أقلام حرة

أقلام حرة

على الرغم من التغييرات الجوهرية التي حدثت على النظام السياس العراقي، الا ان مواقفه لم تتغير من مجمل القضايا الاقليمية والتي تتعلق بالمنطقة عموماً،  فكانت قضية فلسطين والقدس هي القضية الام وتحضى باهتمامه وأنعكس ذلك من خلال موقف المرجعية الدينية العليا من القدم، وكيف كان ومازال في الوقوف مع الشعب الفلسطيني في إقامة دولتهم الفلسطينية وعاصمتهم القدس.

الحرب الاخيرة التي شنتها إسرائيل على مدينة غزة غيرت التوازنات الاقليمية والدولية مثلما تغيرت المواقف العربية والاسلامية منها، وتبددت كل الآمال التي كان يتطلع لها الفلسطينيين في موقف مشرف من الوضع الاقليمي والدولي، لذلك كانت المشاهد والصور القادمة من غزة، مثيرة لغضب الشعوب العربية وتحديداً العراق الذي سارع بالدعم الثابت لقضية فلسطين، وإعلان تأييده الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته.

العراق زاد من تواصله الدبلوماسي مع ملك الاردن عبدالله الثاني وكذلك مع الرئيس المصري وامير دولة قطر ورئيس جمهورية أيران وآخرين من أجل التوصل الى أتفاق لإيقاف الحرب على الابرياء العزل، وتجنب تصعيد الحرب وتوسيعها الى مناطق اخرى في المنطقة، وإدخال المساعدات الى غزة وركزت حكومة السيد السوداني على الاحتياجات الانسانية لسكان غزة.

بالمقابل هناك تباين للمواقف من القوى السياسية في العراق من الاحداث في غزة، فالقيادات الكردية والسنية أكثر صمتاً من ردود إفعالهم، إذ اعرب رجال الدين وآخرين عن دعمهم لغزة ولكنهم دعوا الى موقف عراقي موحد، وفي نفس الوقت كانت حكومة إقليم كردستان اكثر حذراً، ويبدو أنهم لا يريدون استعداء واشنطن والابقاء على حسن النية في علاقتهم مع الغرب.

يبقى الموقف معلقاً على ما يحدث في غزة، وتبقى المواقف متذبذبة في توضيح الموقف، ولكن المعول على مواقف الجماهير التي عبرت وتعبر في أكثر من مناسبة عن موقفها الصارم من القضية الفلسطينية وضرورة أن يكون للشعب الفلسطيني أرضاً وبلداً حر، يعيش فيه بحرية دون أي تهديد يومي لحريته في بلده،  كما أن المجتمع الدولي لم يبقى له عذراً أمام الهمجية الصهيونية وكيف عبر عن وحشيتهم في قتلهم للأطفال والابرياء في مستشفى المعمداني الاهلي والذي راح ضحيته الآف من الشهداء والجرحى، وأن يوقف إراقة الدماء واعترافه بان ما جرى في غزة هي مذبحة جماعية وأن الحرب غير متكافئة بين الطرفين، مع السعي الى إيجاد حل ونهائي وجذري عبر إنهاء وجود الكيان الصهيوني الغاصب على الاراضي المغتصبة والمحتلة وكما عبر سماحة الامام السيد السيستاني في بيانه الاخير الذي شجب الافعال البربرية للكيان الصهيوني الغاصب للأراضي الابراهيمية.

***

محمد حسن الساعدي

كنت أنوي أن أكتب عن النائبة "المستقلة" التي ظهرت في مقطع فديو وهي تهدد أفراد من الجيش العراقي يؤدون واجبهم في محافظة ميسان ، معلنة وبقوة وتصميم بأنها ستجعل منهم ومعهم قائد عمليات ميسان "شذر مذر" وتفرقهم بين أركان الأرض الأربعة،

فكيف تسنى لجنود أن يحاججوا نائبة ويطالبوها بتنفيذ القانون، فهل النائبة مواطنة مثلنا من لحم ودم، حتى تستجيب للقانون، ونحن نعرف جيداً أن نوابنا "الأفاضل" فوق القانون وفوق الشعب أيضاً. فجميعنا يدرك أن النائب ما أن يجلس على كرسي البرلمان حتى يعتقد أنه من فصيلة أخرى من البشر.

ولهذا اسمحوا لي أن أترك النائبة وتهديداتها، وأكتب عن عراقية من نوع آخر، اسمها هدى قطان تعيش في أمريكا، تملك شركة "هدى بيوتي"، فمنذ ايام ومواقع التواصل الاجتماعي تضج بأخبارها بعد ان اعلنت تضامنها مع فلسطين. حيث كتبت عبر حساب علامتها التجارية الشهيرة "هدى بيوتي" على "إنستغرام": "خلال الأسبوع الماضي، شاهدنا العديد من الفظائع في غزة، قلوبنا مع من يعانون ويتألمون هناك".

لم تمر كلمات قطان بسهولة ، حيث تعرضت لحملة مسعورة في أمريكا وأوروبا ل تدعوا الناس الى مقاطعة منتجاتها، وقامت بعض المتاجر الاوربية ، بإزالة منتجات "هدى بيوتي" من متاجرها. إلا ان السيدة قطان لم تتوقف او تضع راسها في الرمال بل ذخبت لتكتب عبر مواقع التواصل الاجتماعي : "لا أريد أموالاً ملطخة بالدماء".

هذه السيدة العراقية التي اسمها هدى قطان تقيم في بلاد العم سام حيث الرأي العام ومعه الإعلام منحاز وبشدة إلى جانب عدوان إسرائيل، استطاعت بمثابرتها أن تدخل مجال الأعمال التجارية الحقيقية، وليست تجارة عالية نصيف بالشعارات والتي مكنتها من أن تجني ملايين الدولارات ومعها عقارات من خلال تجارة رابحة اسمها الانتهازية والصراخ في الفضائيات . والأمر ليس مقتصراً على النائبة "المسكينة" عالية نصيف، فقد سبقتها زميلتها حنان الفتلاوي فصعدت سلم الثروة بخطوات سريعة وكانت التجارة هذه المرة اسمها التوازن في توزيع الخراب على العراقيين، واقامة حفلات استجواب مدفوعة الثمن داخل قبة البرلمان

استطاعت العراقية هدى قطان أن تحتل لها مكاناً بارزاً في قائمة الناجحين، ووضعت اسمها في قائمة النساء المؤثرات في العالم، ورغم كل هذا لم تستخدم الشعارات البراقة والتضامن الزائف مع أهالي غزة، بل قررت أن تتبرع بمبلغ مليون دولار لمساعدة ضحايا العدوان الإسرائيلي ، لتكتب على صفحتها في انستغرام؛ "من المهم أن نقف دائماً إلى جانب. لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونتظاهر بأن هذا لا يحدث".

بالتاكيد أنّ الذين وجدوا ضالّتهم في تهديدات نائبة ميسان وشعارات نوابنا المخادعة ، لا يتحمّسون كثيراً لنموذج مشرق مثل هدى قطان.

***

علي حسين

سؤال يطرح نفسه بقوة، عندما تتابع التصريحات والمقالات والتعليقات والخطب، والتفاعلات القائمة بين دول أمة العرب. يتحدثون ببراءة وكأن الدنيا مخملية، وذات خصال مهذبة، ورؤوفة رحيمة، وتراعي حقوق الذي لا يعرف حقوقه.

العلاقات الدولية غابية منذ الأزل، والقوى أيا كانت بلا قلب ولا مشاعر، إنها تفترس، فالقوي يأكل الضعيف، ودموع الأقوياء تمساحية الصفات.

فعن أي علاقات إنسانية، ومساعدات أخوية تتحدثون؟

القوى تتربص لبعضها، وتستثمر في مشاكل ونزاعات الضعفاء، وتنهال بقدراتها الفتاكة على الدول "المصكعة " أي التي تتلقى الصفعات من جميع الجهات.

هذه الدولة قاسية، تكيل بمكيالين، وذات إزدواجية في معاييرها، وما إلى غير ذلك من الأوهام والهذيانات، فهل وجدتم دولة لا تكشر أنيابها وتنشب مخالبها في فرائسها؟

ما هذه البلاهة المهيمنة على الوعي الجمعي؟

يا أمة العرب، إنها شرائع الغاب، القوة هي العدل والحق والقانون والدستور، ومفتاح كل شيئ، والضعفاء في قيعان الهوان يتمرغون.

القوي يهاب الأقوياء، ويتأسد على الضعفاء، ويمعن بتدميرهم والفتك بوجودهم، ليستشعر حرارة قدرته، ولذة قوته الفتاكة.

ولا توجد قوة في تأريخ البشرية إمتلكت سلاحا ولم تستعمله، واليوم إنفلتت قوى الدنيا وإهتزت مرابض أسلحتها الرهيبة، مما يعني أن الأرض مقبلة على مرحلة سوداء ذات قساوة بالغة.

و"من لم يكن ذئبا أكلته الذئاب، ومن جعل نفسه عظما أكلته الكلاب"

و"إذا كان الحق للقوة، فمن الحكمة أن لا تكون ضعيفا"

فهل أدركنا أن القوة صراط مستقيم، والضعف أعوج سقيم؟!!

***

د. صادق السامرائي

(طبخة امريكية اسرائيلية، جرى ويجري اعدادها في المطبخ الامريكي)

أعلن في الرياض العاصمة السعودية، في وقت سابق؛ عن دعوة المملكة وفلسطين، الى الدول العربية بأهمية عقد مؤتمر قمة عربية طارئة في الرياض العاصمة، في 11من ت2نوفمبر؛ للبحث او ايجاد مخرج للمجزرة الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني في غزة. كما أعلنت منظمة التعاون الإسلامي، الإثنين، السادس من ت2نوفمبر؛ عقد قمة طارئة الأحد المقبل في الرياض، لبحث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وفي تزامن؛ أعلن عن الدعوة لعقد قمة عربية افريقية في ذات تاريخ، عقد القمة العربية الطارئة. الامين العام المساعد، حسام الدين زكي؛ قال ان القمة العربية الافريقية كان قد تم الاتفاق على عقدها قبل عدة اشهر. في 18 ت1 اكتوبر تم عقد مؤتمر لمنظمة العمل الاسلامي على مستوى وزراء الخارجية؛ لمناقشة العدوان الاسرائيلي على غزة؛ ليخرج بالدعوة على وقف اطلاق النار. لنأخذ في الفحص والتمعن؛ مؤتمر القمة العربية الطارئة (او مؤتمر قمة عربية افريقية، عندما تحل محل الأولى)، ان تم عقدها في التأريخ المنوه عنه في اعلى هذه السطور المتواضعة. ان توصيف هذا المؤتمر بانه مؤتمر قمة عربية طارئة؛ يثير الكثير من علامات الاستفهام والشكوك والريبة؛ عن الذي يقف وراء عقده او الدعوة الى عقده بعد اكثر من شهر على بدء المذبحة الصهيونية بحق النساء والاطفال والمسنين، وتدمير كل البنى التحتية، في عملية اجرامية متواصلة بلا ادنى توقف او هدنة او انقطاع ولو لزمن قصير، بالساعات حتى. ان هذا المؤتمر المزمع عقده في المقبل من الايام؛ كان قد سبقه؛ مؤتمر ضم الانظمة العربية، اضافة الى البعض الدول الاوربية وامريكا واليابان، ولم يخرج بأية نتيجة تذكر، او نتيجة لها قيمة واجراء فعلي لوقف هذه المحركة الصهيونية الامريكية. ثم تبعه اعلان من تسعة دول عربية، وهذا الاعلان هو الأخر لم يؤدِ الى اية نتيجة لها فعل وقيمة واهمية لجهة وقف المذبحة الاسرائيلية، التي تستمر في ذبح كل ما هو حي من الأنسان والأرض وحتى الحيوان وكل ما له القدرة ان يمشي على ارض المحرقة هذه. بعد الاعلان السعودي عن الدعوة لعقد مؤتمر قمة عربية طارئة؛ زار وزير خارجية امريكا كل من اسرائيل والاردن ومصر والسعودية؛ وخرج عن هذا الاجتماع بين الوزير الامريكي ومسؤولو الدول العربية سابقة الاشارة لها؛ ما سمي بالإعلان الامريكي العربي؛ الذي لم يخرج علينا هو الأخر باي اجراء لوقف هذه المحارق الصهيونية. في الزيارة الأولى لوزير خارجية امريكا، بعد يوم واحد من ملحمة اكتوبر الفلسطينية، الذي اعلن فيها، بصورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض ولا احترام لمشاعر نظرائه من وزراء الخارجية العرب الذين سوف يلتقي بهم لاحقا؛ من انه هنا، عندما كان في تل ابيب، في وقت سابق، في زيارة سابقة، قبل اكثر من اربعة اسابيع؛ بصفتي يهودي وليس وزبر خارجية امريكا. في هذه الزيارة الأخيرة، التي زار فيها الاردن وفلسطين واسرائيل والعراق وتركيا؛ وقبل ان يذهب الى الدولتين الاخيرتين؛ دعا وزراء ست دول عربية وهي دول التطبيع بالحضور الى عمان العاصمة الاردنية؛ لمناقشة الوضع في غزة، وكيفية الخروج بالحلول لهذا الوضع. ان الحلول التي نوه عنها وزير خارجية امريكا، هي كيفية ايجاد حل لأطلاق سراح الأجانب والامريكيين، واكد ايضا على الهدنة الانسانية التي بها ومن خلالها يمكن اطلاق سراح الاجانب والامريكيين، ورفض وقف اطلاق النار في الوقت الحاضر كما قال. قبل ان يغادر الى امريكا، كانت قد وصلت غواصة نووية، من مجموعة اوهايو، الى شرق البحر الابيض المتوسط؛ لتعزيز القوة الامريكية في المنطقة. ان هذه التحركات التي هي وفي جميع الاحوال لم تكن بريئة ابدا، مهما تم تجميلها بكل وسائل التخفي والغش، التي تختفي وراء براقع تصريحات المسؤولون في دول المنطقة العربية، المنمقة، والتي تظهر وكأنها تؤازر المقاومة الفلسطينية؛ كل معالم القبح في هذه التحركات المريبة، التي تؤكد ان هناك في الظلام ما هناك؛ مما لا تراه العين ولا تسمعه الاذن، بالتالي تكون بعيدة كل البعد؛ عن  الرأي العام الاقليمي والعربي والدولي، الذي يكون عندها؛ بعيدا عن رؤية القبح هذا الدفين في حقائب الانظمة العربية وامريكا واسرائيل. مؤتمر القمة العربية الطارئة، والتي، سوف يتم عقدها في المقبل من الايام القليلة؛ ما هي الا اداة امريكية اسرائيلية لنحر المقاومة الفلسطينية، سواء في غزة، او في عموم الأرض الفلسطينية. السؤال المهم هنا، بل هو السؤال الكبير؛ ما الذي سوف يأتي به هذا المؤتمر ان تم عقده في الزمن المعلن عنه، في الوقت الحاضر؟ ثم لماذا يتم عقده او الاتفاق على عقده بعد ايام من الآن؟ ولماذا وهو مؤتمر قمة عربية طارئة؛ لا يتم عقده في الآن، أو الاصح قبل الآن بأسابيع؛ كونه يحمل صفة الطاريء، اي انه يعالج او يجد حلول او اجراءات لحالة طارئة ومستعجلة؛ تستوجب عقده على جناح السرعة، وليس بعد اسابيع؟ ثم هل عقده لا يتم الا في المقبل من الأيام؟ السبب هو لإعطاء الزمن للألة الصهيونية حتى تقوم بما تقوم به من قتل وتدمير وخراب؟ ما هو جار في الوقت الحاضر ومنذ اكثر من شهر، من ابادة وتطهير عرقي، لم تشهد له الارض الفلسطينية مثيلا له، منذ عام 1948؛ يحمل الكثير من التغييرات والتحولات التي لا تخص فقط القضية الفلسطينية، بل تخص كل الأرض العربية، من الخليج العربي الى المحيط الاطلسي، الذي فيهما يتم اعادة هيكلة المشهد السياسي في عموم الاوطان العربية، انها طبخة كان قد اعد لها في مطابخ الامبريالية العالمية المتوحشة؛ بين امريكا واسرائيل، والنظام الرسمي العربي. ربما يبدوا هذا، بالاعتماد على ما هو ظاهر من الاحداث المتفجرة، من دون رؤية القداح الذي يمسك زر التفجير في المكان البعيد، وراء الاطلسي او على الضفة الأخرى للبحر الابيض التوسط، عن امكنة التفجير؛ ضربا من ضروب؛ التهويل او التضخيم للأوضاع.. أو الاحالة الى نظرية المؤامرة، التي لا يؤمن بوجودها الكثير، مع ان لها وجودا حيا وجديا ومنتجا.  أنها من وجهة نظر كاتب هذه السطور المتواضعة؛ هي الحقيقة كاملة كما ارى، التي يراد لها ان لا تظهر واضحة ومجسمة، على أرض الواقع. عندما يتم عقد هذا المؤتمر؛ هل في إمكانه ان يخرج لنا بحلول او بحلحلة المطحنة الامريكية الاسرائيلية الجارية الآن على ارض غزة؛ سواء بإيقافها إيقافا تماما، أو مع ايقافها إيقافا تماما؛ وضع خارطة طريق للحلحلة، على مسارات حل الدولتين، على الأرض الفلسطينية المحتلة في الخامس من حزيران بما فيها القدس الشرقية، بصورة واضحة وحقيقية، بالتزام امريكي ودولي، وبضمانة دولية؛ مؤتمر دولي للسلام؛ تشارك فيه كل القوى الدولية الكبرى، روسيا والصين والاتحاد الاوربي والامم المتحدة، امريكا، والفلسطينيون والاسرائيليون وبسقوف زمنية محددة مسبقا، للتفاوض ولمخرجات التفاوض، وتكون ملزمة التنفيذ والاجراء واقعيا، سواء من قبل دولة الاحتلال الاسرائيلي او من قبل الفلسطينيون. ان هذا لن ولا ولم يخرج لنا فيه، مؤتمر القمة العربية الطارئة، بل ان نتائجها سوف تكون على العكس من هذا تماما، بل انها سوف لا تتجاوز الدعوة الى هدنة انسانية، التي تكون الظروف حينها، قد تم انضاجها، أو ان امريكا تسعى لها من اجل اطلاق سراح رعاياها ورعايا الدول الغربية، من دون إيقاف تام، لهذه المذابح، اي انها هدن تكتيكية، كما قال عنها البيت الابيض عندما بين؛ ان بايدن تواصل مع نتنياهو وبحثا معا امكانية الهدن التكتيكية؛ لإدخال المساعدات الانسانية، مع الدعوة الى حل الدولتين من دون اي اجراءات عملية؛ تجبر امريكا والكيان الاسرائيلي المحتل للأرض الفلسطينية؛ على ايقاف هذه المذابح. ايضا سوف يكون البيان الذي ينتج عن هذا المؤتمر، ممتلأ بالخطاب الانشائي، كما في كل بيانات القمم العربية السابقة في العشرين سنة الماضية. إنما من الجانب الثاني والذي سوف لن يكون له وجود في البيان، بل انه سوف يظل هناك في الحقيبتين الامريكية والاسرائيلية، وفي حقيبة الأنظمة العربية المطبعة في العلن او في السر؛ والذي هو الأخطر ليس على القضية الفلسطينية، بل على الاوطان العربية كلها، وعلى الشعوب العربية؛ لأنه سوف يعمل بجهد جهيد؛ على إعادة رسم المشهد السياسي في فلسطين، الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي الأوطان العربية، في اتجاهات حركية متزامنة ومتوازية على الجبهتين العربية والفلسطينية. لكن من الجانب الثاني؛ ان هذه الطبخة سوف تحترق قبل ان يتم انضاجها، تحترق قبل ان تصل الى الخاتمة. ان وعي الشعب الفلسطيني ووعي الشعوب العربية هما من يتوليا احراق هذه الطبخة قبل انضاجها بنار المقاومة الفلسطينية، بحيث تصبح غير صالحة للازدراد والهضم والتمثيل، ورفض الشعوب العربية لسياسة الأنظمة العربية المطبعة، رفضا تماما، كما في مصر والاردن والمغرب وغيرهما من الشعوب العربية..

***

مزهر جبر الساعدي

بعد عملية طوفان الأقصى المفاجئة وقف العالم الغربي مع إسرائيل موقفا مطلقا منحازا للجلاد والغريب أن كتابا فرانكفونيبن محسوبين على العالم العربي ويحملون أسماء إسلامية ولأنهم إنسانيون حداثيون تنويريون أدانوا حماس وتضامنوا مع الصهاينة طمس الله بصيرتهم وآخرون التزموا الصمت والحياد حتى لا تضيع منهم بعض الجوائز فيفتقدون فتاتها، بينما ظهرت أصوات في العالم لكتاب وفلاسفة كبار وقفوا مع الحق ودافعوا عن المستضعفين الفلسطينييبن ونذكر على سبيل المثال فيلسوفين معاصرين هما:

- الفيلسوفة الأمريكية " جوديت بتلر (من مواليد 24 فبراير 1956م).

- الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين (من مواليد 22أبريل 1942م).

قالت الفيلسوفة الأمريكية اليهودية الأصل   جوديث بتلر صاحبة كتاب" قوة اللاعنف" وتعد من أهم الفلاسفة المعاصرين الذين يهتمون بقضايا الراهن العالمية ولها دور تأسيسي في دراسات الفكر النسوي ولها إسهامات أيضا في الفلسفة الأخلاقية وفلسفة ما بعد البنيوية : " إنه يجب أن نأخذ تعبير "إبادة جماعية" على محمل الجدّ لأنه يصف ما يحدث بالفعل، فالهجمات لا تستهدف المقاتلين فقط، وإنما تستهدف أيضا السكّان والمدنيين في غزة، وهم يتعرضون للقصف والتهجير"

وقالت أيضا بكل وضوح  "إذا كانت أهوال الأيام الأخيرة تكتسب أهمية أخلاقية أكبر لوسائل الإعلام من أهوال السنوات السبعين الماضية، فإن الرد الأخلاقي في الوقت الحالي يهدد بحجب فهم الظلم الجذري الذي تحملته فلسطين المحتلة والفلسطينيون المهجّرون قسراً - فضلاً عن الكارثة الإنسانية والخسائر في الأرواح التي تحدث في هذه اللحظة في غزة"..

أما  الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين فقد كتب على موقعه نصّاً مقتضباً بعنوان "صمت غزة".

وكتب أغامبين، الذي عُرف باهتمامه بموضوعات متنوعة تراوحت بين فلسفة اللغة وفلسفة الأخلاق والقانون والأدب: "أعلن علماء من كلّية علوم النبات في جامعة تل أبيب، في الأيام الأخيرة، أنهم سجلوا بميكروفونات خاصة حسّاسة بالموجات فوق الصوتية صرخات الألم التي تصدرها النباتات عند قطعها أو عندما تفتقر إلى الماء. في غزة لا توجد ميكروفونات!"

وهذا الكلام المقتضب يحمل إيحاءات ورسائل إلى العالم فمن يحمل صوت غزة ويسجل أنين النساء والشيوخ والأطفال تحت الأنقاض؟ فإذا كان علماء النبات في الكيان المحتل  اكتشفوا أن النباتات عند قطعها أو عند افتقارها إلى الماء تصدر صرخات الألم ألم يكتشف هؤلاء معاناة الإنسان الفلسطيني المقطوع من أرضه المحروم من جذوره المسجون في بقعته الصغيرة، المحاصر طوال عقود من الزمن  ألم يسمعوا صرخته وأنينه ؟...

***

الكاتب: شدري معمر علي - الجزائر

ما أن يصدر كتاب جديد للفيلسوفة الأمريكية جوديث بتلر، حتى تجدني أبحث عنه في المكتبات فأنا أحرص على أن أقرأ وأتمعن في الدروس والعبر التي تقدمها لنا مؤلفات هذه الفيلسوفة التي كانت تمني النفس أن تصبح روائية، فهي تحفظ مقولة سارتر الشهيرة أن الأدب أكثر خلوداً من الفلسفة، عندما أقرأ جديد جوديث بتلر أو سلافوي جيجيك أو ما ينشره الهندي أمارتيا سن، أسأل نفسي من هو المثقف الحقيقي؟

دائما ما يطرح هذا السؤال: من هو المثقف؟ هل هو الملتزم بقضايا الناس، أم الذي يدور حول فلك الساسة والمسؤولين، ام الذي يدافع بشراسة عن المضطهدين والمظلومين في هذا العالم؟ هل هو الكاتب الذي يكتب للنخبة، ام الباحث عن السلطة والمال والمكانة الاجتماعية؟

تذكرت نموذج هذا المثقف وأنا أقرأ مقال جوديث بتلر الذي نشرته قبل ايام، تؤكد فيه على ان ما يجري في غزة هو إبادة جماعية: " فالهجمات لا تستهدف المقاتلين فقط، وإنما تستهدف أيضاً السكّان والمدنيين في غزة، وهم يتعرضون للقصف والتهجير"

جوديث بتلر التي تعمل اليوم أستاذة في جامعة كاليفورنيا، تعيش في مدينة بيركلي، كتبت مقالاً بعنوان "بوصلة الحداد"، تقول فيه إن هناك من يستخدم تاريخ العنف في المنطقة ليبرئ اسرائيل، فهي ترى ان العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين هو شيء طاغي:" فهناك القصف المستمر بلا هوادة وقتل الناس من كل الأعمار في بيوتهم وفي الشوارع والتعذيب في سجونهم وتقنيات التجويع في غزة والاستيلاء على البيوت. وهذا العنف بكل أشكاله هو موجه ضد ناس معرضين لأحكام الفصل العنصري " . وتضيف؛ هناك تاريخ من العنف في المنطقة يتراوح ما بين ضربات جوية ممنهجة ومستمرة واعتقالات قسرية وعمليات قتل استهدافية، مما أجبر ذلك الفلسطينيين على العيش في دولة موت على نحو بطيء.

نقرأ مقال بتلر فنرى كيف يفهم المثقف الحقيقي دوره في المجتمع، وكيف يتغلب على مفردات مثل القومية والعشيرة والحزب، الفيلسوفة اليهودية تنتقد ما يجري ضد الفلسطينيين، دون ان تفكر ولو للجظة واحدة انها يجب ان تدافع عن " جماعتها " كما يحصل عندنا، عندما ينحاز المثقف العراقي لطائفته وعشيرته .

في شقتها المطلة على البحر تتأمل بتلر في العالم الذي استحال أمامها إلى مريض يحتاج إلى جراحة سريعة لإزالة ورم خبيث من جسده، اسمه اللامبالاة والانحياز للظلم، وتؤكد على أن الحديث عن فكرة عقاب جماعي لشعب، إنما سيجلب مظالم جديدة ويؤجج نار العنف في العالم.

اليوم عندما نرى الجهل يتفشى والمحسوبية تتمدد والانتهازية تسيطر على حياتنا، فان هذا بالتاكيد سببه قلة المثقفين الشجعان، وكثرة الأدعياء الذين يحشون أفكار الناس بالفشل والجهل .

***

علي حسين

دولة بني أمية تآكلت من داخلها، لأنها توسعت بسرعة وفقدت القدرة على الإدارة الراجحة في العديد من الولايات التي أصبحت بعهدتها، فكانت شاسعة الأطراف، والتواصل بين الولايات ومركز الحكم في دمشق ضعيف وبطيئ، وإتخاذ القرارات يأتي متأخرا وغير صائب.

وبتراكم التداعيات وتناثر الأقاليم والولايات، والسطوة العربية التي تأبى مشاركة غير العربي بالحكم، إنكمشت قوة الدولة، وتعاقب عليها خلفاء ضعفاء إنشغلوا ببعضهم، فتهاوت وتناخرت من داخلها، فكانت ضربة أبو مسلم الخراساني القشة التي قصمت ظهر البعير، فاتخذ من بني العباس رمزا للدولة الجديدة، وكانت مبايعة أبو العباس السفاح ضمن هذا المشروع الإمبراطوري المنتظر.

وأضفيت عليه صفات ومميزات، ورفعوه إلى مقامات لا بشرية، فصارت الإمرة له، والدولة دولته، وهو صغير العمر قليل الخبرة والثقافة، فما وجد بداً من إعمال السيف بالعرب المسلمين، وببني أمية ومَن معهم، حتى قتل عشرات الآلاف منهم في بضعة أيام، فكان السيف منهجه.

وكادت دولة بني أمية التي ورثها أن تتفتت، لأنه إنهمك بالقتل والمروع والتطهير العرقي، الذي إجتثهم من جذورهم.

ولو إستمر في الحكم لسنوات لما بقيت دولة بني العباس لعقد أو يزيد.

لكن وفاته المبكرة كانت سببا مهما في نشأتها وإنطلاقها، إذ جاء بعده وحسب وصيته أخوه الذي يكبره بسنوات، أبو جعفر المنصور، المؤسس الحقيقي للدولة، وواضع حجر أساسها المتين.

أبو العباس السفاح، يبدو وكأنه يتمتع بمميزات الشخصية العدوانية السايكوباثية التي تتلذذ بقتل الآخرين، وسفك الدماء، ولا تشعر بحساب ضمير، أو أنها بلا ضمير، فكان منهمكا بالقتل الفتاك، وممعنا في إبادة الأموين، وعزز سلوكه المتوحش الذين أوهموه بأنه ينفذ أمر الله فيهم.

وطغت الإنتقامية العمياء على سلوكه طيلة سنوات حكمه الدامي السادي الطباع، وتآزر معه ذوي العاهات النفسية والسلوكية، فتحولت دمشق إلى ميدان لمجزرة بشرية مروعة، فما فعله بأهل دمشق ربما لا يختلف عما فعله هولاكو بأهل بغداد فيما بعد، وكأن بداية دولة بني العباس تطابقت مع نهايتها، وكأن الإرادة الإلهية تفرض قوانينها على الباغين ولو بعد قرون.

فما جرى في عهده لم يكن تأسيس دولة، بل تدمير ما هو كائن، وللذي يجب أن يكون ويتحقق، وبقي أبو مسلم الخراساني المحافظ على عمود الدولة الفقري، ولولاه لما بقي لها أثر بعد موت السفاح، وهذا الإبقاء على الدولة وصيانتها والتمكن فيها تسبب بقتله من قبل أبو جعفر المنصور، الذي وجد أن الدولة ستنتهي حتما إذا لم تكن الإمرة المطلقة بيده.

أي أن أبو جعفر المنصور رمم ما خربه السفاح بعدم حكمته وسلوكه الدموي، الذي أوشك أن يقضي على الإرادة العربية ويسلم الراية للآخرين.

فالغيرة العروبية والحرص على الدولة والسلطان، وإعادة ترميم الأركان ربما كانت وراء ما فعله المنصور بالخراساني، صاحب الفضل الأول في قيام دولة بني العباس، لكنه على ما يبدو وجد نفسه بعد ما فعله السفاح من مآثم وخطايا، عليه أن يكون السيد المطاع.

إن دور السفاح التخريبي والتدميري للدولة لم يدرس بتفصيل، وتواصل المؤرخون بالكتابة عنه على أنه حالة أخرى متصورة، وهو أول قادة التطهير العرقي في تأريخ الأمة!!

والذي قتل من العرب ما لم يقتله أحدٌ قبله، فروح الإنتقام كانت متأججة فيه، وما هدأت حتى نال حتفه بمرض الجدري أو غيره، وهو في عمر السابعة والعشرين!!

سيعترض الكثيرون عما تقدم لأن التأريخ معظمه مكتوب بمداد الكراسي!!

***

د. صادق السامرائي

27\8\2021

في عام ٢٠٠٢، أي قبل أكثر من عقدين، شاهدتُ فيلما مؤثّرا عن جذور النكبة الفلسطينية التي مهّدت الطريق لأحد أطول وأبشع الاحتلالات التي عرفها التاريخ، وفي أكثر من مناسبة تالية حاولت العثور عليه مجدّدا ولم أستطع، ببساطة لأني لا أتذكّر عنوانه ولا تفاصيله الدقيقة، فقط فكرته ومضمونه.

وفي خضمّ حرب الإبادة الدائرة اليوم في غزة ٢٠٢٣، يشاء السميع العليم أن أعثر عليه وأشاهده، وكالمرّة السابقة؛ تألّم القلب وكان لا بد له أن يألم، ودمعَت العين وحقّ لها أن تدمع.

الفيلم عنوانه: (المتبقّي)، ويعرض المشاهد الأولى لقصة اغتصاب فلسطين في الفترة ما بين قرار الأمم المتحدة بإنشاء الكيان الغاصب في نوفمبر ١٩٤٧ وبين رحيل بريطانيا وإعلان قيام الدولة اللقيطة في مايو عام ١٩٤٨، وذلك من خلال سرد درامي لحياة أسرة فلسطينية صغيرة مكوَّنة من جدّة وأب وأم وطفلهما الصغير الذي اغتصبتْه أسرة بولونية مستوطِنة كما اغتصب الصهاينة فلسطين من أهلها، وقامت بتغيير اسمه أيضا من فرحان إلى موشي على طريقة الصهاينة في تغيير اسم فلسطين إلى إسرائيل، مع أنّ الأسماء لا تغيّر من الحق شيئا، وقلم التاريخ لا ممحاة له.

في وضح النهار، تنقضّ العصابات المسلَّحة الصهيونية على الأحياء العربية بالقرى والبلدات والمدن الفلسطينية الوادعة، فيشيعون فيها الرعب والهلع عبر زخّات الرصاص ونيران المتفجّرات ودويّ المدافع، ليسارع السكّان إلى فضّ الأسواق وإغلاق الحوانيت وإحكام الأبواب والتحديق من وراء النوافذ بعيون زائغة كالمساجين، يليه اقتحام هؤلاء الهمج البربر للبيوت وإخراج أهلها منها عنوة تحت فوّهات البنادق وحرابها، ليتم تهجيرهم وترحيلهم خالين الوفاض إلّا من مفتاح بيت أو سند ملكية لأرض طيّ ثيابهم، والمآل إمّا إلى الضفة الغربية أو قطاع غزة أو دول الجوار ومخيمات الشتات، في مشهد سريالي أشبه بيوم الحشر، استعدادا لإحلال وتوطين المحتلّين الوافدين من أقاصي البلاد في هجرات جماعية متتالية مدفوعة الأجر، وكأنهم يستبدلون لوحة على جدار بأخرى، أو يقتلعون شجرة ويضعون مكانها أَصيصا!

ورغم تكرار هذا المشهد في نحو عشرين مدينة وأربعمائة قرية، وجنايته على أكثر من ٧٥٠ ألف فلسطيني آنذاك، إلّا أن الاحتلال البريطاني المسؤول عن إدارة فلسطين أيامئذ مثّل دور الأعمى والأصمّ، بل والداعم المباشر وغير المباشر، حسبما أشار المؤرّخ رشيد الخالدي في كتابه "حرب المئة عام على فلسطين: قصة الاستعمار الاستيطاني والمقاومة" إلى أن القوة العسكرية البريطانية على الأرض كانت بمثابة الجدار الحديدي  للمشروع الصهيوني، تماما مثلما كان وعد وزير خارجيتها جيمس بلفور عام ١٩١٧ هو الجدار السياسي لهذا المشروع الرامي -ضمن مرامي أخرى عدّة- إلى شطر جناحَي العالم الإسلامي في آسيا وإفريقيا، وبالتالي منع ظهور قوّة إسلامية كبرى تملأ فراغ الدولة العثمانية التي أجهزوا عليها عقب الحرب العالمية الأولى، ولا ننسى أن بريطانيا كانت القوّة الكبرى النافذة في العالم حينئذ.

الفيلم مقتبَس من رواية ذاع صيتها رغم صغر حجمها البالغ ثمانين صفحة، ومنها أيضا اقتُبس فيلم ثان ومسرحية ومسلسل، وهي رواية (عائد إلى حيفا) للأديب الفلسطيني غسان كنفاني الذي ذاق مرارة التهجير والتشرّد بين فلسطين وسوريا والكويت ولبنان التي اغتاله فيها الموساد عام ١٩٧٢ عبر تفجير سيارته وتمزيقه أشلاء بداخلها عن عمر لم يجاوز الستة والثلاثين عاما.

وعلى هذا النحو، وبمثل تلك الأفلام الجادة والروايات الهادفة، إن وُجدت، يجدر بنا العودة إلى أصل الحكاية وجذور القضية، ليس من قَبيل جلد الذات ولا نكْأ الجراح ولا توزيع الاتهامات واللعنات، ولكن لصياغة وعي حقيقي قائم على حقائق دامغة تستقر في وجدان الأجيال الجديدة التي لم تشهد بعينها ويُراد التغرير بها..فمعركة الوعي لا بد أن تسير جنبا إلى جنبا مع معركة الرمي، والحاكم العربي الذي يعترض مستشارُه على لفظ الكيان الغاصب ويطلب محوه من مضبطة برلمانه، لن يكتب تاريخا يُعوَّل عليه في بناء مثل هذا الوعي المنشود، وكما قيل: ما ضاع حقّ وراءه مُطالِب..شريطة أن يكون هذا المُطالِب صاحب حجّة وقوّة وإصرار.

***

بقلم: د. منير لطفي - مصر

طبيب وكاتب

إن من اهم المتطلبات الضرورية لإعمار البلدان وبنائها هو رأس المال البشري، وهذا ما سمعناه على لسان المتخصصين بعلم الاقتصاد، ومن دون توفير رأس المال هذا، لن يتمكن أي مجتمع من البدء باعمال البناء والاعمار، مع وجوب وجود الإرادة الحقيقية والجادة من قبل صناع القرار في البلد. فالإنسان إذن، هو حجر الأساس الذي تُبنى عليه المشاريع التي تخدم الإنسانية جمعاء.

هنا في عراقنا، لدينا من الكفاءات كثير وكثير جدا، وهم ليسوا وليدي اليوم او الأمس القريب، ومن قلّب صفحات التأريخ تبين له الكم الهائل من ذوي العقول والعلوم والآداب الذين تزخر بهم صفحاته. وباستذكار العقود الخمسة الماضية، نجد أن حدثا شاخصا يتكرر كل عام، ذاك هو استعراض الشركات والوزارات العراقية نتاجاتها، أسوة بشركات من دول عالمية على أرض معرض بغداد الدولي، وكلها تتفاخر بما وصلت اليه صناعات شعوبها، وجدير بالعراق ان يكون لكفاءاته حضور مميز في مجال الصناعات، إذ لم تبخل أمهات العراقيين بإنجاب علماء وأدباء وصناع حضارة.

اما في مجال الفنون، فان مخطوطات الأولين ورسومهم مازالت شاخصة في آثار أور وبابل وآشور، لتشهد انهم أول من ابتكر فن الزخرفة على مشيداتهم، كما انهم اول من اخترع البناء المقوس الذي أثبتوا متانته فيزياويا. ولهم قصب السبق في استغلال الآجر باستحداث عمارة جديدة، والوثوب به الى قمم شاهقة في معابدهم التي أسموها “زاقورة” وترجمتها “القمة المرتفعة”.

كل هذا حدث منذ ألوف السنين، وكان لقادة البلاد وملوكها ورؤسائها الباع الطويل واليد الطولى، في رفد العلماء وفتح ابواب خزائن الدولة وبيوت المال، فضلا عن ابواب قصور الخلافة والدولة، لدعم الكفاءات والقدرات من ذوي العقول، لإيصال علومهم وجديد اختراعاتهم الى دول المشرق والمغرب، الذين بدورهم استمدوا من تلك العقول أفكارهم، وطوروا عبرها صناعاتهم وباقي مرافق حياتهم، ويشهد بذلك المؤرخون والكتاب الذين تزخر مؤلفاتهم بانجازات العراقيين القدماء.

ومن المؤكد ان قادة العراق الحاليين مطلعون على تلك المؤرخات، فالعجب كل العجب وقوف بعضهم بالضد من نشر العلم والأدب وباقي المعارف، ويأبى -متعمدا- دخول سفر التاريخ كقائد يشار إليه بالبنان، وتتغنى به الشعراء كونه سجل خلال حقبة حكمه، صفحة بيضاء لصالح البلد وتقدمه وازدهاره، مع علمه يقينا أن التغني بما حققه والتمجيد به، لن يجد في ذاكرة شعبه حيزا للذكر، إن تسبب في عرقلة سير العلم ومحاربة الرقي! وقديما أنشد شاعر ناعيا بغداد في حقبة من حقبها السوداء:

بغداد يا بغداد يا بلد الرشيد

ذبحوك يا أختاه من حبل الوريد

*

جعلوك يا أختاه أرخص سلعة

باعوك يا بغداد في سوق العبيد

*

ويل لبغداد الرشيد وأهلها

فهولاكو في بغداد يولد من جديد

*

زهدوا بدجلة والفرات وعرضهم

باعوك في الحانات بالثمن الزهيد

هذا واقع حال، أراه اليوم في شوارع بغداد ودجلتها وسمائها، واقع ألمسه كل يوم على واجهات بناياتها وفي حدائقها، واقع أعيشه كل لحظة وأنا أعايش أهلها، فقد أضحوا كشمعة، حصتها من النار اللسع والذوبان، فيما حصة النور تذهب الى خفافيش الظلام خلسة، تحت جنح ليل مدلهم طال مكوثه عند العراقيين، ونأى الصبح عنهم، بما لايدع للأمل فسحة يعللون بها أنفسهم، فضاقت وضاق عيشهم فيها.

***

علي علي

قد يتبادر إلى ذهنك عزيزي القارئ أن هذا العنوان إنما يحيل على ذلك العدوان البربري والهمجي، الذي يُصَبُّ صبا على أبرياء غزة، من أطفال وشيوخ ونساء ورجال عزل إلخ....بيد أنه -أي العنوان- إنما يحيل على ما علق به نتنياهو، رئيس كيان الإحتلال عقب تيكم الضربة الموجعة والمذلة، التي سددتها المقاومة الفلسطينية إلى جيشه، وهو الجيش الذي تبين أنه نَخْبٌ هَواءُ على حد تعبير حسان بن ثابت في قصيدته الشهيرة، التي كانت مقررة علينا إذ نحن تلاميذ في مرحلة الإعدادي، في ثمانينيات القرن الماضي، واهاً على ذاك الزمان وطيبه....

أما نص تعليق نتنياهو الذي ألمحنا إليه فهو قوله :"إنها خسائر مؤلمة وجنودنا سقطوا في حرب ظالمة" نعم هكذا يبكي السفاحُ جنودَه، الذين يحرقون أبرياء غزة بالقنابل الفسفورية المحرمة دوليا، سوريالية ما بعدها سوريالية! وبما يشبه ذلك، نشج وزيره في الحرب يؤاف غالانت، الذي وصف الفلسطينيين بالحيوانات الآدمية، فاستباحهم ولم يرقب فيهم قانونا ولا عرفا مما تواضع عليه الناس منذ فجر التاريخ وقد دلل هذا بشكل واضح وجلي على مدى الصدمة، التي يتخبط في دياجيرها هؤلاء الأجلاف، غلا ظ الأكباد وقساة القلوب -وأغلب الظن أن لاقلوب لهم-وهم ينظرون، وبعيونهم يرقبون كيف يتهافت جيشهم هذا الذي كان إلى عهد قريب يوصف بأنه "الجيش الذي لايقهر"،ورحم الله شيخنا محمدا الغزالي الذي كتب يوما معلقا على هذا التوصيف المزيف بقول الشاعر العربي:

إن الزَّرازيرَ لَمَّا قام قائمُها

تَوَهَّمَتْ أنها صارت شَواهينا

وهذا ما حصل بالفعل إذ ما أن التقى الجمعان وجها لوجه، ورجلا لرجل، حتى انكشف المستور، وتهاوت الأسطورة، وتساقطت الأكذوبة على مرأى ومسمع من العالم، فاستبشر قوم وهم كثير، واسودت وجوه آخرين وهم قليل، فكان من بين هؤلاء، أحدهم أُدرجه ضمن فئة "المثقف الخبير" على حد تعبير صلاح بوسريف في كتابه (المثقف المغربي بين رهان المعرفة ورهانات السلطة) يقصد به ذلك الوجه الإعلامي الذي ينتقل بين الفضائيات من قناة إلى أخرى، ليضع المشاهد في قلب الحدث حتى يفهم جيدا حقيقة ما يجري، وهذا الصنف لايكون بالضرورة من صاحب الأفكار، بل يكتفي فقط بجمع المعطيات المتداولة ثم يعيد عرضها على الناس، وما أظننا في حاجة لإمعان نظر وغلغلة فكر لندرك بأن له في ذلك مآرب أخرى.

منذ يومين أو ثلاثة شاهدت هذا "الخبير المثقف" النموذج في حوار مع صحفي مغربي ذائع الصيت، وقد سأله عن رأيه فيما يحدث في غزة، فشمخ الرجل بأنفه، وشخص بناظريه نحو الأفق البعيد وكأنه يستشف ما وراء الحجب، ثم قال "كفرا ونطق هَذْرًا" كما يقول المثل العربي -والكفر هنا بمعنى منكر القول وليس التكفير فلننتبه- فارتأى بثاقب ذهنه، وعميق فكره، أن مسؤولية تدمير غزة وذبح أهلها وحرقهم إنما تقع على عاتق كل من حماس وإسرائيل.

ثم شرع هذا الجهبذ يعلل ويفسر لمشاهديه ما قرره أعلاه، فتساءل متعجبا من هذه المقاومة، التي لم تكن تدرك حجم رد الإسرئليين على هجوم كذلك الهجوم الذي شنته في السابع من أكتوبر؟! وكيف ساغ لها الإنفراد باتخاذ قرار بهذا الحجم، مذكرا بأن هذه المقاومة لا تمثل الشعب الفلسطيني الذي له ممثله الشرعي والوحيد، المتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية ،وكذا سلطته الوطنية القابعة تحت حراب الإحتلال في رام الله ورئيسها، الذي -ماشاء الله عليه- يتمتع بالشرعية الديمقراطية المنبثقة من انتخابات حرة ونزيهة لاغبار عليها إلا أننا لانتذكر متى أجريت لآخر مرة !!

وبناء عليه كان على المقاومة أن تخبر شركاءها في الوطن المحتل، وأشقاءها في العروبة والإسلام بما بيتته وعقدت العزم على إنفاذه، وألا تنسى تعميم الإخبار على الإعلام العربي لِيُبَثَّ عاجلا على شاشات الفضائيات العربية، وعنها تنقل الفضائيات الغربية وقد أعذر من أنذر،كما كان عليها أن تتأكد عبر الوسطاء من حجم رد الإحتلال على حقها في ممارسة المقاومة ضد المحتل، وفقا للقانون الدولي نفسه!! حقا شر البلية مايضحك.

كما شدد النكير على قيادات حماس السياسية في الخارج، التي يرى أنها تدير رحى الحرب على أهل غزة ،بينما هي تتقلب في بحبوحة من العيش في الفنادق الفخمة ،هكذا يخيل له خياله المريض والقاصر،ونسي بأن الشعب الفلسطيني قد مزقه الإستعمار الإستطاني الرهيب، مابين فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الخارج أي الذين هم في الشتات ،هذا وإن إدارة المعركة من الخارج ليست بدعة فلسطينية بل هي من بديهيات التاريخ الحافل والواقع الماثل، ثم إن الذي يقود المعركة  على الأرض أولئك من هم  في الداخل من أمثال السنوار ومحمد الضيف، فمن يزايد على تضحيات هؤلاء، ولاحتى أولئك الذين هم في الخارج ،ولكنها ثرثرة فارغة .كان  هذاغيضا من فيض مما يلهج به هذا "الخبير" النموذج وغيره، ممن يعزفون على نفس هذه النغمة النشاز، ومن العجائب وهي كثيرة، تقديمه لنفسه أستاذا في العلاقات الدولية وأنه لايصدر عن عاطفة ولايخوض في العقائد، ومفهوم منطوقه هذا، أنك إن قلت بغير مايهرف به، فأنت حتما عاطفي عقائدي متعصب . ولايسعني في ختام هذه النُّفاثَةِ إلا أن أترحم على الآمدي اللغوي والشاعر الأديب لقوله:

تَصَدَّرَ لِلتدريس كلُّ مُهَوَّسٍ

بليدٍ تَسَمَّى بالفقيهِ المُدَرِّسِ

*

فَحَقَّ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَتَمَثلوا

بِبَيْتٍ قديمٍ شاع في كل مَجْلِسِ

*

لَقَدْ هُزِلَتْ حتى بدا مِنْ هُزالِها

كُلاها وحتى سامَها كلُّ مُفْلِسِ

***

محمد العربي حمودان

ويرحل فارس الضاد البروفيسور عبد المالك مرتاض بعد سنين من العطاء الفكري والأدبي

كان يوما حزينا الثالث من نوفمبر، ترجل فيه فارس الضاد عن صهوة جواد البلاغة والفكر والإبداع الأدبي في مختلف مجالاته لقد كتب البوفيسور عبد المالك مرتاض الدراسات النقدية واللغوية و الرواية و أبدع في كل هذه الفنون وترك فيها آثاره وبصمته، كان كتلة من نشاط وعمل دؤوب اشتهر كثيرا وعرف عربيا أثناء عضويته في برنامج أمير الشعراء لسنوات خلت و كان حريصا في تقديم ملاحظاته للشعراء فيركز على الاستعمال الصحيح للغة و معانيها فيكشف للشعراء جوانب النقص والخطا بالحجة والبرهان فكان يضفي على لجنة التحكيم نكهة خاصة...

وتثمينا لجهوده النقدية واللغوية والفكرية طوال عقود. نال جائزة سلطان العويس الثقافية في دورتها السابعة عشرة -فرع الدراسات الأدبية والنقد – وهذه الجائزة المهمة أرجعت له بعض الاعتبار خاصة بعدما أبعد عن رئاسة المجلس الأعلى للغة العربية لأنه صدع بكلمة الحق وكان مصيره النكران والحصار.

