أقلام حرة

صادق السامرائي: الشخص تأريخنا!!

من عجائبنا المتكررة تقديس الأشخاص الأموات وإتباعهم، وإعتبارهم لا ينطقون عن الهوى، وكأنهم ليسوا بشرا، مما يتسبب بتفاعلات خسرانية فادحة. ويحصل السلوك في المجتمعات المأسورة بالكراسي وبالأشخاص، فدولها لا تعرف الدستور ولا القانون، ويكون تداول السلطة فيها دمويا مروعا.
يتحدثون عن الأشخاص وما يتصل بهم من حالات، ويمعنون بتجاهل الوطن وقهر المواطنين، فالمهم الشخص المَعني، فأما أن تكون تابعا له أو أنت عدوه، وعليك يقع القصاص القاضي بمحقك.
هذه العجيبة السلوكية لعبت دورها في مسيرة الأمة، وتأكدت في أنظمة حكمها منذ أمدٍ بعيد، وهي لا تختلف عن أي نظام حكم منذ فجر التأريخ.
الحكام مشخصنون، وفترات حكم واحدهم مرهونة به، فما يقوله ويقرره الحق وسواه باطل، فهو الذي يحكم ويحاسب، ولا يوجد مَن يسائله.
ويبدو أن البشر ميال لإخراج ذوي القوة والسلطان من كينونتهم الآدمية، وتحويلهم إلى رموز معبرة عما بعتمل في أعماقه، ليتبعهم ويتحرر من المسؤولية، فهذه الظاهرة ليست جديدة، وإنما مترسخة عبر العصور، ولا تزال فاعلة في المجتمعات التواقة للشخص المنقذ لها من الوجيع الرابض على صدور أجيالها.
وبتوافر وسائل التواصل الحديثة وتسارع التفاعلات بين الناس، أصبحت آليات التعظيم والتفخيم والتقديس متنوعة، وذات تأثيرات كبيرة على مسيرة الحياة في المجتمعات المتأخرة عن غيرها.
وتجد بعضها وكأنها كينونات مرهونة بشخص أضفت عليه ما ليس فيه، وربما حسبته أحد أسلافه الذين برزوا في مسارٍ ما، فالحالة ذات توريث وتفعيل يظهر على الأحفاد بتأثير الأجداد وما قبلهم.
وهذه مأساة تفاعلية بين الأجيال، لأنها ستكون مرهونة بمدارات ضيقة وبإنفعالية عالية، تساهم في تعطيل العقول وتـأجيج نوازع النفوس، وتحويل الناس إلى تابعين قابعين في ميادين المرهونية بهذا الشخص أو ذاك، فيتحولون إلى أرقام .
دولة الشخص وشخص الدولة
شعبها عانى وجيع الفرقة
وتوارى بقنوطٍ مرعب
فأصيبت أمةٌ بالعلة
وبها التأريخ ينعى كلها
إذ تناءت عن سديد اللحمة
***
د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم