أقلام حرة

نهاد الحديثي: اداب الحوار وتعدد الآراء

تتسم اجتماعات الأصدقاء في الغالب بطابع الود والانسجام، وقد تكون المجاملة بوابة لتمرير بعض الآراء دون قناعة من الجميع حفاظا على علاقة الصداقة، اجتماعات الأصدقاء مفيدة نفسيا واجتماعيا وثقافيا، وليس المطلوب أن تكون حوارات الأصدقاء مقننة وذات طابع رسمي ولو كانت كذلك لهجرها الأصدقاء لكن المهم هو الالتزام بأخلاقيات الحوار ومنها الاحترام حتى في حالة المزاح وهي أمر طبيعي بين الأصدقاء فالمزاح له حدود، ماذا يحدث في الاجتماعات الرسمية هل تمارس المجاملة خاصة حين تضم هذه الاجتماعات بعض الأصدقاء، هل سيجامل المشارك في الاجتماع رئيسه ثم يقول كلاما مخالفا في المجالس الخاصة؟ ومن آداب الحوار امتلاك مهارة الإنصات، وفي حالة النقد يكون التركيز على الموضوع وليس على الشخص سواء في الحوار المباشر أو عن طريق الكتابة، في الحوار المباشر يتلطف الحوار بكلمات جميلة، وقد يقولها الكبير للصغير، الكلمة الجميلة قد تقال بطريقة يجعل معناها كالورد بعطر جميل في الندوات والمؤتمرات بموضوعاتها المتنوعة لها تنظيم وقواعد في إدارة الحوار وتحديد الوقت، الحوار هنا في الغالب حوار علمي ليس فيه رئيس ومرؤوس، لا يصفق أحد للمجاملة على حساب العلم، يطبق مبدأ الرجال يعرفون بالحق وليس العكس، يحدث أحيانا في الندوات عدم تقبل النقد أو المقترحات، يقول أحد الزملاء، كنت أحضر ندوة إدارية عن أحد الأجهزة فطلبت المداخلة وأشرت فيها إلى وجود ازدواجية بين هذا الجهاز وأجهزة أخرى تقوم بنفس الدور، واقترحت دمجها، علق رئيس الجهاز على الاقتراح بسخرية، بعد مرور سنة أو أكثر صدر قرار الدمج، الحديث عن أدب وأخلاقيات الحوار لا يغفل موضوع المؤتمرات الصحفية وما يحدث فيها أحيانا من توتر قد يكون سببه المتحدث نفسه، وفي أحيان كثيرة عدم إلمام بعض الصحفيين بالموضوع وما ينتج عن ذلك من أسئلة لا علاقة لها بما يطرحه المتحدث، رغم ان تعدد الآراء ظاهرة صحية في حياة الناس، في العلاقات الأسرية، وفي الحياة المهنية، والعلاقات الاجتماعية، اسوأ أنواع الحوارات تلك التي يسيطر التعصب على عقول المشاركين فيها وهي حقيقة لا تستحق مسمى حوار؛ لأنها عبارة عن معركة كلامية مرهقة للأعصاب وقد تؤدي إلى نتائج مؤلمة.

من اهم عوامل نجاح أي حوار من أي نوع وفي أي موضوع أن يسعى المتحاورون نحو الوصول إلى الحقيقة وليس الانتصار للرأي، يتحقق ذلك بالالتزام بآداب الحوار. لن تسمع كلمات مثل: يا أخي احترم عقولنا، كلامك غير منطقي،تتميز الحوارات الثقافية في الغالب بالموضوعية واللغة العلمية لكنها لا تخلو من حالات تظهر فيها الشخصنة وعدم تقبل النقد والرأي الآخر. يجب أن تتعدد الآراء في كل المجالات ومنها المجال الثقافي ففي ذلك إثراء فكري واجتماعي ومتعة للمتلقي، المهم هو الالتزام بآداب الحوار، واشد الحوارات تفاهة نجدها في الحوارات السياسية التي غالبا ماتتحول إلى معارك شخصية لا تخلو من الإهانة والسخرية ثم الحوارات الرياضية التي يتصاعد غيها النقد وتتحول الى مشاكسات وطرح سطحي بلغة التشجيع وليس بلغة النقد الموضوعي.

يجب ان يكون الحوار في أي مجال فعالا إذا توفرت فيه أسس مشتركة ضرورية لتقديم حوار مفيد سواء داخل الأسرة أو في الحياة العملية أو بين الأصدقاء.. وضوح أهداف الحوار، الموضوعية واللغة العلمية، الإنصات وعدم المقاطعة، عدم رفع الصوت، الاحترام، اختيار الكلمات المناسبة، تجنب التعصب، التواضع، عدم الإصرار على الخطأ انتصارا للرأي رغم وضوح الخطأ، إدارة الحوار بمهنية ومعايير واضحة، الحوار فن يتطلب توفر بعض المهارات التي يمكن اكتسابها بالتعليم والتدريب في المدارس والجامعات ومراكز التدريب،، الحياة حوار مستمر في كل مراحل الإنسان واحتياج تدريبي ضروري للجميع، وحين يتحاور العالم وفق أسس علمية وإنسانية ويسود الحوار احترام الثقافات والاستقلالية، وتجنب الغطرسة والتعصب يتحقق العدل والسلام والحياة الكريمة للجميع. فهل تلتزم الحوارات السياسية بأسس وأخلاقيات الحوار؟.

***

نهاد الحديثي

 

في المثقف اليوم