أقلام حرة

ثامر الحاج امين: بلاد بلوحة سريالية

الحقيقة التي في تقديري لا يختلف عليها اثنان هي اننا في العراق نعيش وضعا غير مسبوق وأشبه ما يكون بلوحة سريالية فيها من الغرائبية والتناقضات ما يشغل العقل ويدمي القلب، فالعراق من البلدان الغنية وقد حل في المرتبة 117 عالميا، و11 عربيا ضمن قائمة " أغنى دول العالم " ولكنه في نفس الوقت وبحسب بيانات وزارة التخطيط، يوجد حوالي 25% من سكان العراق يعيشون تحت خط الفقر وهو ما يشكل أكثر من 10 ملايين مواطن اذا اعتبرنا أن مجموع السكان 43 مليون نسمة وهذه نسبة كبيرة لا تجدها في عدد من الدول التي لا تمتلك الموارد الطبيعية التي يمتلكها العراق علاوة على ارتفاع معدلات البطالة إلى 16.5% مع بداية عام 2024، والعراق ايضا من أول البلدان التي عرفت الكتابة قبل آلاف السنين على يد السومريين وخلفت إرثا معرفيا وثقافيا تغنت به بلدان المعمورة أجمع كما كان يمتلك منظومة تعليمية متطورة بشهادة اليونسكو غير أنه يطالعك اليوم بوجه آخر مختلف تتفاقم فيه الأمية لتصل إلى نسبة مخيفة حيث أعلنت وزارة التخطيط العراقية بوجود نحو 6 ملايين عراقي غير متعلمين، وعلى الرغم من امتلاك العراق أجهزة أمنية متعددة وبأعداد كبيرة من المنتسبين الا ان مرتبة العراق في معدلات الجريمة بين دول العالم هي 72 عالميا وتاسعا عربيا وقد بلغ مؤشر الأمان فيه 53.9%، أما على صعيد التدين فالعراق يكاد يكون من الدول المتميزة في انتشار مظاهر التدين واضرحة الصالحين وفي ممارسات الطقوس الدينية بحماس منقطع النظير الا ان هذا الالتزام لم ينعكس على مستوى الجريمة في المجتمع ولم يحد من تفاقم الفساد على الصعيدين الرسمي والشعبي كما لم يمنع من ظهور حركات متطرفة وعقائد منحرفة، أما عن أزمة السكن فالعراق على الرغم من الوفرة المالية المتأتية من صادرات النفط الا انه يشهد أزمة سكن منذ عدة عقود نتيجة عدم وجود مشاريع كبيرة تلبي حاجة المواطنين من السكن، وهذه المشكلة أدت الى انتشار العشوائيات وكذلك التجاوزات الكبيرة على مساحات واسعة من أراضي الدولة وبالتالي فان هذا التلكؤ في  تقديم الخدمات لا يعكس حجم الميزانيات المالية الضخمة المخصصة للأعمار خصوصا في المحافظات الوسطى والجنوبية، لذا فأننا امام هذه اللوحة المدهشة بتفاصيلها وتناقضاتها الغريبة التي طال وقوفنا امامها عقدين من الزمن نتساءل ونحتاج الى مصارحة وشجاعة لتعيين المتسبب في هذا المشهد القاتم، هل المشكلة في الشعب ام في الاحتلال ام ان المشكلة تكمن كما يقول الصحفي المصري الساخر " جلال عامر" (ان الموكل اليهم حل مشكلة الوطن هم المشكلة)؟.

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم