أقلام حرة

أقلام حرة

لا يمرّ أسبوع من دون أن نقرأ أو نسمع عن سرقة القرن، وكيف أن الدولة مهتمة باستعادة الأموال التي نهبت في وضح النهار.. والأموال كما يعرف جنابكم الكريم تقترب من ثلاثة مليارات دولار، وفي كل مرة نسمع جعجعة ولا نرى طحناً على حد قول المرحوم شكسبير أو شيخ زبير كما كان يصر العلامة الراحل صفاء خلوصي.

فأبطال فضيحة سرقة القرن أحرار يتمتعون بما لديهم من أموال وقصور، فيما فضائياتنا تعج وتضج بأناشيد عن النزاهة ومحاسبة الفاسدين ومواقع التواصل الاجتماعي تعجّ ايضا بحكايات من كل شكل ولون ، فيما المواطن يسخر من نفسه وهو يرى ويسمع ان السراق يعيشون في بحبوحة .

في حكاية سرقة القرن استمعنا الى ما قاله السيد رئيس الوزراء في نيويورك من أن "بعض المتهمين بسرقة القرن موجودون في الولايات المتحدة ويحملون الجنسية الأمريكية والبريطانية، وننتظر مساعدة هذه الدول في استردادهم".

لعل أكثر ما يثير دهشة المواطن العراقي المسكين، هي الأخبار التي تناقلتها الوكالات عن إطلاق سراح نور زهير بطل السرقة، والتغاضي عن محاسبة النائب هيثم الجبوري الذي يعد أحد مهندسي هذه الجريمة، والأهم السماح للمسؤولين السابقين المتورطين بلفلفة أموال الضرائب بالسفر بشكل علني ومريح عن طريق مطار بغداد، بما لا يدع مجالاً للشك بأن هناك إرادة سياسية أقوى من الحكومة لا تريد لملف سرقة القرن أن يُفتح وتتناثر أوراقه وأسراره الخطيرة.

تكتفي الحكومة مشكورة بين الحين والآخر بأن تطمئن المواطن فتعرض له صوراً لأموال تمت استعادتها، فيما الواقع يقول إن ما أنعم به نور زهير على الحكومة لا يتجاوز خمسة بالمئة من الأموال التي هُربت إلى خارج االبلاد.

المثير في قضية "الحباب" نور زهير أننا اكتشفنا أن الرجل غني وصاحب شركات وعقارات ولا يحتاج إلى هذه الخردة البالغة ثلاثة مليارات دولار، وإذا كنت عزيزي القارئ لا تصدقني أحيلك إلى تصريح سابق لقاضي النزاهة الذي قال وبالحرف الواحد: "المتهم نور زهير لديه عقارات واستثمارات تفوق المبلغ الإجمالي للأموال المسروقة، ومن المستبعد هروبه خارج البلد بعد خروجه بكفالة مالية قياساً بحجم استثماراته وعقاراته".. فلماذا أيها الكويتب المشاغب تطالب بمحاسبة الملياردير نور، وتطارد المناضل هيثم الجبوري، وتسخر من نزاهة مثنى السامرائي، وتصر أن تقول للمدني حمد الموسوي من أين لك هذا؟، فهؤلاء جميعاً مواطنون صالحون، لم يتحايلوا على الدولة، والمليارات التي حصدوها جاءت من معامل وشركات ومصانع أقاموها خدمة للعراق.

إذن لماذا كل هذه المعاملة الشنيعة لرائدي الاقتصاد والصناعة نور زهير وهيثم الجبوري؟ لا بد أن وراء ذلك دوافع بغيضة ومنها الحسد، وأعوذ بالله من الحاسدين أمثالي.

.............

علي حسين

امتد مسار تحديث المجتمعات الأوروبية الغربية من القرن 16 إلى 19، أي دام أكثر من 3 قرون. هذا التحديث حقق فعلا التفوق الذي ترجم عمليا وجيوستراتيجيا إلى حركة إمبريالية عالمية، اعتمدت في مرحلة أولى المنطق العسكري بأسلحته المتطورة (الاستعمار)، ثم بعد ذلك تحول إلى غزو اقتصادي تحت شعار "العولمة والنظام العالمي الجديد". عرف المسار في شموليته منذ مطلع القرن الواحد والعشرين إشباعا تخللته أزمات مالية واقتصادية، وتمخضت عنه خيارات طرحت من جديد إشكالية القطبية في قيادة العالم. وقع عالم اليوم في منعطف طريف للغاية، وأجبرت الخبرة السياسية لدى القوى العالمية على تعميق التأمل والتفكير في تجديد مقومات الدبلوماسية، وبالتالي استخلاص الدروس والعبر لخدمة المستقبل تحت إكراه إجبارية تجنب الوقوع في حرب عالمية ثالثة.

في هذا السياق التاريخي الذي امتد لأكثر من 6 قرون دوليا و12 قرنا وطنيا، صمود الحضارة المغربية ترجم عبر محطات معلومة إلى معارك بارزة تاريخيا، توجت في نهاية المطاف بالحماية الفرنسية وتواجد اسباني شمالا وجنوبا. لم يخضع المغرب الأقصى للإمبراطورية العثمانية. التحديث في مسار هذه الدولة الحضارية لم يعرف انطلاقته الفعلية إلا ابتداء من منتصف الخمسينات من القرن العشرين. تراكمت المكاسب بسرعة فائقة. آمن المغاربة بحنكة وتبصر وحكمة الملكية المغربية. في ظرف لم يتجاوز 70 سنة، أصبحت للمملكة المغربية خصوصية ناعمة اعترف بها العالم بأسره. لقد برزت كونيا في العهد الجديد المقاصد الحقيقية ل"ثورة الملك والشعب".

فلنفتخر جميعا بوطننا الرائد شعبيا ومؤسساتيا في ظل العرش العلوي المجيد. فلنقل جميعا : فداك روحي وأمي وأبي يا مغرب الأبرار.. البصمة المغربية نُحِتَتْ باستحقاق في سجل التاريخ البشري زمن العولمة والشمولية والتكنولوجيات الحديثة..

نظرا لمنطق التحولات وحجم المكتسبات المتراكمة، الكل يتحدث اليوم أن المغرب دخل مرحلة المرور إلى الجودة في الإنتاج في كل القطاعات.. السياسات العمومية انتصرت على ثقل التعودات المعرقلة للنماء، وقيادة التغيير تتم بحكمة وتبصر...  استراتيجية إحداث التحولات الضرورية ببلادنا تحمل بواعث الثقة في المستقبل.. أكدت التطورات تحت القيادة السامية للملك محمد السادس نصره الله أن المملكة المغربية لا تحتاج إلى قرون، كما حدث غربيا، للمرور إلى المراحل الأكثر تقدما. إنه سحر التنوع الحضاري بمكوناته الأمازيغية والحسانية والعربية ... الذي مكن المغرب الأقصى من إبراز خصوصيته الحضارية في منطقة عربية شاسعة تمتد من المحيط إلى الخليج. إنها خصوصية انتصرت ثقافيا للتسامح والتعايش والتعاون مع الآخر السلمي كيف ما كان انتماؤه القطري عالميا.

ولنختم هذا المقال بالقول أن في التصريح الأخير لدومينيك ستراوس كان، الشخصية الفرنسية الفذة، عبرة ودلالة تاريخية.

***

الحسين بوخرطة

لقد غدا الزلزال الذي ضرب المغرب في 8 من سبتمبر،حديث الساعة وموضوعها الذي قيل فيه وعنه الكثير ولازال الغط والهذر يدور حوله بين الناس الذين اعتبرت عامتهم قدرا مقدرا،ونظر إليه بعض شيوخ العتمة، على أنه غضب وعذاب من الله، والذي أرجع بعضهم مسبباته للعوامل الطبيعية المسؤولة على حدوثه - تحرك الصفائح التاكتونية - والبعيدة كل البعد عن الخرافة المنسوبة للدين...

وكعادتي عند تناولي لأي موضوع علمي، أنأى بنفسي عن الخوض في النظريات العلمية وتحليل أسبابها ومسبباتها، لمحدودية معلوماتي في كل ما تعلق بالكوارث الطبيعية الشائكة، لذا قررت في هذه ...الاهتمام بما صاحب زلزال المغرب من الأرقام، التي قال عنها الفيلسوف الألماني لايبنيتزLeibnitz: بــ"إنها أبلغ تعبير عن دقائق الأشياء وجوهرها من أي لغة في العالم"و:"أنها تستطيع تفسير كل الأشياء لاحتوائها على أسرار كبيرة " حتى لو كانت  تقريبية في بعضها وغير دقيقة ومتضاربة في بعضها الآخر، -كما هو حال معظم الأرقام والحقائق في العالم العربي في الغالب- والتي هي في نظر بالزاك " كل شيء، ولا يوجد أي شيء إلا بالحركة والعدد، والحركة هي العدد الفاعل " أو كما يرى الشاعر بويسيوس Boece   بــ: "المعرفة السّامية تمر في الأعداد"، أو كما كتب نيقولا دو كيو" أنها تمثل الطريقة الفضلى للاقتراب من الحقائق الإلهية".

وبما أن الأرقام هي ابلغ من اللغة وأنها هي الحركة والصوت والفكر حسب "دو ميتر" De Maitre  "، فقد وجه القرآن الكريم نظر الإنسان إلى العد والحساب في آيات كثيرة بهدف استخدامها فيما يحقق الغرض من خلق الله لها، وتعليم الإنسان بها، وتوجيهه سبحانه  إلى عناصر الزمن، الساعات والأيام والشهور ثم السنين، حيث قال سبحانه وتعالى: "هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب" يونس 5، وقوله تعالى في سورة الحج: "وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون"، وقوله في سورة الإسراء 12: "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب"، وغير ذلك من السور والآيات التي تظهر قدرة وقدر الأرقام وأهميتها، والتي أكتفي منها بهذا القدر لكثرتها، لأنتقل إلى سرد  ما استطعت من الأرقام التي لم تكن اعتباطية ولها دلالات بليغة  يصعب على اللغة بلوغها في تقريب هول الزلزال الذي ضرب المغرب مساء الجمعة 8 سبتمبر على الساعة 23:11 بالتوقيت المحلي و22:11 توقيت غرينتش، بقوته 6.8 درجة على مقياس ريختر -حسب المعهد الجيوفيزيائي الأميركي- و7.2 درجة -حسب المركز الوطني الجيوفيزيائي المغربي- والذي كان على عمق 18 كيلومترات تحت سطح جبال الأطلس الكبير، وكانت حركته الصعودية للسطح قد بلغت حدا أقصى قدرها 15 سم في بعض المناطق وغرقت الأرض بما يصل إلى 10 سم في مناطق أخرى -وفق هيئة الإذاعة البريطانية- على بعد حوالي 72 كيلومترا  جنوب غرب مراكش، وعمت أضرارها القاتلة 5  أقاليم ونحو  2930 قرية تضرر منها ما لا يقل عن 59674 منزل يسكنها 2.8 مليون نسمة عرفت 32 في المئة منها انهارا كاملا أدى إلى موت أكثر من 2900 شخص،- حسب الوزير المنتدب المكلف بالميزانية في المغرب فوزي لقجع – وقد ارتفعت حصيلة المنكوبين إلى 300000  متضرر- حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية - ما جعل ملك البلاد، محمد السادس رعاه الله، بإعلان الحداد الوطني لمدة 3 أيام على أرواح الذين قضوا من جراء هذه الفاجعة المدمر.. وقرر جلالة الملك حفظه الله، أن تخصص الحكومة مساعدة شهرية للأسر المتضررة تقدر بــ 2500 درهم على مدى عام،، بالإضافة إلى 140 ألف درهم لتعويض المنازل المنهارة بالكامل و80 ألف درهم للمتضررة  جزئيا، كما قال الديوان الملكي يوم الأربعاء إن المملكة تعتزم إنفاق 120 مليار درهم على مدى السنوات الخمس المقبلة في إطار برنامج إعادة إعمار ما دمره الزلزال الأكثر إزهاقا للأرواح الذي عرفه المغرب منذ عام 1960.

وهناك أرقام أخرى لم تستطع أي جهة  عدها، وعلى رأسها المعونات التي تدفقت على  المناطق المنكوبة خلال عمليا التضامن غير المسبوقة التي لم يفكر أبطالها المدفوعين بـ"تمغربيتهم" لا في الجنة ولا في النار، بقدر ما انصب تفكيرهم في خدم الإنسان والإنسانية والوقوف إلى جانب إخوة لهم نجو من كمّاشة الموت، الذين لم أتمكن الوقوف منها إلا على 150  عدد اللوحات الشمسية التي نصبها متطوعين في عدد من الدواوير التي كانت غارقة في الظلمات،على عكس الأرقام الرسمية المتحكم فيها كــ 60 متخصص في البحث والإنقاذ والأ4 أفراد من الطاقم الذبي وكلابهم الأ4 الذين اعلنت برطانيا عن مشاركتهم في الإنقاذ،وك 56 عسكريا والأ4 كلاب البوليسية التي أخبرت وزيرة الدفاع الإسبانية عن وصولها لمكان الكارثة في انتظار فريقا ثانيا من 30 فردا و4 كلاب، وأعداد وأرقام أخرى خصت وفود الدول الصديقة التي عرضت مساعدتها الصادقة للمغرب والتي شكرها جلالة الملك على تضامنها والتي فاقا الـ90 دولة إلى جانب شكر جلالته لأ 4 دول على مساهمتهم في الإنقاذ وعلى ما أرسلوه من مساعدات، على عكس الدول التي لا تبغي من المساعدة غير الاستفادة من الزخم الإعلامي في تحدٍ للنهج الإنساني، وعلى رأسها فرنسا ماكرون، الذي عندما كنا لم يكن له وجود، وأننا هنا لا ننافس أحدا، لأن لهذا الوطن، ربا وملكا وشعبا يحمونه ويجعلونه من كثلة متراصة في وجه المحن، هرعت عن بكرة أبيها  إلى بؤرة الزلزال لمساعدة المنكوبين، خلافا  لكل البشر الذين حين تصيبهم الكوارث يفرون إلى الأماكن الآمنة  أنها "تمغربيت "

***

حميد طولست

هذا إقتراب مبني على قراءة نفسية بحتة ومكثفة، يحتمل الخطأ والصواب، وسأبدأ بخطبة الوداع التي فيها ما يشير إلى أن هناك بوادر فتنة حذَّرت منها الخطبة.

"أيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة، فليؤدّها إلى مَن ائتمنه عليها...."

مستهل الخطبة يقر بوجود أسباب فتنة، قد تندلع بين المسلمين في أي وقت، ولهذا جاء التركيز على حرمة الدم والمال بينهم، أي لا حرب عليها أن تنشب بين المسلمين.

يعد وفاة النبي، وإجتماع سقيفة بني ساعدة، كانت فيها عناصر لفتنة طاحنة فأخمدت، وكما قال عمر بن الخطاب "كانت فلتة" توقى فيها المسلمون من فتنة نكداء، وطاقة التفاعل المحتشد تحقق تصريفها بحروب الردة،  وبهذه الحروب ربما نجا أبو بكر من القتل، أو الإغتيال الحتمي، لأن نيران الفتنة بقيت متوقدة تحت الرماد.

"وخفت عليهم الفتنة"، هذا ما ورد عندما عهد بالخلافة لعمر بن الخطاب من بعده.

ومقتل عمر بحد ذاته كان تعبيرا عن كوامن الفتنة، التي تأججت بين المسلمين وأصبح التعبير عنها يتطلب سفك الدماء، ولمقتله تعددت الأسباب والروايات، والمرجح أنها مؤامرة من قبل الذين قمع رغباتهم، فوظفوا مَن يقتله.

وبلغت الفتنة ذروتها بعد مقتل عثمان، وتواصلت حتى توِّجَت بمقتل علي، وتواصلت في حروب المسلمين مع المسلمين في الدولتين الأموية والعباسية، فقتل المسلمون من المسلمين مئات الآلاف، لأسباب سياسية ولتنازعات على السلطة.

ولا تزال الفتنة بين المسلمين جارية ومتوقدة، ودخلنا في دوامات التكفير، التي هي صنو ذريعة الزندقة، التي حمل لواءها الخليفة العباسي المهدي وإبنه الهادي حتى أوقفها هارون الرشيد.

وكأن الفتن والإضطرابات من ضرورات تواصل الدين وتمدده في الدنيا، والقول بأنكم أمة واحدة والإعتصام بحبل الله ولا تفرقوا، أشبه بالخيالات أو مطاردة السراب.

فهل مَن لديه القدرة أن يجزم متى بدأت الفتنة؟

وهل مَن يستطيع أن يؤكد أن المسلمين أمة واحدة؟

***

د. صادق السامرائي

منذ بدأ ما تسمّى بالعملية الديموقراطية بالبلاد إثر الأحتلال الامريكي، لم تتأخر القوى الديموقراطية عن المشاركة في كل أنتخابات برلمانية أو محليّة. ومن خلال نتائج جميع الأنتخابات التي جرت لليوم، لم تستطع هذه القوى أن تخترق الخطوط الدفاعية لأحزاب المحاصصة والمحاطة بحقول ألغام كثيرة، بعضها ظاهر للعيان وبعضها يختفي عن أنظار من لا يريد أن يراها، كونها واضحة هي الأخرى.

هل المشاركة ضرورية..؟ الجواب وبلا أدنى شك هو نعم. لكن بشروط، طالما نبحث جميعا عن بناء نظام حكم ديموقراطي على أنقاض خرائب حكومات العراق في العهود السابقة وفي مقدمتها الحكم البعثي الفاشي. ومن هذه الشروط والتي تتكرر قبل كل أنتخابات من قبل الكثير هي:

1- قانون أنتخابات عادل ومنصف.

2- مفوضيّة مستقلّة للأنتخابات.

3- مساحات أعلامية متساوية في إعلام الدولة وحياديتها على الأقل مواسم الأنتخابات.

4- قضاء نزيه وعادل.

5- عدم أستخدام المال العام في الترويج لشخص أو حزب أو قائمة بعينها.

6- عدم ترهيب وترغيب الناخبين.

7- عدم إستغلال مؤسسات الدولة وآلياتها لحساب مرّشحين معينين.

8- عدم شراء ولاء الناخبين بالمال والتعيينات والتي تسبق عادة كل عملية أنتخابية.

9- أحترام الصمت الأنتخابي.

10- أحترام مراكز الأقتراع.

11- عدم سرقة صناديق الأقتراع.

12- الأتفاق مسبقا على طريقة العد والفرز وليس تركها لمزاج أحزاب وقوى تعيد فرزها وعدّها إن لم تحصل على أصوات كافية.

13- عدم أستخدام المنابر الدينية كمصدر للدعاية الأنتخابية وغيرها الكثير. فهل تحققّ ولو شرط واحد لا غير من هذه الشروط طيلة التجارب الأنتخابية السابقة!؟

لمّا كانت الأنتخابات (أية أنتخابات وفي أي بلد) ضرورية لبناء أنظمة حكم ديموقراطية، فبالضرورة تكون للمشاركة فيها أهميّة فاعلة لأستمرار النهج الديموقراطي كوسيلة سلمية من وسائل التغيير. فالأنتخابات ستفرز ممثلين سياسيين على مستوى المحافظات والدولة، والنظام الديموقراطي من مهامّه وضع هؤلاء الممثَلين الذين تمّ أنتخابهم من قبل الناخبين، تحت أنظار الناخبين الذين منحوهم أصواتهم لمحاسبتهم في عدم تنفيذ برامجهم الأنتخابية (إن كانت لهم برامج أنتخابية). كما تساهم الأنتخابات من خلال العملية الديموقراطية بمنح الشعب الحق في مراقبة عمل الأحزاب بعد أنتخابها، ومدى ألتزامها ببرامجها التي أعلنت عنها. فهل تمّت محاسبة "ممثل للشعب" على ثرائه الفاحش وعدم أحترام وعوده لناخبيه، من قبل أيّة حكومة أو من حزبه لليوم!؟ وهل وضعت الأحزاب التي تحتل البرلمان منذ الأحتلال لليوم نفسها أمام محاسبة جماهيرها وليس شعبنا بأكمله، وهي تراكم مشاكل البلاد وتستهين بحياة الناس وسعادتهم وكرامة وطنهم؟ وهل عاقبهم شعبنا بعدم أنتخابهم ولو لمرّة واحدة ليجرب أحزابا ومنظمات اخرى، عسى أن تمنحه بعضا من الكرامة!؟

لقد أرتأت قوى وشخصيات سياسية ديموقراطية عديدة منافسة حيتان الفساد، من خلال تجمّعها في قائمة وطنية عابرة للطوائف تحت مسمى تحالف (قيَم المدني)، في الوقت الذي قاطعت فيه الأنتخابات المحليّة القادمة تيّارات وأحزاب ومنظمّات للبعض منها ثقل مجتمعي كبير كالتيار الصدري، الذي أعلن قائده السيد مقتدى الصدر مقاطعته لها حينما قال " لن أشارك في أنتخابات العراق بوجود الفاسدين". ومن المقاطعين الآخرين حركة أمتداد وإئتلاف الوطنية بزعامة إياد علّاوي، والتي قال أي (إئتلاف الوطنية) في بيان له: "نؤمن بأن هذه المجالس هي حلقة زائدة في تركيبة الدولة وهي باب من أبواب الاستحواذ على مقدرات الشعب، ولكننا أردنا الاشتراك بالانتخابات كونها مجالس خدمية وعدلنا عن رأينا بعدما اتخذنا قراراً نحن وحلفاؤنا، ذلك أن حالة الفساد والنفوذ الأجنبي لا تزال مُخيمة على أجواء الانتخابات إضافة إلى المال السياسي الذي لا يزال لاعباً كبيراً وأساسياً في العملية الانتخابية والديمقراطية الزائفة".

بمقاطعة قوى لها ثقلها على الساحة السياسية مثلما ذكرنا قبل قليل، لعب تحالف الإطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي لعبته المفضلّة أي لعبة المالكي قبل كل أنتخابات. فخشيته من نفوذ الأحزاب الشيعية الجديدة التي أنبثقت كتيارات سياسية لفصائل مسلحة منضوية في الحشد الشعبي وما تمتلكه من امكانيات مالية هائلة وليس خشيته من التيارات المدنية، ولضمان هيمنته على مفوضّية الأنتخابات، قام بتغيير أكثر من عشرة موظفّين كبار من قوام المفوضيّة كمرحلة أولى، بأنتظار ما يخفيه لنا الحاوي بجعبته في قادم الأيّام. وأكّدت المتحدثّة بأسم المفوضيّة جمانة غلاي التسريبات التي قالت "وطاولت التغييرات في المفوضية مسؤولين، بينهم مدراء في وحدة التدقيق والمالية والعمليات الانتخابية وشؤون المكاتب والمعلومات الإلكترونية". فيما أكّدت مصادر من داخل الأطار التنسيقي أنّ "المالكي ما زال يملك نفوذاً واسعاً، بل إنه يسيطر على أقسام كاملة داخل مفوضية الانتخابات". وقال شبل الزيدي زعيم كتائب حزب الله أنّ "المفوضية وقعت تحت ضغط المحاصصة وأن هناك جهات تعمل على الهيمنة والاستحواذ"، وأشار الى أنّ تلك الأجراءات أي التغييرات في قوام المفوضيّة "سوف تُفقد المفوضية حيادها واستقلاليتها، وعلى القضاء ومجلس النواب التدخل لكشف من يقف وراء تلك التغيرات"، فيما وصف التغييرات الأخيرة بـ"المجزرة، وأنها تدمر الديمقراطية والثقة بالانتخابات".

أن بيان قوى التغيير الديموقراطية الأخير، وهو يعبّر عن قلق هذه القوى من التغييرات التي جرت وتجري داخل دوائر المفوضيّة ، قد أصاب جمهورها بالأحباط، ويعتبر البيان أعلان خسارة مبكرّة لهذه القوى قبل بدء الأنتخابات. والبيان أتّهم رئيس الوزراء بشخصه ومركزه بخدمة الماكنات الأنتخابية لقوى ممثلة في السلطة، من خلال تعيينه مستشارين لهذا الغرض. وذهب البيان ليعلن عزوف واسع عن المشاركة في الأنتخابات القادمة حينما قال: "إنّ قوى التغيير الديموقراطية ستعمل على فضح أي أجراء يثلم صدقية العملية الأنتخابية والديموقراطية. وتحمّل الحكومة والمفوضّية أية تداعيات يمكن أن تترتب على إجراءات منحازة الى جهات متنفذّة وتضعف ثقة المواطنين بالعملية الأنتخابية وتحدّ من المشاركة الواسعة فيها". وفي نهاية البيان أكّدت القوى الديموقراطية على "حرصها الكبير على حماية أصوات ناخبي تحالف قِيَمْ المدني، الساعين الى التغيير الديموقراطي". والسؤال هنا هو كيف، وما هي آليات عدم ضياع أصوات ناخبيها.

دائما اعترف عندما تكون مخطئا فانت بذلك توفر الاف العلاجات كما ستكسب بعض الاصدقاء ... (هارفي فيرستين)

***

زكي رضا - الدنمارك

21/9/2023

في الوقت الذي خفتت فيه نسبيا الفتاوى المضللة والكاذبة والمروجة لفكرة كون الكوارث الطبيعية - والزلازل من بينها- هي من غضب وعذاب الله على عباده على كثرة خطاياهم ومعاصيهم، التي ملأت شبكات التواصل الاجتماعي في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب مساء الجمعة 8 سبتمبر، والتي وبثت القلق بين عامة المغاربة، وأرهقت نفسيات المتضررين من الزلزال .

