أقلام حرة

علي حسين: دمشق صادق جلال العظم

كان شاعر سوريا الكبير بدوي الجبل يشرح لجلاسه مفهومه للوطن فيقول: إنه مبني على ثلاث قواعد هي: الحرية والملكية والكرامة، فإذا كنت أعيش في وطن قضى فيه رئيسه على حريتي وداس على كرامتي وسلب ملكيتي، فماذا يستطيع العدو أن يأخذ مني وأنا لا أملك شيئاً؟ ". اتابع مثل غيري من المهتمين بالشأن السياسي ما جرى وما يجري من احداث واتذكر ان هذه البلاد بتاريخها الممتد قرونا وقرونا ستظل حتما مثلما وصفها عالم الجغرافيا الادريسي قبل ما يقارب الألف عام:" أكثر مدن الله بهجة في العالم بأسره".

وأنا اتابع الاحداث في سوريا اتذكر فصيلة من المفكرين والكتاب السوريين الذين اغنوا حياتنا، واشاروا بصدق الى ضرورة الحرية والعيش بكرامة وكان منهم الياس مرقص، ادونيس وجورج طرابيشي، ياسين الحافظ وزكريا تامر، حنا مينه وغادة السمان، والمفكر صادق جلال العظم الذي أثّر بجيل كامل من المثقفين، في نقده الجريء للمؤسسة الدينية، فالكاتب الذي تخصص بالفلسفة، وعشق الادب هو نفسه صاحب أهم كتاب عن النقد الذاتي لهزائم العرب، حاول من خلاله تفنيد خطاب الأنظمة العربية، التي تحولت من جمهوريات مستقلة الى طوائف وقبائل وعشائر.

كان في التاسعة من عمره حين سمع مدرس الدين يحذرهم من عذاب الجحيم، عجزهُ عن استيعاب حجم العذاب الذي سيتلقاه بعد ان يموت زاد من حيرته.

نشأ في عائلة تدافع عن التنوير والعلمانية، كان والده جلال العظم أحد العلمانيين السوريين الداعين الى دولة مدنيّة، ولأن المعرفة والبحث والجدل دائما ما تؤدي بأصحابها إما الى السجن او المنفى، فقد اختار العظم ان يعيش في بيروت التي فتحت أمامه أبواب النشر ليقدم خلال سنوات قليلة عشرات الكتب توزعت بين نقد الفكر الديني الذي ظلت صورته راسخة من خلال مدرس الدين الذي يدعو إلى استبدال الدنيا بدار الآخرة، والأقرب الى عقله الفكر الماركسي الذي خصص له القسم الاكبر من اهتمامه، وسعى الى تطبيق منهجه على الدراسات النقدية من خلال عدد من الدراسات. في تلك المرحلة المضيئة كان صادق جلال العظم ينام حالماً بعالم العدالة الاجتماعية، لكنه يفيق على صوت المشاحنات السياسية ومعارك الرفاق.

نقرأ سيرة صادق جلال العظم ونتمنى ان لا يغيب الصوت المدني عن دمشق، وان لا يستقوي المسؤولون الجدد بالطائفة بدلا من الوطن وان ينحازوا للدولة العلمانية التي قرأنا عنها في كتب صادق العظم، وان لا تتحول صفة العلماني الى تهمة تؤدي بصاحبها الى الرجم.

نتذكر صادق جلال العظم لان كلماته باقية، ونتذكره ونحن نتطلع ان تبني بلدان العرب على ثلاثية بدوي الجبل الحرية والملكية والكرامة.

***

علي حسين

 

في المثقف اليوم