أقلام حرة

أقلام حرة

السببية لا تُثبت وجود خالق وانما فقط تحقق احتمالا لذلك الوجود

كان الاستدلال بالسببية لإثبات وجود الخالق من الاستدلالات المنطقية لقرون طويلة، الا أنها في الحقيقة وبحسب فهمي لا يمكن أن تقدم دليلا تاما على وجود الخالق فهي بذاتها قاصرة عن ذلك إلا بالارتكاز على دالة أخرى لأن النظرية تعتمد الشرطية بين المقدمات والنتائج دون النظر إلى الفارق في الماهية بين هذه المقدمات والنتائج، فعندما تقول إن « الأثر يدل على المسير » فأنك هنا فقط تثبت أن هناك سببا لهذا الأثر ولكنك لا تثبت ماهية المسبب ولا تستطيع أن تسمي هذا المسبب حرفيا الا اذا كنت تعرف مُسبقا على وجه الدقة ماهية ذلك المسبب كالقول المأثور بأن «البعرة تدل على البعير » لأن هذه المقولة كانت تصدر عن من كان يعيش في بيئة الصحراء حيث كان سكان الصحراء يعرفون البعير بعينه

ويعرفون أن هذه البعرة لهذا البعير قطعا لذلك فإن هناك هذه الشرطية الموضوعية التي تكون فيها النتيجة مُعَّرفة والمُقَدِمة مُعَرفة أيضا، من هنا نفهم أن حدود ما يمكن إثباته من قانون السببية هو إثبات السبب وليس إثبات المُسبب، ولأن السبب يعتبر فعل فلابد أن يكون له فاعل ولأننا نتحدث عن قانون يُفترَض أن نستخدمه لإثبات الخالق فأن الأصل في ذلك إثبات الفاعل وهو المسبب لهذا السبب وهذه مرتبة من البحث تعتبر الدالة الأساسية لجعل قانون السببية مناسبا لإثبات وجود الخالق، حيث أن هذا القانون دون الارتكاز على هذه الدالة يُصبح دون قيمة تذكر

 ماهي هذه الدالة التي تجعل قانون السببية مناسبا لإثبات وجود الخالق؟

اذن نحن هنا أمام حقيقة أن هناك نتيجة لمقدمة وهي شرطية حتمية ولكننا أيضا أمام انسداد موضوعي لا يتعلق بالنتيجة وانما يتعلق بالمقدمة ؛ وهو أن هذه المقدمة تحتاج إلى تعريف والتعريف يحتاج إلى أدوات لرسم صورة مطابقة لهذا المُعَرف، فمثلا عندما تريد ان تُعرف حيوانا يعيش في البحر فانك هنا تمتلك في مفكرتك عددا من الصور الواقعية لعدد من المحتملات مما يعيش في البحر ؛ لذلك ستظهر في مخيلتك هذه الصور من اسماك مختلفة أو أي حيوانات بحرية سبق لك مشاهدتها، وكذلك مثال «البعرة والبعير» فأنك تعرف البعير واقعيا لذلك فأنك حتماً ستربط بينه وبين مخلفات البعير وهو ربط موضوعي

