قضايا

عبد السلام دخان: أنطولوجيا التضامن.. نحو تأسيس أخلاقيات التعايش الإنساني

ما الذي يضفي على التعايش البشري عمقا وجوديا يتجاوز تقاسم الزمان والمكان؟ وكيف يتحول الالتزام الأخلاقي إلى تعبير عن حريةٍ تتخطى حدود الذات.
إن فهم التضامن كجوهرٍ إنساني (وليس مجرد فعل عابر) يتطلب استيعاب تناقضات الذات وهي تنفتح على الآخر دون تفريط في هويتها. التضامن ليس فضيلة أخلاقية فحسب، بل ضرورة أنطولوجية تُجيب عن سؤال الوجود ذاته. ولتأسيس شرعية العيش المشترك دون إلغاء الفرد، ينبغي نقل التضامن من هيئة الصَنِيع إلى حوارٍ بين إرادات حرة، تلتقي من اجل اعتراف متبادل، ليدرك الفرد أن امتداده الوجودي يتجاوز جسده إلى آلام البشر جميعًا.
لكن ألا يُهدد شبح الأيديولوجيا نقاء التضامن حين يحوِّله إلى أداة هيمنة؟ الجواب ـ في تقديري- يكمن في جعل التضامن ممارسةً نقديةً تفكك هياكل السلطة الخفية، وتتجنب الوقوع في فخ التمركز حول الذات (فردية كانت أم جماعية)، كي لا تتحول إلى سيمولاكر (صورة زائفة) للاستبداد. فالتضامن الحقيقي تمردٌ على كل محاولة لتجريد الإنسان من إنسانيته، وتحويل حياته إلى سلعةٍ أو رقمٍ بارد.
هكذا يصبح التضامن فناً وجودياً يدمج الجمال بالأخلاق، ويحوّل الدفاع عن الإنسان إلى فعلٍ إبداعي يُعيد تشكيل العالم بوصفه فضاء الإرادات الحرة. التضامن معركة لا تتوقف في مواجهة العدمية، وذودٌ عن قدسية الحوار الإنساني، حيث تُولد إمكانية ‘أنسنة العالم’ من جديد، ليكون لقاءً دائما.
***
د. عبد السلام دخان

في المثقف اليوم