها السادة الوطن ليس بحاجة إلى قوانين يختلف عليها العراقيون، بقدر حاجته إلى قوانين تدافع الناس وتفضح السراق والمزورين .

وفي ظل التصريحات النارية حول قانون الأحوال الشخصية خرج علينا خطيب من محافظة البصرة وهو يصرخ ويندب ويطالب باقرار القانون، ولم يكتف بذلك بل أخذ يسخر من الإمام ابو حنيفة دون مراعاة لمشاعر طيف من المجتمع العراقي، فقد اكتشف الشيخ أن العراق لايمكن ان يسير بقانون " ابو حنوفي " هكذا وصف ابو حنيفة .. ويبدو أن الشيخ جاهل في قراءة التاريخ ولا يعرف أن "أبو حنيفة" مات سجيناً لأنه رفض محاصرة وقتل أحفاد "الإمام علي"، وكان من أبرز المساندين لثورة زيد بن علي.

***

علي حسين

 

ياقوت: حجر من الأحجار الكريمة وهو أكثر المعادن صلابة بعد الماس.

مدينة معروفة عند العرب وفي الأوساط العالمية، وتجدها شاخصة في معظم متاحف الدنيا، وفي إحدى متاحف بكين طالعتني سامراء، كما تجدها في المتاحف الألمانية وغيرها في العالم، ولديها جناح خاص في متحف الميزوبتونيا في واشنطن، ويضم ما عثر عليه ووثقه مكتشف حضارة سامراء الألماني "إرنست هرتزفيلد ".

وفي إحدى المحاضرات عنها في واشنطن، وجدت أحد الحاضرين طالب دكتوراه ألماني يدرس للتخصص بحضارة سامراء.

والعجيب لا يوجد من أبنائها مَن يتخصص بحضارة مدينته، ويهتم بمسيرتها ويدرس ويبحث ويكشف عن روائع ما قدمته للبشرية عير العصور، وقبل أن تكون عاصمة للدولة العباسية (222) هجرية.

والمدن بأهلها، ورغم المصدات، إذا لم يكن أهل المدينة على قلب رجل واحد، ويعرفون قيمة مدينتهم وضرورة إحياء وجودها الباهي العزيز، فالأيادي المناوئة ستعيث بها وتمحق دورها وتلغي قيمتها.

فالمطلوب توعية ثقافية شاملة بالمدينة التي يجهلها معظم أهلها، ولا يعيرون إهتماما لمجدها الحضاري وقوتها الإبداعية، وما أسهمت بإقامته في ربوع الإنسانية.

المدينة متحف حي يحكي قصصا لا تتكرر لندرتها وأصالتها، وبراعة القائمين بها، وما حصل فيها من أحداث جسام، رسمت خارطة الحياة وأوضحت معالمها، وأسست لتفاعلات ذات نتائج خطيرة، ومحطات إنتقالية كبيرة.

فلا بد من مهرجانات متكررة تشرح مسيرتها وأحداثها للأجيال، وشارع طويل على جانبيه تماثيل للخلفاء والشعراء، والرموز العلمية والمعرفية التي عاشت فيها.

سامراء جدباء وهي منبع الخير والنماء، يُراد لها أن تغطس في رمال النسيان، وتسحقها سنابك العدوان، لأنها أشرقت وقادت الدنيا ورسمت معالم مسيرتها لأكثر من نصف قرن.

فسامراء المعاصرة يجب أن تلد "سرَّ مَنْ رأى" الرائدة الخالدة في وعي البشرية، والقائدة لفنون العمارة السامقة وثوراتها الجمالية الفائقة.

فهل لسامراء أن تكون وتتألق؟!!

***

د. صادق السامرائي

22\6\2023

 

يؤخذ على بعض النصوص التي تتش لبعض اصحاب المواهب الناشئة، ان فيها شيئا من الركة،دون اشارة الى الخلل الحاصل فيها من النقد البنّاء، بقصد التقويم والتعديل..

وهنا لابد من الاشارة الى ان هناك مواهب ابداعية، طاقات شبابية ناشئة وواعدة..في المجالات الأدبية، والشعرية والسردية، والقصصية .. والبعض منهم بتحصيل علمي متواضع،وخبرة قليلة.. وبالتالي فان اهمال تلك المواهب وعدم المبادرة لدعمها وتحفيزها، او تثبيطها بالنقد الصارم، او يغيره من الأسباب، يعني أن تلك المواهب ستبقى مجمدة، وخاملة .

