أقلام حرة
علي فضيل العربي: المقامة الغزّاوية (2)
حدّث أيّوب بن أيّوب الغزّاوي، قال: وأمّا ما جرى في السابع من أكتوبر 2023 لميلاد المسيح عليه السلام، وللسنة السبعين عن النكبة الكبرى وفضيحة التقسيم، فأمر عجيب، لم يكن ينتظره عدوّ ولا صديق، و لم نقرأ عنه في كتب اليونان وصحائف الرومان، ولا فلسفة أرسطو وسقراط وأفلاطون ولا في قصص الف ليلة وليلة، ولا في إلياذة هوميروس ولا في كوميديا أليغري دانتي ولا في حكايات (بقديدش والغولة)*. فقد أصاب قوم الصهاينة العمى في الأبصار والبصائر، وتحقّق فيهم قوله تعالى: " وجعلنا من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدّا فأغشيناهم فهم لا يبصرون " (يس / 9) **. فكان مثلهم كمثل كفار قريش في مكّة في ليلة الهجرة المباركة. فقد حلّق شباب غزة فوق غلاف غزّة كطيور الأبابيل ورمت الصهاينة الغزاة (بحجارة من سجيل، فجعلتهم كعصف مأكول)***. لقد غزا شباب غزّة العزّة غزوتهم الكبرى، فعبروا جدارهم الأسمنتي، الشائك، المكهرب، المرصّع بعيون كاميرات المراقبة والجوسسة، فوجدوا قوما ظالمين، وفي لهوهم غارقين، فآسروا منهم خلقا كثيرا ؛ من الذكور والإناث، والكبار والصغار، وساقوهم إلى قلب غزّة صاغرين. وأخبروهم، أنّهم ضيوفهم إلى حين، وما ضربوهم ولا أهانوهم ولا عذّبوهم ولا نكلوا بهم، بل آووهم وأطعموهم وعالجوا جراحهم وأمّنوهم، كما أمّنوا أنفسهم، ودعوهم إلى الإسلام، دين المحبّة والسلام.
أمّا، وقد ادّعى كبراء قومهم، من الساسة السفهاء والعسكريين الرعان، بأن شباب غزّة العزّة، قد عذّبوا ونكّلوا وقتلوا وقطعوا رؤوس الأطفال من قوم الصهاينة، فهو محض كذب وافتراء وتلفيق وبكاء تماسيحي على حائط من سراب، وهو ممّا عُرف به الصهاينة، وتعوّد عليه اليهود منذ خليقتهم الأولى. غرضه استجلاب تعاطف الغرب الصليبي والشرق المجوسي وعطاياهم ومساعداتهم العسكريّة وولائهم السياسي الإعلامي. وقد حقّقوا مرادهم في ذلك، ووقف الغرب - المتخفّي وراء ستار الديمقراطيّة، والمتدثّر بغطاء حقوق الإنسان – مناصرا للظالم على المظلوم، وداعما للطغاة على المستضعفين، وظهيرا للصوص الحريّة والأرض على أبناء الوطن. وها نحن فريسة للإبادة الجماعيّة الفظيعة أمام أعين لا تبصر وآذان لا تسمع وألسنة معقودة، بكماء. أمّا الأعراب العاربة والمستعربة من أبناء العمومة والخؤولة، فقد سُقط بأيديهم، وتواروا عن الأنظار من وراء جدران الصمت تارة، والتنديد والاحتجاج في السرّ والعلن. كأنّهم أصيبوا في عقولهم أو مسّهم سحر بني رزيق في بئر ذروان. أو كبّلهم سحرة فرعون وسحر هاروت وماروت. وها نحن في غزّة يتضوّر أهلنا جوعا وعطشا وبردا. ولم نر في هذا الزمن الصليبي الديمقراطي جيشا، يسمّي نفسه " جيش الدفاع " يطلق نيران أسلحته الفتّاكة على الرضّع والخدّج والأطفال والنساء والمرضى والجرحى والمسنّين، وكأنّه يمارس هواية الرماية على أهداف من حجر أو خشب. إنّهم عصابات فاشيّة، سليلة أولئك الصليبيين الذين أبادوا (الهنود الحمر) (4) في أمريكا و(الأبورجيّون) (5) في أستراليا و (خوي خوي)(6) في إفريقيا عن بكرة أبيهم، دون رحمة أو شفقة أو ذرّة إنسانيّة.
بينا الأعراب قد استلذّوا النوم، فهم في سبات كسبات أهل الكهف. وأضاف أيّوب بن أيوب الغزّاوي: ولم توقظ أنّات الأطفال ولا صرخات النساء ضمائر الأعراب، ولم تحرّك لهم طائرة أو دبابة أو مدفعا أو بندقيّة عمريّة مختاريّة أو رشّاشا أوراسيّا أو خنجرا كخنجر سليمان الحلبي أو سيفا مسلولا خالديّا أو أيّوبيّا أو معتصميّا أو عصا موسويّة، فكأنّ دماء الغزّاويين ودموعهم وجراحهم وآلامهم لا شرف مراقا لهم فيها. وقد نسوا أو تناسوا أنّ الشرف لا يسلم من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم. لقد عرّت غزوة غزّة الأبيّة سوءات الأعراب العاربة والمستعربة، المطبّعة والممانِعة على حدّ سواء. وفضحت خطبهم العصماء وأبطلت أقوالهم الجرداء وسياساتهم العرجاء. وكم في بلاد الأعراب من المضحكات، ولكنّه ضحك كالبكاء. لقد سمع أهل غزّة أحدهم يرفع عقيرته على أحد منابر الخطابة – والأعراب جهابذة في الخطابة وفنّ اللغو - قائلا: نحن معك يا فسطلين. فابتسم للحنه اللغوي صبيّ من غزّة، وقال: بل فلسطين، يا أيّها المطبّع الأبله.
وختم أيّوب بن أيّوب الغزّاوي منظومة الكلام الوجيع في انتظار مولد الفجر الموعود والصباح المشهود، وحكمة أبي عبيدة الغزّاوي: وإنّه لجهاد، نصر أو استشهاد.
***
بقلم: علي فضيل العربي – روائي وناقد جزائري
....................
هامش:
1- الغولة وبقديدش: حكاية شعبيّة شهيرة متداولة في منطقة الظهرة بالجزائر.
2- الآية 9 من سورة يس.
3 - الآيتان 4 /5 سورة الفيل
4 - سكان أمريكا الأصليين
5 - سكان أستراليا الأصليين
6 - سكان إفريقيا الأصليين