أقلام حرة

أقلام حرة

ليست الحمدانية بل بيث خوديدا، بيت الشباب بالآراميّة. بيث خديدة، بيت الله بالفارسيّة. نعم هي ليست الحمدانية وليس من حقّ أحد أن يطلق عليها أسم غير أسمها (باخديدا/ بغديدا)، التي قال فيها ياقوت الحموي في معجم البلدان "باخديدا قرية كالمدينة شرقي الموصل، تبعد عنها سبع فراسخ، كل أهلها نصارى وهي من آثار نينوى".

في هذه المدينة مشى المسيح حاملا صليبه بصبر والنار تحرق جسده وخلفه الحواريّون ينظرون للرب في أعالي السماء بعيون ملؤها الدموع، في أزّقتّها ركضت العذراء حافية تصرخ هول الكارثة. بغديدا أبتلعها الدخان بعد أن أمطرت السماء نارا، بيث خوديدا، كانت شاهدا على شباب يرقص على لهب النيران، أنّه الموت الذي كان يتجول في شوارعها. في قاعتها حيث العروسين يرقصان، دقّت ساعة القدر وفقدت باخديدا توازنها، فسقطت والنار تلتهمها.

لم يترك الرهبان بخديدا تحترق، فنزلوا أقبيتهم حيث دنان النبيذ الأحمر كلون الدم، فحملوها ليصبّوها على النيران كي تثمل وتترك الفتية يعيشون ويفرحون. لكن ويا للأسف فقد تآمرت النيران وهي تشمّ رائحة الشواء مع الفاسدين القتلة على عدم شرب النبيذ، لتشوي متلذذّة أجساد الفتية الجميلة.

في اللحظة التي شويت بها الأجساد، وصرخت الأرواح وهي تطير الى حيث الرب في عليائه، أمر الله ملائكته، لينتخبوا أفضل قاعة أحتفالات بالجنّة. وأشترط عليهم، أن تكون بلا سقف، كما أصدر أوامره بنفس الوقت للشياطين أن ينتخبوا أسوأ مكان في الأرض، على أن يكون بسقف!! فوقعت الملائكة في حيص بيص من أوامر الله هذه، أمّا الشياطين فأنّها سارعت لتلبية طلب الله على عجالة. على الرغم من تعجّب الملائكة من أوامر الله هذه، وهو الخبير بأزّقة الجنّة زقاقا زقاقا، فأنّهم أنتخبوا ركنا شمال الجنّة أسمه بغديدا ليبنوا فيها قاعة حسب مشيئة الله، وجعلوها كما شاء الرب بلا جدران ولا سقف. أمّا الشياطين، فكانوا أسرع من الملائكة في تنفيذ طلب الله، فنزلوا كلّهم الى منطقة في الأرض أسمها العراق، وجعلوا بدل السماء سقوف تغطّيها، سقوف تنثر النار والموت، على شوراعه ومساجده وكنائسه، سقوف تمنع الهواء، ليختنق الجميع..

أيّها الضحايا ماذا تريدون من هذا الوطن، ماذا نريد نحن " الأحياء" من هذا الوطن؟ هل هو وطننا، أم وطن الفاسدين الذين بفسادهم نُشوى؟ دعونا نبني وطن بلا سماء، فسماء بلادنا لا تمطر، الا الجوع والفقر والمرض والجهل، سماء بلادنا ملبّدة بالموت...

من واجب الحكومة المركزية اليوم وأحتراما للأجساد الطاهرة التي أحترقت بنار الفساد، أن تعيد للمدينة أسمها الذي فقدته بقرار بعثي في سبعينات القرن الماضي. كونوا عراقيين وليكن أسم المدينة وبقرار حكومي بغديدا - بخديدا بالسرياني "ܒܓܕܝܕܐ". لا تخافوا التنوع الديني والقومي والطائفي، فعراقنا أجمل بهذا التنوع.

عندما كانت بغديدا تحترق، أحترق معها العراق المسالم والمتنوع..

سلاما الى تلك الأرواح التي ستبثّ شكواها حتما الى الرب، وهي تشير الى القتلة..

سلاما الى تلك الأرواح التي أبكت العذراء، وجعلت المسيح يتيه بين الجبال حاملا صليبا من نار..

***

زكي رضا - الدنمارك

 1/10/2023

في مساء التمعت فيه النجوم وحضر القمر ليشهد عرسا اسطوريًا تتوجت خطواته راقصة بأجنحة شفيفة ارتدت الحب لونا من أجمل الالوان..

كان الحضور قد طغى عليه الامل والتفاؤل وهو يرتسم طريق المستقبل حريريا ناعما فيه الامنيات تحلّق بجناح فراشة غض..

كل شئ كان مرتبًا ومنسقًا على إيقاع الموسيقى الحالمة التي كانت تأخذ العروسين الى عالم وردي الخطى يرفل بالخير والحب..

احتفال بهيج أنيق بحضوره اللافت وتلك القلوب الميئة بالحب والوجوه الملآى بالحياة التي جاءت لتبارك هذا الزواج الذي أُوقدت جذوته لتناسب مقاس أحلام بدت عصيّة أمام وحش كاسر يحاول غرس أنيابه العطشى للدمار!

فللقدر شأن آخر والموت كان متربصًا بهذا الجمع والنار تختلج أحشاءه وتقطعها أنتظارا ووحشية! والامنيات قد أُزهقت أجنحتها قبل أن تحلق في فضاءٍ قد أغلقت آفاقه بعتمة دامسة المعالم، لتتسربل الوجع في مكان كل مافيه يتربص ويعتمل لحساب الرحيل، فلا جدران ولا ذكريات ولا مكان للفرح هنا في أرض حفرت فيها الدموع دهاليزا ديدنها الوجع!

في قضاء الحمدانية أحد أقضية محافظة نينوى شمال العراق جنوب شرق مدينة الموصل حيث الغالبية السريانية والعديد من القرى التي يسكنها الشبك والازيديين تعتبر مدينة بغديدا (قره قوش) مركز هذا القضاء، حيث مكان العرس الذي أقيم في قاعة للاعراس ظاهرها البهرجة وباطنها العذاب، فقد بنيت هذه القاعة من مواد حُضر استيرادها مؤخرا (سندويج بنل) لهشاشتها وعدم مطابقتها للمعايير الهندسية للبناء ومغلفة بألواح(الايكوبوند)سريعة الاشتعال!

كانت القاعة تغص بالحضور فقد حضر العرس ما يقارب ألف شخص بين قريب وصديق وكل شئ بدا طبيعيا ومنسقا، وما أن بدأ الحفل واكتمل الحضور، وبدأ العروسان بالرقص مع الموسيقى الحالمة بإغماضة ليتها لم تُفتح! ماهي ألا لحظة أو رمشة بين الفرح والذهول، الاحتفال والتأبين، الحلم والحقيقة، إغماضة حولت مشهد العرس إلى أتون مستعر كأنه الجحيم!

بدأت الشرارة الاولى لا يقاظ ألسنة اللهب التي كانت تغفو مترقبة مكشرة عن أنيابها وبلارحمة، تلك الشرارة التي يقال إنها انطلقت من الالعاب النارية التي ترافق هذا النوع من الافراح لتحيل نهار الفرح الى ظلام دامس، حيث بدأ خرير النار يتقاطر على العروسين والحضور وتوهجت القاعة بالنيران المشتعلة ورائحة السخام الاسود التي تزكم الانوف وسط دهشة وذهول العروسين اللذين عجزا عن تصديق كل ما يحدث من فاجعة، وكأنه عرس تايتاني الغرق في بحار النار!

بدأت الجموع الغفيرة بالتدافع محاولة الخروج من باب لايرتقي لتسميته لصغر حجمه وضآلته، فقاعة أعراس بهذا الاتساع لابد أن يكون فيها أكثر من مخرج وباب، كانت المأساة أكبر من مخارجها فالنار كانت تلتهم هشيمها بكل وحشية فلم تبق أو تذرأو تدع سبيلا للخلاص من براثنها التي أحكمت إغلاقها حيث ادى انقطاع التيار الكهربائي الى غرق القاعة بظلام لجي دامس، كانت الاصوات تتعالى ثم تخمد والاجساد تتدافع ثم تهوي، والارواح تتقافز طالبة خيط نجاة دون نجوى!

عم الذعر المكان الذي كان يفتقر لا بسط ادوات السلامة، حيث لا مطفأة تطفئ هذا الاتون المستعر ولا مخارج تستوعب هذه الاعداد من الحضور ولا مسؤول يتحمل مسؤولية هذه الارواح في ظل بطأ كسيح الخطى لسيارة الاطفاء الهرمة التي وصلت مؤخرا ببقايا ماء لا يسمن و لايغني من جوع!

أنهارت القاعة الملكية الاهمال وتهاوت أعمدتها الخاوية وأحترق كل شئ فيها حتى الاحلام والامنيات!!

انتهى الحلم بمأساة وتحول الفرح الى حزن والعرس الى مأتم فُقد فيه الكثير من أهالي العروسين والحضور، وتقيأت القاعة الحفل البهيج لتلقي رفاته ألما وحسرة على الارواح البريئة التي كان كل همها أن تفرح في زمان ليس زمانها ومكانا استوطنه الوجع..

إستيقظ الاهالي من ذهولهم ليرتدوا السواد لدفن موتاهم في عرس تأبيني مؤلم.

وقعت الفاجعة الموجعة وتسامت الارواح البريئة الى خالقها، مخلفة تساؤلا من المسؤول عن هذه الانتهاكات التي تطال الابرياء !

فهل الشرارة هي التي نشرت النار في الهشيم! أم سوء الادارة وضعف الاستعداد !أم تشييد قاعات عشوائية في أماكن عشوائية تفتقر الى الحد الادنى من احتياطات الامان!

أم الفساد الاداري والانساني والاخلاقي الذي طال كل شئ!

هذه التساؤلات وغيرها تنتظر إجابة وتلقي المسؤولية على كل مسؤول لاتخاذ اجراءات صارمة بحق من يستهين بالارواح البريئة لحصد الاموال الطائلة دونما قيد أو شرط في زمان شاعت الفوضى فيه وتسلط الجشع والفساد وابتعد الانسان فيه عن الله ورأس الحكمة في مخافة الله.

ويبقى السؤال الذي يدق ناقوس الخطر في أرضٍ بات الامان فيها كطير مهاجر يحلم بالعودة الى الديار..

رحم الله الارواح البريئة واسكنها فسيح جناته وإنا لله وإنا اليه راجعون.

***

مريم لطفي الالوسي

سيظل مؤشر الحرائق فى ارتفاع وسوف يتكرر حريق الحمدانية فى أكثر من مكان وأكثر من مناسبة طالما بقيت الدولة رخوة في تنفيذ القانون، والنظام هشاً على هذا النحو البائس، وطالما بقي البرلمان يرفع شعار: "لا أرى.. لا أسمع.. لا أتكلم!!".

لعل الأقسى من الصور المؤلمة لضحايا حريق الحمدانية، هي صورة وزيرة الهجرة والمهجرين، وهي تعود خائبة بعد أن رفض أهالي ضحايا الفاجعة محاولة دخولها إلى مكان الحادث. والأقسى من الموت حرقاً، أننا نجد أحزاباً ونواباً يتاجرون بمأساة الضحايا، وإذا أردت عزيزي القارئ أن تصل إلى قمة المأساة، ستجد أنّ المواطن العراقي بلا ثمن، ولا أهمية، مجرّد رقم يضاف إلى سجلات الموتى، ومن ثم فلا تسألوا عن المتسبّب في حريق الحمدانية، مثلما لا يحق لكم أن تسألوا لماذا لم يتم اعتقال مسؤولين كبار تسببوا في حرائق المستشفيات، ومسؤولين كبار نهبوا ثروات البلاد، ومسؤولين كبار كانوا وراء الخراب الذي انتشر في البلاد.

ولعلك تتساءل الآن: وماذا تفعل الحكومة أكثر من أن تطفئ الحرائق؟ وأضيف للقارئ العزيز: على البرلمان أن يرفع يديه بالدعاء على من أشعل هذه الحرائق، ويصر أن تتولى عالية نصيف رئاسة لجنة التحقيق البرلمانية.

المواطن يبكي وهو لاحول له ولا قوة فى مسألة محاسبة منفذي الحرائق، مثلما يجد هذا المواطن أنه لا يحق له أن يسأل من يقف وراء هذه الكوارث وأين أصبحت نتائج التحقيق فيها؟ ربما يقول قارئ عزيز: يا لك من كاتب بطران، لقد تعودنا أن نتيجة اللجنة التحقيقية ليست مهمّة جداً، وأن المشكلة فقط في وصف الجريمة، هل هي متعمدة؟ أم كانت سهواً؟ أم أن كل شيء تحت السيطرة.

لم يحدث في تاريخ البلد أن غُيِّب القانون والعدل إلى هذه الدرجة. غيّبهما نفوذ الأحزاب، وهوس الحصول على كل شيء. فيما الوطنية التي يجب أن تكون عنواناً للوظيفة السياسية، صارت تهمة.

في مواقع التواصل الاجتماعي ونشرات الأخبار نشاهد كيف يرشق المواطنون الغاضبون كبار المسؤولين بالبيض غضباً.. فيما معركة طرد الوزيرة اندلعت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، البعض يرى أن الوزيرة ظُلمت، فيما أهالي الضحايا يعرفون جيداً من الذي يقف وراء مأساتهم المعيشية والحياتية، وكيف تحاول جهات سياسية أن تسيطر على مناطق المسيحيين، بمباركة من حارس الدستور رئيس الجمهورية الذي قرر أن لا مكان للأب لويس ساكو في بغداد ولا حتى في الموصل.

عندما يفشل من يطلقون على أنفسهم نواباً في صياغة مشروع وطني لدولة مؤسسات في العراق، نراهم لا يجدون سوى طريق واحد لخوض المعركة السهلة، وهو طريق المناصب والمغانم، اعتقاداً منهم أن العراق مجرد كعكة لذيذة ودسمة، تعرف الناس جيداً أنها كانت السبب وراء حروب الساسة من أجل البقاء أطول مدة ممكنة على أنفاس المواطن.

***

علي حسين

تحركنا الحمية القبلية والاندفاع التفسي وردة الفعل الطبيعية لمواجهة التحديات التي تقوم بها جماعات تنادي بالحرية والكرامة والديمقراطية وتسيطر على السلطة وتحارب الشعب والثورات والمعارضة وتقمع الصحافة والاصوات الناقدة والآراء المختلفه هذه الثقافة المعقدة في نفوس الذين يمثلون الشرعيه ... تبرهن للثوار والشعب انهم مجرد ادوات وأوراق يتاجر بهم وازماتهم اولئك الذين تشبعتهم ارواحهم بالانانيه والطمع والانتهازية من يقفزون الى المقدمات ويضعون انفسهم زعماء للجمهوريه ويمجدون انفسهم باسم الجمهورية.

هؤلاء  اليوم يتغيرون وفق مصالحهم وليس من اجل الحرية والتغيير والعدالة والمساوة لم نسمع عن ورشة عمل تنادي الشعب والجمهور الي ندوة سياسيه لتشكيل فريق عمل وادراة تنظيمية للاعلان عن انتخابات وطنية لتحرير الدولة من مطامع الامامية.

 واخراج نظام جديد باختيار الشعب في أجواء حره سلميه لا يمارس فيها القمع والاظهاد والجهوية والمناطقبة لا توظف فيها اموال الدولة لتدميرها لا تسرقها تلك الرؤوس البارزة المعروفه انها تسرق الثروات وتستثمر في الدول الخارجيه وتنتظر الفرصة للهروب من اليمن.

لم نشاهد الا فريق عمل رئاسي ينهب المساعدات ويسافر كل يوم للمشاركة في مؤتمرات دوليه لا تعني اليمن ليست اليمن مؤهلة للحضور فيها ولا تعود علي اليمن بمصلحة تحل المشكلة السياسيه وتحرر الإنسان من الامامة وتخرجه من الحرب.

لن تنتصر جمهورية تقودها قيادات تخرجت من ادارة الفساد التي ثأر عليها الشعب في ثورة الربيع العربي تلك الأسماء غرقت في الفساد في العقود الماضية واليوم تستغل ضعف الدولة وتفككها للقفز من جديد لتحقيق مكاسب خاصه وليست تخدم مفهوم الجماعة ولا تحرر الجمهور من المخاطر الأمامية القادمة التي تحقق انجازات في اجواء امنه وتخطف قلب الإنسان اليمني للالتفات حولها وتفويضها نتيجة ما اصيب به من احباط ويآس من حكومة الشرعيه المزعومة التي انكشفت بكل وضوح على حقيقتها في الفساد والاستغلال وعدم رضوح الاهداف وتحولت الى مقهى ليلي للشيشه والقهوة في مصر والسعودية والدول الأخرى.

***

بقلم صالح العجمي

التهمت النيران كل شيء.. الآمال والأحلام والمشاعر.. التهمت الأمومة والطفولة وخنق دخانها كل صيحات الرجاء.

كانت الأم المذعورة قد هرعت بغريزة البقاء وبلا شعور إلى باب الخروج الوحيد في القاعة.. وقبل أن تتنفس هواء النجاة تذكرت ولدها الصغير الذي فقدته وسط الظلام في ذروة التدافع للخلاص من نيران مستعرة لا ترحم.

عادت على الفور لتبحث عن إبنها داخل القاعة الملتهبة وقلبها يصيح بإسمه قبل لسانها.. كأنها لم تكن تبصر ألسنة اللهب في المشهد المهول.. كانت تريد إنقاذ فلذة كبدها بكل ما في قلبها من رجاء وحنان ولوعة.. شعرت في لحظة خاطفة اختصرت زمانها كله أن ضميرها يؤنبها لأنها نجت وتركت فلذة كبدها وسط النيران.. بقيت تبحث عنه مشدوهة البال.. تناديه ملتاعة والنيران تلتهم أذيالها في مشهد خالد للأمومة على مرّ العصور.

لم تكن تهتم لإبعاد السنة اللهب عن جسدها لأن كل همها في تلك اللحظة المشحونة بالأسى إطفاء نيران قلبها وإنقاذ ولدها بأي ثمن.

لم يسعفها الوقت ولا شراهة النار المستعرة، فسرعان ما تحولت مع آمالها إلى رماد.. أما ابنها الصغير فقد تبيّن أن أحد الرجال الغيارى التقفه بسرعة وأخرجه من وسط الجحيم في اللحظات الأولى لوقوع الواقعة.

قصص تدمي القلب قبل العين.. وما أريد أن أقوله هو ان لمشهد فاجعة (الحمدانية) رمزية تختزل معان كثيرة وعميقة سيتمعن فيها أصحاب الضمائر الحية طويلاً وربما لن تغادر ذاكرتهم إلى الأبد، أما الذين أعمى الجشع وغرام السلطة أعينهم فسوف يمرون عليها مرور الكرام على الأرجح.

لا تجدي كلمات المواساة المنمقة في هكذا فواجع.. الأمر الأهم الآن هو أن نبحث عن (الصندوق الأسود) للفاجعة لكي نفكك شفرة حدث العرس-المأتم ونفهم ما وراء الحدث.

من وجهة نظري لا جدوى من البحث عن (الصندوق الأسود) داخل قاعة الأعراس، بل يجب البحث عنه خارج القاعة وتحديدا في دهاليز الفساد السياسي والإداري الذي يشعل حرائق تلد أخرى، ويُنتج فجائع تلد أخرى.

من المسؤول عما جرى؟

المسؤولون الذين يجيدون لغة التبرير والتملص من المسؤولية بدهاء سيقولون أن القاعة تفتقر إلى بنية متينة لأن سقفها من مواد سريعة الإشتعال، وعليه يجب إعادة النظر في مواد البناء المستعملة، وطبعاً سيبحثون عن كبش فداء لهذه المحرقة أملاً بدفعها إلى هوة النسيان.

لكن الحقيقة هي أن منظومتنا السياسية والإدارية هي التي تشكّلت من بنية سريعة الإشتعال بنيران الكيد والصراعات والتكالب المرعب على مغانم السلطة. وهذه البنية الهشة هي التي تمهد الأرضية للفساد وتجعل الحياة السياسية في البلد مصنعاً للكوارث وليس مصنعاً للبناء والتقدم.

اتفق مع الذين يقولون لابد أن نعيد النظر في المواد المستخدمة في بناء قاعات الأعراس ونحوها من منتديات عامة، هذا أمر مهم بلا شك، لكن الأهم من ذلك هو أن نعيد النظر في أعراف المحاصصة السياسية والطائفية والعرقية وثقافة التغالب واعتبار السياسة أداة للتسلط بدلا عن جعلها أداة لخدمة الناس والإرتقاء بواقع البلد.

لقد انتجت أعراف هذه الثقافة السياسية البائسة ديمقراطية شكلية هشّة لم يعد يثق بها الناس ولا يعوّلون عليها لإصلاح أحوال البلد. بإختصار اقول أن مشهدنا السياسي بعد 2003 أنتج ديموقراطية مخادعة حالها حال قاعة (الهيثم) في الحمدانية، ظاهرها عرس وباطنها مأتم.

والآن بعد أن نثرت النيران أشلاء الفاجعة في كل أرجاء العراق، أما آن الآوان لكي تصحو الضمائر وتفتح (الصندوق الأسود) لمآسينا وفواجعنا، ومن ثم تشرع بمراجعة جادة وشجاعة لأخطاء الماضي الكارثية؟

هل سيتحلى الساسة في بلدنا بروحية الأم التي القت بنفسها وسط النيران وضحّت بروحها من أجل إنقاذ إبنها الصغير؟.

لا أعرف الجواب، وليس بوسعي قراءة المستقبل، ولكني على يقين بأن تلك الأم الخالدة ستبقى رمزاً للإيثار يُلهم الأحرار، وفي ذات الوقت يُعذّب ضمائر المفسدين والعابثين لو كان لديهم بقية ضمير.