وفي حالة الأثر والمسير كذلك فإن الربط هنا موضوعي لأنك تعرف مثلا أن اطار السيارة على الأرض يدل أن هناك سيارة قد مرت من هنا وذلك لأنك تعرف السيارة وقد شاهدتها مسبقا وتعرف أن لها اطارات، أما نسبة المخلوق إلى خالق من خلال نفس الاستدلال فأنه سيكون قاصرا من ناحية ان المقدمة غير مُعَرفة مُسبقاً بمعنى أنكلا تملك في مفكرتك صورا لكي تستخدمها أو تطابق بها هذا المُسبب في الخلق، فقد يكون المسبب هو الله الذي نؤمن به وقد يكون بالنسبة لغيرنا مُتحكم آخر مختلف أو أن تكون الطاقة هي المسبب أو أن الصُدفة قد أوجدت سببا لنشوء الكون كما يدعي البعض من المشتغلين بالعلوم التطبيقية أو أنه التطور في كون أزلي موجود بذاته وغير مخلوق وعليه فإننا هنا نحتاج إلى إسقاط الاحتمالات الأخرى لكي تكون مقدمتنا والمتعلقة بالنتيجة مقدمة عقلانية : من هنا فإن أي مقاربة مادية تتعلق بمقدمة الخلق ستجعل احتمال وجود خالق منتفية موضوعيا لأنها ستكون مضطرة لاستخدام أدوات الواقع المادي الذي يتناسب مع أقصى التصورات البشرية المُتاحة، وهي الاشكال التي مرت عبر التاريخ البشري في البحث عن الٰه والذي لم يتمكن فيه هذا الإنسان من أن يتصور خالقا خارج قدرة الاستيعاب المتعلقة بالمادة ولذلك فإن تصوره كان يراوح بين المراتب المادية الأربعة والتي لن تفرز أكثر مما أفرزت في الماضي من أشكال محتملة للآلهة من واقع هذه المراتب، حجراً أو نهراً أو شجراً أو ريحاً صرصراً أو ناراً وجمراً أو شمساً أو قمراً لذلك فأن خالقا خارج هذا التصور المادي لا بد له أن يكون مفهوما على مستوى آخر أعلى من أدوات المادة وذلك هو الحكم العقلي الذي يحدد ما يعقل ومالا يعقل دون الحاجة إلى تصور أو تحديد وعليه يُصبح قانون السببية معلقاً على إثبات عقلانية المسبب وهي بتقديري الدالة الوحيدة القادرة على أن تجعل السببية قاعدة ارتكاز في إثبات حتمية وجود الخالق؛ ولمعرفة أن المسبب لهذا الخلق عاقلا مدركا لما يفعل فإننا بحاجة إلى إثبات وجود الفعل العاقل وذلك ستجده في مقاصد الخلق، حيث أن كل الوجودات لها مقاصد ولن تستطيع أن تستثني اي تفصيلة في الوجود من هذه القاعدة ؛ ولأن القصد فعلٌ عاقلٌ فلابد له من فاعل عاقل ومن هنا فإن كل الاحتمالات الاخرى المطروحة من قبيل أن المسبب صدفةً أو طاقة أو وجودا ذاتيا ازليا أو غير ذلك من الطروحات ستسقط حتما لأنها لن تستطيع نفي وجود المقاصد في الخلق

***

فاضل الجاروش

العراق من شماله إلى جنوبه يغرق بأكداس مرعبة من النايلون والصناعات البلاستيكية الأخرى، والنايلون واللدائن بشكل عام تنماز مثلما هو معروف بصفة التحلل البطيء جدا، وفضلا عن ذلك يصاحب عملية تحللها انطلاق غازات خطيرة مميتة. وفي الظروف الطبيعية يبدأ تحللها عادة بعد 500 – 700عام من تاريخ طمرها، وبشكل بطيء جدا، أما الأكياس البلاستيكية فيبدأ تحللها بعد مرور 1000عام من تاريخ طمرها، وإذا بقي معدل إطلاقها في الطبيعة بهذا الشكل المرعب قد لا تجد الأجيال القادمة مكانا للزراعة مثلا، ولا من يزرع، فهم سوف تقتلهم الغازات المنبعثة من عملية التحلل.

كل هذا ونكاد لا نلمس ولو مجرد إشارة عابرة من مسؤول؛ عظم أم صغر، أو من وزارة البيئة المعنية بهذا الأمر، أو من أي جهة أخرى مجرد تنويه إلى هذه المخاطر المرعبة، مع أن عملية علاجها لا تحتاج إلى عقول جبارة، بل مجرد اتخاذ بعض الإجراءات يكفي لمعالجة جزء كبير من المشكلة الكبيرة.!

فإذا كان ولابد من استيراد الفواكه والخضر، يجب أن نلزم التجار باستيرادها بصناديق وحاويات خشبية حصرا، وبدون وجود أي أكياس أو نايلون تلف به المادة داخل الصندوق الخشبي.

وإذا كان ولابد من استيراد العصائر والمياه الغازية، وأغلبها مثلما هو معروف مضرة بالصحة العامة، فيجب أن نلزم التجار باستيرادها بعبوات معدنية حصرا.

