قضايا
عبد الجبار العبيدي: بين إسلام الوثيقة المحمدية وإسلام الفقهاء
علينا ان نُقر ان النص الديني لمختلف الديانات السماوية هي مصدرها واحد هو الله لذا لا اختلاف بينها كما يجب ان نعتقد .. لنقرأها قراءة معاصرة وبنظرة جديدة لواقع الحركة التاريخية المتطورة وبمنطق فلسفي ومعرفي واقعي وليس تصوري مثالي، لنفهم معنى التشريع والاخلاق والتاريخ والاقتصاد، لان القانون الاساس هو متابعة تغير الصيرورة الزمنية حيث تكمن عقيدة التشريع القائمة على البينات المادية وليست وهمية تصورية كما نفهمها من فقهاء الدين المختلفون حتى مع أنفسهم في فهم التشريع.. لذا يجب ان تكون حرية التعبير عن الرأي وحرية الاعتقاد اختيارية وليست جبرية مقدسة كما يعتقدون.. لذامن أدخل الإسلام بالسيف للشعوب الأخرى ليس مسلماً ولا يحق له مقاتلة الاخرين.. لان الأيمان بالعقيدة حرا لمن يريد.. أما الغزوات القهرية التي سموها بالفتوحات الإسلامية فهي ليست شرعية قانونية.. وأنما اغتصاب القوة للضعفاء.. ومخالفة لقانون السماء.. لأن الإسلام لا يريد كمأً من الناس المغتصبين، لا بل يريد نوعاً ليكون مثالا لعدالة السماء في تطبيق القيم والقوانين.
كل أصحاب الديانات السماوية من الفقهاء ساهموا وبقصد في تخريب القيم الانسانية في العدل والاستقامة القانونية لشعوبهم منذ عهد الرسالات الأولى.. ولا زالوا يتعمدون الحروب والأغتصاب ونظريات الخطأ، وفقدان الحقوق والقانون. ويقف المسلمون في المقدمة، حين أغتصبوا حقوق شعوبهم بأسم المقدس الوهمي.ونسئل ماذا اضاف الإسلام للعرب..؟ قولوها بالأرقام ان كنتم شجعانا مؤمنين؟ أنا أقولها ولا شيء، بل خسرنا بإسلامكم الوهمي كل شيء وخاصة في عدالة القانون. بعد ان انحرف المدعون عن الامة.. حين اهملوا الشورى وأحلوا العصبية واللاقانون.. فالإسلام لا يؤمن بالردة والغزوات والأعتداءعلى الاخرين بأسم الدين. والكثير من الآيات القرآنية التي وضعودها بهذا الخصوص كانت مزورة لا اصل لها في الكتاب المقدس الذي يعتمد العدل واستقامة القانون. كما في حقوق المرأة وقتل المرتد ومشاركة ولي الامر مع الله في الطاعة والقانون. كلها أقاويل حولوها للمقدس حتى اصبحت خطئاً من القوانين. واليوم لدينا 26 مصحفا مختلفا في النص والمعنى. دون تحقيق
الاوربيون استطاعوا تلافي الاخطاء الزمنية الماضية بفصل الدين عن السياسة وأحلال الدولة القانونية وحفظ الحقوق والمساوات بين مواطنيها وأن أختلفت الأناجيل، لذا تقدمت الدولة.بعد ان اصبحت القيادة الدينية محصورة في الفاتيكان.وحكم الدولة للمواطنين بالانتخاب وشورى الرأي دو أكراه الأخرين.
مع الاسف امة الإسلام فشلت في هذا الجانب حين بقي الفقية والنص الديني المتطرف والمسجد والخطيب الجاهل المتعصب يتحكم في عقول الناس وأحكام التباعد المذهبي بينهم.. من هنا بقيت الشعوب الإسلامية في حالة التخلف الأنساني والقانوني.. وضياع الحقوق.. والكراهية بينهم مذهبياً.. دون تأصيل.
محمد الرسول ما جاء ليحكم دولة، بل جاء لنشر مبادىء العدالة والاستقامة فاقر بوثيقته الحقوق والقانون. لكن من جاؤا من بعده ابتعدوا عن الاساس.بضرب الشورى وعدم الالتزام بما جاءت به الوثيقة الممثلة للعدل والأستقامة.. ولكن خوفا من ان ينهاهم عن التقصير قتلوه بالسُم وثبتوا هذا الانحراف كقاعدة دينية بعد وفاته مباشرة في الانتخاب المزور والتوصية الفردية للقادمين دون دليل.. حتى استمرالحكم عند الامويين والعباسيين حكما عضوضا دون ثبت. وفي العصرين البويهي والسلجوقي -334-447 للهجرة – تغيرت مفاهيم الإسلام وتحولت الى قوانين الفقهاء الخارجين عن إسلام محمد الصحيح. من امثال الكليني وابن بابوية والماوردي والغزالي وأبن تيمية وغيرهم كثير.
من هنا انتهت توجهات محمدالرسول الى توجهات فقهية لا علاقة لها بدينه او مبادئه فكانت فيما بعد مبالغا فيها، ومختلفا تماماً حتى حل فينا إسلام جديد. فهم لم يدركوا فلسفة الحياة الواقعية التي أودعها الله في دين عبادة وجسدتها الكتب والوثائق .... وهي لا يمكن ان يسلم من الآذى الرباني كل من خان أمانة الوطن، وقتل النفس البريئة، وسرق أموال الناس، بعد تأديته ألقسم واليمين، لأن القسم مقدس لا يجوز أختراقه.. لذا كل شيء يهون او يمكن التهاون فيه بعد الأعتذار الا الخيانة بعد اليمين.وكل من يحكمون اليوم في دولة الإسلام ينطبق عليهم حق القصاص المدون في الوثيقة.. فهم والإسلام على طرفي نقيض.. حتى استخرجوا لنا أفتراءاتهم مثل ما يقولون ان كل من يذهب للحج يعفى من التقصير. لذل فهذه جريمة بحق الدين.
من يتعرض لدراسة وثيقة المدينة دستور المسلمين الأصل، لابد ان يوطن نفسه على مواجهة حشد كبير من المشاكل والصعوبات قبل ان ينتهي الى رأي معين يمكن الأعتماد عليه.شانه في ذلك شأن كل الموضوعات الخاصة في الدولة الإسلامية على مدى تاريخها.. لان هذه الدولة وكل ما يتصل بها، وما وقع للمسلمين خلال مدة حكمها يتعذر على الدارس ان يقول قولا ثابتا فيها. بعد ان حول الفقهاء ومؤرخي السلطة ما ورد في دستورها (وثيقة المدينة).. الى مغايرة لما جاء فيها، تمهيدا لانشاء دولة السلطة العضوض وليست دولة القانون.. لذا فإسلامنا الحالي متناقضاً مع إسلام الوثيقة.. لابل ليس منها.
بعد المؤامرة على الرسول وقتله بالسُم سنة 11 للهجرة، أحلت اللاشرعية (حروب الردة) من أرتد فأقتلوه، نظرية لا أصل لها في الوثيقة بل الشورى والأختيار، فالدين قناعة وليس أجبار. والغزو الخارجي الذي سموه باطلا (بالفتوح الإسلامية) أغتصاب للحقوق الشرعية، والحروب بين بني هاشم وبني أمية تحول على المصالح الشخصية.. وفي النهاية الى دين سلطة فحل عصر الضعف والاضمحلال ونهاية عصر المسلمين.. حتى اصبح النص الديني لا يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي في التطبيق.
هنا تعثر إسلام محمد الرسول حبن أسس نهجا واقعياً للحياة يقوم على الواقعية وليس على التصورات الخيالية ليواجه صعاب الحياة وكيفة صيانة حقوق الناس -العدل والاستقامة- الأية 151 الانعام والاية 16 من سورة الجن.. كونه نظرية عقلية قائمةعلى العدل والاستقامة وليس على العاطفة والاقاربية كما كانت حياة العرب قبل الإسلام ونظرية الفقيه المخترعة من عام 1829 من الشيخ النراقي المعززة من الشيخ الكوراني حتى جاء الخميني عام 1979ليحولها الى امامة الفقيه او المرشد العام. باعتبارها نظرية قائمة على نظرية المهدي المنتظر الغائب الوَهَم..
