أقلام حرة

أقلام حرة

الوعي الجمعي محكوم بالغابرات المتصورات وفقا لما أرادتها أن تكون عليه المدونات، وأغلبها لا تنقل الحقيقة بل تكتب بمداد التملق والمحاباة وإرضاء ذوي الشأن والسلطان.

فهل وجدتم مَن يكتب بصدق وأمان؟

إن السلوك الذي إتبعته الأقلام بأنواعها عبر مسيرة الأمة، أنها ترتزق بما تكتب، فالشعراء والمؤرخون والأدباء المفكرون والفقهاء، وبلا إستثناء، كانوا يسعون للإرتزاق مما يقدمونه من كتابات ورؤى وتصورات، فهمهم ما يغنمون وقربهم من كراسي الظلم والعدوان على حقوق الإنسان، بإسم الدين الذي يمثلونه وبموجبه ينوبون عن رب العالمين.

وما ينتشر في الأوساط التواصلية محكوم بالغابرات، ومنقطع عن الحاضر والمستقبل، وما مضى حالة متخيلة يُضفى عليها صور وتهيؤات لا تتصل بالواقع الذي تجسدت فيه.

فلا تفترق كثيرا عما كان دائرا في حينها من تفاعلات بين البشر، وأكثرها توحشية دموية صاخبة، وهي صراعات قِوى ومحاولات هيمنة وإستحواذ على ما عند الآخر أيا كان ، فلا علاقة للدين بها، وإنما إستعملوه  كمطية لتأمين السلوك العدواني على الآخر.

وهذا الأسلوب التفاعلي رافق البشرية منذ عصور ما قبل التأريخ.

فالقول بأن سلوك هذه الجماعة لم يكن متصفا بما كان سائدا، لا يمت إلى الواقع المحتدم بصلة واضحة، وإنما هو تحليقات فوق الحقائق والبراهين، وإنكار للطبع البشري، ونزعات النفوس الأمارة بالسوء.

فلا يمكن القول بأن مسيرة الأمة كانت تختلف نوعيا عن مسيرة أية إمبراطورية عاصرتها أو سبقتها، وما تحقق في بعض مراحلها كان نتيجة لبلوغ العلوم لدرجة من التقدم، وتوصل العقول إلى رؤى وتصورات إستطاعت أن تعبّر عنها بقدرات زمانها ومكانها.

ومما يثير الشكوك ويستدعي تفعيل العقول، أن المدوّن عن المراحل قبل بضعة عقود يكشف مدى التعبير المحكوم بنزعات النفوس المتفاعلة مع القلم والورق، قكل يدوّن ما يراه، لا ما جرى وحصل، فالتدوين لم يكن نزيها وإنما متأثرا بما يتوهمه الكاتب.

"وما كُتب التأريخ في كل ما

روت لقرائها إلا حديث ملفق

*

نظرنا لأمر الحاضرين فرابنا

فكيف بأمر الغابرين نصدق"!!

فلنُعمل العقل بما نقرأ، وبجرأة الباحث الأمين عن الحقيقة!!

***

د. صادق السامرائي

تحولت مواقع التواصل الاجتماعي في بلاد الرافدين والبلدان المجاورة لها، إلى ساحة صراع بين مؤيدي قرار أمير الكويت بحل مجلس الأمة وتعطيله، وأنصار الحفاظ على الديمقراطية، ووجدنا من يصرخ :" إن صناديق الانتخابات هي وحدها التي تقرر مصير ملايين الناس".

ولم يلتفت صاحب هذه الصرخة إلى ما فعله بعض النواب الكويتيين الذين ينتمون إلى تيار الإسلام السياسي، ومحاولاتهم لتضييق الحياة على الناس، حتى قرأنا أن عدداً من النواب طالب باصدار قانون يحظر إجراء عمليات التجميل، ووجدنا عدداً آخر من نواب مجلس الأمة الكويتي يصرخون من أجل منع دخول الكتب والمطبوعات من خارج البلاد حفاظاً على القيم.

وأنا أقرأ التعليقات المؤيدة لقرار أمير الكويت والتعليقات المنزعجة منه لفت انتباهي تعليق يلخص صاحبه المشكلة حيث كتب :" بشخطة قلم ارتحنا لمدة 4 سنوات من سماع أصوات بعض الدجالين والمشعوذين اللي دمروا الكويت من أجل مصالحهم الشخصية " وتمنيت لو نمتلك من لديه سلطة " شخطة القلم " هذه ليخلصنا من مجلس نوابنا الذي تحول من مؤسسة مهمتها تشريع القوانين التي تخدم العراقيين جميعا بلا استثناء إلى منصة تبث رياح التفرقة والطائفية بين العراقيين . في مقابل صاحب عبارة " شخطة قلم "، كان هناك فريق يتباهى بالتجربة الديمقراطية في العراق حيث كتب مواطن عراقي يتمتع بخيرات ومحاسن مجلس النواب :" مبروك عليكم موت الديموقراطية " . الذين يتباهون بديمقراطيتنا، لا يريدون أن يلتفتوا للحاضر قليلاً. في بلد مثل العراق يمتلك ثروات هائلة صنفته مجلة "فوربس" الأمريكية، بأنه واحد من أبرز الاقتصاديات العربية، بناتج محلي يصل إلى "191" مليار دولار عداً ونقداً، في الوقت الذي ينتظر فيه المواطن العراقي أن يحتفل باليوم الذي يتخلص فيه من المولدات والبطالة ومن شعارات عالية نصيف.

سيقول البعض يارجل، صدعت رؤوسنا بالكتب والتغني بمقولات روسو وفولتير، واليوم تقف مع انقلاب ضد الشرعية، أيها السادة على مدى عشرين عاماً عشنا في هذه البلاد مع مجالس نواب منتخبة ليس لديها شيء تقدمه للعراقيين، مهمتها إعلان الحرب على النساء وحقوقهن، وإعلاء شأن كل فاشل وانتهازي وسارق .

ظلت الناس تأمل بسياسيين يعلون مبدأ الحوار السلمي، شعارهم القانون أولاً وأخيراً، لكنهم وجدوا أمامهم عقلية سياسية تتعامل مع الجميع باعتبارهم أعداء للوطن وعملاء للخارج، كانت الناس تأمل بسياسيين يخرجون البلاد من عصر الفساد والقمع إلى عصر الحريات، فوجدوا أمامهم نواب يريدون إعادة البلاد إلى زمن القرون الوسطى وعهود الظلام.

التغيير ليس بانتخاب مجلس نواب، بقدر ما هو تفكيك بنية سياسية ترى في كرسي البرلمان حقاً شرعياً، وتعيد إنتاج الفاشل كل مرة بوجه جديد وبشعارات وخطب جديدة.

***

علي حسين

 

ذات يوم قال طه حسين " التعليم كالماء والهواء وحق لكل إنسان"، فلو كان بيننا لتبين له بأن ما كان يدعو إلليه صار حقيقة فاعلة في الأجيال المعاصرة.

فالمعرفة متوفرة للجميع، وكتب الأجيال ومكتباتها تحت طلبه، في جهاز صغير يحمله في جيبه، ويسأله عما يريد فيأتيه الجواب فورا.

آلاف الكتب يستطيع الوصول إليها بتفاعله مع باحث كوكل، أو غيره من أنظمة البحث المتنوعة على شبكات الإنترنيت.

كنت أتحدث مع عدد من الشباب الصاعد، وما أن أقول كلمة أو أطرح فكرة، حتى أجدهم قد بحثوها في هواتفهم وأكدوها، ويضيفون لي معلومات جديدة، وبالصور والأدلة القاطعة.

فيا عميد الأدب العربي، المعرفة أصبحت كالهواء يستنشقها مَن يريد الوصول إليها وبسرعة خاطفة، ولا يتكلف عناءً سوى أن يكتب مراده على الشاشة الصغيرة لتحضر أمامه العديد من الخيارات، فيضغط على ما يختاره منها لتنفتح أمامه عوالم معرفية فياضة ومتجددة.

بل أن مقولة التعليم كالماء والهواء فقدت قيمتها لأن الزمن تجاوزها، وصار التعليم متاحا لمن يسعى إليه بلا عناء كبير، فالشاشات تقدم لنا العلوم بوسائل توضيحية غير مسبوقة، ويمكن التفاعل بين العقول عن بعد، فعالم القرن الحادي والعشرين تنتفي فيه المسافات، وتنكمش الكرة الأرضية لتكون أصغر من كف اليد الواحدة.

فأنت لست معنيا بالبحث في الكتب والمكتبات عندما تريد الكتابة في موضوع ما، وما عليك إلا أن تستحضر ما كُتب عنه  في شبكات الإنترنيت التي تغنيك عن ألف كتاب وكتاب، بل أن ثورات الذكاء الإصطناعي أصبح لها دور متطور ومؤثر في صياغة الأحداث والتطورات وآليات التفاعل مع المخلوقات، إضافة للثورات الإليكترونية المتنوعة التطبيقات.

فما أسهل التعليم والفهم وفقا لمعطيات عصر السرعة، الذي يطغى على الموجودات الأرضية، ويدفعها للإنطلاق البعيد نحو عوالم كونية ستسبرها بإرادات إليكترونية فائقة.

فهل نحن نعلم أم نتعلم، يا أمة وعلمنا الإنسان ما لم يعلم؟!!

والضلال في ديارنا كالماء والهواء ويغرق فيه كل إنسان، فالسمع والطاعة من الإيمان، وتعطيل العقول هو البرهان!!

"وقل ربي زدني علما"!!

:وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"!!

***

د. صادق السامرائي

 

ذكريات العهد الفريد

نعم لقد كانت ليلة خالدة من ليالي كوالالمبور الكاعب الدعجاء، ليلة شاع فيها الطرب في النفوس، وسرت اللذة في المشاعر، ولاحت على الوجوه الكالحة المجبولة على السماحة والكرم علامات الجزل والارتياح.. ليلة تخللتها أغاني ماجت لها القلوب، وأحاديث انفطرت لها الأفئدة تفوه بها شماريخ امتلكوا ناصية اللغة وخناذيذ انفتقت ألسنتهم بألفاظ عسجدية تنزهت عن شوائب اللبس، وخلصت من أكدار الشبهات، ألسنة تمجد ذلك الرعيل الذي جلب الاستقلال لسوداننا الذي مازالت تركض فيه المصائب، وتتسابق إليه النكبات، تلك الكوكبة التي لها أناة الوزراء، وصولة الأمراء، وتواضع العلماء، وفهم الفقهاء، والتي كان لها هدف سامٍ شبت في مهده، وتحركت في اطاره، هدف من أجل تحقيقه سلكت درباً غير مأنوس، وعبدت طريقاً غير مألوف مهدته بالمهج والجماجم حتى تسير قافلتنا نحن غير ظلعاء أو وانية، ولم يدر في خلدها أنّ من انحدروا من صلبها سوف يتراشقون بالسهام، ويتقارعون بالكلام، ويكيلون لبعضهم القدح جزافاً، حتى غرقت البلاد في عصبية رعناء وقبلية ممجوجة.

إلا أنّ تلك الجموع الهادرة التي قصدت على حرد ذلك الفندق الراسخ البنيان، الموطد الأركان، الذي يكمن فيه الجمال، ويسير بين ردهاته الكمال، أشاحت بوجهها عن الردى، وكفت يدها عن الأذى، وأصمت أذنها عن كلام يفصم العرى، ويضعضع القوى، ومضت خلف سجيتها التي فطرها الله عليها تعانق في إلفة، وتبتسم في وداعة، لقد أسقطت تلك الجموع الإحن والسخائم من صدرها الموبوء بضغائن توهن جلاميد الجبال، فانصدع ليلها البهيم، واستبان طريقها المظلم، وتجاوبت مع أصحاب الأصوات الندية وهم يرسلون النغم الشجي عذب الإيقاع، صافي الرنين، وألهبت أكفها بالتصفيق لرئيس الجالية الدكتور صبير الذي سحر العقول، وخلب الأسماع، بحلاوة لفظه، وطلاوة منطقه، وانتهجت نفس النهج مع السفير الذي يرفل في شرخ الشباب وميعته، الأستاذ نادر الطيب، الرجل الذي يتكأكأ حوله الطلاب لأنه جزل المروءة، جم التواضع،أغرُّ المكارم، لقد خاطب السفير الحفل بلفظ عذب سائغ حتى استرق قلوب المستمعين بحلاوة لسانه، وحسن بيانه، زاعماً أن السودان سوف تنجلي عنه غمرة الحروب، ويعود السلام إلى ربوعه، داعياً شريحة الشباب للتزود بسلاح العلم، وأن يكونوا أهلاً للتحصيل، ومن أهل القدم الراسخة في المعرفة، وناشدهم ألا يكونوا وثابين على الشر، مقعدين عن الخير، كما مكث خليط من الأساتذة الجامعيين ورجال السلك الدبلوماسي والأعمال وطلاب الجامعات والمعاهد العليا، يستمعون في خشوع العابد، وسكون العاشق، للبروفيسور أحمد إبراهيم أبو شوك، الموسوعي الذي ينداح في كل علم، ويستفيض في كل حديث، وهو موغل في حديثه المتزن الذي اجترَّ فيه الماضي وأماط اللثام عن زمرة ناوشت الدهر، وصاولت الزمان، حتى أتت بالاستقلال حنكةً وعنوةً، زاعماً أنَّ عدة عوامل قد ساعدت في جعل الاستقلال واقعاً معاشاً، منها العامل الأمريكي الذي كان يبحث عن موطأ قدم يحارب فيه الماركسية العجفاء التي كانت متفشية في ذلك الزمان، لقد سعى الأمريكان لاجتثاث شأفة المد الشيوعي وعملوا على تقويض دعائمه، وذلك بجلب الاستقلال لذلك القطر الشاسع، المترامي الأطراف، وأرادوا ضمه للتاج المصري، الأمر الذي رفضته النخب السياسية وتصدت له، ومن العوامل التي جعلت الاستقلال أمراً سجسجاً سهلاً، اندلاع ثورة ثلاثة وعشرين يوليو في مصر وسقوط النظام الملكي فيها، إضافة لإرادة الشعب الذي ليس بضعيف المغمز، ولا هش الحشاشة.

لعل الحقيقة التي ينبغي عليَّ ذكرها أنه لم يكن بين فقرات ذلك البرنامج الشيق، فقرة مدعاة للسأم أو مجلبة للكدر، حتى فقرة التكريم التي يتبرم منها الحضور في العادة عدها الجميع من أجمل فقرات ذلك الحفل الأسطوري، لأنها احتفت بنخبة من أصحاب العقل الراجح، والفكر القادح، علماء يُستضاء بضوئهم في الملمات، ويُرجع إليهم في المشكلات، على شاكلة العلامة البروفيسور مالك بدري، الأب الحاني لكل سوداني تسير قدماه في حواشي ماليزيا، والبروفيسور هنود أبية كدوف، القانوني الضليع، والسوداني الشهم الأصيل، وممن تمَّ تكريمهم الصوفي الورع الدكتور سعد الدين منصور والمهاتما حسن النقر، والبروفيسور مدثر عبد الرحيم، والأستاذ الدكتور إبراهيم زين، الرجل الذي يملأ شعاب القلب بالإعجاب، وزوجته الدكتورة نجاة محمود، والدكتور عبد الله خيري، وكثير الرماد الأستاذ السخي عبدون، وغيرهم من الأستاذة الأجلاء، إلا أنّ هذا التكريم غفل عن نفر يبسطون ألسنتهم بالمعروف، وأيديهم بالمعونة، لكل من يستحقها ومن لا يستحقها، مثل البروفيسور حسن أحمد إبراهيم، والأستاذ المشارك عائشة حسن هاشم، والإعلامي النشط طالب الدكتوراة العزيز سيف الدين حسن العوض، ومن ينطق الكرم من محاسن مناقبه، طالب الدكتوراة المبجل هشام ملاسي، ويحدوني الأمل أنّ تتدارك جاليتنا الفتية هذا القصور في برامجها المقبلة.

ولكن يُحتَّم علينا جميعاً في نهاية المطاف أن نزجي الشكر، ونعاود فيه حتى ينضب معينه لكل من أسهم في ذلك الحفل البديع الذي أجلى عنا غمرات الكرب، ومنغضات العيش، وخفف عنا وطأة الغربة والبعد عن الخلان.. سائلين الله أن يكون ميزان هذا العمل في رصيد حسناتهم.

***

د. الطيب النقر

هذا التركيب الفريد الذي يضم بين عناصره طيبة الإنسان العراقي، وشغف الكاتب بعوالمه، واستقامة وعفة الصداقة، وحنو الأب، والايمان بالثقافة حتى اللحظة الأخيرة من الحياة، وإعلاء قيمة المحبة . هذا التركيب العجيب احتواه شخص كانت الابتسامة لا تفارق وجهه لتختلط هذه الابتسامه بأسمه الذي اصرت والدته أن تسميه " باسم "، وكأنها كانت تعلم ان الابتسامة لن تغادر ملامحه، فمن النادر أن ترى باسم عبد الحميد حمودي من دون ابتسامته المتميزة .

واستميحكم عذرا ان تختلط مشاعري الذاتية مع تقييمي للراحل الكبير وانا اكتب عنه، ولكنني اظن ان الحديث يلمس جانبا ذاتيا، فقد عرفته منذ اكثر من ثلاثة عقود كان فيها هذا الانسان يقدم للآخرين افضل ما في دور المعلم من الحنان والاهتمام والرعاية .

يقول باسم عبد الحميد حمودي في اخر كتبه " العراقي الدكتور داهش " ان بغداد ظلت دوما موحية بتفاصيبل كثيرة، ولهذا لم يكتب عن بغداد باعتبارها ارثا تاريخيا وإنما كان يكتب عن القيم والمعرفة والحضارة، تفاصيل مدينة حاول باسم عبد الحميد ان يتفرغ لها ولحكاياتها، بل نستطيع القول انه عاش لها .

تربى باسم في بيت يعج بالكتب واحاديث الادب فوالده الاستاذ عبد الحميد حمودي تخرج من دار المعلمين العالية عام 1929 وكان من خريجي دورته الفنان عزيز علي وطاهر يحي رئيس الوزراء في عهد عبد الرحمن عارف، وعندما عين معلما في المدرسة الشرقية في الحلة كان من ابرز طلبته علي جواد الطاهر الذي خصص فصلاً من كتابه " اساتذتي " للحديث عن استاذه "عبد الحميد حمودي"، وفي متوسطة الحلة ارتبط بصداقة مدير المتوسطة الاديب الشهير ذو النون ايوب واستاذ اللغة العربية محمد مهدي الجواهري، في هذا الجو المشحون بالادب والفكر نشأ باسم عبد الحميد حمودي الذي بدأ حياته الادبية قاصا صدرت له عام 1958 مجموعة قصصية تحمل عنوان "أنا عاطل وقصص أخرى " وجاء على غلافها أنها " لوحات قصصية غرامية إنسانية واقعية "، وكان قبلها قد نشر عددا من المقالات في مجلتي الاديب والاداب اللتان تصدران في بيروت.

لم يشأ باسم عبد الحميد ان يحرمنا في الاشهر الاخيرة من حياته من كتاباته، وكان استمراره في النشر والتأليف يختلف عن استمرار غيره، فقد بدأ في الفترة الاخيرة وكأن هناك حلما يطارده، كأن عالم قديم يدعوه فلا يملك إلا ان يلبي الدعوة وأن يستمر في الكتابة كي تصل كلماته الى الناس . لقد مارس الصحافة بادوات الباحث، وكتب النقد الادبي باصرار الصحفي، واستهوته الرواية من اجل ان تصل رسالته وموضوعه الى اوسع دائرة من القراء ليمتعهم في معظم كتاباته بحكمة انسانية يقظة، تنم عن طيبة وذكاء ومحبة اصيلة للانسان، وكنا نتابعه وقد تجاوز الثمانين يتمتع بقدرة على إدراك العصر، ومتابعة اشكالياته، وروايته الاخيرة " الباشا وفيصل والزعيم " يدعونا فيها الى اعادة التفكير في نظرتنا الى التاريخ المعاصر والدعوة الى استخلاص العبر منه وهذا دليل على اهمية دور المثقف والذي حاول ان يلعبه طوال حياته، ان يكون مثقفا وطنياً .

استاذ باسم .. لكم نحتاج اليك في هذا الزمن، لكم نحتاج الى اضاءتك التراثية التي تنور العقول، وقلمك الهادئ .. لكنك اثرت الرحيل لنفتقدك، لكن صورتك ستظل شاخصة تذكرنا بالحكيم البابلي الذي لا يزال يجلس منذ الآف السنين، صامتا صامدا، وقورا، شاهدا، شاخصا نحو المستقبل، كذلك كنت ايها الباسم، وكذلك رحلت .

***

علي حسين

 

العلاقة بين العقل واليد من مكونات الحضارة، وكلما إقتربت المجتمعات من ذروتها التعبيرية عن جوهرها تواشج العقل مع اليد.

والمجتمعات التي لا تستطيع الربط بين العقل واليد لن تعاصر وتتقدم.

ومعنى ذلك القدرة على تحويل الأفكار إلى موجودات فاعلة في الحياة، وبهذا يتحقق التطور وتتنامى مفردات الحضارات.

في معظم مجتمعات الأمة، العقل عاطل واليد مشلولة، فأنظمة حكمها طاردة للعقول الفاعلة، ومعززة للعقول الخامدة المتقوقعة في أوعية السمع والطاعة، والأيادي لا تتحرك إلا للتصفيق للجائر الفتان.

بينما المجتمعات القوية المعاصرة، تمكنت من تفعيل عقول مواطنيها وتحريك الأيادي وتأهيلها لتتوافق مع إرادة العقل وتساهم في إنجاز ما تأتي به من أفكار وطاقات إبداعية تؤثر في دفع عجلات التقدم إلى مستقبل متنامي الإتساع.

فالعلاقة بين العقول والأيادي تواشجت وتلاحمت فأنتجت ما لا يخطر على بال، كما نعيشه من تطورات إليكترونية وتكنولوجية وإبداعية متنوعة، حتى صارت البشرية قادرة على تصنيع أي الأفكار، وتحويلها إلى موجودات مادية مؤثرة في مسيرة الأيام.

إنها الحياة الجديدة المعاصرة التي بلغتها البشرية بعد مسيرة طويلة، إجتهدت فيها بالبحث عن مستويات ذات قيمة عقلية وإنسانية لتعيشها، فكان ما بلغته من تقدم يمثل ذروة التفاعل الإبداعي بين العقول والأيادي المتوافقة مع أفكارها.

وما يعوز مجتمعاتنا العمل على تقعيل العقول وتحقيق العلاقة العملية القادرة على إنتاج التعبيرات المادية الواضحة عن الأفكار، فمعظم أسباب الفشل الفاعل في واقع الأمة، سببه  الخصومة المتفاقمة بين العقل واليد، فجميع الأفكار والنظريات والشعارات، باءت بخسران شديد لبعد المسافة بينها وبين القدرات اليدوية على تطبيقها، فصارت متخيلات في كتب مرفوفة.

فهل لنا أن نتعلم كيف نصنع أفكارنا لنكون؟!!

فالعقل بحاجة ليدٍ ماهرة قادرة على تمثل أفكاره، وتحويلها إلى كينونات متحركة فوق التراب!!

و"إذا تم عقل المرء تمت أموره... وتمت أياديه وتم بناؤه"!!

**

د. صادق السامرائي

 

أن المتدبر للقرآن والمتمعن بما فيه من بيان لكلماته نجد أشارتين لجميع خلقه (يا أيها الناس -  يا أيها الذين أمنوا) التي تتردد عل سطور الكتاب المقدس القرآن الكريم وهاتين الكلمتين تدل على أن الخطاب من قبل الله تعالى لجميع خلقه الذين تنطبق عليهم كلمة إنسان في زمان ومكان ولا تفرقه قومية ولا بلد حتى قيام الساعة ما دام تحت مفهوم الإنسانية والإيمان بالله تعالى والملتزم بتعاليمه حرفيا وهذا ما يدل على أن القرآن نزل لجميع البشرية ولجميع أجناسه وحسب متطلبات الحياة وقياس الفكر والعقل المتقبل لفكرة وجود الله الخالق الواحد في عقله وقلبه وعمله لذا نرى أن التعاليم الإلهية عبر الأزمنة المنصرمة نزلت مرتلة حسب نزولها وظروفها على الرسل والأنبياء كل حسب الحاجة وحسب التطورات الزمنية وكلما زاد الإنسان تطورا زادت الحاجة لتعاليم أكثر تطورا عن سابقتها وأكثر شمولية بنصوصها وتعاليمها  وهنا نجد أن كثيرا من الأقوام لم يحتاجوا إلا إلى نذر فقط أو مجموعة من التعاليم المحددة لظرفها الزماني والمكاني وبعدها تنسخ أو تبدل أو تعدل حسب تطور الزمن والعقلية وبناء المجتمع .

حتى وصلت إلى خاتمة الرسالات وهي الرسالة المحمدية التي حمل كاهلها سيد الأنام والكائنات النبي محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه ختم بها عصر الرسالات لأنها كانت شمولية لبني البشر جميعا ولكل زمان ومكان ليأخذ منها جيلا بعد جيل من حرامها وحلالها ومنهجها الأبدي ناسخة رسالات التي سبقتها علما أن الإسلام ومفهومه ونظريته وتعاليمه قابل لمواكبة الحداثة والتطور لما يحمله من أفكار وحلول تلبي الحاضر والمستقبل ليطبق على أرض الواقع وتبني مجتمعات واسر وتطوره فكريا واجتماعيا فهناك حلول بين دفتي القرآن الكريم بشرط تفسيره وتدبره ومعرفة خصوصياته ومنهجه في الفهم ومراده بصورة صحيحة ومعرفة صراطه المستقيم بعيدا عن الأهواء والميول والأشخاص وبلغة العصر الذي هو فيه بوجود رجالا يستنبطون أحكام آياته .لكن مع الأسف ما أن أنتقل النبي الكريم إلى الرفيق الأعلى تحولت الرسالة الإلهية التي أنزلت عليه شيئا فشيء إلى رسالة محلية محدودة الموقع الجغرافي والقومي والفهم تخضع للزمان والمكان ولأناس بذاتهم وهم العرب و الجزيرة العربية بعدما وصفوهم بالبداوة والجهل بالفكر والاعتقاد والعيش وتقاس هذه الرسالة على مقاسهم الفكري والاجتماعي مبتعدة عن العالمية والشمولية وجعلوها عربية قومية مناطقية ولغوية حين أفهموا الناس أن القرآن أعجازه أنه نزل بلغة العرب ولغة وأمة الضاد العرب على العكس ما أراده الله تعالى أن تكون عالمية مفهومة وواضحة لكل من يقرئها ويطلع عليها من كل قومية وشعب على الكرة الأرضية.

***

ضياء محسن الاسدي

تعتبر اللغة الفارسية واحدة من أقدم اللغات التي ما زالت حية حتى يومنا هذا، وقد شهدت هذه اللغة تطوراً وتغيراً عبر العصور، ومن اللافت أن اللغة الفارسية كانت تُعرف باسم "الفارسية القديمة" في العصور القديمة، وفي العصور اللاحقة تم تسميتها باللغة الفارسية الوسیطة وأخيراً باللغة الفارسية الحديثة.. في هذا البحث سنتناول تطور اللغة الفارسية عبر الزمن، بالإضافة إلى شرح العوامل التي أثرت على تطورها.

وتعد اللغة الفارسية من لغات العالم الإسلامي التي أثرت بشكل كبير على صورة الحضارة الاسلامية وما زالت كذلك لما أفرزته إيران من علماء في مختلف مجالات الحضارة.

جاءت تسمية اللغة الفارسية على العديد من اللغات المتداولة في إيران ومنذ الهجرة الآرية لهذا البلد حتى وقتنا الحاضر، وهي من اللغات الهندو - أوربية والتي شهدت عملية تطوير كبيرة عبر مسيرتها الطويلة، وهنالك ثلاث مراحل مهمة مرت بها هذه اللغة:

1- اللغة الفارسية القديمة:

تعود جذور اللغة الفارسية القديمة إلى العصور القديمة ومنها عصر الإمبراطورية الفارسية القديمة (550 -330  قبل الميلاد)، حيث كانت اللغة الرسمية في الإمبراطورية الفارسية القديمة هي اللغة الإيلامية واللغة البابلية، ومن بين النصوص القديمة التي تم العثور عليها والتي تعود إلى هذه الفترة تمثل النقوش الفارسية على الصخور والتي تحتوي على نصوص باللغة الإيلامية.

لقد تكلم الفرس عدة لغات عبر تاريخهم الطويل،فكانت الفارسية القديمة هي لغة البلاط الملكي وأعيان البلاد،وكان ذلك في عهد (دارا الأول)، وهي لغة ترتبط كثيراً باللغة السنسكريتية حتى ليعتقد أنهما (الفارسية القديمة والسنسكريتية).

ولما مارس الفرس الكتابة استخدموا في نقوشهم الخط المسماري واستخدموا الحروف الهجائية الآرية لكتابة وثائقهم .. وقاموا بتبسيط مقاطع اللغة البابلية الثقيلة والصعبة، فأنقصوها من ثلاثمئة رمز إلى ست وثلاثين علامة، تبدلت شيئاً فشيئاً من مقاطع إلى حروف حتى صارت حروفاً هجائية مسمارية" فاللغة المسمارية هي اللغة السائدة في إيران والتي تكتب من اليسار إلى اليمين، وكانت اللغة الرسمية للدولة الاخمينية (558–331 ق.م) والتي أسسها القائد (كورش الكبير)

2- اللغة الفارسية الوسطى:

في الفترة الزمنية ما بين القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الثالث الميلادي، بدأت اللغة الفارسية القديمة في التطور والتغير لتصبح ما يعرف باللغة الفارسية الوسطى، في هذه الفترة ظهرت مجموعة من النصوص الأدبية والشعرية التي كتبت باللغة الفارسية الوسیطة، مثل كتاب "شاهنامه" للشاعر الكبير فردوسي.

والبعض يقول أنها تمتد من القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد حتى القرنين الثامن والتاسع بعد الميلاد، إذ سادت في إيران العديد من اللغات الإيرانية المتطورة على اللغات القديمة، التي امتازت بعدة ميزات، كان أهمها بساطة قواعدها وصورها و وضوح شخصيتها ومن ابرز هذه اللغات:

- اللغة الپهلوية (Pehlevi) أو (الفهلوية):

وظهرت هذه اللغة بعد حدوث تطورات كبيرة على اللغة الفارسية القديمة وتفرعت إلى فرعين هما: الزندية – لغة الزند – أبستاق، والبهلوية التي هي من اللغات الهندية واشتقت منها اللغة الفارسية الوسطى.

 وهنالك لهجتان للغة البهلوية والتي عرفت في مرحلة اللغة الإيرانية الوسطى وهما:

- البهلوية الساسانية: والتي كانت سائدة في منطقة الجنوب الغربي لإيران وفي الوقت نفسِهِ تعد اللغة الرسمية للدولة الساسانية .

-  البهلوية الاشكانية: التي كتبتْ بها بعضُ النقوش المأثورة عن أوائل الملوك الساسانيين بصفتها اللغة الرسمية للملوك الإشكانيين، وكانت قد سميت بتسمية لا تلائمها (الكلدانية البهلوية).

- اللغة الآرامية:

وهي من اللغات السامية، وكانت لغة عامة الاستعمال في أجزاء آسيا الصغرى كلها،واستعملها الاخمينيون في كتابة دواوينهم، ولما كانت اللغة المسمارية غير عملية فقد استعملت الكتابة الآرامية بدلاً عنها حتى في الوثائق المكتوبة باللغة الفارسية،وكان هذا أصل الكتابة البهلوية وأيضاً استعملت الألفاظ الآرامية في النصوص البهلوية.

- اللغة الصغدية:

 يعود تاريخ هذه اللغة الى بدايات العصر المسيحي، وكانت تمتد من سور الصين وحتى سمرقند، وهي لغة دولية لآسيا الوسطى، وقد وجدت نصوص في العهد الجديد مترجمة إليها، مما يدل على استعمالها أثناء مرحلة الفارسية الوسطى، وهي اليوم تعدُّ العامية التي يتكلم بها أهل وادي (يغنوب) في (بامير).

- اللغة الساجية:

 وهي من مجموعة اللغات الإيرانية الشرقية ،ويمثلها اليوم اللغة الأفغانية وبعض اللهجات (الباميرية) مثل: الساريكولية ، والشغونية ، والواضية  وغيرها .

- اللغة السريانية:

وهي لغة المسيحيين الذين يقيمون في إيران في العهد الساساني، وهم من أصل سامي، وأصلها مدينة  (أدسا).

3- اللغة الفارسية الحديثة:

تعتبر اللغة الفارسية الحديثة هي الشكل الحديث للغة الفارسية، والتي استمر تطورها عبر العصور حيث تأثرت بالعديد من اللغات الأخرى مثل العربية والتركية والفرنسية، وظهرت في هذه الفترة قواميس ونصوص أدبية وفلسفية مهمة كتبت باللغة الفارسية الحديثة، مما اعطى لها مكانة هامة في الثقافة الشرقية.

أذن اللغة الفارسية الحديثة هي امتداد للغة الفارسية القديمة واللغة البهلوية على مدى تاريخها أي من بداية الدولة الاشكانية (250ق.م) وحتى انهيار الدولة الساسانية ودخول الدين الإسلامي الى بلاد فارس، وعلى أثر انهزام الملك الإيراني (يزد جرد الثالث) وبشكل نهائي وكان ذلك في معركة (نهاوند) والتي عرفت عند المسلمين بـ (فتح الفتوح) سنة (21هـ / 642 م).

وبعد الفتح العربي الإسلامي لإيران ظلت اللغة البهلوية هي اللغة الرائجة والسائدة في بلاد فارس فهي اللغة الرسمية والأدبية والسياسية والدينية في ايران .

وبما ان اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم وهي اللغة التي جاء بها الدين الإسلامي، فكان لزاماً على من يدخل هذا الدين أن يتعلم اللغة العربية وأن يجيدها لفهم تعاليم هذا الدين الجديد، لذلك كان على الإيرانيين أن يتعلموا اللغة العربية فقد أقبلوا عليها إقبالاً شديداً لتعلمها وتعلم الكتابة بها .

أصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية في إيران، بل واللغة الأدبية والعلمية في إيران، إذ أنها أصبحت لغة مفهومة لدى معظم أفراد الشعب الإيراني، إلاّ أنّها لم تصل إلى حد أن تكون اللغة المحكية ولغة المخاطبة، لذلك ظلت اللغة البهلوية سائدة لدى فئات الشعب، وأن تسربت إليها مفردات ومصطلحات عربية، وخصوصاً في المسائل الدينية والفقهية وكذلك في الشؤون الإدارية والسياسية وفي القضايا الأدبية والعلمية .

ونشأت عن تفاعل اللغة البهلوية واللغة العربية لغة جديدة عرفت بـ (الفارسية الدرية) أو (الفارسية الإسلامية) والتي تمثل اللغة الفارسية الحديثة التي تطورت إلى اللغة الفارسية المعروفة اليوم .

العوامل التي أثرت على تطور اللغة الفارسية:

تأثير الحضارات القديمة: لعبت الحضارات القديمة في المنطقة دوراً كبيراً في تطور اللغة الفارسية، حيث كانت هناك تبادل للعلوم والثقافة بين الحضارات.

التأثير العربي: بعد فتح بلاد فارس من قبل العرب في القرن السابع الميلادي، شهدت اللغة الفارسية تأثراً كبيراً من اللغة العربية في مجالات مختلفة مثل الأدب والعلوم.

التطور التكنولوجي: مع تقدم التكنولوجيا وانتشار وسائل الاتصال الحديثة، شهدت اللغة الفارسية تطوراً في مجالات مثل الإعلام والإنترنت.

الاستنتاجات:

من المعروف للجميع، أن اللغة العربية لغة سامية، والفارسية لغة آريه، لذلك، وعلى الرغم من أن اللغتين العربية والفارسية غير مرتبطتين لا في الأصل ولا في التكوين، إلا أنهما موجودتان منذ القدم، لأن التاريخ جمعهما وجمعتهما الحضارات المشتركة، وكانت هناك روابط بينهم لم تكن موجودة بين اللغات التي لها نفس الأصل والنسب.

وبعد دخول إيران في الإسلام، وحدث تبادل ثقافي كبير بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الفارسية، تحطمت كل الحدود والحواجز بين هاتين الحضارتين وأصبح التأثير المتبادل بين اللغات ضروريا.

وكان تأثير اللغة العربية على اللغة الفارسية هو الأقوى والأكثر وضوحا بسبب صرامة اللغة العربية وقوة أسسها البنيوية، ومن ثم عزز القرآن الكريم أسس هذه اللغة وزادها وحافظ على هيبتها وأصبح السبب الرئيسي في التأثير في لغات البلدان التي انضوت تحت راية الإسلام.

وبصورة عامة تجد في ايران القوميات الأتية:

- الاتراك: يقول البعض أنهم اكثر من الفرس انفسهم،وتجدهم ذوي سلطة وامكانية مادية وثقافية عالية، الخامنئي نفسه وهو المرشد والقائد الأعلى في ايران وصاحب الصلاحيات الواسعة من أصول تركية .. يتواجدون في محافظات – أذربيجان الغربية وأذربيجان الشرقية،اردبيل  وزنجان وقزوين وخرسان شمالي - وهم يمثلون 35 بالمائة من التعداد العام في ايران.. وتجد ان مدينة تبريز وهي تقع في اقصى الشمال الغربي من أيران وملاصقة لتركيا، مدينة صناعية عملاقة في كل شيء .

- الفرس: يتركزون في مدن - طهران واصفهان ومشهد وشيراز ويزد وكرمان - وتتميز تلك المدن بعرق ايراني اصيل وانتماء للدولة كونها مناطق دينية تنتشر فيها العمائم والحوزات الدينية الداعمة لرجال الدين والجمهورية الاسلامية.

- الكرد: يتواجدون غرب ايران  في محافظات – كردستان وكرمنشاه  وإيلام  وجنوب غرب أذربيجان - وعلى طول المدن الحدودية مع العراق، وهم دائما ما كانوا يسببون الارق والمشاكل للحكومة، مجاهدي خلق والانفصاليين دائما ما يكونون من الاكراد، والتلفزيون الإيراني يعرض بشكل دائم لقطات لمحاولات ارهابية فاشلة ومصادرة أسلحة ومعدات حربية ومخططات ضد الدولة.

- البلوش: وهم في - محافظة سيستان وبلوجستان -  جنوب شرق أيران على حدود باكستان وافغانستان، وبأعداد قليلة في محافظات – هرمزكان وكرمان وخرسان - وهم  فقراء ويعيشون في مناطق صحراوية ومن اضعف الحلقات في المجتمع الإيراني .

- اللر:  يتركزون في محافظتي - لرستان وجهار محل وبختياري وكهكلوية وبوير أحمد وأطراف الأهواز، وهم اقل عددا وتأثيرا وهم موالون تماما للحكومة.

- العرب:  في محافظة خوزستان عاصمتها – الاهواز-  وعلى طول سواحل الخليج العربي في مدن هرمزكان وبوشهر واقلية في مشهد وقم ، ويشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثالثة، وهم  متذمرون دوماً، وليس على وفاق مع الحكومة، نعم هم ايرانيون ويمتلكون الجنسية الإيرانية، ولكن دائما هناك تذمر قومي وشعور بعدم الرضا من الحكومات الإيرانية المتعاقبة لأسباب أثنية، مع تفشي البطالة، وكثرة المتسولين في الشوارع والأسواق العامة رغم توافر حقول النفط والغاز  فيها، والبعض منهن يتلقى الاموال والدعم الخارجي لترسيخ روح التمرد و النعرة القومية والقبلية عندهم .

- بقية متنوعة:  من الزرادشتية والعلي اللاهية والمسيح واليهود والأرمن وغيرهم يمثلون5  بالمائة تقريباً .

النسيج معقد ومتنوع ولكن الكل بلا استثناء يتميز بالآتي:

- عنصرية واضحة لإيران كبلد، وهم يعتبرون انفسهم اصحاب امبراطوريات حكمت العالم والجميع تابع لهم، رغم كل محاولات التذمر والسخط والضغوطات الاقتصادية التي حطمت معنويات الشارع الايراني ولكن عند الجد تجد ان البدائل معدومة، وليس هناك جهة حقيقية من الممكن ان توفر بديلاً ناجحا للحكومة الحالية.

(أردشير زاهدي 1928- 2021) زوج بنت الشاه (محمد رضا بهلوي  1919-1980) ووزير خارجيته وسفيره في أمريكا، هرب من إيران بعد ثورة الإمام الخميني /1979م  وعاش في المنفى.. بعد مقتل الجنرال (قاسم سليماني 1957-2020) على يد أمريكا في مطار بغداد، هنا المفترض من أردشير أن يفرح بهذا الحدث، لكنه لم يفعل ذلك، وقد نعى اللواء بقوله (سليمـاني كان جندياً وطنياً شريفاً وأمريكا هي الإرهابــي الأكبر).

وقال: انه جنرال وقائد عظيم مثل الجنرال شارل ديغول ومونتغمري والجنرال أيزنهاور والجنرال رومل، أردشير الذي فقد عز الملوكية والسلطة والحكم، هكذا ينعى جنرال من نظام معارض له حرمه وأقصاه من السلطة والنفوذ..

- تجمعهم لغة أطلقوا عليها - اللغة الفارسية - والتي نشأت عن تفاعل اللغة البهلوية باللغة العربية، والتي سميت بـ (الفارسية الدرية) أو (الفارسية الإسلامية) وهي تمثل اللغة الفارسية الحديثة التي تطورت إلى اللغة الفارسية المعروفة اليوم، لذلك تجد فيها مفردات عربية قد تشكل 40 بالمائة منها.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

.........................

المصادر

- محمد التونجي: التسرب اللغوي بين العربية والفارسية، مجلة الدراسات الادبية: الجامعة اللبنانية، السنة السابعة، العددان 1 و 2، 1965 .

- د. محقق، مهدي: صور من التعريب ونقل المعاني من الفارسية الى العربية، مجلة الدراسات الادبية: الجامعة اللبنانية، السنة الثانية، العدد الرابع، 1961 .

- - ياقوت الحموي: معجم البلدان، ج4، ذيل كلمة (فهلو).

- مركز بابل للدراسات الحضارية والتاريخية، بحث: العوامل المؤثرة في تطور اللغة الفارسية، م. مساعد: اياد محمد حسين.

الكاتب يسطر ما يرى والقارئ يرى ما يقرأ، ولكل رأس منظاره الذي يبصر بواسطته ما تحثه الكلمات في وعيه ومداركه.

المسافة بين الكاتب والقارئ المعاصر تزداد إتساعا، فما عاد الكتاب خير صديق، ولا القراءة ذات متعة وقدرة على وعي المكتوب، فالنظر في الورق صار غيرمستحب، والميل للتحديق في الشاشة يسيطر على نشاطات البشر، خصوصا بعد تطور تكنولوجيا التواصلات والتخاطب بالصورة والافلام القصيرة.

وأصبحت الأذن تقرأ أكثر من العين، فالمسموع يسود والمكتوب يخبو ويخور.

وعندما تجالس الجيل الجديد تجده مصابا بإضطراب التركيز، ويندفع نحو السرعة وإلتقاط الفكرة الجوهرية لأي موضوع بمهارات خاطفة وغير مسبوقة، فقوة ضخ المعلومات في العقول، ذات إندفاقية مطلقة، وتأثيرات متراكمة.

ولهذا فما يتوقعه الكاتب من القارئ لا يتوافق مع ما يتوقعه القارئ من الكاتب، لأنهما ينتميان إلى عالمين متباعدين.

ويبدو أن ما تبقى من أجيال القرن العشرين يتخبطون في معمعة التفاعل مع قرّاء القرن الحادي والعشرين، فما كتبوه سيتوارى، وما يظهر على الشاشة سيتفاعل معهم ويؤثر فيهم، فالكتاب سيكون مرفوفا أو ديكورا لا أكثر!!

الجيل الجديد يميل إلى ما هو قصير وكثيف، ولا يمتلك القدرة النفسية والرغبة على التواصل مع أكثر من صفحة واحدة، تلوح أمامه على الشاشة التي يحدق فيها ليل نهار.

فالذين ينهمكون بكتابات طويلة عليهم أن يحببوها للقارئ بتقنيات وعبارات جذابة، تثير التفكير وتؤجج التطلع للجديد والأصيل.

فهل سنكسر الأقلام، ونتعلم كيف نعيش في القرن الحادي والعشرين؟!!

و"كتبتُ ولو قدِرتُ هوىً وشوقاً...إليكِ لكنتُ سطراً في الكتاب"!!

فما نفع الأقلام والشاشة ينبوع غرام؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

وتجلّت ذكرى سنويته الحزينة

طموحه كان حكومة الانسان لخلاص الشعب من الضيم والعدوان..

طيلة عقدين ونيف من السنين التي عايشنا فيها استاذنا المفكر الشهيد عز الدين سليم (عبد الزهراء عثمان).. وجدناه ملاكاً يتحرك على الارض، على نقيض الكثير من الساسة (الدينيين) الذين عرفناهم وعرفهم أهل التقى.

لا أهتك سرّاً إن قلت انه شخصية استثنائية من رجال الفكر والأصالة. احببنا هذا العملاق الخالد لإعتداله وتوازنه ورعايته للجميع، وبفكره الاصيل والمتحضر متسقاً في جنباته مع العراق الوطن. مما أجبر خصومه على احترام وتقدير مشروعه رحمه الله تعالى.

الأقسى علينا ليست شهادته رغم صورتها المؤلمة حقاً، انما الأقسى هو محاولات عدم تفعيل مشروعه الوطني في ارساء القيم والنهوض بالواقع العراقي بحسب ما كنا نجاهد من أجله لإسعاد العراقي ودحر الظلم وتحقيق بحبوحة العيش الكريم لهذا الشعب المهتضم. اذ كنا نتوقع استقامة من سيخلفه (رض) في الحكم..!

لقد حفلت حياة شهيدنا الخالد منذ بدوها جهاداً ونبضاً يهتف للقيم ويدافع عن المبادئ التي آمن بها ومشروع التغيير الذي تلقاه من استاذه المفكر الكبير اية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر. ظل يحملها مشعلاً طوال مسيرته الجهادية ضد نهج فاشستية حزب عفلق والزبانية المجرمين، يمارس نشاطه الديني والتوعوي والسياسي. لم توقفه حملة إعدام اخوته وذوي حُزانته ورفاقه الشهداء الذين اعدمهم نظام الطاغية صدام.

وفي المهجر..

حين اشتدت وقتئذٍ عليه وعلى رفاقه المحنة، وضاقت بهم الظروف للهجرة الى الجمهورية الاسلامية. انطلق من هناك يرفع معنويات العراقيين في مدن ايران ومخيمات الهجرة واللجوء. عشقته الساحة لتواضعه الشديد وإباء نفسه المتفانية تجاه مرتكزاته ومبادئه وحبه للعراق.

عز الدين سليم، سليم القلب اذ كان حقاً عزّاً للدين.. سار على منهج الصالحين الذين قدموا ما يملكون في سبيل معتقدهم .. يتنقل بين مدن الهجرة في ايران يبّلغ الدين، وينظّر ويخطب وأطلق العنان لقلمه تدوين أفكاره في عشرات المؤلفات وموسوعات البحث العقدية والفكرية والسياسية بعيداً عن المطامع الدنيوية.

وبعد سقوط هبل..

ما إن سقط نظام الديكتاتورية في بغداد، سارع الحاج ابو ياسين الحجاج الى ربى العراق دون حرس أو حماة.. لم تك قناعته ترحب بالوجود الامريكي على ارض المقدسات اذ كان يراه إحتلالاً ولم يك امامه غير القبول مجبوراً بحكم الظرف آنئذٍ برئاسة الحكم المحلي لإستثمار الفرصة والنهوض بمشروعه الرسالي الذي كان يؤسس له استاذه المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) إلا ان الموت اختطفه ولم يمهله شهراً، وكأنّ يد الغيب ارادت أن تنقذه من مهاوي ما حصل فينا بعد.!

سلام عليك ايها الشهيد الطيب، وسلام على عمقك النقي وروحك التي اصطفاها الله الى ملكوته قبل ان تكدّرها وعود المحتل، فحق لنا وعلينا الافتخار بك مقارعاً للطغيان. وسنبقى نذكرك عنواناً للشرفاء المضحين وسيبقى صوتك مستمراً في نفوسنا رغم فجيعة الذكرى السنوية الحزينة التي تزيدناً ألماً حينما نقرأ افكارك المدونة وعندما نستعرض بعض آفاق مسيرتك الرسالية، ونزداد حزناً على فراقك الذي هو بحق خسارة كبيرة لأهل الدين وللشعب المظلوم.

 كم نحتاج اليوم ابا ياسين الثائر و المعلم المربي..

كم يحتاجك العراق ايها القائد الشجاع..

ذكرى مايس/2004 الفجيعة، وذاك اليوم الكارثي افجع قلوب المخلصين الذين فقدوا ثلة مؤمنة معك اذ لا انسى الصديق والزميل الشهيد أبا محمد (طالب قاسم العامري) رحمهم الله تعالى.

ذكرى الكبير (عز الدين سليم) تستوجب استيفاء بعض حقٍ على مؤسسات الدولة لإحياء فكره وعطائه في اقامة معرض لمؤلفاته على اقل تقدير واقامة ندوات فكرية وثقافية للتعريف اكثر بهذه الشخصية الفذة.

عطائه لم نجده الا في النوادر، وفي مفاخر العراق سواء على صعيد الفكر او صعيد العقيدة ومصنفات الحكم من منظور اسلامي، وكذا في ميدان البحث في السيرة النبوية وسيرة الائمة الاطهار او على صعيد البحث الاجتماعي بالعمق الاستدلالي الرصين.

ومن هنا يمكن القول:

أن لو بقي فينا ابو ياسين وكذلك افذاذ اكارم كالشهيد السيد محمد باقر الحكيم رحمه الله تعالى لكان عراق اليوم بوضع غير ما عليه عراق الان.

عز الدين سليم:

هو عبد الزهراء عثمان محمد الحجاج وكنيته (ابو ياسين) ولد في البصرة عام 1943، انهى مرحلة دار المعلمين عام 1964. تعرض للاغتيال مرات من قبل نظام البعث العراقي ثم سجن من عام 1974 إلى عام 1978.

ونذكر ممارسته لوظيفته في التعليم ومعها، لم يترك دراسته عند العلماء وله مؤلفات ثرّة إبتدأها بباكورة كتبه (الزهراء فاطمة بنت محمد) عام 1969. تلاه عشرات الكتب في السيرة والتاريخ والسياسة والثقافة والاصول والعقيدة. وله مجموعة كبيرة من الابحاث والدراسات في المجلات الاجتماعية والتربوية، غير نشاطه الاعلامي في النشر والصحافة منذ مطلع الستينيات في العراق وفي الكويت ولبنان.

 وعندما تشكل المجلس الاعلى في ايران اسس الشهيد صحيفة الشهادة عام ١٩٨٣.

كما انشأ المركز الاسلامي للدراسات

 عام 1961 شرع المفكر عز الدين سليم ضمن تنظيم حزب الدعوة حتى تسنم عضوية لجنة الاشراف على التنظيم في البصرة وما حولها عام 1973 قبل أن يعتقل في البصرة.

 اختتمت حياته بعد ان ترشح عضواً بارزاً في مجلس الحكم الانتقالي وكان له الباع بصياغة قانون إدارة الدولة الانتقالي. وعين كرئيس دوري لمجلس الحكم الانتقالي إلى يوم اغتياله في 17 مايس 2004 بحادث تفجير سيارة مفخخة وقتت مع مرور موكبه في حي الحارثية قرب أحد مداخل المنطقة الخضراء.

 وارتقت روحه الطاهرة الى الفردوس الاعلى شهيداً فعليه منا السلام أبدا.

***

مصطفى كامل الكاظمي

 

أتابع هذه الأيام صولات بعض المحللين السياسيين التي تدعو إلى محو بغداد من الخارطة، لأنها تسبب لهم صداعاً في الرأس، وخفقاناً في الذاكرة، فبعد أن طالب السيد جمعة العطواني بطرد أبو جعفر المنصور من بغداد، خرج علينا محلل سياسي آخر وهذه المرة من " الوزن الثقيل " ليقول وهو يبتسم، لا نكتفي بتمثال المنصور وإنما نطالب بإلغاء شارع الرشيد ..

وماذا بعد ياسيدي الكريم الذي طالبت الشعب العراقي أن يأكل العظام من أجل أن تستمر مسيرة الديمقراطية العراقية إلى الأمام؟، هل من مزيد؟ لقد نسيت ساحة الواثق والمستنصرية، وها نحن نذكرك؟ ولهذا عزيزي القارئ ستجدني أضمّ صوتي إلى صوت الدكتور مؤيد آل صويت الذي كتب في صفحته على موقع "فيسبوك " ساخراً ومتألماً:" أخوان حتى نرسم خارطة طريق وميكون الموضوع عبثي وبلا تخطيط؛ وره ما تفلشون تمثال أبو جعفر المنصور وتخلوه أطلال؛ مرّوا على شارع الرشيد فلشوه؛ وأكو شغله ناسيها حبيت اذكركم بيها؛ تره المستنصر بالله خليفة عباسي مو من الصواب معلم بنص بغداد يسمى باسمه؛ فبطريقكم مروا على جامعة المستنصرية وفلشوها حتى ميبقى أثر لبني العباس بوسط بغداد وتصبح نقية جداً؛ ومن بعد ما تسوون الجامعة كردة وترتاحون؛ بلكي تاخذولكم فرة بالحميدية وسبع قصور والدسيم والمعامل؛ خاف أكو إرث عباسي هناك محد منتبهله؛ لأن هاي مناطق نقية ولازم تبقى نقية من كل ما يدنسها!!" .. تخيل جنابك أين وصل العبث بهذا الشعب، أن تشاهد أرتالاً من القوات الأمنية تحمي تمثال وسط بغداد من جماعات مسلحة، دون أن يصدر المدعي العام أمراً بإلقاء القبض على الذين يحرضون على الفتنة الطائفية، فالقضاء العراقي مشغول البال بكرسي الحلبوسي وبإصدار فرمانات تمنع الاقتراب من قلاع الدولة الحصينة .

للأسف يريدوننا أن ننشغل بحكايات التاريخ، لكي تكون بديلاً للمستقبل، فما نفع التنمية والبناء وهناك شارع في بغداد اسمه شارع الرشيد؟، وما فائدة بناء المجمعات السكنية والمدارس الحديثة والمستشفيات وهناك حي في بغداد اسمه المنصور؟ .. هم يريدون قتل المستقبل، يا عزيزي، يستهدفون اغتيال أي أمل في أن تمتلك هذه البلاد قرارها، وأن تتعافى من سنوات الحرمان والتخلف.

قبل وفاته بأشهر دون المعماري الكبير محمد مكية وصيته التي جاء فيها: " بغداد أيها الأحباء جوهرة من جواهر العصر، ربما تمرض، وربما تتعب وتئن – لكنها لا تشيخ فزمن المدن العظيمة مغاير لتفسيرنا للزمن. أوصيكم ببغداد أصغوا إلى صوتها كثيراً اعتنوا بها لتعتني بكم" " .

للاسف لا يريد أحد أن يستمع إلى وصية محمد مكية، فالبعض يريد لهذه المدينة أن تُصبح تابعه، بعد أن كانت سيدة المدن.

***

علي حسين

 

إن المناقشة الحالية حول الذكاء الاصطناعي مبالغ فيها إلى حد ما، مما يجعلها موضوعا غامضا يظهر ويختفي مثل شروق الشمس في الصحراء، ويتسبب في توقعات ومخاوف مبالغ فيها، ويسبب مشاكل جوهرية في المجتمع.

ويقال إن التغييرات سوف تحدث، كل مجال من مجالات الحياة يؤدي إلى نهاية العالم، أو كليهما، ويجب أن نعرف ذلك على الفور، ومن ناحية أخرى، فهو يقدم أيضًا إجابات لأسئلة جوهرية حول هذا الموضوع: ما هو بالضبط؟ كيف يعمل؟ من أين أتى؟ أين سيذهب؟ - مصطلحات جافة لا يفهمها معظم الناس.

حين بدأت المئات من الشركات الكبرى في جميع أنحاء العالم موجة من تسريح العمال وخفض الوظائف، والتي ينطوي بعضها على استبدال الموظفين بالذكاء الاصطناعي، آذ تسعى هذه الشركات إلى تعظيم النتائج المالية عن طريق خفض التكاليف، وهناك أسباب اقتصادية أخرى مرتبطة بهذا الجهد أيضا.. ففي 25 مارس/آذار/ 2024، جمعت صحيفة "وول ستريت جورنال" قائمة بأبرز الشركات التي أعلنت عن خطط لخفض عدد الموظفين في فروعها حول العالم.

وبحسب الدراسات، فإن 25 بالمائة من الشركات الكبرى في مختلف القطاعات حول العالم تستعد لإلغاء نحو5 بالمائة من وظائفها بسبب الذكاء الاصطناعي.

والبطالة التكنولوجية: هي فقدان الوظائف بسبب التغير التكنولوجي. تتضمن مثل هذه التغييرات بشكل عام إدخال أجهزة توفير العمالة (العضلات الميكانيكية)، أو بشكل أكثر تحديدًا، الأتمتة (العقول الميكانيكية). مثلما تم استخدام الخيول كمحركات، جعلتها السيارات تدريجيًا عتيقة الطراز وأثرت على العمل البشري طوال العصر الحديث.

ومن الأمثلة التاريخية على ذلك النساجون الذين أصبحوا فقراء بعد ظهور النول الآلي، فخلال الحرب العالمية الثانية، تمكنت آلة صنع القنابل الخاصة بآلان تورين من فك العديد من الرموز في غضون ساعات، والتي لم يتمكن البشر من حلها لآلاف السنين.

ورغم أن هذه الفكرة مقبولة بشكل عام، فإنها لا تقضي على معدلات البطالة المرتفعة، هناك متفائلون ومتشائمون في المناقشة حول البطالة التكنولوجية، وفي حين يتفق المتفائلون على أن هذا التطور من شأنه أن يزيل التأثيرات السلبية الطويلة الأجل على الوظائف، فإن المتشائمين يزعمون أن التكنولوجيا الجديدة تعمل على خفض العدد الإجمالي للعمال في أماكن العمل.

 انتشر مصطلح "البطالة التكنولوجية" في ثلاثينيات القرن العشرين على يد جون ماينارد كينز، الذي قال إن "سوء التكيف ليس سوى مرحلة مؤقتة"، لقد كانت مسألة استبدال العمل البشري بالآلات محل نقاش منذ زمن أرسطو حتى أواخر العام / 2023، عندما بدأت الشركات في الإعلان عن تسريح العمال والتركيز على الكفاءة العلمية .

وكالآتي:

* أصدرت شركة الاستشارات العالمية برايس ووترهاوس كوبرز نتائج استطلاع شمل أكثر من 4700 مدير تنفيذي من جميع أنحاء العالم في أكثر من عشرة  قطاعات اقتصادية تعمل في 105 دول، واتفقوا بالإجماع على اتخاذ إجراءات حقيقية لخفض ملايين الوظائف.

* ويخطط 32 بالمائة من الرؤساء التنفيذيين في مجال الإعلام والترفيه لتقليص قوتهم العاملة هذا العام/ 2024، في حين قال 28 بالمائة من الرؤساء التنفيذيين للخدمات المصرفية والمالية إنهم بدأوا الاستعداد لتقليص قوتهم العاملة.

* ويبلغ الرقم الخاص بقطاع النقل والخدمات اللوجستية حوالي 25 في المائة، ونفس الشيء بالنسبة لقطاع الاتصالات، و24 في المائة لقطاع التسوق بالتجزئة.

* ويخطط 22 بالمائة من أصحاب العمل في قطاع السيارات الذين شملهم الاستطلاع لخفض الوظائف ، مقارنة بـ 21 بالمائة في قطاع الطاقة وأعداد مماثلة في القطاع الصناعي.

* فيما أعلنت شركة معدات الاتصالات السويدية إريكسون عن خطط لإلغاء 1200 وظيفة من إجمالي قوتها العاملة البالغة حوالي 99900 في البلاد بحلول نهاية عام/2023.

* وفي الوقت نفسه، أعلنت شركة ستيلانس، الشركة الأم لشركة كرايسلر موتورز، عن تسريح 400 موظف في الولايات المتحدة، معظمهم في قسم البرمجيات والهندسة بالشركة.

* وفي الوقت نفسه، قالت شركة السلع الاستهلاكية Unifeller إنها تخطط لفصل قسم الآيس كريم الخاص بها إلى شركة مستقلة، مع تأثر حوالي 7500 وظيفة كجزء من خطة إعادة الهيكلة،

* وتخطط شركة معدات الشبكات Cisco لخفض حوالي 5 بالمائة من قوتها العاملة كجزء من إعادة الهيكلة.

* وأعلنت شركة التوقيع الإلكتروني DocuSign أنها ستسرح حوالي 6 بالمائة من موظفيها، معظمهم من فرق المبيعات والتسويق لديها.

* وفي الوقت نفسه، أعلنت شركة مستحضرات التجميل Estée Lauder أنها ستلغي ما يصل إلى 3100 وظيفة، أو حوالي 5 بالمائة من قوتها العاملة، بعد عدة فترات ركود.

* قررت شركة السفر Expedia خفض ما يقرب من 9 بالمائة من قوتها العاملة، أو حوالي 1500 شخص، من حوالي 17 الف موظف في نهاية العام / 2023.

*  أعلنت شركة توصيل البقالة Instacart أنها ستسرح حوالي 250 شخصًا، أو حوالي 7 بالمائة من قوتها العاملة، حيث تركز على الربحية.

* تخطط  - شركة مورجان ستانلي - لإلغاء مئات الوظائف في قسم إدارة الثروات، وفقًا لأشخاص مفصلين في صحيفة وول ستريت جورنال، و مورغان ستانلي: هي مؤسسة خدمات مالية واستثمارية أمريكية متعددة الجنسيات، تعتبر من أكبر المؤسسات المصرفية في الولايات المتحدة والعالم، يقع مقرها في مبنى مورغان ستانلي الرئيسي، وسط مانهاتن، مدينة نيويورك، مورغان ستانلي تعمل في 42 دولة ولديها أكثر من 1300 مكتب و60 الف موظف.

* أعلنت شركة الأحذية الرياضية نايكي أنها ستخفض قوتها العاملة بنحو2 بالمائة ، أو أكثر من 1600 شخص، لخفض التكاليف.

* ستقوم شركة سوني بتسريح حوالي 900 موظف في قسم إنتاج ألعاب PlayStation التابع لها، وهو ما يمثل حوالي 8 بالمائة من القوى العاملة في القسم، وستشمل أيضًا إغلاق استوديوهات PlayStation في لندن.

* وفي الوقت نفسه، قامت شركة جوجل التابعة لشركة ألفابت بتسريح مئات الموظفين في وقت سابق من هذا العام، مع بدء عمليات تسريح العمال في أواخر عام /2023، مما يعكس موجة من التوظيف الوبائي الذي توسع خلال هذه الفترة.

ففي يناير، كانون الثاني / 2023، قامت جوجل بتسريح مئات الموظفين في أقسام مثل أدوات الأجهزة والبرامج الداخلية ، حيث واصلت الشركة إعادة بناء التوظيف الجماعي بسبب الوباء، وأعلنت الشركة في أواخر يناير أنه سيكون هناك المزيد من التخفيضات في الوظائف عام / 2024، لكنها لم تذكر عدد الموظفين الذين سيتم تسريحهم أو المجموعات التي ستتأثر.

* كما تقوم شركة أمازون العملاقة للتجارة الإلكترونية بإلغاء مئات الوظائف في استوديوهات الأفلام والتلفزيون ومنصة البث المباشر Twitch لخفض التكاليف.

* وأعلنت شركة بلاك روك لإدارة الأصول أنها ستسرح 600 شخص، أي حوالي 3 بالمائة من قوتها العاملة، بالإضافة إلى تسريح 600 آخرين في يناير، كانون الثاني/ 2024.

* وفي الوقت نفسه، أعلن بنك سيتي جروب أنه سيخفض عشرين ألف وظيفة بحلول نهاية عام /2026 كجزء من خطة إعادة الهيكلة متعددة السنوات.

* وفي وقت سابق من هذا العام/ 2024، أعلنت شركة التكنولوجيا مايكروسوفت أنها ستسرح 1900 موظف، أو حوالي ثمانية أشخاص سنويا.

* ومن المثير للدهشة بالنسبة لسفينة يبلغ طولها 78 متراً أن هناك 16 شخصاً فقط على متنها، بينما تحتاج السفينة التقليدية التي تقوم بذات العمل إلى طاقم مكوّن من 40 أو 50 فرداً، وتعتقد الشركة -أوشن إنفينيتي- أنَّ بإمكانها تقليل العدد بشكل أكبر، وذلك لأنّ العديد من الوظائف يُمكن القيام بها على بُعد مئات الأميال، والتحكم بها عن طريق الذكاء الاصطناعي.

