أقلام حرة

جودت العاني: فصل الدين عن السياسة ، ليس إساءة للدين..!!

في مقال سابق نشر بتاريخ 7/9/2024 في صحيفة المثقف الغراء تحت عنوان (حدود الدين وحدود السياسة، إلى أين؟)، تحدثنا عن موضوع حيوي ومهم لتطور البلاد والعباد في الوطن العربي والعالم الاسلامي على حد سواء، وأكدنا على ان للدين حدود ينبغي ان لا تمسها السياسة، والسياسة ينبغي ان لا تحشر نفسها في الدين لكي يتجنب المجتمع ويلات التداخل بين الدين والسياسة التي طالما عانت منه شعوب اخرى في دياناتها، المسيحية مثلا بين طوائفها الكاثوليكية والبروتستانتية والارثدوكسية والتي اسفرت عن مجازر وارهاب وتطرف وتكفير الاخر وفرض الوصاية عليه من طرف على اطراف اخرى واعتماد حالة (ظل الله) على الارض في الحكم والله بريئ من ذلك (وخلقناكم شعوب وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم).. هذا هو شرع القرآن الكريم في نصه المقدس الذي لا يعلو عليه أي نص دنيوي.

فلماذا الاصرار على حشر السياسة بالدين؟ ولماذا يتعمد رجال دين من كل صنف ولون، اسلاميون و(مسيحيون) و يهود وبوذيون وغيرهم على التعامل بأدوات السياسة التي هي ليست من شأنهم؟

قد يقول البعض (إن الدين سياسة)، وهذا ليس صحيحاً، لأن في هذا تداخل بين المقدسات والمدنسات. والبعض الآخر قد يقول (ان السياسة تقتضي استخدام الدين للوصول الى اهدافها)، وهذا لا يجوز، لان الدين ليس وسيلة للإستخدام في السياسة. ويقول أخرون ان الاحزاب الدينية هي التي تتقصد تطويع الدين في السياسة. وهذا عمل يسيئ الى الدين، لأن وسائل السياسة تلوث النصوص المقدسة، كما أن الدين لا يسيس في التعامل الاجتماعي إنما يلقن بصيغ الإرشاد والمواعظ والدروس الفقهية والشروحات والتفسيرات التوضيحية التي لا تخرج عن نطاق النص، والنص المقدس لا يجوز تعديله او تحريفه.. والفتاوى ليست نصوصاً مقدسة.. النصوص المقدسة منزلة قرأنياً، والفتاوى من صنع البشر، والبشر قد يخطئون ويضخمون ويقزمون ويمكرون ويكابرون.

فالواجب إذن ، ان يكون الدين في نصابه ، وأن تكون السياسة في نصابها ، الدين في أروقة المساجد والمعابد وبيوت الله ، والسياسة في اروقة البرلمانات والمؤسسات وغرف صنع القرارات التي يناور فيها صناعها.. ويكون المجتمع قد تخلص من التداخل وتكون السياسة قد تخلصت من الإزدواجية.. و(التداخل والإزدواجية) يعيقان تطور المجتمع والدولة على حد سواء.. والأصلح موضوعياً وعملياً أن يعظ رجال الدين في المساجد ويحاضر رجال السياسة في المؤسسات.. كل له حقله رجل الدين في الوعظ والارشاء والافتاء ورجل السياسة في بناء الدولة ومؤسساتها وسياساتها الخارجية ويستلهم (روح الدين) في البناء الروحي للمجتمع.. ولا اجتهاد في النصوص المقدسة خوفا من التفسيرات الخاطئة والتحريفات المغرضة.

الإيمان بروح الدين الإسلامي الحنيف هو (الثابت)، الذي يؤكد على العدل والانصاف والمساواة والتكافل الاجتماعي وحرية الرأي والرأي الآخر.. أما السياسة فهي (المتغير) الذي يعول عليها في بناء الدولة الوطنية الحديثة القائمة على مقومات (العصرنات) الأربع 1- التعليم 2- الزراعة 3- الصناعة 4- الإرواء.

الإيمان بروح الدين، يرفض التعصب ويرفض الغلو ويرفض الإكراه ويرفض الإرهاب ويؤكد على العدل والأنصاف.. والايمان بروح السياسة الوطنية، يؤكد على العدل والمساواة في الحقوق والواجبات والحرية وعدم الإرتهان للأجنبي وصيانة الإستقلال الوطني. 

الإيمان بروح الدين والإيمان بروح الوطنية هما اللذان يعول عليها في بناء المجتمع والدولة.. فالسياسة الوطنية تستخلص من منهج الدين روحه النبيلة إيماناً عميقاً بأن لا جسد بدون روح ولا روح بدون جسد.!!

والله المستعان

***

د. جودت صالح

19/ 09/2024    

في المثقف اليوم