وحيث إن تلك الطاقات الكامنة تحتاج إلى تشجيع، لكي تغادر حالة السكون، وتأخذ دورها في الإبداع، والشروع بالعطاء، فإن الأمر يتطلب من الجميع تفهم الحال الخام لتلك المواهب،ومن ثم المبادرة لتشجيعها وتحفيزها على نشر نتاجاتها، لتجاوز معوقات التفتيق ابتداءً، ومنها بالطبع اختراق حواجز التهيب، سواء، النقدية الاختصاصية منها، أو المحترفة،او المتلقية غير المتذوقة، والتي ربما لا تزال تحد من انبثاق إبداعات متألقة، وذلك بقصد الدفع بمواهب تلك الطاقات، الفصحى منها، والشعبية، إلى المبادرة لإلقاء محمولاتها من الممكنات الإبداعية، والعطاء الشعري نصوصا للتلقي، وقراءات للتداول في محافل الساحة الأدبية،ومجالس السمر، دون تردد .

ولذلك فان موازرتهم، وتشجيعهم والأخذ بيدهم لتجاوز التقييدات، وتنحيتها جانباً مؤقتا في بعض معاييرها، سيمنحهم فرصة تفجير طاقاتهم اولا، ومن ثم ثقلها بالخبرة لاحقا، لكي يتمكنوا من أخذ مداهم في طريق العطاء المتوهج مستقبلا.

***

نايف عبوش

 

كتب صديقي الشاعر والأديب المرموق الذي ارتحلت زوجته الى الرفيق الأعلى منذ سنوات بعد حياة مشتركة امتدت لأربعين عاماً، ومن ثم تفرق ابناؤه عنه كل يسعى لتحقيق "حلمه" فبقي وحيداً في داره يكابد وحشة الوحدة وقسوة التقدم في العمر نصاً مؤثراً بل موجعاً أقتطع مقاطع منه:

[- أتساءل بحسرة شديدة وتكاد الجهشة تتراءى على وجهي كلما تذكرت حياتي الاولى مع جلجلة الأولاد ودوران امرأتي في البيت وحركاتها الضاجة ؛ اين ولّى ذلك الضجيج الطفولي وهرَج الفتيان وصخبهم الصباحي خاصةً ؛ وكلٌ يبحث عن ضالّته فذاك يفتقد حقيبته والآخر يبحث عن حذائه تحت السرير ويجده اخيرا تحت الدرج.

- هنا أدعو الذاكرة ان تستعيد نشاطي الاول حينما انهض باكراً وأجمع أولادي ليشاركوني إعداد طعام الإفطار قبيل الذهاب الى مدارسهم وقد كنت اعتمد على أربع خطوات لا بد من انجازها في تهيئة مائدة الفطور.

- كنت انتقي ما عندي من فواكه لتكون مادة اساسية واختار من ألوانها وأشكالها بما يشابه شكل الحلوى طعاما مستساغا للطفل لتفتح شهيته معاندا مطالب سيدتي في ترك الاولاد وشأنهم ليأكلوا ما يشاؤون للحاق بمدارسهم.

- لم أكن أعطيهم الحليب وأجهد في منعهم من شربه الاّ بعد ان يتناولوا طبق الفاكهة وشيئا من الخضار الموضوعة في الصحن، لئلا تمتلئ بطونهم ويعزفوا عن تناول الفواكه والخضر.

 - ولا انسى حزمي الشديد يوم كنت امنع اطفالي من اخذ الصحون جانباً ليأكلوا امام شاشة التلفزيون اثناء العشاء او الغداء فقد توجست خيفة ان الطفل يأخذ منحيين عند الاكل حينما يرى فيلما من افلام الكارتون مثلا ؛ فأما ان تقلّ شهيته وهو منشغل بمتابعة الشاشة بحيث ينسى الأكل ويتفاعل مع الفيلم وما يراه على الشاشة او يزداد نهمه مع متابعة ما يرى مما قد تسبب له السمنة المفرطة مستقبلا.

ينتقل صديقي الأديب من الأمس السعيد المتسم بالبذل الى الراهن المؤسف الذي يصطبغ بالجحود فيقول:

- امام هذا السكون الذي اعيشه الان بين قراءة الكتاب مع ما تتخلله من اتعاب بسبب العيون الواهنة، ألجأ بين الفينة والاخرى الى مشاهدة بعض الافلام المنتقاة والتجوال في غاليريهات اللوحات الفنية مما يقدمه الانترنيت لنا والاستماع الى ما يقوله المفكرون في محاضراتهم ومن ثم التجوال السريع بين الصحف والمجلات والمواقع الاخبارية للاطلاع على ما يدور في هذا العالم من عجائب وغرائب ومن سكينة ومن صخب اختلي بنفسي في ساعات الليل المتأخرة لأكتب ما يجول في نفسي دون ان يقحم خلوتي احد افراد اسرتي لأقوم بطرده خارجا حتى أكمل ما بيدي كما كان يحصل في السابق حين كان البيت مليئاً بالحركة.] انتهى نص صديقي...

وعندما تابعت ما كتبه بعض من أصدقائه يواسونه قرأت بعض مما كتبوا وكان:

- اللهم الصبر الجميل...

- واصبر فالصبر بلسم...والزمن يداوي الجراح.

- قرأت في وجعك وجعي يا أبا...

-اثرت المواجع...

- هذه المعاني الموجعة يمر بها الجميع...

- وكأنك تكتب عنا جميعا...

[انتهت مداخلات أصدقاء صديقي].

قضية صديقي الأديب ليست قضية عامة يمر بها كل أب لكنها ايضاً ليست حالة منقطعة مرَّ أو يمرّ بها هو وحده، لكنها اتسعت في السنوات العشر الأخيرة في العراق وربما في دول أخرى... وهي ليست قضية خلاف يحصل بين أفراد العائلة في مقتبل تكوينها فيركن للصبر باعتباره بلسماً انما قضية رجل يعيش أو كما هو يعتقد في الربع الأخير من حياته وهو – وهذا مهم جداً- يشعر بان حاجته للرعاية مثل حاجة أبنائه يوم كانوا أطفالاً وربما أكثر مع فارق انهم في ذلك العمر لا يجيدون غير البكاء والصراخ للتعبير عما يختلج في نفوسهم أو وما ينقصهم من حاجات في حين انه وبمثل عمره كل حواسه شغالة ليعبر بها عما يعتمل في نفسه من احساس بالظلم إزاء التقصير غير المبرر في معاملته من قبل الأبناء وبشكل مضاعف، في الحالين معاً:

- عندما يسارع الأبناء للهجرة دونما مبرر مقنع وعندما أشير الى الهجرة المبررة وغير المبررة فإني أأخذ في الحسبان إننا في العراق وقبل عام 2003 تحديداً كنا وبسبب حروب نظام صدام المستمرة والتي تجعل من الأبناء مشاريع دائمة للموت الى جانب القهر والملاحقة الدائمة والمستمرة من قبل أجهزة نظام الاستبداد ندفع أبناءنا للهجرة بغية الخلاص والسلامة الجسدية لهم على الأقل دون أن نبالي بما نتحمله من معاناة نفسية جراء ذلك...وفوق هذا فإن عوامل الجذب في غير حالات الاضطرار كانت قائمة وعلى أشدها في بلاد الهجرة وهذا غير متوفر اليوم...

 - أما الحالة الثانية فهي عندما يرى الأبناء أن لهم حقوق على الآباء ولكن مع تحللهم من أي مسؤوليات أو واجبات تجاههم وقد تستمر نظرتهم الى تلك الحقوق المترتبة على الآباء لزمن غير محدود وربما تمتد من المهد الى اللحد فيستمر الابن في سلوكه الطفيلي على الأب رغم اشتداد عوده وتقدمه في السن وكأن الأب خلق لهذا ولهذا فقط.

حالة أخرى عرفتها عن كثب من المناسب المرور عليها: صديق مرموق آخر يحمل أعلى درجة علمية في مجال اختصاصه،أجبرته ظروف سياسية ليتغرب عن أهله وأبناء مدينته حتى بلغ السبعين قام خلالها بواجباته كأب على أفضل ما يكون وتخرج أبناؤه الأربعة ثلاثة منهم أطباء والرابع مهندس وأغلبهم يحمل مؤهلًا عاليًا في حقل اختصاصه، سقط نظام الاستبداد فسنحت له الفرصة لأن يعود الى مدينته ولكن هذه المرة ليرأس أعلى مؤسسة علمية فيها "رئاسة الجامعة الحكومية"، فشعر إن حلمه آن له أن يتحقق لخدمة مجتمعه والتعبير عن ذاته في آن معاً، ليقول لمن يعرف قدره أو يبخسه: ها أنا ذا...وطبعاً صاحبي اعقل من أن يطلب من ابنائه أو أي منهم مصاحبته لمدينته العتيدة لما يعرفه من التزامات كل منهم الوظيفية أو المهنية ولكن لو كنت أحد أبنائه لقلت له : أبه يا أبه...والله أني مقدر وقع أبي تمّام على نفسك وهو يقول:

كم منزل في الأرضِ يألفه الفتى... وحنينهُ أبداً لأوّلِ منزلِ

وإقراراً مني بواجب البر لك وعرفاناً بفضلك فإن عقلي يسبق لساني لأن أقول لك ما قاله سعد بن عباده: "لو خضت بنا البحر لخضناه معك ما تخلف منا واحد "لكنك يا ابتي تعرف الوظيفة والتزاماتها وتعرف المهنة وغطاها ولك منا أن ننظم نحن الأربعة جدولًا دوريًا شهريًا بمقتضاه يزورك في مدينتك العتيدة أحدنا، وربما يتم "التسخيت" لاحقاً ليقتصر الأمر على الأعياد السنوية "الفطر والأضحى ورأس السنة وعيد الأب" أما أن أجد صاحبي عشية العيد يهيئ حقيبته ليسافر ليُعيد على أبنائه بيوم العيد واسأله: هل يزورونك في العيد...؟ فكان جوابه موجع بل صاعق عندما قال: احتفلت قبل أقل من سنة بعيد ميلادي الثالث والتسعين وحدي ومضى على وجودي في مدينتي العتيدة 20 سنه ولم يزرني أحد منهم...! قلت هذه عبودية الآباء مقابل جحود الأبناء، وأنا شخصياً اتعامل مع الأمر على صورة أخرى هل تحب أن تسمعها...؟ قال تفضل...؟ قلت:

في تركيا وعدد من الدول العربية طبعاً وأوربا لا ينادون الرجل بـ أبو فلان بل باسمه الأول مصحوبة بـ سيد أو أخ وفي الغرب باسمه الثاني يعني اسم العائلة أو الجد إلا في العراق فإنهم ينادونه بـ أبو فلان أو فلانه واذا ما عنده ابن يسمونه أبو غايب حتى لو كان فلان أو غايب "مطلع روح أبوه من خشمه".. والمشكله اذا ينادونه باسمه أو على الطريقة الغربية باسمه الثاني أو اسم جده يأخذ على خاطره.

ومن قراءتي لنص صديقي المؤثر حقاً بل الموجع وتضامن عدد من أصدقائه مما يؤشر أنهم يشتركون معه بالمعاناة نفسها من جفوة الأبناء واحيانا عقوقهم تولّدت لدي قناعة قد أطبقها شخصياً وانصح بها تقوم على خطوتين:

الأولى: مع الحبل السري للولد أرفق قصاصة مكتوب عليها: أي بني...اتعهد بأن أتولاك بالرعاية حتى يشتد عودك وأن أحبك بقية حياتك ولكن اعلم اني مثلما عظمك رخوا ويتعين عليّ رعايتك حتى يشتد فإنه بالتزامن مع اشتداد عودك فإن عظمي يبدأ بالوهن واحتاج للرعاية مثلك تماما يوم كان عظمك رخواً ويتعين عليك القيام لي بمثل ما قمت به لك طبقاً للقواعد النافذة قانونية أو دينية أو أخلاقية وإلا سأفسخ عقد الرابطة بيننا وليسموك باسمك أو ابن غايب...

الثانية: سأفكر جدياً باقتناء روبوت صيني أو كوري يعوضني عنك عندما تخونني رهافة عظم ترقوتي في التمكن من ادخال قنينة الغاز أو عبوة ماء الأورو ولن يعنيني وجودك من عدمه فأنا لا انحني ولا أتوجع ولن استجدي العطف من احد ولو كان اسمه فلان أو كان أسمه غايب وسأتخذ من الروبوت ابنا ووليا ولتذهب أنت وجحودك الى المستنقع...

بالمناسبه: الممثل الأمريكي كلينت استوود، البالغ من العمر 95 سنة، والحاصل على أربع جوائز أوسكار في كلمة له أمام الجمهور قال" :مرعب هو التقدم في العمر أليس كذلك، ها أنتم ترون كل شيء بأعينكم، عظام لا تتحرك بليونة، ونظر العينين متعبٌ لهما الضوء، والرئتين تغتنمان فرصة الراحة من البحث عن نفسٍ متعب جدا.. لكن المرعب والُمتعب أكثر هو حين تبلغ التسعين سنة ولا تجد أحدا ممِن تحبهم بقربك يستمع بتذمر لقصص تاريخك المليء بالبطولات الوهمية". لكن كلينت استوود اشغلته هوليود عن استشراف مستقبله في التسعين لكننا في العراق لا هوليودات تشغلنا عن استشراف المستقبل.

***

د. موسى فرج

طرحتُ الفكرة على صديق مختص بالتأريخ منذ سنوات، وهو أستاذ وعميد كلية، ورحب بالفكرة وقال هذا ما يعوزنا، لكنه طلب إطلاعِه على ما أكتبه، ومضيت أقرأ وأكتب، ولا أنشر إلا لماما، لأن المنقول في العُرف الجمعي مقدس، ولا يجوز التساؤل والشك والإستفهام، لكن القراءة النفسية الموضوعية تكشف عن تناقضات صارخة ما بين المدوَّن وطبائع السلوك البشري، وكأن المكتوب يخص أناسا من عوالم أخرى تضفى عليهم صفات لا بشرية.

وحاولت بين آونة وأخرى أن أختبر ردود الأفعال عن هذه القراءات التي ربما تبدو غريبة وصادمة، ومن العسير قبولها، ومن السهل إتهامها بما يحلو من الإتهام، مثلما يسوّغ الفقهاء رمي الذي يُعمل عقله في المواضيع الدينية بالكفر والزندقة، لأنه إعتدى على المنقول وحاول زعزعة المتعارف عليه، وأنار العقول بما لا يجب أن تنار به، لأن مناهج القطيع أحفظ للأمة والدين.

ونشرتُ بعض المقالات فاستحسنها عدد من أعلام الأمة، مما شجعني على مراجعة ما كتبته وإعداده للنشر، وبرغم ما فيه من غرابة وإقتراب غير مسبوق للحالات المدونة ، لكنها تستوجب النشر، ولو أنها مركزة وشديدة الكثافة، وتطرح أسئلة تحتاج من المهتمين بالتأريخ إمتلاك الجرأة العلمية للإجابة عليها.

فبحوث المؤرخين لا تأتي بجديد، وتعيد ذات الموضوعات، وتقدمها على أنها الثابت الذي لا يجوز المساس به، وكأن المدونات رصينة وصادقة ولا يصح النظر إليها وتحليلها وتنقيتها مما لا يقبله العقل، ولا يتوافق مع طبائع السلوك البشري.

وأكثر البحوث التي إطلعتُ عليها فيها ثغرات، وضعف في طرح الفكرة، والمعلومة، وحتى اللغة،

ولا ترتقي إلى منزلة بحث، ويمكن وصفها بالسردية التي أوجدها شخص لا همة له، ولا جرأة على التعاطي مع صلب الموضوع وجوهر البحث.

ولهذا فمن المسؤولية والواجب طرح قراءات في التأريخ، وفقا للرؤية النفسية والسلوكية بعيدا عن أي منظار آخر، فما لا يتوافق مع الطبع البشري يستحق الدراسة والتحليل وإستحضار الأدلة والبراهين، بدلا من تداوله على أنه حقيقة قائمة بفعل التكرار المرير.

وأرجو أن تؤخذ هذه القراءات على محمل الجد، وتجد مَن يستطيع أن يخوض غمارها ويسبر أغوارها، ويأتينا بما ينفع ويدفع إلى ما هو أرقى وأطيب، بدلا من تراكم الغثيث الذي يفت عضد الأمة ويبدد طاقات أجيالها فيما لا يفيد.