* وتلعب الروبوتات دورًا مهمًا في حياتنا الشخصية، بما في ذلك الرعاية الصحية والترفيه والمساعدة المنزلية ومساعدة الأطباء والجراحين في المستشفيات، ويتم استخدامها في غرف العمليات والطب المتقدم لمساعدة المرضى على المشي والحركة وأداء المهام اليومية، وتستخدم في مختلف المهام ، كما أنها تساعد على تحسين الكفاءة والسلامة في مكان العمل، مما يسمح للشركات بإنتاج المزيد من المنتجات والخدمات مع عدد أقل من العمال وتحرير العمال لأداء المهام التي تشكل خطورة أو صعوبة على البشر.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

........................

المصادر:

World Economic Forum. "The Future of Jobs Report 2020." World Economic - Forum، 2020.

- الوثيقة نت، صحيفة الكترونية مستقلة/ الخيال العلمي صار واقعاً: الروبوتات تقود سفناً عن بعد/ 8 مارس أذار 2024.

https://www.alwathika.com/.

- موقع الجزيرة/ الروبوت في زمن التكنلوجيا الذهبي / أحمد عنتر/ 11 كانون الأول 2023.

https://www.aljazeera.net/tech/2023/12/11.

ربما كان البشر يأكل بعضه في بداية تواجده في الأرض، لأن صيده أسهل من صيد الحيوانات الأخرى آنذاك!!

وربما تعلم العيش في مجتمعات بعد أن تطورت مهاراته في صيد الحيوانات الأخرى، فما كان الفرق كبيرا بينه وبين أي حيوان مفترس آخر.

فهل تعلم الإفتراس من الحيوانات وهو يرقبها تأكل بعضها؟

وهذا ربما يفسر السلوكيات الإفتراسية المتنوعة التي تطورت مع الزمن، حتى وصلنا إلى عصر الإفتراس المطلق لبعضنا نفسيا وروحيا وفكريا وعقليا وإقتصاديا، وبأساليب أنانية معقدة تبدو على غير ما تهدف إليه.

إفتراس متوحش فظيع يرتدي أنواع الأقنعة، ويظهر بصور وخصائل ومميزات لا تعد ولا تحصى.

ما يجري في واقعنا المعاصر إفتراس متطور تكنولوجيا، بأسلحة بلغت ذروة الإفتدار التدميري والمحق السريع للملايين.

فعلى ما يبدو أن الطبع البشري إفتراسي إحترازي، مرهون بطاقات الشك وسوء الظن بالآخر، فلا يوجد تفاعل صادق طاهر أمين بين الناس، بل أنها تفاعلات إحترابية ذات مستويات متنوعة.

فالبشر ضد البشر، ويشعر بالنصر والفخر عندما يقتل غيره من البشر.

والحروب التي عانت منها البشرية يكون القتل فيها مشاعا، ولا توجد حروب بلا عشرات أو مئات وآلاف القتلى، وما تبقى منهم وأباد أكثر يرفع رايات النصر، ويتأسد في الدنيا، وهو في داخله من المهزومين، فلا يوجد نصر حقيقي عندما تسيل الدماء ويتخرب العمران.

الوحشية سلطان مهيمن على التفاعلات الأرضية بين المخلوقات ومنها البشر، الذي يختلف عنها بقدرته على المخادعة والتضليل بأساليب ومهارات سلوكية معقدة.

وبسبب التوحش الكامن فينا، لن يتحقق السلام فوق التراب، وناعور الصراعات بأنواعها متواصل الدوران، والنجيع يتدفق من العروق الآدمية!!

و"أخا الدنيا أرى دنياك أفعى...تبدّل كل آونة إهابا"!!

***

د. صادق السامرائي

هناك قاعدة فقهية أعملها جمهور الفقهاء في المجال العقابي هي أن الحدود تُدرأ بالشبهات، فمتى وُجدت شبهة لم يعد في إمكان القاضي الحكم بالعقوبة الحدية لهذه الجريمة التي خالط أحد أركانها أو دليل إثباتها شيء من ذلك، وهي صورة مثلى من من صور الاحتياط والتدقيق في تنفيذ الحدود في الشريعة الإسلامية كما أنها تمثل ضمانة لحقوق الإنسان وعدم أخذه وعقوبته بما لا يكون ثابتًا عليه ثبوتًا بينًا لا شك فيه». وبقدر ما تشددت الشريعة الإسلامية في العقوبات التي فرضتها لجرائم الحدود، بقدر ما حرصت على التضييق من نطاق توقيع هذه العقوبات، ويبدو هذا الحرص جليًا في الشروط الخاصة للإثبات التي تتطلبها الشريعة الإسلامية، كما يبدو في الندب إلى ستر العيوب وعدم التطوع بالإبلاغ عنها أو الإقرار بها» فليس المراد بالحدود التشفي والتشهي وإيقاع الناس في الحرج وتعذيبهم بقطع أعضائهم أو قتلهم أو رجمهم وإنما المراد هو أن تسود الفضيلة، ومن هنا نجد أن الشرع الشريف ييسر في هذه الحدود، فقاعدة «درء الحدود بالشبهات» تجعل الظن والشك في صالح المتهم» ولذلك لم يوجب سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه القطع عام الرمادة حيث عمَّت المجاعة، ولم يقطع كذلك في حادثة خاصة، عندما سرق غلمان حاطب بن أبي بلتعة ناقة من رجل من مزينة. فقد أمر بقطعهم، ولكن حين تبين له أن سيدهم يُجيعهم، درأ عنهم الحد، وغرَّم سيدهم ضعف ثمن الناقة تأديبًا له. وهكذا ينبغي أن تُفهم حدود الإسلام، في ظل نظامه المتكامل، الذي يضع الضمانات للجميع لا لطبقة على حساب طبقة والذي يتخذ أسباب الوقاية قبل أن يتخذ أسباب العقوبة».

وبناء على ذلك، يجب علينا دراسة التشريع الجنائي الإسلامي دراسة مقاصديّة تُبرز حِكمه والمصالح المنوطة به لإثبات خلاف ما ادعاه أعداء الإسلام بأنه نظام قديم بائد موغل في القسوة والتشفي، وحتى نعيد الاعتبار لهذا «الجزء المنبوذ والمظلوم في الشريعة الإسلاميّة»، وإزالة ما أُثير حوله من شبهات وأباطيل. ولقد عبّر عبد القادر عودة رحمه الله عن هذا الموقف العدائي من التشريع الجنائي بقوله: «أما القسم الجنائي فهو في عقيدة جمهور رجال القانون لا يتفق مع عصرنا الحاضر ولا يصلح للتطبيق اليوم، ولا يبلغ مستوى القوانين الوضعيّة. وهي عقيدة خاطئة مضللة» لأنها مبنيّة على جهل بنظام العقوبات الإسلامي، والغاية من إيقاعها على الجناة المعتدين على حدود الله.

***

د. الطيب النقر

 

تتسابق البلدان في جميع أنحاء العالم لتسخير إمكانات تقنيات الذكاء الاصطناعي، ليس فقط لتحقيق مكاسب تنموية واقتصادية ولكن أيضًا لتحقيق مكاسب استراتيجية وجيوسياسية. وفي خضم هذا السباق المحموم، برز السعي إلى السيادة على الذكاء الاصطناعي كهدف حاسم للدول التي تسعى إلى تأكيد استقلالها التكنولوجي في العصر الرقمي. وفي هذا السياق، يقف المغرب عند منعطف مفصلي، وهو يواصل مسيرته الطموحة نحو تحقيق السيادة على مجال الذكاء الاصطناعي..

تشير السيادة على الذكاء الاصطناعي إلى قدرة الدولة على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحكم فيها ونشرها بشكل مستقل عن دول خارجية ، وبعيدًا عن التبعيات أو التأثيرات الخارجية. وهي تشمل كذلك مجموعة واسعة من القدرات والإمكانيات ، بما في ذلك البحث والتطوير وتنمية المواهب وترقيتها ، وتطوير البنية التحتية للبيانات، والقوانين التنظيمية، والشراكات الاستراتيجية.

إن تحقيق السيادة في مجال الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على المهارات التكنولوجية فحسب، بل يتعلق أيضا بحماية المصالح الوطنية، والحفاظ على القيم الثقافية والاجتماعية ، وضمان الإدارة الأخلاقية في نشر الذكاء الاصطناعي.

لقد أدرك المغرب منذ سنوات الإمكانات التحويلية للذكاء الاصطناعي في النهوض بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية ودعم القدرة التنافسية على الصعيد العالمي . وعلى مدى العقد الماضي، اتخذت الدولة المغربية مبادرات مختلفة من أجل تنمية نظامها البيئي للذكاء الاصطناعي. وتشمل هذه الجهود إصلاحات سياسية، وحوافز الاستثمار، والبرامج التعليمية، والشراكات بين القطاعين العام والخاص التي تهدف إلى رعاية الكفاءات، وتشجيع الابتكار، وتحفيز اعتماد الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات.

من الأمور الأساسية في رحلة المغرب نحو السيادة في مجال الذكاء الاصطناعي هو تطوير إطار سياسي شامل ورؤية استراتيجية تعمل على مواءمة التقدم التكنولوجي مع الأولويات الوطنية. لقد أوضحت الدولة المغربية رؤيتها للتنمية القائمة على الذكاء الاصطناعي من خلال مبادرات مثل الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، التي تحدد خارطة طريق للاستفادة من الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المجتمعية، ودعم الإنتاجية الاقتصادية، وترسيخ الحوكمة.

أحد الركائز الأساسية لاستراتيجية المغرب فيما يتعلق بالسيادة في مجال الذكاء الاصطناعي هو الاستثمار في البحث والابتكار. فقد أنشأ المغرب عدة معاهد ومراكز للابتكار، وجامعات تكنولوجية متخصصة لتعزيز البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي ودفع التعاون بين الأوساط الأكاديمية والصناعية . تلعب مبادرات مثل المختبر المغربي للذكاء الاصطناعي والمركز الوطني للبحث العلمي والتقني دورًا فعالًا في بناء قدرات الذكاء الاصطناعي المحلية وتعزيز نقل المعرفة.

وقد قررت الحكومة عبر مصادقتها على مشروع مرسوم رقم 2.23.14 بتتميم المرسوم رقم 2.90.554 المتعلق بالمؤسسات والأحياء الجامعية، في اجتماعها الأسبوعي يوم الخميس 8 فبراير 2024 ، إحداث المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي وعلوم المعطيات بمدينة تارودانت، ستكون تابعة لجامعة ابن زهر بأكادير.

وفضلا عن المدرسة المذكورة، سيتم تحويل المُلحقة الجامعية بمدينة بركان إلى مدرسة وطنية للذكاء الاصطناعي والرقمنة، التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة.

يعد بناء قوة عاملة ماهرة ومجهزة بخبرة الذكاء الاصطناعي أمرًا ضروريًا لسعي المغرب نحو الاستقلال التكنولوجي. فقد أعطت الدولة الأولوية لتنمية المواهب من خلال مبادرات مثل برامج تعليم الذكاء الاصطناعي المتخصصة، وورشات العمل التدريبية، ومبادرات بناء المهارات. كما أن التعاون مع الشركاء الدوليين والمشاركة في المسابقات العالمية للذكاء الاصطناعي قد أتاح للمواهب المغربية فرصًا لتعزيز المهارات.

يعد الوصول إلى البيانات عالية الجودة وآليات الحوكمة القوية من عوامل التمكين الحاسمة لسيادة الذكاء الاصطناعي حيث يستثمر المغرب في بناء البنية التحتية للبيانات، بما في ذلك مستودعات البيانات، ومرافق الحوسبة السحابية، والشبكات الآمنة، لتسهيل جمع البيانات وتخزينها وتحليلها لتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وفي الوقت نفسه، تهدف الجهود المبذولة لتعزيز قوانين خصوصية البيانات، وتدابير الأمن السيبراني، والمبادئ التوجيهية الأخلاقية إلى ضمان النشر المسؤول للذكاء الاصطناعي والحماية من المخاطر المحتملة.

إن المغرب يولي أهمية التعاون بين الحكومة والصناعة والأوساط الأكاديمية في دفع الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال. وقد أدى إنشاء مجموعات الابتكار، ومكاتب نقل التكنولوجيا، وآليات التمويل للشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة إلى خلق بيئة مواتية لتطوير وتسويق حلول الذكاء الاصطناعي. وتعزز الشراكات الاستراتيجية مع الشركات المتعددة الجنسيات والمنظمات الدولية ولوج المغرب إلى التكنولوجيات المتطورة والأسواق العالمية.

على الرغم من التقدم الكبير، يواجه المغرب العديد من التحديات في طريقه نحو السيادة في مجال الذكاء الاصطناعي. وتشمل هذه الحاجة إلى زيادة الاستثمار في البنية التحتية، ومواصلة الجهود لسد فجوة الكفاءات، والعقبات التنظيمية، والمخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات وأمنها. بالإضافة إلى ذلك، فإن المنافسة العالمية والوتيرة السريعة للتغير التكنولوجي تتطلب المرونة والقدرة على التكيف في استراتيجية الذكاء الاصطناعي في المغرب. ومع ذلك، فإن هذه التحديات توفر أيضًا فرصًا للتعاون والابتكار والتمايز في المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي.

إن رحلة المغرب نحو تحقيق السيادة في مجال الذكاء الاصطناعي هي مسعى متعدد الأوجه يتطلب التزاما مستداما وتعاونا وابتكارا. ومن خلال الاستفادة من موقعه الاستراتيجي ورأس ماله البشري وإطار سياساته، يتمتع المغرب بوضع جيد يسمح له بالظهور كمركز إقليمي لابتكار الذكاء الاصطناعي ورائد في تطوير حلول الذكاء الاصطناعي الأخلاقية والشاملة. ومع استمرار الدولة في الاستثمار في البحث وتنمية المواهب والتعاون الصناعي، فإنها تمتلك القدرة على تشكيل مستقبل حوكمة الذكاء الاصطناعي والمساهمة في نظام بيئي رقمي أكثر إنصافًا واستدامة.

***

عبده حقي

 

الإعلام بأنواعه مترع بالأضاليل (معلومات كاذبة مخادعة لتبرير أجندات ومآرب مرسومة).

الإعلام هدفه كذلك منذ بدء الصراعات  بين البشر، فكان للدعاية وما يتصل بها من الإشاعات الدور الأكبر في النيل من الطرف الآخر في حلبة الصراع.

وأكثر الإنتصارات لعبت فيها النشاطات الإعلامية دورا مهما في تأمين الهزيمة وفرض أصحاب الصوت الدعائي القوي، المهيمن على واقع السلوك والتفاعل بين أطراف الصراع الدائر.

جنكيز خان وأحفاده بسطوا نفوذهم على بقاع شاسعة من الأرض بالإشاعات، وترويج الأباطيل والتصورات الكاذبة عن قدراتهم البطشية بالآخر.

وعالمنا المعاصر المتطور تواصليا بين البشر، أصبح الإعلام أداة فاعلة وسلاح تدمير شامل يتفوق على معظم أنواع الأسلحة الفتاكة، لأنه يشحذ القوة الداخلية ويؤهلها للتدمير الذاتي المروع.

ووفقا لذلك، يتم السيطرة على أي هدف بتفعيل عناصره وتحويلها إلى قدرات مضادة له، مما يدفع بالأهداف إلى التهاوي في قبضة الطامعين بها، أي يتحقق صناعة الأُرضة التي تنخر قلب الهدف وتؤهله للإنهيار عند اية ضربة.

ومن العناصر المهمة التي تقضي على المجتمعات إستعمال الدين ليكون طاقة مضادة للوجود الوطني والمجتمعي، ففي الدين تكمن طاقات تدنميرية هائلة، فهو سيف ذو حدين، ويتم التركيز على قدرة الدين لتبرير الشرور والمآثم والخطايا، فيقدم الفاعلون على حماقات مروعة.

و(غوبلز) ومقولته المشهورة "إكذب إكذب حتى يصدق الناس "، فعلت فعلها في الحرب العالمية الثانية، وتسببت بتحويل المجتمع المستهدف إلى عجينة طيّعة بإسم الفاعل الأول فيه.

ومنهج الكذب الفتان المنمق المزوّق قادر على تسويغ الشرور والأباطيل، وتجميل وجه الفساد والعدوان على حقوق الآخرين، حتى صارت الخيانة  قخر والوطنية سُبة، والتبعية عزة وكرامة، والعدوان على إبن الوطن بطولة.

و"لا يكذب المرء إلا من مهانته...أو عادة السوء أو قلة الأدب"!!

"ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون"!!

***

د. صادق السامرائي

تداولت الأقلام ووسائل الإعلام سؤالا مفاده: لماذا الجامعات الأجنبية فيها إحتجاجات وجامعات العرب والمسلمين خامدة؟!!

وجاء الجواب من بعض الكتاب الأجانب وخلاصته: أن الطالب الأجنبي يعرف ما سيحصل له وما سيترتب على سلوكه الإحتجاجي!!

أما الطالب في دول الأمة والدول المسلمة، فلا يعرف مصيره، ويكون قتله سهلا ومبررا، وتلصق التهمة بمجهول أو بطرف ثالث!!

والأجنبي عندما يكون في المعتقل، يعيش مكرما ومتمتعا بكافة الحقوق التي يكفلها له الدستور، وكأنه في فندق خمسة نجوم.

أما طالب الجامعات عندنا فإذا تم إعتقاله فيسومونه شر العذاب، ويتعاملون معه على أنه مجرم عليه أن يُهان ويُعذب وتستلب حقوقه، وفي أكثر الأحيان يكون القتل المروع مصيره.

تلك مجتمعات تحتكم لدستور، ومجتمعاتنا تحتكم للأهواء والأحقاد، وللكراسي المتمادية بالجور والعدوان على الإنسان.

الإحتجاجات في بلداننا قفز إلى التهلكة، وعندهم  تعبير عن الرأي، وقوة تؤثر في مسار النظام السياسي الدستوري الفاعل، وتؤدي إلى تغيير قوانين وإصدار ما يتوافق وإرادة المحتجين.

مجتمعاتنا غابية الطباع والتفاعلات، ومجتمعاتهم - رغم كل شيئ -  ذات مميزات إنسانية، فالعقد الإجتماعي سلطان والقانون قوة وبرهان.

مظاهراتنا سفك دماء وإختطاف وإغتيالات، ومظاهراتهم مواجهات ما بين قوى الأمن والمتظاهرين قد تؤدي إلى بعض الإعتقالات، التي يسعون إليها لإثارة الرأي العام، وتأكيد مطالبهم مهما كانت نسبة مشروعيتها.

فلماذا نقرأ كتابات تلوم طلبة الجامعات في بلداننا؟

علينا أن نكون واقعيين وموضوعيين، فالكراسي المتحكمة بالبلاد والعباد، عدوانية شرسة، لا ترحم المواطنين، وتتفنن بإبتكار أساليب ترويعهم، وقهرهم وحرمانهم من أبسط الحاجات الضرورية لحياة حرة كريمة، فكيف سيكون عفابهم إذا طالبوا بحق من حقوقهم، أو عبّروا عن رأيهم؟!!

إنهم يحترمون الإنسان ونحن نهينه ونحوّله إلى شيئ مبخوس!!

و"الإستقامة مفتاح الكرامة"!!

***

د. صادق السامرائي

نتفاجأ نحن البشر أحياناً من مشاهد الرعاية والإعتناء التي تحصل عليها الحيوانات الأليفة ونردها محظوظة بالنسبة لنظيراتها ، فتربية قط أو كلب في المنزل يتطلب الإهتمام والذي يتطور إلى الرفاهية التي يُحسد عليها الحيوان ، ودأبت الفيديوهات التي تنُشر على مواقع التواصل الإجتماعي على اظهار القطط والكلاب المتنعمة والناعمة كأحد أفراد العائلة، بل أقرب وأشد حباً لدى البعض ، وقد يتعرض أحد تلك القطط المدللة إلى حادث فجائي فيقلب أداة ثقيلة على رأسه الصغير أو يسقط من عمارة فيصاب بالكسر أو الكدمات، على الأقل، فيهرع ذووه إلى المستشفى لمعالجته.

وفي حادثة غريبة سقطت قطة من الطابق 16 في مجمع سكني ببغداد من أعلى النافذة على سيارة متوقفة، من سوء حظ صاحبها أن قوة الجذب أدت إلى تهشم شبه كامل يثير الدهشة في زجاج سيارته التي رفض مالكها التعويض، أثابه الله وعوضه خيراً بإعتباره حادث قضاء وقدر لا يد أو قصد في وقوعه، و أثارت الحادثة مشاعري رغم أني لم أر تلك القطة حتى ، ولكن سقوط حيوان لطيف أو تعرضه للإيذاء أو التعنيف شيء مؤلم .

يبدو فعلاً إن القط بسبعة أرواح، والحمد لله في ذلك لتتعافى تلك القطة المسكينة أرادت النزهة أو اللعب، فسقطت من غير وعي، فهي لاتعلم أن تلك النافذة تقع بالطابق 16 ، وهذه الحادثة فيها عِبرة كبيرة، لأن كل من يفعل شيئاً دون تحسب يقع، وقد يفقد حياته إذا لم يكن قطة مثل ما قال أحدهم.

***

ابتهال العربي

 

اللغة أداة الكتابة بأنواعها، وجوهر الكلام، ولابد من إتقانها قبل الكتابة والخطاب، لأن في ذلك تواصل نفسي وفكري مع المتلقين.

والإتقان اللغوي من أهم مميزات التواصلات المعرفية في لغات العالم كافة، فلن تجد رمزا بارزا في ربوعها لا يتقن لغته ويخبرها، وينتقي مفرداتها بعناية، ويسبك العبارات بقدرة بلاغية مؤثرة.

فعندما يغيب الإتقان اللغوي، تنتفي الحاجة للغة، لأنها ستتحول إلى نشاط عبثي مجرد من الإتجاه الواضح المبين.

وبموجب ذلك لن تجد قائدا في مجتمعات الدنيا أخرق لغويا، والويل للرئيس إذا أخطأ إملائيا أو نحويا، فستتصدى له وسائل الإعلام وتهزأ منه وتلقيه في أسفل سافلين، ولهذا تكون الخطابات محبوكة بعناية ومدروسة بإحكام، ومحسوب تأثير مفرداتها على المتلقين.

أما في مجتمعات الأمة، فأول مَن يهين اللغة هم الذين يسمون أنفسهم قادة بأنواعهم، فما أكثر الأخطال اللغوية في خطاباتهم، ووسائل الإعلام تتغاضى عنها، وتقدمهم على أنهم على غير حقيتهم الجدباء.

فاللغة العربية أصيبت بأمراض متوطنة وسارية ذات وبائية عالية، لفقدان المراصد اللغوية المتيقظة المتأهبة للإنتفاض بوجه ذوي الأخطاء اللغوية المريرة المتكررة.

اللغة هي اللغة أيا كانت أبجدياتها، وما يُظهرها هو العقل الذي يستخدمها، وإذا عزّت الأقوام عزت اللغات، ولا يلومن أحد أي لغة، بل العيوب كلها في أهلها.

لغتنا الجميلة معظمنا يعجز عن إتقانها، ويهملها، ويطلق العنان للسانه وقلمه، ليتخبط في عالم المفردات والعبارات المضطربة، والعجز على صب الفكرة في كلمات تليق بها.

وهذا الإنحطاط التعبيري والتفاعلي مع اللغة من المخاطر الجسيمة التي تواجه المجتمعات المنكوبة بلسانها، وبمنطق الكراسي المغفلة الجاهلة المتحكمة بمصيرها، وقد أذعنت لآكليها، وتأسدت على المأكولين من أبناء بلدانها.

و"إن من البيان لسحرا"!!

***

د. صادق السامرائي

 

الربّ: المالك، إسم الله تعالى، السيد، والجمع أرباب.

ربّ الأرباب: الله تعالى

الربوببية: الإعتقاد أن الله رب كل موجود، أي خالق كل موجود، ومدبر أمر الوجود.

النفس البشرية ذات ميول إرتيابية ونزعات خفية تدفعها للتفاعل مع التعدد، وتأبى الركون للحالة التي تتمثل في واحد إلا بالقوة والخنوع والإذلال والقدرة على مصادرة المصير.

وفي مسيرة البشر فوق التراب إنطلقت هذه النوازع وتحققت في مراحل متواصلة ومتوالدة ومتصارعة، حتى إنتهت إلى مفهوم الرب الواحد، والذي خاض عباب وعيه وجهاده أبو الأنبياء إبراهيم، كما ذكرت معظم الكتب السماوية، والتي جاءت بمفهوم الرب الواحد، والإله الواحد، الذي إتخذ مسميات تدل على الواحد.

لكن النزعة للتعددية أصابت حتى الأديان السماوية، وجعلتها تحتال على الواحد وتعدده.

ومع تطور الأحوال ودوران الأجيال وتباعدها، وتعاظم القوة والسلطان، تعددت الأرباب وصارت ذات توصيفات ومعايير جديدة، لا تفترق عما كانت تتصف به الأوثان المتعددة في مجتمعات الدنيا السابقة والمعاصرة، وفي العديد من الديانات السماوية التي تؤمن بالرب الواحد، إتخذ أصحابها أربابا من بين البشر، بعد ان وضعوا على رؤوسهم تيجان الألوهية أو القدسية، وأخرجوهم من ترابيتهم وحقيقتهم الآدمية، فصار البشر فرقا وجماعات لكل منها رب، فإذا بالرب أرباب، وإذا بالوحدانية محض سراب!!

وهذه عاهة نفسية سلوكية مستعصية ومتوارثة في البشرية، لا يمكنها أن تشفى منها على مر العصور.

فلكلٍّ ربٌّ يدّعيه، والرب العزيز الحكيم أقرب منه إليه!!

و"قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوّا أحد"!!

***

د-صادق السامرائي

11\11\2020

هذا ليس إقترابا دينيا وإنما نفسيا بحتا.

عندما نتساءل عن ماهية السيطان الذي يتردد على مسامعنا، ونتعوذ منه دائما، تظهر أمامنا النفس الأمارة بالسوء، والتي أشارت إليها العديد من المدونات عبر الأجيال ومنذ أزمان غائرة في الأزل.

النفس الأمّارة بالسوء هي النفس الدونية المشحونة بالطاقات الرغبوية، والساعية للتحرر من أي رادع يمنعها بلوغ مآربها الأنانية البحتة.

وقد تصدت لها الرسائل الدنيوية والسماوية، وما أفلحت بالإنتصار عليها إلا بنسب متفاوتة، وهذه النفس تستعبد العقل وترغمه على الإتيان بما يبرر خطاياها.

فعندما نقارن بينها وبين ما نسميه "الشيطان"، نجد أن ما يتصف به يتمثل فيها، وما تقوم به يدعو إليه ويرغّب به، وكأنه هي، وهي هو.

إنها تعشق الرجس والفساد وسفك الدماء، والقيام بالموبقات، وتستدعي المشاعر الكاذبة بالقدرة على السيطرة، والتلذذ بنشوة ما تقترفه من الأفعال السيئة.

قد يقول قائل أنك تنفي وجود الشيطان، والتقييم النفسي للسلوك البشري يؤكد أن (الشيطان) قائم فينا، ويسخرنا لما يريد القيام به من شنائع الأعمال، ويجند عقلنا وطاقاتنا لتأمين الوصول إلى أهدافه، وهي ذات سوء شديد.

فالبشر مرهون بشيطانه الكامن فيه، وما إستطاع عقله وما عنده من الروادع والثوابت الأخلاقية من لجم جماحه، بل تراه مستسلما له ومذعنا لما وفره من قدرات لتعزيز مساراته العدوانية على ذاته وموضوعه، وبسبب ذلك تعاني البشرية من مصائبها النكداء.

ويبدو أن البشر لكي يحرر نفسه من سطوة تلك النفس، يدّعي بأن قوة ما دفعته لفعل ما إقترفه، ويعلقها على عنق (الشيطان )، ويتناسى نفسه الدونية المتحكمة بما يبدر منه من أقوال وأفعال!!

و"إن النفس لأمّارة بالسوء"!!

***

د. صادق السامرائي

 

لو درسنا تاريخ البشرية منذ عصور موغلة في القدم، وقبل بزوغ شمس الحضارات الغابرات، لتبين أن الكراسي إتخذت الدين مطية للقبض على مصير البشر الذي تتحكم بوجوده.

ووفقا لمعطيات القوة الإلهية العليا، تم تأسيس الدول وأنظمة الحكم .

فالتأريخ يحدثنا عن أن الإله كان يحكم ومن ثم أنصاف الآلهة، وأبناؤها وبناتها وغيرها من التوصيفات.

فالجالس على كرسي السلطة يحكم بأمر إلهي، وما يقرره مطاع وحتمي، ولا بد من تأكيد مبدأ السمع والطاعة، لأنه مخوّل من قوة كبرى عليا ذات سطوة كونية خارقة.

ومع تطور المسيرة البشرية لم يتغير الجوهر والمنطلق، وإنما المظهر والآليات، التي بموجبها صار الحكم ماضيا في الأجيال.

فمعظم الذين في سدة الحكم يتوهمون بالتفويض الإلهي وبالقدرة على تنفيذ  ما يرونه صحيحا لأنهم لا ينطقون عن الهوى .

وفي زمننا المعاصر صار للرب نواب ووكلاء وممثلين، وأوهام لا تعد ولا تحصى  وأضاليل متنامية وفاعلة  في وعي البشر الجمعي، المرهون بإرادة وكيل رب فوضه بالنيل من العالمين.

و"مَن خشي الله فاز"!!

***

د. صادق السامرائي

 

إذا كان الجواب بنعم، فلماذا نسبة الفقر في إزدياد، والبطالة بلغت ذروتها، والخراب والدمار على أشده؟

أين تكمن العلة؟

هل أن دول المنطقة منكوبة بالإستحواذ على مصيرها؟

هل أن حكوماتها متواطئة مع الطامعين فبها؟

كيف يصح في الأفهام ما يحصل في ربوعها؟

تساؤلات أجوبتها خطيرة ومريرة، وتحاول الأجيال إغفالها، ويمكن إختصارها بالكراسي الفاعلة فيها!!

فلا يجوز لأي وطني أن يكون في كرسي السلطة، شئتم أم أبيتم!!

إنه خط أحمر فاقع!!

لابد من الأغبياء الأذلاء الساعين للإثراء والبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة قبل أن يبؤوا بسوء المصير.

فمن المعلوم أن مَن يخدم الشعب ويحرص على مصالحه تفترسه أنياب الطامعين بلا تردد.

الشعوب تحمي قادتها المخلصين وحكوماتها الوطنية الصالحة للبناء والتقدم والرخاء.

ثروات هائلة وفقر مدقع  وأناس يعتاشون على النفايانت.

فهل تستتحي الكراسي؟

لو كانت عندها ذرة وطنية، لهبت لنجدة البلاد والعباد ولتنكرت لأسيادها، ولهتفت بقوة وإصرار: "الشعب يريد الحياة"!!

فهل تقود البلاد الكراسي الوطنية؟!!

و" تُعرف قيمة الأوطان عند فراقها"!!

***

د. صادق السامرائي

عندما نستذكر الجيل القديم في زمن الخمسينات والستينات من القرن الماضي نجد أن الأعم الأغلب لهم الولع والديمومة على القراءة والإطلاع لما يدور من حولهم يتجولون في أروقة الصحف والمجلات والكتب والقصص والتمتع بروائع الكتب في العالم العربي والعالمي كان جيلا متطلعا ومثقف ذاتيا ومستوعبا ومكملا للدراسة المنهجية كان جيلا يقرأ ويتعلم ويطبق في حياته اليومية أستطاع أن يؤسس مجتمعا وأسرة ذات مواصفات عالية في التربية والتعليم لكن بمرور الزمن ونتيجة التطورات المعقدة والثورات العلمية والتكنولوجية وتحت ضغط ما يسمى بالحداثة المستوردة من الخارج استطاعت أن تفرض أسلوبها على عموم الأجيال والتأثير عليه نتيجة المناهج المدروسة من قبل الغرب ومؤسساته المشبوهة والخبيثة  استطاعت أن تبعد الجيل الجديد عن كثير من الممارسات التي تربى عليها آبائهم وأجدادهم حيث كان الجيل القديم يسمى بالجيل الذهبي يقصد المكاتب وشراء الصحف الورقية والمجلات بنهم الثقافية منها والعلمية التي تغذي فكره وتنعش ذاكرته وما زال محافظا عليها إلا القليل منهم الذي ركب الموجة في بحر لجي من التغيرات الغير مرغوب والمرحب بها أثرت على شخصيته وفكره وفقد الحس الثقافي تحت وطأة المؤثرات الفكرية والصحف والمواقع الإلكترونية حيث أصبحت بديلا عن الكتب والصحف الورقية كونها سهلة المنال وغير مكلفة وخصوصا من الشباب الذي ما زال متمسكا بالقراءة والثقافة وأصبح يبحث عن المعلومة الجاهزة ويعتمد على الصور بدلا من القراءة والصراع محتدم بين الجيل الذهبي القديم والجيل الجديد في فهم بعضهم البعض وعدم قدرة الجيل القديم بممارسة دوره في التربية وتمرير ما يحمله من قيم وأخلاق وما يحمله من فكر في التربية والعقلية لتنظيم وإدارة الحياة اليومية إلى أحفاده الذين يخوضون صراعا قويا شرسا مع الحداثة المغلفة بالخباثة والسوء والتدمير لشخصية الفرد التي أسست نظام الإزاحة الجيلية وأحدثت شرخا كبيرا بينهما في الفهم والتطبيق للحياة الجديدة وأحدثت جيلا متخلفا عقليا ونفسيا وأخلاقيا وعقائديا يقابله جيل قديم يحاول رفع مستوى الجيل الجديد إليه بعقليته وفكره لكن الفشل كان حاضرا وسائدا كون المعادلة غير متكافئة بين قطبي الصراع بل أصبح الجيل القديم يتأثر شيئا فشيء بالمتغيرات الجديدة وبمواقع التواصل الاجتماعي مما جعل الجيل القديم يخوض الصراع وحده ليعيش تحت بند قانون (لا أمر لمن لا يُطاع) وتحت ذريعة مقولة مفادها (لا تربوا أبنائكم على ما تربيتم عليه كون زمانهم غير زمانكم) لهذا بقي الآباء والأجداد يعانون صعوبة في التربية على القيم والمبادئ والأخلاق والدين وعدم تقبل أفكارهم كون التأثيرات الجانبية من التحولات الاجتماعية والمفاهيم والأفكار الجديدة التي استوطنت في عقول وشخصية وتصرفات الجيل الجديد تقع تحت بند الثقافة المصطنعة التي لا تلاءم مفاهيم مجتمعنا الشرقي الإسلامي وديننا وعقيدتنا لهذا لزاما علينا نحن كجيل قديم وأجداد أن نستسلم للأمر والواقع المفروض علينا ونحاكي الكثير من العقول والأفكار الجيل الجديد وحسب متطلبات التغيرات وتأثير الواقع بقدر المستطاع ومسك العصا من الوسط من غير أن ينفلت الجيل الجديد من بين أيدينا ونحاول أن ننزل إلى مفهوم وعقل أبنائنا ونطبق ما نريده بطريقة بسيطة وبحسب أدوات معرفية جديدة من خلال تطبيق برامج منهجية تعدها وسائل بحثية ودراسات حديثة لمعرفة شخصية الطفل والشاب برؤى وتربية حديثة حتى لو كانت بعيدة عن ثقافتنا العربية والأخذ بأحسنها وتجنب الباقي الذي يمس شخصيتنا العربية والإسلامية لتحصين الباقين والحفاظ على نشأت الأطفال والحفاظ على فطرتهم النقية.

***

ضياء محسن الاسدي

مع ظهور حركات التطرف الإسلامي، وتبوؤ أحزاب دينية لمقاليد السلطة في بعض الدول العربية والإسلامية،ومنها العراق، أصبح عزل المرأة واجبا دينيا على حد زعمهم، فتدهورت الأوضاع الاجتماعية للمرأة، نتيجة النظرة الدونية الجديدة تجاهها. إضافة إلى معاناتها من أشكال مختلفة من القمع والعنف الأسري والاجتماعي، والمظاهر المسلحة. فأصبح نضال النساء العربيات أكثر تعقيدا، إذ عليهن العودة إلى المربع الأول في تحقيق وجودهن الفاعل في السياسة والاقتصاد والمجتمع، إضافة إلى مواجهة الخوف والفقر والاستبداد. وهذه الأهداف لن تتحقق دون تغييرات جذرية في القوانين وفي نظرة المجتمع والأسرة لوضع حد لانتهاكات حقوق المرأة من تهميش، وتحرش جنسي وسوء معاملة، ناهيك عن الجرائم التي تطال المرأة لأسباب عديدة، وتعيش المرأة العراقية ظروفا صعبة بدأ بالتحرش الجنسي والدعارة والعنف الاسري والقتل باسم العرض والشرف

يشار إلى أن العراق شهد في السنوات الماضية اغتيالات طالت نساء مشهورات أخريات، من بينهن عارضة الأزياء تارا فارس، وخبيرتا التجميل رشا الحسن ورفيف الياسري، وسعاد العلي إحدى الناشطات في المجتمع المدني، وشهدت بغداد  العديد من عمليات اغتيال لنساء مشهورات وناشطات انسانية وحقوقية، وتلقي نساء أخريات التهديد بالتصفية، وجميعها تعود لأسباب سياسية، وليس لأسباب مهنية أو اجتماعية، فالجهات السياسية والاحزاب  لا تبالي بالمرأة، ولا تهتم بنجاحاتها كي تستشعر الخطر من تقدمها فتعمل على إبعادها من طريقها، كما انها محاولات لاسكات الضحايا وعدم افشاء اسرار السياسيين، كما ان الجهات السياسية والاحزاب ترغب بتحويل الانظار عما يجري من صراعات ونزاعات سياسية على السلطة هو الاحتمال الأقوى لكل هذه الاغتيالات، لا سيما أنهم اختاروا الشخصيات الأكثر شعبية، وتوجه هناء أدور أصابع الاتهام للمليشيات والجماعات المسلحة الأخرى صاحبة النفوذ في  العراق، والجماعات المتطرفة تُحاول الحد من الحريات المدنية، ومنع النساء من أخذ دورهن في المجتمع العراقي خاصة ان نتائج التحقيق الامني والطبي لم تظهر، ويبدو أن الحوادث هي من حملات ممنهجة ضد النساء المشهورات، ويتم تنفيذها من جناة محترفين لا يتركون أي أثر لعمليات القتل، عمليات الاغتيال كانت بطريقة متشابهة، وبآليات لا يُمكن اكتشافها بسهولة، وإن كانت الفيديوهات التي نُشرت توضح هذه العمليات، لكن الطريقة التي نُفذت بها طريقة واحدة بالأسلحة الكاتمة

وقبل ايام قلائل، أعلن مسؤولان أمنيّان أن بلوغر عراقية شهيرة على منصة "تيك توك" للتواصل الاجتماعي، تُدعى أم فهد، قُتلت  بالرصاص بينما كانت داخل سيارة أمام منزلها في العاصمة بغداد، والضحية قتلت برصاص مجهول كان يستقل دراجة نارية، أمام منزلها في وسط بغداد، وكانت الشابة العراقية قد حكم عليها في  فبراير/شباط 2023، حكمت محكمة عراقيّة على "أمّ فهد" بالسجن 6 أشهر، لإقدامها على "نشر أفلام وفيديوهات عدّة تتضمن أقوالا فاحشة ومُخلة بالحياء والآداب العامة وعرضها على الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ودعت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، الحكومة والجهات المعنية، الى كشف تفاصيل الجرائم الأخيرة التي طالت النساء في الآونة الأخيرة

ورجحت ناشطات حقوقيات، وقوف "حركات دينية مسلحة"، لم تسمها، شبيهة بتلك التي استهدفت سابقا محال المشروبات الكحولية والمثليين ومراكز التدليك "المساج"، وراء تلك الاغتيالات- على استحياء، تتحدث بعض الشخصيات المجتمعية في العراق عن "يد إقليمية خلف تلك الحوادث مجتمعة، فيم علق السياسي المعروف فائق الشيخ علي، قائلا بعد الطيارين والأطباء وأساتذة الجامعات وغيرهم جاء دور مراكز التجميل وجميلات بغداد، انهم يريدون قتل الشخصيات المجتمعية المعروفة، وستستمر الاغتيالات بفضل غياب السلطة والقانون وتسلط الاحزاب والمليشيات وكارهو الحياة،قتلة الإبداع وخصوم المحبة ومصادرها الديمقراطية، إنها عصابات ومليشيات سعيدة، وجميعهم يهدفون إلى العمل التخريبي وعدم إقامة نظام قوي ومستقرفي العراق، ودعت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، الحكومة والجهات المعنية، الى كشف تفاصيل الجرائم الأخيرة التي طالت النساء في الآونة الأخيرة،  تتابع الإجراءات المتبعة في التحقيق، بجرائم قتل النساء والفتيات العاملات بعدد من المجالات، وفقا للتخويل القانوني، الذي يتيح لها طلب أية وثائق أو أوراق رسمية، للتأكد من التزام مؤسسات الدولة بجميع المعاهدات وبنود الدستور والقوانين، مبينا ان المفوضية لم تلمس أي تعاون من قبل الجهات الحاكمة،المؤسف ان هؤلاء الضحايا لم يتفهوا الواقع الذي يحيط بهم ومايمكن ان يحدثه حضورهم من جلبة غير مستساغة لدى جمهور يعتقد ان الايمان بالدين يبدأ بالمظاهر، كما غاب عن فهمهم وهذا الاهم بان القوى الدينية هي من تتحكم في فضاء الحريات الشخصية وتتعامل مع الدين بشكل انتقائي، وسبق لهذه القوى ان فرضت ارادتها على تشكيل مظاهر الحياة الاجتماعية واضفاء الصبغة الدينية عليها، وهي مازالت تراقب وتتعقب كل من لايرضى بسلوكها او يتصدى لمحاولاتها في التشدد على الحياة الاجتماعية ومصادرة الحريات الشخصية،

والمغدورات لم ينتهكن مواد الدستور العراقي الذي كفل الحرية الشخصية لها وللجميع، لكن المرجح ان حبهن للظهور والتعبير عن ذاتهن بشكل مفرط وارتداءهن لاحدث صيحات الموضة كان قد اغضب القوى الدينية التي تسيطر على القرار في هرم السلطة، كما انهن تجاوزن الخطوط الحمراء بعلاقتهن مع سياسيين ورجال اعمال لهم السطوة، وكذلك اغضب جمهور هذه السلطة الذي عبر عن تشفيه بمقتل ام فهد ومن سبقها الى نفس المصير بسبب محاولته التعبير عن خصوصيته بمظهر او ملبس معين دون ان يدرك عواقب ذلك وسط مجتمعات شبه مغلقة تخضع لتقاليد واعراف مركبة يتماهى فيها التطرف الديني مع العصبية القبلية، لنعمل جميعا من أجل رفع الحيف والغبن عن المرأة والنهوض بها لتعزيز دورها الفاعل في الأسرة والمجتمع ومراجعة الأطر العقائدية والثقافية السائدة لإعادة مكانة المرأة الطبيعية في المجتمع والدولة

بقيت المراة العراقية تعيش في ظل فكرمتزمت وطائفي مقيت، لنعمل جميعا رجالا ونساء من أجل رفع الحيف والغبن عن المرأة والنهوض بها لتعزيز دورها الفاعل في الأسرة والمجتمع، وهذا يتطلب مراجعة الأطر العقائدية والثقافية السائدة لإعادة مكانة المرأة الطبيعية في المجتمع والدولة، فتحرير المرأة من النظرة الضيقة والدونية هو جزء مهم لإعادة إنسانية الإنسان التي فقدناها يوم فقدنا هويتنا الوطنية، وقد اوصى الله عز وجل بالنساء وانزل بهن سورة قرأنية لمن يقرأ ويتقي، انهن قوارير وتاج المجتمع.