***

اكتب إلى الكاتب طالب الأحمد

نعيش في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، والسائد كتابات على مناهج وخطى القرن العشرين، كتابات تنضح منها أقياح دمامل، ومسطورة بمداد الحسرات والأنين.

ومَن يقرأها؟

الواقع ينادي أن خاطبوا أجيال القرن الحادي والعشرين وتفاعلوا معهم، فهل لدينا القدرة الإبداعية والمهارة الكتابية لذلك؟

لا أظنهم يقرأون ما نكتبه وننشره في الصحف والمواقع، ولا يتابعون وسائل الإعلام، فما يتوفر عندهم من آليات تواصل وتخاطب، تغنيهم عن الذي نوفره لهم.

أجيال القرن العشرين منتهية الصلاحية، وعليها أن تفسح المجال للأجيال الوافدة، فهي التي ستبني الحاضر والمستقبل.

وما يحصل في بعض المجتمعات هو التمسك المريض بالقوة والقيادة من قبل أبناء القرن الماضي، وهذه ظاهرة تتكرر عقب دوران القرون وتغير الأحوال.

وفي التأريخ أمثلة، فما حصل للعرب بعد الإسلام، وكيف نشب الصراع بين ما قبله وما بعده، وما جرى بسبب التفاعل ما بين الحالتين حتى إنتهت الأمور إلى ما آلت إليه، وهي نتيجة طبيعية لذلك الصراع الذي يبدو فاعلا في أيامنا المعاصرة.

أقياح دمامل وجراح تُنتأ، ودموع تسكب، وحنين لأوهام وتصورات ومقدسات لا وجود لها فوق التراب، فالعواطف مؤججة، والعقول معطلة، والتداعيات متفاقمة للوصول إلى الخراب الكبير.

والجيل الجديد يترقب ويرى بعيون زمانه، ويتفاعل مع أدوات عصره، ويسير نحو ما لا نرى ولا نتصور.

فلماذا الأنانية والعدوانية على الأجيال، ولماذا نتحول إلى مصدات بوجه تيار الحياة النابض بالإرادات الواعدة.

علينا أن نواجه أنفسنا وندع الزهور تتفتح ليفوح عطرها الحضاري الأصيل!!

"فألقت عصاها واستقرَ بها النّوى...كما قرَّ عينا بالإياب المسافرُ"

و"العصا من العُصيّة"، ترى مَن سيُلقي عصاه ويستريح؟!!

***

د. صادق السامرائي

ثالثا: شخصية المهدي!!

أبو عبدالله محمد بن المنصور (127 - 169) هجرية، عاش (42 أو 43) سنة، وتولى الخلافة في عمر (31 أو 32)، ولمدة (11) سنة، (158 - 169) هجرية.

"كان جوادا ممدحا مليح الشكل محببا إلى الرعية، حسن الإعتقاد، تتبع الزنادقة وأفنى منهم خلقا كثيرا"

"أول من أمر بتصنيف كتب الجدل للرد على الزنادقة والملحدين"

قبل الخلافة، كان أميرا على طربستان وما والاها، وتأدب، وجالس العلماء وتميز.

ومن خطبته عندما بويع بالخلافة : "... ولقد فارقتُ عظيما، وقُلِدْتُ جسيما، وعند الله أحتسب أمير المؤمنين، وبه أستعين على خلافة المسلمين..."

وفي سنة (159) هجرية، أوصى بولاية العهد، لإبنيه موسى الهادي ومن بعده هارون الرشيد.

وفي سنة (166) هجرية، وفيما بعدها جدّ المهدي في تتبع الزنادقة وإبادتهم والبحث عنهم في الآفاق والقتل على التهمة.

توفى سنة (169) هجرية، ساق خلف صيد، فاقتحم الصيد خربة، فتبعه الفرس فدق ظهره في بابها، فمات لوقته، وقيل أنه مات مسموما.

يبدو أنه كان متعلقا بوالده ومعجبا ومتأثرا به ولا يستطيع مقارنة نفسه به، مما دفع به إلى أن يحتذي خطاه بما يستطيع إليه سبيلا، وكأنه لم ينل قسطا كافيا من التدريب والتثقيف على إدارة الحكم، فلديه بعض التردد وعدم الثقة بالنفس.

وهذه الميزات وما يتصل بها، دفعت به إلى تسويغ سفك الدماء بقميص (الزندقة)، الذي إتخذه منهجا لحكمه، ومضى عليه إلى آخر أيامه، فأصبحت تهمتها سهلة وتفضي إلى قتل المتهم بها فورا.

ومن أخطائه التي حتمها عليه الخوف من الموت، أن دعى بولاية العهد من بعده لولديه في أول سنة من حكمه، مما تسبب بتفاعلات خفية بين الإبنين، وبينه وبينهما.

ومن الواضح أن لزوجته الخيزران دورها الكبير في مسيرة حكمه، وقصتها معه معروفة، فهي الجارية التي تمكنت منه، وأنجبت  ولديه اللذين عهد لهما بالخلافة من بعده.

فهو برغم فتوحاته وإنجازاته وإزدهار بغداد بعصره، يتميز بخصال إعتمادية، وبمخاوف جاثمة على وعيه، وحتى في قصة موته المزعومة ما يشير إلى أنه كان يطارد صيده، فوقع صيدا لما كان يعتمل فيه من الأحاسيس والمشاعر التي أذهبت بصيرته، وأفقدته السيطرة على جواده الغائر نحو موته!!

ولا يمكن مقارنته بوالده لقلة ثقافته ومحدودية علومه، رغم محاولاته التشبه به، وربما كانت زوجته تدير شؤون الخلافة بإسمه، فالدارس لمسيرته يرى سمة الطيش وعدم النضج واضحة في سلوكه، وإتخاذه للقرارات الإنفعالية الغير مدروسة، كقتله لبشار بن برد، ويُقال أنه ندم عليه، بعد أن "سبق السيف العذل".

وهذه السلوكيات في الحكم لا تزال فاعلة في مجتمعاتنا، لغياب المنطلقات الراسخة الصالحة لآليات تبادل السلطات، والتي تلخصت على مر العصور بالسلوك الوراثي المعبر عنه بولاية العهد.

وتجدنا اليوم كالتائهين في غياهب الأيام، لا نعرف صيغة ثابتة لحكم مستقر رشيد.

فكم من طائش أزرى بأحوالنا، وأصاب الأجيال بمقتل!!

***

د. صادق السامرائي

لا أهمية تعد للانتخابات، أو لوجود حكومة منتخبة، فلا هذا ولا ذاك يصلح للحكم، طالما أن الشعب فقد القدرة في اتخاذ أي قرار، فهو مغلوب على أمره من كل الجهات، حيث عبثت الأحزاب، وتدافعت لامتصاص خيراته، واستبعاده، منذ عهد ما قبل السقوط، وبعده.

هنا يصح الارتكاز على مقطع شعر يقول: "هل يصلح العطار ما أفسد الدهر"؟ فلم يفلح الطغاة، بل وجميع الحكام بقيادة هذا الوطن الذي انتهكت حرماته، وثرواته، بعد أن تم التجاوز على جميع المعايير الاخلاقية، والاجتماعية.

حيث فقدت الحياة حقيقة جوهرها الانساني، وتم الاستخفاف بمعظم أصحاب الكفاءات بعد عزلهم عن إدارة المرافق العامة للدولة، وسقطت نظرية الحكم في مستنقع المصالح.

فالديمقراطية هذا اللباس الذي جاءوا به، لم يعد إلا لغة محشوة بالمفردات المزيفة، لتضليل عقول الجماهير، أما الفضائيات فهي مجرد مساحات إعلامية لبث صور من الحياة التي يعيشها الناس دون أن يتحقق المراد، حيث لم يلقى القبض على الجناة إلا بنسبة لا أهمية لها قياسا لحجم الجنايات، والخيبات التي يمر بها البلاد.

ولم يعد الفرد العراقي قادرا لأن يرفض فكرة التركيب السياسي للاحزاب والتشكيلات التي جاءت به ترسانات العسكر، يوم تهشمت جدران الوطن، وتساقطت أشلاء الضحايا، ويوم ابيدت جميع مفاصل الحياة، بما في ذلك مؤسسات الجيش، والبنى الارتكازية، ومن ضمن ذلك أرث العراق، وتراثه الحضاري، تلك الثروات التي انتجتها الارض والسماء، في وطن كان الطريق والمهد إلى الانبياء والأوصياء، وفي تربة حطت بها سومر وبابل على أكتاف دجلة والفرات.

اليوم نحن أمام مشكلة استعصت علينا، فالعراق لم يعد بحاجة إلى إمرة حزب يدير شؤونه، خاصة بعد أن تعددت السرقات، وسادت المحسوبية ذلك تحت سطوة مجاميع تم تسميتها لاغراض المنافع، والمكاسب المادية لا غير.

وأنا أرى أن العراق أمامه طريق واحد، فهو بحاجة إلى نظام ملكي، بشرط أن يتحرر من جميع المسميات التي تم الترويج لها من قبل هذه الاحزاب، وهو الطريق الأصوب للنجاة.

***

عقيل العبود

قرأت ما معناه: " معظم المثقفين العراقيين لا يبتاعون كتب المؤلفين العراقيين في معرض بغداد للكتاب"ّ، فتساءلت: لمن قرأت؟

ووجدتني طيلة مراحل حياتي أقرأ لكتّاب عرب وأجانب، وخصوصا المصريين، ولا تزال كتبهم ترافقني، ومنها كتب العقاد، توفيق الحكيم، طه حسين، يوسف إدريس، وغيرهم، ولم أجد في مكتبتي إلا القليل من الكتب لمؤلفين عراقيين، وإحترت في الجواب!!

ترى لماذا يحصل ذلك؟

أظن الكاتب المصري لديه قراء من بلاده، وبعضهم كانت موارده ذات قيمة كبيرة، دفعته لتأسيس مشاريع إنسانية خيرية.

و"مغنية الحي لا تطرب" في العراق، ونميل لإستصغار ما يقدمه مبدعونا، ومبيعات كتبهم لا تساوي شيئا بالمقارنة بمبيعات الكتب العربية والأجنبية!!

وهذه الظاهرة تنطبق على ما يُنشر في المواقع والصحف، فالمقروئية متدنية، وتجد ذات المادة مقروءة في المواقع العربية والأجنبية أكثر منها في المواقع العراقية.

لا يمكن تفسير الظاهرة بسهولة، لإمتداداتها البعيدة وتفاعل عوامل متنوعة فيها، ومهما حاولنا الوصول إلى جواب ناجع، فسيرى العراقي فيه نقصا ومثلبة.

لدينا قدرة عجيبة للنظر بعيون سلبية مطلقة، وبإنفعالية شديدة، وعندنا مواقف مسبقة جازمة، وعقولنا مسخرة لتعزيز أرادة العواطف والإنفعالات، والوعي الجمعي يختزن أقياح دمامل نفسية محتقنة، تأبى أن تتشافى وتندمل.

فالسائد أننا نقرأ الإسم ولا يعنينا المحتوى، وما أكثر الكتابات المعبرة عن المواقف السلبية الكامنة ذات الإنتقامية العالية.

فما دامت المعارك النفسية محتدمة، فأنها تبرز في التعبير الرافض لإبداعنا!!

قد يرى الكثيرون غير ذلك، لكنها ظاهرة جديرة بالنظر، لكي نتخلص من عاهاتها الضارة بوجودنا المعاصر.

فهل سنعرف مبدعينا؟!!

***

د. صادق السامرائي

أثناء حفل زفاف في محافظة نينوى داخل قاعة أهلية مخصصة للمناسبات والاحتفالات وكان عدد الحضور ما يقارب (١١٠٠) من نساء وأطفال ورجال حيث اندلع حريق داخل القاعة ليلة الثلاثاء/ الأربعاء 26/9/2023 أدى لمقتل (١١٣) وأكثر من (١٠٠) جريح ولم تتمكن فرق الإنقاذ من معالجة الموقف، بل لم يستطع الحضور الهروب لعدم وجود منفذ خروج منظم ومتعدد.

إن العراق يخضع لعملية سياسية لم تتمكن من بناء دولة بالمعنى السياسي والقانوني والاجتماعي، رغم ما يتم إعلانه عن وجود دولة ولكن في الإعلام وفي تصريحات أفراد السلطة فقط، وبالتالي، بين الحين والآخر تحدث كارثة بشرية تثبت عمليا وواقعيا عدم وجود للدولة.

لماذا نقل لا توجد دولة؟

إجابة هذا السؤال ذكرناها في مناسبات عديدة لكن الإجابة الخاصة بفاجعة بغديدا هي أن البنايات تخضع لشروط الدولة الخاصة بسلامة البناء والحماية والجودة وكافة الحيثيات الخاصة، وكلٌ حسب اختصاص الاستخدام، وهذه الشروط لم تتوفر عمليا في قاعة حادثة بغديدا، اذن لم تخضع قاعة (الهيثم) للدولة من الجانب الهندسي، في حين كل الموافقات الرسمية (على الورق) متوفرة لبنائها وعملها !!

هنا يُعرف الفساد عن نفسه بأنه المسبب لهذه الكارثة، لأنه يعمل وفق القوانين والضوابط والمنظومة الأخلاقية للسلطة، يعني بطبيعة النظام الحاكم، وليس بطبيعة الفرد والمجتمع كما تروج السلطة في إعلامها كي تدفع الفساد عن نفسها. وعليه لا أمان ولا سلامة تتوفر في العراق لان لا شيء خاضع لحماية وسلامة الإنسان، بل كل شيء خاضع للربح، الربح المالي هو الغاية وتخضع كل الوسائل لأجله حتى إذا كان الإنسان هو الضحية.

لذا هذه الحادثة وما سبقها من حوادث مماثلة مستمرة باستمرار الفساد ولا تنفك عنه. والسلطة الحاكمة تعلم بالتجربة أن تعويض أهل الضحايا قادر على إسكات المجتمع.

ملاحظة/ يشاع بان الحادثة جريمة منظمة لترحيل المسيحيون من العراق.

هذا التحليل بعيد عن الحقيقة لان النظام الحاكم قائم على تقسيم البلد لمكونات ووجود عنوان المكون المسيحي يخدم هذا “النظام”، لذا مستبعد جدا هذا التحليل. وللتنويه “النظام” الحاكم لا يعنيه حقوق المواطنين الحاملين هذه العقيدة بل يكتفي بالعنوان العام، كعنوان الشيعة والسنة والأكراد.

***

حسام عبد الحسين

القوة.. مفردة رافقت حياة بني آدم منذ بدء نشأتهم، فقد كانت بدءًا لاستحصال لقمة عيشهم، حيث يصطادون الحيوانات ليقتاتوا عليها، ثم اضطرتهم سبل العيش الى تطوير أدوات لتمكين القوة من أداء المطلوب، فكان نتاج ذلك الرمح والسهم للوصول الى مالم تطله إيديهم من فرائسهم عن كثب، وحين وجد بنو آدم أخطار الضواري تحيطهم، ابتكروا آلات الدفاع عن أنفسهم وطورها لدرء مخاطر الضواري عنهم. وهكذا تحضهم الحياة وتحثهم متطلباتها على اختراع الجديد والناجع من وسائل الدفاع عن النفس. وحين استوطن الإنسان الأرض وصارت جزءًا من كيانه ازداد تمسكه بها، لما تعنيه له من ديمومة في حياته، فلم يجد بدا من الدفاع عن وطنه وأرضه، حتى غدا يستقتل من أجل الحفاظ عليهما، كما تفنن في تنويع سلاحه وأصنافه، وفقا لتنوع أسلحة عدوه ومكامن قوته. وقطعا لم يكن هذا إلا بعد إدراكه أن وطنه يعني وجوده، فبه يكون ومن دونه لا يكون.

  ومع تناسل بني آدم تناسل الخير والخيرون، مقابل هذا تناسل وتناسب وتصاهر الشر والشريرون في مناكب الأرض، فبدت موازينها معتدلة تارة بفعل بسط الخيرين أفكارهم، ومقلوبة تارات أخرى بفعل الشريرين ومعتقداتهم ومكائدهم وغدرهم، وبين هذا وذاك نشأت دول ودالت أخرى. من بين هذه الدول أرض وادي الرافدين التي شهدت منذ الأزل تكالب الشريرين عليها، مع أن أغلب الخيرين والصديقين والأولياء والأتقياء عاشوا فوق أرضها، وكثير منهم وارى جثمانهم ترابها. فأرض مثل هذه من الواجب الحفاظ على إرثها الحضاري، وهذا لن يتم إلا بتوفير حالة التمكن والقدرة والسيطرة والهيمنة لدى حاكميها ومن يتقلدون مراكز السلطات العليا فيها، لاسيما المسؤولون عن حمايتها، وتزداد الحاجة الى القوة أكثر من هذا، عندما يطفو على السطح نفر ضال ليس لاعوجاجه تقويم بالنصح والإرشاد، فتغدو القوة بكل اتجاهاتها ودرجاتها، الوسيلة الوحيدة في التعامل مع انتهازيين ونفعيين ومفسدين، لا يملكون من الشرف والقيم والأخلاق والمبادئ حدا، أكثر مما موجود في الضباع والثعالب، لما تحمله من صفات المكر والغدر والخديعة.

  اليوم يشهد عراقنا الفدرالي الديمقراطي، عراق القانون فوق الجميع، عراق النزاهة، عراق القضاء المستقل، عراق القيادات والحكومات المنتخبة، ظاهرة مدمرة لأي نظام في أية دولة على الكرة الأرضية، مهما كثرت أسلحتها وبلغت عدتها وعددها، ظاهرة ليس بالهين مجابهتها والتصدي لها، إذ هي تأتي على أخضر البلاد ويابسها، تلك هي ظاهرة الفساد.

  ومعلوم أن للفساد وجهين، يكاد أحدهما يسبق الآخر في شدة الضرر والزوبعة التي يتركها خلفه، وهنا يأتي دور ما ابتدأت به مقالي هذا، القوة ثم القوة ثم القوة، فبها الحل الناجع والموقف الرادع لقبر الفساد في مهده، وإنهاء فروعه وأصوله وجذوره نهائيا.

  أما ردود الأفعال إزاء الفساد فهي أشبه بدغدغة المفسدين، وفسح الطريق أمامهم مشرعا على أوسع أبوابه، لممارسة ما يحلو لهم من أفعال مشبوهة ماليا وإداريا، الأولى تعود لهم بالربح الوافر وتملأ جيوبهم وعيونهم الفارغة، أما الثانية فيتممون بها خدمة أطراف وجهات فئوية، تتمثل بأحزاب وشخصيات ودول، توفر لهم بدورها ديمومة التحكم بكرسي المنصب، والتمتع بالسحت الذي يرمي في بطونهم نارا.

***

علي علي

الحق في العدالة البيئية مفهوم مركزي وأساسي في السياسات الحكومية والدولية ويشمل عدة مبادئ وقيم تتعلق بالمعاملة العادلة للأفراد والمجتمعات في المجالات البيئية. وهو اعتراف دستوري بأن جميع المواطنين، بغض النظر عن عرقهم أو انتمائهم السياسي أو وضعهم الاجتماعي والاقتصادي أو أي خصائص أخرى، لهم الحق في بيئة نظيفة وصحية، فضلا عن الحق في المشاركة في عمليات صنع القرار التي تؤثر على البيئة.

تتطلب العدالة البيئية توزيع المنافع والأعباء البيئية بشكل عادل بين جميع المواطنين، بغض النظر عن خصائصها الديموغرافية أو الاقتصادية. ولا ينبغي لأي مجتمع أن يتحمل حصة غير متكافئة ومتناسبة من الأضرار البيئية.

كما يجب التأكيد أن السياسات والإجراءات البيئية لا ينبغي أن تميز ضد أي مجموعة على أساس العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الدخل أو غيرها من الخصائص المحمية. وينبغي توزيع الفوائد والمخاطر البيئية دون تمييز أو تحيز.

للمجتمعات والأفراد المتأثرين مباشرة أو بشكل غير مباشر بالقرارات البيئية الحق في المشاركة الهادفة في عملية صنع القرار. ويشمل ذلك الوصول إلى المعلومات، وخلق فرص المساهمة العامة، والقدرة على التأثير على السياسات والمشاريع البيئية.

تتطلب العدالة البيئية أيضا أن تكون المعلومات ذات الصلة بالقضايا والمخاطر والسياسات البيئية متاحة بمرونة ويسر لجميع المواطنين والباحثين والإعلاميين كما أن الشفافية هي عنصر بالغ الأهمية لاتخاذ القرارات الحكيمة والمستنيرة.

ومن الضروري اتخاذ إجراءات عادلة ومنصفة في عملية صنع القرار البيئي، بما في ذلك الوصول إلى المحاكم والعمليات الإدارية لمعالجة المظالم وضمان المساءلة.

إن العدالة البيئية غالبا ما تنطوي على النظر في الآثار التراكمية، وهو ما يعني تقييم آثار الضغوطات البيئية المتعددة على المجتمع، وخاصة تلك التي تعرضه للخطر الحقيقي.

عند حدوث أي شكل من أشكال الظلم البيئي، يجب أن تكون هناك آليات لمعالجة الضرر وتقديم التعويضات للمجتمعات والأفراد المتضررين.

يعد تمكين المجتمعات من المشاركة في صنع القرار البيئي والدفاع عن حقوقهم عنصرًا أساسيًا في العدالة البيئية التي تطمح أساسا إلى دمج الاعتبارات الاجتماعية والبيئية في عمليات صنع القرار، مع التأكيد على أنه لا يمكن فصل العوامل الاجتماعية والاقتصادية عن العوامل البيئية.

ختاما تعود جذور مفهوم العدالة البيئية إلى حركات الحقوق المدنية والبيئية في الولايات المتحدة الأمريكية وقد اكتسبت منذ ذلك الحين اعترافًا دوليًا. وغالبًا ما يتم استخدام هذا المفهوم لمعالجة قضايا حاسمة وخطيرة مثل التوزيع غير المتكافئ للتلوث، والحصول على المياه النظيفة، والتعرض للنفايات الخطرة، وتأثيرات تغير المناخ على الفئات السكانية الضعيفة. تعمل حركات ومنظمات العدالة البيئية على رفع مستوى الوعي والدعوة إلى تغييرات في السياسات ومعالجة عدم المساواة البيئية في أجزاء مختلفة من العالم.

***

عبده حقي

لقد تسابقت عثرات جو بايدن رئيس الولايات المتحدة مرة من هنا ومرة من هناك وقد زاد الحديث عن صحته وخاصة حالته الذهنية، وقدرته على الحكم الصائب على الأشياء، بعد العديد من الزلات التى سقط فيها اهمها العثرات الجسدي اثر سقوطه على الارض في مناسبات عديدة أو تعثره اثناء المشي ومنها في القول' في ظروف كانت أعداد القتلى في الولايات المتحدة يومياً تبلغ الالف أن أمريكا فقدت 100 أمريكى بسبب كورونا، والحقيقة أن عدد وفيات الوباء فى الولايات المتحدة كانت قد تجاوزت مليون و135 ألف شخص' في تلك الفترة او وضع دول محل دولة أخرى أثناء خطاباته و' منها السياسية' لعل في خروج اميركا وبذلك الشكل الفوضوي من أفغانستان يعود لأخطاء فادحة ارتكبها الرئيس الأميركي، جو بايدن، في بداية عهده، وهي كانت كفيلة اليوم بتقويض أجندته الخارجية أو ما هو أسوأ بإجبار أميركا على العودة إلى المستنقع الأفغاني مع صعود داعش. ان استعجال الانسحاب كان بحد ذاته هو لحصد مكاسب سياسية لبايدن في قاعدته الحزبية اليسارية وحتى مع أقصى اليمين الذي يؤيد الانسحاب. الرئيس الأميركي بايدن كما سلفه ترامب اختار أن يقود السياسة الخارجية بنمط شعبوي والذي عارض كنائب للرئيس في 2009 زيادة القوات في أفغانستان وأراد نقلة استراتيجية بإنهاء الحرب بعد ذلك ، لا جدل في أن حرب أميركا الأطول يجب الخروج منها بعد عشرين عاما وكلفت أكثر من 2.5 تريليون دولارمع مئات القتلى من الضباط والجنود، إنما الانسحاب بهذا الشكل العشوائي والدموي والمدمر لهيبة أميركا كان يمكن تفاديه ومسؤوليته أولا وأخيرا تقع على الرئيس بايدن.

صنفت السياسية الخارجية الأمريكية الى أربع مدارس ومذاهب فكرية أمريكية، وهي المدرسة الهاملتونية، والمدرسة الجيفرسونية، والمدرسة الجاكسونية، والمدرسة الويلسونية، وبايدن من الطبيعي ان يستقي أفكاره او تتطابق مع احد هذه المدارس.

الحزب الديمقراطي عموما بمختلف اتجاهاته اليسارية واليمينية يتخذ من أفكار المدرسة الويلسونية (المثالية) ممزوجة بأفكار بالمدرسة الهاملتونية (الواقعية) أساس لأفكاره في السياسة الخارجية، فهو يؤمن بالعمل ضمن المؤسسات الدولية والشراكات الدولية وإيمانه بالتجارة الحرة المفتوحة بين جميع دول العالم، وتفضيل الدبلوماسية كأداة في السياسة الخارجية على القوة العسكرية لذلك لا يمكن من بيد ان يشذ عن هذه القاعدة او المدرسة الهاملتونية (الواقعية) لانها المدرسة التي تتلمذ عليه الحزب الديمقراطي وأخذ أفكاره منها.

يعتقد الكثير من المحللين ان جو بايدن الرئيس الأمريكي مرشح للسقوط جراء فتحه لتلك المعركة مع روسيا بعد ان اخذ بتقديم ما يمكن تقديمه من دعم لاوكرانيا ضد موسكو، ويبدو أن «الاستقرار» الذي شهده النظام الأميركي خلال العقود الثلاثة التي تلت انتهاء الحرب الباردة، وشهدت تداول البيت الأبيض بين الحزبين بمعدل ولايتين لكل حزب أو لكل رئيس ينتمي لأحد الحزبين ما بين عامي (1990 ـــ 2016)، والتي كان خروج دونالد ترامب بعد ولاية واحدة قد وضع حدا لذلك التقليد، يؤكد خروج بايدن إن حدث، رغم أنه كان قد أعلن أنه لن يترشح مجددا بسبب تقدمه في السن، لكن نائبته كامالا هاريس تظهرها استطلاعات الرأي خاسرة أمام دونالد ترامب، الذي عاد مجددا للتفوق على بايدن وهاريس، بل كمرشح قوي له فرصة كبيرة في الفوز في انتخابات 2024.، ومن المحتمل ان يفوق الجمهوريون على الديمقراطيين، وذلك بسبب سياسة بايدن الخارجية الفاشلة، إن كانت تلك التي اتبعت في الخروج الفوضوي من أفغانستان أو في إدارة الملف النووي مع إيران، أو في إدارة المعركة العسكرية ـــ الاقتصادية مع بوتين.لهذا سوف تستغل هذا الموضوع من اجل انهاء رئاسة بايدن، وقد دعا رئيس مجلس النواب الأمريكي الجمهوري كيفن مكارثي الثلاثاء لمساءلة الرئيس الديمقراطي جو بايدن بهدف عزله، في خطوة من المؤكد أنها ستؤدي إلى مزيد من الانقسام بين المشرعين الذين يسعون جاهدين لإقرار قانون لتجنب إغلاق الحكومة. ويسعى بايدن،بالمقابل عزل ترامب الذي هزم في انتخابات 2020، في حالة اعادة الانتخابات العام المقبل. وقال مكارثي للصحفيين 'أوجه لجان مجلس النواب لفتح تحقيق رسمي لمساءلة الرئيس جو بايدن.. سنذهب إلى حيث تأخذنا الأدلة، ويعتزم الجمهوريونَ في هذه الايام وتبذل مساعي كبيرة بين اروق الحزب باطلاقَ جلساتِ استماعٍ في اطارِ مساعيهم لعزلِ الرئيسِ الاميركي جو بايدن، في تصعيدٍ لتحقيقٍ مرتبطٍ بالفسادِ بدأ قبلَ ثمانيةِ أشهرٍ وفشلَ في الكشفِ عن أدلةٍ على أي مخالفاتٍ ارتكبها الرئيس. يايي ذلك فيما تتصاعد المخاوف من الإغلاق الفدرالي بسبب عدم الاتفاق على مشروع قانون للتمويل المؤقت للحكومة.

***

عبد الخالق الفلاح باحث واعلامي

بدأت عملية التطبيع مع دولة الاحتلال الاسرائيلي منذ اكثر من سنتين من الآن. قبل ايام او اسابيع اعلن الامير محمد بن سلمان؛ بأننا نقترب من عملية التطبيع كل يوم. من وجهة النظر المتواضعة؛ ان السعودية سوف تطبع في المقبل من الزمن. ان هذا التطبيع مع دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ سوف يكون تحولا مفصليا في قضية فلسطين؛ لصالح دولة الاحتلال الاسرائيلي الى حين. أما اي اجراءات اخرى ما هي الا تغطية لعملية التطبيع كي يتم تمريرها بهدوء من دون ردود افعال من قبل الشعوب العربية، او على اقل تقدير تحجيم وحصر ردود الافعال في خانق ضيق. ان التطبيع بحد ذاته لا يشكل تحولا استراتيجيا على القضية الفلسطينية، مع انه تغيرا مفصليا؛ يسبب ضررا بالغا عليها، لكن ليس الى الحد الذي به، وعلى مسارات توجهاته؛ يتم توفير الامن المستدام لدولة الاحتلال الاسرائيلي من دون دولة للشعب الفلسطيني تمثله ويعيش فيها بأمن وسلام واستقرار. ببساطة لأن هذا الشعب الذي كافح وناضل على مدار اكثر من ثلاثة ارباع القرن؛ من غير الممكن ان يتنازل عن حقه الشرعي القانوني. لذا، سوف يستمر نضال هذا الشعب حتى في ظروف التطبيع وما سوف يأتي به؛ من تغييرات يقوم بها دهاقنة الصهاينة، سواء في دولة الاحتلال الاسرائيلي او في دهاليز البيت الابيض. ان هذه التغييرات سوف يتم توفيرها من خلال التطبيع، الذي لو توقف عند حدود التطبيع فانه سوف لن يشكل خطرا جديا على نضال الشعب الفلسطيني، لكنه لن يتوقف عند تلك الحدود والا فانه سوف يفقد موجباته واهدافه التي هي ابعد واعمق واعقد واسع من التطبيع. السؤال الكبير هنا ماهي هذه التغييرات وكيف يتم تحويلها الى واقع على الارض؛ بإجراءات عملية، بعد تمهيد الطريق لها. التطبيع ليس هو الهدف بحد ذاته؛ بل ان التطبيع ما هو الا وعاء لأهداف اخرى، ذات ابعاد استراتيجية في المنطقة العربية وفي جوارها الاسلامي وايضا في العالم الذي يشهد الآن صراعا محتدما بن القوى الكبرى في الكرة الارضية؛ المتنافسة على مساحات النفوذ والسيطرة على مقدرات دول العالم وبالذات دول العالم الثالث وحتى الدول ذات الاقتصادات الصاعدة. ان جعل دولة الاحتلال الاسرائيلي دولة طبيعية، اي انها او يتم دمجها مع المحيط العربي وحتى غير العربي وفي الجوار وفي العالم ايضا؛ له اهداف وغايات هي ابعد كثيرا من هذا الدمج؛ في الحقول الاقتصادية والثقافية والسياسية والتجارية، وما لكل هذا من تأثيرات بعيدة الامد. هو ان تتحول دولة الاحتلال الاسرائيلي الى مركز اقتصادي وصناعي وعسكري وبالذات تحوليها الى مركز اقتصادي وتجاري وما الى هذا من حقول اخرى؛ هي ابعد من امكانيات وقدرات دولة الاحتلال الاسرائيلي، لكنها سوف تكون عندها هي المركز الجاذب للاستثمارات او من خلالها وبواسطتها. ان دولة الاحتلال الاسرائيلي ليست دولة بالمعنى المتعارف عليه، بل انها وعند خط اقامتها او في بداية اقامة دولتها على تراب فلسطين؛ كان يراد لها ان تكون مركزا في المنطقة العربية لجميع مصالح الدول الكبرى الاستعمارية، سواء قديما بالطريقة والوسائل العتيقة، او جديدا بالطريقة والوسائل الحديثة. ان المشاريع التي اعلن عنها مؤخرا، والمشاريع الاخرى التي لم يتم الاعلان عنها في الوقت الحاضر، ما هي الا مشاريع ترتبط تماما بالتطبيع. ان التطبيع لا يمكن ان يكون فعالا ومنتجا الا بوجود هذه المشاريع، كما ان هذه المشاريع لا يمكن لها ان تكون واقعا الا بوجود التطبيع.  ان علاقة هذا التطبيع وهذه المشاريع؛ هي علاقة جدلية. هنا وفي هذا الطريق؛ يكون هذا التطبيع هو الاخطر ليس على قضية فلسطين فقط، بل على جميع قضايا العرب؛ أذ، لا يمكن تطبيق التطبيع والمشاريع على ارض الواقع، الا بإعادة صياغة النظام الرسمي العربي، واقصد هنا هي الانظمة في المشرق العربي، والمغرب العربي، خارج الخليج العربي. في هذه الاوضاع المفترضة، اذا ما تم لها النجاح (وهي لن تنجح..) اي تمكن عرابوها من تحوليها الى واقع؛ سوف تكون ارضا خصبة لمشاريع الشركات العملاقة العابرة للحدود والجنسيات، وتكون دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ هي قاعدة التخطيط والعمل والتنفيذ، في تشابك للمصالح بين دولة الاحتلال والانظمة العربية، وقواعدها البشرية من شركات ومصالح في ارتباط نفعي لأفراد والكيانات، والتي هي جزءا من الأنظمة العربية، وادواتها وقاعدة دعمها، مع الشركات العملاقة العابرة لكل الحدود التي سوف تبرمج نهبها واستغلالها لخيرات وثروات الاوطان العربية؛ بطرق ظاهرها التطور وتنمية الموارد وباطنها النهب ومصادرة القرار والسيادة ببرمجة علمي وعملية ناعمة. ان هذه التحولات والتغييرات المرتقبة او المفترضة هي من تشكل الخطورة الكبيرة والبالغة على قضية شعب فلسطين، وعلى الشعوب العربية. لكن هذا التطبيع ولو انه في الوقت الحاضر لم يواجه بالحرارة المطلوبة للتصدي له ومواجهته، إنما لاحقا وعندما تتضح الاوضاع، والتي سوف لامحالة يؤدي التطبيع الى سيرورة هذه الاوضاع؛ سوف تواجه او يتم التصدي لها عربيا وبقوة؛ بما يؤدي حتما الى افراغ عملية التطبيع من محتواها، وبالذات في السعودية.. كما ان كفاح شعب فلسطين العربي؛ سوف يزداد ويشتد اكثر مما هو عليه حاليا؛ من التضحية بالنفس من اجل الحق.. أذ، ان جهاد الشعب الفلسطيني سوف يعتمد على قدراته الذاتية كما هو جار من البداية، وصار اكثر وضوحا، قبل عدة سنوات وحتى الآن. بالإضافة الى ان هذا التطور وبالضرورة الحاكمة؛ سوف يؤدي الى وحدة الشعب الفلسطيني على صعيد فصائل النضال والجهاد الفلسطينية؛ أذ، لا طريق لفصائل النضال الفلسطيني امام هذه التطورات والتغييرات، الا وحدة الصف ورص الصفوف؛ في الخطاب والنضال.. وتقليص دور الحاكم، او الدفع به الى وراء الاحداث والتطورات هذه؛ بفعل انحسار مساحات تحركاته..

****

مزهر جبر الساعدي

رغم المأساوية المرعبة للزلزال المميت الذي من الصعب نسيان فظاعة ما أحدثته من تدمير هائل في مناطق عديدة من هذا البلد الجميل الودود أهله ، فقد أثر الحدث بشكل إيجابي على تفكير وقيم الشعب المغربي وسلوكياته وتصرفاته ، التأثير الذي استكشف ما في نفوس جماهيره من القيم الإنسانية النبيلة ، كالإيثار والتعاون والتضامن والتضحية ،وغيرها من الخصال الرفيعة التي دفعت بالمتطوعين للمضي قدما ،من أقصى شمال البلاد إلى أقصى جنوبها -أفرادا وجماعات- نحو المساهمة وتقديم الدعم المادي والمعنوي وتضميد جراح المنكوبين ودفن موتاهم وإيواء المشردين ومواساة المتضررين ،غير آبهين ولا مكترثين بما يسوقه المتكلمون الكسلاء من خرافة العقاب السماوية وكثرة الذنوب ، وباقي الحماقات التي يزهو بترديدها مرضى النفوس وأعداء البشرية من المتفيقهين وأنصاف العلماء، ويحزن الموطنون الحقيقوين لسماع خزعبلاتها  المتلاعبة بالرأي العام والمحبطة لكل رغبة لاندماج الأفراد في الهوية الجماعية - التي يطلق عليها "الروح الجماعية"- المعززة للحماسة والعاطفة الجماهيرية التي تمكن الأفراد من القيام بأعمال الإنقاذ وتقديم المساعدة والعون للمتضررين ، بطرق لا يمكن للأفراد القيام بها بشكل فردي كما تفعل الكثير من البلدان المتقدمة - اليابان على سبيل المثال التي عرفت عبر تاريخهم الكثير من الكوارث الجسيمة كالبراكين والسيول والأوبئة والحروب والأعاصير و هيجان البحار...

ــــ ومع كل هذا وذاك ، فقد استطاعت مرارة هذه الفاجعة أن تستنبط كل ما تمتلكه الجماهير المغربية من القيم  الإنسانية المضمرة في أعماق النفوس والمعروفة بـ "تمغربيت" -الركيزة التقليدية في بناء المجتمعات لنفسها - والتي اعتُقد أنها افتُقدت للأبد ، لولا إصرار عامة الشعب المغربي وعلى رأسه شبابه  الذي هب عن بكرة أبيه للمساهمة الفعالة في تقديم الدعم والمساعدة والتضامن والتعاضد، وتعزيز روح التفاؤل في النفوس المكلومة المصدومة في عقر أماكن حدوث الفاجعة المميتة التي التحقوا بها ،فرادى وجماعات ، حيث أبلوا ، مند الساعات الأولى لوقوع الكارثة ، البلاء الخارق في مد يد العون والمواساة إلى كل شبر متضرر وصلت إليه أيديهم بما توفر لهم في حينه ، حتى أنه و بعدما تسبب الزلزال في هدم مئات المدارس، وتعطيل العام الدراسي الجديد ، تحول بعض الشباب إلى بهلوانيين للتخفيف عن الأطفال المنكوبين ، عبر أنشطة متعددة بسيطة ومبتكرة ،الأمر الذي لم يكن في حسبان من ألفوا -من الآباء والأجداد - وصف هذا الجيل بكل جزم وقسوة ، أنه جيل مستهتر ، وجيل ضائع  وجيل لا فائدة تُرجى من ورائه ، وجيل متحلل من كل القيم والمبادئ ، وجيل مستخف بقيم وموروثات وثوابت المجتمع.

وبغض النظر عن موضوعية هذا الرأي ومصداقيته ضمن تراتبية الأجيال وأسبقيتها ، فإنه يبقى سلوكا لا يقتصر على جيل بعينه، بل هو ظاهرة إنسانية، لطالما كانت موجودة منذ آلاف السنين، وفي مختلف الحضارات والثقافات والمجتمعات، لكن يؤخذ عليه عملية التعميم الذي هو نهج خاطئ ، وحكم متسرع ومخالف للمنطق ، لأن جيل الشباب عبر العالم ، هو انعكاس للمجتمعات وحصاد لتربيتها، وسلوكياتها ، ما يفرض عليه إلا أن تكون خير قدوة لشبابها ، قبل أن يصبحوها هم بالنسبة لها ، كما فعل الشباب المغربي من خلال ما قدموه للمغاربة والعالم بكامله من قدوات بمناسبة هذه الفاجعة ، رغم أن جيل القدامى الذي لا يفوت أي فرصة  لانتقادهم بالمناسبة أو بدونها- كما قال الكاتب البريطاني مات ريدلي: "ربما لم يكن هناك جيل منذ العصر الحجري القديم حتى اليوم لم يتأسف على عجز الجيل التالي، ويقدس ذكرى الأيام الماضية"، رحم الله شهداء الزلزال ، وتحياتي الحارة للشباب المغربي.

***

حميد طولست

يعاني المجتمع من مشاكل خطيرة تهدد مستقبله! وتنذر بمخاطر قيمية كبيرة، نتيجة ارتفاع معدلات العنوسة، وازدياد حالات الطلاق، والعدد المهول للارامل، كل هذه الامور تشكل مناطق خطر نفسية واجتماعية، ولا تمثل حاليا حالات قليلة بل انها ارقام كبيرة جدا، وقد اوجد الدين الاسلامي الحل الامثل لكل هذه الحالات، من خلال فتح المجال للرجل بتعدد الزوجات، وحدد العدد بان لا يزيد عن الأربع في الزواج الدائمي، فتخيل معي حجم الإصلاح الاجتماعي لو تم تثقيف المجتمع على أمر تعدد الزوجات، وأن يتوفر دعم حكومي لمن يسهم في حل مشاكل العنوسة والمطلقات والارامل، لإنقاذ المجتمع من أخطار مستقبلية جسيمة.

لكن العقبة الأكبر التي تواجه هذا المسعى هو أنانية المرأة وتعجرفها، فهي ترفض تعدد الزوجات للرجل، بل يطالبن الناشطات المدنيات بتشريع قانون يمنع تعدد الزوجات، لأن في التعدد (حسب قولهن) إهانة للمرأة.

المطلقة التي ضاعت

سمعت بقصة فتاة تدعى مروة طلقها زوجها بسبب مشاكل مع اهله، فلم يجد إلا طلاق زوجته ليرتاح من اهم المشاكل اليومية، ومروة لم يتجاوز عمرها ال22 عاما، حاولت اولا العودة لكن اهل زوجها رفضوا ثم زوجوه بفتاة اخرى، فاغلق باب العودة لزوجها، ولان اغلب افكار المجتمع منحرفة عن العدل من قبيل ان المطلقة امراة سهلة المنال، اصبحت مروة تتعرض للمضايقات والتحرشات حتى من زملاء الوظيفة بل حتى من الاقارب! لانها انسانة ضعيفة ومكسورة خدعها احد الرجال بعنوان الحب لتسقط في بئر العلاقات غير المشروعة.

وبعد مرور سنوات عن غرقها في تلك العلاقات اصبحت امراة تعطي الحب مقابل المال، وتسعى لمن يدفع أكثر.

هكذا ضاعت مروة بسبب المجتمع، وعدم اتاحة الفرصة لها لزواج اخر يصلح حالها ويحافظ على كرامتها، وقصة مروة تتكرر كثيرا، وتمثل حالة خطيرة لا يجب إهمالها.

أرملة تستجدي

ام وليد توفي زوجها بسبب اصابته بمرض السرطان، وبسبب عسر حال العائلة، لم يستطع توفير العلاج له إلى أن مات وترك زوجته وطفلين، لم يكن زوجها موظفا كي تحصل على راتب تقاعدي يحفظ كرامتها، وبصعوبة حصلت على راتب الارامل من شبكة الرعاية لكنه مبلغ ضئيل جدا لا يكفي لعشرة ايام، حاولت الحصول على دعم من الأقارب لكن اغلبهم بنفس حالها المتعسر، والبعض الآخر فساومها على شرفها.                                                                 

وهي لا تملك شهادة لتعمل، ولا تعرف مهنة لتكسب منها قوت يومها، لذلك التجئت للتسول والاستجداء، حيث تغطي ملامح وجهها وتجلس في الشارع تستجدي المارة، التى أن تجمع ما يكفيها لشراء ما يحتاجه المطبخ فتعود لطفليها.

فانظر هنا يكون تعدد الزوجات حلا سحريا للارامل ينقذها من الورطة الكبيرة التي خلفها موت الزوج، مع حاجة المرأة الفطرية لوجود الرجل في حياتها، لكن تأتي بعض النسوة العلمانيات والمدنيات اللواتي يحملن كمية كبيرة من الانانية ليرفعن شعار تحريم تعدد الزوجات، والمطالبة بقانون يمنع تعدد الزوجات مع عقوبات لمن يتزوج أكثر من واحدة في وقت واحد.

عانس مريضة نفسيا

أتذكر فتاة في حينا كان اسمها سعاد، فتاة هادئة من عائلة متوسطة الحال، كانت مثل باقي جيلها من الفتيات تتمنى الزواج وتكوين عائلة، لكن الدراسة جعلتها تعبر السن الاجتماعي المقرر للزواج! فعندما عبرت الثلاثين عاما اصبحت تلقب بالعانس، كانت هذه الكلمة ترعبها، كانها اصبحت لا قيمة لها، وانعزلت عن المجتمع كي لا تسمع تلك الكلمات الجارحة، وتشاجرت ذات مرة مع احدى قريباتها التي وصفتها (بالعانس التي لا قيمة لها).

وحصلت انفراجة في حياتها حيث تقدم ابن عمها المتزوج لخطبتها، لكن زوجته هددت بحرق نفسها ان تزوج عليها! فانتهى الحلم وعادت الى الانزواء والابتعاد، بل اصبحت تكلم نفسها، هي الان حبيسة البيت، لا تقابل أحدا، ولا تكلم احد، ويصفها اقاربها بالمعقدة نفسيا او المجنونة، وقد عبرت الاربعين سنة من العمر.

الطفل اليتيم والاعتداءات

ماجد توفي أبوه وهو في السادسة من العمر، وبعد وفاة والده بسنتين تقدم لامه عريس لكن اهلها رفضوا قائلين عيب انت عندك اطفال ربيهم افضل من البحث عن عريس! كان ماجد من دون سند، فالاب هو ملاذ حقيقي للطفل، لذلك كان يوميا يعود للبيت وهو يتألم من الضرب، حيث كان الاطفال تعتدي عليه لانه يتيم لا احد يدافع عنه، حتى كبر واصبح لصا منحرفا يفعل كل الموبقات، كل هذا حصل للطفل اليتيم لأنه فقد وجود شخص يكون مكان ابيه الراحل، ماجد لو تزوجت امه من رجل شريف ابن حلال لأهتم به ولتغير مسار حياته، لكن اهل ام ماجد وقفوا ضد زواجها مما أنتج الابن اللص المنحرف.

فتصور معي كيف يكون الزواج حلا سحريا للأرامل لانقاذ الاطفال من الضياع وحفظ كرامة العائلة، بشرط ان تتزوج رجل شريف غيور يخاف الله عز وجل، وتخيل معي حجم انحراف من ينادون بمنع تعدد الزوجات ناظرين إليه فقط باب لممارسة الجنس، مع انه يمثل حلول اجتماعية ونفسية وتربوية كبيرة جدا

اخيرا:

نحتاج لتثقيف المجتمع الى اهمية تعدد الزوجات، وليس في الامر اي اهانة للمرأة بل هو الحل الوحيد لاصلاح المجتمع وإنقاذه من الضياع، وعلى المرأة أن تترك انانيتها التي تقودها للوقوف بوجه الدين والقرآن والشريعة السماوية، فقط لانها أنانية، بل ثبت بالإحصائيات ان الرجل الذي لا يتزوج امراة ثانية في الغالب يصبح اما خائنا، او روتيني غير متجدد حتى يموت الحب مع زوجته، واغلب قصص الطلاق تتحدث عن برود العلاقة بين الزوجين، فالرجل الذي يتزوج امرأتين يصبح اكثر شبابا و رجولة و تشبثا بالحياة، والمرأة عندما يكون لها ضرة تصبح تبحث عن تنافس وتهتم كثيرا بنفسها وبزوجها، وتحاول ان تكون اكثر جاذبية من الاخرى، وهذا مكسب مهم لتعدد الزوجات حيث الزوج يصبح أكثر مهتما بالحياة، والنساء أصبحن يبحثن عن التجديد والاهتمام .

***

 

الكاتب: اسعد عبدالله عبد علي

مرة أخرى يعود اللاعب الرئيسي في الملعب، ليتحكم بالحركة الاقتصادية للعراق وتعود واشنطن لتفرض نفسها هي (الكابتن) وتقود المباراة، خصوصاً وان الشعب يعلم جيداً، من يقود هذه اللعبة ويتحكم بأشواط المباراة..

مرة نراها راضٍية عن الأداء الحكومي، وطريقة تعاطيها الاقتصادي مع البنك الفيدرالي الأمريكي، أو مع متطلبات البنك الدولي، واخرى نراه يخرج لنا بضوابط جديدة، لتحكم حركة الدولار وتعلن عن ضوابط عقابية جديدة، لمصارف أهلية عراقية، تخالف عمليات البيع والشراء، في السوق المحلية للعملة.

الذريعة التي مازالت واشنطن متمسكة بها، هي أن العراق غير ملتزم بالضوابط، التي وضعها البنك الفيدرالي، في الحد من تهريب الدولار الى الخارج، وخصوصاً إيران الخاضعة لعقوبات أمريكية شديدة، وتعتقد ان بغداد لا زالت لم تعمل ما هو مطلوب منها، في إيقاف التهريب للعملة سواءً من أقليم كردستان او منافذ اخرى، ترتبط بالجارة إيران .

العراق من جهته، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها حكومة السوداني، في منع تهريب الدولار إلى الخارج وملاحقة التجار والمهربين، ومسك السوق الداخلية، والتأكيد على استخدام الدينار بدل الدولار، في التعاملات التجارية اليومية إلا ان هذه الجهود مازالت قاصرة، في كبح جماح هذا التهريب لذلك سعى لإيجاد خطط بديلة من خلال التعامل بعملة أخرى غير الدولار، من أجل تخفيف الطلب عليه وفتح المجال للتداول بعملات أخرى وتقديم الدعم لتمويل التعامل الخارجي للبلد، باستخدام عملات مثل (اليورو، اليوان الصيني، الدرهم الإماراتي).

بالرغم من كل الإجراءات، التي يقوم بها البنك المركزي العراقي إلا انه مازال يفتقر الى آلية التحكم بحركة الدولار في السوق، وجميع خطواته الاصلاحية فشلت، في السيطرة على سعر الصرف، ولم تؤدي إلا الى تفاقم الازمة، و تراجع الثقة بين العراق والبنك الدولي ما دعا الأخير ليقوم بخطوات تصعيدية وصارمة، تجاه طلبات المعاملات الدولية الواردة من العراق حيث تم رفض كثير منها، بحجة عدم مطابقتها مع معايير التعامل الاقتصادي الدولي بالإضافة الى إدراج عدد من المصارف في القائمة السوداء، والتي يشتبه بقيامها بتعاملات نقدية غير مرخصة.

السياسة النقدية الخاطئة، التي يمارسها البنك المركزي العراقي، من شأنها أن تعكس الواقع المالي السلبي وبدائية الجهاز المالي وفقره لأبسط الوسائل الحديثة في التعامل المالي اليومي بالإضافة الى سيطرة مافيات الجريمة، على السوق العراقية الداخلية، وتحكمها بحركة الدولار في داخل السوق كما أن الحكومة الحالية تخطط للسيطرة على الدولار، في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية، وترصين وتثبيت قيمة الدينار، عبر توسيع نطاق استخداماته التجارية، إضافة إلى منع تهريب الدولار إلى الخارج، أو تخزينه أو تلاعب بأسعاره..

‏الجانب الإيجابي هو محاولة إبعاد تأثير الدولار على السوق العراقية الداخلية، ومنع تداوله في محاولة لإعادة هيبة الدينار، وأن يكون هو المسيطر على السوق الداخلية على الأقل، ما يعني أن هناك فرصة مهمة لإعادة هيبة الدينار، كسابق عهده و اقتصار الدولار على التعاملات الخارجية مع العالم، كما أن الإيجابي في هذه القرارات، هو ان دعم الدينار سينهي سيطرة التجار على السوق الداخلية، والتلاعب بمقدرات وأرزاق المواطن البسيط.

العراق يتطلع للانضمام إلى كتلة البريكس، في خطوة لإنهاء الاعتماد على الدولار الأمريكي خصوصا وأن هناك مقبولية لدى المواطن، بالاعتماد على الدينار العراقي في تعاملاته ومن المؤمل أن تعقد قمة بريكس اجتماعها في كيب تاون بجنوب أفريقيا في آب 2023، وقدمت 19 طلباً رسمياً للانضمام للتحالف ما قد يؤدي إلى الإضرار بقيمة الدولار وآفاقه المستقبلية أمام قوة عملة البريكس، التي أشر عنها وإن لم يتم إصدارها بعد،  لكنها تدق ناقوس الموت السريري للدولار الأمريكي.

***

محمد حسن الساعدي

خلال حياتنا اليومية نواجه العديد من المنغصّات الاجتماعية والسياسية التي تفسد علينا متعة الفوز بلحظات هانئة بعيدة عن كل ما هو ثقيل يعكّر المزاج  ويزيد من التوتر النفسي الناتج عن ضغوطات العمل ومتطلبات العيش وكوارث الطبقة السياسية، ومن بين هذه المفسدات هو تواجد الثقلاء في مجالسنا، فقد كشفت تجارب الحياة الاجتماعية ان المجالسة تطيب بخفة الجلساء، فكم من المجالس الممتعة دخل عليها ثقيل فأفسدها بتفاهة حديثه وتطفله وسذاجته، فالثقلاء لا يفسدون المجالس فحسب انما ايضا يسقمون الروح فقد قيل للأمام والفقيه "الشعبي " هل تمرض الروح ؟ قال: نعم من ظل الثقلاء، والثقلاء هم فئة من الناس الذين لا تطاق معاشرتهم لأنهم يفتقدون الى الكياسة والتهذيب وسوء التعامل مع الاخر وكذلك اصحاب المشاعر المتحجرة، وبسبب هذه الخصال التي فيها الكثير من الغث صارت هذه الفئة هدفا للذم والتحذير من مصاحبتهم والجلوس اليهم لما في سلوكهم من ذمامة غير محببة في المجالس والصداقات، وقد ترددت شكوى الشعراء والأدباء من الثقلاء فوصفوهم بأسوأ الأوصاف حتى ان الشاعر احمد  شوقي كان شديد الدقة في تصوير الكره للثقيل في قوله:

سقط الثقيل من السفينة في الدجى

فبكى عليه رفاقه وترحموا

حتى اذا طلع الصباح أتت به

نحو السفينة موجة تتقدم

قالت خذوه كما أتاني سالما

لم أبتلعه لأنه لا يهضم !

والأشعار في الثقلاء كثيرة وفي كتب الآداب مشهورة، فقد كتب العلماء والأدباء الكثير عن اخبار الثقلاء والتحذير من مخالطتهم حيث  تصدر اسم الثقلاء عناوين كثيرة من الكتب، كما تزاحمت الشعراء والأدباء على ذكرهم وكانت كلها تتضمن ذمهم وتدعو الى تجنب مؤانستهم ووصفهم بـأنهم ( أثقل من ثهلان ) وهو جبل ضخم من نجد وكان أكثرهم رأفة بالثقيل من وصفه بأقل من جبل ثهلان وذلك في بيت الشعر الشهير:

أنت يا هذا ثقيل وثقيل وثقيل

أنت في المظهر إنسان وفي الميزان فيل

وخصلة سيئة اخرى يمتاز بها الثقيل هي الفضول والسؤال عما لا يعنيه  ومن الحكايات الشهيرة عنها، هي: ان احدهم سأل الشاعر بشار بن برد ــ وكان أعمى ــ ما أذهب الله كريمتي مؤمن الاّ وعوضه الله خيرا منهما، فيم عوضك ؟ قال بشار: بعدم رؤية الثقلاء من أمثالك .

كما كتبوا في بلاهتهم وعدم احساسهم بالحرج من سوء افعالهم فقد قيل  ان صديقا زارَ أخا له، فمكثَ عندهُ شهرًا كاملًا، فقال صاحبُ الدار: ألا تظنّ أن عائلتك قد اشتاقتْ إليك؟ قال: أعرف ذلك، وقد كتبتُ لهم أن يقدموا إليَّ هنا.

هذا بورنريه غير مكتمل  لصورة الثقلاء فهو غيض من فيض مما وصف وقيل فيهم .

***

ثامر الحاج امين

كان صديقي دائما يقول لي: عندما أتقاعد أتفرغ لتحقيق بعض أحلامي المؤجلة وأكون حرا طليقا، أستمتع بوقتي وابتعد عن ضغوط العمل، بعد أن تقاعد من وظيفته منذ سنوات مازال صديقي قلقا، لم يحقق شيئا من احلامه بل صار مستغلا من الأسرة بحكم فراغه فهو يأخذ الأحفاد إلى المدرسة ويرجعهم إلى البيت بعد نهاية الدوام وهكذا غرق في دوامة الأسرة، كان ينتظر السعادة ففرت منه ...

لهذا السعادة رحلة نعيشها كل لحظة نستمتع بما نملكه من صحة وعافية وبيت وأسرة وووظيفة حتى ولوكان مرتبها قليلا فهي أحسن من البطالة والفراغ..

السعادة تشع من الداخل، فلا تبحث عنها خارج ذاتك، صحيح أن الإنسان بحاجة إلى الماديات ولكنها إكسسورات الحياة ليست هي الجوهر، إن كنت تفتقد إلى الهدف والغاية من حياتك فلن تستمتع بما تملكه من سكن واسع وسيارة فارهة وأسرة مستقرة..

السعادة الحقيقية أن نقدر قيمة ما تملك : أنت لا تعرف قيمة الصحة إلا إذا فقدتها وأنفقت المال الكثير على الأطباء طمعا في الشفاء ..

فأنت الآن صحيح معافى فاحمد الله، أنت ملك متوج وحتى لو تناولت كسرة يابسة وكأس ماء..

وقد صدق فردريك كيونغ عندما قال : ل"قد نسينا بأن السعادة ليست الحصول على ما لا نملك بل هي أن نفهم وندرك قيمة ما نملك".

السعادة أن تمتلك وطنا آمنا مستقرا فكم من أوطان دمرتها الحروب والصراعات فإن كنت آمنا في بيتك وفي حيك وفي وطنك ومعافى في بدنك وعندك قوت يومك فأنت قد  ملكت الدنيا من كل نواحيها وجوانبها وقد صدق حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال :

 «مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سربِهِ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا».

لا تنتظر أن تتوفر لك الظروف المناسبة لتسعد فالظروف لن تتغير والمسؤوليات تزداد مع الأيام فالحل هو أن تعيش لحظتك الراهنة مستيقظا واعيا بالأحداث التي تحيط بك لا تفتح أدراج الماضي ولا المستقبل، أنت تملك حاضرك فأنجز فيه وأبدع وافرح واسعد وانظر إلى السماء الصافية وقل الحمد لله ..

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية

 شدري معمر علي

تعلمنا في صغرنا أن في العجلة الندامة وفي التأني السلامة، ولم يفت هذا شاعرنا الذي قال:

إذا كنت ذا رأي فكن ذا روية

فان فساد الرأي أن تستعجلا

ولم يبخل آخر في نصحه وارشاده لنا حين أنشد:

قد يدرك المتأني بعض حاجته

وقد يكون مع المستعجل الزلل

ولنا في أمثالنا العراقية الشعبية ما تنوء به أسفار التأريخ في جميع أمور حياتنا اليومية كمثلنا القائل: (اللي تهدّه ما عثر).

بعد هذه الديباجة عن التؤدة والروية في أعمالنا، سأعرج على ركن هام جدا من أركان بلادنا، ركن يسيء استخدام التأني أيما إساءة، ذاك الركن هو مجلسنا التشريعي، إذ ما يثير التساؤلات والعجب هو تماديه في التأني والروية، باقرار قوانين لها من المنتظرين ملايين من أبناء هذا البلد، ممن تأملوا الخير في التغيير الذي آل اليه العراق قبل عشرين عاما، ومعلوم أن التغيير يكون ذا فائدة مجدية إن كان تغييرا من السيئ الى الجيد، أو من الجيد الى الأجود، فهل أعقب تغيير عام 2003 حصول حالة إيجابية تستحق الإشارة اليها؟ وهل انتقل وضع البلاد من سيئ الى جيد، وكذاك وضع العراقيين، هل ناله التغيير من رديء الى حسن بعد ذاك العام؟.

لا أظن أحدا يقر بأن شيئا إيجابيا قد حصل في العراق منذ عقدين، سواء ممن عايشوا مآسي البلاد إبّانها، أم ممن تطلعوا على مجريات أحداثها خارج نطاق تأثيرها، فما حدث -ومازال يحدث- بعد التغيير الذي حصل في العراق، لا يختلف عما كان يحصل قبله، وإن كان ثمة اختلاف، فالدلائل والقرائن تشير كلها الى النكوص والتدني والفشل والتقهقر، في كل مفاصل البلاد دون استثناء، وقد انطبق على العراقيين المثل القائل: (يخلص من الطاوة تتلكاه النار) أو المثل الآخر -والأمثال كثر- (بدلنا عليوي بعلاوي).

فلطالما رفع مجلس نوابنا جلسته الى إشعار غير مسمى، واللافت أن محاور اجتماعاته تدور في فلك بعيد عن مصالح المواطن، وما يعانيه من تداعيات إخفاق ساسته ومسؤوليه في جوانب البلد كافة، كما أن ديدنه في بطء أعماله الشديد، مازال السمة الغالبة بأدائه، ومن غير المعقول السير السلحفاتي في اجتماعاته بين رفع قرار وتشريعه وتنفيذه، وكأن العملية برمتها قضاء وقت وتمشية أعمال، ومن غير المقبول واللائق بمسؤولين وضع الشعب فيهم ثقته وأمله، ان يجازوه بالخذلان، فهم بهذا يضحكون على الذقون، ويتسببون بتأخير مرافق البلد ومفاصله، ويباعدون الفجوة بين المواطن وحكومته، لاسيما ان هناك من يتربص ويتحين الفرص من أجل تمرير أجندات مبيتة، منها داخلية وأخريات خارجية، هدفها النيل من العراق والسعي في إبقائه في واد ناء عن باقي الأمم، وهذا من المؤكد لايخدم أي عراقي شريف. فالقول أن عجلة البلاد توقفت يعني أن كل من يدعي عراقيته وانتماءه للعراق، تكون قد توقفت مصلحته وتأخرت مسيرة حياته، وبذا يكون حريا بالجميع وأولهم قادة البلد الحفاظ على العجلة سائرة بأمان، محفوفة بحماية الجميع من عبث الأغراب بدواليبها، ليضمنوا سيرها بالاتجاه الصحيح تحت رعايتهم المباشرة وغير المباشرة، ومن الطبيعي أن سرعة السير يجب ان لاتأتي على حساب سلامة الوصول، كما أن القول؛ (سيري وعين الله ترعاك) ليس كافيا من دون فعل حقيقي ملموس على أرض الواقع، يبعد الشر ويدرأ الأخطار عن مسيرتها. أما لو افترضنا ان بعض أصحاب القرار ينطبق عليهم المثل الشعبي العراقي القائل: (تكيف البزون بعمى أهلها) فهنا يأخذ المقام مقالا آخر، إذ يتوجب على الـ (بزون) أن (تحسبها زين) وبغير الحساب الصحيح والذي يفضي الى نتائح سليمة، ستتعرض الـ (بزون) لشتى أساليب المنع، وستواجه كل سبل الاعتراض، اولها الضرب بالحجارة وثانيها بالـ (مداس) لينعم أهلها بحياة حرة تليق بالقيمة العليا للإنسان.

***

علي علي

تشهد محافظاتنا العزيزة حراكا انتخابيا لآختيارالمرشحين لمجالس المحافظات، ومع ثقتـناان الانتخابات الحقيقية والناجحة هي تلك التي تسير بموجب ضوابط قانونية ومخرجات ثقافة سياسية تعد تكريسا حقيقيا لأعلى مستويات الوعي كما أنها تمثل تطبيقا لأحد أنماط حرية التعبيرعن الرأي في البلدان المتقدمة، ونحن بصراحة لا نرقى، ولا نمتلك فرصا للتنمية البشرية سياسيا واجتماعيا واننا مازلنا نتخبط احيانا بين مفهوم المواطنة والحرية والالتزام الذاتي، ونتساءل هل نجح الناخبون في اختيار ممثليهم الحقيقيين، الأقرب للتعبير عن مطالبهم وأفكارهم وتطلعاتهم وأمانيهم، الذين سيكملون فريق السلطة في مباريات النصر والإنجازات التي لا تتوقف عند زمن ولا حدود جغرافية معينة داخل الوطن الحبيب، أم أنهم سيختارون نقيضهم على طول الخط، الذين نجحوا بطريقة أو بأخرى في الحصول على أصواتهم، خداعاً والتستر وراء الحقائق قد تكون، أو بلطجة وإتاوة وإرغاماً على الخضوع

الانتخابات تكون عرساً ديمقراطياً إذا كان الناخب على درجة عالية من الوعي، يعرف الرجل الأنسب لمهمة أن يكون نائباً عنه أمام السلطة التنفيذية، يشارك في وضع القوانين، ويكون رقيباً قريباً على تنفيذ سياساتها المعلنة، وبغير ذلك فإنه يختار شخصاً كيفما كان الحال، من دون التدقيق على أهليته للمهمة الوطنية المكلف بها، وهل هو قادر على أدائها باقتدار، أم أنه ليس له باع في اللعبة السياسية والبرلمانية، وبحاجة إلى مزيد من دروس الحياة، بمعنى أنه لم ينضج بعد.. المرشح، بداية يجب أن يكون وطنياً حتى النخاع في كل شيء، له ارتباط بتراب الوطن، ويحب شعبه وقيادته المخلصة لهذا الشعب، ولديه استعدادات للبذل والعطاء والتضحية بالروح إذا طلبها الوطن في معركة مصيرية يعيشها، كانت سياسية أو بنائية سيان، فكلها معارك يخوضها الوطن من أجل أن يعيش معطاء لأبنائه، مرفوع الرأس فخوراً بهم، وهو هنا يستحق أن نلبي كل نداء له، فلا قيمة لإنسان خارج حدود وطنه، وبالانسلاخ عنه ونكران هويته.والمطلوب من الناخب أن يستنهض وطنيته، وحسه الوطني، ويختار ممثله عن معرفة مسبقة، ويكون متأكداً أنه سيكون خير ممثل له أمام الحكومة، يسعى إلى جانبها لتحقيق مصالح الوطن والشعب الواحدة التي لن تفترق في هذه الحالة إذا أحسنّا الاختيار من أجل تحقيق المصلحة العامة للناخب والمرشح ولمن لم يحالفه الحظ ويشترك في العرس الديمقراطي الكبير

نعم لا زلنا للأسف نتفاعل مع الناخب بمبادىءبعيدة عن ثقافة المواطنة والحرية، ويتبع المرشح سلوكيات مادية ضعيفة لاستغلال حاجات بشرية منتهكا بذلك رشد الناخب وثقافته وتفكيره، مغتصبا لحق شرعي من ثقافة الانتماء لهذا الوطن، وسالبا اياه حقوقه الوطنية، وبالمقابل مطلوب من الناخب الابتعاد عن التوجه الطائفي والعنصري والعشائري، ورفض(العبوديات) تحت هذه التسميات واعتماد الخلق والكفاءة والنزاهة وارادة العمل لمصالح الاخرين، وان يمتلك الناخب ثقافة الاختيار، واستخدام وعيه الحقيقي في تمييزه للمرشحين، وعلينا ان نرتقي كي نلفظ سلبيات الماضي ونحقق عيشا كريما، وان نحقق مجتمعا افضل، ونكرس مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب، علينا اختيار المرشحين الاقوياء واستبعاد المرشحين الفاشلين والضعفاء، وتجنب منح الصوت لمن لا يستحقون، نريد مرشحون يفهمون القانون ويحترمونه، نريد مرشحون زادهم التقوى والانسانية كما نرفض مبدأ مقاطعة الانتخابات او عدم المساهمة فيها، فالاحتكام لثقافة التغيير هو المفتاح الصائب لغد افضل.

الوطن فوق الجميع، تماماً كما هم شهداؤه تيجان فوق الرؤوس.

***

نهاد الحديثي

الدولة الوطنية في العراق، اذا ما اريد لها ان تكون مستقرة وموحدة ذات مؤسسات قوية تقوم على تحقيق العدالة والتنمية والعيش الكريم للمواطنين وتحمي الوطن واستقلاله وتنشد السلام، تعتمد على التعاون المتكافئ مع الدول الاقليمية والعالم والقوى السياسيّة في الداخل، عليها ان تضع برنامجا ينال ثقة الحراك الشعبيّ ويؤطِّر أهدافه بالعمل لا بالشعارات ويطرح سبيلا عمليّا لتحقيق الطموحات المنشودة، ولكن بالتوازى مع صون الدولة والمجتمع وقوتهما ومع وعى الترابط الوثيق بين ما هو داخليّ وخارجيّ، كى لا تسقط عبر انهيار الدولة فى الانشغال في الحروب الداخلية أو بالوكالة وفى الاحتلالات الأجنبيّة. إنّ جوهر الصراع دوما وأبدا ذو طبيعة سياسيّة ويبقى رهانه حول الدولة كمؤسّسة بعيدة عن السياسة.

الدولة المدنية تتيح الفرصة للمواطنين من أجل التعبير عن مخاوف ابناء الشعب حيال القضايا التي تؤثر في حياتهم اليومية∙ وتتيح الفرصة للمسؤولين ان يكون قريباً من المجتمع كي يعرف الحقائق من خلال إشراك المواطنين في ايجاد الحلول الملائمة لتلك القضايا يدا بيد؛ وحتى لا تتسم بالعنف من الناحية السياسية، فهي تمارس العطف والمحبة بدرجة اكبر ضد القوة في كبح حريتهم، 'ان الدولة الوطنية الحديثة لا تتحقق بمجرد اكتمال مدوَّنتها الدستورية، حتى وإن حازت تلك المدوّنة كشرطٍ أساس على موافقة الشعب أو أغلبية الشعب فحسب، وإنما تتحقق بحركية وآلية عمل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني التي تعطي لهذه المدوّنة روحاً ومعنى، وتجعلها قابلة للتطوير والتحديث مع كل مكتسب تحقِّقه هذه الحركية في مجال منظومة حقوق الإنسان او في اي مادة منه حسب تطور الزمن حتى لا يكون جامدا وتخلق وسعة في بناء الثقة بين المؤسسات والجماهي'.

لبناء العلاقة والتودد مع حفظ المطالب وهناك خطوات مهمة يجب العمل عليها هي، الأولى بناء الثقة بين النخب السياسية والعاملين في الحقل السياسي والأحزاب والقيادات السياسية لان الثقة بينهم تبنى بمرحلتين : الأولى بين النخب السياسية والعاملين في الحقل السياسي والأحزاب والقيادات السياسية، والجانب الآخر على مستوى المواطنين،  الحوار يدور بين النخب وممثلي التيارات السياسية والمثقفين والباحثين والقادة، وبناء الثقة لا يأتي بالكلام والوعظ والإرشاد، وإنما بالإجراءات وتمثل ذلك في عدم الإقصاء.

أما الثاني: بناء الثقة على المستوى الجماهيري والشعبي، والأحزاب والقوى السياسية والمنظمات لعقد اجتماعات جماهيرية وشعبية لمناقشة القضايا بكل صفاء كل فيما يخصه، وإرسال وجهة نظره مكتوبة وتشرف عليها هيئة قيادية محايدة ومقبولة مشكلة لتقريب وجهات النظر وأن يكون الهدف من الحوار هو تحريك حالة الحوار الجامدة في المجتمع، وأن يشعر المواطنون بحقهم المشروع في التعبير عن رأيهم الذي يحميه القانون وتحميه الدولة التي من واجبها أن تستفيد من كل الآراء سواء فيما يتعلق بتشريعات أو اقتراحات أو سياسات جديدة إذا ما كانت تستعد للعمل بمنظور البناء الجدي.

وإذا كانت الدول قد نجحت نسبياً في رسم الخطوة الأولى في بناء الدولة الوطنية الحديثة، وتحقيق المشاركة السياسية الديمقراطية، وصياغة دساتير متقدِّم بمشاركة التيارات والاحزاب المتواجد بفعل الخصوصيات لها بالتمثيل النسبي و في استقلال المؤسسات التابعة لها وخاصة المؤسسة العسكرية، للحاجة المهمة لسلطة الامن ومن ثم، توفُّر أرضية لعمل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات المدنية من اتحادات ونقابات ومنظَّمات  خارج هيمنة السلطة المطلقة وتحويلها الى مشرفة من اجل دعمها والتي قد تكون قد اصطدمت بواقعٍ معاندٍ للتغيير بفعل ثقل إرث الاستبداد الطويل، وضمور الثقافة السياسية الديمقراطية في مجتمعات مهشّمة ومهمّشة، ومتعددة الطوائف والمذاهب والإثنيات من جهة، وهيمنة السلطة المستبِدَّة، وتغوّل أجهزتها الأمنية على كافّة مؤسسات الدولة والمجتمع وثرواتها، وخاصة المؤسسة العسكرية من جهة ثانية، وساحة سياسية فارغة إلا من أحزاب السلط وتنظيمات وحركات هامشية معينة و استثمرتها هذه الانظمة في مواجهة جميع القوى السياسية الوطنية و دون الاعتراف الرسمي بها أو بشرعيتها السياسية من جهة ثالثة، وبالعامل الخارجي الإقليمي والدولي المتوجّس من التغيّر وسرعة امتداده في الدولة للخوف من خروجه عن السيطرة بغضّ النظر عن مدى قبوله أو رفضه من قبل الاطراف كمؤسسات او قواعد شعبية.

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

بعد عشرين عاماً على تجربتنا الديمقراطية الرائدة التي أدهشت القاصي والداني، وجعلت دولة مثل اليابان تتمنى أن تنقل هذه التجربة المثيرة، بعد كل هذه السنوات يشعر المواطن العراقي أن لا أمل في أن تعتذر الطبقة السياسية عن الخراب الذي أشاعته في البلاد، هذه الطبقة، بكل أحزابها ومستقليها ومدعي الليبرالية والمدنية تحولت إلى وحش يتصارع على السلطة والمال، أما مصالح الناس ومصير البلاد، فهذا أمر خارج اختصاصها.

في الانتخابات الأخيرة كانت الناس تتأمل خيراً بالنواب المستقلين، وكنا نراقب الوعود التي أطلقها هؤلاء النواب وهم يصرخون من على الفضائيات "لا تحزب ولا طائفية"، بل أن البعض راهن عليهم، لكن للأسف اكتشفت الناس أن شعارات محاربة الفساد، والقضاء على المحاصصة، ودولة المؤسسات والرفاهية، تحولت كلها إلى صفقات وجلسات سمر واستبدل التكتك بسيارات رباعية وحمايات، وممارسة حالة من النصب السياسي العلني، ليكتشف المواطن أنه تورط في كذبة اسمها المستقلون، لأن السادة النواب حولوا شعاراتهم إلى أرباح وعوائد وفوائد، وستفاجأ عزيزي القارئ بأن ما صرف على نوابنا المستقلين خلال الدورة الحالية يمكن له أن يبني أكبر مجمع سكني لعشرات العوائل يسكنون في بيوت من التنك وكان هذا أعز وأبقى عند الله والوطن من تقلبات النواب المستقلين.

للأسف بعد عشرين عاماً من الهوان، لم يعد ثمّة من يجادل في أن للبرلمان طريق مفروش بالامتيازات والصفقات، وللناس المغلوبين على أمرهم طرق مليئة بالغبار وعجاج الفضائيات .

منذ أيام والجميع يتحدث عن مشاريع التغيير والإصلاح، ويحذروننا من "الانسداد"، وغضب السماء على هذا الشعب الذي يتبطر على نعمة الديمقراطية، لكن المواطن المبتلي بقوانين العشائر، وغياب العدالة يعرف جيداً أن ما يقال على الفضائيات لا يعدو كونه مجرد كلام، الذي أعرفه خلال عشرين عاماً عشناها مع الخراب، أن القضية لم تعد مجرد تغيير وإصلاح وأضيف لها انسداد، بل إنقاذ العراق، وقد أعطيت نفسي أكثر من فرصة أتفاءل فيها بما سيفعله النواب المستقلون، وكنتُ مراهناً نفسي على أنّهم سيعيدون للبرلمان مكانته التي يجب أن يأخذها، ويبدو أنّ المتشائم انتصر في النهاية وخسرت الرهان، مثل كلّ مرة أراهن فيها على مسؤول عراقي، وفي هذه الزاوية المتواضعة كنتُ بين الحين والآخر أُصدّع رؤوس القرّاء، بحديث عن رجال دولة تاريخيين، استطاعوا أن يصمدوا بوجه المغريات، فخلّدهم التاريخ بأن أبعد عنهم غبار النسيان.

شيء مؤسف أن لا يكون لدى الكاتب ما يكتبه للقرّاء سوى التشاؤم والسخرية من الأمل، ولكنني سأترك "المتشائل" جانباً وأتمنى على الذين اكتشفوا أن هذا الشعب مذنب وكافر ويجب أن يعاقب بالعجاج، أن يسعوا جادين لإفساح المجال لتكنوقراط بوزن ابو علي الشيباني ليأخذ مكانه في البرلمان إلى جانب حنان الفتلاوي .

يقدم لنا العالم نماذج لسياسيين لم يبحثوا عن التوازن الطائفي، فيما نحن لا نزال نعيش في عصر "تقلبات" النواب المستقلين، فعين على الإطار وأخرى على التيار، وعين على من يحقق الربح الأكبر.

***

علي حسين

في لبنان فقط، إذا التقى زعيمان يبث الخبر كما يلتقي رؤساء الدول.

في لبنان فقط، إذا زار زعيم سياسي او روحي منطقة معينة تغطى الزيارة كانها زيارة من دولة الى أخرى.

في لبنان فقط، إذا تصادمت سيارتان يهتز البلد امنياً.

في لبنان فقط، يمنع الجمهور من حضور المباريات الرياضية حفاظاً على السلم الاهلي.

في لبنان فقط، موقفك السياسي لا يعتد به إذا كنت خارج الاصطفاف الطائفي.

في لبنان فقط، انت طائفي ومذهبي بغض النظر عن إيمانك الانساني والوطني والديني.

في لبنان فقط، يرفع شعار العيش المشترك على حساب الواقع المعاش النفاق المشترك.

في لبنان فقط، الكل يرفع شعار بناء الدولة "الديمقراطية" ويصاب البلد بالشلل السياسي إذا جاء رئيس حزب او تيار من خارج العائلات المالكة الحصرية للاحزاب والتيارات.

في لبنان فقط، يقذفون السياسيين باقذع الألفاظ والشتائم ووقت الانتخابات يعيدون انتخابهم.

في لبنان فقط، الإعلام يحرض الناس على بعضها البعض وكأن المؤسسات "الاعلامية " مملوكه من دول متحاربة.

في لبنان فقط، التحريض في اماكن العبادة تحت شعار حقوق الطوائف والمذاهب.

في لبنان فقط، تسرق البنوك اموال الناس وتطالب بانصافها ممن سرقت اماناتهم.

في لبنان فقط، يهجرون الناس ويطلبون منهم مساعدة الوطن.

في لبنان فقط، عشرة أسعار للدولار.

في لبنان فقط، 400 الف عاملة اجنبية حتى تتفرغ النساء اللبنانيات للصبحية والارغيلة.

في لبنان فقط، تحكم الأعراف والكل حريص على الدستور نصاً وروحاً.

في لبنان فقط، يقولون بما في النصوص وما في النفوس.

في لبنان فقط، يعلمون أولادهم حتى يتأهلون للحصول على فيزا للسفر والعمل في الخارج.

في لبنان فقط، الرشوة جزء من الوظيفة العامة فوق الطاولة وعلى عينك يا تاجر.

في لبنان فقط، الفاسدون محميون من طوائفهم حفاظاً على سمعة الطائفة.

في لبنان فقط، لا يمكن محاكمة الفاسدين الا على قاعدة 6 و6 مكرر.

في لبنان فقط، يتغنون بجمال الطبيعة وتتراكم جبال القمامة في كل الزوايا والمحضيين يزيلون الجبال من أجل البحص والرمال.

في لبنان فقط، يوجد "خط عسكري" لمخالفة القوانين على الطرقات وداخل المؤسسات.

في لبنان فقط، توضع القوانين على مقاسات الزعامات والطوائف اما الوطن والدولة فهما نسياً منسيا.

في لبنان فقط، القضاء ملك الطوائف والمذاهب والعدل عدو الملك.

في لبنان فقط، لكل حل مشكلة نعم لكل حل المشكلة.

في لبنان فقط، الصح خطأ والخطأ صح كما تقتضي المصلحة.

في لبنان فقط، الخارج يتدخل بكل شاردة وواردة واللبنانيون يتغنون بالقرار السيادي الحر المستقل.

في لبنان فقط، يحدثونك عن محاسن التغيير في العلن وفي السر التغيير شر مطلق.

في لبنان فقط، ازدواجية المعايير هي الأساس.

في لبنان فقط، يقولون الطوائف نعمة والطائفية نقمة واللبنانيون يفضلون النقمة على النعمة.

في لبنان فقط، التبعية مقدمة على الكفاءة والخبرة والنزاهة.

في لبنان فقط، لا يوجد مفهوم واحد للبديهيات.

في لبنان فقط، وطن بجناحين ولا يستطيع التحليق.

في لبنان فقط، هناك لبنان مقيم ولبنان مغترب.

في لبنان فقط، تعيش كل التناقضات وتتناسل وتصبح مسلمات.

في لبنان فقط، كل مواطن محلل سياسي واللبنانيون خبراء بالاستراتجيات والبلد يسير من سيء الى أسوأ.

في لبنان فقط، لا يمكنك أن تحلم فهناك من يحلم عنك ومن اجلك، فلماذا وجع الرأس ولماذا الثرثرة واللت والعجن.

دام عزك ايها الوطن المعذب…

افتخر أنت لبناني.

***

عباس علي مراد - سدني / أستراليا

الكتابة ربما مرض قبل أن تكون موهبة، والمرض تغيّر الصحة وإضطرابها، ويعني زعزعة المزاج.

الذين يكتبون ولا يعانون من مرض الكتابة يتوهمون بأنهم يكتبون.

وكطبيب عندما أسأل نفسي لماذا أكتب؟

يكون جوابي: لإصابتي بمرض الكتابة!!

وإلا لماذا أكتب وأهدر الوقت متفاعلا مع السطور ولا أجني من وراء ذلك شيئا!!

نعم الكتابة مرض أعراضه إدمانية وعلاماته واضحة!!

زميلي يكتب يوميا، ويؤلف كتبا، ويهديني ما يطبعه منها، وعندما أسأله عن مصير كتبه، يجيبني: مكدسة في كراج البيت!!

ذات يوم قلت له: أنت مصاب بالإدمان على الكتابة، فكأنه إستيقظ من غفلته، وقال وقد إتسعت عيناه: صدقت هذا هو التفسير لما أقوم به، أكتب وأبذل المال لتنام كتبي في ظلمات الصناديق الكارتونية.

المصاب بمرض الكتابة، يكتب يوميا، ويعاني من أعراض إنسحابية إذا لم يكتب، وكأن الكتابة تداوي ما يعانيه.

والعجيب في الأمر، أن دماغ الكاتب يتبرمج على وقت معين يكون فيه جاهزا للكتابة، وتتوارد الأفكار وكأنها السيل المتدفق من علو، ولا يستطيع ردها، بل تتهاطل على السطور، وبآليات متناسبة مع إرادتها القاضية بالتعبير عن غاياتها.

سألت القلم لماذا يكتب، فقال لأني عبد مأمور، ومرهون بكفك الذي تديره عُصيبات الجنون الإبداعية الفاعلة في دماغك المأسورّ!!

إحترت في جوابه...

فمن المجنون حقا ..الكاتب أم المكتوب؟

وهل يوجد جنون؟

ولماذا قالوا أن الجنون فنون؟!!

***

د. صادق السامرائي

22\8\2023

لا يمرّ أسبوع من دون أن نقرأ أو نسمع عن سرقة القرن، وكيف أن الدولة مهتمة باستعادة الأموال التي نهبت في وضح النهار.. والأموال كما يعرف جنابكم الكريم تقترب من ثلاثة مليارات دولار، وفي كل مرة نسمع جعجعة ولا نرى طحناً على حد قول المرحوم شكسبير أو شيخ زبير كما كان يصر العلامة الراحل صفاء خلوصي.

فأبطال فضيحة سرقة القرن أحرار يتمتعون بما لديهم من أموال وقصور، فيما فضائياتنا تعج وتضج بأناشيد عن النزاهة ومحاسبة الفاسدين ومواقع التواصل الاجتماعي تعجّ ايضا بحكايات من كل شكل ولون ، فيما المواطن يسخر من نفسه وهو يرى ويسمع ان السراق يعيشون في بحبوحة .

في حكاية سرقة القرن استمعنا الى ما قاله السيد رئيس الوزراء في نيويورك من أن "بعض المتهمين بسرقة القرن موجودون في الولايات المتحدة ويحملون الجنسية الأمريكية والبريطانية، وننتظر مساعدة هذه الدول في استردادهم".

لعل أكثر ما يثير دهشة المواطن العراقي المسكين، هي الأخبار التي تناقلتها الوكالات عن إطلاق سراح نور زهير بطل السرقة، والتغاضي عن محاسبة النائب هيثم الجبوري الذي يعد أحد مهندسي هذه الجريمة، والأهم السماح للمسؤولين السابقين المتورطين بلفلفة أموال الضرائب بالسفر بشكل علني ومريح عن طريق مطار بغداد، بما لا يدع مجالاً للشك بأن هناك إرادة سياسية أقوى من الحكومة لا تريد لملف سرقة القرن أن يُفتح وتتناثر أوراقه وأسراره الخطيرة.

تكتفي الحكومة مشكورة بين الحين والآخر بأن تطمئن المواطن فتعرض له صوراً لأموال تمت استعادتها، فيما الواقع يقول إن ما أنعم به نور زهير على الحكومة لا يتجاوز خمسة بالمئة من الأموال التي هُربت إلى خارج االبلاد.

المثير في قضية "الحباب" نور زهير أننا اكتشفنا أن الرجل غني وصاحب شركات وعقارات ولا يحتاج إلى هذه الخردة البالغة ثلاثة مليارات دولار، وإذا كنت عزيزي القارئ لا تصدقني أحيلك إلى تصريح سابق لقاضي النزاهة الذي قال وبالحرف الواحد: "المتهم نور زهير لديه عقارات واستثمارات تفوق المبلغ الإجمالي للأموال المسروقة، ومن المستبعد هروبه خارج البلد بعد خروجه بكفالة مالية قياساً بحجم استثماراته وعقاراته".. فلماذا أيها الكويتب المشاغب تطالب بمحاسبة الملياردير نور، وتطارد المناضل هيثم الجبوري، وتسخر من نزاهة مثنى السامرائي، وتصر أن تقول للمدني حمد الموسوي من أين لك هذا؟، فهؤلاء جميعاً مواطنون صالحون، لم يتحايلوا على الدولة، والمليارات التي حصدوها جاءت من معامل وشركات ومصانع أقاموها خدمة للعراق.

إذن لماذا كل هذه المعاملة الشنيعة لرائدي الاقتصاد والصناعة نور زهير وهيثم الجبوري؟ لا بد أن وراء ذلك دوافع بغيضة ومنها الحسد، وأعوذ بالله من الحاسدين أمثالي.

.............

علي حسين

امتد مسار تحديث المجتمعات الأوروبية الغربية من القرن 16 إلى 19، أي دام أكثر من 3 قرون. هذا التحديث حقق فعلا التفوق الذي ترجم عمليا وجيوستراتيجيا إلى حركة إمبريالية عالمية، اعتمدت في مرحلة أولى المنطق العسكري بأسلحته المتطورة (الاستعمار)، ثم بعد ذلك تحول إلى غزو اقتصادي تحت شعار "العولمة والنظام العالمي الجديد". عرف المسار في شموليته منذ مطلع القرن الواحد والعشرين إشباعا تخللته أزمات مالية واقتصادية، وتمخضت عنه خيارات طرحت من جديد إشكالية القطبية في قيادة العالم. وقع عالم اليوم في منعطف طريف للغاية، وأجبرت الخبرة السياسية لدى القوى العالمية على تعميق التأمل والتفكير في تجديد مقومات الدبلوماسية، وبالتالي استخلاص الدروس والعبر لخدمة المستقبل تحت إكراه إجبارية تجنب الوقوع في حرب عالمية ثالثة.

في هذا السياق التاريخي الذي امتد لأكثر من 6 قرون دوليا و12 قرنا وطنيا، صمود الحضارة المغربية ترجم عبر محطات معلومة إلى معارك بارزة تاريخيا، توجت في نهاية المطاف بالحماية الفرنسية وتواجد اسباني شمالا وجنوبا. لم يخضع المغرب الأقصى للإمبراطورية العثمانية. التحديث في مسار هذه الدولة الحضارية لم يعرف انطلاقته الفعلية إلا ابتداء من منتصف الخمسينات من القرن العشرين. تراكمت المكاسب بسرعة فائقة. آمن المغاربة بحنكة وتبصر وحكمة الملكية المغربية. في ظرف لم يتجاوز 70 سنة، أصبحت للمملكة المغربية خصوصية ناعمة اعترف بها العالم بأسره. لقد برزت كونيا في العهد الجديد المقاصد الحقيقية ل"ثورة الملك والشعب".

فلنفتخر جميعا بوطننا الرائد شعبيا ومؤسساتيا في ظل العرش العلوي المجيد. فلنقل جميعا : فداك روحي وأمي وأبي يا مغرب الأبرار.. البصمة المغربية نُحِتَتْ باستحقاق في سجل التاريخ البشري زمن العولمة والشمولية والتكنولوجيات الحديثة..

نظرا لمنطق التحولات وحجم المكتسبات المتراكمة، الكل يتحدث اليوم أن المغرب دخل مرحلة المرور إلى الجودة في الإنتاج في كل القطاعات.. السياسات العمومية انتصرت على ثقل التعودات المعرقلة للنماء، وقيادة التغيير تتم بحكمة وتبصر...  استراتيجية إحداث التحولات الضرورية ببلادنا تحمل بواعث الثقة في المستقبل.. أكدت التطورات تحت القيادة السامية للملك محمد السادس نصره الله أن المملكة المغربية لا تحتاج إلى قرون، كما حدث غربيا، للمرور إلى المراحل الأكثر تقدما. إنه سحر التنوع الحضاري بمكوناته الأمازيغية والحسانية والعربية ... الذي مكن المغرب الأقصى من إبراز خصوصيته الحضارية في منطقة عربية شاسعة تمتد من المحيط إلى الخليج. إنها خصوصية انتصرت ثقافيا للتسامح والتعايش والتعاون مع الآخر السلمي كيف ما كان انتماؤه القطري عالميا.

ولنختم هذا المقال بالقول أن في التصريح الأخير لدومينيك ستراوس كان، الشخصية الفرنسية الفذة، عبرة ودلالة تاريخية.

***

الحسين بوخرطة

لقد غدا الزلزال الذي ضرب المغرب في 8 من سبتمبر،حديث الساعة وموضوعها الذي قيل فيه وعنه الكثير ولازال الغط والهذر يدور حوله بين الناس الذين اعتبرت عامتهم قدرا مقدرا،ونظر إليه بعض شيوخ العتمة، على أنه غضب وعذاب من الله، والذي أرجع بعضهم مسبباته للعوامل الطبيعية المسؤولة على حدوثه - تحرك الصفائح التاكتونية - والبعيدة كل البعد عن الخرافة المنسوبة للدين...

وكعادتي عند تناولي لأي موضوع علمي، أنأى بنفسي عن الخوض في النظريات العلمية وتحليل أسبابها ومسبباتها، لمحدودية معلوماتي في كل ما تعلق بالكوارث الطبيعية الشائكة، لذا قررت في هذه ...الاهتمام بما صاحب زلزال المغرب من الأرقام، التي قال عنها الفيلسوف الألماني لايبنيتزLeibnitz: بــ"إنها أبلغ تعبير عن دقائق الأشياء وجوهرها من أي لغة في العالم"و:"أنها تستطيع تفسير كل الأشياء لاحتوائها على أسرار كبيرة " حتى لو كانت  تقريبية في بعضها وغير دقيقة ومتضاربة في بعضها الآخر، -كما هو حال معظم الأرقام والحقائق في العالم العربي في الغالب- والتي هي في نظر بالزاك " كل شيء، ولا يوجد أي شيء إلا بالحركة والعدد، والحركة هي العدد الفاعل " أو كما يرى الشاعر بويسيوس Boece   بــ: "المعرفة السّامية تمر في الأعداد"، أو كما كتب نيقولا دو كيو" أنها تمثل الطريقة الفضلى للاقتراب من الحقائق الإلهية".

وبما أن الأرقام هي ابلغ من اللغة وأنها هي الحركة والصوت والفكر حسب "دو ميتر" De Maitre  "، فقد وجه القرآن الكريم نظر الإنسان إلى العد والحساب في آيات كثيرة بهدف استخدامها فيما يحقق الغرض من خلق الله لها، وتعليم الإنسان بها، وتوجيهه سبحانه  إلى عناصر الزمن، الساعات والأيام والشهور ثم السنين، حيث قال سبحانه وتعالى: "هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب" يونس 5، وقوله تعالى في سورة الحج: "وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون"، وقوله في سورة الإسراء 12: "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب"، وغير ذلك من السور والآيات التي تظهر قدرة وقدر الأرقام وأهميتها، والتي أكتفي منها بهذا القدر لكثرتها، لأنتقل إلى سرد  ما استطعت من الأرقام التي لم تكن اعتباطية ولها دلالات بليغة  يصعب على اللغة بلوغها في تقريب هول الزلزال الذي ضرب المغرب مساء الجمعة 8 سبتمبر على الساعة 23:11 بالتوقيت المحلي و22:11 توقيت غرينتش، بقوته 6.8 درجة على مقياس ريختر -حسب المعهد الجيوفيزيائي الأميركي- و7.2 درجة -حسب المركز الوطني الجيوفيزيائي المغربي- والذي كان على عمق 18 كيلومترات تحت سطح جبال الأطلس الكبير، وكانت حركته الصعودية للسطح قد بلغت حدا أقصى قدرها 15 سم في بعض المناطق وغرقت الأرض بما يصل إلى 10 سم في مناطق أخرى -وفق هيئة الإذاعة البريطانية- على بعد حوالي 72 كيلومترا  جنوب غرب مراكش، وعمت أضرارها القاتلة 5  أقاليم ونحو  2930 قرية تضرر منها ما لا يقل عن 59674 منزل يسكنها 2.8 مليون نسمة عرفت 32 في المئة منها انهارا كاملا أدى إلى موت أكثر من 2900 شخص،- حسب الوزير المنتدب المكلف بالميزانية في المغرب فوزي لقجع – وقد ارتفعت حصيلة المنكوبين إلى 300000  متضرر- حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية - ما جعل ملك البلاد، محمد السادس رعاه الله، بإعلان الحداد الوطني لمدة 3 أيام على أرواح الذين قضوا من جراء هذه الفاجعة المدمر.. وقرر جلالة الملك حفظه الله، أن تخصص الحكومة مساعدة شهرية للأسر المتضررة تقدر بــ 2500 درهم على مدى عام،، بالإضافة إلى 140 ألف درهم لتعويض المنازل المنهارة بالكامل و80 ألف درهم للمتضررة  جزئيا، كما قال الديوان الملكي يوم الأربعاء إن المملكة تعتزم إنفاق 120 مليار درهم على مدى السنوات الخمس المقبلة في إطار برنامج إعادة إعمار ما دمره الزلزال الأكثر إزهاقا للأرواح الذي عرفه المغرب منذ عام 1960.

وهناك أرقام أخرى لم تستطع أي جهة  عدها، وعلى رأسها المعونات التي تدفقت على  المناطق المنكوبة خلال عمليا التضامن غير المسبوقة التي لم يفكر أبطالها المدفوعين بـ"تمغربيتهم" لا في الجنة ولا في النار، بقدر ما انصب تفكيرهم في خدم الإنسان والإنسانية والوقوف إلى جانب إخوة لهم نجو من كمّاشة الموت، الذين لم أتمكن الوقوف منها إلا على 150  عدد اللوحات الشمسية التي نصبها متطوعين في عدد من الدواوير التي كانت غارقة في الظلمات،على عكس الأرقام الرسمية المتحكم فيها كــ 60 متخصص في البحث والإنقاذ والأ4 أفراد من الطاقم الذبي وكلابهم الأ4 الذين اعلنت برطانيا عن مشاركتهم في الإنقاذ،وك 56 عسكريا والأ4 كلاب البوليسية التي أخبرت وزيرة الدفاع الإسبانية عن وصولها لمكان الكارثة في انتظار فريقا ثانيا من 30 فردا و4 كلاب، وأعداد وأرقام أخرى خصت وفود الدول الصديقة التي عرضت مساعدتها الصادقة للمغرب والتي شكرها جلالة الملك على تضامنها والتي فاقا الـ90 دولة إلى جانب شكر جلالته لأ 4 دول على مساهمتهم في الإنقاذ وعلى ما أرسلوه من مساعدات، على عكس الدول التي لا تبغي من المساعدة غير الاستفادة من الزخم الإعلامي في تحدٍ للنهج الإنساني، وعلى رأسها فرنسا ماكرون، الذي عندما كنا لم يكن له وجود، وأننا هنا لا ننافس أحدا، لأن لهذا الوطن، ربا وملكا وشعبا يحمونه ويجعلونه من كثلة متراصة في وجه المحن، هرعت عن بكرة أبيها  إلى بؤرة الزلزال لمساعدة المنكوبين، خلافا  لكل البشر الذين حين تصيبهم الكوارث يفرون إلى الأماكن الآمنة  أنها "تمغربيت "

***

حميد طولست

هذا إقتراب مبني على قراءة نفسية بحتة ومكثفة، يحتمل الخطأ والصواب، وسأبدأ بخطبة الوداع التي فيها ما يشير إلى أن هناك بوادر فتنة حذَّرت منها الخطبة.

"أيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة، فليؤدّها إلى مَن ائتمنه عليها...."

مستهل الخطبة يقر بوجود أسباب فتنة، قد تندلع بين المسلمين في أي وقت، ولهذا جاء التركيز على حرمة الدم والمال بينهم، أي لا حرب عليها أن تنشب بين المسلمين.

يعد وفاة النبي، وإجتماع سقيفة بني ساعدة، كانت فيها عناصر لفتنة طاحنة فأخمدت، وكما قال عمر بن الخطاب "كانت فلتة" توقى فيها المسلمون من فتنة نكداء، وطاقة التفاعل المحتشد تحقق تصريفها بحروب الردة،  وبهذه الحروب ربما نجا أبو بكر من القتل، أو الإغتيال الحتمي، لأن نيران الفتنة بقيت متوقدة تحت الرماد.

"وخفت عليهم الفتنة"، هذا ما ورد عندما عهد بالخلافة لعمر بن الخطاب من بعده.

ومقتل عمر بحد ذاته كان تعبيرا عن كوامن الفتنة، التي تأججت بين المسلمين وأصبح التعبير عنها يتطلب سفك الدماء، ولمقتله تعددت الأسباب والروايات، والمرجح أنها مؤامرة من قبل الذين قمع رغباتهم، فوظفوا مَن يقتله.

وبلغت الفتنة ذروتها بعد مقتل عثمان، وتواصلت حتى توِّجَت بمقتل علي، وتواصلت في حروب المسلمين مع المسلمين في الدولتين الأموية والعباسية، فقتل المسلمون من المسلمين مئات الآلاف، لأسباب سياسية ولتنازعات على السلطة.

ولا تزال الفتنة بين المسلمين جارية ومتوقدة، ودخلنا في دوامات التكفير، التي هي صنو ذريعة الزندقة، التي حمل لواءها الخليفة العباسي المهدي وإبنه الهادي حتى أوقفها هارون الرشيد.

وكأن الفتن والإضطرابات من ضرورات تواصل الدين وتمدده في الدنيا، والقول بأنكم أمة واحدة والإعتصام بحبل الله ولا تفرقوا، أشبه بالخيالات أو مطاردة السراب.

فهل مَن لديه القدرة أن يجزم متى بدأت الفتنة؟

وهل مَن يستطيع أن يؤكد أن المسلمين أمة واحدة؟

***

د. صادق السامرائي

منذ بدأ ما تسمّى بالعملية الديموقراطية بالبلاد إثر الأحتلال الامريكي، لم تتأخر القوى الديموقراطية عن المشاركة في كل أنتخابات برلمانية أو محليّة. ومن خلال نتائج جميع الأنتخابات التي جرت لليوم، لم تستطع هذه القوى أن تخترق الخطوط الدفاعية لأحزاب المحاصصة والمحاطة بحقول ألغام كثيرة، بعضها ظاهر للعيان وبعضها يختفي عن أنظار من لا يريد أن يراها، كونها واضحة هي الأخرى.

هل المشاركة ضرورية..؟ الجواب وبلا أدنى شك هو نعم. لكن بشروط، طالما نبحث جميعا عن بناء نظام حكم ديموقراطي على أنقاض خرائب حكومات العراق في العهود السابقة وفي مقدمتها الحكم البعثي الفاشي. ومن هذه الشروط والتي تتكرر قبل كل أنتخابات من قبل الكثير هي:

1- قانون أنتخابات عادل ومنصف.

2- مفوضيّة مستقلّة للأنتخابات.

3- مساحات أعلامية متساوية في إعلام الدولة وحياديتها على الأقل مواسم الأنتخابات.

4- قضاء نزيه وعادل.

5- عدم أستخدام المال العام في الترويج لشخص أو حزب أو قائمة بعينها.

6- عدم ترهيب وترغيب الناخبين.

7- عدم إستغلال مؤسسات الدولة وآلياتها لحساب مرّشحين معينين.

8- عدم شراء ولاء الناخبين بالمال والتعيينات والتي تسبق عادة كل عملية أنتخابية.

9- أحترام الصمت الأنتخابي.

10- أحترام مراكز الأقتراع.

11- عدم سرقة صناديق الأقتراع.

12- الأتفاق مسبقا على طريقة العد والفرز وليس تركها لمزاج أحزاب وقوى تعيد فرزها وعدّها إن لم تحصل على أصوات كافية.

13- عدم أستخدام المنابر الدينية كمصدر للدعاية الأنتخابية وغيرها الكثير. فهل تحققّ ولو شرط واحد لا غير من هذه الشروط طيلة التجارب الأنتخابية السابقة!؟

لمّا كانت الأنتخابات (أية أنتخابات وفي أي بلد) ضرورية لبناء أنظمة حكم ديموقراطية، فبالضرورة تكون للمشاركة فيها أهميّة فاعلة لأستمرار النهج الديموقراطي كوسيلة سلمية من وسائل التغيير. فالأنتخابات ستفرز ممثلين سياسيين على مستوى المحافظات والدولة، والنظام الديموقراطي من مهامّه وضع هؤلاء الممثَلين الذين تمّ أنتخابهم من قبل الناخبين، تحت أنظار الناخبين الذين منحوهم أصواتهم لمحاسبتهم في عدم تنفيذ برامجهم الأنتخابية (إن كانت لهم برامج أنتخابية). كما تساهم الأنتخابات من خلال العملية الديموقراطية بمنح الشعب الحق في مراقبة عمل الأحزاب بعد أنتخابها، ومدى ألتزامها ببرامجها التي أعلنت عنها. فهل تمّت محاسبة "ممثل للشعب" على ثرائه الفاحش وعدم أحترام وعوده لناخبيه، من قبل أيّة حكومة أو من حزبه لليوم!؟ وهل وضعت الأحزاب التي تحتل البرلمان منذ الأحتلال لليوم نفسها أمام محاسبة جماهيرها وليس شعبنا بأكمله، وهي تراكم مشاكل البلاد وتستهين بحياة الناس وسعادتهم وكرامة وطنهم؟ وهل عاقبهم شعبنا بعدم أنتخابهم ولو لمرّة واحدة ليجرب أحزابا ومنظمات اخرى، عسى أن تمنحه بعضا من الكرامة!؟

لقد أرتأت قوى وشخصيات سياسية ديموقراطية عديدة منافسة حيتان الفساد، من خلال تجمّعها في قائمة وطنية عابرة للطوائف تحت مسمى تحالف (قيَم المدني)، في الوقت الذي قاطعت فيه الأنتخابات المحليّة القادمة تيّارات وأحزاب ومنظمّات للبعض منها ثقل مجتمعي كبير كالتيار الصدري، الذي أعلن قائده السيد مقتدى الصدر مقاطعته لها حينما قال " لن أشارك في أنتخابات العراق بوجود الفاسدين". ومن المقاطعين الآخرين حركة أمتداد وإئتلاف الوطنية بزعامة إياد علّاوي، والتي قال أي (إئتلاف الوطنية) في بيان له: "نؤمن بأن هذه المجالس هي حلقة زائدة في تركيبة الدولة وهي باب من أبواب الاستحواذ على مقدرات الشعب، ولكننا أردنا الاشتراك بالانتخابات كونها مجالس خدمية وعدلنا عن رأينا بعدما اتخذنا قراراً نحن وحلفاؤنا، ذلك أن حالة الفساد والنفوذ الأجنبي لا تزال مُخيمة على أجواء الانتخابات إضافة إلى المال السياسي الذي لا يزال لاعباً كبيراً وأساسياً في العملية الانتخابية والديمقراطية الزائفة".

بمقاطعة قوى لها ثقلها على الساحة السياسية مثلما ذكرنا قبل قليل، لعب تحالف الإطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي لعبته المفضلّة أي لعبة المالكي قبل كل أنتخابات. فخشيته من نفوذ الأحزاب الشيعية الجديدة التي أنبثقت كتيارات سياسية لفصائل مسلحة منضوية في الحشد الشعبي وما تمتلكه من امكانيات مالية هائلة وليس خشيته من التيارات المدنية، ولضمان هيمنته على مفوضّية الأنتخابات، قام بتغيير أكثر من عشرة موظفّين كبار من قوام المفوضيّة كمرحلة أولى، بأنتظار ما يخفيه لنا الحاوي بجعبته في قادم الأيّام. وأكّدت المتحدثّة بأسم المفوضيّة جمانة غلاي التسريبات التي قالت "وطاولت التغييرات في المفوضية مسؤولين، بينهم مدراء في وحدة التدقيق والمالية والعمليات الانتخابية وشؤون المكاتب والمعلومات الإلكترونية". فيما أكّدت مصادر من داخل الأطار التنسيقي أنّ "المالكي ما زال يملك نفوذاً واسعاً، بل إنه يسيطر على أقسام كاملة داخل مفوضية الانتخابات". وقال شبل الزيدي زعيم كتائب حزب الله أنّ "المفوضية وقعت تحت ضغط المحاصصة وأن هناك جهات تعمل على الهيمنة والاستحواذ"، وأشار الى أنّ تلك الأجراءات أي التغييرات في قوام المفوضيّة "سوف تُفقد المفوضية حيادها واستقلاليتها، وعلى القضاء ومجلس النواب التدخل لكشف من يقف وراء تلك التغيرات"، فيما وصف التغييرات الأخيرة بـ"المجزرة، وأنها تدمر الديمقراطية والثقة بالانتخابات".

أن بيان قوى التغيير الديموقراطية الأخير، وهو يعبّر عن قلق هذه القوى من التغييرات التي جرت وتجري داخل دوائر المفوضيّة ، قد أصاب جمهورها بالأحباط، ويعتبر البيان أعلان خسارة مبكرّة لهذه القوى قبل بدء الأنتخابات. والبيان أتّهم رئيس الوزراء بشخصه ومركزه بخدمة الماكنات الأنتخابية لقوى ممثلة في السلطة، من خلال تعيينه مستشارين لهذا الغرض. وذهب البيان ليعلن عزوف واسع عن المشاركة في الأنتخابات القادمة حينما قال: "إنّ قوى التغيير الديموقراطية ستعمل على فضح أي أجراء يثلم صدقية العملية الأنتخابية والديموقراطية. وتحمّل الحكومة والمفوضّية أية تداعيات يمكن أن تترتب على إجراءات منحازة الى جهات متنفذّة وتضعف ثقة المواطنين بالعملية الأنتخابية وتحدّ من المشاركة الواسعة فيها". وفي نهاية البيان أكّدت القوى الديموقراطية على "حرصها الكبير على حماية أصوات ناخبي تحالف قِيَمْ المدني، الساعين الى التغيير الديموقراطي". والسؤال هنا هو كيف، وما هي آليات عدم ضياع أصوات ناخبيها.

دائما اعترف عندما تكون مخطئا فانت بذلك توفر الاف العلاجات كما ستكسب بعض الاصدقاء ... (هارفي فيرستين)

***

زكي رضا - الدنمارك

21/9/2023

في الوقت الذي خفتت فيه نسبيا الفتاوى المضللة والكاذبة والمروجة لفكرة كون الكوارث الطبيعية - والزلازل من بينها- هي من غضب وعذاب الله على عباده على كثرة خطاياهم ومعاصيهم، التي ملأت شبكات التواصل الاجتماعي في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب مساء الجمعة 8 سبتمبر، والتي وبثت القلق بين عامة المغاربة، وأرهقت نفسيات المتضررين من الزلزال .

في هذا الوقت الذي يعرف فيه المغرب الهبة التضامنية غير المسبوقة، والتفاعل الكبير، والتعاطف الكاسح الذي فرضه ما تميز به الشعب المغربي من "تمغربيت " التي عبر من خلالها على مختلف مظاهر التآزر والتضامن والتعاضدة والمواساة التي جعلت الشعب متراصا في وجه المحنة؛ خرجت علينا بعض الجهات للترويج  لأفكار وفتاوى جديدة تعبق بروائح المتاجرة بمآسي البشر المغلفة بـ"قشابة" الدين المتمثل في استغلال الفتيات القاصرات اللواتي فقدن عائلاتهن جراء الكارثة المدمر، بدعوى بحمايتهن  من الضياع، وانتشالهن من محن الكارثة الإنسانية، وحمايتهن من مخاطر الهشاشة التي قد يتعرضن لها، وذلك بكفالتهن بالزواج الذي هو - حسب شريعة مشايخ القبح - ستر وحفظ للمرأة، الشرح الخاطئ والمخالف للمنهج القرآني، الذي جعل الزواج ستر للرجل والمرأة معا وليس للمرأة وحدها، بدليل قوله تعالى: "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن".

هذا التآزر المشبوه وذاك التكافل الملغوم، الذي أثار موجة من الاستياء لدى فئات واسعة من الفاعلين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هو من حرض العديد من المنصات الفيسبوكية على التساؤل حول مصداقية هذا النوع من التكفل بالمنكوبات القاصرات عبر الزواج المبكر -الممنوع بالمغرب إلا بإذن القاض*، والذي يشتم منه وفيه روائح زواج الشفقة الانتهازي غير المقبولة لا أخلاقيا ولا إنسانيا، والذي أقل ما يمكن أن يوصف به هو أنه من أفعال مجرمي الحروب مستغلي الكوارث المتاجرين بمآسي الضعفاء، الأمر الذي دفع بالعديد من الفعاليات الحقوقية والمدنية للمطالبة  بتطبيق القانون الذي يحمي الأشخاص من بكل أنواعه  النصب والاستغلال وتحت أي مسمى كان، وخاصة منه استغلال  الأطفال اليتامى والفتيات القاصرات اللواتي هن في حاجة للدعم النفسي أكثر من أي مساعدة أخرى، حتى لو كان عبر الزواج الذي لن يتجاوزن به ما يعشنه من صعوبات ومحن  كارثة الزلزال، والذي لن يجعلهن في مأمن من المخاطر النفسية، التي قد يتكبدن تبعاتها جراء الاستغلال المغلف بغطاء التضامن والتعاضد والتكفل بالأطفال اليتامى الذين فقدوا أسرهم وأضحوا بدون سند أو مورد، الموضوع الذي حظي بالأولوية وبالاهتمام الكبيرين لجلالة الملك، الذي أعطى أوامره بإحصاء ضحايا الزلزال من الأطفال اليتامى القاصرين وإحاطتهم برعايته الكريمة والشاملة الكريمة المتمثلة في ومنحهم صفة مكفولي الأمة*، المبادرة الملكية التي ستمتعهم بحق الرعاية الصحية المعنوية والمساعدة المادية المنصوص عليها في القانون، وتقطع الطريق بشكل نهائي أمام كل من يصطاد في الماء العكر ..

وصدق من قال: للوطن رب وملك وشعب يحميه،  ويجعله كثلة متراصة في وجه المحن ..

***

حميدطولست

....................

هوامش

*ــ تمنح المادة 20 من مدونة الأسرة المغربية (مدونة الأحوال الشخصية)، للقاضي السلطة التقديرية بقبول أو رفض طلب تزويج القاصر، وهو الاستثناء الذي يعتبره الحقوقيون قد تحول إلى "قاعدة" بالنظر للأرقام المسجلة لزواج القاصرين سنويا

*ــ من هم مكفولو الأمة؟:  إن مكفولي الأمة، حسب القانون رقم "97-33" هم الأطفال المغاربة الذين قتل آباؤهم أو أولياء أمورهم الرئيسيين بسبب مشاركتهم في الدفاع عن المملكة أو أثناء قيامهم بمهام المحافظة على السلم أو عمليات إنسانية بأمر من القائد الأعلى ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الملكية

يثير مشروع الربط السككي بين إيران والعراق وسوريا والذي وضع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني منذ اسابيع، الحجر الأساس له اهتمام الصين قبل اي دولة اخرى والتي يحاول البعض تضعيف قدرة هذا الخط في دعم الاقتصاد العراق وصفحة جديدة للتعاون بين دول المنطقة والعالم و يمكن عبرهذا الخط نقل البضائع من والى الصين ومن ثم إلى أوروبا وأفريقيا عبر البحر الأبيض المتوسط بسرعة وربطه بمبادرة 'الحزام والطريق'، إذ يصل المشروع السككي بين خطوط مدينة الشلامجة الإيرانية في محافظة خوزستان وخطوط السكك الحديدية العراقية في مدينة البصرة، ويمر عبر مدن عراقية عديدة تساعد على إيجاد فرص عمل للأيدي العاملة  وينتهي عند ميناء اللاذقية في سوريا و إيران تحملت مسؤولية عن بناء جسر بطول 900 متر (953 2 قدمًا) فوق الممر المائي الذي يفصلها مع العراق لتسهيل مهمة انتقال المسافرين بين البلدين، والمعروف باسم ' نهر أروند' في إيران وشط العرب في العراق. وقامت إيران بالفعل بتوسيع شبكة السكك الحديدية الخاصة بها إلى الحدود وجادة في بناء الجسر فوق الممر المائي الذي تعهدت بناءه. أما بالنسبة للعراق فإن استكمال هذا الخط والذي يربط بين البصرة و شلامجة هو جزء من خططه الخاصة لمواصلة تطوير خطوط السكك الحديدية و السعى لإنشاء خط سكة حديد بطول 1,200كيلومتر (745 ميلًا) و بكلفة 17 مليار دولار وهو موازٍ يربط بين ميناء الفاو الجنوبي في محافظة البصرة بتركيا، والذي من المقرر أن يكتمل بحلول عام 2025  ولكن لا يزال بنائه  ضبابي ليس سهل المنال في ظل الظروف الحالية التي جعلت من ان الحكومة تهتم بالأمور الداخلية مثل الخدمات واعادة البنية التحتية التي أهملت في السنوات الماضية بسبب الفساد ، والجوانب و القضايا التقنية، و قد يكون للطرق البديلة الأسبقية. وفي ظل هذه الخلفية، قد تمر سنوات قبل أن يتمكن المسافرون من عبور الممر المائي الذي يقسم إيران والعراق بالسكك الحديدية ، فبالإضافة إلى ارتباط هذا الخط بمواقع مهمة أخرى في البلاد مثل  العتبات المقدسة في بغداد وكربلاء والنجف وسامراء ومن محافظات اخرى، يمكن أن يصبح  هذا الخط جزءًا من شبكة دولية أوسع ويمكن أن يساعد هذا في زيادة عدد السياح بما في ذلك زائرو الأماكن الدينية ما سيستقطب عددًا أكبر من الزائرين ويدر أموالًا أكثر على البلاد، فمن المتوقع أن يتم بناء خط سكة حديد يغطي مسافة 32 كيلومترا (20 ميلًا) من البصرة حتى الحدود وكذلك من خلال المشروع   تطوير الطرق الدولية مع إيران، أفغانستان وباكستان وتركمانستان وطرق أخرى قد تصل إلى ميناء اللاذقية على ساحل البحر المتوسط في سوريا. وتعد السكك الحديدية مركزية لممر ناقل دولي بين الشمال والجنوب، وهو مشروع طموح يسعى لربط الهند بآسيا الوسطى وروسيا عبر إيران ، و يحمل ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب الكثير من الوعود لطهران التي تضاعف اهتمامها به في ظل العقوبات الغربية على موسكو بسبب غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

والغاية من المشروع هو الممرين البحري والبري لطريق الحرير البحري يمتد من شمال الصين إلى أوروبا وأفريقيا عبر البحر الأحمر، والطريق الآخر يمتد من الصين إلى موانئ إيران الجنوبية التي تتمتع بموقع جيوستراتيجي مهم، ومنها تشحن البضائع، أما الطريق البري فيمتد من جنوب الصين إلى كازاخستان ثم آسيا الوسطى ثم غرب إيران، ومن غرب إيران تتفرع ثلاثة طرق أحدها يذهب إلى إسطنبول ثم إلى أوروبا والآخر إلى أذربيجان. أما الطريق الثالث الذي يهم العراق، وهو الذي يربط إيران مع العراق وسوريا، هو الطريق الوحيد الذي يربط بطريق الحرير، أو من خلال ميناء الفاو الكبير”.

وخلال شهر نيسان/أبريل الماضي، زار وزير الطرق والبناء الإيراني مهرداد بذرباش دمشق  لهذا السبب من اجل التنسيق للبدء العمل بالمشروع، وربما تريد الصين المضي قدماً بهذا المشروع اليوم أكثر من أي وقت مضى، بعد إطلاق مشروع الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي عبر الشرق الأوسط خلال قمة مجموعة العشرين التي عقدت مؤخراً، والغرض من الممر هو منافسة مشروع 'الحزام والطريق'، وفي إطار آخر، من المحتمل أن تكون الصين راغبة في المجازفة والعودة إلى الاستثمار في قطاع النفط في سوريا واستكشاف آبار جديدة. وللشركات الصينية  العائدة لها  حقول نفط في شمال شرقي سوريا الذي يتمتع بالحكم الذاتي ، وأجرت عام 2016 مفاوضات مع الإدارة الذاتية الكردية حول مستقبل حقولها، لكن المفاوضات لم تفضِ إلى نتيجة ، وربما تعيد الصين اليوم التفاوض مع الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها من الضروريات للاستمرار في عملها، ولكن نجاح المفاوضات أو فشلها يتوقف على مدى التدخل الخارجي بالذات واشنطن والتقائهم مع  مسؤولين في الإدارة الذاتية "و المسمات من قبلها" في شرق وشمال سورية والضغوطات على الحكومة العراقية من اجل اضعافها ،، ولكن رغم كل ما ذكر من أجل تنفيذ هذا المشروع المهم فإن الإرادة السياسية لقادة الدول ووجود جو خالٍ من التوتر بينهم أمر ضروري أكثر من أجل إكمال هذا المشروع والمشاريع المستقبلية التي تأتي الازدهار للمنطقة

***

عبد الخالق الفلاح باحث واعلامي

يقول علماء الاجتماع ان لكل منا -وإن لم نشعر- حاجة للولاء الى جهة معينة، وتدفعنا لهذا الولاء غرائز عدة، تنمو وتكبر معنا وتتشعب بازدياد متطلبات حياتنا. فأول ولاء كان لحظة ولادتنا، إذ سعينا الى أثداء أمهاتنا من دون إدراك، ثم أعقبه ولاء ثانٍ في سني طفولتنا الأولى، وثالث في مدارسنا، وحين دخلنا معترك الحياة العملية كان بانتظارنا ولاء رابع.

والانسان السوي يضع للولاء ضوابط، تدخل في بلورتها التزامات اجتماعية وأخلاقية، فضلا عن البيئية والظرفية. وقبل كل هذه الولاءات وبعدها وخلالها، هناك سقف كبير يجمع الكل اينما كانوا، ذاك هو سقف الوطن، وهو فرض على كل من يدعي الولاء له بدءًا من أكبر رأس فيه، وصولا الى ابسط مواطن.

إن الولاء في عراقنا صنفان: الأول الى الدولة، وهذا تحدده اربعة ثوابت هي: "هوية الأحوال المدنية، شهادة الجنسية، البطاقة التموينية وبطاقة تأييد السكن". أما الصنف الثاني فهو ولاء الى أرض العراق ومائه وسمائه وماضيه ومستقبله، إذ يسمو الى مافوق المحددات، فلا تحده مستمسكات او صور او طوابع، ولاتقيده صورة قيد.

والصنف الثاني من الولاء يحتم على الذين يشعرون به إبداء المواقف الفعلية علنا، بل والتفاخر بها أمام الملأ. وليعلموا أن بولاء أبنائه فقط يتمكن العراق من الوقوف بوجه التدخلات الخارجية، فكما يقول مثلنا: (الما يدني زنبيله محد يعبيله) وبولاء أهله يضع يده على جرحه النازف الذي شارك فيه أعداء الداخل قبل الخارج، وكما قيل: (عينك على مالك دوه).

ولايخفى على الجميع كم هي مظلومة هذه القيمة عند نسبة لايستهان بها من العراقيين، وقد راح كثير من المحللين في تفسير هذا الى أن نظام البعث، بلور الوطن بشخص واحد، فارتبطت الأرض به، ومفردات الدولة باسمه، ومستقبل العراق بمستقبله، حتى غدا الولاء حكرا له بين قوسين حصريين، فإذا قال صدام قال العراق. فانمحقت صورة الوطن أمام بهرج صورة السيد الرئيس المبجل حفظه الله ورعاه، واندرست معاني الوطنية تحت أقدام القائد الضرورة، واستدارت بوصلة الفداء 180 درجة، معرضة وجهها عن الوطن، متجهة صوب "أبو حله" فهانت الروح ورخص الدم، فبالإثنين نفديك ياصدام، لانفديك ياوطن.

ولم ينته الأمر عند هذا الشخص وذاك الحزب، إذ توالدت منذ عشرين عاما عشرات الأحزاب، وتكاثرت بالانشطار اللاحياتي واللاحيائي مئات الشخصيات، وما يؤسف له أن قاعدة جماهيرية واسعة من أبناء الوطن، شطت عن الولاء السوي، وانزلقت في دهاليز الذيلية والتبعية، فحق عليها بيت الشعر:

لاخير في ود امرئ متلون

إذا الريح مالت مال حيث تميل

ومازال الوطن يئن تحت تشظي ولاءات أبنائه، فمنهم من أدار أشرعته تبعا لريح مصلحة مادية خاصة، وآخر اختار الفئة ليكنّ لها الولاء المطلق، على حساب وطنه وأهله لقناعة تنم عن جهل وتخلف وسوء فهم، ومنهم من تأبط شرا أتى به من خلف الحدود، ليكتوي بشرره من في داخلها، خدمة لأسياد وأجندات كان قد كلف بإتمامها، ومنهم من ارتدى زي "أبو رغال" من لامة رأسه حتى أخمص قدميه، فكان بارا خدوما للغرباء، رحيما رؤوما بهم، فيما هو شديد على أبناء جلدته.

وقد سجلت لنا أحداث كثيرة، علامات بارزة في ابتعاد بعض أهل البلد عن الولاء له، وبصقوا في نهرين لطالما رووا ظمأهم من مائيهما، ولعلهم المقصودون بكلمات قالها "حسن خيوكه" قبل ثمانين عاما في البستة البغدادية:

من البير لو مي شربت

بالك تذب بيها حجر

لابد تعود وترتوي

ويحودك عليها القدر

***

علي علي

عندما وقع زلزال كشمير في باكستان (8\10\2005)، بقوة 7.6 درجة على مقياس رختر، وراح ضحيته أكثر من (73000) قتيل و (128000) مصاب، تحاورت مع أحد الأخوة الباكستانيين، فأدهشني جوابه، إذ قال :"إنه عقاب الله لأنهم فسدوا وهذا جزاء المفسدين"!!

وتجدنا اليوم أمام زلزال المغرب، ونقرأ ذات التخريجات والتبريرات، وكأن الأمر ضربة لازم.

اليابان أفظع بقعة للزلازل في الأرض، فهل يفكر اليابانيون هكذا؟

إنهم أبدعوا بإقامة البنايات الشامخة المقاومة للزلازل، وتعلموا كيف يقللون مخاطرها، ويتوقون من عدوانها، فالزلازل مهما إشتدت وتعاظمت لن تتسبب بكوارث عظيمة عندهم مثلما تفعله في ديارنا.

إنهم يواجهون ويتحدون ويبتكرون، ونحن نستسلم ونجتهد بالتبريرات التخميدية الإستسلامية، وما أقرب قميص الدين والرب العظيم، فلا نستطيع خلعه، ونتمسك به ونحسبه مفتاح الغيوب؟

الزلزال أصاب المغرب (8\9\2023) وتسبب بخسائر كبيرة، وكانت درجته (6.8)، لأن البنية التحتية غير مؤهلة لمقاومته، ولا توجد دراسات ومعايير للبناء المطلوب، فلكل مكان ما يلائمه من أساليب البناء ، ونحن نفتقر لهذه الآليات العمرانية.

الأرض تدور وباطنها يغلي، وترتعش خوفا، وزلازلها متواصلة، ولا نستشعرها إلا عندما تتجاوز (4.5) درجة، وهي كائن حي ينبض معبرا عن حيويته، ونبضها الدائب قد يُصاب بإضطراب بين فترة وأخرى كما تصاب قلوب البشر، فتتسبب برعشة قوية، أو تتقيأ النيران من بطنها الفوارة.

ويبدو أن أكثر النيران تلفظها في البحار والمحيطات، وربما الزلازل تكون في بواطن ثلاثة أرباعها المغمورة بالماء.

ترى ألا حان الوقت للقول: تبا للولولة، وأهلا بالعلم والجد والإجتهاد؟!!

***

د. صادق السامرائي

18\9\2023

اقرت المحكمة العليا العراقية بطلان مصادقة البرلمان على الاتفاقية العراقية الكويتية الخاصة بتنظيم الملاحة في خور عبد الله، كون ان المصادقة عليها لم تكن دستورية، اي انها جاءت او جرى المصادقة عليها بخلاف ما نص عليه دستور 2005؛ الذي يتطلب حضور ثلثي اعضاء البرلمان، وهذا هو ما لم يكن متوفرا عند المصادقة على هذه الاتفاقية، فقد حضر 80 – 85 من اعضاء البرلمان. كما ان المصادقة جرت في عام 2013، ولم تبدِ المحكمة او تقول رأيها في هذه الاتفاقية الا في الرابع من ايلول/ سبتمبر 2023. ان هذا التأخير يستفز عقل المتابع عن اسباب هذا التأخير وموجباته؛ أذ، لا يوجد ما يبرره. الكويت رفضت هذا الرفض العراقي لاتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله؛ والذي جاء عبر بطلان المحكمة العراقية العليا لهذه الاتفاقية. الكويت احالت هذه الاتفاقية الى قرار مجلس الامن الدولي 833 بأن الحكومة العراقية والبرلمان العراقي ملزمان بتطبيقه. هذا القرار أصدره مجلس الامن الدولي، في عام 1993، وقد اقرت به حكومة العراق للنظام السابق قبل 2003، في عام 1994. هذا الاقرار جاء على وجه الاضطرار في ظروف العراق المعروفة في ذلك الوقت حين كان يرزح تحت الحصار الجائر، وتحت البند السابع، الذي يسمح باستعمال القوة العسكرية في حالة عدم تنفيذ العراق لقرارات مجلس الامن الدولي، وكان قرار المجلس 833 هو واحد من حزمة قرارات، كان على العراق تنفيذها كاملة. إنما الحكومة العراقية في وقتها وفي قبولها بتنفيذ القرار، وفي مضمون رسالة قبولها به الى مجلس الامن الدولي؛ ابدت قبولها به مع تحفظها عليه، كما انها وفي ردها عليه؛ اكدت على اهمية الرجوع في تنفيذ هذا القرار الى الاتفاق العراقي الكويتي في عام 1963 والذي هو واحد من وثائق مجلس الامن الدولي، كون المجلس تبنى او ان المجلس صدر منه هذا القرار وفقا او تنفيذا للاتفاق العراقي الكويتي، والذي من ضمن حيثياته هو اعتراف العراق بالكويت دولة مستقلة، بما يتضمن هذا من تحديد حدود دولة الكويت. هذه الحدود هي في المطلاع وليس في صفوان؛ حسب قول المراقبون من ذوي الاختصاص القانوني من العراقيين؛ أن مئات من جوازات السفر مختومة بختم الدخول والخروج من المطلاع، وليس من اي مكان اخر على الحدود بين العراق والكويت. الكويت وبسبب انشغال العراق سواء بالحروب الخارجية مع الجوار العربي والاسلامي والداخلية ايضا، او بالانقلابات العسكرية، وصراعات السلطة؛ استثمرت هذا الانشغال، وقامت بالقضم المستمر للأراضي العراق، في البر وفي البحر، اضافة الى سرقة نفط العراق من خلال اتباع طريقة الحفر المائل، هذه السرقة كانت قد اقرت بها الحكومة الكويتية في حينها. مسألة  نزاع الحدود بين العراق والكويت لم تكن وليدة اليوم، بل انها كانت منذ استقلال الكويت، ولا تزال حتى الآن. في عام 1973طلب العراق في عهد النظام السابق من الكويت؛ تأجير جزيرة بوبيان لفترة طويلة؛ كي يكون له اطلالة واسعة على الخليج العربي، يتم استثمارها في الناحيتين التجارية والعسكرية، لكن الحكومة الكويتية رفضت هذا الطلب العراقي. في عام 1977حدثت مناوشات على الحدود بين العراق والكويت وتم في حينها؛ وأدها في مهدها؛ من خلال او بواسطة تدخل الجامعة العربية. بالعودة الى الغاء المحكمة العراقية العليا؛ مصادقة البرلمان العراقي على الاتفاقية المذكورة؛ هذا الإلغاء جوبه بردود افعال متشنجة من الجانب الكويتي، ومساندة دول الخليج العربي للكويت والوقوف الى جانبه في هذا  النزاع. السؤال هنا كيف يتم وعلى اي طريقة يتم تسوية الامر، او التوصل اتفاق بين الجانبين العراقي والكويت في حل هذا النزاع؟ من وجهة النظر المتواضعة؛ هناك طريقان لحلحلة هذا النزاع الحدودي؛ تحويل النزاع الى محكمة دولية، استبعد هذا الخيار على الاقل في ظروف العراق الحالية. وثانيا، ربما كبيرة جدا؛ يتم اعادة التصويت من جديد على الاتفاقية تحت قبة البرلمان. السؤال الثاني وهو السؤال الاهم والاخطر: ما الذي يجعل الكويت تصر على غلق منافذ العراق على البحر، وهي اصلا ثغور ضيقة جدا، كي يكون دولة منغلقة ليس لها مساحة تطل منا على مياه الخليج العربي، ومنه الى اعلى البحار؟ بينما من الجانب الثاني؛ ان الكويت لها مساحة كبيرة جدا، اكثر من 500كيلو متر؛ تشرف منها على سواحل الخليج العربي. ميناء مبارك هو الأخر ايضا ليست الكويت بحاجة له وفي هذا الموقع بالذات المطل على خور عبد الله، بحيث ووفق الاتفاقية بتسوية الملاحة في خور عبدالله ليس وفق خط التالوك الذي يعني ان يعبر التقسيم من المياه العميقة التي تصلح للملاحة، بل من خط منتصف في خور عبد الله، وهذا وحسب خبراء هذا الاختصاص، تكون حصة العراق من خور عبدالله في المياه الضحلة. من نافلة القول الاشارة هنا على ان العراق وفي السبعينيات كان قد قام بأعمال كبيرة جدا في خور عبد الله من الكري الى بناء المنشاءات وانفق فيها عشرات المليارات في حينها، ولم تعترض الكويت ابدا، ولم تشتكِ لا في مجلس الامن الدولي لا في الجامعة العربية. ان هذا الاصرار الكويتي على ألحاق الضرر بالعراق يثير لدى المتابع الكثير من علامات الاستفهام والاسئلة حول دوافع هذا التعنت والاصرار على هذا الطريق، خصوصا وان الكويت لا تحتاج الى الملاحة في خور عبد الله بالمطلق و لا ميناء مبارك. يجري كل هذا، في ظروف المنطقة العربية وفي جوارها؛ من مشاريع للقوى الدولية في حقلي طرق التنمية والممرات الدولية، سواء على البحار او على البر، والأخير؛ بشكليه السككي والبري، ربما ان هذه المشاريع الدولية كانت على الورق يوما ما وزمنا ما؛ حتى تم انضاج ظروف اقامتها على الارض؛ مما يعني اخراج العراق عمليا من هذه المشاريع ويظل ممر ليس الا.. للبضائع التي لا تنقل عبر موانئه، بل من الموانيء الاخرى، وفي ذات الوقت يكون رهينة للدول المحيطة به، وكما ايضا، للقوى الدولية الكبرى الراعية لهذه الدول المحيطة بالعراق، وللمشاريع المشتركة بينهما. في حالة تثبيت الحدود بين العراق والكويت وبالطريقة التي حددها القرار 833، وبالذات، بل على التحديد الحصري، الحدود البحرية؛ يكون العراق عندها، وفي حالة تنفيذ هذه المشاريع؛ مجبرا على الانصياع لإرادة الدول المحيطة به سواء العربية او غيرها، والدول الكبرى المشتركة معها في هذه المشاريع، والا فانه يموت اقتصاديا وتجاريا. هذا من جانب اما من الجانب الثاني؛ ان تقليص مساحة الساحل العراقي المطل على الخليج العربي؛ يقلص ايضا الجرف القاري والمياه المتاخمة، والمياه الاقتصادية؛ مما يسلب من العراق حقوقه في هذه المياه. جزيرة الدرة اذا كان خور عبد الله وكما هو في الحقيقة التاريخية، عراقي بلا ادنى شك؛ تقع تلك الجزيرة في المياه الاقتصادية العراقية، مما يعني ان حقل الدرة عراقي من غير ان يكون مشترك لا مع الكويت ولا مع السعودية ولا مع ايران.

***

مزهر جبر الساعدي

ذات يوم كنت أتناول طعام الغداء مع مفكر صيني من محبي الرئيس ماو، وقد عاصره منذ طفولته، ويرى أنه صانع الصين الحقيقي ومخرجها من ظلمات المكان والزمان.

تحاورنا في مواضيع متنوعة، ومما قاله: إن الصين إذا إحتاجت للمطر ستصنعه !!

وذلك تعليقا على أنباء تتوارد عن قلة المياه في نهري دجلة والفرات، ثم أردف مازحا: "لماذا لا تؤجرون بلادكم للصين لبضعة سنوات، وستعرفون ما هي، العيب فيكم وليس بوطنكم"، " قيادتكم فاشلة وعقليتها ساذجة"!!

وتحيّرت في الإجابة، فأخذته إلى مواضيع أخرى، وبعد برهة صمت وسألني: هل تتصور سنحتاج لأدمغتنا في نهاية القرن الحادي والعشرين؟

قلت: ماذا تقصد؟

قال: سنصنع أدمغة متفوقة على أدمغتنا، ربما سنزرع شريحة في الرأس أكثر ذكاءً منا!!

قلت: ذهبت بعيدا يا زميلي!!

قال: الواقع التقني يخبرنا بأننا سنصنع إنسانا آليا أذكى منا، فلماذا لا نحوّر أنفسنا، ونطورها بزرع شرائح ذكية في رؤوسنا؟

صدمني سؤاله وتعليله، وكأي شرقي رحت أحدث نفسي عن أوهامه وشطحات خياله!!

وبعد أعوام وجدتني أمام طروحات عن الذكاء الإصطناعي، وما سيفعله في المستقبل، وكيف سيكون الكائن  البايولوجي ضعيفا أمام الكائن التكنولوجي.

الكومبيوتر سيقوم بكل شيئ، وفي واقعنا المعاصر، فقد البشر الكثير من مهاراته، لأن الكومبيوتر يؤديها أفضل منه، ولن تجد اليوم تلميذا ينجح في جدول الضرب، لأنها تأتية بالجواب الفوري.

فنحن أمام هيمنة الروبوتات على مهارات البشر الدقيقة، والكومبيوترات تعطيك القرارات والنتائج التي تستنزف أياما وشهورا، فتقدمها لك فورا.

وأجدنا لا نزال في بداية الطريق، فالعقود القادمات ستكشف ما لا يخطر على بال الأجيال المعاصرة.

فهل سنصمد في عالم تتخاطب فيه وتتعلم من بعضها الكومبيوترات؟!!

***

د. صادق السامرائي

18\9\2023

إن الأخلاق في واقعها العملي ليس لها تعريف واضح ولا منهجية علمية، بل هي متغيرة التعابير من مجموعة لأخرى، ومن موقع لآخر. وأن هذه الفوضوية تجعل من العقل والعلم أن يشك في أصلها، ويدقق بانعكاساتها وفوائدها وسلبياتها.

اذا بدأنا بربط الممارسات الاخلاقية مع أخلاقيات الطبقة السياسية الحاكمة سنجدها متفقة تماما، بل سنجد أن السلطة ترعى هذه الأخلاقيات وتروج لها وتصرف الأموال، إذن؛ هل هذا الترويج من أجل إصلاح المجتمع؟ أم إنه لاهداف ربحية لافراد السلطة تتعلق بالانتاج؟

فأن قلنا لإصلاح المجتمع فهنا ذهبنا الى الغباء السياسي، لأن إصلاح المجتمعات تتم بالمساواة الإقتصادية والسياسية وتوفير حاجات الناس وحماية حقوقهم ومصالحهم بشكل متساوي، وهذه الاجراءات ليس لها علاقة بالاخلاق المجتمعية، إذن السلطة تروج لأخلاقها ليس لإصلاح المجتمع بل لتسيطر على قوى الإنتاج الذي يوفر أرباح إقتصادية لأفراد السلطة ويبقي على الوضع القائم للنظام السياسي الحاكم دون محاولات تغييره، لأن أي حركة تغيير هنا أو هناك سيهاجمها المجتمع نفسه بأنها ليست على نفس "أخلاقياته" وبالتالي أصبح المجتمع مدافعاً على افراد السلطة السياسية الحاكمة دون شعور وأن كان رافضاً لهم معنوياً.

ولو رجعنا الى الوراء سنجد أن الطبقات المالكة للحكم السياسي هي المسيطرة أخلاقيا وتعكس أخلاقياتها على المجتمع حتى تتجذر تلك الاخلاقيات في المجتمع وتتحول الى عادة بديهية تتدافع عنها الأجيال بغباء مركب، سواء في الأنظمة الرأسمالية أو الإقطاعية.

ولو تركنا كل ما سبق وطرحنا سؤالاً: هل الأخلاق يوما غيرت وضعاً سياسيا حاكماً متردياً وهل أرجعت حقاً !؟.

لذا الأخلاق مسألة نسبية وجزء من البنية الفوقية الى جانب الفلسفة والقانون والدين السياسي والاقتصاد، وتتغير مع تغيير المرحلة والعصر حسب تطور المجتمع فمثلا: ضرب المرأة كان جزء من الأخلاق واليوم من اللا أخلاق، وضرب الأب لابنائه كان جزء من الاخلاق واليوم من اللا أخلاق، وضرب المعلم لتلاميذه كان جزء من الأخلاق واليوم من اللا أخلاق، والسرقة والفساد المالي والاداري كان جزء من اللا أخلاق بينما اليوم جزء من الأخلاق بشرعنته وتبويبه.

إن الانطلاق نحو التغيير مستنبطاً من وقائع الوضع الإجتماعي للبشر ومن أتفاق حاجاتهم جميعا في أي بقعة في العالم، لذا حين تحل قاعدة عدم الإضرار بالغير بدل الاخلاق فأنها ستنتج حياة آمنة للبشر وحريات فردية وسياسية وإعلامية ومساواة وعدالة إجتماعية واقتصادية…، لان هذه القاعدة تعمل لجميع البشر ولها تعريف واضح ومنهج علمي يستند على أن البشر متساوون ومتشابهون في كل شيء ولهم حقوق واحدة وعليهم ألتزامات واحدة. وهذه القاعدة لا تتغير حسب الأهواء المزاجية والسياسية والمكانية والإجتهادية وليست فوضوية ولا نسبية وهي جزء من البنية الإنسانية.

***

حسام عبد الحسين

في المجتمعات التي تتوارى فيها القيم، يختزل الإنسان مسعاه إلى تلبية غرائزه وتامين حاجاته المادية بأكثر الأشكال فجاجه مستعملا النصب والاحتيال الذي عمت جرائمه المؤسفة غالبية المجتمعات البشرية، والتي لم يسلم من أداها مغربنا الحبيب حتى في عز الكوارث والنوائب التي كثرت فيها قصص النصب والاحتلال  التي كان يتمتع غالبية أبطالها بمواهب خاصة للغاية في الخطابة وبلاغة القول، كبعض شيوخ الدين الذي يعملون على إقناع الناس بأنهم كتلة متحركة من الخطايا والذنوب والآلام والحطام ليسوقوهم بعدها كالنعاج إلى حظيرتهم، ليسلخوهم بها، والرقاة الذين يدعون إخراج الجن وإبراء المرضى، أو الدعاة المشعودين الذين يزعمون رؤية الغيب، أو فتيات الهوى اللواتي يوقعن بالرجال، أو غيرهم كثير ممن اتخذوا النصب والاحتيال مهنة للإيقاع بالغفلة والسذج ومتوسطي ومحدودي الذكاء والقابلين للانخداع، الذين يصدقون كل ما يسمعونه أو يتلقونه من الأكاذيب، بطرق وحيل كثيرة وعلى درجة عالية من الإتقان في الخطابة وبلاغة القول، التي يستخدمها المحتال في إقناع من حوله وتغييب قله، ودفعه إلى طاعته، والاستسلام لمطالبه، ليتمكن من الاستيلاء على أمواله أو ممتلكاته،  دون مقاومة وعن طيب خاطر، مستعملا أهم سبل النصب وأخطرها المتمثلة في: إيهام المجني عليه بوجود مشروع كاذب، أو خلق الأمل في ربح وهمي، أو إحداث وقائع مزورة، أو اتخاذ أسماء كاذبة، أو انتحال صفات غير صحيحة،وغيرها كثير من أساليب الاحتيال الصادمة من فرط سذاجة سيناريوهات صورها الكربونية المتكررة في الإيقاع بالضحايا السذج وضعيفي الشخصية ومتوسطي الذكاء ومحدوديه، الذين لم يستفيدوا مما تلقوه من النصوص الحكائية ذات الأبعاد الثقافية والتربوية المشجعة على الفطنة والنباهة وأخذ الحيطة والحذر، والمنبهة من مغبة الغفلة والسذاجة، والتي سمعوا الكثير منها في حكايات التراثية المسلية التي كانت تسرجها الجدات للأطفال، كحكاية "جحا"و"حديدان لحرامي" أو تلك التي تلقوها في المدارس والتي حفظوا بعضها عن ظهر قلب ، ولم يهتموا بما حملته من الحكم والمغازي، كحكاية "الثعلب والغراب "للافونطين  le corbeau et le renard de Jean de la Fontaine  القصة الشهيرة التي أحبها ورددها الأطفال بحماسة اندفاعية عبر العالم ولعدة عقود، والتي تدور أحداثها حول ثعلب ماكر وغراب غافل ينتهي به المطاف إلى فقدان طعامه بسبب سذاجته وتملق الثعلب، والتي استخلصت منها  الحكمة الشهيرة القائلة: Tous flatteur vit aux depens de celui qui l ecoute

والتي صارت مثلا مشهورا ليس في الغرب وحده، والتي تعني أن كل كذاب ودجال ومتملق يعيش على حساب الشخص الذي يستمع إلى كلامه ويثق به.

صحيح أنه يستحيل تجنب جرائم النصب والاحتيال، وأنها واقعة في كل زمان ومكان، وستقع مهما تباكى ضحاياها، ولن تتوقف أو تختفي طالما أن هناك غفلة وسذج يصدقون الأكاذيب وطماعون يهرولون خلف الربح السريع ، ومع ذلك، ودون شك، قد تتعاطف الآراء مع المجني عليه المتضرر من نصب النصابة واحتيال المحتالين، لكنه، في الغالب، لن يسلم من اللوم والعتب، كونه لم يُحسن استعمال عقله، ولم يعد ترتيب أوراقه وتدارك الوضع ويرتد على المحتال والنيل منه.

ويظل واجب الناس الانتباه، حتى لا تُخدع، وتخسر أموالها، وتهدر حقوقها بسبب الغفلة والسذاجة، التي ترفض بعض مصالح الشرطة والنيابة العامة والمحاكم في بعض الدول، تسجل الإبلاغ عنها، لكن لحسن الحظ فغن نفس المصالح في بلادنا، غالبا ما لا تغلق الباب في وجه ضحايا الاحتيال، حتى لا يفلت الجاني من العقاب ويهنأ بجريمته، وربما يتلقى المجني عليهم لوماً وتقريعاً لاذعاً على غفلتهم وسذاجتهم وتصديقهم لما يتلقونه من أكاذيب؟

***

حميد طولست

القيادة المتميزة تصنع مبدعين متميزين، وهذه ظاهرة متكررة في التأريخ البشري، وأمثلتها كثيرة، ومن دولنا مصر عبرت عنها بوضوح في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، فالعلاقة بين القيادة والإبداع طردية، أي كلما كانت القيادة ذات طاقات تثويرية ومنطلقات وثابة، أوجدت ما يوازيها من المبدعين الذين يمثلونها، ويتوافقون مع إيقاعاتها التفاعلية مع التحديات.

القيادة المتميزة تصنع البيئة الموائمة لولادة المبدعين الكبار، ولا يولد مبدع في بيئة متردية، ذات مفردات ذل وهوان، فالإبداع مرآة بيئته، كالشجرة بحاجة لتربة طيبة صالحة للإنبثاق والإثمار.

فالذين يتوهمون بوجود مبدعين لامعين في مجتمعات القيادات المتردية المهانة، لا يستطيعون إستحضار الأمثلة والبراهين على وجودهم، وربما يتخيلونهم، ويمعنون بتصورهم وكأنهم يرون سرابا!!

نظام الحكم القوي مهما يكن نوعه وطبيعته، يتسبب بولادات إبداعية فائقة التأثير والقدرة على تشكيل إرادة الحياة.

فأبو تمام، والبحتري، والمتنبي، عاصروا قيادات فذة أطلقت ما فيهم من الكوامن الإبداعية، فكانوا كما نعرفهم.

والعقاد، سلامة موسى، نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، يوسف إدريس، طه حسين، أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، وأمثالهم، توفرت لهم بيئة قيادية متميزة، فتفاعلوا مع زمانهم ومكانهم بإبداعية متألقة.

وفي بعض دول الأمة رغم توفر الطاقات الإبداعية الهائلة، لكنها خامدة لا قيمة لها ولا دور، لأن البيئة التي وجدت فيها لا تساهم في رعايتها وتبرعمها وإطلاق مروجوها الغناء، فهي طاقات مكبوتة تتوارثها الأجيال، منتظرة توفر الشروط اللازمة لإطلاقها، فالطاقات الكامنة لا تموت، وستنبثق ذات يوم.

قد يرى مَن يرى، أن ما تقدم لا مسوغ له، فهل يمكن الإتيان بدليل على أن الأوساط الإجتماعية المتردية تساعد على تنمية بذور الإبداع والعطاء الأصيل؟

البيئة القوية تلد الأقوياء!!

البيئات الضعيفة تجعل الأقوياء ضعفاء!!

فهل من قدرة على بناء القدرات الحضارية اللائقة بجوهرنا؟!!

***

د. صادق السامرائي

ما أشد وطأة القدر حين ينزل مبتليا النفس البشرية، ومنبها ضمير الانسانية، وما أرحم يد اللطيف وما أحناها وهي تمسح عن المبتلين جَهد البلاء،وسوء القضاء، لتعيدها إلى حول وقوة إنا لله وإنا إليه راجعون ..

إنها نافذة أمل، ومعراج صلة بأصل الانتماء،تُكفكف فيها العبرات، وترتوي فيها الروح تسلية وطمأنينة، بعد أن آلمها مصاب زلزال الحوز ونواحيه ’الذي نفذ وقعه بكل تجلياته الربانية والبشرية في كل قلب، فتباينت الخواطر.

الظاهر إبتلاء:

لعلها رسائل ربانية توقظ فينا موتى رقاد حطام هذه الفانية، وغرقى أنانيتها المائجة، التي استهلكت فينا كل أسباب الأمان الموصلة إلى الشُّقة الدائمة، وتآكل فينا كل رابط إنساني وكل وشيجة أخوية، فأصبح من ينظر إلى الدنيا بعيني إنسان مسكينا

.... لقد ألفتنا هذه المنبهات في واد غفلة جارف، قد عسكر عليه جند الملذات وكتائب المغريات، فكان الجواب لمن ينادي

(أقبل على النفس واستكمل فضائلها//

فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان)

لا لبيك ...

تلبدت سماء الخيرية فانقشعت عن:

الواقع فرحا:

لقد انبجس فجر العطاء عن عظات هذا الألم، وأشرقت معه شمس الإنسانية، وانبعث الضمير الإنساني من ركام التفاهة، وحطام السفاهة، فجاشت آبار السخاء والاحتواء والنجدة بالرواء، وهبت القلوب لتعانق بعضها، وأسرعت الأرواح وهي تحمل ألمها إلى مكان ألمها، فخلدت للشهامة قصصا تروى،وللعطاء صورا تحفظها الدنيا في ذاكرة قلبها .

فما أجمل لطف الرحمن، كم خرق لنا القدر من الحلم سفنا،وهدم لنا  القضاء من الأمل مدنا وقرى، لكن كما قال العارفون :  في كل قهر جلي هناك لطف خفي، فالذي قال: وإن كنا لمبتلين. هو نفسه القائل عز وجل (وماكنا عن الخلق غافلين.) هذه المعية هي فسحة الروح في وحشة مجابهة صدمات الاقدار، ومحاولة النفس البشرية مدافعة الابتلاء، وتخفيف القضاء، ليس تطاولا ولا سوء أدب مع الحضرة القدسية، لكنه تسليم ورضا يدفع إلى حسن الظن، ورأفة تتداعى له سائر جسد الأمة بالعطف والرحمة.

” ففي النهاية ليس مقدارالعطاء في الإخلاص، ولكن مقدار الإخلاص في العطاء.

فما أحوجنا إلى عطاء دون عدسات هواتف ذكية

ورقة وشفقة دون  إيه إيه

دخل الخليفة المنصور قصرا فوجد في جداره بيتا مكتوبا:

ومالي لا أبكي بعين حزينة

وقد قُرِّبت للظاعنين حُمول

وتحت البيت مكتوب فيه: إيه، إيه فقال: المنصور أي شيء إيه إيه

فقال الربيع: يا أمير المؤمنين إنه لما كتب البيت أحب أن يخبر أنه يبكي!!

فعندما تقدم عطاء فادفعه دون منٍّ ولا إيه إيه، إذا زلزلت القلوب زلزالها.

***

إبراهيم شكور

في المثقف اليوم