وإذا كان ولابد من استيراد مياه الشرب المعقمة، فيجب أن نلزم التجار باستيرادها بعلب معدنية، ونلزم أصحاب المحطات المحليين باستخدام العلب المعدنية.

وإذا كان ولابد من استخدام الأكياس عند التبضع، فيجب أن نلزم الأسواق والباعة باستخدام الأكياس الورقية.

وأترك الباقي لوزارة البيئة عسى أن يُحلل وزيرها وموظفوها رواتبهم التي يتقاضونها من خلال تفعيل عمل وزارتهم، أليس من واجباتهم الأساسية حماية البيئة وتحسين عناصرها المختلفة بشكل مستدام؟

أليس من واجباتهم الأساسية المحافظة على مكونات البيئة والارتقاء بها ومنع تدهورها او تلويثها؟

أليس من واجباتهم الأساسية اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات التي من شأنها إلغاء الآثار البيئية السلبية أو تخفيفها إلى المستويات المقبولة محلياً وفقا للتشريعات الوطنية والمعايير الدولية المعتمدة؟

أليس من واجباتهم مراقبة ومتابعة وجود أي من الملوثات في البيئة بكمية أو تركيز أو صفة تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الإضرار بالإنسان او الكائنات الحية؟

فلماذا لا نجد لهم أثرا؟ ولماذا لا يؤدون واجباتهم؟ ومتى تختز شوارب المسؤولين ليهتموا بمصلحة المواطن المسكين؟ أم ستبقى المعادلة أذن من طين وأخرى من عجين، و(لكم الله يا خائبين).

وأنت أيها الإنسان العراقي، ما دورك في هذه المعادلة غير العادلة؟ هل أديت دورك في الحفاظ على موطن أولادك وأحفادك؟ لماذا لا تنتبه للضرر الكبير الذي تحدثه من خلال تعاملك مع البلاستك بهذا الشكل الغريب؟

إن العقلاء والحكماء يعترضون المشكلة في طريق سيرورتها قبل أن تصل إلى هدفها وتستفحل فيصعب علاجها، فلماذا لا نرى أحد منهم يشمر عن ساعديه ليعترض طريق هذه المشكلة القاتلة؟ أم ليس بينهم حكيما ولا عالما؟ وغذا كانوا كذلك فلماذا لا يبتعدون ويفسحون المجال للعلماء والحكماء لكي يقودوا البلد قبل خراب البصرة؟

بالمناسبة هل أن البصرة لم تخرب لحد الآن؟ وكيف هم مع استخدام المياه المالحة غير الصالحة للاستخدام البشري؟؟

***

الدكتور صالح الطائي

علي هادي وكوندورسيه وبطاطا في حكايات السوداني المذبوحة الديك

قالوا إنَّ مواطناً عراقياً اسمهُ علي هادي يزحفُ على ركبتيه، في وادي طوى القانون العراقي منذُ عقدٍ من السنين. هادي الذي يسكنُ محافظة النجف التي تقعُ جنوب بغداد، مارس هذا الزحف المُقدَّس من أجل إنقاذ قطعة أرضٍ يمتلِكُها منذُ 22 عاماً. ناشِطون وفضائيات ومقاطع على السوشيال ميديا حاولت أن تُعطي لقضيته رجلين لكن بلا فائدة؛ فالمناشير مثل بعض أطراف هيئة النزاهة في المحافظة والعصابة البشريَّة التي استولت على أرضه في منطقة الوفاء، حرِصت على قطعِهما كلما نبتت. الأولى طالبته بالرشوة والثانية تُريدُ منه بيعها بابخس ثمن.