في هذا الوقت الذي يعرف فيه المغرب الهبة التضامنية غير المسبوقة، والتفاعل الكبير، والتعاطف الكاسح الذي فرضه ما تميز به الشعب المغربي من "تمغربيت " التي عبر من خلالها على مختلف مظاهر التآزر والتضامن والتعاضدة والمواساة التي جعلت الشعب متراصا في وجه المحنة؛ خرجت علينا بعض الجهات للترويج  لأفكار وفتاوى جديدة تعبق بروائح المتاجرة بمآسي البشر المغلفة بـ"قشابة" الدين المتمثل في استغلال الفتيات القاصرات اللواتي فقدن عائلاتهن جراء الكارثة المدمر، بدعوى بحمايتهن  من الضياع، وانتشالهن من محن الكارثة الإنسانية، وحمايتهن من مخاطر الهشاشة التي قد يتعرضن لها، وذلك بكفالتهن بالزواج الذي هو - حسب شريعة مشايخ القبح - ستر وحفظ للمرأة، الشرح الخاطئ والمخالف للمنهج القرآني، الذي جعل الزواج ستر للرجل والمرأة معا وليس للمرأة وحدها، بدليل قوله تعالى: "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن".

هذا التآزر المشبوه وذاك التكافل الملغوم، الذي أثار موجة من الاستياء لدى فئات واسعة من الفاعلين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هو من حرض العديد من المنصات الفيسبوكية على التساؤل حول مصداقية هذا النوع من التكفل بالمنكوبات القاصرات عبر الزواج المبكر -الممنوع بالمغرب إلا بإذن القاض*، والذي يشتم منه وفيه روائح زواج الشفقة الانتهازي غير المقبولة لا أخلاقيا ولا إنسانيا، والذي أقل ما يمكن أن يوصف به هو أنه من أفعال مجرمي الحروب مستغلي الكوارث المتاجرين بمآسي الضعفاء، الأمر الذي دفع بالعديد من الفعاليات الحقوقية والمدنية للمطالبة  بتطبيق القانون الذي يحمي الأشخاص من بكل أنواعه  النصب والاستغلال وتحت أي مسمى كان، وخاصة منه استغلال  الأطفال اليتامى والفتيات القاصرات اللواتي هن في حاجة للدعم النفسي أكثر من أي مساعدة أخرى، حتى لو كان عبر الزواج الذي لن يتجاوزن به ما يعشنه من صعوبات ومحن  كارثة الزلزال، والذي لن يجعلهن في مأمن من المخاطر النفسية، التي قد يتكبدن تبعاتها جراء الاستغلال المغلف بغطاء التضامن والتعاضد والتكفل بالأطفال اليتامى الذين فقدوا أسرهم وأضحوا بدون سند أو مورد، الموضوع الذي حظي بالأولوية وبالاهتمام الكبيرين لجلالة الملك، الذي أعطى أوامره بإحصاء ضحايا الزلزال من الأطفال اليتامى القاصرين وإحاطتهم برعايته الكريمة والشاملة الكريمة المتمثلة في ومنحهم صفة مكفولي الأمة*، المبادرة الملكية التي ستمتعهم بحق الرعاية الصحية المعنوية والمساعدة المادية المنصوص عليها في القانون، وتقطع الطريق بشكل نهائي أمام كل من يصطاد في الماء العكر ..

وصدق من قال: للوطن رب وملك وشعب يحميه،  ويجعله كثلة متراصة في وجه المحن ..

***

حميدطولست

....................

هوامش

*ــ تمنح المادة 20 من مدونة الأسرة المغربية (مدونة الأحوال الشخصية)، للقاضي السلطة التقديرية بقبول أو رفض طلب تزويج القاصر، وهو الاستثناء الذي يعتبره الحقوقيون قد تحول إلى "قاعدة" بالنظر للأرقام المسجلة لزواج القاصرين سنويا

*ــ من هم مكفولو الأمة؟:  إن مكفولي الأمة، حسب القانون رقم "97-33" هم الأطفال المغاربة الذين قتل آباؤهم أو أولياء أمورهم الرئيسيين بسبب مشاركتهم في الدفاع عن المملكة أو أثناء قيامهم بمهام المحافظة على السلم أو عمليات إنسانية بأمر من القائد الأعلى ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الملكية

يثير مشروع الربط السككي بين إيران والعراق وسوريا والذي وضع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني منذ اسابيع، الحجر الأساس له اهتمام الصين قبل اي دولة اخرى والتي يحاول البعض تضعيف قدرة هذا الخط في دعم الاقتصاد العراق وصفحة جديدة للتعاون بين دول المنطقة والعالم و يمكن عبرهذا الخط نقل البضائع من والى الصين ومن ثم إلى أوروبا وأفريقيا عبر البحر الأبيض المتوسط بسرعة وربطه بمبادرة 'الحزام والطريق'، إذ يصل المشروع السككي بين خطوط مدينة الشلامجة الإيرانية في محافظة خوزستان وخطوط السكك الحديدية العراقية في مدينة البصرة، ويمر عبر مدن عراقية عديدة تساعد على إيجاد فرص عمل للأيدي العاملة  وينتهي عند ميناء اللاذقية في سوريا و إيران تحملت مسؤولية عن بناء جسر بطول 900 متر (953 2 قدمًا) فوق الممر المائي الذي يفصلها مع العراق لتسهيل مهمة انتقال المسافرين بين البلدين، والمعروف باسم ' نهر أروند' في إيران وشط العرب في العراق. وقامت إيران بالفعل بتوسيع شبكة السكك الحديدية الخاصة بها إلى الحدود وجادة في بناء الجسر فوق الممر المائي الذي تعهدت بناءه. أما بالنسبة للعراق فإن استكمال هذا الخط والذي يربط بين البصرة و شلامجة هو جزء من خططه الخاصة لمواصلة تطوير خطوط السكك الحديدية و السعى لإنشاء خط سكة حديد بطول 1,200كيلومتر (745 ميلًا) و بكلفة 17 مليار دولار وهو موازٍ يربط بين ميناء الفاو الجنوبي في محافظة البصرة بتركيا، والذي من المقرر أن يكتمل بحلول عام 2025  ولكن لا يزال بنائه  ضبابي ليس سهل المنال في ظل الظروف الحالية التي جعلت من ان الحكومة تهتم بالأمور الداخلية مثل الخدمات واعادة البنية التحتية التي أهملت في السنوات الماضية بسبب الفساد ، والجوانب و القضايا التقنية، و قد يكون للطرق البديلة الأسبقية. وفي ظل هذه الخلفية، قد تمر سنوات قبل أن يتمكن المسافرون من عبور الممر المائي الذي يقسم إيران والعراق بالسكك الحديدية ، فبالإضافة إلى ارتباط هذا الخط بمواقع مهمة أخرى في البلاد مثل  العتبات المقدسة في بغداد وكربلاء والنجف وسامراء ومن محافظات اخرى، يمكن أن يصبح  هذا الخط جزءًا من شبكة دولية أوسع ويمكن أن يساعد هذا في زيادة عدد السياح بما في ذلك زائرو الأماكن الدينية ما سيستقطب عددًا أكبر من الزائرين ويدر أموالًا أكثر على البلاد، فمن المتوقع أن يتم بناء خط سكة حديد يغطي مسافة 32 كيلومترا (20 ميلًا) من البصرة حتى الحدود وكذلك من خلال المشروع   تطوير الطرق الدولية مع إيران، أفغانستان وباكستان وتركمانستان وطرق أخرى قد تصل إلى ميناء اللاذقية على ساحل البحر المتوسط في سوريا. وتعد السكك الحديدية مركزية لممر ناقل دولي بين الشمال والجنوب، وهو مشروع طموح يسعى لربط الهند بآسيا الوسطى وروسيا عبر إيران ، و يحمل ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب الكثير من الوعود لطهران التي تضاعف اهتمامها به في ظل العقوبات الغربية على موسكو بسبب غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

والغاية من المشروع هو الممرين البحري والبري لطريق الحرير البحري يمتد من شمال الصين إلى أوروبا وأفريقيا عبر البحر الأحمر، والطريق الآخر يمتد من الصين إلى موانئ إيران الجنوبية التي تتمتع بموقع جيوستراتيجي مهم، ومنها تشحن البضائع، أما الطريق البري فيمتد من جنوب الصين إلى كازاخستان ثم آسيا الوسطى ثم غرب إيران، ومن غرب إيران تتفرع ثلاثة طرق أحدها يذهب إلى إسطنبول ثم إلى أوروبا والآخر إلى أذربيجان. أما الطريق الثالث الذي يهم العراق، وهو الذي يربط إيران مع العراق وسوريا، هو الطريق الوحيد الذي يربط بطريق الحرير، أو من خلال ميناء الفاو الكبير”.

وخلال شهر نيسان/أبريل الماضي، زار وزير الطرق والبناء الإيراني مهرداد بذرباش دمشق  لهذا السبب من اجل التنسيق للبدء العمل بالمشروع، وربما تريد الصين المضي قدماً بهذا المشروع اليوم أكثر من أي وقت مضى، بعد إطلاق مشروع الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي عبر الشرق الأوسط خلال قمة مجموعة العشرين التي عقدت مؤخراً، والغرض من الممر هو منافسة مشروع 'الحزام والطريق'، وفي إطار آخر، من المحتمل أن تكون الصين راغبة في المجازفة والعودة إلى الاستثمار في قطاع النفط في سوريا واستكشاف آبار جديدة. وللشركات الصينية  العائدة لها  حقول نفط في شمال شرقي سوريا الذي يتمتع بالحكم الذاتي ، وأجرت عام 2016 مفاوضات مع الإدارة الذاتية الكردية حول مستقبل حقولها، لكن المفاوضات لم تفضِ إلى نتيجة ، وربما تعيد الصين اليوم التفاوض مع الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها من الضروريات للاستمرار في عملها، ولكن نجاح المفاوضات أو فشلها يتوقف على مدى التدخل الخارجي بالذات واشنطن والتقائهم مع  مسؤولين في الإدارة الذاتية "و المسمات من قبلها" في شرق وشمال سورية والضغوطات على الحكومة العراقية من اجل اضعافها ،، ولكن رغم كل ما ذكر من أجل تنفيذ هذا المشروع المهم فإن الإرادة السياسية لقادة الدول ووجود جو خالٍ من التوتر بينهم أمر ضروري أكثر من أجل إكمال هذا المشروع والمشاريع المستقبلية التي تأتي الازدهار للمنطقة

***

عبد الخالق الفلاح باحث واعلامي

يقول علماء الاجتماع ان لكل منا -وإن لم نشعر- حاجة للولاء الى جهة معينة، وتدفعنا لهذا الولاء غرائز عدة، تنمو وتكبر معنا وتتشعب بازدياد متطلبات حياتنا. فأول ولاء كان لحظة ولادتنا، إذ سعينا الى أثداء أمهاتنا من دون إدراك، ثم أعقبه ولاء ثانٍ في سني طفولتنا الأولى، وثالث في مدارسنا، وحين دخلنا معترك الحياة العملية كان بانتظارنا ولاء رابع.

والانسان السوي يضع للولاء ضوابط، تدخل في بلورتها التزامات اجتماعية وأخلاقية، فضلا عن البيئية والظرفية. وقبل كل هذه الولاءات وبعدها وخلالها، هناك سقف كبير يجمع الكل اينما كانوا، ذاك هو سقف الوطن، وهو فرض على كل من يدعي الولاء له بدءًا من أكبر رأس فيه، وصولا الى ابسط مواطن.

إن الولاء في عراقنا صنفان: الأول الى الدولة، وهذا تحدده اربعة ثوابت هي: "هوية الأحوال المدنية، شهادة الجنسية، البطاقة التموينية وبطاقة تأييد السكن". أما الصنف الثاني فهو ولاء الى أرض العراق ومائه وسمائه وماضيه ومستقبله، إذ يسمو الى مافوق المحددات، فلا تحده مستمسكات او صور او طوابع، ولاتقيده صورة قيد.

والصنف الثاني من الولاء يحتم على الذين يشعرون به إبداء المواقف الفعلية علنا، بل والتفاخر بها أمام الملأ. وليعلموا أن بولاء أبنائه فقط يتمكن العراق من الوقوف بوجه التدخلات الخارجية، فكما يقول مثلنا: (الما يدني زنبيله محد يعبيله) وبولاء أهله يضع يده على جرحه النازف الذي شارك فيه أعداء الداخل قبل الخارج، وكما قيل: (عينك على مالك دوه).

ولايخفى على الجميع كم هي مظلومة هذه القيمة عند نسبة لايستهان بها من العراقيين، وقد راح كثير من المحللين في تفسير هذا الى أن نظام البعث، بلور الوطن بشخص واحد، فارتبطت الأرض به، ومفردات الدولة باسمه، ومستقبل العراق بمستقبله، حتى غدا الولاء حكرا له بين قوسين حصريين، فإذا قال صدام قال العراق. فانمحقت صورة الوطن أمام بهرج صورة السيد الرئيس المبجل حفظه الله ورعاه، واندرست معاني الوطنية تحت أقدام القائد الضرورة، واستدارت بوصلة الفداء 180 درجة، معرضة وجهها عن الوطن، متجهة صوب "أبو حله" فهانت الروح ورخص الدم، فبالإثنين نفديك ياصدام، لانفديك ياوطن.

ولم ينته الأمر عند هذا الشخص وذاك الحزب، إذ توالدت منذ عشرين عاما عشرات الأحزاب، وتكاثرت بالانشطار اللاحياتي واللاحيائي مئات الشخصيات، وما يؤسف له أن قاعدة جماهيرية واسعة من أبناء الوطن، شطت عن الولاء السوي، وانزلقت في دهاليز الذيلية والتبعية، فحق عليها بيت الشعر:

لاخير في ود امرئ متلون

إذا الريح مالت مال حيث تميل

ومازال الوطن يئن تحت تشظي ولاءات أبنائه، فمنهم من أدار أشرعته تبعا لريح مصلحة مادية خاصة، وآخر اختار الفئة ليكنّ لها الولاء المطلق، على حساب وطنه وأهله لقناعة تنم عن جهل وتخلف وسوء فهم، ومنهم من تأبط شرا أتى به من خلف الحدود، ليكتوي بشرره من في داخلها، خدمة لأسياد وأجندات كان قد كلف بإتمامها، ومنهم من ارتدى زي "أبو رغال" من لامة رأسه حتى أخمص قدميه، فكان بارا خدوما للغرباء، رحيما رؤوما بهم، فيما هو شديد على أبناء جلدته.

وقد سجلت لنا أحداث كثيرة، علامات بارزة في ابتعاد بعض أهل البلد عن الولاء له، وبصقوا في نهرين لطالما رووا ظمأهم من مائيهما، ولعلهم المقصودون بكلمات قالها "حسن خيوكه" قبل ثمانين عاما في البستة البغدادية:

من البير لو مي شربت

بالك تذب بيها حجر

لابد تعود وترتوي

ويحودك عليها القدر

***

علي علي

عندما وقع زلزال كشمير في باكستان (8\10\2005)، بقوة 7.6 درجة على مقياس رختر، وراح ضحيته أكثر من (73000) قتيل و (128000) مصاب، تحاورت مع أحد الأخوة الباكستانيين، فأدهشني جوابه، إذ قال :"إنه عقاب الله لأنهم فسدوا وهذا جزاء المفسدين"!!

وتجدنا اليوم أمام زلزال المغرب، ونقرأ ذات التخريجات والتبريرات، وكأن الأمر ضربة لازم.

اليابان أفظع بقعة للزلازل في الأرض، فهل يفكر اليابانيون هكذا؟

إنهم أبدعوا بإقامة البنايات الشامخة المقاومة للزلازل، وتعلموا كيف يقللون مخاطرها، ويتوقون من عدوانها، فالزلازل مهما إشتدت وتعاظمت لن تتسبب بكوارث عظيمة عندهم مثلما تفعله في ديارنا.

إنهم يواجهون ويتحدون ويبتكرون، ونحن نستسلم ونجتهد بالتبريرات التخميدية الإستسلامية، وما أقرب قميص الدين والرب العظيم، فلا نستطيع خلعه، ونتمسك به ونحسبه مفتاح الغيوب؟

الزلزال أصاب المغرب (8\9\2023) وتسبب بخسائر كبيرة، وكانت درجته (6.8)، لأن البنية التحتية غير مؤهلة لمقاومته، ولا توجد دراسات ومعايير للبناء المطلوب، فلكل مكان ما يلائمه من أساليب البناء ، ونحن نفتقر لهذه الآليات العمرانية.

الأرض تدور وباطنها يغلي، وترتعش خوفا، وزلازلها متواصلة، ولا نستشعرها إلا عندما تتجاوز (4.5) درجة، وهي كائن حي ينبض معبرا عن حيويته، ونبضها الدائب قد يُصاب بإضطراب بين فترة وأخرى كما تصاب قلوب البشر، فتتسبب برعشة قوية، أو تتقيأ النيران من بطنها الفوارة.

ويبدو أن أكثر النيران تلفظها في البحار والمحيطات، وربما الزلازل تكون في بواطن ثلاثة أرباعها المغمورة بالماء.

ترى ألا حان الوقت للقول: تبا للولولة، وأهلا بالعلم والجد والإجتهاد؟!!

***

د. صادق السامرائي

18\9\2023

اقرت المحكمة العليا العراقية بطلان مصادقة البرلمان على الاتفاقية العراقية الكويتية الخاصة بتنظيم الملاحة في خور عبد الله، كون ان المصادقة عليها لم تكن دستورية، اي انها جاءت او جرى المصادقة عليها بخلاف ما نص عليه دستور 2005؛ الذي يتطلب حضور ثلثي اعضاء البرلمان، وهذا هو ما لم يكن متوفرا عند المصادقة على هذه الاتفاقية، فقد حضر 80 – 85 من اعضاء البرلمان. كما ان المصادقة جرت في عام 2013، ولم تبدِ المحكمة او تقول رأيها في هذه الاتفاقية الا في الرابع من ايلول/ سبتمبر 2023. ان هذا التأخير يستفز عقل المتابع عن اسباب هذا التأخير وموجباته؛ أذ، لا يوجد ما يبرره. الكويت رفضت هذا الرفض العراقي لاتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله؛ والذي جاء عبر بطلان المحكمة العراقية العليا لهذه الاتفاقية. الكويت احالت هذه الاتفاقية الى قرار مجلس الامن الدولي 833 بأن الحكومة العراقية والبرلمان العراقي ملزمان بتطبيقه. هذا القرار أصدره مجلس الامن الدولي، في عام 1993، وقد اقرت به حكومة العراق للنظام السابق قبل 2003، في عام 1994. هذا الاقرار جاء على وجه الاضطرار في ظروف العراق المعروفة في ذلك الوقت حين كان يرزح تحت الحصار الجائر، وتحت البند السابع، الذي يسمح باستعمال القوة العسكرية في حالة عدم تنفيذ العراق لقرارات مجلس الامن الدولي، وكان قرار المجلس 833 هو واحد من حزمة قرارات، كان على العراق تنفيذها كاملة. إنما الحكومة العراقية في وقتها وفي قبولها بتنفيذ القرار، وفي مضمون رسالة قبولها به الى مجلس الامن الدولي؛ ابدت قبولها به مع تحفظها عليه، كما انها وفي ردها عليه؛ اكدت على اهمية الرجوع في تنفيذ هذا القرار الى الاتفاق العراقي الكويتي في عام 1963 والذي هو واحد من وثائق مجلس الامن الدولي، كون المجلس تبنى او ان المجلس صدر منه هذا القرار وفقا او تنفيذا للاتفاق العراقي الكويتي، والذي من ضمن حيثياته هو اعتراف العراق بالكويت دولة مستقلة، بما يتضمن هذا من تحديد حدود دولة الكويت. هذه الحدود هي في المطلاع وليس في صفوان؛ حسب قول المراقبون من ذوي الاختصاص القانوني من العراقيين؛ أن مئات من جوازات السفر مختومة بختم الدخول والخروج من المطلاع، وليس من اي مكان اخر على الحدود بين العراق والكويت. الكويت وبسبب انشغال العراق سواء بالحروب الخارجية مع الجوار العربي والاسلامي والداخلية ايضا، او بالانقلابات العسكرية، وصراعات السلطة؛ استثمرت هذا الانشغال، وقامت بالقضم المستمر للأراضي العراق، في البر وفي البحر، اضافة الى سرقة نفط العراق من خلال اتباع طريقة الحفر المائل، هذه السرقة كانت قد اقرت بها الحكومة الكويتية في حينها. مسألة  نزاع الحدود بين العراق والكويت لم تكن وليدة اليوم، بل انها كانت منذ استقلال الكويت، ولا تزال حتى الآن. في عام 1973طلب العراق في عهد النظام السابق من الكويت؛ تأجير جزيرة بوبيان لفترة طويلة؛ كي يكون له اطلالة واسعة على الخليج العربي، يتم استثمارها في الناحيتين التجارية والعسكرية، لكن الحكومة الكويتية رفضت هذا الطلب العراقي. في عام 1977حدثت مناوشات على الحدود بين العراق والكويت وتم في حينها؛ وأدها في مهدها؛ من خلال او بواسطة تدخل الجامعة العربية. بالعودة الى الغاء المحكمة العراقية العليا؛ مصادقة البرلمان العراقي على الاتفاقية المذكورة؛ هذا الإلغاء جوبه بردود افعال متشنجة من الجانب الكويتي، ومساندة دول الخليج العربي للكويت والوقوف الى جانبه في هذا  النزاع. السؤال هنا كيف يتم وعلى اي طريقة يتم تسوية الامر، او التوصل اتفاق بين الجانبين العراقي والكويت في حل هذا النزاع؟ من وجهة النظر المتواضعة؛ هناك طريقان لحلحلة هذا النزاع الحدودي؛ تحويل النزاع الى محكمة دولية، استبعد هذا الخيار على الاقل في ظروف العراق الحالية. وثانيا، ربما كبيرة جدا؛ يتم اعادة التصويت من جديد على الاتفاقية تحت قبة البرلمان. السؤال الثاني وهو السؤال الاهم والاخطر: ما الذي يجعل الكويت تصر على غلق منافذ العراق على البحر، وهي اصلا ثغور ضيقة جدا، كي يكون دولة منغلقة ليس لها مساحة تطل منا على مياه الخليج العربي، ومنه الى اعلى البحار؟ بينما من الجانب الثاني؛ ان الكويت لها مساحة كبيرة جدا، اكثر من 500كيلو متر؛ تشرف منها على سواحل الخليج العربي. ميناء مبارك هو الأخر ايضا ليست الكويت بحاجة له وفي هذا الموقع بالذات المطل على خور عبد الله، بحيث ووفق الاتفاقية بتسوية الملاحة في خور عبدالله ليس وفق خط التالوك الذي يعني ان يعبر التقسيم من المياه العميقة التي تصلح للملاحة، بل من خط منتصف في خور عبد الله، وهذا وحسب خبراء هذا الاختصاص، تكون حصة العراق من خور عبدالله في المياه الضحلة. من نافلة القول الاشارة هنا على ان العراق وفي السبعينيات كان قد قام بأعمال كبيرة جدا في خور عبد الله من الكري الى بناء المنشاءات وانفق فيها عشرات المليارات في حينها، ولم تعترض الكويت ابدا، ولم تشتكِ لا في مجلس الامن الدولي لا في الجامعة العربية. ان هذا الاصرار الكويتي على ألحاق الضرر بالعراق يثير لدى المتابع الكثير من علامات الاستفهام والاسئلة حول دوافع هذا التعنت والاصرار على هذا الطريق، خصوصا وان الكويت لا تحتاج الى الملاحة في خور عبد الله بالمطلق و لا ميناء مبارك. يجري كل هذا، في ظروف المنطقة العربية وفي جوارها؛ من مشاريع للقوى الدولية في حقلي طرق التنمية والممرات الدولية، سواء على البحار او على البر، والأخير؛ بشكليه السككي والبري، ربما ان هذه المشاريع الدولية كانت على الورق يوما ما وزمنا ما؛ حتى تم انضاج ظروف اقامتها على الارض؛ مما يعني اخراج العراق عمليا من هذه المشاريع ويظل ممر ليس الا.. للبضائع التي لا تنقل عبر موانئه، بل من الموانيء الاخرى، وفي ذات الوقت يكون رهينة للدول المحيطة به، وكما ايضا، للقوى الدولية الكبرى الراعية لهذه الدول المحيطة بالعراق، وللمشاريع المشتركة بينهما. في حالة تثبيت الحدود بين العراق والكويت وبالطريقة التي حددها القرار 833، وبالذات، بل على التحديد الحصري، الحدود البحرية؛ يكون العراق عندها، وفي حالة تنفيذ هذه المشاريع؛ مجبرا على الانصياع لإرادة الدول المحيطة به سواء العربية او غيرها، والدول الكبرى المشتركة معها في هذه المشاريع، والا فانه يموت اقتصاديا وتجاريا. هذا من جانب اما من الجانب الثاني؛ ان تقليص مساحة الساحل العراقي المطل على الخليج العربي؛ يقلص ايضا الجرف القاري والمياه المتاخمة، والمياه الاقتصادية؛ مما يسلب من العراق حقوقه في هذه المياه. جزيرة الدرة اذا كان خور عبد الله وكما هو في الحقيقة التاريخية، عراقي بلا ادنى شك؛ تقع تلك الجزيرة في المياه الاقتصادية العراقية، مما يعني ان حقل الدرة عراقي من غير ان يكون مشترك لا مع الكويت ولا مع السعودية ولا مع ايران.

***

مزهر جبر الساعدي

ذات يوم كنت أتناول طعام الغداء مع مفكر صيني من محبي الرئيس ماو، وقد عاصره منذ طفولته، ويرى أنه صانع الصين الحقيقي ومخرجها من ظلمات المكان والزمان.

تحاورنا في مواضيع متنوعة، ومما قاله: إن الصين إذا إحتاجت للمطر ستصنعه !!

وذلك تعليقا على أنباء تتوارد عن قلة المياه في نهري دجلة والفرات، ثم أردف مازحا: "لماذا لا تؤجرون بلادكم للصين لبضعة سنوات، وستعرفون ما هي، العيب فيكم وليس بوطنكم"، " قيادتكم فاشلة وعقليتها ساذجة"!!

وتحيّرت في الإجابة، فأخذته إلى مواضيع أخرى، وبعد برهة صمت وسألني: هل تتصور سنحتاج لأدمغتنا في نهاية القرن الحادي والعشرين؟

قلت: ماذا تقصد؟

قال: سنصنع أدمغة متفوقة على أدمغتنا، ربما سنزرع شريحة في الرأس أكثر ذكاءً منا!!

قلت: ذهبت بعيدا يا زميلي!!

قال: الواقع التقني يخبرنا بأننا سنصنع إنسانا آليا أذكى منا، فلماذا لا نحوّر أنفسنا، ونطورها بزرع شرائح ذكية في رؤوسنا؟

صدمني سؤاله وتعليله، وكأي شرقي رحت أحدث نفسي عن أوهامه وشطحات خياله!!

وبعد أعوام وجدتني أمام طروحات عن الذكاء الإصطناعي، وما سيفعله في المستقبل، وكيف سيكون الكائن  البايولوجي ضعيفا أمام الكائن التكنولوجي.

الكومبيوتر سيقوم بكل شيئ، وفي واقعنا المعاصر، فقد البشر الكثير من مهاراته، لأن الكومبيوتر يؤديها أفضل منه، ولن تجد اليوم تلميذا ينجح في جدول الضرب، لأنها تأتية بالجواب الفوري.

فنحن أمام هيمنة الروبوتات على مهارات البشر الدقيقة، والكومبيوترات تعطيك القرارات والنتائج التي تستنزف أياما وشهورا، فتقدمها لك فورا.

وأجدنا لا نزال في بداية الطريق، فالعقود القادمات ستكشف ما لا يخطر على بال الأجيال المعاصرة.

فهل سنصمد في عالم تتخاطب فيه وتتعلم من بعضها الكومبيوترات؟!!

***

د. صادق السامرائي

18\9\2023

إن الأخلاق في واقعها العملي ليس لها تعريف واضح ولا منهجية علمية، بل هي متغيرة التعابير من مجموعة لأخرى، ومن موقع لآخر. وأن هذه الفوضوية تجعل من العقل والعلم أن يشك في أصلها، ويدقق بانعكاساتها وفوائدها وسلبياتها.

اذا بدأنا بربط الممارسات الاخلاقية مع أخلاقيات الطبقة السياسية الحاكمة سنجدها متفقة تماما، بل سنجد أن السلطة ترعى هذه الأخلاقيات وتروج لها وتصرف الأموال، إذن؛ هل هذا الترويج من أجل إصلاح المجتمع؟ أم إنه لاهداف ربحية لافراد السلطة تتعلق بالانتاج؟

فأن قلنا لإصلاح المجتمع فهنا ذهبنا الى الغباء السياسي، لأن إصلاح المجتمعات تتم بالمساواة الإقتصادية والسياسية وتوفير حاجات الناس وحماية حقوقهم ومصالحهم بشكل متساوي، وهذه الاجراءات ليس لها علاقة بالاخلاق المجتمعية، إذن السلطة تروج لأخلاقها ليس لإصلاح المجتمع بل لتسيطر على قوى الإنتاج الذي يوفر أرباح إقتصادية لأفراد السلطة ويبقي على الوضع القائم للنظام السياسي الحاكم دون محاولات تغييره، لأن أي حركة تغيير هنا أو هناك سيهاجمها المجتمع نفسه بأنها ليست على نفس "أخلاقياته" وبالتالي أصبح المجتمع مدافعاً على افراد السلطة السياسية الحاكمة دون شعور وأن كان رافضاً لهم معنوياً.

ولو رجعنا الى الوراء سنجد أن الطبقات المالكة للحكم السياسي هي المسيطرة أخلاقيا وتعكس أخلاقياتها على المجتمع حتى تتجذر تلك الاخلاقيات في المجتمع وتتحول الى عادة بديهية تتدافع عنها الأجيال بغباء مركب، سواء في الأنظمة الرأسمالية أو الإقطاعية.

ولو تركنا كل ما سبق وطرحنا سؤالاً: هل الأخلاق يوما غيرت وضعاً سياسيا حاكماً متردياً وهل أرجعت حقاً !؟.

لذا الأخلاق مسألة نسبية وجزء من البنية الفوقية الى جانب الفلسفة والقانون والدين السياسي والاقتصاد، وتتغير مع تغيير المرحلة والعصر حسب تطور المجتمع فمثلا: ضرب المرأة كان جزء من الأخلاق واليوم من اللا أخلاق، وضرب الأب لابنائه كان جزء من الاخلاق واليوم من اللا أخلاق، وضرب المعلم لتلاميذه كان جزء من الأخلاق واليوم من اللا أخلاق، والسرقة والفساد المالي والاداري كان جزء من اللا أخلاق بينما اليوم جزء من الأخلاق بشرعنته وتبويبه.

إن الانطلاق نحو التغيير مستنبطاً من وقائع الوضع الإجتماعي للبشر ومن أتفاق حاجاتهم جميعا في أي بقعة في العالم، لذا حين تحل قاعدة عدم الإضرار بالغير بدل الاخلاق فأنها ستنتج حياة آمنة للبشر وحريات فردية وسياسية وإعلامية ومساواة وعدالة إجتماعية واقتصادية…، لان هذه القاعدة تعمل لجميع البشر ولها تعريف واضح ومنهج علمي يستند على أن البشر متساوون ومتشابهون في كل شيء ولهم حقوق واحدة وعليهم ألتزامات واحدة. وهذه القاعدة لا تتغير حسب الأهواء المزاجية والسياسية والمكانية والإجتهادية وليست فوضوية ولا نسبية وهي جزء من البنية الإنسانية.

***

حسام عبد الحسين

في المجتمعات التي تتوارى فيها القيم، يختزل الإنسان مسعاه إلى تلبية غرائزه وتامين حاجاته المادية بأكثر الأشكال فجاجه مستعملا النصب والاحتيال الذي عمت جرائمه المؤسفة غالبية المجتمعات البشرية، والتي لم يسلم من أداها مغربنا الحبيب حتى في عز الكوارث والنوائب التي كثرت فيها قصص النصب والاحتلال  التي كان يتمتع غالبية أبطالها بمواهب خاصة للغاية في الخطابة وبلاغة القول، كبعض شيوخ الدين الذي يعملون على إقناع الناس بأنهم كتلة متحركة من الخطايا والذنوب والآلام والحطام ليسوقوهم بعدها كالنعاج إلى حظيرتهم، ليسلخوهم بها، والرقاة الذين يدعون إخراج الجن وإبراء المرضى، أو الدعاة المشعودين الذين يزعمون رؤية الغيب، أو فتيات الهوى اللواتي يوقعن بالرجال، أو غيرهم كثير ممن اتخذوا النصب والاحتيال مهنة للإيقاع بالغفلة والسذج ومتوسطي ومحدودي الذكاء والقابلين للانخداع، الذين يصدقون كل ما يسمعونه أو يتلقونه من الأكاذيب، بطرق وحيل كثيرة وعلى درجة عالية من الإتقان في الخطابة وبلاغة القول، التي يستخدمها المحتال في إقناع من حوله وتغييب قله، ودفعه إلى طاعته، والاستسلام لمطالبه، ليتمكن من الاستيلاء على أمواله أو ممتلكاته،  دون مقاومة وعن طيب خاطر، مستعملا أهم سبل النصب وأخطرها المتمثلة في: إيهام المجني عليه بوجود مشروع كاذب، أو خلق الأمل في ربح وهمي، أو إحداث وقائع مزورة، أو اتخاذ أسماء كاذبة، أو انتحال صفات غير صحيحة،وغيرها كثير من أساليب الاحتيال الصادمة من فرط سذاجة سيناريوهات صورها الكربونية المتكررة في الإيقاع بالضحايا السذج وضعيفي الشخصية ومتوسطي الذكاء ومحدوديه، الذين لم يستفيدوا مما تلقوه من النصوص الحكائية ذات الأبعاد الثقافية والتربوية المشجعة على الفطنة والنباهة وأخذ الحيطة والحذر، والمنبهة من مغبة الغفلة والسذاجة، والتي سمعوا الكثير منها في حكايات التراثية المسلية التي كانت تسرجها الجدات للأطفال، كحكاية "جحا"و"حديدان لحرامي" أو تلك التي تلقوها في المدارس والتي حفظوا بعضها عن ظهر قلب ، ولم يهتموا بما حملته من الحكم والمغازي، كحكاية "الثعلب والغراب "للافونطين  le corbeau et le renard de Jean de la Fontaine  القصة الشهيرة التي أحبها ورددها الأطفال بحماسة اندفاعية عبر العالم ولعدة عقود، والتي تدور أحداثها حول ثعلب ماكر وغراب غافل ينتهي به المطاف إلى فقدان طعامه بسبب سذاجته وتملق الثعلب، والتي استخلصت منها  الحكمة الشهيرة القائلة: Tous flatteur vit aux depens de celui qui l ecoute

والتي صارت مثلا مشهورا ليس في الغرب وحده، والتي تعني أن كل كذاب ودجال ومتملق يعيش على حساب الشخص الذي يستمع إلى كلامه ويثق به.

صحيح أنه يستحيل تجنب جرائم النصب والاحتيال، وأنها واقعة في كل زمان ومكان، وستقع مهما تباكى ضحاياها، ولن تتوقف أو تختفي طالما أن هناك غفلة وسذج يصدقون الأكاذيب وطماعون يهرولون خلف الربح السريع ، ومع ذلك، ودون شك، قد تتعاطف الآراء مع المجني عليه المتضرر من نصب النصابة واحتيال المحتالين، لكنه، في الغالب، لن يسلم من اللوم والعتب، كونه لم يُحسن استعمال عقله، ولم يعد ترتيب أوراقه وتدارك الوضع ويرتد على المحتال والنيل منه.

ويظل واجب الناس الانتباه، حتى لا تُخدع، وتخسر أموالها، وتهدر حقوقها بسبب الغفلة والسذاجة، التي ترفض بعض مصالح الشرطة والنيابة العامة والمحاكم في بعض الدول، تسجل الإبلاغ عنها، لكن لحسن الحظ فغن نفس المصالح في بلادنا، غالبا ما لا تغلق الباب في وجه ضحايا الاحتيال، حتى لا يفلت الجاني من العقاب ويهنأ بجريمته، وربما يتلقى المجني عليهم لوماً وتقريعاً لاذعاً على غفلتهم وسذاجتهم وتصديقهم لما يتلقونه من أكاذيب؟

***

حميد طولست

القيادة المتميزة تصنع مبدعين متميزين، وهذه ظاهرة متكررة في التأريخ البشري، وأمثلتها كثيرة، ومن دولنا مصر عبرت عنها بوضوح في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، فالعلاقة بين القيادة والإبداع طردية، أي كلما كانت القيادة ذات طاقات تثويرية ومنطلقات وثابة، أوجدت ما يوازيها من المبدعين الذين يمثلونها، ويتوافقون مع إيقاعاتها التفاعلية مع التحديات.

القيادة المتميزة تصنع البيئة الموائمة لولادة المبدعين الكبار، ولا يولد مبدع في بيئة متردية، ذات مفردات ذل وهوان، فالإبداع مرآة بيئته، كالشجرة بحاجة لتربة طيبة صالحة للإنبثاق والإثمار.

فالذين يتوهمون بوجود مبدعين لامعين في مجتمعات القيادات المتردية المهانة، لا يستطيعون إستحضار الأمثلة والبراهين على وجودهم، وربما يتخيلونهم، ويمعنون بتصورهم وكأنهم يرون سرابا!!

نظام الحكم القوي مهما يكن نوعه وطبيعته، يتسبب بولادات إبداعية فائقة التأثير والقدرة على تشكيل إرادة الحياة.

فأبو تمام، والبحتري، والمتنبي، عاصروا قيادات فذة أطلقت ما فيهم من الكوامن الإبداعية، فكانوا كما نعرفهم.

والعقاد، سلامة موسى، نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، يوسف إدريس، طه حسين، أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، وأمثالهم، توفرت لهم بيئة قيادية متميزة، فتفاعلوا مع زمانهم ومكانهم بإبداعية متألقة.

وفي بعض دول الأمة رغم توفر الطاقات الإبداعية الهائلة، لكنها خامدة لا قيمة لها ولا دور، لأن البيئة التي وجدت فيها لا تساهم في رعايتها وتبرعمها وإطلاق مروجوها الغناء، فهي طاقات مكبوتة تتوارثها الأجيال، منتظرة توفر الشروط اللازمة لإطلاقها، فالطاقات الكامنة لا تموت، وستنبثق ذات يوم.

قد يرى مَن يرى، أن ما تقدم لا مسوغ له، فهل يمكن الإتيان بدليل على أن الأوساط الإجتماعية المتردية تساعد على تنمية بذور الإبداع والعطاء الأصيل؟

البيئة القوية تلد الأقوياء!!

البيئات الضعيفة تجعل الأقوياء ضعفاء!!

فهل من قدرة على بناء القدرات الحضارية اللائقة بجوهرنا؟!!

***

د. صادق السامرائي

ما أشد وطأة القدر حين ينزل مبتليا النفس البشرية، ومنبها ضمير الانسانية، وما أرحم يد اللطيف وما أحناها وهي تمسح عن المبتلين جَهد البلاء،وسوء القضاء، لتعيدها إلى حول وقوة إنا لله وإنا إليه راجعون ..

إنها نافذة أمل، ومعراج صلة بأصل الانتماء،تُكفكف فيها العبرات، وترتوي فيها الروح تسلية وطمأنينة، بعد أن آلمها مصاب زلزال الحوز ونواحيه ’الذي نفذ وقعه بكل تجلياته الربانية والبشرية في كل قلب، فتباينت الخواطر.

الظاهر إبتلاء:

لعلها رسائل ربانية توقظ فينا موتى رقاد حطام هذه الفانية، وغرقى أنانيتها المائجة، التي استهلكت فينا كل أسباب الأمان الموصلة إلى الشُّقة الدائمة، وتآكل فينا كل رابط إنساني وكل وشيجة أخوية، فأصبح من ينظر إلى الدنيا بعيني إنسان مسكينا

.... لقد ألفتنا هذه المنبهات في واد غفلة جارف، قد عسكر عليه جند الملذات وكتائب المغريات، فكان الجواب لمن ينادي

(أقبل على النفس واستكمل فضائلها//

فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان)

لا لبيك ...

تلبدت سماء الخيرية فانقشعت عن:

الواقع فرحا:

لقد انبجس فجر العطاء عن عظات هذا الألم، وأشرقت معه شمس الإنسانية، وانبعث الضمير الإنساني من ركام التفاهة، وحطام السفاهة، فجاشت آبار السخاء والاحتواء والنجدة بالرواء، وهبت القلوب لتعانق بعضها، وأسرعت الأرواح وهي تحمل ألمها إلى مكان ألمها، فخلدت للشهامة قصصا تروى،وللعطاء صورا تحفظها الدنيا في ذاكرة قلبها .

فما أجمل لطف الرحمن، كم خرق لنا القدر من الحلم سفنا،وهدم لنا  القضاء من الأمل مدنا وقرى، لكن كما قال العارفون :  في كل قهر جلي هناك لطف خفي، فالذي قال: وإن كنا لمبتلين. هو نفسه القائل عز وجل (وماكنا عن الخلق غافلين.) هذه المعية هي فسحة الروح في وحشة مجابهة صدمات الاقدار، ومحاولة النفس البشرية مدافعة الابتلاء، وتخفيف القضاء، ليس تطاولا ولا سوء أدب مع الحضرة القدسية، لكنه تسليم ورضا يدفع إلى حسن الظن، ورأفة تتداعى له سائر جسد الأمة بالعطف والرحمة.

” ففي النهاية ليس مقدارالعطاء في الإخلاص، ولكن مقدار الإخلاص في العطاء.

فما أحوجنا إلى عطاء دون عدسات هواتف ذكية

ورقة وشفقة دون  إيه إيه

دخل الخليفة المنصور قصرا فوجد في جداره بيتا مكتوبا:

ومالي لا أبكي بعين حزينة

وقد قُرِّبت للظاعنين حُمول

وتحت البيت مكتوب فيه: إيه، إيه فقال: المنصور أي شيء إيه إيه

فقال الربيع: يا أمير المؤمنين إنه لما كتب البيت أحب أن يخبر أنه يبكي!!

فعندما تقدم عطاء فادفعه دون منٍّ ولا إيه إيه، إذا زلزلت القلوب زلزالها.

***

إبراهيم شكور

تنعقد هذه الأيام في نيويورك جلسات منظمة الأمم المتحدة التي أنشئت في عام 1945 بموجب ميثاق الأمم المتحدة وبلا شك فأن انبثاقها كانت خطوة في الاتجاه الصحيح  في محاولة القضاء على الاستخدام غير المشروع للقوة، من خلال التهديد برد عسكري، وهي واحدة من الأجهزة الستة الرئيسية للأمم المتحدة، وتحتل الجمعية موقع الصدارة بين تلك الأجهزة لإنها الجهاز الرئيسي للتداول وتقرير السياسات والتمثيل في الأمم المتحدة،وتضم الجمعية العامة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة والتي من أهم المواد التي يجب مناقشتها هي الحفاظ على السلم والأمن الدوليين حماية حقوق الإنسان تقديم المساعدات الإنسانية تعزيز التنمية المستدامة. لقد كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إنجازا مذهلا عندما اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 1948، حيث كان كاسحا في نطاقه وطموحه أكثر بكثير من أي نص قبله أو بعده. وعلى غير المتوقع تقريبا، وبخاصة بالنظر إلى مناخ الحرب الباردة السائد حيث استطاعت الأمم المتحدة الاتفاق في عام 1966 على معاهدتين رائدتين تتناولان الحقوق الأساسية في الميدانين المدني والسياسي، فضلا عن الميدانين الاقتصادي والاجتماعي، وكان نفاذ كل منهما في عام 1976 (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية). وفي غضون ذلك، شاع وضع المعاهدات بشأن أشكال محددة من حقوق الإنسان بدءا من حظر التعذيب (اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، عام 1984) وانتهاء بالقضاء على التمييز ضد المرأة (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، عام 1979)).

 وللحقيقة فأن منظمة الأمم المتحدة ليست أفضل ولا أسوأ إدارة من أغلب المنظمات الكبيرة. فهي تواجه تحديات ناشئة عن انتشارها العالمي، بيد أن هذا ما يواجهه أيضا العديد من المنظمات العالمية الاخرى  وسيواجه اي أمين عام ينصب تحديات قيادة ضخمة في إنعاش المنظمة والإبقاء على حيويتها ما دام ان  لا يزال عند الأعضاء الخمسة الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وروسيا والصين وفرنسا  "والذين هزموا ألمانيا وإيطاليا واليابان خلال الحرب العالمية الثانية" سكان القيادة والمحددّات الحاسمة لمستقبل هذه المنظمة، وقد يرغب أي منهم، أو لا يرغب، في مواجهة الحاجة العاجلة إلى إجراء تغيير جدي.

مع بداية النصف الثاني للقرن العشرين تغير الأمر بنوع آخر وهو  انتقل الاهتمام في العلاقات الدولية من إطار الدول والتزاماتها وحقوقها إلى الأفراد وحقوقهم. وبدأ الاهتمام بحقوق الأفراد يتوسع شيئًا فشيئًا، بداية من حقهم بالحياة ومنع التمييز العنصري، وصولًا إلى حرية الفكر والعقيدة والعمل.

لا تقل الحماية الدولية عن غيرها من مواضيع القانون الدولي أهمية، ولا تقصر عن غيرها في إثارة الخلافات الفقهية والقانونية، للوقوف على حقيقة هذا المصطلح، فالحماية الدولية تمثل في بعض الأحيان فعل من المجتمع الدولي لتجنب انتهاك حقوق الإنسان، وفي الأغلب ردة فعل على انتهاك هذه الحقوق، ويعد من الأهمية بمكان توضيح المراد بالحماية الدولية، والتي من الضروري تحديد نطاق عمل ويمكن تعريف فرعين منها للإحاطة بمفهوم الحماية الدولية والفرع الأول: حيث تعريف الحماية الدولية لحقوق الإنسان لغةً واصطلاحاً، ثم بيان مصادرها، أما الفرع الثاني :دراسة تطور الحماية الدولية ووصولها الى ما وصلت إليه، وكذلك أهمية الحماية الدولية في الوقت الحاضر،وهناك تسأل عن مستقبل هذه المنظمة الدولية، وما إذا كان العالم سيكون في وضع أفضل من دون الأمم المتحدة؟ لكن البعض يعتقد أن حق الاعتراض (الفيتو) المعمول به في مجلس الأمن على الرغم من عيوبه الكثيرة، فإنه كان ضرورياً ومفيداً في منع اندلاع صراع بين القوى النووية، كما أن الأمم المتحدة تواصل دورها في مجالات أخرى مهمة وسط الحروب التي تفشل في وقفها، مثل تقديم الإغاثة والمساعدات ورعاية اللاجئين والأطفال، فضلاً عن الجهود الدبلوماسية وقت الأزم

***

عبد الخالق الفلاح باحث  واعلامي

ترجمة: عبده حقي

الأخطار الطبيعية هي أحداث الطقس والمناخ الشديدة الخطورة للغاية . وعلى الرغم من أنها تحدث في جميع أنحاء العالم، إلا أن بعض المناطق تكون أكثر عرضة لمخاطر معينة من غيرها. وقد تتحول الأخطار الطبيعية إلى كوارث عندما تدمر حياة الناس وتقوض سبل عيشهم.

ويقدر الآن متوسط الخسارة السنوية العالمية المتوقعة في البيئة المرتبطة بالأعاصير المدارية (الرياح وعرام العواصف) والزلازل وأمواج التسونامي والفيضانات بنحو 314 مليار دولار أمريكي. ويشكل هذا الخطر تحديا حقيقيا للأجندة العالمية للتنمية المستدامة. (...) بالقيمة المطلقة، يتركز متوسط الخسارة السنوية العالمية في الاقتصادات الكبيرة ذات الدخل المرتفع والمعرضة للمخاطر. ومع ذلك، فيما يتعلق بالاستثمار الرأسمالي السنوي أو الإنفاق الاجتماعي، فإن العديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وخاصة الدول الجزرية الصغيرة النامية، لديها أعلى تركيزات هذه المخاطر.

وتشكل الخسائر البشرية والمادية الناجمة عن مثل هذه الكوارث عائقا رئيسيا أمام التنمية المستدامة. ومن خلال إصدار تنبؤات وتحذيرات دقيقة في شكل يسهل فهمه والعمل على تثقيف الناس حول كيفية الاستعداد ضد هذه المخاطر، قبل أن تتحول إلى كوارث، حيث يمكن حماية الأرواح والممتلكات. وينصب التركيز على الحد من مخاطر الكوارث فدولار واحد يستثمر في الاستعداد لمواجهة الكوارث من الممكن أن يمنع خسائر اقتصادية مرتبطة بها بقيمة سبعة دولارات ــ وهو عائد كبير على الاستثمار.

بصفته موقعًا على إطار سينداي للحد من مخاطر الكوارث للفترة 2015-2030، تعهد أعضاء المنظمة العالمية للأرصاد الجوية  (WMO) بمنع مخاطر الكوارث الجديدة والحد من مخاطر الكوارث الحالية من خلال تنفيذ مجموعة من التدابير المتكاملة والشاملة التي تمنع وتقلل من التعرض للمخاطر والقابلية للتأثر بالكوارث، وزيادة التأهب للاستجابة والتعافي وبالتالي تعزيز القدرة على الصمود. ومن أجل دعم تقييم التقدم العالمي في تحقيق نتائج وأهداف إطار سينداي، تم الاتفاق على سبعة أهداف عالمية، معظمها له آثار مباشرة على المنظمة وأعضائها.

يتم دمج وتنسيق أنشطة المنظمة للحد من مخاطر الكوارث مع المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية الأخرى. وتقوم بتنسيق جهود المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا للتخفيف من الخسائر البشرية والممتلكات من خلال تحسين خدمات التنبؤ والإنذارات المبكرة، فضلاً عن تقييمات المخاطر، وزيادة الوعي العام.

تحدث المخاطر الطبيعية عبر نطاقات زمنية ومناطق مختلفة، وكل منها فريد من نوعه بطريقة ما. فالأعاصير والفيضانات المفاجئة هي أحداث عنيفة قصيرة المدى تؤثر على منطقة صغيرة نسبيًا. وتتطور حالات أخرى، مثل الجفاف، ببطء، ولكنها يمكن أن تؤثر على معظم القارة والبلدان بأكملها لمدة أشهر أو حتى سنوات. كما يمكن أن تنطوي الأحداث الجوية القاسية على مخاطر متعددة في نفس الوقت أو في تتابع سريع. بالإضافة إلى الرياح العاتية والأمطار الغزيرة، يمكن أن تؤدي العاصفة الاستوائية إلى فيضانات وانهيارات طينية.