***

نهاد الحديثي

إن المفهوم العام لإساءة استخدام الحصانة الدبلوماسية من أهم الموضوعات التي تمس أمن الدولة الموفد إليها المبعوث الدبلوماسي عندما يسيء استخدام حصانته الدبلوماسية الممنوحة لهم في ضوء اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لعام،1961 واستغلال المبعوث الدبلوماسي حصانته وجعلها أحد المبررات التي تعطيه الحق لارتكاب الإساءات، وازدياد حالات إساءة استخدام الحصانة الدبلوماسية يجعلها بعيدة عن المشروعية القانونية التي منحت الحصانة من أجلها، وتعتقد دولية أن عقد اتفاقية للعلاقات والامتيازات والحصانات الدبلوماسية يسهم في انماء العلاقات الودية بين الأمم, رغم اختلاف نظمها الدستورية والاجتماعية.

وإذ تدرك أن مقصد هذه الامتيازات والحصانات ليس افادة الافراد بل ضمان الأداء الفعال لوظائف البعثات الدبلوماسية بوصفها ممثلة الدول.

تقوم الدبلوماسية في الأصل على أساس المساواة بين جميع الدول، بحيث تتمتع كل منها بالسيادة التي تخولها الحق في إقامة علاقات دبلوماسية مع غيرها، هذه العلاقات الدبلوماسية تقوم على أساس التفاوض والاقناع المتبادل دون اللجوء إلى وسائل الإكراه والابتزاز من قبل هذا الطرف على الاخر،  غير احترم هذا التكافؤ في الممارسة العملية لأنه كثيرا ما لا تحترم هذه الممارسة  وأصبحت الولايات المتحدة الامريكية في هذا العصر من قوة ونفوذ مقارنة بالدول الأخرى وتستبد به الاخرين، وأبرز مثال على ذلك هو تأثير الولايات المتحدة الأمريكية وضغطها على الدول لإصدار قرارات ضد بعض الدول بحجة مكافحة الإرهاب، والتي بموجبها تم حجز أموال الدول المتخاصمة المختلفة ومنها العراق، وهو الامر نفسه الذي تقوم به اليوم تجاه القضية الفلسطينية منذ احتلال الأراضي الفلسطينية إلى يومنا هذا، حيث انحازت القرارات الاممية لصالح تثبيت الوجود الاسرائيلي، بينما يتم زورا وصف المنظمات التي تناضل من أجل تقرير مصير شعوبها بالمنظمات الارهابية. ولكن يجب ان تعلم بأن محاضراتها في تهذيب الدول انتهت من دون رجعة وإن الكيان سينهي الحرب منبوذا دوليا، ومن المرجح صدور أوامر اعتقال في لاهاي، لأن شهوة اليمين للانتقام لن تشبع.

ومن هنا فأن العلاقات الدولية تمثل عملية تفاعل متعددة الاوجه بين الدول بدرجات متفاوتة، ِّ وهي ضرورة لابد منها تسعى من خلالها الدولة إلى تحقيق أهدافها والمحافظة على مصالحها المختلفة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية،على غير ما تمارسه واشنطن في ممارساتها، لقد كان للبيان الذي صدر من وزارة الخارجية الامريكية تدخل سافر في شؤون العراق وردا على قرار تروج للبغاء والمثلية الجنسية في العراق "تشعر الولايات المتحدة بالقلق الشديد إزاء إقرار مجلس النواب العراقي تعديلا على التشريعات القائمة، والذي يُسمى رسميا قانون مكافحة البغاء والمثلية الجنسية، والذي يهدد حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يحميها الدستور. ويحظر القانون العلاقات الجنسية المثلية مع فرض غرامات باهظة والسجن وكذلك بعاقب أولئك الذين ’يروجون للمثلية الجنسية‘ وإن الحد من حقوق بعض الأفراد في مجتمع ما يقوض حقوق للجميع"ان قانون الفساد والمثلية الذي اصدره مجلس النواب العراقي فية احكام تعاقب الممارسين له ويحظر القانون "نشاط أي منظمة تروج للبغاء والمثلية الجنسية في العراق"بعد  ان ازدياد حالات البغاء في المجتمع العراقي  وظهرت ايضا من مصطلح على تسميتها شعبيا" (طنطا)..وتعني الشباب المتميعين الذين يستخدمون (المكياج) لتجميل وجوههم، وزرق الهرمونات لتكبير الصدر..والتشبه بالنساء في تصرفاتهم فيصفهم الناس بــ (المخنثين) أو (المثليين) أو (الشاذين جنسيا")،  ويعاقب القانون الجديد بالسجن باحكام مختلفة ويرفض المجتمع العراقي المثلية الجنسية، كماويتعرض أفراد مجتمع "الميم" القلائل بشكل متكرر لـ"الاختطاف والاغتصاب والتعذيب والاغتيال" "أن القراريحد من هذه الحالات وهو من صلب  ثقافة المجتمع العراقي الذي يرفض   المثلية والذي ومع الأسف هناك ترويج متعدد الثقافات غير معترف فيها وبالتالي يرفض المجتمع مثل هذه الممارسات الغير اخلاقية والتي لا تتناسب مع كل القيم والديانات المختلف من المستقبل، هذا القانون يأتي من باب الوقاية، وقاية المجتمع من هكذا أعمال والقوانيين أصبحت ضرورة تقتضيها اشراف وبمثابة الجهاز الرئيسي  للدولة والذي في طبيعة علاقات المجتمع العراقي المحافظ؛ والذي يشرف على العلاقات بين ابناء المجتمع، والقراروفرّ الغطاء التشريعي لردع هذه الأفعال ومن يروج لها، وعالج النقص الحاصل في التشريعات العراقية في هذا الجانب وهو خطوة ضرورية لحماية البنية القيمية للمجتمع، ومصلحة عُليا لحفظ أبنائنا من دعوات الانحلال الخلقي والشذوذ الجنسي التي باتت تغزو دول العالم، هذا الإنجاز الذي يصب في مصلحة مجتمعنا يتناسب مع تاريخه الثقافي والديني ولا مكان للمثلية في عراق الأنبياء والأئمة الطاهرين والأولياء الصالحين.

***

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

 

في بادئ الأمر لابد أن نتوقف عند تعريف الطبقة العاملة. بكل تأكيد هي ليست كما تعرفها الطبقات الحاكمة (الرأسمالية) بأنها فئة محددة في نوع من العمل أو شكل معين من أشكاله، وإنما هي تشمل (كل الموظفين الحكوميين (دائمي، عقد، أجير يومي) بكافة مسؤولياتهم ومراتبهم العلمية والعملية وكافة العاملين في القطاع الخاص وطلاب الجامعات والعاطلين عن العمل.. الخ) بمعنى آخر / كل إنسان يرتبط بعلاقة مع وسائل الإنتاج فهو عامل.

إذن الطبقة العاملة تمثل غالبية المجتمع، ولهذا تستمر السلطات الحاكمة بتقسيم البشر عن طريق خلق الصراعات الطائفية والقومية والعنصرية لإخفاء الصراع الطبقي بين طبقة العمال وطبقة الحكم (رأسمال).

لذا الأول من أيار هو يوم تذكير الطبقات الحاكمة بجرائمها ومعتقلاتها وإعلامها ومثقفيها وكتابها واقتصادييها ضد الطبقة العاملة التي تمكنت الأخيرة من فضح سياساتهم القمعية وكذبهم وعنصريتهم وتحرشهم واستغلالهم الجنسي للنساء، وعليه أصبح هذا اليوم يوما لتضامن العمال العالمي الذين يمثلون أغلبية المجتمع ضد الطبقة الحاكمة التي لا تمثل حتى نسبة ٥٪؜ من المجتمع وتتحكم باقتصاد وحياة المجتمع.

إن تمكن الطبقة الحاكمة من سرقة جهد ووقت العمال وإعطائهم بخس الأموال هو جاء نتيجة نجاحهم في تجهيل العمال نفسهم وعدم وعيهم وخلق حالة من الصراع والأحقاد فيما بينهم.

وعلى سبيل المثال، في العراق بعد عام ٢٠٠٣ قرر بول بريمر منع التنظيم العمالي والإضراب والتظاهر في القطاع العام، وحين بدأت بعض الحركات العمالية بالاعتراض والتحرك ضد قراراته لجأ إلى برلمان العراق وفرض بسن قوانين التقشف والخدمة المدنية والحريات النقابية وخصخصة المصانع والتعليم والصحة ومن ثم إدخال العراق في السوق العالمي وسيطرة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على حياة العمال الاقتصادية والنفسية والمجتمعية وبكافة تفاصيلها كي ينهي أي حركة أو احتجاج لعمال العراق.

كلما قل الربح زاد الاحتيال، لذا كل أزمة تمر بالطبقات الحاكمة تعكسها على حياة العمال ودخلهم المالي.

إن تقيّم الحكومات ومعرفة مدى نجاحها من فشلها هو بالنظر إلى مدى رفاهية العمال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومدى قوة الخيار في قراراتهم وإلا لا يمكن أن تنجح أي حكومة في العالم او تسمى ناجحة وغالبية المجتمع (العمال) فيهم عاطلين عن العمل ووضعهم السياسي والاقتصادي والأمني غير مستقر.

***

حسام عبد الحسين

واجهت ألمانيا بعد صعود النازية وتسلمها سدة الحكم،  دمارا اقتصاديا جراء قلة صادراتها بعد المقاطعة العالمية لها.

فجاءت اتفاقية "هاڤار للتسفير" بين الحركة الصهيونية والنازية عام ١٩٣٣ لكسر هذه المقاطعة.

وقد تمثلت هذه الاتفاقية في "أن اليهود الذين سيغادرون ألمانيا إلى فلسطين يمكنهم استعادة بعض أموالهم باستعمال تلك الأموال لشراء المصنوعات الألمانية التي يمكنهم بيعها بعد ذلك".

وقد أدى بالفعل التطبيق العملي للاتفاقية إلى تقوية النازية من خلال إنقاذ اقتصاد ألمانيا.

والحقيقة أن الحركة الصهيونية لم يكن من أهدافها إنقاذ اليهود كما ادعت وروّجت إنما كانت تنوي من خلال نقل جانب من ممتلكات هؤلاء اليهود معهم إلى فلسطين الحصول على أجزاء كبيرة منها لتغذية مشروع الاستيطان الصهيوني في فلسطين. وليس أدل على ما حدث قول

"أدولف أيخمان" أحد المسؤولين الكبار في الرايخ الثالث والمتعاون مع الحركة الصهيونية لدفع اليهود للهجرة إلى فلسطين" إن دوائر القوميين اليهود سعداء جدا بالسياسة الألمانية الراديكالية، لأنها ساعدت على إيجاد تفوق عددي على العرب". أي أن السياسة النازية مع اليهود أسعدت الصهاينة لأنها دفعت بهم إلى الهجرة إلى فلسطين فانقلب الميزان الديمغرافي لصالح الحركة الصهيونية.

والجدير بالذكر أن اليهود الألمان بعد قدومهم إلى فلسطين حاولوا الذهاب إلى مكان آخر، إلا أن الوكالة اليهودية جمعتهم في مستوطنات جماعية بعد تجريدهم من أموالهم التي غذت كما قلنا المشروع الاستيطاني.

وفي عام ١٩٤٣ أثناء الحرب العالمية الثانية عندما روجت الحركة الصهيونية لعمليات الاضطهاد التي يتعرض لها اليهود في غيتوات بولندا، لم يكن الإنقاذ وقتها هو هدفهم ولم يكن ضمن أولويات وعقيدة "دافيد بن غوريون"، بل لقد تمثلت جلّ أولوياته في إنشاء الدولة المزعومة.

وقد قالها عضو منظمة الهاجاناه -التي كان بن غوريون يترأسها- "اليعازر لڤنه" الذي أصبح فيما بعد سياسيا في دولة الاحتلال "لم يكن إنقاذ اليهود هدفا في حد ذاته بل وسيلة".

كما شدد صهاينة آخرون على أن دعوات الإنقاذ كانت تشكل خطرا على الصهيونية.

ومن هنا يتضح لنا أن المشروع الاستيطاني في فلسطين كان أهم من إنقاذ يهود أوروبا المضطهدين على حد قولهم والمهددين بالإبادة.

واليوم "بنيامين نتنياهو" في حربه على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ يضحي بالأسرى اليهود بهدف كسب معركة وهمية وتحقيق أهداف لم يحقق منها غير السير بشعبه إلى حافة الزوال.

فها هي الصحف العبرية تتهمه بانه غير مبال في مصير الرهائن الذين تحتجزهم حركة حماس في غزة ويقوض الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق مع الحركة.

غير أن نتنياهو صرح بقوله "منذ ديسمبر،  وبالتأكيد منذ يناير،  أصبح واضحا للجميع أننا لا نتفاوض".

حيث يهدد بدخول رفح للقضاء على المقاومة الفلسطينية مع أنه يعلم بأن جيشه الذي فشل في شمال القطاع ووسطه لن يحقق شيئا في جنوبه غير الخسران.

فمن بن غوريون إلى نتنياهو الهدف هو الأرض والتوسع، أما الشعب فهو على رفوف الإهمال.

***

بديعة النعيمي

 

الطبع البشري الخالد الراسخ،  يؤكد أن البشر (الرجل) ما أن يتحرر من الرادع، حتى تنهض فيه ثلاثة نوازع منفلتة.

هي حب النساء وجمع المال وسفك الدماء.

وما تنزه أحدٌ عن هذه الشراهات الثلاثة مهما كان مقامه وكيانه.

فما دام بشري الطباع تنطبق عليه هذه الخصال المحكومة بسطوة النفس الدونية، التي لا تجد مَن يقمعها.

فالأديان والعقائد حاولت أن تجد رادعا أخلاقيا، لكن معظمها ما أفلحت، إذ يتم الإلتفاف على الرادع اللامنظور أو الغيبي.

وبموجب ذلك تجد أصحاب الكراسي بأنواعهم ، ينهمكون بالثراء والنساء وسفك الدماء.

ولو أخذت أي حاكم أو سلطان فستجده مولعا بهذه الرغبات الثلاثة، وبعضهم يمعن فيها إلى حد سافر.

وقصص الجواري معروفة وكذلك الصراعات الدامية والثراء الفاحش.

ولا تزال الكثير من المجتمعات تعاني من شرور الكراسي ومفاسدها، لعدم قدرتها على صياغة عقد إجتماعي يكفل صلاح السلوك للجالسين على كراسي السلطة، ولهذا فهي تتخبط وتزداد ضعفا وهوانا!!

و"مَن يفعل الخير يَغنم"!!

***

د. صادق السامرائي

 

اندلعت احتجاجات طلابية واسعة في جامعة «كولومبيا» الأمريكية سرعان ما توسعت إلى جامعات عديدة في الولايات المتحدة على رأسها "جورج واشنطن" و"هارفرد"، تضامناً مع غزة، وتنديداً بحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين، الأمر الذي أشعلت موجة تضامن عالمية بعد أن لجأت رئيسة الجامعة نعمت شفيق، إلى استدعاء قوات الشرطة والسماح لها باقتحام الحرم الجامعي، من أجل قمع الطلبة المحتجين على جرائم الإبادة في غزة، وإنهاء اعتصامهم داخل الحرم الجامعي.

وأطلق مغردون على هذه الاحتجاجات اسم" ثورة الجامعات الأمريكية" كونها ناجمة عن الشعور بالصدمة الشبابية من الموقف الرسمي للولايات المتحدة الداعم لجرائم "إسرائيل" والانقلاب عليه، كونه يتناقض مع المبادئ التي نشأوا عليها.

ويمكن قراءة المشهد في الجامعات الأمريكية في سياق صراع الأجيال ما بين تقبل الآباء للأضاليل الإسرائيلية وانحياز الشباب للسردية الفلسطينية من خلال صور ضحايا غزة الناطقة، وهم يستعطفون الضمير العالمي بكبرياء رغم تعرضهم للإبادة بواسطة القتل والمجاعة.

ولنبدأ بجامعة كولمبيا العريقة التي أشعلت الفتيل، حيث تُعَدُّ من أفضل جامعات النخب، ويستطيع فيها الطلاب عمل الأبحاث والدراسات العليا والتفاعل مع الأفكار الخلاقة وتحليلها بعيداً عن التضليل الإعلامي ورغم ذلك فإن الزيف كان يباغتهم من بطون الكتب التي وضعها المستشرقون وغالباً ما كانت تحت إشراف استخباراتي غربي.. فالاستشراق هو الذي مهد لاستعمار الشرق برمته (وهي فكرة توسع بها أحد أساطين الجامعة من أصول فلسطينية البروفسور إدوارد سعيد في كتابه الأشهر: الاستشراق)، وبدلاً من سعي الغرب بمؤسساته البحثية والأكاديمية إلى تطوير الحوار الجاد بين الشرق والغرب ما بين الفهم الصحيح وبناء علاقات تعاونية ومعرفية بناءة ، جاءت السياسة القائمة على المصالح، لتعكر الأجواء من خلال وصف الشرق بأنه منبع للإرهاب وبالتالي ظهور مصطلح "الإسلامفوبيا" الذي طالب ترامب عام 2017 في مؤتمر العالم الإسلامي بالرياض بضرورة مواجهة هذه الظاهرة، وترسيخها كواقع.

وكانت حركة المقاومة حماس تندرج في هذا السياق على اعتبار أن غزة تمثل ملاذاً للأرهاب؛ ولكن مع وجود تقنيات الفضاء الرقمي فقد تعددت خيارات وبدائل الطلبة، فيما يتعلق بالمصادر المتاحة، وصارت أحكامهم على السرديات الخلافية أقرب إلى الإنصاف منها إلى الإجحاف المضلل، كما هو الحال بالنسبة للقضية الفلسطينية.

وقد تم تأسيس جامعة كولمبيا في عام 1754، حيث شهدت تخرج الكثير من المشاهير ، والعظماء المؤثرين، وكان لهم دور فعال في مجتمعاتهم من أهمهم، الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.. وينتمي إليها أبناء النخب الأمريكية بكل اتجاهاتهم.

وقس على ذلك جامعات أخرى في بلاد العام سام مثل جامعة "جورج واشنطن" حيث طوق الطلبةُ في الأحداث الراهنة، رقبةَ تمثال مؤسس الولايات المتحدة جورج واشنطن، بعلم فلسطين والكوفية الفلسطينية في مشهد رمزي مهيب.

لقد تعامل هؤلاء الطلبة مع تجربة "غزة" كفكرة مستقلة، للولوج عبرها إلى السردية الفلسطينية المهجورة ومن ثم إعادة اكتشافها بعيداُ عن تأثيرات الدعاية الصهيونية التي ظلت تسيطر على العقل الغربي حتى مجيء الفضاء الرقمي وتقنياته الذي وفر المرجعيات البديلة.

فمنذ السابع من أكتوبر تخمرت تجربة غزة من خلال صمود المقاومة، وتحييدها لجبروت القوة الإسرائيلية بمعجزة أنفاق غزة، والتفاف الشعب حولها رغم تعرضه للإبادة، وتحول علم فلسطين والكوفية المرقطة البيضاء إلى أيقونات شبابية في العالم دون استثناء حيث طُوِّقَتْ بها الأعناق والسواعد ووضعت في البيوت إلى جانب صور غيفارا ومانديلا،

إن المشاركة الأمريكية في حرب الإبادة تسببت بالانخراط الفعلي لشباب الولايات المتحدة بكل أعراقهم في أتون "ثورة الجامعات" ولا أستبعد أن يكونوا قد تأثروا بتجربة الطيار الأمريكي الذي أشعل النار في نفسه حتى الموت خارج سفارة "إسرائيل" في واشنطن، حيث أعلن أنه "لن يكون متواطئاً بعد الآن في الإبادة الجماعية"، في إشارة إلى الحرب التي تشنها "إسرائيل" في غزة، وهو ذات الشعار الذي يرفعه طلبة الجامعات من باب أن هذه الثورة شبابية ومرشحة للخروج من نطاقها الجامعي وتتناما مثل كرة الثلج..

في الوقت ذاته، فإن معظم الجامعات الأمريكية ما زالت مشتعلة بالتظاهرات والإضرابات، والدراسة شبه معطلة، وحوّلت عن بعد في بعض الجامعات بعد قيام رئيسة جامعة كولومبيا المصرية الأصل الصهيونية الهوى بفصل خمسة عشر طالبا من المطالبين بوقف حرب الإبادة في غزة. فووجهت هذه الإجراءات تصعيدياً برفع سقف المطالب الطلابية. لتصبح:

رفع الحصار عن غزة كلياً دون شروط، وقف إطلاق النار الشامل، مقاطعة كل الجامعات والشركات المرتبطة بدعم الحرب بشكل جديّ وفاعل، وقف المساعدات الأمريكية العسكرية والمالية والسياسية التي تقدم ل"إسرائيل".

ويمكن إدراج أسباب تمكن فكرة غزة من الاستجواذ على عقول وقلوب الجماهير الطلابية، والتي قد تسهم في استدامة ثورتهم التي أخافت الإدارة الأمريكية، فيما يلي:

أولاً- وجود قضية يدافعون عنها متمثلة بوقف حرب الإبادة في غزة، وكانت الشرارة التي أيقظت الضمائر والعقول،

ثانياً- المشاركة الأمريكية في هذه الحرب، باستخدام أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، وهو إقحام مرفوض للمواطن الأمريكي في حرب تناقض مبادئه المستمدة من دستور الولايات المتحدة التي تربى عليها وشكلت وعيه المبكر، ومنها استمدت الجامعات أنظمتها الداخلية؛ ليكتشف زيفها، وخاصة بعدما شهدته الجامعات الأمريكية من انتهاكات أمنية بحق الطلاب الذين خرجوا بمسيرات سلمية رفضاً لحرب الإبادة الجائرة ضد الفلسطينيين.

ثالثاً- البعد التاريخي لهذه الثورة، اقتداءً بما جرى في جامعة (كولومبيا 1968) والتي كانت عنواناً لإحدى المواد الاختيارية المتعلقة بالاحتجاجات على حرب فيتنام والتي درسها بعض طلاب الجامعة قبل أن ينشئوا مخيمهم الاحتجاجي في حديقة جامعة كولومبيا الأسبوع الماضي، حيث يرى الطلاب مدى التشابه بين مضمون المادة ونشاطهم ضمن احتجاجات جامعة كولومبيا.

رابعاً- ولتحييد قانون "معاداة السامية" على اعتبار أن المستهدف هو "إسرائيل" التي تمارس الإرهاب والإبادة وليست اليهودية كديانة، فقد ضمت هذه "الثورة" جميع الأطياف بما فيهم الطلبة اليهود الذين تبرأوا من الصهيونية ودولة الاحتلال الإسرائيلي التي يرونها كوصمة عار على اليهودية.

القصة مليئة بالمفاجآت فالحديث عن الجامعات يعني الدخول إلى معاقل التغيير في الدول.. فما بالكم حينما يتعلق الأمر بجامعات عريقة مثل "كولمبيا" و"هرفرد" الأكثر خصوصية في بلاد العم سام؟

***

بقلم بكر السباتين

28 أبريل 2024

 

عبر فترات التاريخ القليلة المتعاقبة وخلال عقود خلت والعلاقات العراقية- الكويتية تمر بفتور واحيانا تحدث صدامات حدودية كذلك تسود حالة انعدام الثقة بين الدولتين ومن اجل بناء علاقات ايجابية ومستدامة بين الطرفين خصوصا وان العالم والمنطقة تعيش اليوم مرحلة التداخل والمشاركة الاقتصادية والتجارية وتزايد تفاعلات العولمة وحتمية التقارب والتكامل بين الدول والشعوب خصوصا المتجاورة لذا توجب ايجاد رؤية جديدة جادة وعادلة ومن خلال التجربة و التاريخ القريب والبعيد الذي شهد تراجعا وفشلا ذريعا ومن اجل بناء علاقات ودية ومنتجة فلابد ان تقوم العلاقات بين الدولتين على وفق اسس واضحة وراسخة وصحيحة ونعتقد ان الاسس الاتية او بعضها والتي من خلالها يمكن تحقق مصالح البلدين الشقيقين بشكل عادل و مستدام وبناء وراسخ

اولا: يجب ان تقوم العلاقات العراقية – الكويتية على اساس التكامل المنتج اقتصاديا وتجاريا وسياسيا وامنيا فالتجاور والجغرافية بين البلدين يفرضان حتميات تاريخية ومكانية لايمكن التهرب منها او تجاهلها وهذا مايدركه الحكام في البلدين وينبغي ان يسعيا اليه بكل شجاعة وقوة وتصميم وبدون تردد

ثانيا: التكامل بين البلدين الشقيقين يتطلب ان يستفيد كل طرف من جغرافية الطرف الاخر للاغراض الاقتصادية والتجارية واللوجستية كالمواني والاسواق المشتركة والطرق العابرة للحدود والقارات وسلاسل التوريد وهذا الامر يفرض عقد اتفاق استراتيجي ومستدام بين البلدين ينص على حرية مرور البضائع والسلع والاشخاص ووسائط النقل التجارية المختلفة وان تنشط حركة الاستثمار بكل حرية وسهولة بين البلدين.

ثالثا: ومن اجل طمانة العراق وابداء حسن النية والنظر الى المستقبل بروح ايجابية يحسن بالكويت الغاء جميع الديون السابقة على العراق وهي ديون مترتبة من الحروب السابقة والتي تم توريط العراق بها للدفاع عن دول وانظمة الخليج العربية

رابعا: في حالة تم عقد مثل هذه الاتفاقية الاستراتيجية بين البلدين فيفترض ان تتضمن وتنص على الافضلية بالمعاملة لكلا الطرفين في جميع مجالات العمل الاقتصادي والتجاري والثقافي وكذلك في مجال التربية والتعليم والفنون وغيرها.

خامسا: التنسيق والتعاون في المجال البحري والجرف القاري وحماية امن الملاحة وتنظيم الصيد البحري وانشاء الدوريات المشتركة عند الضرورة وحماية البيئة البحرية

سادسا: التعاون والتنسيق في مجال حماية البيئة البرية ومكافحة التصحر والمحافظة على امن الحدود المشتركة وحركة سلاسل التوريد بشكل امن ومرن ومستدام

سابعا: التعاون والتنسيق في مجال مكافحة الافات الاجتماعية والمؤثرات العقلية والجرائم المالية والجنائية – كالمخدرات والممنوعات بجميع انواعها

***

قاسم معله حسين

4-2024

صاحب  الجسد المهدود، والعصب المجهود، المعلم الذي تقلص ظله في هذه البلاد سيبقى مع ما ناله من خطوب، واختلف عليه من صروف، الشخصية المحورية التي يدور في فلكها كل طالب، فالقيم النبيلة التي تحلق فوق السحائب الجون والتي يقطر من شمائلها ماء الكرم، وينضح من سجاياها حسن الخلال لا تعروها آثار النسيان، ولا تشوبها أعنّة الغفلة، هذه الخصال التي كانت تتوافر في أساتذة الزمن الجميل جدير بنا أن نتحلى بها ونجعلها حداء لمسيرتنا، والحق الأبلج الذي لا مرية فيها اننا مهما أمعنا في الادعاء، وأفرطنا في الافتراء تبقى حقيقة مفادها أن البون شاسع بيننا وبين أولئك النفر من الأساتذة الأجلاء الذين رفعوا راية العلم عالية خفاقة في ربوع وطننا الحبيب، فكيف لمن يتبادلون فضول الكلام وغث الحديث، أن يكون في مرتبة سواء مع أصحاب العقل الراجح، والفكر القادح، والخلق السامي الرفيع.

وناظر المدرسة الذي يوري زناد الإلهام فتشتعل كوامن العبقرية في الأذهان الخصبة، والقرائح الموهوبة، رأيناه ونحن في معية الصبا يجاهد نزقنا بالحلم، ويجالد طيشنا بالصبر، ويصاول شرهنا للهو البريء بالضرب والوعيد، أبصرنا تلك المؤسسة العريقة التي أهملتها الطائفية، وأذلت ناصيتها الإنقاذ، تدفع عنّا بيد، وتناضل دوننا بسهم، عندما تسكب في ضمائرنا اليافعة مقادير وافرة من اليقين، وتبتسم في وداعة وهي ترى ثائرتنا الغضّة قد تبدّت في ملامحنا البريئة جراء تأخر الكتب القشيبة فيهون علينا بعباراته المتزنة الرصينة حتى تمتلئ جوانحنا بالرضا، ففي مدينة الدمازين كان ناظرنا في مدرسة الجمهورية الابتدائية المربي الفاضل والرياضي المطبوع "الطاهر بابو- رحمه الله" يحيل أيامنا التي ترتع فيها أشباح الهفوات إلى مدينة فاضلة نأمن فيها من كل سوء، ونتحصن بها عن كل فتنة، فلقد كان هو وأركان حربه الأستاذ الخلوق "عبد الوهاب الطيب" يعيان تماماً أننا نكابد ألم التناقض فيما نهفو إليه من لهو بريء، وعبث جامح، بحكم النشأة والتكوين، وبين تلك القيود التي تفرضها ضروريات التعلم، وما زال ثغري يومض بالابتسام كلما تذكرت صدر أيامي في تلك المدرسة الشامخة، فقد كنت أُظهر امتعاضي وتمردي على ذلك العالم الجديد، فقد أذضت من كل شيء بشاشته، كنت كغيري من لداتي وأندادي أود أن أناغي الأطيار، وأتسلق الأشجار، وأخاطب الطبيعة، أجلب البلية، وأهش للعطية، وأبغض السخاء، لأجل ذلك عافت نفسي المدرسة لما فيها من شطط واعتساف، واجتوى عقلي الدرس لما فيه من كد، واجهاد ذهن، ولولا نفر من الأساتذة العظماء نهضوا لإصلاح اعوجاجي، وسعوا لتقويم خطل اعتقادي، لاقتصرت دراستي على الفصول الأولى، فلهم ولكل أساتذتي في المراحل التعليمية المختلفة أحني هامتي إكباراً لما قدموه لي ولغيري من حنو ورعاية وعلم.

حاشية:

ما يكابده هذا الشعب من حرب شعواء، وغلاء مرهق، وفقر مدقع، يبرهن يجلاء أن الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، لها قلب أقسى من الصّوان، وأصلب من الفولاذ لأنها تركته وحيداً يواجه هوج الرياح، وسرف المطر، وضراوة الصقيع.

***

الطيب النقر

 

التكنلوجيا بثوراتها الإبتكارية ومخترعاتها المذهلة، تقود العالم وتسخّر البشر بتفوقها عليه، فالذي يمتلك أسرارها وآليات التعبير المادي عنها، هو الأقوى المهيمن على الآخر الذي يفتقد عناصرها ومفردات الإبداع فيها.

النصر للتكنولوجيا!!

وعلى المجتمعات أن تعي هذه الحقيقة المعاصرة المتسيّدة على الواقع الدنيوي.

فالقوي مَن يمتلك قدراتها ويسخدمها لتحقيق الأهداف المطلوبة.

بعض الدول منشغلة بموضوعات بائدة غابرة عفت عليها القرون، وتريد أن تواجه دولا ذات إقتدار تكنولوجي متقدم، فكأنها تطارد أوهاما، وتحسب أنها ستقبض على خيط دخان.

العالم يسير على سكة الإبداع المادي المتدفق من خطوط إنتاجية لا تتوقف، وتتوثب نحو صيرورات ذات مواصفات متفوقة على ما قبلها، وبإضطراد إبداعي مطلق.

وعالم يزداد تذمرا من الحياة، ويزهقها بأقوال وتصورات وتفاعلات قهرية سلبية، توفر للأجيال البيئة المتوافقة مع العدوان على الدنيا وما فيها.

فكيف ينتصر المتقهقر على المتقدم المندفع بطاقات الإبتكار؟

لابد من الموضوعية والإقرار بالقدرات المتوفرة، والإمكانيات المتفاعلة في الواقع الذي نتمنطق بما لا يمت بصلة إليه، فمعظم ما تبوج به الألسن والأقلام، يمثل متخيلا منقطعا عن مسارات الأيام، وما يدور في خلد البشر المُضام بالجور والحرمان، والمزقوق بسلاف الضلال والبهتان.

فهل سنمتلك المؤهلات اللازمة للمنافسة المعاصرة؟

وهل سنوفر البيئات الضرورية لإطلاق ما تكنزه الأجيال من الإقتدار؟

المطلوب صوت وطني غيور، ونظام حكم جسور رشيد!!

وعلينا أن نكون، بمستوى ما نريد أن نكون!!

و:على قدر أهل العزم تأتي العزائم..."

***

د. صادق السامرائي

+

"آرثر جيمس بلفور" سياسي بريطاني ولد بتاريخ ١٨٤٨. تولى رئاسة الوزراء في بريطانيا وبعدها بسنوات أصبح وزيرا للخارجية في وزارة "ديفيد لويد جورج".

بدأ بلفور حياته كارها لليهود مكرسا كل جهوده للحد من هجرتهم إلى بريطانيا.

وكان في العام ١٩٠٥ قد منع بصفته رئيسا للوزراء هجرة اليهود الهاربين من مذابح روسيا القيصرية، بسبب ما وصفه بالشرور التي لحقت ببريطانيا بسببهم. بالرغم من أنه حضر المؤتمر الأول بزعامة "تيودور هيرتزل" الذي أقيم في مدينة بازل عام ١٨٩٧ لمناقشة مشروع إقامة وطن قومي لليهود، وكان مؤيدا للمشروع.

وظل متذبذبا في مواقفه تجاه اليهود إلى أن التقى بالزعيم الصهيوني "حاييم وايزمان" وأعجب بشخصيته. ومن وقتها أصبح تعامله مع الصهيونية باعتبارها قوة

تستطيع التأثير في السياسة الدولية وخاصة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية بهدف إقناعها للمشاركة في الحرب العالمية الأولى إلى جانب بريطانيا.

ومن هنا وانطلاقا من هذه الرؤية جاء ما عُرف "بوعد بلفور".

وقد بعث بهذا الوعد إلى البارون "ليونيل دي روتشيلد" اليهودي البريطاني البارز، مخاطبا إياه ب ٦٧ كلمة تضمنت تحويل فلسطين إلى دولة استيطانية صهيونية.

وكان نص الوعد:

"تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يفهم جليا أنه ان يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر".

٦٧ كلمة أعطت من خلالها من لا يملك ،الأرض لمن لا يستحق. حيث جرى توقيعها بتاريخ ٢/نوفمبر/١٩١٧.

وقد وصف القاضي الأمريكي "جوزف بروسكار" هذا الوعد بأنه "قانون العالم".

ويذكر بأن المنظمة الصهيونية كانت قد تقدمت بمقترحات لنقل كل من لم يكونوا يهودا من المنطقة. وتقصد الفلسطينيين. كما استعملت المنظمة عبارة "الكومنولث اليهودي" التي تعني دولة ،كيان سياسي ،أمة ،أو جمهورية. بدلا من "الوطن القومي" التي وردت في الوعد والتي لن تؤدي إلى إقامة "دولة صهيونية".

وكان ما أرادته الحركة الصهيونية ،فأصبح الوعد بمثابة "صك شرعي" على فلسطين وتحول الوطن إلى دولة فاشية تقتل وتخنق على مدار أكثر من سبع عقود، إلى أن جاء ٧/أكتوبر٢٠٢٣ ليقول للمعتدي ومن يقف خلفه...كفى.

***

بديعة النعيمي

منذ أن دس الغرب بالقوة كيانا غريبا مشوها وسط شعوب عاشت في سلام آمنة في أراضي الحضارات ومهد الديانات بدأ الدهماء في محاولة نسج خيوط خبثهم بترويض الكيان الدخيل لتمكينه من تنفيذ مؤامراتهم لكبح شعوب الثورات ولإحكام السيطرة على أراضي الثروات.

ظل امتلاك القوة العسكرية مبدأ أساسي للكيان الدخيل كمسار ثابت لنهج حياة لا بديل عنه مهما تعاقبت السنون يتلخص في امتلاك ناصية التخويف والترهيب بالقوة المسلحة، وذلك على خلفية علمه أنه كيان مغتصب لا يستحق ما منحه له من لا يملك بتواطؤ عالمي، إذن هو كيان يستند مطمئنا إلى قواعد وحلفاء يدعمونه ماليا وماديا وعسكريا وسياسيا .. ويوفرون له بكل السبل المتاحة الشرعية وغير الشرعية المنعة والتمكين والحماية, ويفتحون له أبواب العلم والتكنولوجيا المتقدمة لتعزيز وتطوير قدراته العلمية لإحداث التفوق الحضاري على جيرانه من كل الجهات.

لم يكن كل هذا كافيا لكبح جماح الإجرام الذي يسري في عروق المغتصبين الدخلاء، فالقيام بين الفينة والأخرى بعمل عسكري ناجح ومحدود مفيد لرفع الروح المعنوية والحفاظ على الجاهزية القتالية في كل وقت وفي كل حين، وفي ذلك أيضا رسالة ردع يراد لها أن تكون عميقة المعني بليغة المبنى، فهم يؤمنون بأن من واجبهم قمع وإذلال كل من ليس " مختارا " إنها عقيدة ثابتة لا سبيل لتغييرها.

الغرب راض تماما بما تحقق، وسيكون سعيدا لو أنه تم اختبارالقدرات العسكرية في الميدان الحقيقي للمعارك وفي ساحات القتال بشكل منتظم ! الحرب هي المحك الحقيقي لاختبار كفاءة الأسلحة وقوة خصائصها، وأمر تبرير اندلاعها لا يحتاج لكثير عناء، فأي طرف يمكنه أن يفعل ما يريد وقت ما يشاء وأن يختلق السبب لتبرير فعله ومن ذلك اختبار قبضة القوة مع الدول المحيطة بالكيان المختلق والمعادية له من خلال تحركات عسكرية حدودية استفزازية واشتباكات مسلحة تحقق الهدفين معا: متعة ممارسة القتل،ونشوة تأكيد الغلبة .

لقد كان داعمو الكيان الدخيل أوفياء له في جميع المحافل العالمية فأطلقوا يده للعبث بأمن البلاد ومصير الشعوب، ويبدو أن الصهاينة تأكدوا من حقيقة أمر البعض من الجوار كونهم أصواتا إعلامية قوية فقط لم يتمكنوا من محاولة إظهار رد الفعل الكافي للانتقام والشافي لجرح الكرامة، لقد حقق الكيان حديثا الغلبة بشكل حاسم على الأنف والعيون الأربعة، والآن هو يقف مكابرا على عتبة تقدير قيمة معظمهم بعدما قاس وزنهم، ولا يبق له سوى تحدي واحد لن يهدأ حتي يقف الغرب أولا على حقيقة أمره الغامض عليهم منذ سنين حتى اليوم، هذا في انتظار تلقيه الأوامر والضوء الأخضرمن متعهدي دعم حمامات الدم، الأمر ليس بالهزل وطبيعة التحركات الجارية والاتصالات القائمة موسومة بمنتهى الجدية وبالغ الحذر.

***

صبحة بغورة

 

المقدمة: العراق: هو دولة في الشرق الأوسط تعاني منذ سنوات طويلة من صراعات داخلية وتدخلات خارجية تهدف إلى تشكيل مستقبلها السياسي والاقتصادي، واحدة من أبرز التحديات التي تواجه العراق هي تحالف اللاهوت الديني وتأثيره على قرارات الحكومة والعلاقات الخارجية.

العراق يشهد تنافسًا شديدًا بين القوى السياسية والدينية التي تسعى إلى تعزيز نفوذها وتحقيق أهدافها السياسية، يتمثل ذلك في تواجد جماعات مسلحة وميليشيات تابعة لأحزاب دينية وسياسية متنوعة، مما يعقد المشهد السياسي ويزيد من التوترات الداخلية.

علاوة على ذلك، تتداخل الديانة والسياسة في العراق، حيث يحاول بعض السياسيين الاستفادة من القضايا الدينية لتحقيق أهدافهم السياسية، ويمكن رؤية ذلك في الخطابات السياسية التي تتضمن تقديسًا للقيم الدينية واستخدامها كوسيلة لجذب الناخبين وتأمين دعمهم.

أولاً: غزو العراق

لقد تم احتلال العراق عام/ 2003 وتغير مؤسساته بالقوة، مما أتاح الفرصة لإعادة بناء الدولة الحديثة  بدستور دائم يضمن حقوق جميع أعضائها في دولة فيدرالية ديمقراطية تعددية، ولكن للأسف تم تجاهل هذا الدستور منذ سنوات عدة .

ومع مرور السنين، سيطرت القوى الطائفية على الحكومة، وأصبحت تتغطرس وتتغطرس في الاستيلاء على المكون الأكبر، وبعد أن أغرتهم السلطة والمال والميول الطائفية المدعومة من الخارج، بدأوا في مركزية الدولة ومنع إنشاء اتحاد فيدرالي.

واليوم تسعى أساليبهم الدعائية إلى إعادة إنتاج مواقف ومناهج الأنظمة السابقة من خلال صهر المكونات الأخرى في بوتقة تنصهر فيها الأغلبية والاعتماد بدلاً من ذلك على أفضل الأنظمة الإدارية والسياسية في العالم.

 وهو النظام الفيدرالي الذي حول العراق إلى ثلاث اتحادات جغرافية، وعزز طبيعة التكوينات الاجتماعية في الجزء الغربي من البلاد، وفي جنوب العراق ووسطه، وفي إقليم كردستان.

لقد أدت جهودهم والسلطة والمال التي كانت في أيديهم إلى تعطيل الديمقراطية والفدرالية من خلال إنشاء دولة عميقة، وأسلحة، وفتاوى دينية، وشعارات مخدرات، مما أدى بالبلاد إلى الحرب والصراع، لقد أصبح هذا البلد من أكثر الأنظمة فشلاً سياسياً وأكثرها فساداً وإرهاباً وتخلفاً مقارنة بإمكانياته وثروته وتنوع أعضائه.

ثانياً: دول الجوار

علاقة العراق بدول الجوار وأمريكا وحلفائها تعد أمرًا معقدًا ومتشابكًا، فدول الجوار تلعب دورًا هامًا في الشؤون الداخلية والخارجية للعراق، حيث تسعى كل من إيران وتركيا والسعودية والكويت وسوريا والأردن إلى حماية مصالحها في المنطقة، وتتشابك هذه المصالح مع الصراعات الداخلية والدينية في العراق، مما يعقد الوضع بشكل كبير.

أما أمريكا وحلفاؤها، فهما يمارسون تأثيرًا كبيرًا على الساحة السياسية العراقية من خلال دعمهم للحكومة العراقية والتدخل في الشؤون الداخلية، وقد أدى ذلك إلى تصاعد التوترات مع بعض الجماعات المسلحة والميليشيات الدينية التي تعارض وجود القوات الأمريكية وحلفائها في العراق.

 يمكن القول إن العراق يواجه تحديات كبيرة نتيجة لتحالف اللاهوت الديني وتداخل الدين بالسياسة وتأثير دول الجوار وأمريكا وحلفائها على الأوضاع في البلاد، ولا بد من التعاون الدولي وبذل الجهود المشتركة لتحقيق الاستقرار والتنمية في العراق.