المُضحك المُبكي في قضية هادي إنَّهُ يسكنُ محافظةً دينيَّة، تقعُ ضمن عباءة ما تُعرف بـ " المرجعية العُليا"؛ تلك التي وصلت عباءتُها إلى منطقة الجادرية في العاصمة بغداد كي تُدافع عن حقوقِ أُناسٍ في أراضٍ يمتلكونها هناك، ضد عصابات تجمعُ بين الدولة وسلاح اللادولة. سكَّينة الشرف الحكومي ذبحت يومها الموضوع على قِبلة، ونثرت الفضائيات العراقية دمَّ إجراءاتها أمام المشاهدين، واستضافت من أصابتهم ضربة حظ "المرجعية العُليا". لا أعرِفُ لحدِّ هذه اللحظة، لماذا قصُرت هذه العباءة التي وصلت جادرية بغداد عن وفاء كربلاء، ولماذا لم تُحرِّك جلطة علي هادي الدِماغية مشفى فتاوى هذه المؤسسة الدينية.

علي هادي وبالإضافة للوثائق التي يمتلِكُها لديه سندُ تمليكٍ بهذهِ الأرض، لكن كما يبدو فإنَّ إجراءات القانون العراقي، لم توفِّر لهُ ولحدِّ الآن سوى مياه دجلة وفرات كي يُغمِّس فيها تلك الوثيقة، ويشربها شاياً وقهوة مع من حكى وما زال يحكي لهم قصة أرضه وتهتُّك العِرض الحكومي الذي يسكنُ المنطقة الخضراء.

استدعيتُ بسبب علي هادي سامحهُ الله على مطالبتِه بحقَّه أحد المُشرِّعين الدستوريين لحق الاقتراع العام "الانتخابات" زمن الثورة الفرنسيَّة. حضر كوندورسيه فوراً من كتاب "انتصار المواطن" الذي كتبهُ بيار روزانفالان. بعد طرحي قضيَّة علي هادي عليه، أخبرني بأنَّ قضية هادي خاسِرة لأنه غيرُ عراقي!

نظرتُ إليه شزراً فأوحى لي بنظراته أن أصبِر قليلاً، وقدَّم الحُجَّة التي سأذكرُها بتصرُّف "قُلت سابقاً قبل 250 سنة تقريباً بأنَّ الفرنسيين الذين لا يمتلِكون أرضاً في بلادِنا لا يحِقُّ لهم التصويت إذ كيف نضمنُ تصويتهم لصالِح فرنسا. وبناءً على ما طرحتهُ آنذاك كيف لي أن اعتبر مسيو هادي عراقياً ما دام يمتلِكُ أرضاً لا يمتلِكُها؟".

صعَّرتُ خدي وشمختُ بأنفي بعيداً عن هذا البلّوط البشري وقُلت في سِّري " فرنسي ولا عتب عليك". تلقفني الأمريكي من أصلٍ لبناني حنا بطاطو، صاحب الثُلاثية المشهورة عن العراق وقال لي بأن هذا البلّوط كان جافاً في التوضيح. ذَكَرَ لي إنَّهُ التقى في الجزء الأول من الثُلاثية بشرطيٍ عراقي من أهالي ميسان، كَفَرَ بالعباد والبلاد لأنهُ لا يمتلِكُ شِبراً فيها.

بعيداً عن هذه اللقاءات المُحبِطة، هناك مشكلة أُخرى تتعلَّق بالأراضي العراقيَّة وهي تاريخيَّة أيضاً، تحدَّث عنها الدكتور فاضل الربيعي في إحدى كُتُبِه، ألا وهي قوانين "تسوية الأراضي" البريطانية التي تُتيح وباختصار أخذ الأرض من الشيوخ المُعارضين لهم وإعطائها للشيوخ "المُتبرطنين". بعد 2003 أُعيد العمل بروحها تحت يافطة "هيئة نزاعات الملكية"، وبفضلِ هذه اللوحة الإعلانية أصبحت معظم رؤوس النظام الجديد مالكة لمناطق وعقارات مُعتبرة في العاصمة بغداد، بعد أن جُرِّدت من أصحابها بحجَّة الانتماء للنظام السابق.

هذه البدعة البريطانية الكافِرة والتي ما زال نِظام العراق الإسلامي عامِلاً بها، تمنحُ السُلطات البيروقراطية في الدولة العراقيَّة، قُدرة شبه مُقدَّسة على التوثيق القانوني، ما دامت هي أكبر مالك ومانح للأراضي في نفس الوقت، وبسبب حالات التهجير والقتل على الهوية الطائفية التي سادت العراق بعد 2003؛ فإنَّ أضابير الأراضي المملوكة لكثيرٍ من المواطنين مُحيت منها أسمائهم وكُتِبت أُخرى بحبر الحزب والطائفة أو اختفت.

