أقلام حرة
صادق السامرائي: التأخر عاهتنا!!
يسألونك لماذا تأخرنا، وهو سؤال قد حضر في الواقع العربي منذ القرن التاسع عشر، وأجاب عليه رجالات تفكروا وتنوّروا وشاهدوا وعايشوا أسباب التقدم والإنطلاق، وكان جوابهم صائبا ودقيقا، لكنه ألقي في مزابل الرؤوس العفنة النتنة المظلمة.
وثارت عليهم القوى المتحكمة وأعلنت بقوة إنها البُدعة والمَفسدة والدعوة لإهلاك الأمة، ولو سألوهم وما معنى "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"، لقالوا المقصود به علوم القرآن والفقه والشريعة، ولو سألوهم عن " أطلب العلم ولو في الصين"، لقالوا أنه حديث ضعيف وغير مسند، وما إلى غير ذلك من الإدّعاءات.
وفي حينها الحاكم أو الخليفة كان يعتمد عليهم في تثبيت أركان حكمه، فيتبع رؤاهم ولهذا لم يستمع لقول الحق، ومضى في تأكيد قول الباطل.
والعجيب في الأمر لو راجعنا خطابات رؤسائنا وحكامنا في القرن العشرين، فلن نجد ما يشير إلى أهمية العلم والتكنولوجيا في النهضة والتقدم، إلا عند الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين والقليل النادر من الآخرين.
أما خطب الجمعة فمن المُحرم على خطيب أن ينطق بكلمة علم وتكنولوجيا، ومنذ بداية القرن العشرين لن تجد ما يشير إلى ذلك، وإنما هي خطب تثير حماس السلوكيات السلبية، وتؤدي إلى الفرقة والتضاغن.
الدين الذي حسبوا العلم يفسده ويؤذيه، وإذا به يقاتل الدين وينهكه ويفسده، ولا يزالون لا يدركون أن الدين بالعلم يستقيم وينير، ولهذا فأن العلم في بلاد الغرب ما أذهب الدين، بل زانه ورفده بمقومات التفاعل المعاصر مع الناس.
والأغرب من ذلك أن المفكرين والباحثين في مجتمعاتنا أمضوا أعمارهم يكتبون ويبحثون في قضايا لا تمت إلى جوهر العلة وأسبابها الحقيقية، فألفوا مئات الكتب في متاهات التأريخ والدين، وكأن العرب لوحدهم لديهم تأريخ ودين، وأسهبوا في إستحضار أسباب لا نقاقة لها ولا جمل فيما حصل ويحصل، وما فكروا بالعلم وأهميته ودوره في التقدم، وما سعى جميعهم إلى رفع رايات العلم والمعرفة وتأكيدها والعمل بموجبها لكي يتقدم المجتمع.
وإنما هي طروحات تحقق ترسيخها في الواقع لتبرير العجز والكسل والإنكسار والإندثار، وإستلطاف الشعور بالتبعية والدونية والتأخر، ومنع التفكير بأن القدرة على التقدم ممكنة، وسلاح العلم هو السبيل للخروج من الظلمات إلى النور.
ويبدو أن التخلص من عقلية الدوران في فلك التأخر محنة عربية عظمى، لأن البشر لا يقيم وزنا لقيمته وإنسانيته وحقوقه، ويميل إلى التبعية والببغاوية والعاطفية والإنفعالية، التي تراكمت عبر أجيال وأجيال إستعبدها الضلال والبهتان، وصارت تخشى من العلم وترهب التعلم، وتجد في الجهل مرتعا منيفا.
ومن العجب العُجاب أن معظم المفكرين والباحثين قد أغفلوا أن من أهم أسباب التأخر، إهمال إعمال العقل ونكرانه لآليات وكيفيات التفكير الحضاري، التي خبرها جهابذة ورموز العلوم والمعارف العربية، كإبن سينا وإبن رشد والفارابي وإبن النفيس والرازي وإبن الهيثم والخوارزمي وأمثالهم.
ولن تتغير أحوالنا إن لم نتعلم أبجديات العلم ونمارس العلوم في حياتنا اليومية، ونعلم الأجيال ومنذ الصغر مهارات التفكير العلمي وإعمال العقل في الخبر.
فهل سنتعقل ونتعلم ونؤمن بأن العلم مُنقذنا الأمين؟!
***
د. صادق السامرائي