ثالثاً: دوامات الشارع العراقي

تعكس دوامات الشارع العراقي العديد من الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.. ففي العراق، تعتبر الحياة اليومية مليئة بالتحديات والصعوبات، مما يؤدي إلى ظهور دوامات معينة تحكم سلوك المواطنين وتؤثر على حياتهم... من أبرز هذه الدوامات:

البطالة: تعتبر مشكلة البطالة أحد أبرز العوامل التي تؤثر على دوامات الشارع العراقي. فالبطالة تزيد من مستويات الفقر والتوتر الاجتماعي، مما يؤدي إلى ظهور ظاهرة التسول والجريمة المنظمة.

انعدام الخدمات الأساسية: تعتبر غياب الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والصرف الصحي عاملاً مؤثراً على دوامات الشارع العراقي. فقلة الخدمات تؤدي إلى انعدام الراحة والأمان للمواطنين، مما يؤدي إلى زيادة معدلات التوتر والعنف.

الفساد: تعتبر ظاهرة الفساد أحد العوامل التي تؤثر على دوامات الشارع العراقي، حيث يشعر المواطنون بالظلم والعدالة وعدم الثقة بالجهات الرسمية.

الانقسامات الطائفية: تعتبر الانقسامات الطائفية عاملاً مؤثراً على دوامات الشارع العراقي، حيث يؤدي الصراع الطائفي إلى زيادة التوترات والصراعات بين الطوائف المختلفة.

رابعاً: تأثير دوامات الشارع العراقي

إن تأثير دوامات الشارع العراقي يظهر على مختلف جوانب الحياة.. فمن خلال دراسة هذه الدوامات يمكن فهم تأثيرها على:

الصحة النفسية والاجتماعية للمواطنين.

الاقتصاد الوطني ومستويات الفقر.

النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.

السلم والأمن في المجتمع.

الثقافة والهوية الوطنية.

استنتاج:

تعتبر دوامات الشارع العراقي من الظواهر الاجتماعية التي تحمل العديد من الأبعاد والجوانب، إن فهم هذه الدوامات يعد خطوة مهمة نحو فهم أعمق للحياة اليومية في العراق وتحليل التحديات والصعوبات التي يواجها المواطنون، يجب على الحكومة العراقية اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة هذه الدوامات وتحسين جودة حياة المواطنين.

***

شاكر عبد موسى/ كاتب وأعلامي

................................

المصادر:

التقرير السنوي للبنك الدولي عن الاقتصاد العراقي.

دراسة حول دوامات الشارع العراقي لمركز أبحاث الشرق الأوسط.

مقالات وأبحاث علمية في مجال الاجتماع والثقافة والاقتصاد حول العراق.

واشنطن- العراق- مستهدف- بمعبر-أكثر

https://www.aljazeera.net/news/politics/2021/7/13/

https://www.bbc.com/arabic/middleeast-49119954

العراق- ولاية-الفقيه-دعوات-لإصلاح- النظام-بين- تحالف-المرجعية- ودوائر-التغيير/

https://www.dw.com/ar a-61055328 /

 

امريكا ومن ورائها الدول الغربية لم تتوقف يوما عن استخدام مصطلح "اللاسامية" في توجيه الاتهام الى كل من يعارض السياسة الاسرائيلية ومنهم على سبيل المثال المفكر الفرنسي روجيه غارودي، الحركة الصهيونية استخدمتها كسلاح في وجه كل من يشكك في الهوية الدينية لنشوء دولة بني صهيون، أو لانتقاد سياسات هذه الدولة، في السابق كل من يكره اليهود يطلقون عليه معاد للسامية، اما اليوم فان من يكرهه الصهاينة فهو اللاسامي.

المظاهرات المستمرة للطلاب بمختلف الجامعات الامريكية ضد ما يجري في غزة من اعمال ابادة جماعية اخذت منحى تصعيدي قابلته الشرطة بنوع من الغلظة ما ادت الى اعتقال المئات من الطلاب، وهذه التحركات تعبر عن راي الجيل الجديد ذو العقل المستنير والذي تشبّع ولسنوات بان امريكا والعالم الغربي يرعون الديمقراطية ويكافحون من اجل حق الانسان في التعبير عن راية وتقرير مصيره.

 لقد كشفت الحرب على غزة لهؤلاء الطلاب زيف تلك الشعارات البراقة، وان اموال الضرائب التي يدفعها عامة الناس بدلا من ان تذهب الى القطاعات الخدمية التي من شانها تحسين الاوضاع الاجتماعية، وجدوها تذهب لشراء مختلف انواع الاسلحة والعتاد لضرب شعب يئن تحت نير الاستعمار الصهيوني على مدى ثمانية عقود واخرون اجبروا على ترك مدنهم وقراهم واصبحوا لاجئين تعمل الامم المتحدة على اعاشتهم عبر منظمة الاغاثة الدولية UNRWA وعمد الصهاينة الى اتهام المنظمة بانها تساعد الفلسطينيين فقامت باستهدافهم لأجل التخلي عن عملهم الانساني، وان امريكا عطلت عدة قرارات تطالب بوقف القتال وعدم استهداف المدنيين، كما افشلت(فيتو) قرارا يدعو الى ان تكون فلسطين دولة كاملة العضوية في الامم المتحدة استنادا الى القرارات الدولية بخصوص حل الدولتين .

لقد اصيب بني صهيون بالجنون بسبب ردات فعل الطلبة في جامعات امريكا وبعض الجامعات الاوروبية لما يقترفه الصهاينة في قطاع غزة مدعوما بالة الحرب الامريكية، نتنياهو يصف مظاهرات الجامعات الأمريكية بأنها "معادية للسامية"، وساندرز يرد: لا تهينوا ذكاء الأمريكيين بمحاولة صرف انتباهنا عن سياسات حكومتكم غير الأخلاقية.

الطلاب في امريكا اليوم يتقدمون الصفوف للتعريف بجرائم الصهاينة في غزة ويستنكرون وبشدة الدعم اللا محدود الذي تقدمه حكومتهم للصهاينة، ترى هل يستفيق الشعب الامريكي من حالة عملية غسيل الادمغة التي يقوم بها الاعلام الأمريكي المتصهين وتغييبه عما تفعله حكومته بالشعوب المغلوبة على امرها؟ .

لم يعد هناك شكا من ان حكامنا قد باعوا القضية الفلسطينية وقبضوا الثمن وهو الابقاء عليهم في السلطة، فهذا يفتتح طريقا صحراويا واخر بعض العمائر لتلهية شعوبهم بينما اجوائهم مفتوحة على مصراعيها امام الطيران المدني والحربي الصهيوني وهم يشاهدون بأم العين مجازر غزة ،ما احوجنا الى انتفاضة شعبية تهز اركان السلطة في بلداننا ؟ نعم شعوبنا مقهورة وطلابنا بالجامعات تتعطل الدراسة لأتفه الاسباب تارة ممن يسمون انفسهم بأعضاء هيئة التدريس المتكالبين على جمع المال وتارة بسبب المناوشات بين المجاميع المسلحة المنتهكين للحرم الجامعي، ويتمنون استمرار الدراسة لانهم اطالوا المقام بالجامعات.

لقد فضحت أحداث غزة من يدعون العروبة. على المسؤولين الذين تتواجد كلمة (العربية) ضمن أسماء بلدانهم الرسمية. إزالتها لانهم ليسوا عربا ولا شعوبهم ايضا،من يريد التحرر من العبودية عليه ان يضحي ليعيش الخلف ،تحية لشعب الجبارين الذي يكافح رغم قلة امكانياته اعتى الدكتاتوريات في العالم التي تدعي التحضر زورا وبهتانا، وخذلان من اعتقد انهم بني جلدته.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

إسطوانة إعادة الكفاءات المهاجرة مشروخة، ومعزوفٌ عليها على مدى عقود خائبات. المطلوب التركيز على رعاية الكفاءات المتواجدة، وتوفير البيئة الملائمة لإبداعها وعطائها الأصيل.

فالكفاءات الوطنية المقيمة تعاني، وتواجه المعوقات والعثرات، ولا هم للأبواق الإعلامية سوى الكلام عن عودة الكفاءات المهاجرة.

إنها طارت من أعشاشها ولن تعود إليها مهما توهم المتوهمون، لأن البيئات التي توفرت لها في بلاد المهجر لا يمكنها أن تتوفر في الوطن.

فالمشكلة الجوهرية في صناعة البيئة اللازمة لإطلاق الطاقات وإستثمار القدرات.

ومن الأفضل للحكومات أن تقدم الرعاية المناسبة للكفاءات المتواجدة في بلدها، وتبتعد عن التركيز على عودة الكفاءات المهاجرة، لأن هذا الأسلوب مجرّب وباء بخسران متكرر شديد.

عندما تتوفر البيئات الصالحة الآمنة المستقرة، فستعود الكفاءات المهاجرة إلى مواطنها طوعا، وكفى ثريدا حول الصحون!!

فهل تستطيع الحكومات توفير التربة الصالحة للنماء والعطاء الإبداعي المعاصر.

إنه التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمع.

 فالعيب في الآلية وليس في العناصر والمفردات!!

و"عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة"!!

***

د. صادق السامرائي

 

اللافت للانتباه والاستغراب معا؛ أن الشعوب العربية (باستثناء الشعب العربي في الأردن) لم تخرج بتظاهرات واسعة للتعبير عن رفضها وشجبها لصمت أنظمتها؛ حول ما يجري في غزة من جريمة إبادة بحق الشعب الفلسطيني؛ لتشكل ضغطا قويا على أنظمة حكمها وإجبارها على اتخاذ خطوات عملية، ومشاركة فعلية في دعم النضال الفلسطيني، والوقوف معه في خندق واحد وفي معركة واحدة ضد الكيان الصهيوني المجرم، سواء باستخدام ما لدى تلك الأنظمة من عوامل الضغط على الكيان وعلى داعميه من أمريكا والغرب، أو التهديد الفعلي بالمشاركة في المعركة ضد الكيان الصهيوني، لكنّ أياً من هذا لم يحدث. هذا الموقف الجماهيري، غريب على الشعوب العربية التي لم تصمت يوما خلال تاريخها اتجاه ما كان يحدث من معارك بين أي دولة عربية وقوى الشر الغربية، إلا أن هذه اللامبالاة الشعبية الآن بدأت مع اتفاقية السلام بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ومصر، مرورا باتفاقات أوسلو ووادي عربة، وليس انتهاءً بالتطبيع المجاني الأخير بين بعض الدول العربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي. للحقيقة هناك ردود شعبية في كل الأوطان العربية تقريبا، لكنها ردود باهتة جدا، لا ترقى إلى مستوى التهديد الفعلي. ومن المعلوم أن أي وضع لا يمكن أن يحدث من دون أن يكون له واقع على الأرض، ومن دون أن تكون له مسوغاته ومسبباته ودوافعه؛ يظهر كل هذا التراكم بسبب الخيبات والإخفاقات التي ضيعت على الشعوب العربية بوصلة الطريق للنضال والكفاح والجهاد، من أجل السيادة الحقة والاستقلال الحقيقي والتنمية والديمقراطية، وحقيقة نضال الفلسطينيين من أجل دولة ذات سيادة كاملة، وليس حكما ذاتيا تحت مسمى دولة، الذي شَابه الكثير من العثرات والانحرافات عن جادة النضال والكفاح والجهاد؛ بحجة مخادعة وكاذبة؛ إن الدبلوماسية والسياسة سوف تقود في النهاية إلى تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني، إلا أن هذه السياسة قادت إلى تمييع الحق الفلسطيني في دولة ذات سيادة، إضافة إلى أنها منحت دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ الزمن الكافي للتوسع الاستيطاني على أراضي الضفة الغربية التي يواصل الكيان الصهيوني؛ احتلالها خلال ثلاثة عقود، من دون أن يدفع كُلف هذا الاحتلال، بل هناك عون له في إسكات أصوات بنادق النضال والكفاح والجهاد ضد وجوده الاحتلالي.. قضية فلسطين هي في الجوهر صراع عربي صهيوني، إذ أن هناك ارتباطا عضويا بين استقلال وسيادة الأوطان العربية، وتحقيق الديمقراطية والتنمية الحقيقية، وتحقيق دولة كاملة السيادة في فلسطين. فالتغييرات التي يسعى لها الكيان الصهيوني على أرض غزة، وبالتالي على كل الأرض الفلسطينية؛ ترتبط تماما بالمخططات الإسرائيلية والأمريكية والعربية؛ من قبيل مشاريع طرق التنمية، وما إليها من مشاريع أخرى على كل الأوطان العربية، ودولة الاحتلال الإسرائيلي جزء مهم واستراتيجي في هذه المشاريع. عليه فإن ما يحدث على أرض فلسطين له تداعيات وارتباطات كاملة، بما حدث ولم يزل يحدث في كل الأوطان العربية، بعلاقات تبادلية التأثير والمؤثر، وبتبادلية منشأ التخطيط والأفعال ومفاعيلهما.. إن الإعلام الأمريكي والغربي وبطريقة ممنهجة، خلال العقدين المنصرمين زرع في النفوس والعقول ما يعاكس الواقع على الأرض تماما؛ وهو تسويق فرية أو حرف للحقائق؛ من أن الصراع العربي مع الكيان الصهيوني؛ هو صراع فلسطيني مع هذا الكيان المسخ والمجرم، بينما الحقيقة كبدايات لوجوده على أرض فلسطين وسلبها من الشعب الفلسطيني ومن ثم تشريده؛ ارتبط تزامنيا وخططا وأهدافا لجهة تقسيم الوطن العربي إلى دول وكيانات شكّلها المستعمر البريطاني والفرنسي؛ ووضع على سدة أنظمة حكوماتها مجموعة من المتعاونين معه والمحاربين معه في الحرب العالمية الثانية؛ ليكونوا تابعين له.. لماذا؟ لتكوين دول عربية عدة، لا دولة عربية واحدة تحيط بالبؤرة الاستيطانية الصهيونية؛ ما يجعلها مهددة وغير قابلة للحياة، إضافة إلى أن البريطانيين والفرنسيين وضعا بؤرا للتمرد مستقبلا في جغرافية هذه الدول العربية؛ تشكل لها قلقا أمنيا بما يهدد وحدتها، عندما يتم بطريقة أو بأخرى تغيير هؤلاء الحكام بآخرين غيرهم؛ عندها يتم تفعيل بؤر القلق والاضطراب واستثمارها ضد هذه الدول. في الربيع العربي الذي تفجر فيه الغضب الشعبي على النظام العربي، وعلى كل الطغاة والمستبدين من أجل إزاحتهم؛ لتتولى الشعوب العربية زمام أمورها وأوضاعها وحياتها، سارع الحكام العرب وأمريكا والغرب وإسرائيل لحفر خنادق عميقة الغور على طريق هذا الغضب العربي في وجه ظالميه من الطغاة؛ ليتحول إلى وبال على الشعوب العربية الثائرة. فقد تمزقت سوريا وليبيا بعد تغيير مجرى واتجاه ثورة شعوبها، بينما تم تدوير نظام الحكم في الدول العربية الأخرى التي تفجرت فيها براكين الثورة؛ بأنظمة حكم بديلة لا تختلف في الجوهر عن تلك التي تم إسقاطها، بل إن البديلة كانت أكثر خدمة للمشروع الأمريكي الغربي الإسرائيلي العربي من سابقاتها.

وفي التحليل الأخير والقراءة والفحص؛ وتوخي الدقة العلمية في تفكيك مولدات، وبالتالي منتجات هذه الأوضاع السائدة في المشهد السياسي العربي، سواء ما يجري في غزة، أو في فلسطين بصوة عامة، وفي الأوطان العربية؛ كل هذه الأوضاع، في رأيي، تقود إلى أن هناك تحولا في السياسة الاستعمارية لإعادة رسم صورة المنطقة عربيا وفلسطينيا وإقليميا. وهذا هو ما يفسر الدعم الأمريكي والغربي وحتى العربي الأخير، بأغطية مهلهلة كما الغربال ليس في إمكانها حجب أشعة شمس الحقائق الساطعة.. صاحبه إعلام أمريكي وغربي وعربي وإسرائيلي، وهو إعلام يقوم على منصات مقنعة ظاهريا، ما غيب عن الوعي الجمعي العربي حقيقة ما يجري ليس في غزة فقط، بل في كل الأوطان العربية، إضافة إلى أن النخبة تفتقر إلى القاعدة الشعبية؛ بفعل جبروت واستبداد النظام العربي، وهذا موضوع اخر. هذا التغييب هو سبب الأسباب في عدم خروج تظاهرات ضاغطة على النظام العربي، لدفعه لاتخاذ موقف حاسم وجدي ومنتج في دعم وإسناد جهاد المجاهدين في غزة وفلسطين. لكن من المهم أن اؤكد أنه على الرغم من هذه اللامبالاة إلا أن الشعوب العربية في جلها الأعظم؛ رافضة رفضا تاما؛ لكل عمليات التطبيع العربي المجاني مع هذا الكيان الصهيوني المجرم..

***

مزهر جبر الساعدي

 

حين سئل هتلر النازي عن أكثر الناس حقارة قابلهم في حياته أجاب: هم أولائك الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم.

تبيت شعوب كثيرة تقطن وجه المعمورة، على قلق وكوابيس لاتنتهي، ليصبحوا بعدها على وساوس، تأخذ دورها هي الأخرى بإكمال ما تركته كوابيس أمسهم، بسد منافذ الفرح وأبواب السعادة من جهاتهم جميعها. ولم يكن هذا الحال ليحدث لولا أرضيتهم القلقة التي يقفون عليها، إذ أنهم متمسكون بما تحت أقدامهم من رقعة جغرافية، والتي يطلق عليها وطن، وفي حقيقتها تجسيد مفصل للمنفى والمهجر، حيث الغربة بمعناها الأوسع، والضياع بمفرداته جميعها، وبذا هم يعيشون أيامهم برعب وتوجس أبعد مايكون عن الأمان، ومعلوم أن أول ما يمحق ماهية الوطن هو مصطلح الأمان.

سمعنا -ومازلنا نسمع- عن مافيات وعصابات وخارجين عن القانون، يقومون بأعمال لا تمت إلى الإنسانية بصلة، فقد دون المؤرخون ماتمر به بلدانهم من أحداث كثيرة، وبتصفح على عجالة لصفحات التاريخ يقوم بها أي منظر، يتبين له جليًا السبب الرئيس لتعثر تحقيق الأمان، لاسيما في دول تمتلك مؤهلات لوجستية، وطاقات فكرية، وإمكانيات مادية، ومواقع جغرافية، تُلزمها بنجاح مشروع تحقيق الأمان لشعوبها. والأمان متشعب المجالات، واستتبابه التام يجب أن يشمل المجالات كلها، إذ يبقى شعور المواطن بالغربة وهو في وطنه ملازما لتفاصيل يومه، ما لم يلمس ويرى بأم عينيه أمانا لحياته وحاضره ومستقبله. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أستشهد بالجانب الأمني وهو ركن أساس من إحلال الأمان، فقد سجل التاريخ في أسفاره أحداثا، تتضح فيها الرؤية وتنجلي الأسباب والمسببات، أمام الأعين والبصائر والأسماع، وتزول كل الشبهات في كيفية حدوث الخرق.

فسور الصين العظيم الذي يبلغ طوله 2400 كم، والذي يعد مشروعا دفاعيا عسكريا قديما بارزا ونادرا في التاريخ المعماري البشري، وهو ليس سورا فقط، بل هو مشروع دفاعي متكامل، يتكون من الجدران الدفاعية وأبراج المراقبة والممرات الاستراتيجية، ويضم ثكنات للجنود وأبراج للإنذار وغيرها من المنشآت الدفاعية. ويسيطر على هذا المشروع الدفاعي نظام قيادي عسكري متكامل. ولكن رغم كل الجهود والأموال التي بذلها الحكام الصينيون في بنائه، لم يقم السور بمهمته المطلوبة في الدفاع عن البلاد، ضد هجمات الشعوب البدوية (البرابرة). ولم يصد الغزوات التي قام بها أباطرة ملوك “تشنغ”. إذ تم اختراقه أكثر من مرة، والسر في هذا لم يكن لضعف في بنائه، او لقوة خيالية في المهاجمين عليه، بل هي الخيانة وحدها كانت السبب في اختراقه، ووحدها الخيانة هي التي فتحت الثغرات أمام العدو وسهلت مهامه. والخيانة أصناف، فهناك خيانة الضمير، وخيانة المال، وخيانة الشرف، وخيانة القَسَم، وخيانة الوطن.

إن ما يؤسف له أن نعيش في بلدنا العراق العريق، أحداثا غريبة بين الفينة والأخرى، كانت قد تسربت إلى مدننا الآمنة عنوة في غفلة من عين الزمن، رغم الإرث الاجتماعي الأصيل، والقيم النبيلة التي يتحلى بها شعبنا، ولعل الخيانة هي السبب الرئيس والمسبب الأبرز في غلغلة تلك الأحداث بيننا، فالخيانة هي التي هجّرت الآمنين في بيوتهم، والخيانة هي التي فجرت المؤسسات المحصنة والمنشآت المؤمنة، والخيانة هي التي هتكت الأعراض وسرقت المال الخاص والعام على حد سواء، والخيانة هي التي أسهمت بنشر الرشى.

فللحد من تداعي ماوصلنا اليه من قلق يحيقنا يقظة ومناما، قياما وقعودا وعلى جنوبنا، يجب قطع دابر الخيانة من أصله، كي لاتنمو لها فروع، ويكمل الخائنون حينها مسيرتهم في محو العرق والدين والثقافة والحضارة، وبغير هذا ستكون الحلول ترقيعية والعلاجات غير ناجعة، ولن تكون للرقية جدوى غير تبليغ السم في العروق، لاسيما والخونة بارعون باللدغ في المقتل على مدار الساعة.

***

علي علي – كاتب وصحفي عراقي

 

في المثقف اليوم