وثيقة التملُّك أو ما تعرف عراقياً بـ "الطابو" تشبهُ هنا خاتم زواج يرتديه اثنان ضُبِطا على السرير في فُندُق بدون عقدِ زواجِهما، في عالمٍ بيروقراطي تُسيطر عليه الأحزاب وأُمراء الطوائف بديلاً عن الدولة. كما أن تطبيق القانون العراقي وحتّى بعد اثبات الحق لأحد الخصوم، يحتاجُ سنيناً كي يعود لصاحِبه وقد لا يعود إن كان الخصمُ حزباً أو زعيم طائفة يلبس عباءة حزبيَّة؛ بل قد يقتُل كما حصل لأحد العراقيين الحاصلين على الجنسية السويدية، بعد أن فاز بحكمٍ يُلزم إحدى شركات تحويل الأموال بإرجاع نقوده التي أودعها لديها، لتقوم بتحويلها إلى هذا البلد الاسكندنافي الذي يقطنُ فيه. لم يتم العثور إلى الآن على القاتل أو القتلة أو معرفة من هم.

الحكومة العراقية الحالية ومنذُ أيامها الأولى في الخضراء، جعلت من الشعب شهريار، حكت له وما زالت قصصاً عن نيَّتِها بمكافحة الفساد، لكن بعد كُلِّ ليلة كانت تذبحُ ثقة واحدٍ منّا ديكاً. مرَّة تُفرِج عن السيد نور زهير بطل قضية "فساد القرن"، وعن رئيس عصابة بطاقات "الكي كارد" في مديرية التقاعد العامَّة في الثانيَّة، وعن لصوص مصفى بيجي في الثالثة وهكذا دواليك.

رئيس الحكومة محمد شياع السوداني الذي قرر أن يلعب دور شهرزاد في إرجاع ثقة العباد بحكومة البلاد قد لا يستطيع ضرب رأس حكومته بحيطان الفساد أمامه وبالأحزاب التي ورائه، لكن قضية علي هادي البسيطة رغم عدم امتلاكِها "عباءة عُليا" منسوجة في الجادرية فُرصة لا تعوُّض؛ كي تُثبِت الحكومة أن مصفى الثقة بها غير مثقوب، وأن تطبيقها القانون لا يحتاج "كي كارد" المرجعيات الدينية الذي لا يعمل كما يبدو إلَّا في المناطق الثريَّة من العاصمة بغداد، وبأنَّها لا تُفكِّرُ بافتتاح جامعة تُدرِّس العراقيين مناهج علي بابا في القضاء على كهرمانة وزيادة الأربعين حرامي.

***

مسار عبد المحسن راضي

كاتب، صحافي، وباحث عراقي

الأوطان الجريحة لا تبنى بالصراخ والعويل.. بل يجسد البناء الفكر الحر والارادة والثبات والذهاب بالحلم الى الأقاصي.. هكذا علمتنا دفاتر التاريخ بكل محطاته. المؤمنون بافكارهم ورؤاهم المستقبلية ليس في قاموسهم الخوف او الرهبة من خوض معركة الحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم والحداثة وتجسيد قيم المواطنة على ارض الواقع.. المستقبل للاحرار الشجعان وليس للسفهاء الجبناء..

هناك من يتقدم المشهد العام في تونس والوطن العربي المثخن بالانكسارات والهزائم، وليس في رصيده التاريخية آي مشروعية لأن يكون شخصا قياديا، في كل الميادين.. الثقافة والإعلام والنقابة والسياسة وحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام. هنا مربط الفرس مثلما يقول الأجداد، من لا يمتلك مشروعا متكاملا للنهوض والتغيير والبناء محصنا بالفكر النقدي المستنير والرؤية الإستشرافية البعيدة المدى، لا يستطيع ان يذهب مسافات من أجل تأسيس وتركيز هذا المشروع مهما إدعى وتوهم إنه من عباقرة هذا الزمن اللعين الموبوء بالخيبات.