في خطوط العرض المعتدلة، يمكن أن تكون العواصف الرعدية الشديدة مصحوبة بمزيج من حجارة البَرَد الكبيرة والمدمرة، أو الأعاصير، أو الرياح القوية أو الأمطار الغزيرة التي تؤدي إلى فيضانات مفاجئة. يمكن أن تساهم العواصف الشتوية المصحوبة برياح عاتية وثلوج كثيفة أو أمطار متجمدة أيضًا في حدوث انهيارات جليدية على بعض المنحدرات الجبلية وفي ارتفاع جريان المياه أو الفيضانات في وقت لاحق من موسم الذوبان.

تتولى بعض المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا والمراكز المتخصصة مسؤولية التحقيق في المخاطر الجيوفيزيائية بما في ذلك الانفجارات البركانية (الرماد المحمول جواً) وأمواج تسونامي والمواد الخطرة المحمولة جواً (النويدات المشعة والمواد البيولوجية والكيميائية) والتلوث الحضري الحاد.

***

........................

* مقالة مترجمة عن موقع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.

دائماً ما يواجهني قرّاء أعزّاء بسؤال: لماذا تعود دوماً إلى تجارب الشعوب؟ البعض من القراء يضيف: هل تتوقع أن ساستنا ومسؤولينا يهتمون لما يجري في بلدان العالم؟.

أنا يا أعزائي، لا أكتب من أجل الساسة والمسؤولين، فأنا أدرك أن الكثير منهم يعتبر القراءة رجس من عمل الشيطان، وبالتأكيد، ولست أريد منهم أن يتجولوا في الأسواق مثل ميركل أو يركبوا الدراجة الهوائية مثلما يفعل بوريس جونسون عندما كان رئيسالوزراء بريطانيا، كل ما أريده وأتمناه أن أشاهد ضابطاً كبيراً في الشرطة أو الجيش يمشي في الشارع دون أرتال من الحمايات والسيارات المضللة، لا أقبل أن يتحسر العراقي وهو يشاهد مسؤول في بلدان العالم يذهب إلى مقر الحكومة من دون حمايات، فهذا نوع من أنواع البطر وقانا الله وإياكم "البطرانيين" امثال رئيس وزراء كندا الذي يحتضن المواطنين في الشوارع ويلتقط معهم "السيلفي". ياسادة نحن شعب يخاف على مسؤوليه بدليل أننا لا نزال نمنح الكثير من المسؤولين السابقين رواتب ومخصصات لأفراد حمايات غير موجودين على أرض الواقع، وأن معظم هؤلاء السادة يعيشون في بلدان اوربا. بل أننا ياسادة البلد الوحيد الذي يضع أفواجاً من الحمايات لشخصيات لا تملك مناصب في الدولة، ونقطع الطرق من أجلهم ونخصص لهم عشرات "الجكسارات"، فهل يعقل أن نسمح لمسؤول كبير بأن يتسوق بمفرده دون حمايات ولا مصفحات، ولا ضجيج؟. وهل من المنطق ان نسمح للناس ان تسكن بالقرب من بيت المسؤول، وان تتلصص عليه صباحا ومساء. ستقول بالتكيد : ما أعظم المسؤول حين يؤمن أنه إنسان عادي في زمن يصر فيه المسؤول والسياسي العراقي أن لايخرج إلى الشارع إلا وأفواج الحمايات تحيطه من كل جانب، خوفاً من نظرات الحسد التي يحملها المواطن العراقي لمعاليه.

ولهذا اتمنى أن لا يظن بعض القراء الأعزاء أنني أحاول أن أعقد مقارنة بين بلاد لا تبجل مسؤوليها وبلاد أصحاب الفخامة، لكنني أحاول القول دوماً، إن المسؤول الحقيقي مطلوب منه أن يعرف معنى التواضع وينظرون إلى العراقي باعتباره شريكاً لهم في الوطن، وليس مجرد نزيل لا يحق له حتى الشكوى.

ولهذا ياسادة ياكرام أجد أن الكتابة عن تجارب الشعوب، أهم وأنفع للقارئ من أخبار الأحزاب السياسية في العراق والتي تريد أن تدخل موسوعة "غينيس" وتعيد لنا حكاية علي بابا وحراميته، ولافتات العشائر التي لا تريد أن تغادر عصر الزعماء، وقوانين قراقوش التي تريد أن تعيد لنا مجالس المحافظات والتي لم تجلب لنا سوى الخراب، ولهذا وجدت أن أخباراً مثيرة عن شعوب حية، أجدى بالكتابة عن تخصيص " نفرين " حماية للدكتور حيدر البرزنجي !!. هذه ليست نكتة رجاء. أنها حقيقة.

***

علي حسين

العقل والنقل، التأويل والتفسير، مفردات مهيمنة على وعينا ومستلبة لإرادة مفكرينا ومثقفينا، ونخب الأمة بإختلاف توجهاتهم الإبداعية، وكأن أمم الأرض بلا أديان، وأمتنا ذات دين، ونشاطاتها ومنطلقاتها تتمحور حول الدين، وتتقيد بمناهجه وما تدل عليه نصوصه الدينية.

فربما منذ بدايات القرن التاسع عشر، والأمة متوحلة بهذه المفاهيم التي ما أوجدت ما ينفعها، بل مزقتها، فمذهبتها وحزبتها وطيفتها، وحولت نور دينها إلى نار لهّابة.

ترى لماذا لا تخرج العقول من قبضة النص الديني؟

لماذا لا تجد طريقا آخر لصناعة الحياة؟

إعمال العقول بالنصوص الدينية لن تأتي بجديد، فالأجيال المتواترة أعملت عقولها في كل كلمة وأدلت بدلوها، فما فائدة القول بذلك بعد قرون متراكمات؟

المطلوب إعمال عقول الأمة بالتحديات والمواجهات المعاصرة، وتأمين الحاجات الأساسية للإنسان، الذي إنتزعت منه قيمته ودوره، وتحوّل إلى رقم جاهز للإمحاء، بما يؤوّله هذا وذاك من أدعياء إعمال العقل بالنص الديني، ليأتونا بتصوراتهم ورؤاهم وبأنهم أصحاب الدين القويم، ويقبضون على الحقيقة المطلقة، وسواهم يحل سفك دمائهم، في الأشهر الحُرم.

الأمة تعوّق نفسها، وترهن أجيالها بالبهتان والعدوان على الحاضر والمستقبل، لتمحنها بدائرة مفرغة عنوانها إعمال العقل بالنص الديني!!

إذا كان الطريق الذي سلكناه لقرون لا يوصلنا إلى الهدف المطلوب، فلماذا لا نبحث عن طريق غيره؟

العديد من الأساتذة والكتاب والباحثين، يكررون الدعوة لإعمال العقل بالنص الديني، وبما أن العقول لا تتشابه، فأن قراءاتها ستكون متباينة، فلكل منها زاوية لرؤيته التي لا يستطيع فرضها على الآخر، مهما إستعان بأدوات المنطق، فليس كل منطقي صحيح، وليس كل تأويل مصيب.

ليؤول مَن يؤول، وليرى مَن يرى، وكأن الواحد منهم يخترع دينا، وإن كان الأمر كذلك، فلكم دينكم ولي دين، فلا تفرضن تأويلاتك على الآخرين، ففي ذلك عدوان على الدين!!

***

د. صادق السامرائي

هل تنطلي حيلة المفاوضات الجديد لمناقشة القضية الفلسطينية برعاية امريكية على الفلسطينيين وقد ادركوا بأن المؤمن لا يلدغ من جحره مرتين!. إنها أوهام عمياء لا تنطلي حتى على الطفل الغرير في القماط.

ففي محاولة لصيانة فخ معاهدة أوسلو المشؤومة، الذي بدد الوقت لصالح الاحتلال الإسرائيلي منذ 32 عاماً قضتها السلطة في تقديم التنازلات فيما الاحتلال يصادر الأراضي وينتهك كرامة الفلسطينيين؛ لرصف الطريق بالمماطلات والتسويف اللامتناهي، وبالتالي الزج بالسعودية في فخ الاتفاقية الإبراهيمية القائمة على تصفية القضية الفلسطينية بالمجان.

وهذا مدخل لفهم ما يدور في وضخ النهار من حراك أممي للإيهام بحل القضية الفلسطينية جذرياً وإقامة دولة فلسطينية مشوهة ومنقوصة الحقوق على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية المحتلة وتسليح سلطة اوسلو لمواجهة المقاومة المتنامية في جنين ونابلس وغيرها من المدن الخاضعة لسلطة التنسيق الأمني، في إطار وحدة الساحات.

هذه حقيقة لا يمكن القفز عنها أثناء تناولنا للخبر الذي مفاده بأنه انعقد اجتماع عربي أوروبي في نيويورك بمشاركة 50 دولة، الإثنين، لبحث سبل إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط، وسط تحذير سعودي من “فقد الأمل في حل الدولتين” الفلسطينية والإسرائيلية. في ظل توقف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ 2014.

وأفادت الخارجية المصرية (وكالات)، بـ”عقد اجتماع وزاري خاص بإحياء جهود دعم عملية السلام في الشرق الأوسط”

طبعاً الاتفاقية الميتة منذ إبرامها عام 1991.

وأوضحت أن الاجتماع “عقد على هامش أعمال الجمعية العامة (للأمم المتحدة) في نيويورك بدعوة من كل من الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والسعودية بالشراكة مع مصر والأردن، وبمشاركة ما يقرب من خمسين دولة من أعضاء الأمم المتحدة”..

فهل يمكن للفلسطينيين أن يثقوا بأمريكا والاتحاد الأوروبي الذيْن زرعا الوتد الإسرائيلي في قلب الوطن العربي! ورسخوا الاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني الذي يتعرض في بلاده المحتلة لسياسة التطهير العرقي والإذل والحرمان من حقوقه المشروعة.

وفي تقديري فكل هذه الطنة والرنة لن تحدث أي تغيير على المشهد الفلسطيني، وخاصة بأن حكومةً يمينية يقودها نتنياهو المرفوض إسرائيلياً بسب قضايا الفساد التي تلاحقه، تتبنى هذا الحراك الدولي الذي أشبهه بالجَمَلِ وقد تمخض فولد فأراً؛ لذلك فإن الرهان الفلسطيني يستبعد سلطة اوسلو المشبوهة ويضع كل بيضاته في سلة المقاومة الرادعة للاحتلال المضعضع الزائل. فلن يكترث الفلسطينيون بأوهام المتربصين بالحق الفلسطيني ما دامت البندقية الفلسطينية وصواريخ المقاومة لا تضل طريقها إلى الاحتلال الإسرائيلي الغاشم في معركة المصير.

فالذئب الخائف لا يقوى على الصمود ولو كشر عن أنيابه الحادة الملطخة بالدماء ما دام صاحب الحق متمسك بحقوقه وأهمها حق تقرير المصير وحقه بالمقاومة حتى تحرير الأرض والإنسان.

***

بقلم: بكر السباتين

19 سبتمبر

استثمار غضب الشعب بانقلابات عسكرية

حدث انقلاب عسكري في النيجر، قاده قائد الحرس الرئاسي؛ تم فيه، حجز الرئيس المعزول في منزله، أو وضعه وعائلته تحت الإقامة الجبرية. وسمح له بالاتصال مع جميع مسؤولي الدول الأخرى التي اهتمت بالأوضاع والانقلاب العسكري في النيجر بمن فيهم المسؤولون الأمريكيون والفرنسيون والافارقة. المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا؛ هددت الانقلابيين منذ اللحظة الأولى للانقلاب؛ ودعت إلى إعادة الرئيس المعزول إلى سدة الحكم، وإعادة العمل بالدستور، وهددت أيضا ولم تزل بالتدخل العسكري في حالة عدم إعادة العمل بالدستور.

المسؤولون الأمريكيون رفضوا تسمية ما حدث في النيجر، انقلابا عسكريا، بل هو كما وصفوه؛ خلاف بين الرئيس وقائد حرسه، ما جعل المسؤولين في فرنسا يمتعضون من الموقف الأمريكي. قادة الانقلاب شكلوا حكومة انتقالية تمهد للانتخابات المقبلة، وطلبوا من السفير الفرنسي مغادرة أراضي النيجر، وألغوا الاتفاقات كافة مع فرنسا، وهذا يعني أن على فرنسا غلق قاعدتها العسكرية في البلد. فرنسا وعلى أعلى مستوى فيها؛ أكدت أن سفيرها سيظل في النيجر، على اعتبار أن حكومة الانقلاب الحالية في البلد غير شرعية؛ عليه لا يحق لها قطع العلاقة مع فرنسا، كما لا يحق لها قانونيا إلغاء الاتفاقات مع فرنسا، لكن حكومة الانقلاب تواصل عملها فقد شكلت حكومة انتقالية؛ لتهيئة البيئة السياسية للانتخابات المقبلة. من الجانب الثاني حشدت قواتها وبدعم شعبي كبير وواسع لها؛ لمواجهة أي تطور في المواقف التي قد تقود إلى التدخل العسكري، سواء من المجموعة الاقتصادية في غرب افريقيا، أو من فرنسا، أو من كلتيهما في وقت واحد. من وجهة نظري؛ أرى أن التدخل العسكري بات من الاحتمالات البعيدة، فالولايات المتحدة الأمريكية رفضت ضمنيا أي تدخل عسكري لحل الأزمة في البلد، أو إعادة العمل بالدستور وفضلت حتى الآن؛ العمل الدبلوماسي والسياسي.

كما حدث أيضا انقلاب عسكري في الغابون؛ واستولى العسكر على الحكم، وتمت مواجهة هذا الانقلاب ببرود تام من قبل الغرب وأمريكا. لأن هذا الانقلاب، ربما، حسب رؤية صناع السياسة في الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وفي مقدمتهم فرنسا؛ هو لتغيير طاقم الحكومة في الغابون، بطاقم آخر ربما هو الأكثر قوة وسيطرة، لصالح الوجود الغربي والفرنسي هناك. يبدو أو هذا هو الواقع؛ أن فرنسا في الطريق لأن تخسر جميع مستعمراتها في افريقيا؛ لذا يلاحظ المتابع أنها تتصرف بطريقة تكاد تكون هستيرية؛ في مقاومة هذا التحول، أو تأجيل حصوله؛ إلى أن تتغير قوة وسعة مراكز النفوذ والتأثير الدولي في افريقيا، وتتوضح حدود التصادم الإنابي بين المراكز الدولية، في دول القارة التي تعاني شعوبها من الفقر والجهل وضياع بوصلة الطريق إلى المستقبل بسبب حكوماتها، التي تتلقى الدعم من فرنسا، وربما من غيرها من الدول الغربية، إلا أن الظروف السياسية والاقتصادية تغيرت في افريقيا فقد دخل الميدان لاعبون جدد، الصين وروسيا على وجه التحديد الحصري.

إن أي انقلاب عسكري، وبأي أسلوب تم به تنفيذه؛ عندما يحظى بدعم شعبي واسع، كما حصل في انقلاب النيجر تحديدا، فهذا يعني من وجهة نظري الشخصية، عكس إرادة الشعب، والحقيقة التي تقود او تنتهي بأي فاحص أو متمعن حيادي، ليس الحيادية المجردة من البعد الإنساني، بل الحيادية المتفاعلة مع البعد الإنساني لفعل التغيير والتحرر والانعتاق من الهيمنة والاستغلال الاستعماري، سواء القديم، أو الاستعمار الجديد، الذي يستغل مفاهيم العولمة والديمقراطية والمحافظة على الدستور؛ ويستخدمها كغطاء لسلب الإرادة في القرار الاقتصادي والسياسي المستقل للدولة الموضوعة تحت مشرط الجراح الاستعماري؛ الذي ليس لديه رحمة، بل إنه ينخر في جسم الدولة ويعمل على تضعيف ركائز السيادة، من جيش ومؤسسات قانونية. إن الشعوب الافريقية أمامها اليوم فرصة تاريخية في التخلص من النفوذ والهيمنة الأجنبية وبالذات الهيمنة الفرنسية والغربية، وربما لاحقا الأمريكية التي تعمل على توسعة مواطئ أقدامها الموجودة أصلا في أكثر من دولة من دول القارة؛ في حلبة المنافسة على استغلال مواردها البكر بين مراكز التأثير والنفوذ الدوليين؛ أمريكا والصين وروسيا. إن هذه المنافسة تعطي أو تمنح هذه الشعوب، كما غيرها من شعوب العالم الثالث بما فيها، بل في مقدمتها؛ الشعوب العربية؛ مساحات واسعة للحركة والمناورة، من أجل التحرر من الهيمنة؛ بالبديل المتكافئ في التعامل بين الدول ومراكز القوة والتأثير الدوليين، إن هذا الاتجاه يحتاج إلى إرادة وطنية بالكامل؛ تعتمد على الكفاءات العلمية لكل اختصاص في ميدانه؛ وفي طريقة التعامل مع الدول العظمى؛ لحماية أمنها وحماية ثرواتها من النهب الذكي المبرمج اقتصاديا وتجاريا وماليا؛ ببرامج حداثوية تمنحها مع قوة مالها الاستثماري، المسنود بالوسائل الذكية، عبر القروض وغيرها من الوسائل الحديثة لسرقة ثروات هذه البلدان.

وبالعودة إلى الانقلاب في النيجر، فهو ليس مجرد انقلاب عسكري، بل هو انعكاس للغضب الشعبي من استغلال ثروات هذه الشعوب لعقود طويلة جدا، من قبل قوى الاستعمار القديم، الذي تواصل جديده في النهب المبرمج حتى الآن. لقد ملت وسأمت الشعوب الافريقية من هذه الاوضاع ومن سياسة حكوماتها، وإن جاءت عن طريق صناديق الاقتراع، تلك الصناديق التي ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة، بسبب تأثير المال لأصحاب النفوذ الداخلي (الحكومات)، وعمليات التزوير والحيل المنهجيين، كما هو حادث في ديمقراطية دول المنطقة العربية؛ بل هي طريقة حديثة ومتجددة دوما، لتولية الموالين للسياسة الفرنسية في افريقيا، وحتى غير الفرنسية في القارة ذاتها، وفي أماكن أخرى من العالم؛ في إدارة دفة الحكم بالطريقة التي تنسجم تماما مع مصالح القوى الدولية الكبرى، أمريكا والصين وروسيا وبريطانيا، في بلدان هذه القارة، أو في أمكنة اخرى. إن الانقلاب الذي يقوده العسكر حتى إن جاء تلبية او استثمارا لغضب الجماهير من أوضاعهم المتردية، من فقر وانسداد آفاق المستقبل أمامهم؛ إذا لم تكن هناك خطة ونوايا في أصل الدوافع للانقلاب؛ وهو إقامة نظام ديمقراطي، ودولة مدنية؛ من خلال مرحلة انتقالية؛ تنتهي بتسليم السلطة إلى حكومة منتخبة، انتخابا حقيقيا، وليس عبر الحيل الانتخابية، التي لا تربطها بالانتخابات الحقة أي صلة؛ سوف ينتهي الأمر بالشعب؛ إلى أن يجد نفسه في وضع أسوأ مما كان عليه. ومن دون النوايا والخطة الموضوعة طبقا لهذه النوايا؛ باتباع طريق آخر، أي طريق اللعب والحيل والغش والكذب؛ سوف ينقلب الوضع بالكامل، ويصبح على طرف نقيض مع إرادة الشعوب. ليقود حتما إلى تأسيس نظام ديكتاتوري شمولي يتسيد فيه قادة العسكر على رقاب الشعب، كما حدث في النصف الثاني من القرن العشرين في دول المنطقة العربية.. السؤال المهم هنا؛ هل هناك في غرب ووسط افريقيا التي شهدت الانقلابات العسكرية، منذ سنوات، في بوركينا فاسو ومالي، وآخرها، الانقلاب في النيجر؛ مثيلا لما حدث في إحدى دول المنطقة العربية، في السودان؛ على يد عبدالرحمن سوار الذهب، الذي قاد الانقلاب العسكري على جعفر النميري حين كان الأول وزيرا للدفاع، في السادس من أبريل/نيسان في عام 1985. لكنه تخلى عن رئاسة الحكومة. ففي السادس من أبريل عام 1986، وبإشراف مباشر من عبدالرحمن سوار الذهب أُجريت الانتخابات التي استمرت على مدار 12 يوما، وعلى أثر نتائجها سلّمتُ مقاليد الحكم للحكومة المنتخبة الجديدة لرئيس وزرائها الصادق المهدي آنذاك. وتم حل المجلس العسكري الانتقالي والحكومة الانتقالية. وهذا دليل واضح على أن سوار الذهب كان زاهدا بالحكم..

***

مزهر جبر الساعدي

خلال حياتنا اليومية وما يتخللها من تعاملات تجارية واجتماعية يلجأ البعض الى اليمين او القَسَم للتأكيد على صدق أقواله أو سلامة تعامله من الغش من أجل خلق القناعة عند الآخر، وعادة ما تخضع صيغة القسم لطبيعة المكان، فأداء اليمين أمام القضاء محدد بصيغة لا يجوز للمطلوب منه أداء اليمين تجاوزها، أما في الحياة العامة فالمتحدث له مطلق الحرية في اختيار المقسوم به، كما نختلف صيغة اليمين من شعب الى آخر، فالشعوب ذات الارث الديني عادة ما يكون القسم بالذات الالهية والانبياء والأولياء وكذلك القسم بالشرف والمقدسات وبأرواح الموتى، في حين شعوب اخرى تعتبر مفردات الطبيعة ذات قدسية مثل الماء والهواء والاشجار فتلجأ الى القسم بها، وهناك من يستخدم اليمين أداة للمشاكسة مثل الذي حدث في البرلمان التركي عندما ابتدأ النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي "محمد علي أصلان" قسمه باللغة العربية خلافا للغة المقررة، أما الشعوب التي انعم الله عليها بنعمة القانون فأنها لا تحتاج الى اليمين لتأكيد سلامة تعاملها ذلك ان القانون لديها هو الضمان على حسن التعامل، وعلى الرغم من تعدد انواع اليمين الا ان التجارب وبمختلف طبيعتها سواء السياسية منها او الاجتماعية الشائعة في تعاملنا اليومي كشفت لنا انه لا يبدو هناك حرمة او قدسية لـ (اليمين) أو (القَسَم) عند الكثير رغم ما يتضمنه من الفاظ واسماء تقشعر لها الابدان، فالحنث باليمين وعدم البر به صار ظاهرة مؤسفة، وهو عند الغالبية لا يتعدى اكثر من اجراء شكلي يؤديه البعض لاجتياز عقبة في طريقه ويحتاج اليمين لعبورها، كما ان البعض اتخذ منه طريقا للكسب فهناك من هو مستعد لتسهيل قضايا الاخرين من خلال الشهادة لهم في الدوائر الرسمية على الرغم من انه لا يعرف أي تفاصيل عن القضية وان كل ما يقوم به مقابل مبلغ من المال أي (اليمين مقابل المال) وقد قيل قديما (قالوا للحرامي احلف قال جالك الفرج) اذ لا قيمة للقسم حتى وان تضمن في صيغته لفظ الجلالة اذا لم يتوفر عند مؤديه نقاء الضمير والنية الصادقة والايمان الحقيقي بالذي يقسم به، فمثلا استطاعت امبراطورية " موريا " التي ظهرت في الهند بعد عام 323 ق . م ان تبني دولة قوية اقتصاديا وتجاريا من خلال ادارة داخلية وخارجية حكيمتين وكل التطور الذي شهدته الامبراطورية لم يكن للرب وجود في القسم الذي يؤديه الملك حيث كان العرف يحتم على الملك عند تتويجه، ان يقسم اليمين على خدمة الشعب، فيقول: " لتكن السماء والحياة والذرية محظورة عليّ اذا ظلمتكم " ..

***

ثامر الحاج امين

معلوم أن اللغة العربية تتكون من ثمانية وعشرين حرفا، وبعض اللغويين يحتسبون الهمزة حرفا، وبذا يكون العدد الكلي للأحرف التي يستخدمها كتاب العربية تسعة وعشرين حرفا، عدا نقدا. وبتقديم حرف على آخر، وتركيب واحد مع ثانٍ، ودمج هذا مع ذاك، تتكون مفرداتنا وكلماتنا التي ننطق بها.

التغيير، مفردة أظنها أكثر المفردات التي تتناقلها الأفكار، وتتلقاها الأسماع، وتلوكها الألسن، لاسيما بعد "عام السعد" 2003. فالكل ينشد التغيير، والكل يرحب به ويسعى الى إحداثه، وأولهم أصحاب المناصب العليا الضامنين مصائرهم، سواء أحصل تغيير أم لم يحصل! فنراهم لايتوانون عن الحض عليه، أما المواطن فهو أول من يقع عليه فعل التغيير، أسلبا كان أم أيجابا! كذلك هو الأول والأخير الذي ليس بيده غير الانصياع للأمر الواقع، هذا الأمر الذي بات يتحكم فيه ساسة جدد أتوا بعد التغيير ايضا. فالتغيير إذن، ليس بدعة او حدثا تأتي به السماء ليستجد على الأرض إنباتا وتكاثرا، بل هو واقع مفروض رغما عن المواطن وعن المسؤول، عن الراعي والرعية.

مقابل مفردة التغيير، هناك مفردة أخرى مرت على وادي الرافدين منذ القدم، تلك هي مفردة السقوط، فبغداد سبق أن كبلتها مفردة السقوط أكثر من مرة على مر تأريخها، ولو ابتعدنا عن مفردتي السقوط والتغيير، فإن مفردات: الضيم.. العوز.. الفقر.. الفاقة.. كذلك القمع والقهر وغمط الحقوق.. والنفي والتشريد والسجن والموت، كلها وغيرها أخريات ليست جديدة على العراق من عقود، بل قرون خلت وحتى يومنا هذا، إذ ما فتئ العراقيون يرتّقون فتقا هنا أو خرقا هناك لعل عراقهم يستقر، ويهنأون بخيراته التي بددها سلاطين وحكام، كانت لهم صولات وجولات في سني حكمهم، كما أنهم نأوا عن الحرام والعيب واللاجائز والمخزي، وما الى هذا من مفردات غير مشرفة لابن آدم، فطالت سرقاتهم بعد أن استطالت أيديهم، وتلاقفت الغالي والنفيس من حقوق العراقيين في بلدهم، وليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل علا سقف أطماعهم الى "خبزة" العراقيين ومصادر عيشهم، فتعرضت هي الأخرى للتقطيع والتقتير.

منذ عام 2003 حتى اللحظة اتخذت المفردات آنفة الذكر حيزا كبيرا في مسامع العراقيين، إلا أن مفردة التغيير باتت اليوم ضرورة وحاجة ملحة، والعجيب الغريب في ساسة العراق الجدد، أنهم مشغولون بالتغيير ويحتكرون ماهيته، فهم يقدرونه تقديرا على مقاساتهم وأهوائهم وأمزجتهم، في حين أن المواطن قبلهم يريد التغيير وهو بأمس الحاجة اليه، لكنه يهيم في وادِ وهم يعمهون بغيّهم في وادِ غير ذي ضمير ووطنية وإنسانية. فيغمض لهم جفن ويهدأ لهم بال ويرتاح لهم ضمير وتقر لهم عين.

فالتغيير في نظر المواطن هو النقلة النوعية في جوانب حياته، التي مل من تردّي أوضاعها يوما بعد آخر وعاما بعد عام، وأتعبه ضنك العيش، وهو في بلد يفيض نهراه حبًا وخيرًا وعطاءً، وتتنوع خيراته تحت الأرض وفوقها، ومع كل هذا لم يلمس أي تغيير من الذي يسمعه منذ عام 2003 إذ يصطبح بأمل ويمسي بخيبته، وهذا دأبه في حياته منذ الربع الأخير من القرن المنصرم، حتى التبس عليه مفهوم المفردتين -التغيير والسقوط- فهل أن التغيير لايمكن حدوثه إلا بالسقوط؟ وهل كل سقوط يعقبه تغيير؟

هذا ما لم تبن علائمه بعد السقوط الأخير، وهذا الإبهام يذكرنا بالسؤال الجدلي: هل الدجاجة قبل البيضة؟ أم البيضة قبل الدجاجة!

***

علي علي

كركوك من اجل من هم فيه يفترض أن يكون التعاطي معها وطبيعتها تعاطياً فريداً من نوعه متحلياً بالحكمة والتأني وذلك في سبيل قطع دابر الفتنة والمهدد بالتشظي التي تعشعش اليوم في بقعة مستعدة لها بسبب بعض السياسات الخاطئة التي تعتمد على التهديد والوعيد من أي جهة كانت لكي تتحول بين عشية وضحاها إلى نقطة متعثرة امام اي تقدم في العراق  ولا تقبل القسمة على اثنين مرة أخرى في المنطقة. ان المشاهد والملموس  في مختلف أجزاء المحافظة المتصارع عليها سياسياً وأمنياً واقتصادياً يلاحظ  أن أي اختلاف بين سكان أحياء المدينة المتنوعة عرقيا غير موجود وهذا السمة يتحلى بها كل ابناء العراق إلا الأنفس المريضة ويمكن لك ان تلمسه  في الأحياء ذات الأغلبية السكانية الكردية المطلقة، ومرورا بالمناطق التي تسكنها القوميات التركمانية والكردية المختلطة وحتى الجنوب والجنوب الشرقي  وكذلك التي يسكنها من اخوتهم العرب وتطابق الرؤى في مختلف المناطق بصرياً وسكانياً وثقافياً واقتصادياً وخدمياً فيما بينها.

وعليه يتعين أخذ حقيقة ملموسة بعين الاعتبار ألا وهي وحدة الاطياف الساكنة فيها من الكورد والعرب والتركمان 'أن نسبة الكورد حسب احصاء عام 1957 هو نحو 48 في المئة من مجموع السكان في ذلك الوقت) فإنهم أقلية في موازاة الأقلية العربية (28 في المئة) والتركمانية (21 في المئة)، فضلا عن وجود أقليات أقل عددا.في حين سجلت الإحصاءات التالية التي جرت في عامي 1977 و1997، تزايد الأقلية العربية إلى 45 في المئة و72 في المئة على التوالي، بموجب سياسات “التعريب” التي اتبعتها الحكومات السابقة. وهو ما تحوّل، بمرور الوقت، إلى حقيقة ديمغرافية تصعب إزاحتها'.

واليوم على  هذه القوى وأن تساهم بقوة لتقف أمام حالة عدم الاستقرار التي يريدها البعض والعمل على حل مشكلة كركوك و تبذل قصارى الجهود في سبيل الحفاظ على التناسق المجتمعي متماسكاً وقوياً وأن يكون في تماسكه وقوته كل الخير له ولبقية أبناء المدينة والصالح العام عموماً.. ولاشك في أن محاولات تهميش البعض للاخر في ظل سياسة الطمس المتواصلة كلها لا تعطي أملا إلا بالفشل في المحصلة النهائية و خلفت وبالتأكيد أضراراً لحقتها بالمدينة ومكوناتها مما تسببت تدريجياً بتراجع مخيف في مستويات النمو والازدهار، إن الاختلاف في الهوية السكانية أمر طبيعي وهو لا يُرقى الى هدر الدماء من اي جانب ويجب ان يضفي عليه طابع المحبة والجلوس على مائدة الحوار الاخوي بدعم من الدولة اذا ما ارادة حقن الدماء وتكون للدولة الإشراف المباشر في إدارة المحافظة والابتعاد عن  الأحادي في الادارة  وهو أمراً مشروعاً وذلك لشدة خطورته و حساسيته الانفراد بالسلطة والتي قد تجعل من هذه الرقعة الجغرافية برميلاً من الديناميت ليس بينه وبين الانفجار سوى من يشعل كبريتها.

المشكلة الأساسية في التكوينية التي تجمعها كركوك هي من فكت منها هذه المدينة ولعل العامل الخارجي كان ومازال له الدور الاكبر والتصريحات الغير موفقة الاخيرة والخطيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان والدخول على خط الاحتجاجات التي وقعت اخيراً في مدينة كركوك العراقية مرسلا إشارات تهديد بالتدخل في حال تم تسليم المحافظة الغنية بالنفط إلى الأكراد وفق اتفاق بين أربيل والحكومة الاتحادية في بغداد،وقال الرئيس التركي إن “كركوك هي موطن التركمان، ومنطقة تعيش فيها الثقافات المختلفة بسلام لمئات السنين، ولن نسمح بزعزعة أمنها وتهديد وحدة أراضيها و لن نسمح بأي ضرر يصيب وحدة واستقرار هذه المنطقة الجغرافية. والرسالة وبلا شك لن تبقى تركية على الحياد تجاه الصراع القائم حاليا في كركوك بين الأكراد، والتي تريد الاستفادة من اتفاقات سابقة ولعلها تجعل هذه الهلوسات اوراق ضغط على الكورد لتسهيل تقاسم عائدات النفط، والمياه وهي ليست في صالحها.

  ومنذ العهد الملكي هي الخطابين القومي والطائفي اللذان قد تسببا في اختلال نسيجها المجتمعي وسلمها الأهلي على مدار الأعوام والسنين الماضية ويخطئ من يتصور من البعض  ان قضية هذه المحافظة  تعتبر حديثة بل منذ تشكيل او حكومة عراقية والمحافظة قلقلة في ظل الحكومات المتعقبة  ومضطربة وادارات الحكومات بائسة في وصول الأوضاع المهدد نحو الانحذر في اي لحظة منه ومن وقوعه باستمرار، وعلى المكونات الاجتماعية فيه أن يضعوا تقدم المدينة وازدهارها وفي المقابل وضع ارتفاع نسبة البطالة والفقر نصب أعينهم والا سوف يكون المستقبل أشد وبالاً في ظل الاحتقان المذهبي والقومي المتناميَيَّن بفعل السياسة ودسائسها!

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

في لحظات  يقـف المرء عاجزا أمــام الفواجع والكوارث الطبيعية، عـاجزا عَـما يمكن أن يفعله إزاء ما صادفه صدفة وبدون إشعار مسبق، مثل ما وقع (الآن) في بلادنا، وفي ليبيا الشقيقة: زلزال مدمر، زلزال مخيف، لدرجة أنه خلف الذهُـول والدهشة و الجرح الضمني، والاضطراب النفـسي، للعَـديد من عباد ربوع المملكة، ناهينا عن الضحايا المتمركزين في منطقة (الحوز) حيث تمركز الزلزال بقوة وبأس شديد! وتمركز إعصار ''دانيال'' في مدينة (درنة) متمددا للمدينة (البيضاء) بوحشية سيوله الكارثية التي جرفت المئات من عباد المدينة [ الليبية] هنا وهناك، من الوادي الأحمر الذي استيقظ من سكونه  إلى البحر الذي لم يصبح متوسطا / هادئا!  بل كبيرا / مرعبا! مفزعـا! فقدس الله روح ضحايا[ الحوز/ درنة] وما جاورهما، وتبت العلي القدير خطى وحسنات العاملين من أبناء الشعبين . شعْـب أبي بكل اللغات، شـعْبٌ تجاوز لحظة العجز، والخوف. لممارسة الفـعل المتميز بروح المسؤولة والجدية والحماس، بعيداً عن الديماغوجيات والخلفية السياسوية، التي اعتاد عليها بعض قناصي الفرص والظرفيات! إنها لممارسة حقيقية، ميدانية، تنم عن روح الوفاء والعرفان ؛ والإيمان بالتضامن الإنساني  وبالتكافل والتآزر والتعاون تكلل "عيانيا" في البحث عن المفقودين بين السيول، وتـَرقـب ما سيحمله البحر من جثث، ومن حركية إنسانية، في جمع الإعانات الغِـذائية والمساعدات الطبية والهبات الإيوائية من أفـراد ذاتيين/ بسطاء، وجمعيات / خارج  أجنحة  الأصنام، وبعيدة عَـن المصالح النفعية الشخصية واللعـب على الحبال كالبهلوانات، وعن تلك [الأحزاب] التي أصيبت ب (الزهايمر السياسي) وخارج لائحة النفع العام (بلادي) وخارج منظومة الزعامة والصراع عن السلطة (ليبيا) فالمبادرة التطوعية ؛ التي نعيش أطوارها عمليا، واستنفار الجهود المبذولة هنا وهناك وحملات الإغاثة الإنسانية والعاجلة لإغاثة المتضررين من الزلزال و الفيضانات، والتي تنقل عبر وسائل التواصل الإجتماعية، والمواقع والصحف الإلكترونية والقنوات العـربية / الأجنبية، المواكبة للمصاب الجلل، سواء [الزلزال أو الإعصار] فهما أساسا خارج منطوق الأجندات التي تسعى لخنق مستقبلنا وحياتنا وأحلامنا السرمدية، بل هي منغمسة في قضية المـوت والحياة التي صنعها "الزلزال/ الإعصار'' إنه بالتأكيد فعل طبيعي ومن مدركات الطبيعة، وتحولاتها الجيولوجية. لكن: أي الكوارث أفـظع ؟ تلك التي وقعَـت في بلادي، أم في ليبيا؟

يبدو سؤالا ساذجا، أو{ربما} اعتراني الغباء من جَـراء تقـدمي في السن؟ أو هنالك اختلاط الأمور في ذهنيتي، من كثرة توالي الأحداث المرعبة والمؤلمة؟

ورغم ذلك أتساءل: هل الزلزال كارثة الكوارث..؟ أم إعصار دانيال كارثة الكوارث؟ بداهة (أي/ فرد) سيحتار في الرد الشافي والإجابة الكافية، لأنه أساسا لا نملك مقاربة واحدة للكارثتين،لأننا (الآن) في مرحلة جد حرجة من الحدث والمصاب الجلل، وبالتالي فمنطق الجواب وجوهره ''حاليا'' سيبقى ملتبسا وحمال أوجه، تجاه السؤال: أي الكوارث أفظع ؟  ونلاحظ بأن هنالك تفاوت في الرؤية والتصريحات للذين يخوضون تجربة  الإنقاذ أو المساهمة على أرض الواقع، أو المكتوبين بنار الكارثتين . وذلك بناء على  وضعية المكان وكذا تفاوت الوضع  النفسي والذهني لأولئك . وبالتالي فلا يمكن أي كان أن يرى الأمور من الزاوية التي أراها، أو يراها الآخـر. وخاصة نحن خارج مدار الكارثة، ولكن الصُّور تـُنـقل إلينا من معمعان الميدان، صور كارثية ووقائع غير مزيفة إلى حد بعيد، من الصعْـب جدا التشكيك فيها، بل لامحالة  تصديقها، لأن القنوات الدولية والعربية والمحلية، تنقل نفس الصور، صور بشعة، مؤلمة، مرعبة، مبان منهارة بالكامل وطرق فالِجة ومشقوقة و مقطوعة  وجثث منتشرة ومترامية بين الأزقة والحواري وعلى شواطئ المدينة ؟ ومتاع وأمتعة متناثرة هنا وهناك في الشوارع والخراب، وهي أصلا أمست خرابا، وفي كل صورة  يمررها  الإعلام المواكب عن كثب مجريات هَـول الكارثتين ؟ ينفلت السؤال، أي قوة جارفة هاته التي جمعت السيارات والمركبات وحولتها لعجين وقطع غيار غير صالحة للاستعمال؛ بدون معمل للتفكيك ؟ ناهينا عـن انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل شبكة الاتصالات؟.... (درنة/ ليبيا) طبعا: نعلم جليا، إنه الإعصار! إنه الفيضان! إنه التسونامي! ونكتفي بالقول: أن سبب الكارثة العظمى انهيار سدي مدينة {درنة} وكفى! ألا يحق لنا أن نتساءل: أليست هنالك قوة خفية مضافة للإعصار؟ أليست هنالك قوة خفية مضافة للزلزال الذي حول المد اشر والقرى لأتربة وترابا؟ وحوَّل الأمان والطمأنينة والإستقرارلهلع ورعْـب وخوف شديد؟ إذ لازال بعض المواطنين خارج منازلهم ودكاكينهم ومحلاتهم يفترشون العَـراء في {بلادي} ولحد قـراءة هذا الموضوع، من أي قارئ {مفترض}. أما منطقة   (درنة) فهي في عِـداد المنكوبين!!

وبين الزلزال والإعصار، أسئلة كثيرة ومختلفة تتقاذف و تتناسل..  ومن حيث لا تدري تنفتح ذاكرتك مرغمة  لاسترجاع أحْـداث معاشة  في طفولتك أو شبابك أورجولتك ...أو استرجاع مشاهد من تلك الأفلام الأمريكية التي أبدعت بكل إمكانياتها واحترافيتها، في تصوير عَـوالم الزلزال، ولاسيما الكوارث الطبيعية (الأوبئة / براكن/ زلازل/ طوفان/ نيران/ انهيار جبال/ ...] بالنسبة للسينما العالمية ؛ تعتبر عنصرا أساسيا في الصناعة والإنتاج . وإن لم تخن ِ الذاكرة . هنالك أربعة أفلام رهيبة متنها{ الزلازل} المدمرة للمباني والطرقات، وانتشار الموتى والجثث مثل [الزلزال الكبير في لوس أنجلس/ Le Grand Tremblement de terre de Los Angeles] وهنالك أفلام حول '' التسونامي'' بكثرة . من الصعب سردها هاهنا. فهل ياترى نستطيع أن ننتج إبداعا / سينمائيا / مسرحيا / من خلال ما عِـشناه من كوارث طبيعية ؟ ومن طفوح للمشاعر الإنسانية وغـَريزة البقاء؟ ومن سماع حكايا وقصص جوانية الحَـدثين: أولها زلزال (الحوز) وآخرها فيضان (درنة) ؟ إنه حلم منتصف الليل! أو أضغاث أحْـلام!   لا فرق، لكن الفرق أننا عاجزون! مكبلون! مقـيدون! برؤية السياسي؟ ومنطق الفقيه؟ ومنظوم البيروقراطي؟ وعَـوالم الخرافات؟؟

ألم تحاول المذهبية استغلال الكارثتين لمنطق الفقيه والإمامة (1) وفي هذا الوقت خرجت بعض التدوينات، تربط الكوارث الطبيعية بالفساد المستشري وانهيار القيم في تلك المناطق! سبحان الله. وهناك من كان عَـدميا ولم يحاول أن يقدم حتى العزاء للضحايا /الشهداء، ولم يستطع أن يسدي خدمة أو يقدم نصيحة، أو دعْـوة حتى، للتبرع بالدم جراء ما نعيشه من كارثة (2) وهناك من استغل الظرفية لاستغلال المساعدات للاغتناء من ورائها، إنهم تجار وسماسرة الأزمات! والبعض يسرب العَـديد من الأخبار الزائفة. لأهداف مجهولة ؟ (3) وبالتالي فالسؤال المثير والذي نعيد طرحه  للجدل أي الكوارث أفظــع؟

هل الزلزال أفظع من الإعصار؟ أم الإعصار أفظع من الزلزال؟ نتيجة الإنهيارالقاتل والمفاجئ للبشرية تحت الأنقاض؟ كمعطى زلزالي. ونتيجة الغـرق المميت والمفاجئ للبشرية تحت الخراب وسيول المياه ؟ كمعطى إعصاري.

أسئلة محيرة. وإن كان لا فرق بأن كلاهما كـوارث مهولة، مرعـبة . وفي آخر المطاف هي طبيعية، بناء على تحولات الطبيعة . لكن في تـقديري: أفظــع الكوارث ؟ التخلف،  واللامبالاة، وانعِـدام الرؤية المستقبلية/ الاحتمالية - لأي طارئ كارثي سيأتي على بعثة، كما وقع في الحوز/ درنة. وكذا انعِـدام الإمكانيات والإمكانات لمقاومة الزلازل والإعصار، للتخفيف على الأقل من حِـدة رعبه ودماره ومحاولة تقليص عـدد ضحاياه على الأقـل، لتلافي انتشار الجثث المترامية، أوالتي لازالت تحت الخـراب وتحت المياه، والتي ستشكل خطرا بيئيا، وظهور داء الطاعون لا قـدر الله . أي نعم لامرد  للقضاء الله  وقـَدره . ورغم ذلك آن الأوان للتلاحم والتضامن الحقيقي وليْـس الظرفي، لإعادة ترتيب الأولويات من مستشفيات واقتناء المعِـدات ألأساسية والمتطورة، تزامنا مع  بناء الإنسان  باعتباره رأس مال لمواجهة الكوارث الطارئة. لأن كثيرا من نفحات الأمل المشرق ومن التصورات والاستراتيجيات تنمو في حركية التباين والتغـاير المسـتمر بـين الأحداث السـابقة ؛ واللاحقة . وليس بالتقاعس واللامبالاة .

ونجَـدد الرحمة والمغفرة لكل ضحايا زلزال "بلادي" وإعصار "الشقيقة ليبيا" واللهم اغفِـرلهم ما تقدم وما تأخـَرمن الذنوب يا الله، يا الله، بمغفرتك ولطفك. والصبر والصبر والسلوان لذويهم وأقربائهم أينما كانوا.

***

نجيب طلال

.......................

للاطـلاع:

1) انظر: مقتدى الصدر: عن أسباب الكوارث الطبيعية.. " غضب سماوي" و"ذنب ليبيا غير مغفور" بقلم:  مجيد عبد القادر/ Majid Abdelkader- في موقع اورونيوزعربية/ Euronews بتاريخ 13/09/2023 /

2) فيديو للفايد حول “زلزال الحوز” يكشف عن العقيدة الجديدة التي بات يتبناها، بقلم – عابد عبد المنعم صحيفة (هوية بريس) في 09 /09/ 2023

3) أخبار زائفة حول زلزال الحوز؟ احذروا من هذه الشائعات” متابعة لصحيفة كواليس اليوم - في 12 /09 2023

لم تكن الفتاة الخجولة التي ولدت في إحدى محلات بغداد، إبنة الموظف البسيط الذي كان يقرأ لأبنائه جريدة حبزبوز لينمي فيهم روح التحدي للظروف الصعبة، أنها ستقف يوماً إلى جانب محمد مهدي الجواهري، وتجلس في اجتماعات الحكومة إلى جوار إبراهيم كبة ومصطفى علي وهديب الحاج حمود وحسين جميل وهاشم جواد ومحمد حديد وطلعت الشيباني وفيصل السامر وعبد اللطيف الشواف وقبل هؤلاء عبد الكريم قاسم. أتمنى عليك أن تراجع قائمة الأسماء جيداً، لتكتشف أننا الشعب الوحيد الذي يتأسى على ماضيه!.

الفتاة التي درست في دار المعلمات النموذجية وتخرجت من كلية الطب، وتجولت طبيبة تداوي الناس في معظم مدن وقرى العراق، وجدت نفسها في مواجهة حقوق المرأة التي كان يراد لها أن تعيش وتموت كمواطن من الدرجة الثانية، أعلنت الدليمي الحرب على التميز لتؤسس أول رابطة للمرأة العراقية، وتصدر مجلة تستمد اسمها من كتاب قاسم أمين الشهير " .السيدة التي ظلت تناضل من أجل عراق بلا دكتاتورية واستبداد، قرر الوطن أن يكافئها بأن نسي أن هذا العام تمر ذكرى 100 عام على ميلادها، وانها اول امراة عربية تتولى كرسي الوزارة في تاريخنا الحديث، عذرا ايها السادة لجنة المرأة في برلماننا العتيد برئاسة دنيا عبد الجبار الشمري والتي تخاف من إقرار قانون العنف الأسري، ربما تجد أن الاحتفال بمؤية نزيهة الدليمي نوعا من انواع البطر ويخالف الشرع.

ظلت نزيهة الدليمي تحلم حتى آخر يوم في حياتها بصورة لعراق جديد شعاره المستقبل وغايته إسعاد الناس وبثّ الأمل في نفوسهم، جاءت نزيهة من عائلة فقيرة،، نقلت فقر حالها ووعيها وعذابات المرأة العراقية إلى كل عمل سياسي واجتماعي قامت به.

هل كانت نزيهة الدليمي تعتقد يوماً أنّ الوطنية لم تعد طريقاً إلى عقول الناس وقلوبهم، وأننا تحولنا الى بلاد تسعى لتدريس فوائد الطائفية على شعوب الأرض؟، بينما تنسحب القيم الوطنية والثقافة إلى الوراء، مطاردة بتهمة الخروج على الأعراف الطائفية والعشائرية.

قبل أكثر من ستة عقود كتبت نزيهة الدليمي: "العمل السياسي يتطلب من صاحبه أن يملك عقلاً فاعلاً، وضميراً يقظاً". كانت هذه الجملة هي موجز لمنهجها الوطني، هل يمكن أن نجد مثل هذا السياسي الآن؟ ربما تضحك من المقارنة، وربما لا تصدق أن مثل هؤلاء السياسيين كانوا موجودين فى العراق، أو تسخر من سذاجتي وأنا أنقل مقولات وأحاديث مضت عليها عقود طويلة، لكن ياسادة كنت أتمنى أن أسأل ماذا لو عاشت نزيهة الدليمي إلى هذا اليوم لترى وتسمع ان في العراق تم تعيين وزيرة للمراة كانت تؤمن ان المرأة ظلع اعوج يجب تقويمه .

***

علي حسين

أنشر أدناه الجزء الأخير من المختارات التي انتقيتها لكم من مسودات كتابي " معجم اللهجة العراقية؛ الجذور العربية الفصحى والرواسب الرافدانية" شاكر لجميع الأصدقاء والصديقات صبرهم ومتابعتهم وتفضلهم بالتعليقات والملاحظات المفيدة وإني لأعلم أن متابعة منشورات طويلة ومكررة في موضوع واحد هو مفردات اللهجة العامية أمر ليس سهلا ولكنه يدل على حب وتضامن وإخلاص للروح العلمية والمنهج البحثي العقلاني ممن داوموا على متابعة هذه السلسلة. وقبل أن أدرج مفردات هذا الجزء أنشر هنا فقرة من مقدمة الكتاب عسى أن تكون كلمة وداع وتعبير عن الامتنان لكم ولكن:

من المقدمة: أختم بالقول؛ إنني لا أروم في هذا الكتاب، والذي سبقه "الحضور الأكدي والآرامي والعربي الفصيح في لهجات العراق والشام"، إعطاء موضوع اللهجات العامية أهمية أكبر مما يستحق من اهتمام وترويج على حساب اللغة العربية الفصيحة السائدة اليوم، أو اللغة العربية الفصحى شبه المنقرضة من لغتيِّ الكتابة والتخاطب[1] في العصر الإسلامي وما سبقه. كما أنني لست متحمسا لإصدار المزيد من المعاجم في اللهجات لانعدام ضرورتها العملية إلا في مجالات بحثية نادرة، ولأن ذلك قد يدخل في باب إنعاش وترويج اللهجات على حساب اللغة العربية الوسيطة "الفصيحة" والتي أحسب نفسي ضمن الساعين لهيمنتها من خلال تبسيطها وبهدف ردم الهوة بين اللغة المنطوقة "العامية" والمكتوبة "الفصيحة".

ثم إنَّ هذا الكتاب ليس معجماً شاملاً لكل مفردات اللهجة العامية العراقية، ولا فائدة أصلا ولا حاجة من وجود معاجم كهذه، بل هو معجم خاص بتأثيل - لا بترجمة - مئات المفردات المهمة (أكثر من تسعمائة مفردة) حاول السيد قيس مغشغش السعدي - مؤلف المعجم المندائي سالف الذكر - إخراجها من أصولها وجذورها ومعجميتها العربية إلى معجم اللهجة المندائية الآرامية، أو إنها مفردات مشتركة في عدة لغات جزيرية "سامية" شقيقة أراد المؤلف حصرها في اللهجة المندائية قسرا، إضافة إلى نزر يسير من المفردات الدخيلة من لغات أجنبية غير جزيرية "سامية" أخرى كالفارسية والتركية وغيرهما. أي أن معجمي هذا ليس أكثر من محاولة سجالية للرد التفصيلي والتأثيلي الموثق وفق مبادئ العلوم الحديثة اللغوية واللهجوية على معجم السيد السعدي، على أمل أن يكون هذا الجهد خطوة على طريق تطوير وتبسيط وتأثيل مفردات لهجتنا العامية العراقية وإعادة موضعتها وتبيين جذورها العربية الفصحى والفصيحة وردع الساعين للتشكيك بـ، أو تشويش على هذه الجذور وتلك الهوية اللغوية، يحدوني امل قوي أن يكون هذا السجال تنبيه وتحذير غير مباشرة لأية محاولات مستقبلية قد يتورط أصحابها بمحاولة النيل من عروبة لهجة العراقيين الجميلة وغناها بالجواهر المترسبة من اللغات الرافدانية المنقرضة في معجميتها الحية.

مفردات هذا الجزء الأخير: "- شكبان – مچلح - شيته -تكفه -تفو -تمَّ- تنور - ثبر - تنحر -توا –توث". شكرا لكم مقدماً على تعليقاتكم انطلاقا من لهجاتكم العربية الجميلة تصحيحاً وإضافة... سيكون ترتيب الفقرات أدناه كما يلي: رقم الفقرة ثم الكلمة كما تلفظ في اللهجة العراقية ثم علامة مساواة وبعدها لفظ الكلمة في اللهجة المندائية بين قوسين ثم معنى الكلمة في المندائية فمعناها في العراقية فرأيي الشخصي بهذا التخريج مع التوثيق المعجمي:

870- شكبان =(شكب) وتعني في المندائية يتمدد، يتسع، يستلقي. والشكبان في العامية كما يقول المؤلف (الإزار وكل ما يبسط من أجل تعبئته بمواد وأشياء يحمل لنقلها، والشخص المحمل بأغراضه يقال له مشكبن. والكلمة عربية فصيحة، نقرأ في لسان العرب (والشُّكْبانُ شِـبَاكٌ يُسَوِّيه الـحَشَّاشونَ في البادِية من اللِّيفِ والـخُوصِ، تُجْعَلُ لها عُـرًى واسعةٌ، يَتَقَلَّدُها الـحَشَّاشُ، فيَضَعُ فيها الـحَشيشَ؛ والنُّونُ في شُكْبان نونُ جَمْعٍ، وكأَنها في الأَصل شُبْكَانٌ، فقُلِـبَت إِلى الشُّكْبان).

وفي العربية أيضا: الشكبان هي المخلاة، وعن المخلاة نقرأ في المعجم الغني (كيس يعلَّق على رقبة الدَّابّة يُوضع فيه عَلَفُها (انظر: خ ل ي - مِخْلاة) "رفع المخلاة من رقبة الفَرَس". وهي أيضا كيسٌ يحوِي لوازم ومُهمَّات الجنديّ.

879- مچلح= ويربط المؤلف بين كلمة "شله" وكلمة (مچلح) التي تعني في العامية كما يقول (مچلح) التي تطلق على الشيء الذي تغير لونه ... فبعض الأمراض تترك آثارها على بشرة الشخص بحيث تكون بعض المناطق بيضاء عند ذوي البشرة السمراء فيقال له "شمال وجهك (مچلخ). والكلمة هنا عربية فصيحة وتتعلق بتغير اللون الطبيعي إلى لون كالح وصيغة المفعول منها " مكلح " وتلفظ بكشكشة ربيعة التي تكول الكاف إلى جيم ثلاثية. والكالح هو اللون الشاحب والفعل منه أكلح. نقرأ عنه في معجم المعاني (أكلحه الهمُّ: أضناه وأسقمه فشحَب وجهُه). وَجْهٌ كَالِحٌ: مُعَبَّسٌ، أَيْ شَدِيدُ العُبُوسِ. وُجُوهٌ كَالِحَةٌ : عَمَاهُ أَرَاحَهُ مِنَ النَّظَرِ فِي وَجْهِهِ الكَالِحِ. وفي القرآن نقرأ: "تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ...سورة المؤمنون آية 104".

890- شيته =(شيدا) وتعني في المندائية شيطان. ويضرب لها مثال في العامية قولهم "هذا الشخص مثل الشيته" والمعنى واللفظ متطابق مع المورد في اللغة المندائية/ ص 454" وهذا كلام غير صحيح تماما. فلا يوجد تطابق تمام من حيث اللفظ بين "شيته" و"شيدا" ولا يوجد تطابق بين معنى الكلمة في المندائية "الشيطان" وفي العامية حيث تعني الكلمة القرد أو "الشاذي" والكلمة الأخيرة من اللغة الأكدية الحية في العامية العراقية، وغابا ما يجمع الأطفال العراقيون والعرب عموما بين "طرزان وشيتا". وشيتا اسم علم لقرد حقيقي من نوع الشمبانزي كان يقوم بدور رفيق بطل الغابات الخيالي طرزان في العديد من الأفلام السينمائية وقد نفق شيتا سنة 2011.

896-تكفه =(تقفا) ويقول إنها تعني في المندائية قوة، قدرة، شدة. وفي العامية يقول إنها تعني "فيك الكفاية" وهذه الكلمة نادرة الاستعمال في العامية العراقية، ولكنها شائعة جدا في لهجات الجزيرة العربية والخليج وخصوصا في المملكة العربية السعودية وتعني كما قال المؤلف " فيك الكفاية"، أو تعني في صيغة المبني للمجهول "قد كُفيتَ قبل أن تطلب الطلب"، والكلمة عربية وممعجمة نقرأ في معجم المعاني (كفَى الشّيءُ/ كفَى به/ كفَى له: اكتفى وغنِي؛ حصل به الاستغناءُ عن سواه).

903-تفو =(تفو) يقول المؤلف إنها تعني في المندائية تبا، سحقا، بئس، ويجمع بينها بين الصوت الذي يلفظ في أغلب العاميات العربية كناية عن البصاق "تفو"، وهي لفظة مختصرة من يتفل ويتف بمعنى يبصق. نقرأ في اللسان (تَفَل يَتْفُل ويَتْفِل تَفْلاً: بَصَق والتُّفَال: البُصاق والزَّبَد ونحوُهما)، وفي معجم المعاني والمعاصرة والغني (تفُل ويَتفِل، تَفْلاً، فهو تافِل، والمفعول متفول (للمتعدِّي)، تفَلَ الشَّخصُ: تفَّ، بصَق). وفي تاج العروس نقرأ (تَفَل يَتْفُل ويَتْفِل تَفْلاً بَصَق. قال الشاعر ذو الرمة:

وَمِن جَوفِ ماءٍ عَرمَضُ الحَولِ فَوقَهُ.... مَتى يَحسُ مِنهُ مائِحُ القَومِ يَتفُلِ

والعرمض حو الطحلب. ومنه تَفْل الرّاقي والتُّفْل والتُّفَال البُصاق).

905-تمَّ=(تميت -تمم) وتعني في المندائية يصبح، يغدو، يبقى، يمكث. ولتوضيح معناها في العامية يضرب لها مثلا في بيت من الشعر الشعبي يقول (تميت أحومي على شوفك بس أروحن ورد) والكلمة "تميت" تعني حصرا بقيتُ، واستمررت. وتلك من معاني الفعل تمَّ المضعف في اللغة العربية الفصحى. نقرأ في معجم المعاني (تمَّ على الأَمر تَمّاً: استمرَّ عليه) و (تَمَّ عَلَى قَوْلِهِ: لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ). وفي الغني نقرأ (تَمَّ على سَيْرِهِ: اِسْتَمَرَّ عَلَيْهِ).

906- تنور= (تـ+نور) وتعني في المندائية والعامية التنور الذي يخبز فيه الخبز. والغريب هو أن المؤلف يعرف أن الكلمة عربية ويأتي بتعريفها من معجم تاج العروس فيقول (وفي التاج: التنور: الكانون الذي يخبز فيه)، ويضيف (ويقال إنه في جميع اللغات ولذا يشار إلى إنه في الأصل غير عربي)، ويختم بالقول (وترد الكلمة في اللغة الأكدية بصيغة "تنورو"، ونحن نرى أن الكلمة جاءت من كلمة نورا التي تعني النار في المندائية ...إلخ) وهذا يعني أن المؤلف جعلت اللغة الأكدية الأقدم من المندائية تأريخيا والتي شاعت وانتشرت قبل 3000 سنة من ميلاد المسيح، تأخذ بعض مفرداتها من اللهجة المندائية في اللغة الآرامية التي ولدت وانتشرت بعد الأكدية  بأكثر من ألف وخمسمائة سنة (ظهرت الآرامية في الفترة التي ما بين القرنين العاشر والثامن قبل الميلاد، وعثر على كتابات آرامية في شمال سوريا الحالية والتي ترقى إلى الفترة التي ما بين القرنين العاشر والثامن قبل الميلاد. وهذا تنسحب على اللهجة المندائية "الآرامية الشرقية/ الموسوعة الحرة -المعرفة" طبعا إن لم تكن أحدث عهدا من الآرامية الأم) والمؤلف نفسه يفيدنا بالمعلومة التالية التي تقول إن التنقيبات الآثارية في العراق اكتشفت تنانير من الطين تعود إلى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، فهل كانت اللهجة المندائية موجودة آنذاك إذا كانت الاسم ذاته يطلق على التنور!

909- ثبر =(تبر) وتعني في المندائية يضعف يوهن يشق يمزق وتعني في العامية العراقية يتدخل بشكل فج ولجوج فيقال له (لا تثبرنا) بمعنى لا تستحوذ على الحديث) وشرح المؤلف ليس دقيقا فثبر بمعنى استمر وألح في الفعل أو القول وهو الفعل العربي ثابر وجذره ثبر ومنه المثابرة. وتعني المثابرة على الأمر: المواظبة عليه وثبره عن كذا، يثبره ثبرا: حبسه فيه" وفي اللسان نقرأ (وَالْمُثَابَرَةُ عَلَى الْأَمْرِ: الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنَ السُّنَّةِ; الْمُثَابَرَةُ: الْحِرْصُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ وَمُلَازَمَتُهُمَا. وَثَابَرَ عَلَى الشَّيْءِ: وَاظَبَ).

911- تنحر =(أتان+هرن) وتعني الكلمة في العامية الحمار حين يحرن. أما في المندائية فقد جمع المؤلف كلمتين هما أتان وتعني أنثى الحمار وكلمة حرن "هرن" أي امتنع عن السير" وإذا أخذنا بهذه الطريقة في تأثيل المفردة فسنجد أن الكلمتين (أتان وحرن) عربيتان قديمتان: نقرأ في المعاجم القديمة والحديثة؛ ففي القاموس المحيط نقرأ (الأتان: الحِمارة. والجمع: أُتُنٌ، وأُتْنٌ). وعن حرن نقرأ في مختار الصحاح ([ح ر ن]. (ف: ثلاثي لازم، متعد بحرف). حَرُنَ، يَحْرُنُ، مصدر حَرُونٌ، حِرَانٌ، حَرُنَ الحِمَارُ: وَقَفَ جَامِداً لاَ يَتَحَرَّكُ، حَرَنَ.

912-توا =(تيهوا) وتعني في المندائية رعب فزع ذهول هلال، وفي العامية ومن خلال المثال الذي جاء به المؤلف (تواه توي) تعني تمكن منه وأهلكه. والكلمة عربية ولكن المؤلف كتبها إملائيا خطأ بالألف الممدودة فهي توى يتوي وعنها نقرأ في القاموس المحيط (تَوًى، كَرَضِيَ: هَلَكَ، وأتْواهُ اللُّه، فهو تَو)ٍ، وفي معجم المعاني والمعجم الوسيط (فعل: ثلاثي لازم). تَوِيَ، يَتْوَى، مصدر تَوىً - تَوِيَ الإِنْسانُ: هَلَكَ).

914-توث = (توث) وتعني في المندائية والعامية شجرة التوت. ولكن المؤلف يعتبر الكلمة مندائية لأن العراقيين يلفظونها بالثاء وليس بالتاء. وهذه الكلمة فيها رأيان في المعاجم القديمة كما يخبرنا ابن منظور في اللسان. فتوت وتوث كلاهما عربية في الرأي الأول، وتوث في الرأي الثاني فارسية وهي في العربية الفرصاد. لنقرأ ما كتبه في اللسان: "التوت: الفرصاد، واحدته توتة، بالتاء المثناة، ولا تقل التوث، بالثاء. قال ابن بري: ذكر أبو حنيفة الدينوري أنه بالثاء، وحكي عن بعض النحويين أيضا، أنه بالثاء. قال أبو حنيفة: ولم يسمع في الشعر إلا بالثاء، وأنشد لمحبوب بن النهشلي:

أَحْلَى وأشْهَى لِعَيْني إن مَرَرْتُ به ... من كَرْخِ بَغْدَادَ ذي الرُّمَّانِ والتّوثِ

والليْلُ نِصْفان نِصفٌ للهُمُوم فمَا ... أقضِي الرُّقادَ ونِصْفٌ للبراغِيثِ.

وهذا الشاهد الشعري يؤكد ان الكلمة بالثاء عربية. أما الأصمعي فقد نقل عنه ابن منظور أن الكلمة بالثاء في اللغة الفارسية، وبالتاء في اللغة العربية. وفي المصباح المنير نقرأ " التُّوتُ: الفرصاد وعن أهل البصرة "التُّوتُ" هو الفاكهة وشجرته الفرصاد وهذا هو المعروف، وربما قيل "تُوثٌ" بثاء مثلثة. أخيرا قال الأزهري: كأنه فارسي والعرب تقوله بتاءين ومنع من الثاء المثلثة ابن السكيت". ويلاحظ القارئ مقدار التداخل والاختلاف في تأثيل هذه الكلمة. أما إذا تبث وجودها في الآرامية أو ما قبلها كالأكدية فهذا يعني أنها مشتركة في الساميات وقد انتقلت الى الفارسية ثم عادت الى العربية سواء كانت بالتاء او بالحرف الرديف لها الثاء العربية. 

***

علاء اللامي

......................

[1] - حول الفرق بين الفصحى والفصيحة: اللغة الفصيحة هي كل لغة أفصحت عن المُراد، ووافقت القواعد المقررة لها. أما اللغة الفصحى فهي اللغة العربية بصورتها المتفق عليها؛ لأن كلمة فصحى تعني التفضيل بمعنى "هي الأفصح من غيرها". أي أن فصيحة بمنزلة صحيحة، وفصحى بمنزلة أصح، وحين يُقارَن بين لغتين أو لهجتين يقول: هذه فصيحة، أما تلك فهي فصحى.

بالعودة إلى المعجم يتضح أنّ كلتا اللفظتين مأخوذة من الجذر الثلاثي "فَ صُ حَ"، فيُقال أفصَحَ عن فكرهِ، أي أظهره وأبانه بلغة سليمة واضحة خالية من الأخطاء، ولكن بالنظر إلى وزن كل من الكلمتين يتبين أن الفُصحى اسم تفضيل ومُذكَّره الأفصح، أي أعلى بلاغةً ولغةً وتعبيراً وبيانا. وبناءً على هذا، لا يمكن اعتبار اللغة العربية المعاصرة، المستعملة في المدارس والصحافة وما إلى ذلك، لغة عربية فصحى، وهناك كُثُرٌ - وأنا من بينهم - يسمونها اللغة الوسيطة؛ أي التي تقع وسطا بين الفصحى والعامية، وتسمى أحيانا المدرسية. اللغة العربية الفصحى التي كانت سائدة ومستعملة في عصر ما قبل الإسلام "الجاهلية" كلغة المعلقات السبع، ثم في العصر الإسلامي كلغة القرآن والفقه والآداب والعلوم في العصر الإسلامي لاحقا. هل يمكن أن نسمي اللغة العربية السائدة في عصرنا اللغة الفصيحة؟ لا أعتقد ذلك لأن الجمهور في عصرنا لا يميز بين الفصحى والفصيحة، وحين يشيع ويُفْهَم الفرق يمكن ذلك بناء على ما تقدم من تفريق بين الفصحى والفصيحة.

هناك بعض الظواهر من الصعب السيطرة عليها أو التقليل منها وهي ظواهر غير حضارية وغير مقبولة من قبل جميع المجتمعات في العالم ولعل ظاهرة التسول من بين تلك الظواهر المنهكة للمجتمع، فللتسول آثار سلبية كبيرة على الفرد والمجتمع والدولة، فيعتبر التسول إهانة للنفس وضعف وذل فيجعل المجتمع منهاراً اخلاقياً وفكرياً وهو سبب رئيسي من أسباب انتشار البطالة والتقليل من هيبة الدول !، ولعل الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهر كثيرة لكن تأتي بالدرجة الاولى ارتفاع معدلات الفقر بسبب الحروب أو غلاء الاسعار هي اساسها ..

وكما نعلم أن التسول أنواع منها التسول لحاجة فعلية ومنها التسول من غير حاجة (التسول الكاذب) ويستخدم هذا النوع اساليب ملفتة من أجل الوصول إلى مبتغاه وهو الحصول على المال باستعطاف الناس، ومن اغرب ما قد يستخدمه (المتسول الكذوب) هو التظاهر إصابته بمرض عقلي أو استخدامه لأدوات التجميل من أجل تشويه وجهه أو أي طرف من جسمه في سبيل الحصول على مآربه ! وقد تنطلي هذه الحيلة على الكثير منا والمشكلة الأكبر أن المتسول لا يتوقف عن التسول بعد اكتفاءه المادي أو أن يبحث عن عمل ما لسد حاجاته! بل يصبح هذا الفعل مرض نفسي يستمر معه مدى الحياة وربما يتوارثه اولاده واحفاده !، ومن الاماكن التي يتواجد فيها المتسولون وأكثرها شيوعاً هي الاشارة المرورية واماكن العبادة والأسواق فيُسبب الضجر والاستياء للناس المارة وخاصة ان البعض منهم يكون لجوج في الاستجداء!، يمكن تعريف التسول بصورة عامة بأنه استجداء عاطفي للحصول على حاجات مادية أو معنوية وهي ظاهر غير صحية في المجتمع وقد يستخدم فيها المتسول التذلل بكرامته أو عاهاته أو اطفال في سبيل الوصول إلى ما يريد، وبغض النظر عن صدق المتسول أو كذبه!، لكن لماذا يعتبر التسول من الظواهر الخطيرة ؟! قد يعتبر البعض أن التسول أمر بسيط أو غير مهم لكن ما يترتب على التسول من أمور تجعل منه معضلة كبيرة تنهك العالم أجمع ومن الأسباب الخطيرة للتسول أنه سبب في انتشار الفقر والبطالة فهو يجعل الفرد كسولا وغير منتجاً في مجتمعه ويعتاش على غيره، وكذلك انتشار الجرائم والسرقات وازدياد فرص تعاطي المخدرات بين المتسولين كبيرة جداً، وأيضاً يعتبر التسول سبباً في حرمان الأطفال من حقوقهم في التعليم وكذلك اصابتهم بأمراض جسدية ونفسية جراء بقائهم في الشوارع أو مبيتهم على ارصفة الطرقات، ومن الظواهر الجديدة على المجتمع هي ظاهرة التسول الالكتروني ربما يبدو المصطلح غريبا نوعا ما لكنها ظاهرة حقيقية حيث يستخدم المتسول الرسائل من أجل الاستعطاف أيضاً وانه بحاجة الى المال بشكل مُلح من أجل علاج مريض أو شراء طعام أو حليب لأطفاله ! وتكون هذه الرسائل مزعجة ومحرجة !، ومن الاجراءات الضرورية للحد من البطالة هي توفير فرص عمل مناسبة لتلك الفئة، افتتاح جمعيات خيرية، وضع قوانين صارمة للحد من التسول، توفير ضمان اجتماعي للأشخاص غير القادرين على العمل، بالإضافة إلى توفير مراكز المعالجة النفسية من اجل جعل المتسولين مؤهلين للتخلص من امراضهم النفسية وشعورهم بالنقص بشكل دائم حتى ينعم المجتمع بالحياة الكريمة للجميع.

***

سراب سعدي

قبل يوم من قرار مجلس الوزراء الصادر في السابع من شباط الماضي، نصحنا السيد رئيس الوزراء بأن نخزن في بيوتنا الدينار، ونتخلص من الدولارات، على اعتبار أننا شعب من الأغنياء، نعيش رفاهية اقتصادية لا يحلم بها أي ساكن على كوكب الأرض، ولأن المسؤول العراقي مثله مثل السياسي لا يرى أبعد من المنطقة الخضراء وما حولها من فِلَلْ وقصور وجكسارات، فنراه يعتقد أن المواطن العراقي الذي يسكن في المعامل أو في نواحي السماوة يحتار أين يخبئ الدولارات !.

لم يكن قرار تخفيض الدولار، قراراً اقتصادياً، بل حفلاً كبيراً لبعض النواب والمدونيين الذين أخبرونا أن المواطن العراقي سيحتل المرتبة الأولى في الرفاهية الاجتماعية، وأن زمن البطالة انتهى، والمصانع ستعمل 24 ساعة باليوم، والفلاح يُصدر منتوجه إلى أقاصي أوروبا، والبطالة تحت الصفر، وظهر عدد من المحللين السياسيين والاقتصاديين بكامل أناقتهم يتحدثون عن الخطوة الكبيرة في إصلاح الاقتصاد العراقي، لم يخل الأمر بالطبع من مزيد من توابل الإثارة، مثل الظهور اليومي للناشطة المدنية عالية نصيف وهي تتحدث وكأنها المرحوم آدم سميث صاحب "ثروة الأمم"، فيما اتحفتنا إحدى القنوات بالاقتصاديين الكبيرين حمد الموسوي وهيثم الجبوري وهما يتباكيان على حال المواطن العراقي بسبب تعنت الدولار.

بعد سبعة أشهر على قرار الخفض ماذا حصل؟، المواطن لايزال يشتري الدولار بأكثر من 150 ألف دينار، فيما أصحاب البنوك الوهمية وتجار الـ " 56 " يشترون الدولار بـ"1300" دينار، وتزداد الإثارة إذا عرفنا أن البنك المركزي يبيع يومياً أكثر من "200" مليون دولار عداً ونقداً.

وسط هذا المناخ المشبع بالإثارة والتشويق، يعيش المواطن مع وصية "اقتنوا الدينار واطردوا الدولار". لنكتشف أن المقصود، أن تزداد ثروات تجار الخردة في العراق، وتمتلئ خزائن أصحاب المصارف، وتُهرب العملة شمالاً وجنوباً ، دون أن يخرج علينا أحد ليوضح لنا: لماذا؟

في تاريخ العراق المعاصر كان هناك شخص اسمه ساسون حسقيل ، تولى مالية العراق في أول نشوء للدولة، تخبرنا كتب سيرته أنه كان يجادل نوري السعيد في معنى الديمقراطية، ويغضب الملك بسبب مراقبته مخصصات البلاط، ويمنع ياسين الهاشمي من استغلال منصب رئيس الوزراء في إثارة الخلافات السياسية، ويحسقل الموازنة من أجل أن يجعل من الدينار العراقي الحديث الولادة، أكثر عافية من الجنيه الإسترليني، ما الذي كان يغيظ هذا السياسي البارع؟، إنهم أصحاب الخطب الرنانة.

مسلسل الخطباء الذين ابتلينا بهم، أصابنا جميعاً بالحيرة، فحتى هذه اللحظة لم نتوصل إلى تحديد ماذا يريدون، الجميع يتحدث عن الرفاهية مثلما يخبروننا كل مرة، ولكن بشروطهم، نجدهم ليل نهار يصرخون بأنهم عازمون على قتل الدولار، فيما الدينار يزداد حيرة ،والوقت يحتاج إلى صبر، والصبر مفتاح الفرج، والمفتاح ضايع " في سراديب الفشل .

***

علي حسين

نسمع كثيرا أمثلة تحض على المؤازرة والتعاون، ولقائليها حتما خبرة وتجربة في الحياة، كذلك كان التأكيد على روح التعاون هو النصيحة الأولى التي نسمعها من أهلينا دوما، وعلينا الامتثال لها والالتزام بها، وإلا فالخسارة والإخفاق والإحباط، تكون أول ما نجنيه من تمردنا وعدم انصياعنا لمفردات التعاون.

وكبرنا، وحلت في يومياتنا اهتمامات أملتها علينا ظروفنا الحياتية، وتغيرت حيثيات حياتنا، بعضها نحو الأسوأ وأخرى نحو الأفضل، لكن الشيء الوحيد الذي بقي محافظا على ثباته ولم ينل منه التغيير هو التعاون، روح التعاون. فما من مفصل من مفاصل حياتنا وما من جانب من جوانبها، إلا وكان للتعاون اليد الطولى في تحقيق مآربنا جميعها.

وبالرجوع بذاكرتنا الى الأعوام 2006- 2007 – 2008. حين مر العراق بأعتى عاصفة اجتمع في صنعها أشخاص وأحزاب وفئات وجهات ودول، تعاونوا على الإثم والعدوان فيما بينهم، فيما تعاون العراقيون -الشرفاء حصرا - على البر والتقوى فما كانت النتائج؟ يوم بلغت تضحيات العراقيين بمالهم وأرواحهم مبلغا قلما نجد مثيله في بلدان أخرى.

ولاأظن أحدا منا قد نسي كيف ثابر وجاهد آنذاك كثير من الأطباء والمهندسين والمدرسين، وأساتذة جامعات وباقي الكفاءات والاختصاصات، فضلا عن ضباط ومراتب ومنتسبي وزارتي الدفاع والداخلية، وقدموا ما استطاعوا من عطاء ممزوج بالمعاناة، رغم التحديات الصعبة التي واجهتهم، ورغم التهديدات التي تعرضوا لها، من فئة تعاونوا على ضلالتهم وتكاتفوا على خسة غرضهم ودناءة هدفهم، وما يؤسف له أنهم نالوا مانالوه من تعاونهم ذاك.

اليوم في عراقنا الجديد، يحتم التعاون وجوده بكل أشكاله بين فئات نسيج مجتمعنا وشرائحه جميعها، بقومياتهم وأطيافهم كافة، وفي الحقيقة الواقعة أننا نلمسه -التعاون- متوافرا في الشارع والمعمل والمؤسسة بينهم جميعهم، إلا أن حضوره شحّ، ووجوده ندر بين سياسيي الحاضر، كما أنه غاب عن صناع القرار، إضافة الى أغلب رجالات الدين، إذ نراهم غرقى في بحر الراديكالية، وهم دوما وسط تجاذبات ومناكفات لاتنقطع، ويدورون في دوامات التضاد على أعلى المستويات، مايجعلهم أسيادا في معاداة الآخر، وأساطين في الإيقاع به وتسقيطه شخصيا، فإن لم يستطيعوا فسياسيا، وإن لم يستطيعوا فمهنيا، وإن لم يستطيعوا فبالمقاطعة والتهميش وذلك أضعف الإيمان.

والأمر بالتالي يفضى الى نأيهم عن معنى التعاون وكنهه وفحواه، واقترابهم من الأنانية والتحيز والإثرة وعشق الذات، في وقت كان حريا بهم أن ينضووا تحت لواء الإيثار ونكران الذات. لقد رفع أولو أمر العراقيين من الساسة اليوم، وكل من اعتلى مقاعد التسلط في مواقع التسيد شعار (كلمن يحود النار لگرصته) وامتثلوا -لسوء حظ العراقيين- الى قول ابي فراس الحمداني:

معللتي بالوصل والموت دونه

إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر

أو لعلهم اقتدوا بعشيقة ملك فرنسا لويس الرابع عشر مدام دي بومبادور، حين قالت: "أنا ومن بعدي الطوفان". إذ اضحى مؤكدا مدى تعلقهم بمصالحهم الفئوية، وبات جليا تمسكهم الشديد بمآربهم الشخصية، أما المواطن فله رب يحميه، وأما حقوقه فله فتات مايتركونه، بعد اقتسامهم حصة الأسد منها، وأظنهم استشرعوا هذه القسمة الضيزى من أبي نؤاس، حين قال في جارية اسمها "جنان":

جنان حصّلت قلبي

فما إن فيه من باقِ

لها الثلثان من قلبي

وثلثا ثلثه الباقي

وثلثا ثلث مايبقى

وثلث الثلث للساقي

فتبقى أسهم ست

تجزّا بين عشاق

***

علي علي 

عندما كان الحزب واحدا، حاولت بكل طاقتها ان تحمل صفة " مستقلة " على الرغم من صعوبة التملص من العناصرالنشيطة التي تسعى الى كسب المستقلين ليصبحوا مؤيدين لكنها اضطرت خلال الدراسة الاعدادية الى الرضوخ لالحاح احدى زميلاتها ليس اقتناعا بل خوفا من رد فعلها اذا ماواصلت رفض دعوتها لها،فقد يحمل ذلك ألف معنى وقد تجد من يبحث في تاريخ أسرتها كله ويجد فيه شائبة تكفي لاخفاء احد أفرادها او كلهم وراء الشمس فاكتفت بحضور اجتماعات حزبية تخلفت عن اغلبها والتزمت بدفع الاشتراك المالي الشهري لمجرد ان تبعد عنها الشكوك فليس هنالك من يقتنع بوجهة نظرها التي تقوم على رفض الانتماء والرغبة في أن تظل مستقلة !

ولأنها مستقلة في اعماقها وتسعى الى ان تكون كذلك على أرض الواقع، فقد تجنبت الالتحاق بكلية (مغلقة) -أي يشترط الالتحاق بها الانضمام الى الحزب - بل اختارت كلية اكثر انفتاحا، واكتفت بأن تنفذ وصية اهلها بالحذر ثم الحذر من اثارة اي نقاش سياسي او المشاركة فيه فهي من محافظة تمثل أصلا علامة فارقة في نظر الحزب،  ومن حسن حظها ان المسؤول الحزبي في قسمها لم يكن يدقق في انتماء الطالبات او حضورهن الاجتماعات بل كان يصب كل تركيزه على الطلاب الذكور لأنهم لابد وان يكونوا ناقمين اصلا في اعماقهم مادامت الجامعة لن تنتهي بعمل او وظيفة بل بالانخراط في الجيش والذهاب الى جبهات القتال !

بعد عام 2003، وعندما تحول الحزب الواحد الى موكب من الاحزاب متعددة المناشيء والاجندات،اختارت العمل في وظيفة لاعلاقة لها بالاحزاب، وحتى عندما لمع اسمها في مجال عملها وتلقت عدة دعوات لخوض الانتخابات تحت لواء حزب او تجمع او تيار، لم تخضع لاغراء المجد السياسي وكسب المال السائب وهما من اهم اسباب الانتماء الى أحزاب وخوض انتخابات تنتهي غالبا بفشل المستقلين وضياع اصوات ناخبيهم هباء وفوز من يتمتع بدعم حزبي ..

كانت تشعر بالأسى على المرشحين المستقلين فمهما كانت نزاهة بعضهم ورغبتهم في الاصلاح وخدمة الشعب فسوقهم ليست رائجة لأنهم ينفقون على دعاياتهم الانتخابية المتواضعة من جيوبهم ويعولون على اصوات ناخبين شرفاء بينما تنفق الاحزاب على مرشحيها اموالا طائلة وتبدع في شراء اصوات الناخبين بالمال والوعود بالتعيينات بل وبالبطانيات احيانا !

ولأنها تدرك بأن الديمقراطية التي جلبت معها الانتخابات لم تكن نزيهة بل مشوهة، فقد قررت ان تختبرها وأن تجرب بنفسها مدى صحة تشدق المتشدقين بها، لذا قررت الترشح لمجلس امناء شبكة الاعلام العراقي عسى ان تقدم شيئا يخدم مجال عملها لكنها وجدت من ينصحها بالعدول عن قرارها لأن ماتفعله (مضيعة للوقت) مادام المجلس خاضعا للمحاصصة الحزبية والقضية (محسومة للأحزاب) كما قيل لها ...

ما الداعي اذن الى التشدق بالديمقراطية والانتخابات وحرية الرأي في بلد لاينال فيه المستقل وظيفة او منصب او حظوة في مختلف المؤسسات الحكومية والهيئات (المستقلة) مادام كل شيء فيه يخضع للمحاصصة الحزبية، ومناصبها كلها (محسومة للأحزاب )؟!

***

عدوية الهلالي

عبد الله بن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس (95 - 158) هجرية، ومدة حكمه (22) سنة، (136 - 158) هجرية.

تولى الخلافة في عمر (41)، بعهدة من أخيه أبو العباس السفاح.

"كان فحل بني العباس هيبة وشجاعة وحزما ورأيا وجبروتا، كامل العقل، جيد المشاركة في العلم والأدب"

"قتل خلقا كثيرا حتى إستقام ملكه"

"وكان غاية في الحرص والبخل فلقب (أبا الدوانيق)"

"أول ما فعله قتل أبا مسلم الخراساني"

نجا من سطوته عبدالرحمن بن معاوية بن هشام فدخل الأندلس سنة (138) هجرية، ولقبه بصقر قريش، وهو عبد الرحمن الداخل.

"بنى مدينة بغداد المدورة (140 - 149) هجرية.

بدأ التدوين والترجمة والتأليف سنة (143) هجرية

"أول من أوقع بين العلويين والعباسيين" بعد خروج حفيدي الحسن بن علي عليه (145) هجرية، فقتلهما ومَن أفتى معهما بالخروج عليه، وقتل خلقا كثيرا من ذرية علي بن أبي طالب.

خلع عمه عيسى بن موسى سنة (147) هجرية، وعهد لإبنه المهدي.

"أول من قرّب المنجمين، وعمل بأحكام النجوم، وأول خليفة ترجمت له الكتب، وأول خليفة إستعمل مواليه على أعماله وقدمهم على العرب"

قيل له: "لقد هجمت بالعقوبة كأنك لم تسمع بالعفو، فقال: لأن بني مروان لم تبل رممهم، وآل بني طالب لم تغمد سيوفهم، ونحن بين قوم قد رأونا أمس سوقة، واليوم خلفاء، فليس تتمهد هيبتنا في صدورهم إلا بنسيان العفو وإستعمال العقوبة"

ومن وصيته لإبنه المهدي: " يا أبا عبدالله الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه، لا تبرمَّن أمرا حتى تتفكر فيه، فإن فكرة العاقل مرآته تريه قبيحه وحسنه".

جمع أبو جعفر المنصور تناقضات عجيبة وكأنه صورة أخرى للحجاج بن يوسف الثقفي .

إذ كان حازما شديد البأس، ويدرك أنه يؤسس دولة ذات شأن، فكان قاسيا على مَن يقف بوجهه، حتى على أقاربه أو أبناء عمومته، وفي زمنه حصلت قتلات شرسة، كمقتل أبو مسلم الخراساني وإبن المقفع، وأمعن بإبادة معارضيه بقسوة فائقة.

ومع ذلك هو محب للعلم، فأطلق مسيرة الترجمة، وجمع الكتب، وأول من أدخل الموالي في الدولة، وبنى مدينة بغداد، ووضع الأسس الرصينة لدولة إستمرت بعده لأكثر من أربعة قرون، ورفع رايات التدوين، وطلب من إبن إسحاق كتابة السيرة النبوية ليقرأها إبنه المهدي، ومن ثم لخصها إبن هشام.

فكان يحمل السيف بيد والفكر باليد الأخرى.

وعاش في صراع بين الكرسي والعقل، وحاول الموازنة بينهما، ومن الصعب الإقتراب من شخصيته، لأنه كأي بناة الدول لابد من إجتماع العديد من التناقضات فيه، ويبدو أن أخلاق الكرسي وإملاءاته ربما طغت على الكثير من سلوكه، ورسمت مسيرة الحكم من بعده.

ولم يكن مغترا بالدنيا، ويميل للبناء بالطين، فما بقي من آثاره ما يشير إلى مرحلته.

كان قائدا وعالما ومجاهدا في سبيل إرساء دعائم دولة ذات قوة وعزة وشموخ.

ولولا خارطة الطريق العتيدة التي وضعها، ما إستطاع الخلفاء من بعده أن ينجزوا ما أنجزوه، فأطلق بواعث العصر الذهبي للدولة العباسية، الذي إنتهى بمقتل المتوكل وهيمنة الآخرين على الحكم.

وبإختصار، طغت على شخصيته إرادة بناء الدولة، فوضع الأسس الصالحة لديمومتها، ولا توجد مثالب كبيرة في شخصيته، وإنما توجهات إحترازية وتطلعات لوضع الركائز المتينة لدولته، وهو من المثقفين المطلعين على آليات الحكم ومهارات صناعة الدول، وتواصل مع معارف الدنيا في زمانه، وترجم أمهات كتب الحضارات السابقة.

***

د. صادق السامرائي

اجتاح المدينة اعصار دانيال وتسبب في مقتل وتشريد الالاف، وهدم احياء سكنية بكاملها، الكوارث الطبيعية لا يد منظورة للبشر فيها، ربما للتغيرات المناخية دور كبير، بسبب ثقب طبقة الاوزون الناتج عن الغازات المنبعثة عن المصانع الكيميائية بالدول الكبرى، السدود المقامة على الانهار لتجنيب المدن القريبة منها خطر تدفقها تحتاج بصفة دورية الى عمليات مراقبة وصيانة، لكن بلادنا وفي ظل التكالب على السلطة واهدار المال العام بسبب عدم وجود الرقابة العامة (ادارية ومحاسبية)التي تحد من ذلك، فان مسؤولينا لم يعيروا أي اهتمام لأي من المشاريع المقامة فتآكلت وبعضها لم يعد صالحا للصيانة، ناهيك عن عدم القيام بمشاريع جديدة.

لسنا هنا في صدد تحديد المسؤولية عن نتائج الاعصار، فبامكان الاجهزة المختصة تحديد ذلك، ومعاقبة المقصرين منهم، ولكن هل ستقوم السلطات بمختلف مستوياتها بالتعويض عن الخسائر المادية وايجاد البديل لها في اقرب الآجال، فالأموال متوفرة وبكثرة، والذي ينقص هو الارادة الفاعلة القادرة على تخطي الازمة في مدد زمنية، وتجنيب المواطن التشرد وانتظار المساعدات او لنقل الهبات الخارجية، التي رغم أهميتها لن تفيء بالغرض.

الحكومتان اللتان تتقاسمان السلطة، لم تتحركان بالسرعة المطلوبة لتخفيف اثر النكبة، كما انهما لم تقدمان ما يلزم من معونات ايوائية وغذائية رغم وجود بند للطوارئ بالميزانيات على مدى السنوات المختلفة، فهل تراكم المبلغ ام انه تم انفاقه في ما لا يعني على مشاريع وهمية؟، نتمنى ان يكون هناك بعض الاهتمام ببقية السدود حول مدينتي طرابلس وبنغازي وحمايتهما، لئلا تتكرر الكوارث، كما نامل وضع حدا لارتفاع اسعار الكثير من السلع وخاصة الضرورية، فتجار الازمات يجب ردعهم بقوانين صارمة، فهؤلاء دينهم بطونهم، وجل همهم هو ما يراكمونه من اموال في خزائنهم، ولا انسانية لهم.

نكبة درنة والمناطق المجاورة اثبتت قوة اللحمة الوطنية للشعب الليبي، حيث انه ورغم الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه، نجده يقوم بتسيير قوافل إغاثة للمناطق المنكوبة، وانه في حل من الفتن التي يحاول الساسة وبعض رجال الدين خلقها وتأجيج سعيرها، وان ليبيا المعاصرة وطن واحد، وقبائلها تنتشر على مدى رقعتها الجغرافية.

 إن هذه الفزعة العفوية تدحض وبما لا يدع مجالا للشك، الراي القائل بان الشعب الليبي شعب هجين، غير متجانس. أن العودة الى الحكم الفدرالي لم يعد واردا، فالذين قاموا بتغيير دستور 51 (63معدل)هم نواب ليبيون بالدرجة الأولى، ومضى على ذلك ستة عقود، فلم تعد هناك قيود للتنقل، فتشابكت المصالح والمصاهرة وهؤلاء الفدراليون نسوا او تناسوا ان بعض سكان المنطقة الشرقية اصولهم من المنطقة الغربية والجنوبية، وان القبائل اصبح لها امتداد جغرافي يصعب تجاهله، نعم للامركزية الادارية، ادارة شؤون المناطق وتنميتها وفق احتياجاتها ومع ما يتناسب والميزانية المخصصة لذلك، على ان تبقى بعض الاشياء مركزية مثل السياسة الخارجية والدفاع والامن الداخلي والتخطيط العام.

ندرك ان المصاب جلل، لكن الهبة الشعبية خففت من وطأة الالم، وطن واحد، قد تختلف المشارب.. وتتعدد المسارب، تظل الوجهة.. ليبيا.. رغم المحن، لا مكان لشذاذ الافاق ومروجي الفتن.. لا جهوية لا مذاهب تكفيرية، سيتعافى الوطن.

***

ميلاد عمر المزوغي   

ذات مساء رأيت صديقاً فارقته منذ سنوات وهو يغادر إحدى المجمعات التجارية واضعأ على عينيه نظارة سوداء قاتمة، وتمسك بذراعه امرأة كأنها تقوده لمعرفة الطريق.. سلّمت عليه وفوجئت بأنه لم يعرفني لأول وهلة كأنه لم يرَ وجهي. وقبل أن تفيق دهشتي أخبرني مبتسماً بأنه فقد بصره في الحرب على الإرهاب.

تألمت لحاله بقدر ما أكبرت تضحيته.. تلعثمت الكلمات في فمي ولم أجد تعبيراً مناسباً لمواساته.. وكما لو أنه رأى بقلبه تألمي وإرتباكي، قال لي والإبتسامة الجميلة تواصل إشراقتها على محياه:

- فقدت بصري من أجل الوطن وأنا في عنفوان الشباب.

ثم أردف بكبرياء:

- لست حزيناً فقد وجدت الزوجة التي جعلتني أرى الدينا بعيون جديدة.

ضغط بكفه على كفها تعبيراً عن الإمتنان، وتابع حديثه:

- إنها امرأة مجاهدة، وربما جهادها أعظم عند الله من جهادي.

ابتسمت الزوجة التي كانت تحتضن كفه بحنان باذخ، وقالت لي بإنشراح:

- ليس لي سواه.. إنه حياتي كلها.

بعد ذاك اللقاء بفترة قصيرة صادفت شاباً ضريراً يرقد في دار خيرية لرعاية المعاقين.. سألت عن سبب فقدانه للبصر فقالوا لي: أحبّ زميلة له في الجامعة وهام بها عشقاً.. بعد التخرج فوجيء بهجرانها له وزواجها من رجل آخر، لم يحتمل الشاب الصدمة فأدمى عينيه !.

غادرت المستشفى حزيناً فقد إستنزف حال الشاب الضرير ذكرياتي عن مفارقات ثنائية الغرام والهجران، وما أكثرها في مجتمعنا.

قلت في سرّي: ما أعجب المرأة.. بيدها مفاتيح سعادة الرجل، فبوسعها ان تهب الضوء للأعمى.. وبوسعها ان تسلب الضوء من البصير!.

***

بقلم: طالب الأحمد

شهد العراق سنة جفاف قاسية، أضرت كثيراً بالأراضي الزراعية والمواشي، ما أثر بالسلب على الإنتاج السنوي للمحاصيل الزراعية المهمة، الداخلة في سلة الغذاء اليومية للشعب العراقي..

على الرغم من كل المحاولات، التي قامت بها الحكومات العراقية المتعاقبة،الا ان التزمت التركي ما زال هو سيد الموقف،وهذا أثر بشكل كارثي في جفاف البحيرات الرئيسية في العراقـ، وتراجع حجم الاهوار،بالاضافة الى نقص في حجم المياه المتدفقة الى نهري دجلة والفرات،ما اجبر العراق على أتخاذ التدابير التي لا ترقى الى مستوى المعالجة،بل كانت ترقيعية كتركيب مضخات جديدة، لاستخراج المياه من المساحات القريبة من الخزائن وعلى طول النهرين!

يبدو أن الوضع بات بائساً ومأساويا، بالنسبة لملف المياه الذي شكل عقبة أمام حفظ الأراضي الزراعية، وزيادة استصلاح غيرها،حيث ذكرت منظمة الاغذية والزراعة العالمية في العراق، أن منسوب نهر الفرات بلغ ٥٦سم(نصف متر) في مدينة الناصرية، مما تسبب في جفاف ٩٠% من الاهوار القريبة،كما أن المنظمة الدولية للهجرة قدرت ان ثلث النازحين، البالغ عددهم ٨٥ الف نازح بسبب شح المياه، يعيشون في محافظة ذي قار على طول النهر،حيث جعل نزوح هؤلاء بعد انخفاض منسوب المياه، فتحركوا الى داخل المدن.. كما أضطر المزارعون الى ترك أراضيهم وممتلكاتهم، مما أثر بالسلب على الأراضي المستغلة، وتحول كثير منها الى أراضي ميتة، تحتاج الى جهد كبير لإعادة إحيائها من جديد.

تركيا من جهتها تحاول المماطلة في هذا الجانب،إذ اعتمدت حكومتهم على عامل الزمن، من أجل تقييم الأضرار الناجمة عن الزلزال الأخير، الذي ضرب تركيا وأثر على خط الأنبوب الناقل،والذي أخذ العمل به لمدة ٤٦ يوم وتوقف ف ٢٥آذار بعد صدور التحكيم الدولي لصالح العراق، فكما نعرف تستخدم انقرة خط الانابيب، كورقة مساومة تمتلكها لانتزاع تنازلات، بشأن التعاون الوطني والأمني في أربيل وبغداد..

يصف المراقبون أن الاتفاق القريب ليس سهلاً، وليس بالمهمة البسيطة ويحتاج الى الكثير من الوقت،لان هناك العديد من القضايا الشائكة،كما أن تركيا تبحث عن قضايا أخرى مع العراق، فهي تريد تخفيض مبلغ التعويضات، التي يجب أن تدفعها، والبالغة ١.٥ مليار دولار، الى جانب تقديمها لمطالب صعبة أخرى، بما فيها تخفيضات كبيرة في أسعار النفط، وإسقاط جميع المطالبات ضدها،بالاضافة الى زيادة رسوم نقل النفط عبر اراضيها، الى ٧ دولار لنقل البرميل الواحد، مقارنة بما حددته معاهدة خطوط الأنابيب عام ٢٠١٠، والتي حددت رسول النقل ١.١٨ دولار،بالاضافة الى تعويض تكاليف خط النقل الناقل .

ملف إيقاف تصدير ٤٥٠ ألف برميل يومياً، من صادرات النفط لمدة خمسة أشهر، والتي تقدر مبالغها بحوالي ٥ مليار دولار، من إجمالي الإيرادات غير المتحققة، والعراق بحاجة الى هذه الأموال، لتنفيذ الموازنة لعام ٢٠٢٣ التي تبلغ ١٥٠ مليار دولار، والسيطرة على العجز الهائل والبالغ ٤٨ مليار دولار،ما يعني ان الخسائر التركية المترتبة على وفق ضريبة النفط، أقل من خسائر العراق،حيث تقدر خسائر تركيا بحوالي ٢ الى ٣ مليون دولار يومياً من رسوم عبور،مما يضع جانباً الفرص الضائعة، المتمثلة في تنشيط تجارة النفط والغاز مع العراق.

من المفارقات أن قرار تركيا بإطالة أمد وقف صادرات النفط من العراق،قد إعاد ترتيب مصالح بغداد وأربيل، بحيث لاول مرة يتقف الطرفان، على ضرورة وصول نفط العراق الى الاسواق الدولية،ويمكن أن يكون موقف العراق أقوى بكثير من موقف أنقرة،لذلك يمكن له أن يجعل هذا الملف ورقة ضغط ومساومة مع أنقرة،ومن المؤكد أن أتفاق الرؤية بين أربيل وبغداد، يمكن أن يساعد العراق على الاستثمار في زيادة الانتاج من كركوك، للحصول على مزيد من تدفق النفط عبر تركيا، لجعل مشروع خط الانابيب الناقل معها أكثر ربحاً وفائدة، وتحصل انفراجة في ملف المياه تبعا لذلك.

***

محمد حسن الساعدي

من الملاحظات الغريبة أن خلفاء الدولة العباسية بعد المأمون أقترنت أسماؤهم بالله، فبدأت بالسفاح، وأبو جعفر المنصور، والمهدي، والهادي، وهارون الرشيد، والأمين والمأمون، وكانت فترة حكمهم تمثل العصر الذهبي للدولة، رغم ما شابها من توترات.

وأول من إقترن إسمه بالله هو المعتصم بالله، وهو محمد بن هارون، وكنيته أبو إسحاق، ومن بعده الواثق بالله، ومن ثم المتوكل على الله، وهؤلاء كانوا معروفين بإسمهم المجرد من الله، فنقول المعتصم، الواثق، المتوكل.

وبعد مقتل المتوكل، صارت الأسماء مقرونة بقوة بكلمة الله.

والفرق في الحالات الثلاثة، أن الدولة أسست لعصرها الذهبي ، ومن ثم لفترة القوة الفاعلة والعمران، وبعدها تحول الخلفاء إلى موجودات بلا قدرة على إتخاذ قرار، إلا فيما ندر، ومضت أيامهم على أنهم رموز وحسب.

بعد المتوكل صار الخليفة ينوب عن الله في الحكم أكثر من أي وقت مضى، وتحقق تعزيز المفهوم لكي يستغله المتنفذون القابضون على مفردات القوة وعناصرها المؤثرة في الحياة العامة.

فالخليفة موجود كالأسير في دار الخلافة، والقواد والأمراء هم الحاكمون بإسمه ويذكرونه في خطبهم، فكان أداتهم اللازمة لتأمين تبعية الناس لهم ورضوخهم لمشيئتهم.

فكانت فترة خلافة الأسماء المقرونة بالله أشد فسادا وظلما وإضطرابا من سابقاتها، مما يشير إلى أن إستعمال الدين في الحكم لا يأتي بنتائج صالحة للحياة، ويحولها إلى مرتع للرغبات المفلوتة، لأنه سيشرعنها، فتكون ذات إرادة متحررة من المسؤولية الفردية، وتحصل بأمر الله!!

ومنذ مقتل المتوكل (247) هجرية، حتى سقوط بغداد (659) هجرية ، توالى على الدولة العباسية (27) خليفة من الأسماء المقرونة بالله، وعندما بويع (إبن المعتز) (247 - 295)هجرية،  تم خلعه في أقل من يوم، وبعدها سجنوه وقتلوه.

ويبدو ان كلمة الله كانت ضرورية ومطلوبة لإحكام السيطرة على الرعية، ولهذا تحقق الإستثمار فيها، والإستمرار بإقرانها بأسماء الخلفاء؟

ترى هل هي من إختراع المعتصم، الذي أدرك آليات السيطرة والتحكم بالبلاد والعباد، تستدعي أن يكون للإله دور واضح وقوي في السلطة؟!!

إنها ذات القكرة التي مارستها الحضارات القديمة قبل التأريخ، عندما كان الإله يحكم ومن ثم مَن له صلة ما به.

فكأنّ الله في الكرسي!!

***

د. صادق السامرائي

كلمات هذا الجزء: "سدانة - صگاطة - صنان - صيهود -قَبوط - قوزي - راشدي - رُطب -رگـة -شجر - شرمخ - شقل". سيكون ترتيب الفقرات أدناه كما يلي: رقم الفقرة ثم الكلمة كما تلفظ في اللهجة العراقية ثم علامة مساواة وبعدها لفظ الكلمة في اللهجة المندائية بين قوسين ثم معنى الكلمة في المندائية فمعناها في العراقية فرأيي الشخصي بهذا التخريج مع التوثيق المعجمي:

805- صگاطة = (سكتا) وتعني سدادة وقفل. ويشرح معنى اللمة في العامية فيقول وهي عبارة عن قطعة خشب أو حديد مرتبطة من جهة وسائبة من الأخرى لكي تثبت في حلقة أو مكان مخصص على جهة الباب الثانية. وهذه هي السقاطة في اللغة العربية الفصيحة ونقرأ في معجم المعاني (السُّقَاطةُ: أداة توضع على أعلى الباب فيقفل) وهي تلفظ في العامية بفتح السين وفي الفصيحة بضمها. وفي المعاصرة نقرأ (سُقَّاطة :1 - أداة تُوضع خلف الباب من أعلى لإحكام إغلاقه. 2 - ما يُطرق به الباب).

811- صنان = (صهنا) وتعني الرائحة الكريهة وهذه كلمة عربية ومشتركة في اللغات الجزيرية السامية بالمعنى نفسه نقرأ في معجم الوسيط (الصُّنَانُ: النَّتْنُ.

والصُّنَانُ الريح الكريهة وذفر الأبط)، وفي المعجم الغني "يَفُوحُ مِنْهُ صُنَانٌ: رَائِحَةُ الإبْطِ الكَرِيهَةِ -صُنَانُ لَحْمٍ: نَتَنُهُ".

812- صيهود = (صاهيا) جفاف عطش. والمؤلف يعلم أن الكلمة عربية فصيحة ولكنه يعاند ويحاول أن يجد لها تخريج ما فيقول إن معناها في المندائية يتعدى معناها في العربية الى الجفاف. وفي العامية العراقية تعني كلمة الصيهود الحر الشديد والصيف القائظ ولا تعني الجفاف قط، ونقرأ في المعجم الرائد (صيهد: حر شديد. - صيهد: سراب مضطرب. - صيهد: طويل القامة. - صيهد: أرض واسعة جافة لا ماء فيها). نقرأ في لسان العرب (ابن سيده: صَهَدَتْ الشَّمْسُ تَصْهَدُه صَهْداً وصَهَداناً: أَصابَتْه وحَمِيَتْ عليه والصَّيْهَدُ: شدّة الحَرِّ).

815-قَبوط = (قبوتا) وتعني في المندائية صندوق خزانة تابوت. وفي العامية العراقية القبوط هو المعطف فلا علاقة لهذا بذاك. وربما كانت الكلمة معربة عن لغة أجنبية أخرى هي الفرنسية (CAPOTE) التي تعني المعطف العسكري والمعطف المُقَلْنس "معطف بقلنسوة".

822- قوزي = (قصير، صغير) وتعني كما يقول المؤلف " رضيع الخراف في إشارة إلى صغيرة) وهذه الكلمة تركية عثمانية من قوزو أو قوزي وتعني الحَمَل. ودخلت اللهجة العراقية خلال الاحتلال التركي العثماني للولايات العراقية. والمؤلف يشير إلى هذه المعلومات ولكنه ينفيها لتأكيد تخريجه المندائي الخاص. أما التخريج الذي يقول به خالد السياب في معجمه "معجم الفصيح الدارج في اللهجة العراقية المحكیة في محافظة كربلاء" والذي مفاده أنه يجد "أن للكلمة أصلا عربياً، فـ (القوز) في الكلام الفصيح، يعني: كثيب مشرف من الرمل فيه استدارة، وصغر تشبه به أرداف النساء" فهو تخريج ضعيف وبعيد من حيث المعنى المراد.

827- راشدي = (ريش +دها) وتعني في العامية صفعة على الوجه ويحاول المؤلف أن يجمع كلمتين مندائيتين هما "ريش" أي رأس و "دها" التي يقول إنها تعني "دفع وربما ضرب"، فهل يعني ذلك أن المؤلف غير متأكد من معنى الكلمة في لغته الأم؟ وعموما فواضح القسر التأثيلي هنا ومحاولة تلفيق تخريج لهذه الكلمة. ويبدو أنها من المفردات الجديدة في اللهجة العراقية في فترة الاحتلال العثماني فهناك روايتان تنسبان الكلمة، الأولى إلى أحد حكام أمارة المنتفق في جنوب العراق وهو راشد باشا السعدون الذي امتاز بضخامة جسمه وطوله وهيبته وكان أذا صفع أحدهم أغمي عليه لشدتها! والرواية الثانية تنسبها الى ضابط عثماني عرف باسم ابيه (راشدي)، وكان هذا الضابط قوي البنية لدرجة أنه إذا ضرب شخصا على وجهه أو خده بكفه يخر المضروب صريعا من قوة الضربة، واشتهر هذا الضابط بقوة ضربته وشدتها، فصار الناس يضربون المثل به وبصفعته الرنانة" وتبقى هاتان الروايتان شعبيتان ومحاولة غير موثقة لتفسير الكلمة نسوقهما للعلم بهما دون أن نتبنى إحداهما رغم أنها أكثر معقولية من تخريج المؤلف قيس مغشغش السعدي.

833- رُطب = (رطب) وتعني في المندائية ريان وطري. والمؤلف يسجل أن الكلمة عربية بعناها المعروف والشائع ولكنه يضيف لتبرير الزج بها في المعجم المندائي ما يلي: "والكلمة من أساس لغة العراق القديمة فهي تأتي في المسمارية على "رطبو" وقد احتفظت بها المندائية! وهذا الكلام ينطوي على عدة أخطاء فأولا؛ المسمارية ليست لغة بل طريقة كتابة أو نظام علامات للكتابة، فقد يكون النص باللغة الأكدية ويكتب بالمسمارية وقد يكون باللغة السومرية أو غيرها ويكتب بالمسمارية. وثانيا لما كانت الكلمة قد وردت بإحدى اللغات الجزيرة القديمة وهي الأكدية وذكرها العلامة طه باقر في كتابة " من تراثنا" وكتب عنها " رَطَب = رطابو: التمر في مرحلة النضج الأول وهو الطري"؛ فلماذا يريد المؤلف احتكارها للمندائية التي هي لهجة من لهجات الآرامية، ولا يحق للغة العربية أن ترثها أيضا؟ لنقرأ ما ورد في واحد من أقدم المعاجم "لسان العرب" عن رطب (وأَرْطَبَ البُسْر: صار رُطَباً. وأَرْطَبَتِ النخلة، وأَرْطَبَ القَوْمُ: أَرْطَبَ نَخْلُهم وصار ما عليه رُطَباً. الرَّطْبُ، بالفَتْحِ: ضدُّ اليابسِ. والرَّطْبُ: النَّاعِمُ. رَطُبَ، بالضَّمِّ، يَرْطُب رُطوبَةً ورَطابَةً، ورَطِبَ فهو رَطْبٌ ورَطِـيبٌ، ورَطَّبْتُه أَنا تَرْطِـيباً. وجارِيَةٌ رَطْبَة: رَخْصَة).

838-رگـة = (ريقا) سلحفاة. وهذه كلمة أكدية قديمة "رقو" وثمة من يقول إنها سومرية انتقلت إلى الكلدانية، وهذا أمر مستبعد، وهناك من يقول بأنها سومرية انتقلت إلى الأكدية وهو الأرجح إذ أن الأكدية أقدم تأريخيا من الكلدانية وأقرب إلى السومرية تأريخياً إن لم تكن متزامنة معها، ومن غير المستبعد أنها انتقلت الى اللهجة المندائية فالعربية لاحقا. والمؤلف مطلع على هذه المعلومة ويحاول توظيفها لتبرير زجه بها في معجمه فيقول (وقد حفظت اللغة المندائية التسمية الأكدية للسلحفات "رقو" وأشاعتها في العامية العراقية). والكلمات لا تفقد هويتها اللغوية حين تنتقل إلى لغة أو لهجة أخرى عبر وسيط بل يتساوى الوسيط "المندائي هنا" مع العامية العراقية في الأخذ من المصدر الأقدم، خصوصا وأن اللهجة المندائية محدودة الاستعمال والانتشار داخل الطائفة الصابئية الصغيرة والمسالمة والتي استعربت كلها في العصور العربية الإسلامية وبرز منها علماء وشعراء أفذاذ باللغة العربية.

855-شجر = (شگر) وتعني في المندائية يشعل يحرق يوقد. ولتوضيح معناها يأتي المؤلف بمثال (تشجر المرأة التنور) والكلمة عربية فصيحة وتلفظ بالسين والإبدال بين السين والشين شائع جدا في اللغات الجزيرية. نقرأ في لسان العرب (والسَّجْرُ: إيقادك في التَّنُّور تَسْجُرُه بالوَقُود سَجْراً). وفي الرائد والمحيط: " سجر التنور: أشعل الوقود فيه وأحماه" وفي المعاصر (سجَّرَ النَّارَ: أوقدها، أحماها: وفي القرآن {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}). وكنت قد أوردتها في كتابي "الحضور" وكتبت عنها في فصل مفردات أكدية وآرامية: شجر، سجر= أضرم النار ...في العربية بالمعنى ذاته: وسَجَرَ التَّنُّورَ يَسْجُرُه سَجْراً: أَوقده وأَحماه، وقيل: أَشبع وَقُودَه. والسَّجُورُ: ما أُوقِدَ به. والمِسْجَرَةُ: الخَشَبة التي تَسُوطُ بها فيه السَّجُورَ. وفي حديث عمرو بن العاص: فَصَلِّ حتى يَعْدِلَ الرُّمْحَ ظَلُّه ثم اقْصُرْ فإِن جهنم تُسْجَرُ وتُفتح أَبوابُها أَي توقد، اللسان). وبهذا المعنى فالكلمة جزيرية سامية مشتركة بين عدة لغات منها العربية والآرامية بلهجتها المندائية.

863- شرمخ = (شرا +مخخ) والكلمة في المندائية من مقطعين الأول "شرا" ويعني يحل ويفك ويخلع والثاني "مخخ" ويعني يقلع ينشر يسوي. وفي العامية (شرموخ) تعني الكلمة نزع فرع من الفروع التي يتكون منها عذق النخلة). واضح الطابع المتعسف لهذا التخريج. والكلمة في اللغة العربية هي شمروخ وجمعها شماريخ وتعريفها: العذق الذي يحمل التمر في النخلة والعنقود الذي يحمل العنب في الكرمة. ونقرأ في معجم المعاني والوسيط والرائد (شَمْرَخَ العِذْقَ: خَرَطَ شمَاريخَهُ، أو خَرَطها بالمِخْلَب) و (الشِّمْرَاخُ: العِثْكَالُ "العذق" عليه بُسْرٌ "التمر" والشِّمْرَاخُ: العُنْقودُ عليه عِنَبٌ). (الشِّمْرَاخُ العُنْقودُ عليه عِنَبٌ والشِّمْرَاخُ غُصْنٌ دقيق رَخْصٌ ينْبُت في أعلى الغصن الغليظ، خَرَجَ في سنته رَخْصًا. والجمع: شَمَارِيخُ).

869- شقل / شاقول = (شقل) وتعني في المندائية يوازي، يساوي في الأهمية.  وتعني في العامية كما يقول المؤلف شاقول البناء وهو آلة تستخدم لمعرفة درجة استقامة البناء. والكلمة عربية فصحى بذات المعنى نقرأ في معجم المعاني (شاقول: مِيزَانُ البَنَّائِينَ وَالْمُهَنْدِسِينَ لِلتَّأَكُّدِ مِن اسْتِقَامَةِ الحَائِطِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ خيْطٍ فِي أسْفَلِهِ ثِقْلٌ، يرفع عموديا -المِطْمَارُ) وكلمة ثقل في العربية جاءت من اللغة الأكدية "شقل" عبر الآرامية. وهي وحدة وزن بابلية وبالدارجة العراقية شقلَ الطفلَ أي حمله على الكتف. وفي الدولة الصهيونية، اتخذوا هذه الكلمة الآرامية اسما لعملتهم النقدية زاعمين بأنها عبرية، والواضح أن الأسرى العبرانيين أخذوها من الآرامية وربما من الأكدية. ولا توجد كجذر في العربية ولكنها موجودة بلفظ ثقل بالثاء العربية الرادفة والمعنى نفسه لشقل ونقرأ في اللسان (الثِّقَل: نقيض الخِفَّة، والثِّقَل: مصدر الثَّقِيل، تقول: ثَقُل الشيءُ ثِقَلاً وثَقَالة، فهو ثَقِيل، والجمع ثِقالٌ. والثِّقَل: رجحا الثَّقِيل

والثِّقْل: الحِمْل الثَّقِيل، والجمع أَثْقال، وقوله تعالى: {وأَخرجت الأَرض أَثقالها/ الزلزلة -2}.

703-سِدانة = (سدانا) وتعني في المندائية أساس وركيزة. ولا علاقة لهذا المعنى بمعنى الكلمة في اللهجة العراقية؛ فالسدانة هي حاوية أو وعاء أسطواني عمودي يُعْمَل من الطين وحين يجف يستعمل لخزن وحفظ الحبوب والمواد الجافة الأخرى وهذا الوعاء لا يقوم أصلا على ركيزة ولا يحفر له أساس في الأرض كالبناء بل يطرح الطين على الأرض ثم يسوى على شكل جدار دائري يرتفع رويدا رويدا ويضيق في الأعلى ويشبه تنور الخبز التقليدي، ولذلك تكون السدانة هشة لا تتحمل الرطوبة والماء حيث تضمحل وتنهار لذلك قالوا في المثل الشعبي " حاله حال السدانة بالماي". وزعم بعضهم أن الكلمة سومرية أو بابلية ولكني لم أجد توثيقاً يُطمأن إليه لهذا الزعم. والمرجح أن كلمة سدانة هي اسم آلة على وزن فِعالة جاءت من جذر (سَدَنَ) ومن معانيه الستر والحجب. نقرأ في الصحاح: "والأسْدانُ: لغةٌ في الأَسْدالِ، وهي سُدولُ الهوادج. وسدن الرجل ثوبَه وسَدَنَ السِتر، إذا أرسَله"، ومنها سدانة الكعبة تقديم الخدمة والحفظ والحجابة نقرأ في اللسان: "سِدَانَة الكعبة خِدْمَتُها وتَوَلِّي أَمرها وفتح بابها وإِغلاقُه، يقال منه: سَدَنْتُ أَسْدُنُ سَدَانة" فالكلمة توفر معاني الخدمة والحجب، وفي الرائد: "سدن الستر: أرخاه، أرسله. وسَدَن وسُدن. ستر، جمع: أسدان". ومن طريف ما ورد بخصوص السدانة بيت من الشعر الشعبي لعراقية جنوبية تصف ابن عمها القبيح قالت:

يا طول ابن عمي طول السدانة

ومغرافة للتنور وحدة من اذانه!

***

علاء اللامي

....................

* للاطلاع على هذه الاجزاء السابقة من المفردات انقر لطفا على هذه الوسمة:

#لهجة_عراقية_اللامي

يحيي الأئمة، غدا الجمعة، يومهم الوطني المصادف لـ 15 سبتمبر من كل سنة والذي كان قد أقره رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، تقديرا وعرفانا للدور الذي يقوم به الإمام في الحفاظ على الهوية والثوابت الوطنية والمرجعية الدينية ولنسلط الضوء في هذا المقال على الدور المهم الذي يقوم به الإمام ..

قال الدكتور محمد عمارة: «إنَّ القرآن عندما استخدم مصطلح (الإمام) فإنَّه قد خصَّ به - في الغالب - الإمامة، والتقدم في الدين، فالله - عز وجل - قال لإبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} البقرة/١٢٤. أي نبيَّاً، وفي قوله - عز وجل -: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} الفرقان/٧٤. أي مُقَدَّمين يقتدون بنا في أمر الدين» .

تعريف الإمام شرعاً:

هو كل شخص صار قدوة في فن من فنون العلم، ولهذا عرَّفه الرازي بأنه: كلُّ شخص يُقتدى به في الدين، غير أنه إذا أُطلق لا ينصرف إلا إلى صاحب الإمامة الكبرى، ولا يطلق على الباقي إلا بالإضافة ..

"فالإمام ينبغي له أن يعي المسؤولية الملقاة عليه، فالناس يتوقعون منه أن يكون معلماً ومفتياً، وقدوة حسنة ومربياً ومثالياً في كل شيء. فلذلك يجب عليه أن يحصِّل ما يستطيع أن يحصله من العلم الشرعي، وأن يتحلى بما أمكنه من الأخلاق النبيلة والآداب الرفيعة، وأن يكون حسن السريرة، حسن السيرة عند الظن به في ورعه وزهده وتواضعه وحلمه.

ثم يقوم بدوره في المجتمع معلمًا ومفتياً وقدوة حسنة ومربيا مثالياً، فيسمع له إذا قال، ويمتثل نصحه إذا نصح، وهو راع فيما هو فيه ومسؤول عن رعيته، فقد تتعين عليه أمور، كتعليم الجاهل، وتفقد أحوال المصلين، وعيادة المريض، والسعي في إعانة المحتاج، ومواساة المصاب.. وهذه وإن كانت مطلوبة من كل مسلم، إلا أنها في حق الإمام أوكد"(1).

فما أحوج الإمام إلى النظر في مرتبه وحقوقه المادية فالمرتب الزهيد الذي لايكفيه حتى منتصف الشهر وأزمة السكن كل هذا يعيقه عن أداء مهمته على أكمل وجه فالحفاظ على مكانة الإمام وتدعيمه معنويا وماديا يساهم في استقرار المجتمع والنهوض به .

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية

شدري معمر علي

..................

1- دور الإمام في المجتمع، إسلام ويب.

ثلاثونَ ثانية كانت كافية لتُغّير ملامح مناطق واسعة من مغربنا الحبيب، هولٌ ما بعده هَولٌ، وفجيعةٌ يصعب تَقبّل مُخلفاتها، مواطنون ومواطنات كانوا في حال فغدوا في حال أخر، تحركت الأرض واِرتجت الجبال، ووقع المحظور وكان أمر الله الذي لا ردّ له ونَحن لن نقولَ إلا ما يُرضيه ونحمده بكرة وأصيلا، وإن كان في القلب غصّة وفي الخاطر لوعة، تَحرّكت الأرض وتكلمت بلغة الدمار، فإذا بمن كانت أنفسهم تملأ المكان يصبحون تحت الأنقاض وإذا بالأنين والتأوهات يسري وينتشر معلنا عن كلومٍ وجراح عميقة، ونجيعٍ يسيل بين الصخور.

الأطلس جريح، وجباله تبكي من ظَلُّوا أوفياءَ لِقمَمه وسفوحه، وعاشوا بين مساربه ومداشره بأنفة وكبرياءِ الأسُود يرفعون التحدي ويقاومون قساوة الطبيعة وشظف العيش، وتلك خصلة جُبل عليها أبناء الأطلس.

صرخة الأطلس ترددت في أرجاء كل البلاد وجاب صداها كل الربوع من طنجة إلى الكويرة، فكانت الهَبّة الشعبية التي تجاوزت البروتكولات الرسمية وتحولت إلى انبعاث وانبثاق، وانطلقت الجموع نحو الأطلس العتيد تمسح دموعه وتضمد جراحه.

هي إذن بداية كتابة ملحمة " تمغربيت" وصنع تاريخ يربط الماضي بالحاضر ويُعلن عن تلاحم مكونات الأمَّة المغربية من أجل تحويل الفجيعة إلى انبلاج يجلو وقع المأساة، ويغير مجرى الأحداث، ويسمح لكل المغاربة بالمساهمة دون قيد أو شرط في إزالة أثر الهزة الأرضية المباغتة كلٌّ بالطريقة التي يراها مناسبةٌ.

الأطلس يبتسم بعد حزن وتردّد قِممه الشَّمّاء:

ارفع رأسك ..أنت  حر أصيل،  دون قيدٍ صدئ ولا رَبقة انبطاح

قل لهم: أنا  مغربي قح، دماء الأسلاف تسري في عروقي، ونخوة الأمس تتجدر يقينا واعتقادا عندي. 

اِرفع رأسك، ولا تَتردد، فالمجد  لك قرين، والشموخ يَتبرعم في كفّيك ياسمينا بضوع الانتصار...هذه ملحمتك أيها المجيد المُتيم بإرادة الحياة، تُكتَب على رقّ الانبعاث. 

  فأنت تُفكر، وتؤسس لفكر ينبلج من رحم المعاناة. 

ولا أحد قادر على صَدّ سموقك.

***

محمد محضار  

لن تتوقف طموحات الجماعات السياسية عن طريقها وطموخاتها في الاستيلاء علي الانسان وتركيعه واستعباده واذلاله  وتتقدم الصفوف الجماعات الكهنوتية التي تبرز في المقدمة وتظهر تأثيراتها في سلوكيات وثقافة الجمهور من حولها ممن يوالونعا ويقدمون أرواحهم للدفاع عنها وهذه الازمات الصعبة التي نعيشها في كيفية اثبات دور التعليم والمناهج في  اعداد كوادر مؤهلة كوادر تفكر تقرأ تحترم ذاتها

لا تخاف من النقد لا تخشي من المشاركة المجتمعية وتحرير الإنسان من العبودية الفكرية التي تظل جاثمة علي الانسان  في صور مختلفة وتفرغه من القيم والأخلاق والمبادئ. الاستاذ الذي لا يحمي طلابه من الخرافة والكهنوتية التي ترسخ في عقولهم الايمان والاعتقاد بالامامة فقط لا غير يعتبر استاذ لا علاقة له بالفكر لا يسمي مفكر.

او باسم مفكر لا يوجد لديه القدرة على تحمل المسؤوليه في تحقيق إنجازات في  اصلاح التعليم وتحريره الطالب وتمكينه  من  التفكير الناقد ومهارات القراءة والكتابة

وهذا النموذج من التعليم اغتيال لشخصية الانسان الطبيعي وتحقيق مشروع سباسي في روحه قبل عقله.

هو تدمير الأنسان  فكربا وثقافيا وسياسيا والزامه الزاما دينيا وشرعيا ان يؤمن بالله ورسوله ولن يتحقق له ذلك ولن يقبله الله تبارك وتعالي اذا لم يتم بهذا الاعتقاد والقدسيه المطلقه لمن يكون امام.. وهذا الايمان لا يكون لمقبولا من الله لسبب واضح لانه خص فئة محددة بحكم الامة والرعايا الاخري اصحاب مهن وفلاحين وأصحاب وزش  والخ

الا اذا امن الانسان  بالامامة ايمانا مطلقا لا يقبل الديمقراطية ولا مكان في حياته كلها للحزبية، ولا نظام الشراكة والعمل والحداثه والابداع.

ولا يمكن ان تكون الأمة الا تحت رحمة السيد ولا يحق للفلاح الذي التحق بالتعليم ووصل الى  الدكتوراه وتخرج من كلية العلوم السياسبة ان يكون وزير خارجيه مهمآ كانت مهاراته وقدراته علي حل ازمات بلده والخروج من الفكر  ..   

نحن نحتاج إلى ثورة ثقافية تخرر الانسان من رغبة تلك الفئات التي تطمع في الحكم والسلطة والنفوذ بما يسميى السيد والشيخ ورفع جودة التعليم لتنوير روح الإنسان وتثقيفه ان يقدس عقله وانسانيته وان يعبد الله وحده لا شريك له.

وليس لسيد ولا شيخ ولا غيره من الوصايات الاخري الطائفية والقبلية والجهوية وابسلاللية  لنزرع الثقه في نفس التلميذ عن العدالة والكرامة في هذا الحياة عن المساواة بين الناس  كاسنان المشط لافرق بين عربي ولا عجمي الا بالتقوى

يجب تحرير الثقافة والخطاب الاعلامي من توزيع  الصفات العنصرية.

***

صالح العجمي - اليمن

 

في المثقف اليوم