قراءات نقدية
نجلاء نصير: بين الواقعية الاجتماعية والمنحى النفسي.. قراءة في المجموعة القصصية "السوار الذهبي"
للكاتبة غادة سيد
يظل الأدب الرفيع مرآةً عاكسةً للمجتمع، لا تكتفي برصد ظواهره الخارجية، بل تغوص عميقاً لتكشف عن أثر هذه الظواهر في تشكيل الوجدان الإنساني. وفي هذا الحقل، تبرز العلاقة الجدلية بين الواقع الاجتماعي والمنحى النفسي كمحور أساسي لفهم ديناميكيات السرد، حيث لا يمكن فهم دواخل الشخصية إلا من خلال سياقها، ولا يمكن قراءة المجتمع إلا من خلال أثره في نفوس أفراده.
تأتي المجموعة القصصية "السوار الذهبي"
لتقدم نموذجاً فنياً مكثفاً لهذه العلاقة. فمن خلال ثماني وعشرين قصة قصيرة، لا تقدم الكاتبة مجرد حكايات متفرقة، بل تبني مشروعاً سردياً متماسكاً قوامه الأساسي هو تتبع أثر الشروط الاجتماعية القاسية في توليد صراعات نفسية عميقة. فالقصص في مجملها تنطلق من واقع اجتماعي محدد—سواء كان ضغطاً أسرياً، أو عنفاً زوجياً، أو نفاقاً اجتماعياً —لتستكشف تموجاته وانعكاساته داخل أرواح شخصياتها.
على هذا الأساس، لا تعود المعاناة النفسية للشخصيات مجرد حالة فردية معزولة، بل تصبح عرضاً لمرض اجتماعي أوسع. فالكوابيس التي تؤرق بطلة
"صعود اضطراري" هي نتاج مباشر لغياب الأمان الأسري، والصراع المرير الذي تخوضه بطلة
"السوار الذهبي" للحفاظ على حلمها هو في جوهره مواجهة مع ثقافة اجتماعية تسعى لمصادرة الفردانية.
وعليه، تهدف هذه الدراسة إلى تحليل هذا التفاعل المنهجي في مجموعة "السوار الذهبي"، من خلال قراءة نقدية للعتبات ونماذج قصصية مختارة، نكشف عبرها كيف وظفت الكاتبة أدواتها السردية لربط العام بالخاص، والظاهر بالباطن، لتثبت أن فهم الأزمات النفسية لشخصياتها لا يكتمل إلا بفهم السياق الاجتماعي الذي أنتجها.
أولا: تحليل العتبات النصية (تحليل النص)
تعتبر العتبات النصية المفاتيح الأولى التي تقدم للقارئ رؤية أولية عن العمل وتوجه قراءته.
1. الغلاف: سيمائية الصورة والنص
يحمل تصميم الغلاف، الذي أبدعه الفنانة /لينا سليم دلالات بصرية غنية:
- الصورة المركزية: سوار ذهبي ضخم يشكل دائرة شبه كاملة، وفي داخله يقف ظلان لرجل وامرأة. المرأة تظهر كأنها في حركة انطلاق أو ابتعاد، بينما يقف الرجل في وضعية تأمل أو انتظار.
- الدلالات الرمزية:
- السوار الذهبي: يرمز إلى ما هو ثمين ومادي، وقد يمثل الحلم، أو الثروة، أو الجمال. لكنه في الوقت نفسه، بشكله الدائري، يوحي بالقيد، أو الدائرة المفرغة، أو "القفص الذهبي" الذي يأسر الروح رغم بريقه.
- الظلال: استخدام الظلال (Silhouettes) يجعل الشخصيات بلا ملامح محددة، مما يمنحها صفة الشمولية والنموذجية. هي لا تمثل رجلاً وامرأة بعينهما، بل تمثل تجارب إنسانية متكررة في العلاقات والصراعات.
- النص على الغلاف الخلفي: يقتبس جزءاً مؤثراً من القصة الرئيسية، يتحدث عن طلب متكرر من الأم، وانهيار، وحزن، وتساؤل عن الإرث، مما يهيئ القارئ مباشرةً لأجواء الصراع الأسري والنفسي الذي تشهده بطلات القصص.
2. العنوان: "السوار الذهبي"
العنوان ليس مجرد اسم للقصة المحورية، بل هو "نص موازٍ" (Metatext) يلخص رؤية المجموعة بأكملها. "السوار الذهبي" يصبح استعارة كبرى عن:
- صراع المظهر والجوهر: البريق الخارجي الذي يخفي ألماً داخلياً.
- الأحلام كقيود: الحلم الذي يتحول من هدف للتحرر إلى سجن يكبل صاحبه.
- الإرث المادي والمعنوي: الصراع حول الميراث ليس مجرد صراع على المال، بل على الذكريات والهوية والأحلام التي يمثلها.
- العلاقات الإنسانية: التي قد تبدو ثمينة كالذهب، لكنها قد تكون أيضاً قيداً يلتف حول المعصم ويحد من الحرية.
3. الإهداء: ميثاق القراءة
جاء الإهداء مكثفاً وعميقاً:
"أهدي هذا العمل إلى الحياة؛ لأنها من أهدتني أحداثه".
هذا الإهداء يضع ميثاقاً واقعياً مع القارئ، مؤكداً أن هذه القصص ليست مجرد نسج من الخيال، بل هي انعكاس مباشر لتجارب إنسانية حقيقية. تعلن الكاتبة هنا عن انحيازها للواقعية الاجتماعية والنفسية، وتتخذ من "الحياة" نفسها مصدراً ومُلهماً، مما يمنح العمل مصداقية وعمقاً إنسانياً.
ثانياً: التحليل الموضوعي والفني للقصص
تتشعب قصص المجموعة البالغ عددها 28 قصة في عوالم مختلفة، لكن يمكن رصد محاور موضوعية كبرى تجمعها ورؤية فنية توحدها.
المحور الأول: معاناة المرأة وصراعها من أجل الهوية (الذات المسلوبة والذات المستعادة)
هذا هو المحور الأكثر حضوراً وهيمنة في المجموعة. ترسم د. غادة سيد ببراعة شخصيات نسائية تعيش تحت وطأة القيود الاجتماعية والأسرية، وتخوض رحلة مضنية من الانكسار إلى محاولة النهوض.
- في "صعود اضطراري": البطلة تعيش في سجن الكوابيس الناتجة عن غياب الأب، وتنتقل إلى سجن زوجي مع أهل زوج قساة6. لكنها تحول هذا الواقع المرير إلى "سكر حلو" وتعانق أحلامها في "صعود اضطراري" نحو تحقيق الذات7.
- في "السوار الذهبي": نرى الطفلة التي تضحي بمتع طفولتها من أجل حلم (السوار)، ثم الشابة التي تواجه ضغطاً أسرياً للتخلي عن هذا الحلم الذي أصبح جزءاً من هويته9. القصة هي صراع مرير للحفاظ على رمز العزيمة والإصرار في وجه ثقافة الاستسهال والتنازل.
- تعتبر قصة "السوار الذهبي" حجر الزاوية في المجموعة، ليس فقط لأنها تمنحها عنوانها، بل لأنها تكثف ببراعة المحاور الأساسية التي تطرحها الكاتبة د. غادة سيد، وعلى رأسها صراع الأحلام الفردية مع الواقع الاجتماعي، وقيمة الإرادة الإنسانية في مواجهة الخذلان.
- 1. رمزية السوار: تحولات الحلم
- السوار في هذه القصة ليس مجرد قطعة من الذهب، بل هو رمز متعدد الطبقات يتغير مع رحلة البطلة:
- رمز للطموح والطبقية: في البداية، كان السوار الذي يزين معصم زميلتها الأرستقراطية رمزاً لعالم بعيد المنال. لم يكن مجرد إعجاب بقطعة حلي، بل كان انجذاباً لصوته وحركته، مما يعكس حلماً طفولياً بالجمال والانتماء.
- رمز للإرادة والتضحية: عندما تقرر البطلة امتلاكه، يتحول السوار من حلم سلبي إلى مشروع حياة. تصبح رحلة الحصول عليه هي القصة بحد ذاتها. هي تضحي بمتع طفولتها، وتدخر مصروفها، وتتنازل عن الهدايا لسنوات. تبلغ التضحية ذروتها حين تنتزع قرطها من أذنها ليقطر دماً في سبيل إكمال ثمنه. هنا، يصبح السوار تجسيداً لإرادتها وصبر طفولتها وآلامها.
- رمز للأمل والإرث: بعد امتلاكها، لم يعد السوار مجرد إنجاز شخصي، بل تحول إلى رمز للأمل في المستقبل. أقسمت البطلة أنها ستورثه لابنتها التي ستحمل قصة عزيمة أمها. أصبح السوار جسراً بين ماضيها ومستقبلها الذي لم يأتِ بعد.
- رمز للخيبة والخذلان: في الفصل الأخير من القصة، يتحول السوار إلى رمز للخذلان. طلب والدتها وأختها المستمر بالتخلي عنه هو هجوم مباشر على ذاكرتها وتضحياتها وأملها. وعندما ترفض أختها إعادته بعد أن رُزقت بابنة، يصبح السوار رمزاً نهائياً للوعود المكسورة وقسوة العلاقات الأسرية.
2 /رحلة البطلة: من الحلم إلى الواقع
- شخصية البطلة هي محور القصة، وتمر برحلة نفسية عميقة:
- العزيمة الطفولية: تبدأ كطفلة ذات إرادة حديدية، تضع خطة تمتد لخمس سنوات وتلتزم بها بصرامة نادرة.
- الفخر بتحقيق الذات: حين ترتدي السوار لأول مرة، تشعر بفخر يفوق سعادتها. هذا الفخر ليس بالذهب، بل بالذات التي قهرت الظروف.
- الانكسار تحت الضغط الأسري: سنوات من الصبر تنهار أمام إصرار والدتها وأختها. لحظة إلقائها السوار في حجر أمها هي لحظة انكسار نفسي عميق.
- النضج والتعالي: في النهاية، ورغم عدم استعادتها للسوار، تنتهي القصة وهي تحتضن ابنتها، وتتشابك أيديهما "الخاليتان من السوار". هذه النهاية تشير إلى أنها وصلت إلى مرحلة النضج، حيث أدركت أن الجوهر الحقيقي (ابنتها) يفوق الرمز (السوار). لقد خسرت الحلم، لكنها فازت بالحقيقة.
- 3 /المحاور الموضوعية
- قيمة الأشياء: تطرح القصة سؤالاً عميقاً حول قيمة الأشياء. قيمة السوار لم تكن في وزنه بالجرامات، بل في سنوات الحرمان وقطرات الدم التي سُفكت من أجله.
- صراع الأجيال والعواطف: تكشف القصة عن فجوة عاطفية بين جيلين أو حتى بين أختين. الأم والأخت الكبرى لم تقدرا قيمة التضحية التي قدمتها البطلة، وتعاملتا مع السوار كقطعة مادية يمكن التنازل عنها، بينما هو بالنسبة للبطلة تاريخها وهويتها.
- الحلم بين المثابرة والخذلان: القصة هي احتفاء بقدرة الإنسان على المثابرة لتحقيق أحلامه، لكنها في الوقت نفسه تصوير مرير كيف يمكن لهذه الأحلام أن تتحطم على صخرة الواقع وقسوة أقرب الناس.
- باختصار، "السوار الذهبي" هي قصة مكثفة عن رحلة حلم، وكيف يمكن لهذا الحلم أن يشكل هوية الإنسان، ويصبح ساحة لصراعاته مع نفسه ومع الآخرين، وفي النهاية، كيف يمكن للإنسان أن يتجاوز فقدان الرمز حين يمتلك الجوهر.
- في "لعبة قدر": البطلة، المشوهة جسدياً بفعل تضحيتها لإنقاذ أخيها ت،ختار العزلة في مزرعة نائي. وحين يظهر الحب في حياتها، تهرب خوفاً من أن يُرى وجهها الحقيقي. القصة تعالج بعمق ثنائية الجمال الداخلي والتشوه الخارجي، وقدرة الحب الحقيقي على رؤية الجوهر.
- في "كلنا سناء حقي": تقدم القصة جدلاً فكرياً بين "سناء" المرشدة السياحية ومندوبة "العصر المملوكي" حول مفهوم تحرر المرأة. تطرح الكاتبة رؤية متوازنة تدعو إلى "الوسطية"، حيث لا يلغي دور المرأة في الأسرة طموحها، ولا يلغي طموحها واجباتها الأصيلة.
المحور الثاني: الرمزية والقصص التجريدية (استنطاق الأشياء والمفاهيم) أنسنة الجماد
تستخدم الكاتبة أسلوباً رمزياً مبتكراً في عدد من القصص، حيث تمنح الأشياء والكائنات غير العاقلة صوتاً وضميراً، لتحولها إلى مرايا تعكس الحالة الإنسانية.
- في "رحلة سفر": القصة بأكملها تُروى من منظور حقيبة سفر قديمة وممزقة 16، تقع في حب حقيبة وردية جديدة17. من خلال هذه الرحلة، تستعرض الكاتبة مشاعر الشوق، والأمل، والفراق، والتمرد على القدر، في تجسيد فني فريد لمشاعر إنسانية عميقة.
- في "النمر والظبية": قصة مطاردة تتحول إلى حوار فلسفي حول الحياة والموت والكرامة النمر ليس مجرد مفترس، والظبية ليست مجرد فريسة؛ بل هما طرفان في جدلية الوجود، حيث يصبح الهرب وسيلة للدفاع عن الكرامة لا تخاذلاً.
- في "قطرة ماء": رحلة وجودية لقطرة ماء منذ كانت في السحاب، مروراً بهطولها على الأرض، ثم رحلتها داخل نبتة، وانتهاءً بموتها على لسان حشرة. هي استعارة بليغة لدورة الحياة والموت والمسارات الإجبارية التي نخوضها.
المحور الثالث: نقد الظواهر الاجتماعية (مرايا الواقع المشوه)
تتخذ بعض القصص طابع النقد الاجتماعي اللاذع، حيث تكشف زيف العلاقات الإنسانية وسطوة المادة.
- في "نهاية العالم": من خلال سؤال افتراضي حول نهاية العالم 24، تكشف الكاتبة عن معادن الشخصيات المختلفة: الجشع المتمثل في العم "فؤاد" الذي يريد الاستحواذ على ثروات العالم حتى في آخر يوم، واللامبالاة السلبية في "ماجد"، والوفاء المتمثل في "شيرين" التي تريد صنع "السينابون" لزوجها، والأمل في "يوسف" الذي يسعى للإنقاذ
- في "صاحب الجلالة": قصة تفضح بجرأة فساد "السلطة الرابعة" عندما تتحول إلى أداة للابتزاز. الصحفي الذي يدعي محاربة الفساد هو نفسه أكبر الفاسدين، يستخدم قلمه لابتزاز رجال الأعمال والمشاهير في حفلات شهرية ماجنة. القصة نقد حاد للنفاق والازدواجية في المجتمع.
- في "الإرث": تصور القصة المأساة الثقافية حين يُباع إرث الأب الفكري (مكتبته الضخمة) في أجولة كأنه خردة 30، بينما لا ترى زوجة الابن في الكتب إلا "حفنة من الورق" ضيع عليها ثروة مادية31. هي قصة عن موت القيمة أمام سطوة المادة.
ثالثاً: السمات الفنية والأسلوبية
1. اللغة الشعرية المكثفة: تتميز لغة د. غادة سيد بالجزالة والانسيابية، مع ميل واضح نحو التكثيف واستخدام الصور الشعرية. عبارات مثل "يعجنني بماء النيل فأصير طميًا سخيًا" 32أو "تسامى وامتزجت لحيته مع الغيمات البيضاء" تمنح السرد بعداً جمالياً وفلسفياً.
2. الاقتصاد في السرد: القصص قصيرة جداً (Lorry) في معظمها، وتعتمد على مبدأ "ما قل ودل". الكاتبة لا تستطرد في التفاصيل، بل تركز على اللحظة الفارقة والموقف الدرامي المكثف.
3. النهايات المفتوحة والمدهشة: الكثير من النهايات تأتي مفتوحة أو تحمل مفاجأة تقلب توقعات القارئ، كما في نهاية قصة "فنجان قهوة" حيث يتضح أن زميلها المتملق اسمه "غراب"، أو في قصة "القمة" حيث يكتشف البطل أن من سيجري معه المقابلة هي حبيبته السابقة التي تخلت عنه. هذه النهايات تحفز القارئ على التفكير وإعادة بناء معنى القصة.
4. عمق التحليل النفسي: تبرع الكاتبة في الغوص داخل عوالم شخصياتها النفسية، ورصد صراعاتهم الداخلية، وأحلامهم، ومخاوفهم، مما يمنح الشخصيات أبعاداً إنسانية عميقة ومؤثرة.، مما يجعلها نصًا مفتوحًا على قراءات لا نهائية، في تناغم تام مع جوهر مفاهيم ما بعد الحداثة."
ومجمل القول: إن مجموعة "السوار الذهبي" ليست مجرد سلسلة من الحكايات، بل هي مشروع سردي متكامل، نجحت فيه الكاتبة ببراعة في تشريح العلاقة الجدلية بين الواقع الاجتماعي والمنحى النفسي. لقد أظهر التحليل كيف أن الضغوط الخارجية—من قهر أسري وظلم اجتماعي —تتحول إلى محرك لتفاعلات نفسية عميقة تتراوح بين الانكسار، والألم الصامت، والرغبة في الخلاص. وقد تتبعت الدراسة كيف أن مسارات التحرر في القصص لم تكن محض صدفة، بل قراراً واعياً بالتمرد، أو بالتمسك بالحلم، أو بإعادة تعريف الذات عبر دروب المعرفة والحب الحقيقي.
ومن هذا المنطلق، يمكن الإجابة بوضوح على التساؤل حول هوية المجموعة؛ هل تنتمي المجموعة إلى الأدب النسوي؟
نعم، تنتمي مجموعة "السوار الذهبي" بجدارة إلى الأدب النسوي، ولكن بمنظور عميق وحداثي. فهي تحقق شروط هذا التصنيف من خلال:
1. جعل المرأة مركز السرد: أغلب قصص المجموعة تتمحور حول شخصيات نسائية، مانحةً صوتاً لتجاربهن ورؤيتهن للعالم.
2. نقد المنظومة الأبوية: تكشف القصص بوضوح عن أشكال القهر التي تتعرض لها المرأة داخل بنية اجتماعية وأسرية أبوية، سواء عبر الاستيلاء على إرثها "فقط لأني أنثى"، أو عبر العنف الزوجي والضغط النفسي.
3. تصوير رحلة الوعي والتحرر: لا تقدم الكاتبة شخصياتها كضحايا سلبيات، بل ككيانات قادرة على خوض رحلة الوعي والبحث عن الخلاص، سواء بالتعليم، أو المواجهة، أو حتى بالهروب الذي هو في حقيقته بداية جديدة.
4. تقديم رؤية نقدية لمفهوم النسوية: في قصة مثل "كلنا سناء حقي"، تقدم الكاتبة نقاشاً فكرياً راقياً، لا يطرح شعارات جاهزة، بل يدعو إلى "الوسطية"، وينتقد فكرة التحرر التي قد تفقد المرأة جوهرها. هذه النظرة النقدية هي سمة من سمات الأدب النسوي الناضج الذي يتجاوز مرحلة الصراع إلى مرحلة بناء الهوية.
بذلك، تكمن القيمة الفنية والفكرية للمجموعة في قدرتها على الموازنة بين جماليات السرد (اللغة الشعرية، الرمز، النهايات المدهشة) وعمق الرسالة الإنسانية. لقد قدمت غادة سيد عملاً أدبياً رصيناً، ينتمي بوعي إلى الأدب النسوي، ويترك أثراً عميقاً يدعو إلى التأمل في جوهر علاقتنا بذواتنا وبالمجتمع من حولنا.
***
د. نجلاء نصير