إن المجتمعات الطامحة للتغيير الجذري وضرب التخلف في معاقله، لم تترقب هذا النهوض النوعي بل كان نتيجة طبيعية وثمرة جهود جبارة قام بها اولادها وبناتها من كل الأجيال والأطياف والفئات الإجتماعية ومن كل الأقاليم، عواصم ومدن كبرى وقرى متاخمة للتهميش والنسيان..

الفكر النقدي المستنير هنا هو البوصلة الحاملة في زواياها وصفحاتها المضيئة بذور الزرع لافكار وبرامج تنموية في أرض صالحة تربتها.

لا تستطيع السواعد المفتولة ان تؤسس البناء وخلق معمار جديد صلب ومتين إذا كانت الأفكار المتسمة بالنقد والمعرفة والرؤية الإستراتيجية والبعد الإستشرافي في حالة غياب تام. هذا ما نلحظه الآن على المستوى العربي، مما جعل مواطن / إنسان هذا الوطن الكبير، من المحيط إلى الخليج، في دوامة الشعور بالانكسار والخيبة والخوف من الغد ..

ما تتطلبه المرحلة العربية الراهنة، هو التاسيس الفعلي لمشروع التغيبر الراديكالي في كل القطاعات بعيدا عن المحاصصات السياسية أو الطائفية أو الفئوية للخروج من النفق المظلم والدخول إلى الأفق الكوني / الإنساني بقيمه الحداثية والعقلانية والمواطنية لتركيز الدولة الاجتماعية، هنا وهناك، مشرقا ومغربا، قوامها الحكم الديمقراطي وتكريس قيم المواطنة بكل شموليتها وابعادها مع العمل الجدي والدؤوب على العدالة الاجتماعية والتنوير الفكري والثقافي لمحاصرة الظلامية في كل مكان.

هذا العمل الجبار، لا تقوم به اجساد لا تحمل مشروعا متكاملا للنهوض والزحف على معاقل التخلف، بل هذا هو الحلم المتنامي في اجساد رحلت عن الدنبا واجساد تكافح بلا هوادة بعزيمة المحاربين الأشاوس الذين لا يعرفون ويعترفون بالهزيمة ..

الغد، تصنعه العقول المستنيرة المحصنة بالفكر النقدي المؤمن بالمستقبل وإنسانية الإنسان مهما إختلفنا معه، لونا وعرقا ودينا ولغة وحضارة.

***

البشير عبيد / تونس

الشعر عجينة كلمات بسلاف العواطف والانفعالات، البعض يعجبه "خبز التنور" وآخرون يتلذذون بأنواع المعجنات المعاصرة، والصمون بأشكاله ومسمياته، والأجيال في مجتمعاتنا تحن لخبز التنور؟

والمشكلة أن العجينة تلد أشكالا متنوعة وفقا لقدرات المتفاعل معها، وتحتاج إلى ملح وسكر وإختمار، والشائع ما تقطّع من العجينة ووضع في قوالب الرؤى والتصورات.

وهناك معجنات غير مستساغة، وكأنها صنعت من ماء البئر المج الخالي من الطعم الطيب، وطعم خبز التنور لا يزال المفضل عند معظم الناس.

إنها مقاربة لتوضيح حقيقة الشعر وجوهره، ويمكن الإتيان بالتعريفات المتعددة، فكل من كتب سطرا يستطيع ان يدلي بدلوه، فالشعر أنواع وأصناف وطاقة الإبداع قادرة على صناعة أي الأشكال.

فهل مَن يكتب كلاما موزونا يسمى شاعر؟

وهل البوحيات الطاغية شعر؟

لماذا يكثر الشعراء في مجتمع دون غيره؟

سيختلف الكثيرون مع هذا الطرح، لكنه يستحق النظر والتفاعل، فالشعر ضعفت قيمته وخفتَ دوره في عالمنا المعاصر الذي انتصر فيه العلم، إنه عصر " لا سلطان على العقل إلا العقل"!!

وبموجب ذلك تواكبت الإبداعات وتسارعت حتى هيمنت على النشاطات الأرضية، وأوجدت متغيرات غير مسبوقة بكينونتها وسرعتها، فإيقاع التواصل مع الأيام فاق مخيلة أبناء القرن العشرين.