يقول عنه الدكتور  محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـة مشيدا ومنوها بشخصيته الموضوعية الفذة:

"يعد العلاّمة الدكتور عبد الملك مرتاض أحد أبرز الكتاب الذين عرفتهم الجزائر في مرحلة ما بعد الاستقلال ، فهو من النوابغ الأفذاذ في تاريخ الجزائر في القرن العشرين ، حيث إنه يُشكل بمفرده موسوعة علمية أسهمت بنصيب وافر في شتى ميادين المعرفة ،والعلم، والأدب ،فهو شخصية مضيئة ،تعددت إسهاماته، وتنوعت اهتماماته، فهو الأديب الروائي، والقاص، والمفكر،والناقد، والمؤرخ، واللغوي، والمحقق ، لم يترك مجالاً معرفياً دون أن يترك فيه بصماته الراسخة، التي تكشف النقاب عن رؤاه العميقة، وتحليلاته الدقيقة، وفكره الثاقب،والحق أن مؤلفاته التي تزيد عن ثمانين مؤلفاً علمياً متميزاً، هي أغنى ثروة يعتز بها أبناء المغرب العربي ، كما يعتز بها المشارقة الذين عرفوا العلاّمة الجليل عبد الملك مرتاض محاضراً ،ومنظراً ،ومحللاً، ولغوياً ،وعضواً في عدد من المجامع اللغوية، والمؤسسات العلمية البارزة في المشرق ،والمغرب.

إن العلاّمة الدكتور عبد الملك مرتاض هو رجل أثرى الحركة الأدبية،والثقافية، والفكرية بأعماله الجليلة، وإنتاجه الغزير، والمتنوع، وأعماله تكشف النقاب عن شخصية علمٍ من أعلام الثقافة..."(1)

وعندما نتأمل سيرة حياته نجد هذا الثراء والتنوع:

عبد الملك مرتاض (1354- 1445 هـ/ 1935- 2023 م) أستاذ جامعي ومفكِّر عربي جزائري، من أعلام الأدب والنقد في عصرنا، وباحث وكاتب موسوعي، وأديب مبدع؛ في القصة والرواية والمسرحية، صنَّف أكثر من ثمانين كتابًا ودراسة بات كثيرٌ منها مراجعَ في الدراسات الأدبية والنقدية. تقلَّد منصبَ رئيس المجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر، وهو عضو مراسل في مجمع اللغة العربية بدمشق، وكان عضوًا في لجنة التحكيم لمسابقة أمير الشعراء في أبو ظبي. وحصل على جائزة سلطان العويس الثقافية.(2)

لقد رحل عنا البروفيسور عبد المالك مرتاض وبقيت أعماله الفكرية تخلده وتنقش اسمه في سجل العظماء المؤثرين، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يغفر له ويرحمه عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته. 

***

الكاتب: شدري معمر علي - الجزائر

من القوانين الفيزيائية المعروفة "لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الإتجاه"، وفي واقعنا لا وجود له، لأن أقوى ردود أفعالنا أقوال وإنفعالات وتنديدات وإحتجاجات وهتافات وتظاهرات لا غير، ونكيل الإتهامات لبعضنا.

مزايدات، مناشدات، بكائيات، لطميات، وإتهامات!!

أمتنا مشكلتها بقادتها، الذين ينساقون وراء العاطفة والمهاترات والشعارات الفارغة، وقد شخص ذلك الراحل (الحبيب بورقيبة) في (3\3\1965) في خطابه بمدينة أريحا، والذي دعى فيه العرب إلى التحدث مع المحتل بعد النكبة حول قرار التقسيم والقبول به، والتمسك بإعادة الحق المغتصب بالكامل فيما بعد، وكأنه قرأ واقع حال الأمة اليوم، وأنذر بأنها ستبقى نردد ذات الكلمات بعد أجيال وأجيال، وقالها بوضوح لو لم نقبل بالحكم الذاتي في تونس عام (1954) لما نلنا الإستقلال، أي أن الحل المنقوص أوصلنا للحل الكامل.

وبإختصار الشعب متحمس وإرادته حديدة ولديه روح ثائرة غيورة، لكنه مبتلى بقيادات لم تبلغ سن الرشد، ويوصلتها عواطفها وإندفاعيتها المحمومة، وقراراتها المسعورة الغير آبهة للتداعيات والنتائج.

وقد برهنت الأحداث الأخيرة عن المسافة ما بين الجماهير والكراسي المكرسة لتأمين مصالح الآخرين.

الأفعال تقابَل بردود أفعال، وفي دولنا تقابل بردود أقوال، وأحيانا بتآزر معيب مع الفعل الواقع علينا، ذلك أن القيادات ما تعلمت بناء القوة، وغطست في الكراسي والتمتع بما تغنمه على حساب البلد الذي تتسلط عليه.

الفاعل يتقوّى، والمفعول به يتطوّى، ويستجدي قوته من الفاعل به، والموجود لتنفيذ إملاءاته، لكي يبقى لفترة أطول في الحكم، فالكفيل يغيّر الوكيل بين آونة وأخرى.

وتبقى الأقوال الرنانة الطنانة صادحة في الأجيال، والوحوش المفترسة تنهش الأمة، وبدأت برأسها منذ زمان، فخبرت كيف تحشوه بما يتوافق ومصالحها، أما بدنها فتنخره آفات التبعية والخنوع والهوان.

فالأمة المشلولة الأفعال عليها أن لا تدّعي البطولات بالأقوال، فإذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب!!

وأقوالها دون الفضة بكثير!!

فإلى أين المسير؟!!

***

د. صادق السامرائي

(عَودٌ على بدأ لصفحات لا تنسى من المجد والكرامة).

لم يجد الفنان الاشهر عالميا بابلو بيكاسو صعوبة في الرد على تساؤل الجنود الالمان عن صاحب اللوحة ورسّامها، عندما كانوا يجوبون شوارع إسبانيا المحتلة في منتصف ثلاثينات القرن الماضي، والدهشة والتأمل بادية على وجوههم من تلك التحفة الفنية الرائعة المسماة الغورنيكا، نسبة الى احدى مدن الشمال الاسباني والواقعة ضمن اقليم الباسك. موجها (أي بيكاسو) ودون تردد أو وجل أصابع الاتهام الى صدور الجنود الغزاة، قائلا لهم: انتم من رسم هذه اللوحة، في اشارة صريحة منه الى تحميلهم مسؤولية الخراب والدمار الذي حلَّ ببلاده.

ربما شكَّلت الحادثة الآنفة الذكر بداية قوية، ليختط على أثرها ذلك الفنان الكبير نهجا ثابتا في التصدي لتلك القيم التي تحط من مكانة الانسان والشعوب التواقة للتحرر من نير الظلم والاستعباد، خاصة بعد ان أكمل ذاك النهج برسمه لتلك الحمامة البيضاء والتي اعتبرت ومنذ ذلك التأريخ رمزا للسلام العالمي ولتطلعات الشعوب في الانعتاق نحو الحرية.

وليس بعيدا عن ذلك وفي أول ردة فعل له وبُعيد خروجه من السجن، عَبَّرَ الصحفي الشاب منتظر الزيدي عن شكره وإمتنانه لكل من وقف معه في محنته وحمل ذات المشعل وغنى ذات اللحن. مضيفا بعدم رغبته دخول التأريخ كما يظن البعض، حين تصدى للرئيس الامريكي السابق جورج بوش بضربة حذاء، التي لم تشكل وقتذاك مهانة كبيرة للرئيس فحسب بل لكل من راهن على الخيار الذي جاء بالاحتلال، فدافعه لذلك الفعل هو حجم الخراب والدمار الذي لحق ببلده وشعبه.

واذا ما أعتبرنا تلك الواقعة وما ترتب عليها دخولا للتأريخ من أوسع ابوابه وأشجعها، فهو وبحسب ما أعلنه، لم يكن مخططا لها، وان دافعه لإعلان صرخته والاحتجاج بتلك الطريقة التي شاهدها الملايين وعلى الهواء مباشرة، هو راجع الى حجم الاستهتار والغطرسة التي ظهر عليها الإحتلال. وانه تصرَّف كرجل عند اللحظة المناسبة، دون ان يكون في وارد تفكيره ان يتحول الى رمز أو أيقونة. لكن لا بأس بل لا تراجع ولا ندم، فما حصل قد حصل، فللشعوب حق مشروع في الدفاع عن أوطانها وفي التصدي للغزاة، ولا مناص من التضحية والثبات على المبادئ.

فهو أي منتظر، لا يختلف كثيرا عن سائر العراقيين الذين تربوا وجبلوا على الوطنية الحقة وعلى نصرة الشعوب المضطهدة. وإذا كان لنا من إستذكار فلا بأس من إستحضار ذلك الأسطورة المسماة فكتور جارا، وما كان قد تسرَّبَ الى مسامع صاحب الذكر من أغانٍ ثورية، تحث الشعوب على التحرر وعلى الوقوف ضد كل أشكال القهر والظلم والديكتاتورية.

وسيتذكر أيضا صاحب المناسبة ويستمد الشجاعة من ذلك الفنان، الذي أقدم الفاشست على قطع اوتار قيثارته واصابعه التي كان يعزف عليها أنشودة السلام والحرية، وكيف انقض الاوباش ودوائر الاستخبارات العالمية المشبوهة، التي لم يرقْ لها صعود اليسار وتربعه على عرش الحكم، ليسجل في حينها أولى تجارب التأريخ التي جاءت برئيس إشتراكي وعبر الشرعية الدستورية، والتي طالما تبجح بها الغرب، فكان من نتيجتها وللأسف أن تمت تصفية الرئيس الشرعي الليندي وليكون بذلك ضحيتها الاولى، وليخلده التأريخ وشعوب العالم الحرة فيما بعد بأحرف من نور ومحبة.

لم يكن منتظرا قد وُلدَ بعد حين أعلنت قوى اليسار في العالم عن تضامنها مع الشعب التشيلي في مصيبته، فكان للعراقيين نصيبا كبيرا، وراحوا ينشدون لتلك التجربة الرائدة والتي تم وأدها وهي لم تزل بعد في مهدها (شيلي تمر بالليل نجمة بسمانه). وللتوقف أكثر فإنَّ ما قام به منتظر الزيدي لم يكن بمعزل عن ذلك الارث الثوري والوطني الذي يفخر به العراقيون وعلى مختلف أجيالهم. واذا ما عدنا ببضعة عقود الى الوراء، لكان على ابناء الرافدين أن يقفوا بإجلال وإحترام وهيببة، أمام ما قدمه الأولون في ثورة العشرين، وأن يعيدوا شدو ما علق في أذهانهم من بقايا تلك الاهزوجة الشعـــبية وذلك السلاح رغم بدائيته، يوم تحدوا به عتاد وعدة العدو حـــين كانوا يرددون (الطوب أحسن لو مگواري).

وإذا كنا في غفلة أو نسينا فللتأريخ كلمته وحضوره، فها هو يحدثنا عن تلك المظاهرات الصاخبة التي كانت تعم مدن العراق كافة والعاصمة الحبيبة بغداد أولها وفي مقدمتها، يوم كانت تلك الإحتجاجات وتلك الحناجر تطــــالب بخروج المحتل البريطاني. وفي فورة تلك المظاهرات وما رافقها من سقوط ضحايا لشباب بعمر الورد، لم تستطع قوى الـــعمالة مـــن أن تمـــحو من شـــوارع العـــراق آثار تلك الدماء الزكــية التي ســقطت على مذبح الــحرية. ولا أن تضع حداً لذلك التحدي الاسطوري لرجال اعتلوا منصات الاعدام واعواد المشانق بزهو وكبرياء. ولا أن توقف صوت تلك الحناجر عن أداء ذلك النشيد الصاخب، والذي كان يترافق ومهرجانات الدم ومنصات الموت التي نُصبت لأولئك الأبطال، بحناجر مدوية وبصوت واحد، ليصل صداه ويخترق مسامعنا حتى هذه اللحظة: السجن ليس لنا نحن الاباة، السجن للمجرمين الطغاة.

لا تتهموا منتظرا ولا مَن يَشبهه بأية تهمة ولا تدينوه، فهو ابن بار ووليد شرعي لخلاصة شعب، كان قد جُبِلَ على التصدي لكل أشكال وأنواع الاحتلالات والديكتاتوريات ومن جرائم القتل المجانية. وإن حاول البعض أن يُعزي بسالته وما أقدم عليه، حين رمى بحذاءه صوب ذلك الرئيس المسمى بوش الإبن وَمَنْ كان بصحبته على المنصة، الى تراخي الاجهزة الأمنية وتساهلها في التعاطي مع هكذا تصرفات، وذلك إنسجاما مع ما يدّعوه وما أرادوا تسويقه، من انه يُعدٌ واحدا من تجليات الحكم (الديمقراطي) الجديد الذي يطبع النظام السائد في العراق، وكأنهم نسوا أو تناسوا ردة الفعل الهمجية والسريعة التي صدرت عن الطاقم الامني الذي كان يقوم بحراسة القاعة التي شهدت حادثة إهانة الرئيس الأمريكي، وكيف انهالوا بالضرب المبرح على ذلك الشاب العراقي الشهم، وأمام شاشات التلفزة العالمية والعراقية.

ولولا الاحتراز من الحرج الذي قد يقعون به فيما لو جرى التعامل بطريقة تكشف وتفضح  حقيقة دواخلهم وما يضمرونه من أحقاد على شعبنا وشعوب أخرى تماثلنا، وأيضا لولا تدخل الامريكان السريع في منع تداعيات الموقف ولملمة الاشكال الذي وقعوا فيه، حرصا على سمعتهم وعلى سلامة الشعارات التي رفعوها حين أحتلوا العراق، لكان لهم تصرف آخر ولكان منتظر الزيدي في خبر كان كسائر العراقيين الذين تصدوا للاحتلال.

ولعل في الرسائل التي حملها معه بُعيد خروجه من السجن، ما يثبت كذب وزيف الأدعاءات التي ما إنفكت تطلقها أجهزة الاعلام الرسمية المسؤولة، من انها تعامل السجناء وفق شرعة حقوق الانسان والمواثيق والمعاهدات الدولية، والتي تضمن توفر الشروط الانسانية في كيفية التعاطي مع السجناء والمعتقلين. وعن ذات الموضوع فلم يعد خافيا من أن هناك من الدلائل والإثباتات، ما تكشف وتشير وبشكل لا يقبل اللبس أو الإجتهاد عن حجم ودرجة معاناة العراقيين القابعين في غياهب السجون الامريكية ومعتقلات الحكومة التي نصبها الاحتلال، وأن من بينهم اطفالاً وشيوخاً وكفاءات علمية ووطنية، لا تمت بصلة وبأي شكل من الأشكال بمجاميع الارهاب على ما يدعوه. وانهم يتعرضون وكل يوم الى صنوف من التعذيب الشديد القسوة والهمجية.

وهناك من بين السجناء من أهملتهم وعن عمد أدارات السجون، وأكثريتهم ممن لم توجه لهم أية تهمة صريحة وواضحة أو قانونية. في ذات الوقت لم تعمد الى إطلاق سراحهم لعدم كفاية الأدلة، ولم توفر لهم كذلك أية فرصة من أجل السماح لها بالدفاع عن نفسها وعبر الطرق القانونية التي كفلها الدستور الذي سنّوه ويتبجحون به. وعلى صلة ليست ببعيدة عن أصل الموضوع فأن منظمة (هيومن رايتس ووتش) المعنية بحقوق الانسان في العالم، إعتبرت العراق في حينها وعلى خلفية تلك الأحداث ومع بدايات الغزو، واحدا من بين اكثر الدول التي أصدرت أحكاما بالاعدام ونفذتها بحق مواطنيها وبسرعة قياسية.

***

حاتم جعفر - السويد / مالمو

ما بين قرار المشاركة الكاملة والدور المساند

وأخيراً أغلق نصر الله المنافذ على توقعات الجماهير والمراقبين لموقفه من المجازر التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي في غزة والتي كانت تميل إلى المشاركة الميدانية الكاملة.. وذلك في خطابه التحليلي الذي وجهه إلى العالم في أول ظهور له منذ سبع سنوات، مساء اليوم الجمعة، بمناسبة الاحتفال التكريمي الذي أقامه حزب الله لإحياء ذكرى الشهداء.

صحيح أن مستوى خطاب نصر الله الذي انتظرناه طويلاً جاء أقل من المتوقع فيما يتعلق بالرد على جرائم الاحتلال في غزة؛ لكنه قال الكثير بنفس تحريضي كان من شأنه رفع معنويات الجماهير العربية وتأجيج رهاب المقاومة في قلوب الإسرائيليين.

فخطابه لم يتضمن قرار إعلان حرب بالمشاركة الكاملة ضد جيش الاحتلال؛ بل جاء ليدافع عن موقف الحزب المساند للمقاومة في غزة من خلال فتح الجبهة الشمالية بحذر شديد، مع الأخذ بالحسبان دقة الحسابات اللبنانية الصعبة وحساسيتها في هذا الاتجاه.

ولولا أن واجب المشاركة الميدانية مع المقاومة في تصدّيها للهجوم الإسرائيلي البربري على غزة، يقع على عاتق أجهزة أمن سلطة أوسلو بالدرجة الأولى، والتي قوامها 60 ألف عنصر فلسطيني مدرب ومدجج بالسلاح، تلك الأجهزة التي تنسق أمنياً مع الاحتلال والمسخرة لحماية المستوطنات دون أن تنبري للدفاع عن الفلسطينيين في الضفة الغربية المنتهكة.. فلولا ذلك التقصير الفلسطيني لقلنا بأن حزب الله قصر كثيراً؛ لكن العتب على قدر الثقة الكبيرة الممنوحة لحسن نصر الله الذي "إذا قال فعل". ناهيك عمّا كان يصرح به قادة محور المقاومة في كل مناسبة في أن وحدة الساحات هي ميدان مشتركن وليس متجزئاً ما بين مشارك، ومساند، أو محايد.

إذ تستحق غزة التي تتعرض لتطهير عرقي من قبل جيش همجي متوحش؛ أكثر مما قيل في الخطاب الذي اتخذ صفة التوصيف للمشهد الراهن في الجبهة الشمالية، والدفاع عن حجم إسناد الحزب للمقاومة في غزة، من خلال إشغال ثلث جيش الاحتلال في الجبهة الشمالية، وبالتالي تخفيف الضغط على غزة.

وإن قرار الحرب ضد الاحتلال اتخذه حزب الله منذ الثامن من أكتوبر ، في اليوم الثاني من عملية طوفان الأقصى؛ لكن نصر الله في خطابه أيضاً وضع النقاط على الحروف، ملجماً كل التكهنات فيما يتعلق بمستوى التفاعل الميداني في الجبهة الشمالية مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، ضمن حسابات ومتطلبات وحدة الساحات، من خلال الإقرار بأن حزب الله جهة مساندة للمقاومة في غزة وليست مشاركة بالكامل.

ياتي ذلك في ظل حساسية الوضع اللبناني المزري، وخشية تعرض حزب الله لضربات انتقامية يكون من شأنها لو تمت، تدمير لبنان، كما جرى في تموز 2006، وبالتالي إخراج حزب الله من المشهد السياسي اللبناني في ظل المعادلة اللبنانية غير المستقرة.

مع أن تهديدات الخصوم -في الداخل والخارج- من هذا المصير الغامض لا يخيف الحزب المتماسك القوي كما يستشف من اللهجة الخطابية التي سادت خطاب نصر الله، حتى لو تعرض الحزب لعدوان من قبل البوارج البحرية الأمريكية المتمركزة قبالة سواحل لبنان وصولاً إلى ميناء حيفا.. والتي جاءت لمنع التوسع الميداني في حرب غزة، وبالتالي حَصْر التركيز الإسرائيلي على أهداف الحرب التي وصفها نصر الله بالمستحيلة.

وقد فند نصر الله مزاعم الخصوم والإعلام المجير للاحتلال الذي يحاول خلط الأوراق الإقليمية من خلال اتهام إيران بتوريط حماس في عملية طوفان الأقصى، معلناً بأن القرار كان فلسطينياً بامتياز وتحديداً من قبل حركة حماس وجناحها العسكري.

وكان من حرص كتائب القسام البالغ على إنجاح العملية أن أخفت تفاصيلها عن الجميع ومنهم حزب الله وإيران.

وربما كان هذا السلوك من أهم اسباب نجاح العملية الاستثنائية التي أصابت قادة "إسرائيل" بالجنون.

منوهاً نصر الله في خطابه إلى أن جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين التي اقترفتها حكومة يمينية متطرفة يقودها نتنياهو، هي نفسها التي قتلت المئات من المستوطنين إبان عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر وفق اعترافات إسرائيليين شهدوا الواقعة، وهي غير آبهة بأسراها.

حيث وصف نصرُ الله رئيسَ الحكومة الإسرائيلية ب"الغبي"، كونه لم يتعلم من دروس التاريخ -على نحو- أن المقاومة فكرة موروثة لا توأد بقوة السلاح.. مذكراً كيف طردت المقاومةُ جيشَ الاحتلال من لبنان في تجارب سابقة. وكيف هزمته المقاومة في غزة في عدة جولات.. مؤكداً بأن المقاومة إذا تعسّر عليها النصر، لظروف فوق طاقتها، فيكفيها تسجيل النقاط على جيش الاحتلال؛ لأن إجلاءه يحتاج إلى صبر طويل.

وقد تضمن خطابه عدة نقاط على نحو أن معركة طوفان الأقصى أصبحت ممتدة في أكثر من ساحة واحتمالية توسعها إقليمياً وارده وأن الحزب قد يطور موقفه في ذلك الاتجاه.

لقد استهل نصر الله في خطابه تقديم واجب العزاء لأهالي قطاع غزة بشهـداء معركة طوفان الأقصى.. مذكراً بأنهم خاضوا معركة كاملة الشرعية من الناحية الإنسانية.. حيث سمع العالم كلمات عوائل الشهـداء التي تعبر عن الثبات والالتفاف حول مقاومتهم المظفرة.

إنه شعب "غزة" الذي ما يزال يقدم الكثير دفاعاً عن حقوقه المشروعة.. منوهاً في خطابه إلى أن طوفان الأقصى أعادت طرح القضية الفلسطينية على العالم بقوة وفتحت الملفات الإنسانية المهملة.

وتطرق في سياق كلمته إلى ما يقترفه الاحتلال من انتهاكات بحق الفلسطينيين من خلال تنفيذ مشاريع استيطانية جديدة في الضفة الغربية.

ومن ثم الإشارة بأن هناك في غزة أكثر من مليوني إنسان يعيشون في حصار خانق.. ناهيك عن الانتهاكات التي يتعرض لها المسجد الأقصى غير المسبوقة.

وتطرق نصر الله في كلمته إلى ملف الأسرى وكيف أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة شددت على آلاف الأسرى وعائلاتهم في السجون الإسرائيلية.

ثم أنهى حديثه واصفاً الدور الأمريكي في تأجيج الصراع في منطقتنا العربية بدءاً من اليمن، والعراق، ولبنان، وفلسطين من خلال قيادة الهجوم على غزة في حرب تطهيرة كان جيش الاحتلال أداتها.

وكأن نصر الله يوحي بأن جيش الاحتلال الذي هُزِمَ معنوياً وكُسِرَتْ هيبته، غير مؤهل لقيادة حربٍ شرسة ضد غزة دون تلقي الدعم السياسي والعسكري والتقني من قبل أمريكا.

***

بقلم بكر السباتين

3 نوفمبر 2023

منذ ايام والعالم يترقب خطاب سيد المقاومة (السيد حسن نصر الله) حول حرب غزة, وجاء اليوم الموعود وظهر الامين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، يوم الجمعة بعد الساعة الرابعة عصرا، وكشف عن رسائل تهديد امريكية باستهداف ايران في حال استمرار هجمات حزب الله على الحدود مع الكيان الصهيوني، وقال إن التصعيد في الجبهة اللبنانية مرهون بأمرين:

الاول مسار التطور في غزة.. والثاني هو سلوك العدو الصهيوني تجاه لبنان. موضحاً ان "كل الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة وكل الخيارات مطروحة". واضاف مخاطباً الأميركيين، إن "التهديد والتهويل علينا وعلى المقاومين في منطقتنا لا يجدي نفعاً"، مضيفاً "اميركا بعثت لنا رسالة بأن جنوب لبنان اذا دخل الحرب فاننا قد نقصف ايران وليس لبنان فحسب". وتابع مخاطباً الأميركيين، "أساطيلكم لا تخيفنا ولم تخفنا في يوم من الأيام وأساطيلكم التي تهددون بها أعددنا لها العدة أيضاً".

رسائل تهديد امريكية

أكدت الولايات المتحدة اليوم الجمعة، على ضرورة الا يستغل "حزب الله" اللبناني الحرب بين (الصهاينة) و"حماس" بعدما أعلن الأمين العام للحزب حسن نصر الله أن احتمالات توسع هذه الحرب ضد تل أبيب "مفتوحة". وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي: "نحن وشركاؤنا كنا واضحين: على حزب الله وأطراف آخرين، سواء كانوا دولاً أو لا، ألا يحاولوا استغلال النزاع القائم". وأكد أن "الولايات المتحدة لا تسعى إلى تصعيد أو إلى توسيع رقعة النزاع" المستمر بين (الصهاينة) وحركة "حماس". وتابع: "قد يتحول الأمر إلى حرب بين (الصهاينة) ولبنان تكون أكثر دموية من حرب 2006. لا تريد الولايات المتحدة أن ترى هذا النزاع يتسع إلى لبنان". وأضاف: "التدمير المحتمل الذي سيلحق بلبنان وشعبه لا يمكن تصوره ويمكن تجنبه".