ونظرين الملك العضوض عند الامويين والعباسيين القائمة على العصبية القبلية ومنهما تولدت المذهبية الباطلة المنسوبة لحكم الغيب دون ثبت.. فكانت فلسفة الامام المهدي الغائب واخر الزمان ما هي الا وَهَم.. ومخترع.. هنا مات الإسلام الحقيقي ليحل محله إسلام الشعائر الوهمية المقدسة لاغير. كشعائر الدعاء والحج لغسل الذنوب والخمس لنهب الاموال وشعار المهدي لاحلال العدالة المطلقة.. وشعار أهل البيت المقدسين الى أخر الزمان.. كلها وهميات.. من اختراع فقهاء البويهيين.. بلا دليل.
قامت نظريةالوثيقة (دستور المسلمين الي كتبها الرسول بيدية حكما صالحا لتغيير حكم الحالة السياسية لعرب قبل الإسلام الى حالة دستورية ثابته قائمة على القانون. فالعرب حكموا بتنظيمات عرفية شابهاالنقص في القانون لكونهم قبليين يحكمون بالعصبية لا بالقانون هنا مثلوا نهجا غير اقعي للحياة يقوم على تصورات خيالية جامدة، بل يقوم على اسس قبلي متعصب لمواجهة صعاب الحياة أمام الناس ففشلوا في كيفية حلها جذرياً بنظرية عقلية وليست عاطفية قائمة على الأعتدال دون تمييز.. بين الناس.
هنا جاءت الوثيقة كحل لأزمة أمة تعاني من الخطأ القانوني في التطبيق.. فالوثيقة نادت بوحدة الامة التي لا اختلاف بينها. متساوية في الحقوق والواجبات، وتحريم الاقتتال بين المسلمين، القيادة للأكفىء، والقانون هو الذي يفصل بن المتخاصمين وليس القبيلة او العشيرة او المذهب المخترع منهم، فلامكان لهما في فصل الخلافات المتعفنة بينهم.. والمرأة والرجل لهم نفس الحقوق الحقوق بموجب الحالة المعروضة على القانون ولا تهاون في التطبيق (أنظر جواد علي في المفصل). فالعقيدة الدينية موحدة دون تفريق. والقرآن يقول في سورة النساء آية 1 أناخلقناكم من نفسٍ واحدةٍ.. دون تفريق.
لذا اعتبرت الوثيقة تتضمن المبادىء القانونية.. في الحريةالتامة للمعتقد دون تفريق.. القائمة في حكم الناس.. عدم انفراد الحاكم في الرأي دون الناس، والقانون هو الذي يضبط سلوك الحاكم والمحكوم معاً حفاظا على الوحدة الداخلية المتمثل بوحدة للمجتمع الإسلامي الجديد فلا مذاهب، ولا ملل، ولا عشائرية، أوقبلية.. لانهاء عصر قبل الإسلام القائم على القبيلية والعنصرية والقوة.
أيها الحاكمون المسلمون الفاشلون المغتصبون للحقوق.. ما قيمة الناس الا في مبادئهم ...
لا المال يبقى ولا الالقاب والرتبٌ
فقيم الحياة في الإسلام.. محمدية مقدسة محمية بالقانون.. لا يحكمها حاكم ظالم.. من أمثالكم..
لذا فالكتلة الساكتة اوجدت تكريسا للنظرية الجبرية والحياد والمقاطعة ومساندة فكر الطاعة الذي يمثل مساندة الباطل. هذا ما جاء به الماوردي (قوة الألزام الفقهي) والغزالي الاعتراف بالسلطة كيفما كانت لان البديل يعني الفوضى وابن تيمية: فصل الدين عن الدولة يعني الفوضى.
اما مرجعية الشيعة (كاظم اليزدي) فقد قالت يجب مسايرة المحتل خوفا من القوة.
لذا ترك الفقهاء مجتمعون نظرية التخريب الديني التي تدعي: ان الغنيمة هي بديلا للسيف، والمداورة بديلا للسياسة، والتبعية بديلا عن المشاركة. هنا انتهت رسالة الإسلام المحمدية الحقيقية.. لتحل رسالة الفقهاء المجزأة لرسالة الإسلام المحمدية.
لذا فالأعتراف بنظرية إسلام الفقهاء.. هو خرقا لنظرية القرآن ووثيقة المدينة المحمدية.
***
د. عبد الجبار العبيدي






