قضايا
حاتم حميد محسن: ماهي تبريرات ارسطو للعبودية "الطبيعية"؟
يشكل دفاع ارسطو عن العبودية جانبا مثيرا للجدل ضمن ارثه الفكري، ويمثل تناقضا صارخا لسمعته كفيلسوف مؤسس للفلسفة السياسية الغربية. التمعن في حجته يساعدنا في توضيح الكيفية التي جرى بها تبرير الهياكل الهيراركية الاجتماعية القديمة ولماذا استمرت تلك المعتقدات الى فترات متأخرة.
نظر ارسطو عميقا في التركيب الاجتماعي لمدينة أثينا الكلاسيكية وعالج ليس فقط منْ يجب ان يحكم وانما أيضا ما الذي يشكّل حياة بشرية مزدهرة كليا. ضمن هذا الاطار، هو عرض العبودية كمؤسسة طبيعية اندغمت في فهمه الأوسع للنظام السياسي والأخلاقي.
ارسطو والعبيد
في الجزء الأول من كتاب السياسة، يجادل ارسطو ان بعض الناس هم "عبيد بطبيعتهم"، مدّعيا ان اولئك الذين يفتقرون الى القدرة العقلية للتشاور والتفكير الدقيق يستفيدون من توجيه وارشاد السيد الذي يدير بعقله شؤون المنزل لأجل الصالح العام. يميّز ارسطو بين القوة الجسدية والبصيرة الرشيدة، متصورا شراكة يوفر فيها السيد العقل بينما يوفر العبد العمل. هو يعرض هذه العلاقة كمنفعة متبادلة بدلا من ان تكون اكراهية واستغلالية. هذا التمييز يعكس السلّم الهرمي الواسع للمؤسسات، بدءً من رب المنزل الى المدينة، مجسّداً الأوامر والطاعة كعلاقات طبيعية وليست نتاجا للعرف الاجتماعي.
في نفس الوقت، ارسطو لم يكن غافلا عن الاستغلال. هو ينتقد استعباد اسرى الحرب اذا لم يتماشى مع ما يعتبره طبيعيا. وبينما يثير هذا التحذير الشكوك حول العديد من حالات العبودية في العالم الواقعي التي كانت سائدة في زمانه، فهو لا يشكل حجة مناهضة للعبودية بقدر ما هو اختزال نظري: انه يجيز العبودية من حيث المبدأ بينما يلقي الشكوك على العديد من الممارسات. من خلال هذا الاطار، يؤكد ارسطو ان المجتمع سوف يزدهر في ظل الاعتقاد بان بعض الافراد ملائمون حقا ليكونوا عبيدا بشرط ان تتوفر فيهم معايير معينة.
هذا التوتر بين العبودية "الطبيعية" المثالية والقسوة التجريبية للمؤسسة هو من بين اهم التناقضات التي جرى النقاش فيها في السياسة. انه يعزز السؤال المستمر حول ما اذا كانت نظرية ارسطو تصمد امام التدقيق حينما تطبق على الممارسة الاجتماعية الحقيقية.
أصول عقيدة ارسطو في العبودية والانتقادات لها
ان جذور حجة ارسطو تكمن في نهجه التيلولوجي، وهو الرؤية بان كل البشر لهم غايات طبيعية او وظائف، وعقل كمعرّف للإنسانية والحياة السياسية - ذروة الطبيعة البشرية. يزعم ارسطو ان بعض الناس لا يشاركون في التفكير الا بقدر ما يدركونه لدى الآخرين، وان أهدافهم في الحياة (تيلوس) تُنجز ليس من خلال التفكير المتأني المستقل وانما عبر المشاركة في الحكم العقلاني للآخرين ضمن المجتمع المثالي. هو يقارن هذه العلاقة باعتماد الجسد على الروح. النقاد، القدماء والجدد على حد سواء، يجادلون بان هذه المقارنة تخاطر بتحويل الاختلافات في التعليم والظروف الى اختلافات أساسية للنوع، وبذلك تخفي الهيمنة الاجتماعية وبشكل فعال كنظام طبيعي. بهذه الطريقة، انها تخدم في ادامة السلالم الهرمية للمجتمع والتي هي في الأساس تفيد النخبة. الدراسات الحديثة سلطت الضوء على ثلاث انتقادات رئيسية تتحدى دفاع ارسطو عن العبودية:
1- المشكلة الابستمية: لا وجود لطريقة موثوقة لتحديد "العبيد الطبيعيين" دون إعادة انتاج الاستدلال المنحاز او الدائري، طالما عدم القدرة المتخيلة هي في الغالب نتيجة للقمع بدلا من دليل على عجز فطري.
2- المشكلة التطبيقية: الآليات التاريخية للعبودية في العالم اليوناني – بما في ذلك اسرى الحرب والنهب وعبودية الديون نادرا ما تتماشى مع المعيار العقلاني الذي يفترضه ارسطو، بما يجعل المؤسسة التي يسمح بها لا يمكن تمييزها عن اللاعدالة الكلية اثناء التطبيق.
3- المشكلة المعيارية: حتى لو وُجدت قدرات غير متساوية، فان الاختلافات لا تبرر منطقيا الهيمنة طالما يمكن للتعليم والحقوق القانونية والدعم الاجتماعي ان ينمّي استقلالية الفرد بدون اللجوء الى عبودية دائمة.
النتائج في الماضي وفي الحاضر
ان عظمة ارسطو أتاحت ان تنتقل أفكاره بعيدا الى ما وراء مدرسته (ليسيوم ) لتؤثر في تفسيرات وتعليقات القرون الوسطى عبر اوربا وتوفير لغة استُخدمت لاحقا في النقاشات الحديثة المبكرة حول الغزو والاستعمار. وبينما أثار بعض العلماء والكتاب الانسانيين فكرة "العبودية الطبيعية" لتبرير الهيمنة، سلط آخرون الضوء على محاذير ارسطو بشأن الاستيلاء الظالم لتحدّي شرعية العبودية وإظهار المرونة التفسيرية لنصوصه في الخلافات الأيديولوجية.
في العالم الغربي، اعتمد المدافعون عن العبودية عادة على سلطة كلاسيكية لعقلنة عبودية مرتكزة على العرق، مع ذلك أشار النقاد الى ان متطلبات ارسطو - في ان العبودية تتطابق مع عدم قدرة حقيقية – لا تبرر ابدا أنظمة وراثية. ان تأثير نظرية ارسطو رسم أيضا تطور العلم الاجتماعي الحديث عبر الدعوة الى تمييزات واضحة بين هرميات وصفية وتبريرات معيارية. هذه التمييزات ساعدت على وضع ارضية للجدال تفضل ايجاد نظام قانوني عالمي يفصل الحقوق عن المعايير الخلافية للقدرة العقلانية.
بالنسبة للقارئ المعاصر، تأتي أهمية ارسطو كموقف ينبغي الحذر منه حول الكيفية التي يمكن ان تدعم بها نظريات معقدة مؤسسات غير عادلة عندما يكون التدقيق الميداني والتفكير الأخلاقي غير كافيين. وفي نفس الوقت، الانخراط بعناية مع حججه يكشف عن جذور النقد: التوتر بين فكرته المثالية للعبودية "الطبيعية" والواقع المرير للممارسة التاريخية يشير الى وجود ضعف جوهري في الدفاع عن المؤسسة ذاتها.
***
حاتم حميد محسن