وأكد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطاب مساء اليوم الجمعة أن الأمريكيين يستطيعون إيقاف الحرب على غزة لأنها حربهم. وأضاف: "أنتم أيها الأمريكيون تعلمون أنه في حال بدأت المعركة في المنطقة فإنكم ستدفعون الثمن في مصالحكم وجنودكم وأساطيلكم". وشدد على "أن من يريد منع حرب إقليمية يجب أن يسارع لوقف العدوان على غزة".

نحيي السواعد العراقية واليمنية التي دخلت المعركة

أشاد الامين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، يوم الجمعة، بعمليات الفصائل العراقية والحوثيين ضد اسرائيل, وقال: "لو أردنا أن نبحث عن معركة كاملة الشرعية فلا معركة مثل القتال مع الصهاينة"، مضيفا "المعركة مع الصهاينة لا غبار عليها على المستويين الأخلاقي والشرعي" وتابع، "نحيي السواعد العراقية واليمنية التي دخلت المعركة ضد اسرائيل". ولفت نصر الله الى ان "قرار المقاومة الاسلامية في العراق بمهاجمة الاهداف الامريكية والاسرائيلية قرار حكيم وصائب وشجاع", وتابع ، "نعمل على هدفين الاول هو وقف العدوان على غزة والثاني ان تنتصر المقاومة وبالتحديد حماس في غزة"... واوضح السيد نصر الله: "نحن في حزب الله دخلنا المعركة من 8 تشرين الاول ولا نحتاج الآن الاعلان عن الدخول".

في تصريح شجاع ومن دون تردد قال السيد نصر الله ان حزب الله دخل المعركة يوم 8 تشرين الاول.

معركة طوفان الأقصى في أكثر من جبهة

وأكد الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله في خطابه اليوم: ان معركة طوفان الأقصى أصبحت ممتدة في أكثر من جبهة وساحة، فيما استشهد بعمليات المقاومة العراقية، ووجه تهديداً صريحاً لأمريكا واسرائيل. واضاف السيد: ان "معركة طوفان الأقصى أصبحت ممتدة في أكثر من جبهة وأكثر من ساحة", وأكد سماحته "نخصّ بالشكر والتحية السواعد العراقية واليمنية التي دخلت إلى قلب هذه المعركة المباركة". ولفت سماحته الى: "آلاف الأسرى الفلسطينيين بسجون الاحتلال منذ سنوات طويلة دون أن يحرك أحد ساكنا". وأوضح ان "القدس ومسجد الأقصى تعرضا للكثير من التجاوزات غير المسبوقة"، مبينا ان "الملفات الضاغطة بقوة على الفلسطينيين هي ملفات الأسرى والقدس والحصار على غزة ومشاريع الاستيطان الجديدة في الضفة". وشدد السيد نصر الله على ان "الحكومة اليمينية في إسرائيل "غبية" و "متوحشة"، وكان لابد من حدث كبير يهز الكيان الصهيوني وداعميه".

القرار كان فلسطينيا خالصا

وبين سماحة السيد نصر الله, ان: "عملية "طوفان الأقصى" كان قرارها فلسطينياً مئة بالمئة, وكان تنفيذها فلسطينياً مئة بالمئة وأخفاها أصحابها عن الجميع"، مؤكدا ان "السرية المطلقة ضمنت نجاح العملية الباهر من خلال عامل المفاجأة المذهلة، مشددا على ان "طوفان الأقصى من خلال قرارها الفلسطيني تثبت أنها فلسطينية بالكامل", وشدد السيد نصر الله على ان "إيران تدعم وتتبنى وتساند حركات المقاومة في المنطقة, ولكنها لا تمارس اية وصاية عليها ولا على قياداتها وقراراتها".

وأضاف: "يجب أن يفهم الجميع أن أصحاب القرار الحقيقيين هم قيادات المقاومة وأصحاب القضية"... وأكد السيد نصر الله: "معركة طوفان الأقصى أحدث زلزالا أمنيا وعسكريا ونفسيا ومعنويا في الكيان الصهيوني"... وبين ان "طوفان الأقصى كشف الوهن والضعف والهزال في الكيان"، مؤكدا على ان "الإسرائيليون باتوا يؤمنون أكثر من غيرهم بأن (الصهاينة) أوهن من بيت العنكبوت".

ولفت السيد نصر الله: "السرعة الأمريكية في احتضان الكيان الصهيوني ودعمها وإسنادها كشف وهن وفشل هذا الكيان"، موضحا ان الكيان الصهيوني طلبت من أمريكا أسلحة وأموالا منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى"... واوضح: "يجب أن تحاسب أمريكا عن جرائمها ومجازرها بحق الشعوب"، مؤكدا ان " الولايات المتحدة هي المسؤول الأول عما يجري في غزة وهي التي تمنع وقف العدوان".

اشارات مرعبة للصهاينة

وبين الامين العام لحزب الله ان: "المقاومة الإسلامية في العراق بدأت تتحمل مسؤوليتها وأعلنت أنها قد تدخل مرحلة جديدة"... وأكد ايضا ان: "ستصل الصواريخ والمسيرات اليمنية إلى إيلات والقواعد العسكرية الإسرائيلية". واضاف: "نحن دخلنا المعركة منذ الثامن من تشرين الأول"، موضحا: "لو نظرنا إلى ما يجري على الحدود بموضوعية سنجده مهما وكبيرا جدا"، مبينا ان "ما يجري على جبهتنا اللبنانية غير مسبوق في تاريخ الكيان الصهيوني"... وشدد على انه "لن يتم الاكتفاء بما يجري على الحدود على كل حال"، موضحا: "ما يجري على جبهتنا اللبنانية لم يحصل حتى في حرب تموز"، مؤكدا: "عملياتنا على الحدود تستهدف آليات وجنود وتجهيزات العدو".

وأشار الى ان" احتمال تدحرج الجبهة اللبنانية نحو معركة واسعة هو احتمال واقعي"، مؤكدا انه " اقول للعدو أنك سترتكب أكبر حماقة في حال الدخول بمعركة مع الجبهة اللبنانية". وتابع، ان "عمليات المقاومة في الجنوب تعبير عن تضامننا مع غزة وأهلها لتخفيف الضغط عنهم، وقيل لنا منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى إن الأساطيل الأمريكية ستقصفنا، لكن جبهتنا هي جبهة تضامن مع غزة وتتطور وتتحرك تبعا للتطورات هناك"، مردفا، ان " سلوك العدو إزاء لبنان هو محدد لتحركاتنا وهذا سيعيدنا إلى قاعدة المدني مقابل المدني، كل الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة وكل الخيارات مطروحة".

ما يجري في غزة يكشف غباء وحماقة العدو

اكد السيد نصر الله أشار إلى : أن ما يجري اليوم جرى في السابق في لبنان عام 2006 وفي حروب متكررة في غزة مع فارق كمّي ونوعي, ولكن من نفس الطبيعة، وأن من أهم الأخطاء التي ارتكبها "الإسرائيليون" ولا يزالون هو طرح أهداف عالية لا يمكنهم أن يحققوها أو يصلوا إليها... ولفت السيد نصر إلى أن العالم سيكتشف أن أغلب من يقولون بأنهم مدنيون قتلهم الفلسطينيون قد قتلوا بسلاح الجيش "الصهاينة" الذي كان يتصرف بغضب وجنون، مشيرًا إلى أن حكومات العدو لا تستفيد من تجاربها على الإطلاق خصوصًا في حروبهم مع المقاومة في فلسطين ولبنان، وأضاف "العدو "الإسرائيلي" لن يتمكن على الإطلاق من تحرير أسراه بدون علميات تبادل، والعدو "الإسرائيلي" أجبر على التوقف في حرب تموز والتنازل عن سقف أهدافه"، وتابع "قرابة شهر كامل منذ عدوانه على غزة لم يستطع العدو "الإسرائيلي" أن يقدم إنجازًا واحدًا".

وأشار سماحته إلى أنه في عام 2006 وضعوا هدفًا يتمثل بسحق المقاومة في لبنان واستعادة الأسيرين من دون تفاوض وتبادل، ولمدة 33 يومًا لم يحققوا أهدافهم.

الولايات المتحدة مسؤولة عن كل القتل في غزة

لفت سماحته إلى أن: "المشاهد الآتية كل يوم وساعة من غزة، مشاهد الرجال والنساء والأطفال الخارجين من تحت الأنقاض الصارخين لنصرة المقاومة، تقول للعدو بأنك لن تستطيع من خلال القتل والمجازر أن تصل إلى أي نتيجة"... وأكد السيد نصر الله أن: "شهداء غزة وأطفالها والنساء اليوم يكشفون كل هذه الأقنعة الكاذبة التي ساهمت وسائل إعلام عالمية ودولية للتغطية عن هذا الكيان، وما يحصل في غزة يكشف المسؤولية الأميركية المباشرة عن كل هذا القتل والنفاق الأميركي".

وشدد على أن: "ما يجري في غزة يعكس الطبيعة المتوحشة والهمجية للكيان الغاصب الذي زرعوه في منطقتنا"، وأن: "مشاهد المجازر الآتية من قطاع غزة تقول لهؤلاء الصهاينة إن نهاية المعركة ستكون انتصار غزة وهزيمة العدو"... ولفت إلى أن "أميركا هي المسؤولة بالكامل عن الحرب الدائرة في غزة", فالمعلوم للجميع ان قرار وقف إطلاق النار بيد امريكا..، واضاف:" الأميركي هو الذي يدير الحرب في غزة، لذلك أتى قرار المقاومة الإسلامية في العراق بمهاجمة قواعد الاحتلال الأميركية في العراق وسوريا، وهو قرار حكيم وشجاع". ورأى أن "واجب كل حرّ وشريف في هذا العالم أن يبيّن هذه الحقائق التي تحدثنا عنها في معركة الرأي العام والرأي العام العالمي بدأ ينقلب على هؤلاء الطغاة المجرمين الذين يقتلون الأطفال والنساء والرأي العام العالمي يرى ذلك.. ويجب أن يتحمل الكل مسؤوليته".

***

الكاتب / اسعد عبدالله عبدعلي

قراءة استباقية لخطاب السيد نصر الله ليوم الجمعة

في الوقت الذي تستمر فيه المجازر الاسرائيلية الامريكية، بحق الشعب الفلسطيني في غزة، وعلى مرأى ومسامع العالم كله، وعلى مرأى ومسامع العرب، ومرأى ومسامع الدول الاقليمية، وعلى مدار اكثر من ثلاثة اسابيع، حتى هذه اللحظة. لم يتحرك لا العالم ولا العرب ولا الدول الاقليمية في اتخاذ مواقف اجرائية؛ تجبر دولة العدوان، دولة هذه المجازر؛ على التوقف عن هذه الجرائم.. جميع ما جرى لم يرتفع الى مستوى هذه الجرائم، فهي لم تكن سوى ادانات او السعي الى ابرام هدنة انسانية لعدة ايام، هدنة يتم بها، أو في ايامها؛ ادخال المساعدات الانسانية المختلفة، حتى هذه الهدنة، التي تتحدث عنها الدول، سواء الدول الكبرى واقصد الصين وروسيا، والدول الاقليمية، ودول المنطقة العربية؛ باي اجراء يجبر اسرائيل على ابرامها وتوقفها عن هذه المجازر المروعة، ولو الى حين محدود ومحدد زمنيا. المذابح الاسرائيلية الامريكية بحق العزل من النساء والاطفال والمسنين في غزة؛ ولدت اجواء محتقنة بكل ما هو قد، ربما كبيرة؛ يؤدي الى الانفجار، عربيا واقليميا. ان هذا يشير وبوضوح الى ان ما يجري في غزة من مذابح هي ابعد من غزة بأهدافها وغاياتها الختامية، تشمل كل الارض الفلسطينية المحتلة، وابعد منها الى دول الطوق العربي، وابعد من هذا، او من دول الطوق العربي؛ الى دول الجوار الاسلامي، وتحديدا ايران. ربما هي، اي هذه المجازر؛ البداية لتشكيل الشرق الاوسط الجديد؛ سوى بالاستفزاز الذي يؤدي الانفجار.. أو الى عدم الانفجار الذي تقود هذه المحارق، الى ما سوف تقود إليه؟.. المسؤولون الايرانيون يدركون تماما؛ هذه النوايا، لذلك قد سبقوا كل هذه التطورات واعلنوا وعلى لسان ارفع المسؤولون؛ ان ايران لن تقاتل بالإنابة عن اي دولة، واضفوا في كل تلك التصريحات؛ من انهم اي ايران تدعم كل من يقاتل في سبيل نيل استقلاله وسيادته ومحاربة التغول الامريكي على ارضه، وان اي قرار يخص المقاومة سواء المقاومة الفلسطينية او اي مقاومة اخرى في كل دول المنطقة، ضد المشاريع الامريكية والاسرائيلية؛ قرار يخص او ان من يتبناه هم قادة المقاومة في تلك المنظمات او تلك الدول. في ظل هذه الاجواء المكتظة بالغيوم المعتمة؛ أعلن حزب الله، ان السيد حسن نصر الله؛ سوف يلقي خطابا الجمعة 3نوفمبر،ت2، الساعة الثالثة، هذا الخطاب كان قد تأخر كثيرا وكثيرا جدا، اي بعد اكثر قليلا من ثلاثة اسابيع على بدء المذبحة الاسرائيلية الامريكية بحق الشعب الفلسطيني. في الاسبوع الاخير من هذه المجازر، الذي فيه؛ قامت (اسرائيل) بتوغل محدود وفاشل، فقد جوبه بمقاومة باسلة؛ كبدت قواته خسائر في الافراد والمعدات. مما جعل الاجتياح الواسع، وايضا بالنصيحة الامريكية التي نصحت القادة السياسيين والعسكريين الاسرائيليين بعدم القيام به او الاقدام عليه، بحسب المراقبين. عليه فأنه بات امرا بعيد الاحتمال، ان لم اقل بات امرا مستحيلا. في عملية استباق لما سوف يقول به، اي في هذا الخطاب السيد نصرالله في الذي يخص المحارق الصهيونية الامريكية بحق الارض والانسان في غزة؛ كثرت التوقعات لما سوف يأتي به هذا الخطاب. هل تفتح المقاومة اللبنانية النار كل النار على الكيان الصهيوني؟ وليس الرد المحدود، اي المناوشات بين الجانبين، والقيام برد مفتوح، وتوقعات اخرى غيرها.. من وجهة النظر الشخصية المتواضعة، وبالاعتماد على قراءة؛ ما تريد امريكا والكيان الاسرائيلي المحتل؛ من اهداف تتعدى غزة، بل تتعدى كل الارض الفلسطينية المحتلة، الى دول الطوق العربي، ودول جوار الطوق(لبنان وسوريا والعراق) والى الدول الاقليمية، اي الى دول الجوار الاسلامي، وتحديدا ايران، وباختصار شديد جدا: لن يعلن السيد نصر الله حربا مفتوحة على اسرائيل، بل سوف يعلن بوضوح تام؛ ان اسرائيل اذا قامت باجتياح واسع لقطاع غزة؛ سوف لن تقف المقاومة في لبنان مكتوفة الايدي.. اضافة الى امور اخرى تخص الاوضاع في غزة وفي فلسطين وفي لبنان وفي كل ما يخص ويعني مقاومة المشروع الامريكي الاسرائيلي وربما البعض من الدول الغربية.

***

مزهر جبر الساعدي  

اثبتت الاحداث التي تشهدها غزة ان الاحتلال الصهيوني لا يتعامل مع المدنيين وفق التشريعات التي سنها المجتمع الدولي، بل نجد ان اكثر الضحايا من المدنيين العزّل وخاصة الاطفال وكبار السن، ما يعني ايضا ان الكيان المحتل يتعمد قتل الاطفال لأنه يرى فيهم مشروع مقاوم مستقبلي، مجازر شنيعة في كافة انحاء القطاع، بينما المجتمع الدولي وبالأخص الغربي يغض الطرف عنها رغم التظاهرات التي جابت معظم مدن الغرب الاستعماري.

 تحرك بعض دول امريكا اللاتينية بقطع العلاقات مع الصهاينة واستدعاء سفرائه لديها للتعبير لهم عن استنكارهم الشديد، بينما لم تقدم أي دولة وبالأخص دول التطبيع على مثل هذه الاجراءات ما يعني انها مرتمية بالكامل في احضان امريكا والغرب، وانها في سبيل بقائها في السلطة فإنها ستعمل كل شيء.

ثبت لنا ان الدول التي استهدفها الربيع العربي ورغم تغير انظمة حكمها (باستثناء مصر) الا انها اكدت دعمها المطلق للمقاومة، البرلمان التونسي يصدر قانونا يجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني، البرلمان الليبي يدعو سفراء الدول التي تساند الصهاينة بمغادرة البلاد وقطع الامدادات النفطية عنها، بينما نجد لبنان وسوريا تساهم ميدانيا في معركة غزة، وفي العراق الذي تتواجد به قواعد وقوات امريكية وفق اتفاقيات رسمية الا ان الفصائل المسلحة والتي يتبع بعضها الدولة العراقية تقوم باستهداف تلك القواعد ما يرفع الحرج عن الحكومة، بينما اليمن اصل العرب، فان الحكومة والمعارضة تعلن تضامنها التام مع المقاومة.

باعتراف العدو فان اليمن اطلق عديد الصواريخ والمسيرات باتجاهه، وان اليمنيين بإمكانهم اغلاق باب المندب ان استدعى الامر، وهذا يجعل من الصهاينة وداعميهم يفكرون مليا فيما سيحدث مستقبلا. وبالتالي فان القول بان الربيع العربي جاء نتيجة الظروف التي تعيشها الشعوب ليس دقيقا، بل لان انظمة تلك الدول كانت تشكل هاجس خوف للعدو وداعميه وكان لزاما عليهم ازالتها، أي ان الهدف من الربيع العربي هو حماية الكيان الصهيوني، فالفصائل التي تقاتل النظام السوري وتدعي انها جهادية وان الطريق الى القدس يمر عبر دمشق لم تدعم المقاومة، أما النظام التركي فانه اكتفى بالبيانات الرنانة، جوقة اعلامية ليس الا.

لقد اتضح جليا لكل ذي بصيرة ان العدو الصهيوني كيان لا ينتمي الى الجنس البشري عبر تصرفاته المستهجنة باستهدافه المدنيين وتدمير المشافي واماكن العبادة، كما ان امريكا والغرب الداعمين له لا يقيمون للعرب أي وزن وان حقوق الانسان والحريات التي يتشدقون بها ما هي الا اوهام، الاعتداء على غزة يعتبر تدخلا سافرا في الشأن الفلسطيني لان غزة وفق القرار 181 ضمن الاراضي الفلسطينية .

يصادف يوم 2 نوفمبر 1917 ذكرى وعد بلفور المشؤوم والذي كان السبب الرئيس في نكبة الشعب الفلسطيني، تهجير اليهود من 130 دولة الى ارض فلسطين لتكون وطنا قوميا لهم بينما تم ويتم تهجير اصحاب الارض ليعيشوا في الشتات، بينما التيه كتب على بني اسرائيل وليس سواهم.

السابع من اكتوبر 2023 ردة فعل على مسيرة سبعة عقود دامية، 7 اكتوبر ملحمة شعب عانى من الجور والظلم والتعسف والموت البطيء، لم يعد هناك شيئا يخشى عليه، فإما النصر واما الشهادة، لقد اعادت الملحمة للقضية الفلسطينية بريقها الذي حاول الكيان وداعميه وانذال العرب اخفاته، واصبح لزاما على المجتمع الدولي ايجاد حل عادل للفلسطينيين.

***

ميلاد عمر المزوغي

منذ اسابيع وجيش الكيان الصهيوني يمارس جريمة ابادة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة! وسط صمت مريب من دول التطبيع العربي المتمثلة ب (مصر والاردن والمغرب والبحرين والامارات)! مع صمت او مجرد بيانات استنكار خجولة من قبل لبلدان عربية اخرى مثل السعودية وعمان والكويت! وكل ما يخرج منهم هي الدعوة لوقف الحرب وفتح معابر لوصول الغذاء والدواء والوقود، من دون اي مطالبة بمحاسبة الصهاينة على جرائمهم!

الغريب ان الاعلام العربي يسخر من الجمهورية الاسلامية الايرانية ومن حزب الله لانها لم تقوم بالرد على جرائم الصهاينة، مع ان هذه الدول العربية تملك جيوش كبيرة، واسراب طائرات لا تعد، وارتال كبيرة جدا من الدبابات والمدرعات الحديثة، وخزين هائل من مختلف انواع الصواريخ، فلم تطلب من ايران بالرد وتنسى انها الاحق بالرد، خصوصا ان فلسطين العربية اقرب لهم من ايران الفارسية تاريخيا وقوميا ومذهبيا؟

خطوة طرد سفراء الصهاينة

بعد ان قامت بوليفيا بطرد السفير الصهيوني، واعلنت رسميا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، وضعت بتصرفها هذا كل عرب التطبيع في زاوية حرجة جدا امام الراي العام، فها هي دولة ليست عربية ولا اسلامية لكن الدافع الانساني جعلها تقف هذا الموقف الشجاع، فلا تقبل ان تضع يدها بيد القتلة، ففعلت الامر الصح، وطردت السفير الصهيوني، بخلاف دول التطبيع العربي التي مازالت في حظن الصهاينة نائمة سعيدة فرحة، ولا تقبل ان اثارة غضبهم او زعلهم! فهي تقبل ايادي الصهاينة كي يرضوا عنها، في موقف جبان ومتخاذل، كانها تمثل دور الرجل الفاقد لكرامته.

الا تخجل دول التطبيع العربي من صمتها؟ الا تخجل امام شعوبها الصاخطة على صداقة حكوماتها مع الصهاينة، ويوميا يقتلون عرب فلسطين ويديهم مازال الدم الفلسطيني فيها! انه عهر سياسي تمارسه هذه الدولة، واعلامها ليل نهار يتحدث عن بطولات ومواقف رجولية! وحقيقة الامر مجرد سياسة عاهرة تمارسها هذه الدولة المطبعة، وجاءت مشكلة قطاع غزة لتسبب لهم صداع شديد، حيث فضحتهم وكشفت اكذوبتهم.

خطوة سلاح النفط والغاز المنسي

ممكن للعرب لو صحت ضمائرهم ان يتسببوا بازمة اقتصادية للعالم، تربك كل حسابات الدول الكبيرة، عبر قرار موحد للتوقف عن ضخ النفط والغاز في الاسواق العالمية، تخيل معي ماذا يمكن ان يحصل؟ وحجم العاصفة الاقتصادية التي تضرب الغرب المتعاطف مع الكيان الصهيوني.

فلو اتفقت العراق والسعودية وقطر والكويت وعمان والبحرين والامارات والجزائر ومصر، مع مساندة ايرانية مؤكدة، فالضغط الاقتصادي سيجبر القوى العالمية على الانصياع للقرار العربي والاسلامي، خصوصا ان موسم الشتاء على الابواب، حيث يزداد الطلب على النفط والغاز.

فترتفع الاسعار وتحصل ازمة وتتوقف مشاريع القتل في قطاع غزة، وهكذا يتم انقاذ الشعب العربي الفلسطيني من الذبح اليومي وهذا اقل ما يمكن ان تقدمه الحكومات العربية لنصرة اخوتهم في فلسطين المحتلة.

لكن من اين ناتي بحكام شرفاء ويكونوا اصحاب ضمائر حية، ويقفون مع المظلوم ضد الظالم، بدل بيانات الاستنكار المضحكة التي صدعوا بها رؤوسنا.

***

الكاتب: اسعد عبدالله عبدعلي

في قانون الأخلاق يجب أن يكون الإنسان منصفاً في التعامل مع غيره فمن غير المنطق أن يتعامل أو يتصرف أو يعمل بازدواجية مع كل ما يحيط به، فالتعامل يجب أن يكون منطقي ومدروس بحيث يتصرف على أساس التساوي في تعاملاته مع كل أمر يتطلب موقف حازم، لكن ماهي الازدواجية؟ وما هو تأثيرها على الفرد والمجتمع؟ ..

يمكن القول أن الازدواجية هي أفعال وتصرفات غير متزنة يتعامل بها صاحبها بطريقة غير موضوعية كأن يتعامل أو يحكم على أمر ما بصورة منحازة بدون النظر إلى السلبيات التي قد تحدث بعدها، أو أن يقوم بمعاملة شخص بطريقة ما وشخص آخر بطريقة مغايرة تماماً وفي نفس الموقف!. ومن هنا تتجلى أهمية لفت النظر على الازدواجية ومخاطرها لما تخلقه من ظلم واضطهاد، لذلك فالازدواجية تظهر تعارضات وخلافات جمة في العلاقات بين الأطراف فمن خلالها تصبح الأمور تُكال بمكيال مغاير بين الأشخاص ربما يكون على أساس الجنس أو الطائفة أو العرق أو الشكل أو حتى تكون على أساس صلة القرابة بين أولئك الذين يتعاملون بالازدواجية ومحيطهم المتصل بهم ! .

بطريقة أو بأخرى نجد أن الازدواجية باتت تتغلغل ليس في تعاملات الأفراد فحسب بل وحتى على أصعدة الدول والمؤسسات فنجد وعلى سبيل المثال لا الحصر أن أغلب المناصب في المؤسسات الحكومية محصورة على أساس أما حزبي أو طائفي أو حتى على أساس صلة القرابة والواسطة وأما أصحاب الكفاءات والشهادات فنجد أنهم مغبونون في هذا المجال، ولو أخذنا مثالاً بسيطاً على مؤسسة حكومية لوجدنا أن ازدواجية رئيس المؤسسة تسير على أغلب موظفيها أما على أساس المصلحة أو على أساس القرابة أو الانتمائية الحزبية أو .....الخ، ولو نظرنا إلى الازدواجية من الناحية السياسية وما يحدث على الساحة في هذه الأيام وأمامنا القضية الفلسطينية كمثال فمنظور الدول الكبرى وسياساتها على أن الدفاع عن النفس والأرض من قبل الفلسطينيين ارهاب بينما القصف الاسرائيلي الصهيوني هو القضاء على المتمردين !!، ومن جانب آخر يعمل الازدواجيون على مجموعة من التبريرات من أجل جعل منطوقهم الازدواجي معقول ومقبول للآخرين من خلال استعمال عدة وسائل ومنها استعمال الإعلام ليبينوا أن تصرفاتهم عادلة ولا غبار عليها أو يستعملون وسائل أخرى ويأتون بأمثلة واهية من أجل كسب ود الناس وتضليلهم . ولعل أفضل الوسائل للتخلص من الازدواجية هو كشف كل فرد أو مؤسسة أو منظمة تعمل ضمن هذا المنطلق وكذلك التحري والتنقيب عن كل أمر مشكوك فيه من أجل الوصول الى الحقيقة، بالإضافة الى إتخاذ موقف من أولئك الذين يتعاملون بالازدواجية من خلال إبداء الرأي والدفاع عن الحقوق بشكلٍ قانوني سليم، ودائماً ما يتم التأكيد على استعمال وسائل الإعلام والاتصال من أجل التنبيه والإرشاد حول مفهوم الازدواجية وآثارها على الأفراد والمؤسسات والدول .

***

سراب سعدي

أعرف أنّ النصائح والمناشدات ليست من شأن صحافي "على باب الله" مثل جنابي، لكنّي مع كل حكومة جديدة تصل إلى كراسي السلطة، أعيش في حالة من التمني في زمن يرى فيه البعض من منظري الفضائيات أنّ إرضاء المواطن عيب وجريمة.

اليوم نعرف جميعاً أنّ الخراب لا يحدث إلا في ظل مسؤول لا يسمع سوى صدى صوته، ولا يعود هناك متسع لمستشارين يقدمون النصيحة، بل أصوات مقربين "حبابين" ينتقلون بخفة ورشاقة من مسؤول إلى آخر .

في كل دول العالم يسبق المسؤول، مستشاروه. فيما المسؤول العراقي يصل من "الحزب والعشيرة" وتضاف لها هذه الأيام العائلة وهو يدّعي ختمه لعلوم الأرض والسماء. ويعتقد أن التفويض الذي منحته له الناس في صناديق الاقتراع، يسمح له بأن يتجاهل معايير العمل الحقيقي والجاد.

ولهذا عزيزي القارئ إذا أردت أن تعرف كيف تدار أمور 40 مليون عراقي، فأتمنى عليك أن تقرأ هذا الخبر المثير: "استقبل رئيس الجمهورية في القصر الرئاسي خبير التجميل اللبناني، نادر صعب"، هل انتهى الخبر؟، لا ياسادة فقد أخبرنا خبير التجميل أنه ناقش مع فخامة الرئيس موضوع التطورات في القطاع الصحي وضرورة فتح مستشفى للتجميل "البوتكس" من أجل أن تصبح بغداد مرجعية للعالم العربي في هذا المجال.

ماذا نفعل ياسادة عندما نقرأ مثل هذا الخبر؟، وعندما يقف الطبيب وهو يبتسم وسط الحرس الرئاسي؟، بماذا يذكرك هذا الإنجاز التاريخي الذي عجزت اليابان وسنغافورة عن تحقيقه؟، أنه يذكرني بالنشيد الذي كتب ولحن ابتهاجاً بالمنجزات الكبيرة التي كانت قد حققتها وزيرة الصحة السابقة عديلة حمود.

للأسف، المقربون من أصحاب الفخامة والمعالي والسيادة ستدلك عزيزي المواطن المغلوب على أمره على أبعاد المحسوبية التي تتم فيها إدارة مؤسسات الدولة. وإذا لم تصدق عليك أن تراجع قائمة أسماء المستشارين في معظم الرئاسات، وكيف أننا أعدنا إلى الخدمة عدداً من كبار "الجهابذة" في ستراتيجيات بناء الدول، وطرق التنمية.

نقرأ الكثير عن مستشاري الرؤساء، فقد كان الرئيس ديغول محاطاً بالكاتبين أندريه مالرو وفرنسوا مورياك. وفيما عيّن ميتران الفيلسوف ريجيس دوبريه مستشاراً له.. وصنعت سنغافورة نهضتها العظيمة أولاً من خبرة رجال أكفاء اختارهم لي كوان بعناية، وثانياً من النزاهة، والفارق كبير بين الذين يضعون مصلحة الدولة والناس أولاً والذين يريدون إرضاء الأحزاب السياسية.

إن القوى السياسية في بلاد الرافدين لا  تزال تصر على إعلاء شأن المحاصصة والطائفية، تُصر على أن لا استقرار من دون تقاسم الحصص. وأن تبقى مؤسسات الدولة حبيسة أسماء ساهمت وروجت للخراب والشعوذة، واضيف لها مؤخرا "البوتكس".

***

علي حسين

عبد الرحمن أحمد بهائي محمد مسعود الكواكبي (1855 - 1902) أحد رواد النهضة العربية ومفكريها في القرن التاسع عشر ومؤسسي الفكر القومي.

وضع الإصبع على الجرح، وما قرأ له الحكام العرب، وما تعلموا من رؤيته وأصيل أفكاره.

يجيد العربية والتركية والفارسية، وتوجهاته فلسفية.

مؤلفاته: أم القرى، طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد، صحائف قريش، وإستعمل إسما مستعارا هو السيد الفراتي

توفي في القاهرة في (14\7\1902)، بعد أن وضعوا له السم في فنجان قهوة، ومات في عمر (47)

أسس جريدة "الشهباء" (1877)، أصدر منها (16) عددا ثم أغلقتها السلطات التركية، وبعدها أسس جريدة "إعتدال" (1879) ثم أغلقت بعد فترة.

شخّص علة الأمة منذ العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وشرّح عاهة الإستبداد بمشرط العارف بدياجيره ومآلاته.

ووضع خارطة لنهوض الأمة وتفاعلها مع عصرها، بقدرات إستباقية متوافقة مع جوهرها الحضاري، وكان لابد من الخلاص منه، لكي لا تستفيق الأمة من قنوطها وخنوعها لمفترسيها.

كان رسول نهضة وإمام يقظة، ومشعل وثبة نحو آفاق التفتح والإنبثاق.

ومن أقواله المتوهجة:

 "ما من مستبد سياسي إلى الآن إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله أو تعطيه مقام ذي علاقة مع الله"

"خلق الله الإنسان حرا قائده العقل، فكفر وأبى إلا أن يكون عبدا قائده الجهل؟

"أشد مراتب الإستبداد هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش الحائز على سلطة دينية"

"الدين ما يدين به الفرد، لا ما يدين به الجمع"

"الإرادة هي أم الأخلاق"

وشاهد قبره كتبه حافظ إبراهيم:

"هنا رجل الدنيا...هنا مهبط التقى،،،هنا خير مظلوم...هنا خير كاتب"

***

د. صادق السامرائي

حينما جاء حزب البعث الى السلطة في العراق عام/ 1968 رفعوا شعار التغيير والقضاء على الفساد والتخلف ودعوا الشعب الى التحرر من الماضي، ومما يدل على ان الشعوب تريد الحرية والانفتاح اندفعوا بحماس في التحرر من كل القيود، ودعوا المرأة الى التحرر من القيود الاجتماعية والعشائرية والمساهمة الفعالة في تنفيذ التنمية الانفجارية، حينها ظهرت في العراق موضة الملابس القصيرة (التنورة والكوستم وما الى ذلك) وكان يُطلق عليها (الميني جوب) وقد غزت تلك الموضة العالم كله وليس العراق فقط، كأحدث تقليعه في عالم الأزياء النسائية.

لكن تلك التقليعة الحديثة في عالم الأزياء لم ترق الى عضو القيادة ونائب رئيس الوزراء آنذاك (صالح مهدي عماش 1924- 1985) فما كان منه وباعتباره وزيراً لداخلية النظام الحاكم سوى أن يصدر أمراً بصبغ سيقان كل فتاة تلبس (الميني جوب) بالتنسيق مع أمانة العاصمة.

تفاجأ أهالي بغداد صباحاً بعمال (أمانة العاصمة) وهم يحملون (السطل والفرشاة) لتنفيذ أمر السيد الوزير، وحدثت مشاكل ومواقف صعبة ومحرجه للكثير من النساء والعوائل بسبب ذلك الأمر والتصرف الشخصي، وبدأت الصحف بالكتابة عن الموضوع بسخرية تامة.. مما أضطر الحكومة الى ألغاء الأمر فوراً بعد أن تعرضت أحدى الفتيات الى عملية دهس من سيارة مسرعة أثناء هروبها من عمال أمانة العاصمة المغلوب على أمرهم.

كذلك في أيران،فمنذ انطلاق الثورة الإيرانية عام/ 1979م وأستلام الحكم من شاه أيران المخلوع (محمد رضا بهلوي  1919-1980 ) فرضت السلطات الإيرانية الإسلامية الجديدة قيود إجبارية على المرأة الإيرانية حتى مقتل (مهسا أميني 2000- 2022) أو كما تعرف في مدينتها بـ جينا أميني.

ومن المعروف أنها توفيت في المستشفى في 16 سبتمبر 2022، بعد ثلاثة أيام عند احتجازها من قبل شرطة الأخلاق في مدينة طهران العاصمة بتهمة انتهاك قوانين غطاء الرأس الصارمة.

وقد أثارت وفاتها أكبر موجة احتجاجات في إيران منذ الثورة عام/ 1979، وأظهرت النساء في جميع أنحاء العالم، دعمهن من خلال قص شعورهن كفعل تحدٍ.

وبما أني من مدمني السفر الى مدن أيران الجميلة جميعها منذ سقوط نظام (صدام حسين المجيد) عام / 2003 ورفع قيود السفر تدريجياً بين أيران والعراق... لأحظت أن هناك شرطة علنية وشرطة سرية تحاسب المرأة الإيرانية على ما يسمى  غطاء الرأس (الحجاب) وتغطيت الشعر الظاهر للعيان، في حين لا يوجد حساب على تجميل الوجه ووضع المكياج ونفخ الشفاه والخدود.... الى أخر من عمليات التجميل النسائية.

كذلك في الأماكن المقدسة الإيرانية كـ (مشهد، قم، أصفهان)، تتواجد في تلك الأماكن نسوة مرشدات دين (زينبيات) ينصحن المرأة المارة قرب تلك الأماكن  بلبس الحجاب أذا كان نازل على الرقبة كإنذار مسبق أو توجيه إرشادي لمن لا تلتزم بذلك.

ولا أعرف من أفتى بهذه القنبلة الموقوتة، والتي تقول (بأن شعر المرأة عورة) ويجب المحاسبة عليه، ولكني أرى أن من يقف وراء ذلك رجال دين متشددين وليس رجال سياسة وسلطة عامة.

ففي أواخر سبعينيات القرن العشرين، انتشرت ظاهرة الحجاب الإسلامي بصورة غير مسبوقة، منذ بداية ما يسميه البعض (الصحوة الإسلامية).

فمن مجتمعات في ستينيات القرن العشرين لا تعرف هذا الزي، لدرجة أن طالبات مدارس الأزهر في مصر لم يكنَّ يرتدين الحجاب، إلى ظاهرة تكاد تسيطر على مجتمعات إسلامية بأكملها في عصرنا الحالي.. حينها كانت نسبة التحرش بالنساء في الدول العربية والدول الإسلامية أقل بكثير مما نراه اليوم بعد أن تحجبت معظم نساء المسلمين في معظم دول العالم، وأصبح حجاب الرأس ميزة تميز المرأة المسلمة حتى في أوربا وأمريكا.

وصاحَب انتشار هذه الظاهرة احتقار لغير المحجبات، ونعتهن بكلمات مهينة مثل "سافرة" و"متبرجة" و"غير ملتزمة".

ومهما كان سبب هذه الظاهرة، سواء كان رغبة في الزهد أم خوف من عذاب الله وجحيم جهنم، أم ضغط مجتمعي لا يتسع المجال هنا لشرحه،، فإنها لا شك ظاهرة تحتاج للدراسة والتحليل وأول سؤال على الجميع أن يسأله : هل الحجاب فريضة على كل مسلم ومسلمة؟... أم أنها نوع من العادات والتقاليد المتوارثة عبر التاريخ؟. هذا السؤال متروك للجميع والراسخون في الدين.

***

شاكر عبد موسى/ العراق / ميسان

كاتب وأعلامي

لا ينكر لأي متابع لما مر به العراق، أن هناك جملة حقائق فرضت نفسها على واقعه، من هذه الحقائق تشتت قادته في انتقاء الأشخاص المناسبين لأداء أدوارهم في مفاصل الدولة، ومن هؤلاء القادة من كان متعمدا في نهجه هذا -وهم كثر- وآخرون أساءوا من حيث كانوا يريدون الإحسان، وصنف ثالث كانت لهم غايات في نفوسهم، أبوا إلا أن يطلقوها على أبناء جلدتهم، فسلطوا عليهم جلادين لايرحمونهم، وسخروا لسرقتهم حاذقين بأفانين السحت.

وعلى الرغم من تعدد الحكومات التي تعاقبت على حكم هذا البلد، وتنوع قادته وسياساتهم وأساليب حكمهم، إلا أن سر القيادة الحكيمة بقي لغزا قد يبدو للبعض محيرا، غير أنه في حقيقة الأمر واضح وضوح الشمس في رابعة نهار تموز. وباستقراء سريع على مجريات الأحداث التي مرت على تلك الحكومات، لتبين لنا أن قلة الحنكة السياسية، وانعدام الدافع الوطني، وسرعة سيلان اللعاب أمام مغريات الجاه، وحب الأنا، وغريزة التملك اللامشروع، شكلت مجتمعة السبب الرئيس في ضياع حقوق، وهدر أموال، وتبديد ثروات، وظهور سراق، وتفشي آفات، الأمر الذي أفضى في نهاية المطاف الى انخفاض مقاسات الحد الأدنى المطلوبة في البلدان المتقدمة والنامية، بل حتى الفقيرة منها، وخنع المواطن العراقي تحت وطأتها، لاحول له ولاقدرة على تغيير حاله، بعد أن جمحت السفينة بيد القائد، وخرج زمام القيادة عن سيطرته، لسوء صنيعه إداريا وسياسيا، فأضحى حال المركب كمن قال:

وأنا اليوم كالسفينة تجري

لا شراع لها ولا ملاح

ولقد ترقب العراقيون بحذر شديد خطوات تشكيل دولتهم الجديدة بعد سقوط نظام البعث عام 2003، وكان حذرهم مشوبا بالقلق والريبة، إذ كانوا حديثي عهد بآلية تنصيب أقطاب الحكم في البلد، ولم يعهدوا الديمقراطية بلباسها الحديث، حيث لم يستوعبوا امتلاكهم القرار في اختيار حاكميهم، ولم يدُر في خلدهم أن صناديق الاقتراع لم تعد كتلك التي أفرزت نسبة 99,9% لصالح سجانهم الوحيد الأوحد.

ومن سوء حظهم أن نفرا ضالا من المتربصين خلف الحدود، كانوا يحيكون غزلهم لنيل السلطة في العراق، وقد صار هؤلاء النفر -بعد أن سحقت السرفة الأمريكية رأس النظام- أصحاب حق في قيادة البلد، جزاء لهم بما ضحوه من أجله، وجعلوا التربع على عرش الحكم نصب أعينهم، كإرث مشروع لهم، وشاء القدر أن تم لهم هذا مابين غمضة عين وانتباهتها، فاعتلوا مراكز ماكانوا يطالونها في أحلامهم، وكناتج طبيعي، تلكأ سيرهم واضطربت خطواتهم في قيادة بلد خرج للتو من قمع أربعة عقود عجاف، وأنّى لهم قيادته! وهم العاجزون عن إدارة زريبة أو حراسة حظيرة، وعصي عليهم أن يسرحوا (بزوج صخول).

ويبقى الحل هو الاختيار والانتقاء السليمين، وهما مهمة المواطن بالدرجة الأساس أمام صناديق الاقتراع، والتي يخفيها مستقبل البلاد سواء أكانت مبكرة أم تشريعية دورية! إذ أن انتقاء الرأس وفق معايير صحيحة، يقيه شر انتقاء الأخير مرؤوسيه في مؤسسات الدولة بعد تسنمه الحكم، ويتحتم على المواطن هنا، عدم اعتماد وحدات قياس بالية مجربة بفشلها أكل الدهر عليها وشرب، بل عليه الاستناد الى وحدات قياس مهنية علمية عملية دقيقة، والابتعاد عن الحزبية والعشائرية والدينية والطائفية، وبغير هذا فسلام على دار السلام، والبقاء في حياة الأحزاب والتحالفات والمرشحين.

***

علي علي 

يتعلق الذين يستهدفون حكومة السيد السوداني بأنها حكومة الاطار التنسيقي،وانها جاءت بفرض الاخير في حين أن هذه الحكومة ولدت من رحم التحالف الثلاثي الذي جمع القوى السياسية (السنية-الشيعية-الكردية) وأن أي نجاح لهذه الحكومة فسوف يكون نجاح للكل،وأما الفشل كذلك فهو من نصيب الكل ولكن ما زالت هناك عقبات تقف عائقاً أمام أي تقدم لهذه الحكومة آلا وهو الفساد المستشري في مؤسسات الدولة كافة والمتكئ على المحاصصة السياسية التي أفقدت النظام السياسي قوته وجعلته يقف عائقاً أمام تسلط الاحزاب النافذة التي أمست أكثر قدرة في التحكم بالنظام السياسي.

أصبح ملف تقديم الخدمات يشكّل أزمة حقيقية بالنسبة للحكومات السابقة منذ عام 2003 بسبب مافيات الفساد وعمليات النصب والاحتيال على العقود والمشاريع بالإضافة الى غياب الارادة السياسية في تقديم الخدمة للشعب العراقي لذلك ومنذ تسلم السوداني رئاسة الوزراء بعد مخاض عسير في تشكيل الحكومة وهي تسعى الى أن تكون هناك بصمة يراها المواطن،فذهب الى ملف الخدمات ليكون نقطة انطلاقة نحو التغيير والتطوير فعمد الى بناء وفتح الطرق والحسور السريعة،وإعمار المستشفيات وعقد العديد من العقود في المجال النفطي ومقايضة الغاز مقابل النفط مع طهران،من أجل توفير الغاز لمحطات توليد الطاقة الكهربائية،وإكمال الموازنة لثلاث سنوات،بالاضافة الى الاعداد والاستعداد لإجراء انتخابات لمجالس المحافظات والتي يعول عليها الشعب العراقي في تغيير واقعه المأساوي.

بالرغم من حالة الرضا النسبي من المجتمع العراقي عن تقديم الخدمات العامة،الا أن حكومة السوداني لم تذهب الى معالجة الاسس السياسية لتلك الخدمات والتي مازالت تؤثر فيها الارادة السياسية والحزبية والفساد المستشري الذي لا يسمح لأي تقدم ولو بخطوة واحدة باتجاه الاعمار وتطوير البنى التحتية،بل ان هناك انطباع لدى عموم العراقيين بأن حكومة السوداني سوف لن تختلف كثيراً عن سابقاتها من الحكومات المتعاقبة بعدا عام 2005،وذلك لان القوى السياسية هي نفسها من تمارس دور المتسلط على المشهد الحكومي،وتضع يدها في كل شيء يخص الحكومة،ومثال تأكيدي على ذلك هو إعلان السوداني عن نيته إجراء تعديل وزاري واستبدال عدد من المسؤولين ممن لديهم تراجع في الأداء الحكومي لوزاراتهم ولكن ذلك لم يتحقق ويرجع ذلك على الارجح الى الضغوطات التي تمارسها بعض القوى السياسية المتنفذة على المشهد السياسي وإصرارهم على ان يكون أي بديل من داخل كتلهم وأحزابهم.

لا يكفي إجراء الاصلاحات على الحكومة ما لم يعقبها إجراء نفس الاصلاحات على النظام السياسي من خلال تغيير شكل هذا النظام وإلغاء المحاصصة بكل ألوانها وتوفير الخدمات العامة والذي بالتأكيد يتطلب إدارة سياسية تتخطى الضغوط التي تمارسها القوى السياسية على الحكومة وكيفية التركيز على تحقيق ما يلامس حياة الناس لان الناح الحقيقي سيكون من خلال الاصلاحات الداخلية الحقيقية لذلك فان امام حكومة السوداني فرصة مهمة لتحقيق النجاح خصوصاً وأن العراق بأمس الحاجة الى الادارة الناجحة وتطبيق الحوكمة وإعادة هيكلة القطاع العام عبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وان يعمل السوداني جاهداً من أجل أقناع القوى السياسية بهذه الاصلاحات،والا فعليه البقاء ثابتاً في مواجهة الضغوط،وهو أسلوب تعودته القوى السياسية لتنفيذ إرادتها وجعل الحكومات أسيرة بيدها.

***

محمد حسن الساعدي

يقول الشاعر اللبناني وديع سعادة :

"لا أعرف كيف لا تتوقف أرجلنا عن المشي حين نفقد شخصًا نحبُّه. ألم نكن نمشي لا على قدمينا بل على قدميه؟

***

وائل حمدان إبراهيم الدحدوح مولود يوم 30 أبريل سنة 1970، في حي الزيتون وهو أقدم أحياء مدينة غ-ز-ة، صحفي فلسطيني درس في مسقط رأسه وقضى معظم سنين حياته فيها، اعتُقل لسبع سنوات في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

 بدأ وائل حياته المهنية مراسلا لصحيفة القدس الفلسطينية، واشتغل مع وسائل إعلام أخرى قبل أن يلتحق بقناة الجزيرة عام 2004.

بتاريخ  25 أكتوبر 2023 أي بعد ثمانية عشر يوما من عملية طوفان الأقصى، غارة جوية للعدو، مغتصب الأرض، تصيب المنزل الذي لجأ إليه عائلة الدحدوح لتقتل زوجته وابنه محمود البالغ من العمر ستة عشر سنة وابنته شام البالغة من العمر ثماني سنوات وحفيده الصغير لينضافوا إلى ٱلاف الشهداء الذين ارتقوا خلال أقل من ثلاثة أسابيع.

وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة على استشهاد أربعة من أفراد عائلته، وائل الدحدوح يطل عبر شاشة التلفزة في تغطية مباشرة للحرب الهمجية الإسرائيلية على قطاع غ-ز-ة معلنا عدم تخليه عن رسالته المهنية برغم الوجع.. لم يثنه مصابه الجلل عن  نقل مأساة وطنه إلى العالم..حرب إبادة جماعية ضد أبناء غ-ز-ة.

أي قوة وأي رباطة جأش هذه التي جعلت الدحدوح يقف على رجليه ويمشي منتصب القامة ..يقاوم الظلم والعدوان بالكاميرا والميكروفون ..يكشف الحقيقة للعالم، متحديا العدو والمتواطئين بكلمة" معلش ".

هذا الرجل.. من أين جاء بهذا الصبر الأسطوري، بهدوء النفس وثبات القلب، بسيطرته التامّة على قواه العقليّة وقدراته الحسيّة ومشاعره؟

إن درس وائل الدحدوح هذا يجب أن يتعلمه كل من يسير على رجلين على هذه الأرض..هناك دروس في الحياة لا يعلمنا إياها إلا معلم واحد، دون غيره.

درس وائل الدحدوح لا يمحى من الذاكرة ولن تمحوه لا الأيام ولا دبابات العدو.

 وائل الدحدوح يعلمنا أن كل مايمتلكه المرء قد يُسلب منه عدا أمرا واحدا هو  قدرته على إختيار مسلكه تحت أي ظرف..وتلك هي حريته الأخيرة..

وائل الدحدوح علمنا ولا يزال أن الحزن مهما عظم فهو لا يفقدنا الإصرار والعزيمة ..أن صاحب الحق لا ينحني أبدا ولا تكسر له شوكة وأن الثورة لا تولد إلا من رحم الأحزان.

***

درصاف بندحر - تونس

تعود الكيان الاسرائيلي في كل تاريخ وجوده على الارض الفلسطينية في غفلة من التاريخ العربي الحديث، وبتخطيط ودعم ومشاركة من الاستعمار البريطاني؛ ان يخوض جيشه حروبا خاطفة؛ تكون فيه الغلبة له، من حرب عام 1948 و1967وغيرهما من حروب الكيان الاسرائيلي المحتل، ولم يخض في كل تاريخه حربا طويلة، ليس له القابلية على توفير مستلزماتها، اذا ما استثنينا حرب الاستنزاف الذي خاضها الجيش المصري مع جيش الاحتلال الاسرائيلي، في عهد الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر، وهي اي هذه الحرب لم تكن بمستوى ما يحدث في الوقت الحاضر، من مجازر يرتكبها هذا الكيان الصهيوني المصطنع؛ للقوة المتناظرة للجيشين. كما ان جيش الاحتلال الاسرائيلي لم تكن له الخبرة بخوض حرب استنزاف مع مقاومة تتوزع على الارض بمجاميع صغيرة، لكنها في ذات الوقت؛ قادرة على تكبيد هذا الجيش خسائر كبيرة، في البشر وفي المعدات. يقول المسؤولون الاسرائيليون من ان هذه الحرب سوف تستمر الى شهر او شهرين او ثلاثة اشهر، وربما اكثر.. وهو قول يناقض تماما الحقيقة اي حقيقة وقوة وجاهزية جيش الاحتلال الاسرائيلي، اضافة الى عدم قدرة الكيان الاسرائيلي؛ على توفير المستلزمات الاقتصادية في معركة طويلة من هذا النوع. فهذا الكيان الاسرائيلي المحتل؛ يواجه الشعب الفلسطيني في غزة؛ الذي يدعم وبقوة المقاومة الفلسطينية في القطاع. كما ان المقاومة كانت قد جهزت نفسها وقوتها على ما يظهر لكل متابع؛ من خطط على الصعيد التكتيكي والاستراتيجي؛ من حفر شبكة واسعة من الانفاق، الى تجهيز قواتها المقاومة، ليس بالصواريخ فقط، بل بكل ما تحتاجه المقاومة في التصدي لهذه الجرائم الاسرائيلية الامريكية. منذ ما يقارب الثلاثة ايام او اكثر يحاول جيش الاحتلال الاسرائيلي؛ اجتياح لو جزءا صغيرا من شمال غزة وغربها، لكنه مع كل توغل يفشل في اتمام مهماته، ويتكبد خسائر كبيرة. في يوم التاسع والعشرين من اكتوبر، ت1، وعندما توغل في شمال غزة، المفاجأة هو ان المقاومين؛ خرجوا له من الانفاق في معبر ايرز، بحركة التفاف، احاطوا به، من خلف قطعاته المتوغلة في شمال القطاع، واكبدوه خسائر في المعدات والافراد. تعتبر هذه العملية، بحسب الخبراء العسكرين؛ هي واحدة من تكتيكات حروب العصابات، اي حروب المقاومة ومواجهة جيش يمتلك من ألة الحرب الامريكية والغربية الفتاكة وبأخر تقنياتها، وبكميات كبيرة جدا. بهذه الطريقة بالمواجهة سوف تفشل اسرائيل في تحقيق اي من اهدافها التي يعلنها مسؤولوها جهرا نهارا، وفي كل حين وساعة ودقيقة. الزمن على الرغم من المجازر التي صم العالم واقصد هنا الحكومات سواء في امريكا او في البعض من دول الاتحاد الاوربي، وليس الشعوب؛ اذانهم وعقولهم عن هذه المحارق بحق البشر والارض والزرع والضرع؛ سوف يعمل لصالح المقاومة الفلسطينية في نهاية الامر او المطاف. وبالتالي سوف يحصر هذا الكيان الصهيوني نفسه ودولة احتلالها للأرض الفلسطينية في غزة والضفة الغربية في خانق ضيق، لا يحسد عليه، وسوف حكما يقود الى ان ترتفع اصوات العالم الحر واعني هنا اصوات شعوب الارض؛ سواء على الصعيد العربي او الاقليمي او الدولي.. دولة الاحتلال الاسرائيلي سوف تجبر الى وقف هذه المجزرة والتسليم بالأمر الواقع. أما تأكيد المسؤولون الاسرائيليون سواء العسكريون او المدنيون؛ من انهم يخضون مع المقاومة حربا صعبة للغاية، لكنهم في النهاية سوف يقضون على حركة المقاومة الفلسطينية في غزة؛ قول لا يمت الى الواقع وحقيقة الصراع، وقوة وتصميم المقاومة واهل غزة على الصمود والانتصار، على هذا العدو الغاشم، بصلة مهما كانت صغيرة؛ للأسباب التالية لجهة قدرة هذا الكيان الصهيوني على تحمل كلفها، وباختصار:- اولا: سحب هذه القوة البشرية الكبيرة جدا، بالقياس الى سكان دولة الاحتلال الاسرائيلي، من العمل والانتاج في الحقلين الصناعي والزرعي؛ الى الخدمة في جيش الاحتلال الاسرائيلي؛ سوف يؤثر على الاقتصاد الاسرائيلي تأثيرا جديا وحاسما ومنتجا. ثانيا: المطاولة في حرب استنزاف طويلة؛ سوف تجعل قوات هذه الكيان؛ تصاب باليأس والاحباط؛ لأنها لم تتعود في كل حروبها البقاء في الخدمة لزمن طويل، بل لزمن قصير جدا، في حروب خاطفة تنتصر فيها، ويعودون الى عملهم وحياتهم المدنية. ثالثا: الدعم الامريكي، او في الحقيقة المشاركة الامريكية والبعض من دول الاتحاد الاوربي؛ لن تكون بلا تحديد في الزمن وفي توفير الاحتياجات العسكرية، وحتى المدنية؛ لسببين، الاول؛ ان امريكا تخوض في اوكرانيا حربا مع روسيا بالوكالة الاوكرانية، وهذه الأخيرة تتطلب كلف واثمان كبيرة؛ لا يقوى الاقتصاد الامريكي، على توفيرها في جبهتين وفي آن واحد. الثاني مذاخر الاسلحة والاعتدة، والمجمع الصناعي الامريكي لا يقوى على توفير كل هذه الاسلحة والذخائر على جبهتين، اضافة الى ان افراغ المخازن من الاحتياطيات من الاسلحة والذخائر سوف يشكل تهديدا قويا، لقوة وقدرة امريكا والناتو اذا ما اندلعت حربا مع روسيا.. ثالثا: هناك في الداخل الاسرائيلي تفكك في الموقف من الحرب في غزة، او قل محارق دولة الاحتلال الاسرائيلي في غزة، على الرغم مما يقال في العلن والاعلام من ان المسؤولين في الكيان الاسرائيلي المحتل؛ لهم موقف موحد مما يجري في غزة من مذابح يقوم بها جيشهم بلا تحقيق اي نتائج ملموسة على سطع الواقع المعيش في اللحظة. رابعا: ان الجيل الجديد من الغزاة الاسرائيليين؛ جيل مرفه ومُنَعم ولم يخض او يشهد اي حربا حقيقية خلال اكثر من خمسين عاما. في المقابل ان الجيل الفلسطيني الحالي؛ هو الجيل الذي شهد ويشهد في كل حين وفي كل لحظة، بل في كل دقيقة وثانية وبأم عينيه، ولعقود؛ كيف يتم بالجرافات الاسرائيلية هدم المنازل على رؤوس ساكنيها، وكيف يقتل الفلسطينيين سواء علي يد المستوطنون او على يد جيش الاحتلال الاسرائيلي. مما جعل هذا الجيل كما كل الاجيال الفلسطينية التي سبقته، لكن هذا الجيل لم يخضع لمساومة الانظمة العربية ومؤامرتهم واتفاقاتهم السرية، بالضد من القضية الفلسطينية، وفي الأخرى، من تلك الانظمة العربية؛ التي قامت بتوزيع الولاءات على نهجها السياسي مما اضر كثيرا بالنضال الفلسطيني، على الرغم من لملمتها واشتراكها جميعها؛ في حاضنة منظمة التحرير الفلسطينية، إنما التشظي ظل قائما بالأفعال على ارض الواقع. من الامثلة على استقلال قرار المقاومة؛ كلمة ابو عبيد الناطق الرسمي باسم المقاومة الفلسطينية، في تلك الكلمة البليغة جدا؛ عرى الانظمة العربية، تعرية تامة.. ومن الامثلة الأخرى على قوة وصلابة المقاومة الفلسطينية؛ قول المراسل خالد الدرة وهو في خضم المذبحة الصهيونية على شعبه وارضه، وعلى عائلته: لا وقت للحزن، الوقت كل الوقت للمقاومة اولا ولكشف وتعرية همجية هذا الكيان الصهيوني المصطنع. ووقوف وائل دحدوح بعد يوم واحد وربما اقل من اليوم، من استشهاد وزوجته وابنته وابنه وحفيده؛ امام الكامرة لينقل للعالم همجية هذا الكيان الصهيوني العنصري . عليه؛ فأن انتصار المقاومة قادم في المقبل من الزمن.

***

مزهر جبر الساعدي

المديح سلوك تسوّلي، عهدته مجتمعاتنا منذ أزمان بعيدة، حتى تبرمجت أدمغة الأجيال، وبتعاقب التكرار ترسخت هذه العاهة المرفوضة في معظم مجتمعات الدنيا التي تقدمت علينا.

النزوع للمديح  آفة خطيرة تصيبنا بأمراض سلوكية، فتجردنا من النظر الفاحص الناقد لما نقوم به، وننتجه من رؤى وتصورات وأفكار.

فالواحد منا فيه نزعة طاؤوسية وتحليقات فنتازية، على أنه يدري ويعرف، وبيده فصل الخطاب، ويتقلد ذروة الإبداع، والأوحد الوحيد، وفحل الفحول، وأمير كل شيئ إلا نفسه، التي أطلق العنان لما فيها من نوازع تطغى على وجه أيامه، وتحكمها بتطلعاتها المفلوتة.

وواحدنا لا يحتمل أن يقول له أحد فوق عينيك حاجب!!

وبسبب هذا التخندق في حفر الذات الداجية، تجدنا نتصادم ككرات البليارد، واللاعب فينا يهزأ ويتندر ويجني ما يريد، والكراسي تريد مديحا وتبويقا وإعلاما مضللا، وإطراءً وأكاذيب وإفتراءات تجعل الجهلاء علماء، والسفهاء حلماء، والفاسدين أتقياء وأولياء.

فيختلط حابلها بنابلها، وتعمه الأشياء ببعضها، وتتأسن الإرادات، وتتعطل الإبداعات الأصيلة، ويتردى كل مدّاح في عرينه، ويتأله الممدوح في عرشه، وتضيع التفاعلات الحية الواعية ، الواعدة بالأصيل المطلوب لصناعة الآتي الأقدر.

إنها حكاية متوارثة لها تداعياتها الخطيرة، فلو توقفت أبواق الكراسي عن التبويق، وصمت الفقهاء والخطباء، وامتنعوا عن التطبيل لمستعبديهم، الذين يتسولون منهم ما يعينهم على إدامة إفتراءاتهم ودجلهم وأضاليلهم، لإستقامت مسيرة الأيام وعرف كل كرسي قدره وقيمته ودوره.

إن المديح يصنع بالونات فارغة تعلو في فضاءات الغفلة والأوهام، وتفاجئ الناس بإنفجارها المروع وتحولها إلى عصف مأكول؟

فهل لنا أن نعي هذا السلوك المرير، الذي فعل فعله الشديد في واقعنا، وأحالنا إلى موجودات خاوية خالية من طاقات أكون.

وهل من جرآة على ترجمة: " إذا رأيتم فيَّ إعوجاجا...."

إنها إرادة أمة وصوت حق يبحث عن صداه!!

"ومشكلة معظمنا أننا نفضل أن يدمرنا المديح على أن ينقذنا الإنتقاد"!!

***

د. صادق السامرائي

3\9\2021

كثيراً ما نسمع عن الغش حتى أصبح هذا المصطلح مألوفا لدى جميع الفئات في المجتمع، فهو موجود في كل مفصل من مفاصل الحياة ولا يمكن انكاره أو غض البصر عنه ولعل السكوت عنه واهماله سبباً في انتشاره إلى هذا الحد في حياتنا فأصبح الصغير يعرف الغش مثله مثل الكبير ويعمل به وبعضهم يتخذ منه مهنة يمتهنها على حساب حقوق الناس وأذيتهم، ويأخذ الغش اشكالاً لا حصر لها وقد تبدو صغيرة لدى البعض ولكن قد تكون سبباً رئيساً في انتشاره بهذا الشكل المهول، فلو كانت الأم تغش مثلاً في التعامل مع زوجها فكيف سيكون ابناؤها؟! بكل تأكيد ستتأصل بهم مسألة الغش سيكون طبيعيا عليهم التعامل مع الغش ظناً من الصغار أن هذا الأمر طبيعياً وأن أكثر من يثقون فيهم وهم الأب والأم يقومون بفعل هذا الأمر!، وقد يأخذ الغش اشكالاً أخرى فالمعلم قد يغش طلابه من خلال عدم إعطاء الدرس حقه حتى يضطر الطلبة لأخذ دروس خاصة لديه وبذلك غش وخان الأمانة الموكلة له وبذلك سيتعلم الطلبة أن الغش مشروع وممكن لأن معلمهم يغش !، فيصبح من السهل عليه أن يغش معلمه في أثناء الامتحانات أو يغش صاحبه أو يغش بلده، فيكبر الأبناء وسط هذه القيم التي تنهك المجتمع وتحط من شأنه، ولو تطرقنا على أنواع أخرى من الغش في حياتنا لوجدنا أن الغش التجاري يأتي في مراتب متقدمة من أنواع الغش والذي يمكن تعريفه بأنه خداع وتدليس وتزييف البضاعة المعروضة من خلال اعطاء بضاعة مخالفة عما معلن عنها في الكمية أو النوعية فقد تكون أقل جودة وأقل كمية من المتعارف عليه وبذلك يأخذ الغش صفة الخداع والإضرار بمصالح الفرد، ونتطرق إلى نوع آخر من أنواع الغش وهو غش الموظفين ويندرج ضمن هذا النوع أخذ الرشاوي لإتمام العمل، التكاسل في أداء الواجب الوظيفي،التغيب عن العمل بدون أسباب مقنعة .... إلخ وبرغم ذلك يأخذ الموظف راتبه مثله مثل الموظف الصالح الحريص على عدم الغش والإهمال . ومن أنواع الغش أيضاً الغش الإعلامي من خلال تدليس الأخبار وعدم نقلها بصورتها الصحيحة أو سرقة الأخبار وبذلك يتعدى على الملكية الإعلامية ... وغيرها الكثير . أن الاشخاص الذين يتعاملون بالغش هم أشخاص معروف عنهم الجشع و الأنانية وحب المال ومحاولة الحصول عليه بأي وسيلة حتى وإن كانت محرمة ومرفوضة من قبل الشرائع السماوية ودليل ذلك أن الغشاش ضعيف الإيمان بالله سبحانه وتعالى وابتعاده عن الطريق الصحيح، ولعل البيئة ورفاق السوء والتربية غير الصحيحة هي من أهم الأسباب التي جعلت من هؤلاء ينحدرون نحو هذا الفعل المخزي والمرفوض من قبل المجتمع. لكن كيف يتم معالجة هذا الأمر لكي يتخلص العالم من هذا الفعل المشين ؟ يمكن القول أن من أمن العقاب أساء الأدب ومن هذا المنطلق يجب وضع عقوبة فعلية على كل من تسول له نفسه للغش والتلاعب في كل مجالات الحياة من أقل موظف إلى أعلى سلطة في هذه الدولة وكذلك للإعلام دور وللتمثيل والمسرح دور في التنبيه ونشر كل المعاني السامية التي تطغي على هذا الفعل والتخلص من هذه الآفة التي اصبحت جزءاً من المنظومة التي تعتاش عليها الدول والعالم أجمع.

***

سراب سعدي

لا أحد يعترض على المنجزات الاقتصادية أينما كانت وفي أي بقعة من دول العالم ولكن ان تكون هذه الانجازات ملطخة بدماء الابرياء هذا هو الجرم في عينه وليس الظلم وحده، ثمة معلومات تفيد بأن احداث غزة اريد لها لتكون بهذا الحجم من أجل حسم قناة بن غوريون التي ستكون بديلا لقناة السويس ومقرها الاستراتيجي هو ضمن موقع غزة الجغرافي لهذا اريد لهذا المشروع الاسرائيلي ان ينفذ برعاية دولية والخاسر الوحيد فيه هم أهل غزة بعد اجتياحهم، من هنا نستشف من حديث احد زعماء العالم حينما قال: نحن ليس رؤساء دول بل اصحاب شركات ولا يهمني موت المصارع الخاسر بل هو ربحي من المصارع الفائز، هكذا اذن تدار الدول بدون رحمة ولا انسانية ولامشاعر، ويكمل حديثه:

* لقد تحول عملنا الى ما يشبه الآلة.. مثلاً سنقتل الكثير من العرب والمسلمين، ونأخذ اموالهم ونحتل اراضيهم، ونصادر ثرواتهم، وقد يأتي من يقول لك ان هذا يتعارض مع النظام والقوانين، ونحن سنقول لمن يقول لنا هذا الامر، أنه وبكل بساطة إن ما نفعله بالعرب والمسلمين هو أقل بكثير مما يفعله العرب والمسلمون بأنفسهم، إذاً نحن من حقنا ان لا نأمن لهم، لأنهم خونة وأغبياء.. خونة وكاذبون .

***

محمد رشيد

يوم اندلعت الحرب بين العراق وايران في ثمانينيات القرن الماضي، ظن الجميع انها مجرد ايام  وتتوقف قذائفها بعد اشباع مشعلوها نزواتهم المريضة وبعد أن يدركوا ان الحرب ليست لعبة انما هي ابادة مجانية للجنس البشري المغلوب على أمره، ولم يطرق بال أحد انها سوف تمتد لسنوات وتأتي على الأخضر واليابس وتترك في كل بيت وقلب عراقي ذكرى مؤلمة بما فيهم نحن الذين سيق بنا منذ الايام الأولى الى محرقتها حيث لم نكن مستعدين لها ومجهزين كل شيء لأيامها التي تبينت لاحقا انها ستطول وستترك صنوفا من المآسي في قلوب العراقيين، لذا قضينا أيامها الاولى باستعمال الوسائل البدائية في تحضير المأكل والمشرب بالاعتماد على الحطب الذي كانت تمتلئ به ساحات الجبهة المقفرة، ومن المشكلات اليومية التي واجهتنا هي تحضير الشاي على الحطب اذ ان ابريق الشاي ــ القوري ــ المستعمل في تحضير ذلك الاكسير سرعان ما يختفي بريقه خلف طبقة متكلسة من السخام التي يصعب ازالتها عند التنظيف، اتفقت حضيرتنا المكونة من ستة جنود ان يتم تنظيف القوري دوريا بيننا، وفي الاسبوع الاول جلست اراقب صديقي الجندي ــ احد افراد حضيرتي ــ وهو يقوم بإنجاز مهمته وشعرت بمعاناته وعظم جهده وهو منهمك في محاولة تبييض بدن ذلك الاناء العصي على البياض وحين انتهي منه كان التذمر باديا عليه والارهاق قد نال منه، واكتشفت ان الجهد والوقت اللذان يكلفان لإنجاز هذا الواجب الشاق اكثر بكثير من قيمة القوري الجديد، لذا عندما حان دوري لتنفيذ تلك المهمة ذهبت واشتريت من حانوت الوحدة قوريا جديدا تلافيا لتجربة صديقي الشاقة، وقد حذا حذو باقي افراد الحضيرة حيث بادر كل من جاء دوره بعدي بشراء قوري جديد تجنبا لمأزق صديقنا الذي ذهب كبش فداء في هذه المهمة، واكتشفنا بعد فترة ان خلف الموضع الذي يجمعنا كان هناك تل من القواري الغافية تحت سخام الحطب والحرب.

***

ثامر الحاج امين

من يمحو البقع الحمراء، من يمحو من ذاكرة التاريخ دماء أطفال ونساء غزة، ستنتهي الحرب، ولكن تذكرنا سيدة مصرية يهودية عجوز، في مدينة حيفا، الكل بيروح بالغسيل،

في كتاب "الرسائل" المتبادلة بين الشاعر الفلسطيني محمود درويش وسميح القاسم، يكتب سميح الى محمود كيف انه كان واقفاً في شارع في حيفا مع الشاعر"جورج خليل"، عندما انفجرت مشادة كلامية بين (يهودي وعربي)، فصاح اليهودي" انصرف من هنا ايها العربي القذر".غضب سميح وهدد و لكن عجوزاً يهودية مصرية الأصل كانت مارة بسلة خضار من  السوق سألته عن السبب، فقال لها سميح القاسم:

" هذا الحيوان يشتم الفتى بعربي قذر".

وضعت يدها العجوز على كتف سميح بحنان وقالت:

"ماذا قال له..؟ عربي قذر..!!" اسف يا ابني كله بيروح بالغسيل". انفجر بالضحك وأطفات العجوز سحابة الغيظ....!

كل شيء يروح بالغسيل: نعم الوطن والانتخابات والهوية والذاكرة والمجازر، والثروة والسلطة والحرية والمستقبل. ستفرغ الشوارع قريباً من الصور والشعارات ومن التوقعات، وتبدأ لغة التبرير واعادة تزوير التاريخ الحاضر، عن حقبة وبحر من الدماء العربية في سنوات الضعف والهوان العربي ..!!

فنحن لا نمتلك حتى مميزات وذاكرة غسالة ملابس تتوقف عند البقع الوسخة، ولا نتوقف عند منعطفات التاريخ، ولا نقرأ أحداث اليوم الماضي، ولا نعرف ماذا سيحدث في الربع ساعة القادمه.

الم يقل موشي ديان وزير الدفاع يومها عندما طلب عام 1967 خطة حرب مثل عام 1956 فقالوا له:

" ان العرب يعرفون هذه الخطة"

أجاب ضاحكاً:

" العرب لا يقرأون التاريخ".

كل شيء يروح بالغسيل، الشعارات والبرامج، والمؤتمرات عن المستقبل، في وطن لا احد فيه يفهم أحداً، والمثقف كما يسمى صار ضارب زار ورمل وقارئ فنجان في قضايا مصيرية حاسمة تتعلق بالحياة والموت، المثقف أصبح مفلس يتحدث عن الماضي .. مع ان مفهوم المثقف يعني منتج معرفة جديدة ومخلخل السكون العام بلغة جديدة ومشروع تمرد وأفق مستقبلي بلا مصلحة ولا ولاء لغير الحقيقة وطارح أسئلة أكثر من أجوبة جاهزة، فكم من" المثقفين" ينطبق عليهم هذا التوصيف..؟هناك نسيان عجيب لكل ما هو جوهري ويصنع الحياة أو يدمرها من أحداث، وفي المقابل هناك ذاكرة جهنمية تحفظ لسنوات بأدق التفاصيل الشخصية والفردية للناس وخصوصياتهم كما لو ان الفرد صار يؤرشف كسلطة...في زمن الأنظمة السابقة كان يقال ان الدكتاتورية أغلقت النوافذ على الجميع، فماذا تفعلون الان والنوافذ مفتوحة ..!!

الخوف يشل طاقة التفكير والتوقع والعمل والمتعة.

لكن ما الذي يمنعنا اليوم من التفكير..؟

وجميع سبل المعلومات أصبحت متوفرة ..!!في زمن الخمسينيات حتي الثمانينيات كان الإبداع العربي من القوة الناعمة من الثقافة والفن والأدب والسينما يلعب دوراً كبيراً

في المعرفة ماذا قدم كتاب وأدباء هذا الجيل جميعا اذا جصرت أعمالهم وكتبهم لا تقارن بمقدمة كتاب طه حسين في كتاب المعذبون في الأرض..، ؟!

كل مصاعد العمارات تمتلك خطة طوارئ في حالة العطل في ظروف غير مناسبة، كل سفن العالم تمتلك اليوم خططاً بديلة في حال وقوع أحداث مباغتة، المنازل مزودة بابواب طوارئ عند الحريق،

الكلاب والقطط في الغرب تحمل اسماءً وارقام هواتف عند الفقدان، على علب السجاير والكبريت تعليمات عن الاستعمال والمخاطر واماكن الرمي، هناك برنامج مكتوب على ورق التواليت عن نوع المادة والاستعمال والرمي، في حين ان حكومتنا وأحزابنا بلا خطة عمل ولا برنامج عن المستقبل؟

كنا مشغولين بصخب الانتخابات..وقبلها بجنون ارتفاع الأسعار والصراعات في العالم، لكننا اليوم في ذهول، فماذا نفعل في لحظات الحرب ؟ نلعن الحياة..؟ أم نلعب باللغة للخروج الأمن من هذا الصراع؟!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري متخصص في علم الجغرافيا السياسية ..

منذ سنوات وأنا أقرأ كلّ ما يقع بين يدي من كتب عن البلاد العجيبة اليابان، وأدهشني الأدب الياباني من كواباتا مروراً بكنزابورو أوي وميشيما، وانتهاءً بأشيغورا وموراكامي، وكنت مثل كثيرين أعتقد أنّ اليابان حصلت على جائزة نوبل للآداب فقط، فإذا بها حصدت منذ عام 1949 وحتى العام الماضي أكثر من 30 جائزة توزعت في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب، شعب يكتب بحروف عجيبة، لكنه يقدّم لنا كلّ ما يسهّل علينا الحياة.

بعد أن خسرت اليابان الحرب عام 1945 قرّر الشعب المهزوم والجائع أن يعيد بناء المصانع والبيوت والشوارع، وكان شعاره "العمل حتى الموت"، اليوم الحكومة اليابانية تواجه مشكلة باقناع المواطنين بأن يتوقفوا عن العمل ولكن المواطن الياباني يصر على العمل لساعات متاخرة. ولا تسأل ياسيدي القارئ لماذا نحن أفضل من اليابان عندما قررنا أن يتمتع العامل والموظف بمكرمة عبارة عن "عطلة بين عطلة وعطلة".

وعلى ذكر اليابان وعجائبها كنت أعيد قراءة كتاب ممتع بعنوان "العرب من وجهة نظر يابانية" كتبه البروفيسور "نوبواكي نوتوهارا" وهو باحث وأستاذ جامعي قام بجولات كثيرة في بلدان العرب، اطلع على حالهم وأحوالهم.. السيد "نوتوهارا" يخبرنا أنهم في اليابان يعجزون عن فهم، كيف لا يحترم المسؤول القانون ويذكر السيد نوتوهارا مثلاً من بلاده فيكتب: "أذكر مثلا في تاريخنا القريب السيد تاناكا من أقوى الشخصيات التي شغلت منصب رئيس الوزراء عندنا. لكن الشرطة اعتقلته من بيته وذهب إلى السجن بالقبقاب الياباني، عندما اكتشفت الصحافة فضيحة لوكهيد، حيث حوكم وسجن كأي مواطن عادي".

ما هذه الإساءة أيها البروفيسور الياباني؟ هل تعتقد أن المسؤول مواطن عادي يمشي على الأرض؟، إنه ملاك، لا يأتيه الباطل، وإذا أخطأ، فإن الشعب هو السبب لأنه يريد منه مستشفيات وسكن وطرقات وعمل ومدارس حديثة، والمسؤول العراقي مشغول بإرشاد الشعب إلى الطريق المستقيم ومحاربة الانحلال ونشر الفضيلة .

في حوار تلفزيوني عرض قبل أيام مع إحدى الفضائيات العراقية يشكو السفير الياباني في العراق من الصداع الذي يعانيه بسبب عدم معرفته ما يدور في العراق من تخبط، ويخبرنا أن التبادل التجاري بين العراق واليابان صفر في صفر، اذكركم ان حجم الاستثمارات المتبادلة بين اليابان والسعودية تقترب من 200 مليار دولار.

وأعود لكتاب البروفيسور نوتوهارا الذي يخبرنا أنه لاحظ أن الدين أهم ما يتم تعليمه عند العرب، لكنه للأسف لا يستخدم في منع الفساد.. فالمسؤول فاسد جداً ومتدين جداً.

نحن ياسيدي لا نزال نشاهد المسؤول العراقي يظهر بكل ترفه وهو يوصينا بالحذر.. بعد 20 عاماً من الديمقراطية تبين أن هناك أكثر من عشرة ملايين عراقي تحت خط الفقر ومحموعة مليارديرية تكونت ثرواتهم من سرقة اموال هؤلاء الفقراء .

***

علي حسين

الواقع العربي تعصف في أرجائه الويلات والتداعيات المريرة، فتنفي الإسلام وتلغي العروبة، فالإسلام العربي ما عاد إسلاما، والعروبة تحوّلت إلى مطاردة سراب.

فأين الإسلام كسلوك؟

الإسلام بجوهر معانية وأفكاره ومفرداته العملية ربما لا وجود له، لكنه حاضر كأقوال وخطب وتأويلات وتفسيرات وإدعاءات وتحريفات، فالإسلام الذي كنا نعرفه غائب عن مجتمعاتنا، لتحوله إلى فئات وأحزاب  وفرق مسلحة، ومجاميع ترفع رايات الإسلام وتقتل المسلم وتنتهك عرضه وتصادر حقوقه.

فلا إسلام في الواقع الحياتي اليومي، فقد يقول مَن يقول إنهم يصلون ويصومون ويحجون ووو، لكن الحقيقة الفاعلة، أن الإسلام ضعيف كعمل وممارسة يومية صالحة ونافعة ورحيمة، ومعززة للقوة والقدرة على التواصل والتلاحم، بل صار مصدر فرقة وتناحر وصراع، وفتك بالوجود العربي في كل مكان، فما يجري في بعض دول الأمة لا يتفق مع معايير وقيم الإسلام، فكيف يتم تسويغ الفساد والظلم والقهر والتشريد والتجويع والرهن بالحاجات، والقتل الأعمى وغياب العدل والقانون، وتسلط المناهضين لأبسط معايير وقيم الدين.

أما العروبة فما عاد لها معنى ودور في حياة العرب، وتجارب الدول العربية المنكوبة بالويلات لأفصح دليل على إمتهانها، ونكرانها وسحقها ومحاولة إلغائها من الوعي الجمعي.

وهذا واقع يتغافل عنه العرب أو ينكرونه، ويتهمون الذي يشير إليه بما يخطر على بالهم من الأوصاف السلبية، لعدم الإقرار بالواقع والوقائع وتبريرها وتأويلها، والإتيان بما يعززها من الأقوال والإدّعاءات والمرويّات والأضاليل، وما يخدعون إلا أنفسهم، فلا يمكن حجب أشعة الشمس بغربال الأوهام والتصورات.

فهل أدرك العرب خطورة السلوك الذي يمارسون، وأنهم على أنفسهم يتحاملون، ولأعدائهم يخدمون، وللويلات يستحضرون؟!!

هي العروبة لفظ إن نطقت به...فالشرق والظاد والإسلام معناه"!!

***

د. صادق السامرائي

النضال الفلسطيني ما بعدها لن يكون كما قبلها

ما أن بدأت ملحمة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، إلا وحركت أمريكا، حاملتي طائرات إلى سواحل شرق البحر الأبيض المتوسط؛ بحجة منع إيران وحزب الله من المشاركة مع المقاومة الفلسطينية، في مواجهة، الحرب الإجرامية هذه، ضد الشعب الفلسطيني. إيران تعتمد على ركائز أربع في سياستها الخارجية؛ أولا، القوة والنفوذ وثانيا، الحكمة وثالثا، المصلحة ورابعا، الصبر الاستراتيجي. إيران لن تشترك بطريقة مباشرة، في هذه الحرب إلى جانب المقاومة الفلسطينية، والأسباب يعرفها صناع القرار في البيت الأبيض.

هذا لا يعني أن إيران؛ ليس في وارد تفكيرها واستراتيجيتها؛ دعم المقاومة الفلسطينية، بل العكس هو الصحيح تماما، إنما بطرق أخرى، يتجنبون بها الاصطدام المباشرة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومن خلفها أمريكا. أما مواقف حزب الله وأطراف أخرى؛ فمواقفهم قد تكون مختلفة كليا.. إنما في حدود متفق عليها بالإيحاء بين أطراف الصراع، وليس بالاتفاق المباشر، فهذا أمر لم يحصل ولن يحصل. القصف الإسرائيلي على مشفى المعمداني في غزة، جريمة بشعة.. الضحية، المرضى من الأطفال وكبار السن على الأغلب. بايدن حَمّل المقاومة الفلسطينية؛ مسؤولية هذه الجريمة، قائلا؛ حركة حماس هي من قصفت المشفى وليس أنتم مخاطبا الاسرائيليين. في الخطاب ذاته قال إن إسرائيل إن لم تكن موجودة لعملنا على إيجادها. متحديا؛ القوانين الدولية وجميع شرائع الأرض والسماء معا. التصريح هذا لذاته؛ يؤكد أن دولة الاحتلال الإسرائيلي كيان مصطنع؛ لأهداف استعمارية، أمريكا مهمتها الاستراتيجية؛ المحافظة على وجود دولة الاحتلال الإسرائيلي، وإدامة قوتها؛ والمحافظة على أمنها، فقوة دولة الاحتلال الاسرائيلي وأمنها من قوة وأمن أمريكا، في تلاحم تخادمي ونفعي بينهما. السياسة الامريكية والغربية؛ سياسة استعمارية، تغطيتها (بغطاء الديمقراطية)؛ خداع محض، ودولة الاحتلال الاسرائيلي؛ قاعدة انطلاق وسيطرة للغرب بقيادة أمريكا؛ على دول المحيط العربي، وحمايتها واستدامة تفوقها على جوارها العربي، مهمة غربية وأمريكية، خدمة لمصالح أمريكا والغرب على حساب مصالح العرب ومصالح وقضايا الشعب الفلسطيني. فليس غريبا، لكل ذي بصيرة؛ أن يتجمع كل الغرب وأمريكا وراء دعم وإسناد إسرائيل في ما تقوم به في غزة من جرائم إبادة وتهجير وحرمان من جميع عناصر إدامة الحياة؛ من طعام وماء وكهرباء. رؤساء أمريكا والغرب الذين بدأوا يتوافدون على تل أبيب دعما لها في مواصلتها؛ قتل الشعب الفلسطيني في محرقة قل لها نظير في التاريخ الحديث. قاموا بإفساح الطريق كل الطريق لهذه المذابح حتى تأتي على كل الحياة في غزة، إلى أن يتم لإسرائيل ما خططت له قبل البدء بهذه المذبحة؛ في منع إصدار أي قرار أممي لإيقاف هذه الجريمة. أمريكا والغرب؛ عطلا إصدار قرارين لوقف إطلاق النار في غزة، أحدهما روسي والآخر برازيلي؛ الأول بالتصويت في مجلس الأمن الدولي، والثاني باستخدام أمريكا لحق النقض (الفيتو). الموقف الأمريكي والغربي هذا؛ لم يعر أية أهمية؛ للأصوات المنددة والرافضة للجريمة الإسرائيلية على الصعيد العربي والاقليمي والدولي. إنهم يعرفون أن هذه المواقف، لا تتعدى الكلام إلى الفعل، ولا تتحول إلى إجراءات ضد مصالح أمريكا والغرب. فلو كانت هناك إجراءات عربية ضد مصالحهم؛ لكانت مواقفهم مختلفة، ولضغطوا على إسرائيل، ومنعوها من القيام بهذه الجرائم، أو حصرها في الحدود الضيقة، إنما أي من هذا لم يكن له وجود في الواقع الفعلي. الغرب وامريكا على دراية تامة بهذا؛ لذا، اطلقوا العنان لآلة القتل الجهنمي الإسرائيلية، والمصنعة أمريكيا وغربيا؛ في قتل شعب آمن وأعزل، وأقصد هنا المدنيين في غزة. الأمر لا ينحصر بالقتل، بل تعداه إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، أي نكبة تهجير ثانية في القرن الحادي والعشرين. من المهم الاشارة؛ إلى أن المقاومة في غزة تمثل تمثيلا كليا وشاملا وحيا ومنتجا؛ الشعب الفلسطيني؛ لو ترك الاختيار لإرادة الشعب. مخطط التهجير لحكومة دولة الاحتلال الاسرائيلي العنصرية؛ حلم فانتازيا، لا علاقة له، بحقيقة شعب فلسطين. عملية التهجير؛ محكوم عليها بالفشل حتى قبل أن تبدأ.. إنما الأخطر؛ تنفيذ المخطط الصهيوني العنصري في تصفية القضية الفلسطينية؛ بطرق ملتوية غير مباشرة، هناك في السياسة إجراءات خطيرة، مدفونة بين، أو في داخل كتلة من الإجراءات الظاهرة للعيان، بحيث لا تظهر واضحة في الظهور الأول لها على سطح الأحداث، لكنها في الوقت ذاته؛ هي المحركات الدافعة للأحداث، إلى أن يتم تثبيتها كواقع حال لا جدال فيه أو حوله. وزير الدفاع الإسرائيلي قال أمام الكنيست الإسرائيلي؛ إن عملية غزة لها ثلاث مراحل، قصف جوي، اجتياح بري، تصفية حركة حماس. كما أن إسرائيل في تزامن مع هذا التصريح؛ بيًنَت؛ أنها سوف تقطع علاقتها مع قطاع غزة بعد تصفية حركة حماس، وإقامة حكومة بديلة عن حماس. هنا تكمن الخطورة التي تتركز حول الطريقة أو الكيفية التي تتم بموجبها إدارة شؤون غزة والضفة الغربية، وما مصير السلطة الفلسطينية؛ إن قامت إسرائيل بتنفيذ هذه الإجراءات على أرض الواقع، حسب المراقبون؛ يتم إلحاق الإدارة في الضفة الغربية؛ للأردن، ويتم إلحاق إدارة قطاع غزة لمصر. من السابق لزمنه التنبؤ بمآل هذه الإجراءات، إنما تحويلها إلى واقع في غاية الصعوبة.. من وجهة نظري؛ أن الحكومة البديلة عن حكومة حركة حماس؛ سوف تكون جزءا من السلطة الفلسطينية، كما أن وضع السلطة الفلسطينية على الجزء الأقل من الضفة الغربية؛ مهتز أصلا، وأكبر دليل على هذا؛ تظاهرات الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية. يبقى السؤال الأهم والأخطر: هل هناك في جعبة دهاقنة واشنطن وتل ابيب وغيرهما على ارض العرب؛ ما هو غاطس في العتمة، لم يفتح له الباب بعد؛ كي يخرج إلى العلن؟ أما الحديث عن توسع الحرب إلى حرب إقليمية؛ فمن وجهة نظري؛ أنها أمر بعيد الاحتمال إن لم أقل مستحيلا؛ للسبب التالي؛ جميع الدول العربية والإقليمية، ليس في وارد تفكيرها ومخططاتها؛ الدخول في حرب مع إسرائيل.

في الختام أقول بقناعة مطلقة؛ إن الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن أرضه مهما كانت الخطط الصهيونية والأمريكية، ومهما كان عدد وحجم المتواطئين معهما، ومهما كانت قوتها وخبثها، ومهما طال عليه وجار الزمان.. كما أن الملحمة الفلسطينية في السابع من اكتوبر، سوف لن يكون بعدها، واقع النضال الفلسطيني، كما كان قبلها.

***

مزهر جبر الساعدي

العقول العربية لا تتفاعل بل تتفرد وتتعاضل، وهذا واضح في نشاطات المفكرين والفلاسفة، فلكل منهم مشروعه ورؤيته، ويرى أن ما يقوم به عين الصواب، وغيره لا قيمة لعمله، مما يعني أن الديماغوجية مترسخة في وعينا، ومهما إدّعينا، فالواحد منا يرى إمتلاكه الحقيقة المطلقة، وغيره على خطأ فظيع، فلا يتأمل رؤيته ولا يتفاعل معه.

ولهذا فشل المفكرون والفلاسفة بالتأثير في الواقع، ولا يقرأ ما يسطرونه غير بعض النخب.

الأمة فيها عقول حضارية واعية موسوعية، غير قادرة على تحويل ما تراه إلى سلوك فاعل في المجتمع للصراع السلبي بينها.

القرن العشرون مزدحم بالعقول المتنوّرة، وتأثيرها غير ملموس، فكل يغني على ليلاه، التي تزداد مرضا وتتراكم عليها الأوجاع، ويبدو واضحا من المنشور في الصحف والمواقع والتفاعلات.

فالصدق والأمانة والحرية الخالصة لا وجود لها، ولا أثر في التعامل بين المثقفين.

وهذا يختلف عما يدور في مجتمعات الدنيا، التي تقيّم الفكرة وتسعى بجد وإجتهاد لترسيخها أو تفنيدها، وتحويلها إلى قرار وسلوك أو إلغائها، ولا توجد عندنا تفاعلات فكرية نزيهة ذات قيمة قادرة على بناء الرؤية اللازمة للتواصل مع التحديات.

جميعنا ينتقد السلوك الفردي ويدين الكراسي المستبدة، ونحن أشد فردية وإستبداد في التعامل مع بعضنا.

قد يُزعج الطرح، لكنه نقد ذاتي مطلوب للخروج من شرنقة التفرد والإستبداد.

ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه على الأجيال، لماذا وجود المئات من المفكرين والفلاسفة والمثقفين في ربوع الأمة، وبقيت راكدة متعفنة في مستنقعات التبعية والخنوع.

ربما سيقول قائل أنها أنظمة الحكم، وقهر القوى المهيمنة، لكن السبب الأساسي، يكمن في الميل للفردية والفوقية والنرجسية الفائقة.

فهل لنا التفاعل بنكران ذات من أجل أمة تبحث عن جوهر ذاتها؟!!

***

د. صادق السامرائي

من وجهة نظر متواضعة؛ ان حرب الابادة الاسرائيلية على قطاع غزة، ارضا وشعبا؛ لا تشكل سوى جانب واحد من الصراع العربي الاسرائيلي، على اهمية ودموية حرب الابادة هذه، ليس على الشعب الفلسطيني في غزة، بل على الشعب الفلسطيني في كل الارض الفلسطينية المحتلة. ما اقصده هنا؛ هو ليس، انها، اي هذه الجريمة الاسرائيلية؛ سوف تتمدد الى خارج حدود الارض الفلسطينية المحتلة، بل ان ما اقصده؛ هو ان نتائجها وتداعياتها سوف تتمدد الى خارج الارض الفلسطينية، سلبا او ايجابا، لصالح المخطط الامريكي الاسرائيلي، او لإخفاقه وفشله في تحقيق نتائج ملموسة. ان هذه القراءة تؤيدها، او تثبت صحتها افتراضا؛ هو التصريحات الغربية والامريكية، وطروحاتهما السياسية؛ لإيجاد مخارج للصراع العربي الاسرائيلي، وهي مخارج لصالح الاحتلال الاسرائيلي.. بالاعتماد في التحليل على التالي:

اولا: كل تصريحات رؤساء الدول الاوربية، وامريكا؛ اعتبرت المقاومة الفلسطينية ورأس حربتها حركة حماس والجهاد الفلسطيني؛ منظمات ارهابية وبالذات حماس، ليس لها علاقة بالمقاومة الفلسطينية، او انها لا تمثل الشعب الفلسطيني في مغالطة صارخة للواقع.. ان هذا العزل والاقصاء؛ مقدمة لتصفيتها عمليا على الارض؛ او هو ضوء اخضر امريكي وغربي، للاحتلال الاسرائيلي بمواصلة جريمته في قتل الفلسطينيين في غزة، كل الفلسطينيين، اطفال ورضع ونساء وكبار السن، اضافة الى تدمير المشافي وكل البنى التحتية من كهرباء وماء وكل ما له علاقة بحياة الناس؛ تمهيدا لصفحة التهجير القسري. أما بقية التصريحات للمسؤولين سواء الدول الكبرى، روسيا والصين، او الدول العربية او الدول الاقليمية؛ باستثناء ايران وتركيا، والعراق وسوريا؛ وضعت بالتساوي، الجلاد المجرم، الاحتلال الاسرائيلي، والضحية، الشعب الفلسطيني في غزة على طرفي الصراع او الحرب، في تجني على حقائق الواقع الموضوعي. اذا ما وضعنا جانبا الملحمة التاريخية الفلسطينية في السابع من ت1، اكتوبر، وهي عملية بطولية؛ جاءت كرد على الاحتلال الاسرائيلي وجرائمه، ليس كعمل ارهابي مجرد من الاسباب، وهو احتلال الارض والفتك بالإنسان وسلبه ارضه وانسانيته. فان الحرب بعد هذا التاريخ، اي ما تسميها اسرائيل بالسيوف الحديدية؛ في اشعال محارق على الارض و على الانسان، وهي محارق كلية الوجود على الارض، لا تترك شبرا مهما كان صغيرا، الا واشعلت فيه الحرائق، على مدار الاسبوعين المنصرمين، والى الآن. أذا؛ المساواة بين المجرم الجلاد الاسرائيلي العنصري وبين الضحية الفلسطينية؛ لا تمت الى الانسانية باي صلة مهما كانت صغيرة، وهذه المساواة غير اخلاقية تماما، وهي بالإضافة الى هذا؛ اعتداءا صارخا على حق الأنسان في الوجود الأمن وعلى القانون الدولي الانساني. الاحتلال الاسرائيلي ما كان له ان يقوم بكل هذه الجرائم لولا الدعم والمشاركة الامريكية والغربية، والصمت الحقيقي، وليس اصوات الصمت، العربية والدولية والاقليمية؛ تلك الاصوات التي ترفع عقيرتها بالتصريحات سواء الدولية والاقليمية والعربية، والتي مفادها؛ من المهم ايقاف قتل المدنيين من الجانبين، وكأن المقاومة في امكانها او في قدرتها مواجهة ألة الحرب الاسرائيلية في احداث التأثير المتبادل والمتكافيء على جانبي الصراع، على الارض والأنسان؛ أنها بطريق او بأخرى اعطاء حجة للجريمة الاسرائيلية بحق الشغب الفلسطيني في غزة. أما البيان الذي صدر من الدول العربية التسعة؛ فهو بيان الا يرتفع الى مستوى التحدي اولا ولا الى مستوى المجازر الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني؛ لذا يظل هذا البيان دعائي بالدرجة الاولى؛ وتجميل مواقف تلك الدول العربية من هذه المجازر؛ وكأنها بهذا البيان دعمت المقاومة الفلسطينية؛ وهي سياسة تبرير امام شعوبها العربية. عليه فان هذا البيان كأنه لم يكن اصلا؛ لأنه غير مصحوب بإجراءات تنفيذية، وما اكثرها في حوزة هذه الدول العربية ان هي أرادت فعلا استخدامها في دعم الحق الفلسطيني..

ثانيا: الدعوة الامريكية والغربية في اعتبار المقاومة الفلسطينية؛ ارهاب دولي. ووضع هذه المقاومة على منضدة واحدة هي وداعش وتنظيم القاعدة. هذا يعني ولو بصورة غير محددة وواضحة، وبنبرة منخفضة الصوت، في الوقت الحاضر من جهة، اما من الجهة الثانية؛ فهي دعوة لتشكيل تحالف دولي لمحاربة المقاومة الفلسطينية، وحتى كل من يدعمها واقصد هنا ايران، وغير ايران من الدول العربية ومن الدول الاقليمية. وهي دعوة خطيرة جدا على الأمن العربي والاقليمي، وعلى الامن والسلام العالمي..

ثالثا: الاستعدادات الامريكية العسكرية غير المسبوقة في المنطقة العربية، لا يمكن ان تكون بلا اسباب استراتيجية، بمعنى اخر؛ ان هذا التجييش الامريكي في المنطقة؛ يتعدى الحرب الاسرائيلية الاجرامية في غزة؛ والى ما هو ابعد منها، من حيث الاهداف الختامية لهذه الجريمة؛ وليس للمشاركة في مفاعليها العسكرية بالشكل المباشر الفعال، فهذه مهمة الاحتلال الاسرائيلي، والاحتلال الاسرائيلي بفعل ألة الحرب الامريكية قادر على تنفيذها على الارض والناس تدميرا وليس انتصارا، فهذا الأخير، له شكل اخر وطريق اخر. امريكا بتواجدها العسكري المدمر والفعال، الآن، في المنطقة العربية؛ هو لكبح رد الفعل من دول اقليمية او من المقاومة؛ لاحتواء تداعيات جرائم الاحتلال الاسرائيلي في غزة في المقبل من الاسابيع، التي ربما تتعدى الاسابيع الى الاشهر، وربما اكثر.. هذه التداعيات اذا ما كانت او انتهت لصالح الاحتلال الاسرائيلي؛ فأنها سوف تلقي بظلالها على سياسة تلك الدول وعلى المقاومة في آن واحد. أذ، انها سوف تأكل من جرف تلك الدول لجهة طروحاتها السياسية وتوجهاتها الملعنة، ومن جرف المقاومة العربية للاحتلال الاسرائيلي. ان ما تفعله امريكا والغرب والاحتلال الاسرائيلي معا؛ يقع في خانة المخطط بعيد الامد والمدى، وفي خانة الخبث اللامحدود في استخدام الامن الاقليمي والاستقرار والسلام؛ باعتبار المقاومة الفلسطينية (حماس) ارهاب دولي، يستلزم الاصطفاف الدولي لمحاربته؛ كغطاء لتمرير جريمة الاحتلال الاسرائيلي على فلسطين ارضا وشعبا وتاريخا.

رابعا: الموقع الاخباري البريطاني نشر في يوم 26ت1، اكتوبر؛ تقريرا مفاده، او ملخص ما جاء فيه؛ ان امريكا واسرائيل تعملان في الخفاء على الاستعداد لحرب برية مفاجأة؛ وباستخدام غاز الاعصاب في مهاجمة الانفاق التي تستخدمها قوات المقاومة الفلسطينية في غزة. امريكا تشارك في هذه العملية من خلال او بواسطة الخبراء، او قوات الدلتا التي كانت قد عملت في العراق اثناء الغزو والاحتلال وفي السنوات التي تلت الاحتلال. الغاز من النوع الذي يكون تأثيره محدود لمدة تتراوح بين 6-12ساعة وهي كافية لإنقاذ الرهائن (الاسرى)، وقتل افراد قوات المقاومة. ربما يكون نشر هذا التسريب صحيحا وربما الغرض منه؛ التأثير على المعنويات.. في جميع الاحوال ان هذا يعكس بصورة واضحة؛ ان مرحلة الصراع العربي الاسرائيلي؛ قد دخلت في اخطر مرحلة من مراحل هذا الصراع. كما ان هذا يؤكد بلا ادنى شك؛ ان المخطط الاسرائيلي الامريكي الغربي، مخطط خطير جدا، بل هو الاخطر، ليس القضية الفلسطينية، بل على الاوطان العربية، وعلى البعض من الجوار الاسلامي (ايران).

خامسا: الحديث عن تهجير سكان غزة الى مصر، وفي تزامن جار الحديث عن الوطن البديل. لم يكن من فراغ او ليس له صلة بالعملية الاجرامية للاحتلال الاسرائيلي التي تجري الآن على مدار الساعة والدقيقة والثانية في القتل والتدمير التي لامثيل لها ابدا في جميع مراحل الصراع العربي الاسرائيلي.

السؤال الكبير، هو هل تنجح اسرائيل والغرب وامريكا في كل هذا الذي تقدم في اعلى هذه السطور؟ الجواب وبكل تأكيد: لم ولا ولن تنجح. وباختصار للأسباب التالية:

اولا: ان الهجوم البري اذا ما اقدمت عليه اسرائيل فأنها سوف تفشل بفعل صلابة وقوة ودرجة الاستعداد الجهادي للمقاومين الذين سوف يتصدون له وبجدارة. هذا من جانب اما من الجانب الثاني وهو جانب افتراضي ليس الا؛ اذا ما نجح الاحتلال الاسرائيلي مع ان وجهة النظر الشخصية؛ من انه لن ينجح ولكن افتراضا؛ فان اسرائيل سوف تواجه مقاومة شرسة في غزة وفي كل الارض الفلسطينية المحتلة. وتجبر اسرائيل حينها على ان تدفع اثمان باهظة في حفظ الامن واقصد امن جنودها، وفي الادارة وفي غيرهما الكثير. ومن جانب أخر؛ فان السلطة الفلسطينية في رام الله سوف تهتز اهتزازا قويا جدا،  بما يطيح بها، قبل ان يطيح بها هذا المخطط الاسرائيلي الامريكي الغربي لاحقا في المقبل من السنين..

ثانيا: ان هذه الخواتم؛ سوف توسع منطقة الفراغ بين الشعب العربي في كل دولة عربية على حده، ونظام الحكم فيها، وما اقصده هو الانظمة العربية المطبعة. مما يقود الى ان تجد هذه الانظمة نفسها تحت الضغط الواقع الناتج عن المخطط الامريكي الاسرائيلي الغربي؛ مجبره ليس بالوقوف على الحياد، كما هو جار حاليا، اذا ما صرفنا النظر عن تصريحات مسؤولوها، التي لا صوت لها ولا تأثير جدي، بالوقوف الى جانب المقاومة بمواربة، أو بطريقة ما ملائمة لها في الظروف السياسية التي تولدها الخواتيم في حينها.

ثالثا: دول الجوار الاسلامي وما اقصده على وجه التحديد الحصري، ايران؛ سوف تجد نفسها، او انها سوف تدخل في الصراع ولو عبر اذرع المقاومة، على الرغم من التلويح الامريكي، وبالتهديد الصريح والواضح من انها سوف تجابه برد قوي من قبل امريكا ان هي تدخلت في هذه الحرب، ولو بواسطة اذرعها كما هي تقول امريكا. من الجانب الثاني وفي الفحص المتأني للأوضاع ومخارجها لاحقا، وعلى ضوء الخطاب الايراني الايديولوجي وطروحاتها السياسية التي تعكس هذا الخطاب؛ اذا لم تتدخل ولو بواسطة المقاومة، فأن هذه المخارج سوف تؤثر تأثيرا جديا وفاعلا ومنتجا؛ على الداخل الايراني وعلى النظام بأكمله. عليه فان مقاومة جوار المقاومة الفلسطينية؛ سوف لن تكتفي كما هو حاصل في الوقت الحاضر من الصراع؛ بضربات منتخبة محدودة، بل سوف تتوسع الى رد مفتوح..

رابعا: ان الرأي العام الدولي وفي جميع دول العالم؛ بدأ في الايام الاخيرة هذه يرتفع اكثر واكثر مع كل يوم يمر بالتنديد والادانة لهذه الجريمة الصهيونية. اضافة الى الرأي العام العربي والاقليمي. مما سوف يشكل قيدا على هذا المخطط الامريكي الاسرائيلي الغربي. كما ان الداخل الاسرائيلي مفكك بصورة واضحة ومفلته للنظر؛ من خلال ما تنشره الصحافة الاسرائيلية..

في الختام اقول؛ ان المقاومة الفلسطينية والعربية وفي كل مكان؛ سوف تنتصر، ليس على مخططات دولة الاحتلال الاسرائيلي، وربيبتها الامبريالية العالمية المتوحشة، بل على كل مواقف الانبطاح والمهادنة..

***

مزهر جبر الساعدي

الإعلام المهيمن على الوعي البشري الجمعي يشن حربا نفسية شعواء، تقودها رموز متنوعة ذات شأن في صناعة القرارات، وتوجيه الرأي العام، فماذا قدمنا لمواجهتها؟!!

الإستنكار!!

إنه سلوك أضعف الإيمان، الذي نمارسه منذ عقود عديدة، نرفض، نحتج، نتظاهر، ندين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، فنستودع الأبرياء عند الله ونطلب منه أن يجعل نيران القنابل الحارقة بردا وسلاما عليهم.

أ ليست حكومات الدول الغربية بأسرها مذعنة، ولكل منها دوافعه وعاهاته التي تملي عليه سلوكا ما!!

لا جديد في الأمر، لكن المرعب أن سلوكنا بقي على حاله ولم يتغير.

الصمود يصنع النصر، فهل الصمود كلمة؟!!

لابد من الإقترابات الإيجابية لبناء النفس وتفنيد أدوات الحرب النفسية، التي تشنها مراكز الهجوم المتكاتف على الأمة.

أ ليست قيمة الإنسان في الحضيض، فلو كانت له قيمة لترددت الدنيا من النيل منه، لكنه رقم وما أسهل محو الأرقام!!

والمسلم يقتل المسلم بدم بارد، ويعين أعداء الأمة عليه.

والكراسي تمارس الخيانات بوقاحة صارخة، وبعض القادة يرتجفون ويرتعبون من التهديدات والإقترابات العدوانية.

ولغياب القدوة الإيجابية القادرة على بناء النفس المنتصرة أثرها الكبير.

شعب يُباد وسيمحق ويحصل على المظاهرات والشجب والندب والرثاء!!

إنها حقائق مؤلمة، وعلى نخب الأمة أن تراها ولا تتصرف بإضطراب وإنفعال، بل بحزم ووعي وإقدام.

فواجبنا أن نواجه الحرب النفسية بعلمية معاصرة، فهل نجيد مهاراتها؟!!

ويا ترى مَن يهيمن على الإعلام والجمعيات النفسية وأسواق المال؟!!

***

د. صادق السامرائي

1 ـــ تعوي جنود ألله ، في بيوت الله، اني كافر، خطفوني قنصوني قتلوني، ثم ماذا؟؟، لست أعلم، فالقاتل المجهول في بيت العبادة، يوصي بالمعروف ويُنهى عن المنكر، ويبقى الله أكبر، ورغيف خبز الناس اصغر ثم أصغر، قلت يوماً، الجوع كفر، الجهل والأمراض والأذلال كفر، أن تولد الأطفال ويموتوا قبل اوانهم كفر، تسول الأرامل وبحث القاصرات بأكوام القمامة، عن وجبة، في فضلات اللصوص، فالأمر كفر وكفر، ولأني كفرت بكل اسباب الكفر تلك، نبحت جنود الله في بيوت الله، اني كافر، شرعنوا خطفي وقنصي، في موت مجهول الهوية، والقاتل المجهول في بيت العبادة، (يهش) مجاهدي الله لأكمال افتراسي، فرق كبير، بين ربي الذي أحب، ورب اللصوص والقتلة.

2 ــ نتغرغر بالسؤال المرّ، من هؤلاء ومن اين جاءوا؟، من شرقنا من غربنا، من الشمال او الجنوب، غرباء عن لهجتنا وسمرتنا وعاداتنا وفلكلورنا، غرباء عن تقاليدنا وحميد موروثاتنا، لكنهم مدربون بكل مواهب الخدعة والأحتيال، اقنعوا بسطاء الناس، على أنهم (سادة) واصحاب ثار لدم الأمام الحسين(ع)، وبخبث متقن، اجتاحوا محافظتي النجف وكربلاء، وجندوا مغفلي المجتمع المظلوم، في الجنوب والوسط بشكل خاص، استقر الفأس في الراس، وأشعلوا حرائق الفتن الطائفية، وأصبحوا "صمام أمان" بقدرة قادر، هم وحدهم، يشكلون حكومات ويسقطون أخرى، لمعوا صورتهم بالمظاهر والألقاب، سماحات وآيات عظام، شكلوا لهم احزاب وتيارات ومليشيات، للخطف والقنص ولقتل الجماعي، تكفير وقتل لمن "يريدون وطن"، والكافر هو من يكفر الأخر، ولكل انسان في الكون، أن يختار رب له ليعبده بكامل الأيمان، في السماء كان او بقرة في بابه، شرط الا يؤذي الآخر.

3 ــ كافر وملحد، واضافات بذيئة اخرى، في نظر المتأسلمين، لا اعلم كفرت بمن ولماذا، غير أني وكما أكدت مراراً، لا أنتمي لأي دين بعينه، مع اني أحترم جميع الأديان، شرط الا تكفر بعضها، غير معني بما يفكرون، علاقتي جيدة مع المسيحيين، كأخوة وطن يجمعنا تاريخ وعراقة ومشتنركات، وكلانا كما هم غيرنا، ابناء ارض وتاريخ حضاري، علاقتي جيدة مع الأخوة الأيزيديين، كنت ضيفاً عندهم في خانقين، شعرت بألفة وصدق الأنتماء لبعضنا، علاقتي بالصابئة المندائيين، علاقة نسب تمتد لألاف السنين، تجمعنا الأرض والمياه الدافئة للرافدين، لم نسمع او ذكر التاريخ، أن تلك الأديان، اساءت للمسلمين في العراق، او فجرت حسينياتهم او مساجدهم، بعكسه صبروا على ما فعله المسلمين بهم، من تفجير وتهجير وأجتثاث، أشعر بالأمن الصداقي، داخل معابد وكنائس وحتى بيوت، اصحاب الديانات العراقية الأخرى، وأخشى دخول المساجد والحسينيات، حتى لا يرشقوني بالكفر والألحاد، واسقاطات أخرى معيبة، في عرف المتأسلمين والمتمذهبين، ان قتل الأنسان تقية وجهاذ، حتى ولو كان، ابن وطن وجار لهم، لمجرد اختلف معهم، أو طامعين بداره وممتلكاته، أرث جاهلي لا يمكنهم الفكاك منه، ومن مصلحة العراق، اعادتهم الى حيث كانوا.

4 ــ ولدت في بلد مسلم صدفة، ومحافظة وبيت شيعي صدفة أيضاً، قليل من الوعي الوطني،منعني ان أكون، جزء من الواقع غير المفهوم، رفضت ان تكون أمي حواء خرجت من ضلع أبي، وعاقبها الله، لأنها خدعته، بأكل تفاحة منع أكلها، وقد نجد في الكتب المقدسة!!، نصوصاً لا يمكنها ان تصدر عن الله، آله العدل والجمال، كما لا يمكن للرب، ان يكون معنياً بما الت اليه، ضروف السيدة عائشة، او معنياً بمعاشرة زوجات الأنباء لغيرهم بعد وفاتهم، أو جلد الأموات في قبورهم، فآلة العدل والمساواة ورفاهية الأنسان، لا يجند مليشيات دموية يقودها "منكر ونكير" تلك واشياء أخرى كثيرة، رسخت قناعاتي، ان الأديان ثورات وضعية، مغموسة بشهوة التوسع والأستعمار، حيث الثروات والجغرافية، وكتبهم وضعية مشبعة بالأنانية والعمى الذكوري، شرعنوا اذلال المرأة وتشويه أدميتها، عبر ايات تحت الطلب، شخصياً احترم عقلي وقناعاتي، ومن يكفرني كافر، وايمانه اكثر كفراً ونفاقاً.

***

حسن حاتم المذكور

26ف / 10 / 2023

مع بداية كل حرب قصيرة مع إسرائيل في الأعوام الماضية، يبدأ الأعلام العربي المرئي والمسموع ببث الخطب الرنانة والشعارات والأناشيد الحماسية التي تقوي النظام الحاكم والقائد التاريخي الجالس على كرسي الحكم (باجر بالقدس يحكم أبو هيثم).. وهذا أبو هيثم (رحمه الله تعالى)...هو (أحمد حسن البكر 1تموز/ 1914 - 4 تشرين الأول/1982) رابع رئيس لجمهورية العراق من 17 تموز/ يوليو 1968 إلى 16 يوليو 1979 والذي تنازل عن الحكم لنائبه (صدام حسين المجيد 1979-2003 ) تحت قوة السلاح والسلطة، لأن البكر في حينه لم يستطع تحرير فلسطين، مع وجود القائد الضرورة على رأس الحكم في العراق، لذا ترك تحرير القدس للسيد النائب الشاب الوسيم المفتول العضلات.

وفي أيلول من عام / 1980 توهم القائد الضرورة وبطل التحرير القومي بأن عدوه الأول ليس إسرائيل وأنما أيران، لذلك خاض حرب مدمرة معها لمدة ثمان سنوات أطلق عليها (قادسية صدام) أو ما تسمى - القادسية الثانية - والتي انتهت في 8 أب 1988 بتبادل القبلات وفتح السفارات والتعامل التجاري والسياحي بين البلدين، والعودة الى أتفاق الجزائر عام1975.

ثم توهم قائد الجمع المؤمن وأخو هدله كما كان يطبل له أعلام النظام بأن تحرير القدس يمر عبر دولة الكويت الغنية بالنفط والسيارات الفارهة والدولارات، راح الى هناك صبيحة يوم 2 أب عام 1990 وأدخلها في سجلات العراق المحافظة التاسعة عشر.. بعدها أخرجته قوات التحالف الدولي والقوات المتجحفلة معها الى حيث كان يوم 2 شباط1991.. ليقوم بقتل شعبة الثائر عليه وعلى نظامه البائس في انتفاضة شباط المجيدة عام1991.

هاذا نموذج بسيط وقليل من بعض قادة العرب ممن تبجحوا بتحرير فلسطين من اليهود وفشلوا في التحرير، أو راحوا بالطريق الأخر المؤدي بهم وبلدانهم الى التهلكة والعقوبات الدولية المفروضة.. أما بقية القادة العرب أو الأغلبية اليوم تشعر بقوة الردع الإسرائيلي ووقوف الدول الكبرى وراء هاذا الكيان الجاثم على أرض فلسطين، فراحوا يفتحون السفارات والتبادل التجاري والثقافي معه، حتى أطلقوا عليه وعلى أنفسهم (أخوة أبراهيم).

والبعض الأخر منهم اليوم يشعر بالخجل.. أو ماذا يقولوا للعالم العربي والإسلامي عن قتل أطفال ونساء وشيوخ فلسطين؟، وفي نفس الوقت هم يكرهون أشد الكره محور المقاومة العربية- الإسلامية بما فيها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وحزب الله لبنان، وسوريا الاسد، واليمن الحوثي، وأيران، وبعض فصائل الحشد الشعبي العراقية، ويتمنوا زوالهم اليوم وليس غداً على يد أمريكا وحلفائها التي جاءت بالسفن الحربية والمدمرات القتالية والجيوش والاسلحة الفتاكة الى الخليج العربي والمنطقة.

وجاء التصعيد الإسرائيلي للرد على عملية-  طوفان الأقصى - التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حيث اقتحم مقاتلوها مستوطنات بغلاف مدينة غزة وشنوا قصفاً على مدن وبلدات إسرائيلية مما أسفر عن مقتل وإصابة أكثر من 6 آلاف إسرائيلي حتى اليوم، إضافة إلى أسر حوالي 250 آخرين.. كذلك قامت إسرائيل بقصف مكثف على قطاع غزة أسفر لحد الأن عن مقتل 7 الأف وجرح 17 الف وتهجير ما يقرب من مليون مواطن فلسطيني.

كل تلك الأحداث أنتجت أجيالاً ترسخ في ذهنها أنه لابد من شخص ما قادم من عمق التاريخ ذو قدرات كبيرة يمهد لها الطريق، فمن الاتكال المطلق على الدولة في توفير السلة الغذائية، ثم البحث عن الوساطات لإدراك الوظائف والمكاسب المتوسطة، ثم انتظار القائد الخارق ليغير المجتمع ويرفع الظلم عن المظلومين ويرد حقوق الأمة المسلوبة، فلا يؤمن الإنسان بنفسه ولا بقدراته التي قد يعيش عمره كاملاً دون أن يتعرض لتجربة واحدة يثبت فيها هذه القدرات.

والكثير من عامة الناس ينتظر القائد الضرورة والبطل القومي ونبوخذ نصر جديد لكي يحرر فلسطين مرة أخرى ويأتي بهم أسرى الى مدينة بابل، وهو جالس على شاشة التلفزيون يترقب حرب غزة اليومية من قناة الحدث أو قناة العربية أو الجزيرة القطرية.. بعدها ينهض من غفوته ليردد (أمجاد يا عرب أمجاد).

***

شاكر عبد موسى/ العراق - كاتب وأعلامي

لا أريد أن أبدأ بالتحية والسلام الى مَنْ أوجّه رسالتي له..!

من طبيعة الحروب التي تنفجر بين جبهتين، فليس من المنطقي والمعقول أن يكون كِلا طرفيها على حق، ولا أن يكون كلا طرفيها مظلومين، ولا أن يكون كلاهما جبهة خير، لم يكن ذلك على مدى التأريخ، مذ نشأت الخليقة، لم نجد ذلك في أية حرب تندلع بين طرفين، وكلاهما على حق، وذلك لا يمكن قط ..

 وما قلته أعلاه، ويقوله المنطق السليم، أن هذا المفهوم، هو ليس فيما يخص التأريخ البشري الأنساني المعاصر والقديم فحسب، لا بل ما قبل التأريخ أيضا، فعندما كانت تندلع المعارك والحروب بين مجتمعين بشريّين، فحتماَ أنّ هناك في تلك الحرب او المعركة، معتد ومُعتدى عليه.

إذاَ الحرب حتماَ وبلا نقاش، وبمنطق (العقل)، وأعيد ما قد ذكرته في مقالة سابقة مقولة الأديب الشهير توفيق الحكيم " ليس العقل ما يميّز الأنسان عن الحيوان، ولكن الضمير "، نعم عندما نقول منطق العقل، يعني مصحوباَ بالضمير، حتى يكون فعلا منطق عقل-إنساني، او عقلاني، فلا عقل من دون ضمير، ولا ضمير من دون عقل، فعندما نقول هذا كلام منطقي، يعني إنطلق من العقل وفلترة الضمير أو الوجدان، ليكون كلمة طيبة خلاقة، متوهجة بنور الحق والحقيقة .

نعود ونقول أنّ الحروب حتماَ بين جبهة خير والأخرى جبهة شر وعدوان، أي حرب ظالم معتد مظلوم مُعتدى عليه، بين مَنْ يسفك الدماء، والآخر يقاتل ويضحي بدمه ونفسه وكل مايملك من أجل حقه ومظلوميته .

فالذي يسفك الدماء، هو مُتعطشٌ لها، وليس لديه ذرة من الرحمة والشفقة والضمير، فكل ما يبتغيه من عدوانيته،هو إشباع رغباته الحيوانية الوحشية، فهو يفتك ويبطش، وينشر الخراب والدمار، أما الطرف الآخر فهو يقاوم كل هذه الوحشية والعدوانية بكل بسالة وشجاعة، من أجل حقه المشروع، وليس من خيار آخر عنده، بسلاحه القوي الذي لا يمتلكه عدوه، وذلك السلاح هو ايمانه المطلق بقضيته المتمثلة بحقه المشروع الذي لا يمكن أن يتنازل عنه .

فهذه الجولة التي حاولت من خلالها وباختصار أن أبين ماهية الحروب والنزاعات بشكل عام ومختصر، وأن الحروب والنزاعات بديهيا يخوضها ويقودها رجال من كلا الطرفين .

ومن المعروف أن الحروب التي تحصل بين جبهتين، فهناك قيم ومبادئ وقوانين تفرضها الاعراف والمفاهيم والتقاليد السائدة، التي بموجبها لا ينبغي الاعتداء على النساء والأطفال والشيوخ والعجزة والمستشفيات ودور العبادة والمعالم الحضارية والأثرية، وتجاوز هذه الخطوط الحمر، يعني انها البربرية والهمجية التي لا تفهم لغة التفاهم والعقلانية .

ومن هنا أوجّه هذه الرسالة الى المعتدين الصهاينة الغزاة،وليس لليهود العزّل الذين لا عداء لنا معهم، والذين ابتلوا هم كذلك بحكامهم المجرمين،هؤلاء الادوات لقوى الشر العالمي، مثلما نحن ابتلينا بهم وبعصاباتهم التي يستخدمونها ويدعمونها في الاعتداء والاجرام في الداخل والخارج، بالارتباط مع الأجهزة الأمنية والمخابراتية والقمعية، مثل شعبة الأستخبارات العسكرية، و الموساد (المخابرات الخارجية) وشاباك (الأمن الداخلي)، وبدفع من هذه الاجهزة ودوائرها التي تخطط وتتآمر وتقتل، وهي ايضا ليس بمعزل عن الأيادي الخفية وما يُملى عليها في سبيل تنفيذ ما تريده قوى الشر الرأسمالي العالمي وتجار الحروب . وأكرر وأقول أن قادة الحروب وكما هو معروف دائماَ وأبداَ هم رجال، والرجال لا يقابلون إلاّ الرجال، ولا يمكن أن يُطلق عليهم رجال حتى يتصفوا بشيئ من الرجولة، فما ذنب النساء والأطفال والشيوخ والعجزة العزّل، والمستشفيات وأماكن العبادة؟

فرسالتي الى المجرمين الصهاينة المعتدين، والى النتنياهو، أقول أن ما تقوم به من جرائم بشعة وإبادة جماعية، يندى لها جبين الأنسانية، فنحن نعلم، وأنت تعلم، والعالم يعلم بأجمعه انك قد هُزِمت أمام ثلة من المقاومين الأبطال الذين هم يناضلون ويجاهدون من أجل حقهم وعلى أرضهم، وانك معتد غاشم، لا علاقة لك بالأرض ولا بالعرض، وليس لك أي انتماء، سوى عدوانيتك ونزعتك الشريرة، ويدفعك ويدعمك الذين هم من ورائك، من قوى الشر والعدوان العالمي، الطامعون بخيرات الأمة وتأريخها وحضارتها التي لايمتلكون مثلها، فأنت أيها الوغد، وعصابتك ليس أكثر من أدوات .

فاسمع ما أقول لك، ان الذين يخوضون الحرب ويقودونها يجب ان يكونوا رجالا، والرجال لا يمكن ان يقال عنهم رجال، إذا لم يمتلكوا شيئا من الرجولة

ولهذا السبب أقول لك أيها النتن-ياهو أنك هُزمت في المعركة ولم تستطع، ولا يمكنك أن تواجه من صفعوك، على الرغم مما كنت تدّعيه وتتبجح به من امتلاكك كل امكانيات القوة الأسطورية التي كنت تروج لها زورا وكذبا وبهتانا، فأثبت الأبطال أن قوتك أوهن من بيت العنكبوت، فصُدِمت بالصفعة في السابع من أكتوبر، والذي انت اعترفت به كما يقال (بعظمة لسانك) كان يوما أسودا في تأريخكم، فانتظر ايها النتنياهو أن القادم سيكون أكثر سواداً، على أيدي الفتية الذين آمنوا بقضيتهم، فكيف بك لو انّك قابلت كل أحرار الأمة، وليس المنبطحين والمتخاذلين الذين كنت تتصورانهم هم الأمة وليس هناك من أحد غيرهم، فرحت تتخبط، ليس كرجل، وقائد حرب متمرس، وانما كفأرة مرعوبة، فانك حقاَ أصبحت إضحوكة ومهزلة وفضيحة مخجلة بين مَنْ حولك وأمام الذين تصوروا أنك تحمي مصالحهم، فخيّبْتَ ظنّهم بك، وأحرجتهم، وأوقعتهم في موقف حرج، ومأزق، لا يعرفون كيف ينقذونك ويتخلصون من أزمة الموقف، بينما أنت بسبب جبنك وغبائك تريد أن تدفعهم الى المحرقة التي تخاف أنت منها ومن عواقبها، وهم أيضا مندهشون، مذهولون لما يجري، وما جلبت لهم ..!

فأقول لك أنك لست برجل عندما تقتل النساء والاطفال والشيوخ والمرضى والعجزة و العزّل من الناس، وتخرب وتدمّر وتفتك وتبطش وتعوي وتنبح، ولا تستطيع، ولم تقدر على ذلك لتثبت رجولتك، هرباً من فضيحتك التي صُدمتَ بها .

***

الكتور ابراهيم الخزعلي

25/10/2023

في المثقف اليوم