فهل لنا أن نعيد لنستعيد؟!!

***

د. صادق السامرائي

27\8\2021

ذُكِرَت في كتاب"بروتوكولات بني صهيون" الذي تداولناه في شبابنا أمورٌ كثيرة.. ومما ذكره بنو صهيون قولهم: منا ماركس ومنا فرويد ومنا دارون.

نفهم من ذلك المعنى؛ أن هذه النظريات وإن هي صحيحة، لكنها تسمى نظرية العامل الواحد، وليست نظرية العوامل المتعددة.. والتي تسمى بالنظرية العلمية..

والحالة هذه؛ فلا يمكن أن تكون نظرية عامل واحد مؤثر في حياة المجتمع هي النظرية العامة.. كما في عقيدة الشيوعيين.. التي تجعل العامل الإقتصادي فقط؛ هو المؤثر الرئيس في حياة الفرد والمجتمع، وكذلك "فرويد" الذي يعتبر العامل السايكولوجي هو العامل الوحيد، وكذلك "دركهايم" الذي يرى العامل الجغرافي المؤثر في حياة الفرد والمجتمع.. مع أنها كلها نظريات صحيحة، لكن ليست بعاملها الوحيد.. بل بالعوامل المتعددة، فالعامل الإقتصادي مؤثّر في حياة الفرد والمجتمع، والعامل النفسي مؤثّر في حياة الفرد والمجتمع، والموقع الجغرافي مؤثّر أيضا..

لكن؛ أن يصر أصحاب هذه النظريات على اعتبار العامل الذي به يعتقدون هو العامل الوحيد دون العوامل الأخرى.. هنا يبدأ خطر تدمير وتحجيم عقل الفرد وعقول المجتمع.. من خلال تبني تنظيمات سياسية؛ تقود المواطن والدولة بهذا الإعتقاد التدميري للوعي العلمي البشري العام..

هذا من حيث الطروحات الدنيوية، أما من حيث الطروحات الدينية.. فقد روّجت وكالات المخابرات الغربية إلى تنظيمات دينية مخالفة لجوهر الدين.. منذ عام ١٧١٠م؛ عندما أرسلت المخابرات البريطانية عشرةَ من رجالها إلى منطقة الشرق الأوسط.. إلخ ما ورد في كتاب "مذكّرات هامفر" المعروف للكثير من المتابعين..

من هنا نفهم الحقيقة.. عندما ندرك ماذا يعني تسلّط اللّوبي الصهيوني على القرارات السياسية الغربية.

و الذي أريد أن أفيد به من وراء هذه الجولة؛ هو تحذير شبابنا المتهوّر بالإنجرار وراء حركات أو تنظيمات أو أحزاب دينية أو دنيوية؛ أن ينتبهوا ويعوا ويدققّوا كثيراً قبل الوقع في شباك المخططات الصهيونية التي تسعى إلى أن تجعل منهم أدوات تدميرية للأمم من داخلها وهويتها.. لكي تؤثّر أكثر من تأثير الآتين من خارج الحدود.. بعناوين الإصلاح والتقدم والتغيير والثورة على الظلم والجور كذبا!..

وسوف لن يكتشفوا خيط الدخان هذا الذي كانوا يجرون خلفه؛ إلّا وقوع الكارثة وحصول الخيبة.. بعد انقضاء أجمل وأفضل مرحلة من مراحل عمرهم.. عمر الشباب.. عمر البناء والعطاء، فيقعدون ملومين محسورين في خريف العمر، الذي تنهار فيه الطاقات البشرية.. سيراً إلى شيخوخة الرحيل !!!!

وﷲُ من وراء القصد؛؛؛

***

رعد الدخيلي

 

الأرض تدور والعالم يتغير، وخالق الأكوان له في كل يوم شان، وكل مَن عليها فان، وقرننا الحالي المولود من رحم القرن العشرين، بما أوجده من منطلقات وآليات إنطلاق مطلقة، فيه من التحولات المتنوعة ما لم يخطر على بال الأجيال من قبل، فأيامه لا تتشابه، والمسافة بين أعوامه شاسعة، وعقوده ذات تفاعلات فريدة ومتجددة.

وترانا أمام أجيال القرن العشرين الذين لا يزالون يتمسكون بما عهدوه في مسيرتهم عبر العقود، ويحسبون أن الورق سلطان، والكتاب الورقي دائم التفاعل مع الإنسان، ويغفلون عن قصد إرتباط الأجيال الصاعدة بالشاشة، وتفاعلها مع الكلمات المقرونة بالصورة والصوت.

الذين جمعوا الكتب طيلة حياتهم، يحتارون بمصيرها، فهذا قريبي وذاك صديقي يناشدونني أن أخلصهم من الكتب التي بحوزتهم، بعد أن ألقى خريف العمر بظلاله على وجودهم.

وأحدهم أعرفه وقد ترعرع على جمع الكتب والعيش فيها، فلديه عشرات الآلاف منها، ولا يدري ماذا يفعل بها، لا تقبلها مكتبة، ولا تريدها مؤسسة، وهي جاثمة على صدر بيته.

دور النشر كثيرة وهمها أن تكسب ولا يعنيها مصير الكتاب، ونوعيته وقيمته المعرفية، فالكتاب في عرفها

بضاعة لا غير.

وربما كغيري أحاول أن أقلل من عدد الكتب في مكتبتي، لأنها تملأ حيزا وتأبى الرضوخ لإرادتي، فعلاقتي بها تتآكل مع الأيام.

أراقب الجيل الجديد، فأجده أشد إلتصاقا بالشاشة، وما فيها من منصات تواصلية ومنابر تفاعلية تستحوذ على الوقت، وتبعد الناس عن الكتاب.

قبل هذا القرن، كانت البيوت التي أزورها على مناضدها كتب، ويدور الحديث حول الكتب، أما الآن فلا تجد ذلك بسهولة، فالكل أمامه شاشة باحجامها المتنوعة.

في العقود الماضيات كان الناس يحملون معهم الكتب التي يقرأونها، واليوم ينظرون في شاشة الهاتف النقال، الذي صار كالمشيمة التي تربطهم بالحياة.

فهل " أوفى صديق إن خلوت كتابي...ألهو به إن خانني أصحابي"؟!!

***

د. صادق السامرائي

الكراسي ذات فحولة عارمة، لاتخص مجتمعات الأمة، وإنما فاعلة في كراسي المجتمعات الأخرى عبر العصور.

فالجالس على كرسي السلطة فحل الفحول، وصاحب قوة لا تُضاهى.

ومن الأمثلة على الفحولة الفائقة، أن الخلفاء يقدَمون للأجيال على أنهم أكباش وسط قطيع من الجواري والغلمان.

فمنذ ما قبل التأريخ، والقادة يقدَمون على أنهم أصحاب فحولة طاغية.

ولهذا تجدنا أمام قصص أشبه بالخرافات، فيذكرون أن هذا الخليفة لدية أربعة آلاف جارية، وذاك مئات الجواري، وغيرها من التدوينات الخالية من الواقعية والصدق.

أكثرها أكاذيب مسطورة وبتكرارها تحولت إلى حقائق يصعب الإقتراب منها، ومساءلتها والبحث في مدى مصداقيتها.

الفحولة المرسومة لا تتوافق مع قدرات البشر الفسلجية، وتقدّم الفحل المهيمن على السلطة على أنه آلة روبوتية، لا هم لها إلا المواقعة اليومية للجواري والغلمان على مدى ساعات اليوم، وفي ذات الوقت يبدو بطلا عسكريا وسياسيا بارعا وصاحب إنجازات، ويصلي في اليوم كذا ركعة، ويتصدق، ويغزو، ويدير شؤون الإمبراطورية بكفاءة وفحولية خارقة.

فهل يصح في الأفهام هذا الهراء الهزيل؟

والحقيقة أن القراءة النفسية للتأريخ تكشف أن معظم أصحاب الكراسي، كانوا في حالة من القلق الشديد فالشكوك والمخاوف تتملكهم، ولا يستطيعون النوم بأمان تام.

وأكثرهم يموت مبكرا أو تدبر له مكيدة نكراء.

فعن أي فحولة وقدرات توهمية يتحدثون؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم