أقلام حرة
صادق السامرائي: الموصل قدوتنا!!

الموصل تقدم نماذج رائعة للكتابة التأريخية عن المدن الحضارية، ويبرز فيها ألمعيون أفذاذ مخلصون لمدينتهم ويتفاعلون معها ككينونة حية ذات منطلقات باهرة. وفي مقدمتهم المعاصرون من الغيارى الميامين الحريصين على مدينتهم الشماء، فهم مشاعل ساطعة تساهم في نشر ثقافة المدينة، والتعبير عن قيمها ورسالتها الإنسانية، وتضعها في الموضع اللائق بها.
فالمدينة تحدّت العدوان، وأعادت منارتها الحدباء بأروع مما كانت، وهي المدينة التي إنبثقت فيها الحضارة الآشورية، وإنتشرت قدراتها العسكرية والمعرفية، وبفضل مكتبة آشور بانيبال عرفنا الكثير عن الأزمان القديمة.
كلما أقرأ ما تجود به أقلام المؤرخين الموصليين، أشعر بالفخر والقوة، وأتمنى أن يبرز في مدننا الأخرى مؤرخون يعبرون عن مكنونات مدنهم، وأدوارها في صناعة المسيرة الإنسانية الرائدة، فمدننا ذات بدايات حضارية، وأكثر أبنائها يعيشون في أمية عن مدنهم، ولهذا يكون إرتباطهم بها ضعيفا، ويميلون لإستحضار السلبيات، وعدم وعي قيمة المكان الفريد.
يدهشني المؤرخون الأجانب عندما يتحدثون عن سامراء وحضارتها ودورها الريادي في أنظمة الري والصناعات الزجاجية والخزفية، وأجدهم يعرفون عنها آلاف المرات أضعاف ما أعرف، ويعضهم مهووس بها، ولديه أعلى الشهادات متخصصا بتأريخها، ونحن نجهل عنها الكثير، وعشنا بها وكأننا في غفلة ثقيلة، وأمية سافرة.
أذهلني أحد الأساتذة الأجانب، عندما إعترضت على عدم ذكر المدينة في ندوة عن العراق، فاقترب مني قائلا: "أنها أغنى مدينة أثرية على سطح الكوكب، وتحتاج إلى ندوات، ولا تستوعبها ندوة كهذه"!!
ومضى يحدثني عن تأريخها الذي غاص فيه وكأنه يعيش فيها ويعرفها أكثر مني!!
قلت لنفسي، إنه يعرفها، وأنا أجهل مسيرتها!!
ذلك الأستاذ دفعني للبحث والإهتمام بمدينتي، بعد أن صارت حلما بعيد المنال!!
يا أبناء مدننا الخالدة تعلموا من مؤرخي أم الربيعين، فهم القدوة الحَسنة، والمثال الأصدق في التعبير عن حقيقة المكان الذي نعيش فيه، وبأمثالهم تتطور ثقافة المدينة في وعينا الجمعي.
وعاش كل غيورٍ أبيٍّ عزيز!!
***
د. صادق السامرائي