وهذا القرن سيصل إلى ذروات تستحضر ذروات، وبعض المجتمعات في عجينة الشعر مرهونة وحائرة.

فهل سنتجاوز محنة الإرتهان بالشعر؟

معظم المهاجرين من بلدان حضارية يبدعون في ميادين متنوعة ويتفوقون فيها، ولا تجدهم من الشعراء.

ترى هل أن الشعر وسيلة لتخدير الشعوب وإيهامها بالعجز، وأفضل ما تستطيعه أن تنتج شعرا؟!!!

***

د. صادق السامرائي

قام مجموعة من الشباب والشابات بمظاهرات واحتجاجات عفوية وسلمية في بغداد وبعض المحافظات مطالبين بالحدود الدنيا من الحقوق المدنية والسياسية لتحقيق العدالة الاجتماعية وإصلاح النظام السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد المالي والإداري ورفض المحاصصة السياسية قبل بضع سنوات، وتطورت هذه الاعتصامات الى ما يعرف بانتفاضة تشرين؛

 وقد جوبهت هذه التظاهرات من قبل الدولة وجهات أخرى مجهولة في ذلك الوقت باستخدام القوة المفرطة، وعلى اثر ذلك سقط المئات من الشهداء الأبرياء تغمدهم الله بواسع رحمته فضلاً عن المئات من الجرحى؛

 لقد قامت المرجعية الرشيدة المتمثلة بآية الله السيد السيستاني اعزه الله بمساندتهم بمختلف الطرق والوسائل إلى درجة الإيحاء لرئيس الوزراء للاستقالة بسبب عجزه عن حماية المتظاهرين مع العلم انه كان يتمتع بمنصب القائد العام للقوات المسلحة؛

للأسف ضمن تلك الظروف التي فقدت فيها السيطرة قامت اكثر من جهة باستغلال هذه التظاهرات لمصالحها الشخصية وضد مصلحة البلد، كالصداميين من البعثيين وسفارات بعض الدول التي لا تريد خيراً للعراق، بل ايضاً بعض أجهزة الدولة التي سخرت لمصالح اشخاص محددين الذين استغلوا هؤلاء المتظاهرين فخدعوهم وتسلقوا على ظهورهم لتسنم اعلى المناصب كما حدث قبل حوالي الأربع سنوات، كما قام باستغلالهم بعض الفاسدين من أحزاب السلطة فأنشأوا بعض التنسيقيات للترويج للكثير من المطالب السياسية لمصالحهم الخاصة؛

لقد عجزت الدولة في الحفاظ على أرواح الكثير من الأبرياء فسقط اكثر من ستمائة شهيد بريء كما عجزت الدولة عن الكشف عن القتلة، امام هذا الواقع المطلوب من الحكومة الحالية ومجلس النواب بتحقيق المطالب الدنيا في تعويض عوائل الشهداء ومعالجة الجرحى وتشريع قانون يعترف بهذه الانتفاضة السلمية والكثير من المطالب لعوائل الشهداء والابرياء من الشباب الذين تحركوا بعفوية وإخلاص للنهوض ببلدهم بعيداً عن الفئات التي استغلت هذه الظروف ضد مصلحة البلد..

لقد قام بعض عوائل هؤلاء الشهداء وبالذات المفجوعين من امهاتهم وآبائهم وابنائهم بالتواصل معي لإيصال صوتهم الى الجهات المعنية من الحكومة ومجلس النواب ومجلس القضاء، كما قاموا مؤخراً باعتصام سلمي في ساحة التحرير، واني من هذا المنبر أتوجه الى هذه الجهات لإحقاق الحق ونشر العدل والاستماع الى مطالب تلك العوائل المكلومة إكراماً لدماء الشهداء التي سفكت على مذبح الحرية من اجل كرامة وعزة بلدنا وتخفيفاً لمعاناة أبناء شعبنا الأعزاء.

***

محمد توفيق علاوي

ليس في عنوان المقال أية سخرية أو إساءة إلى نشاطات فنية او فعاليات ثقافية يسعى أصحابها إلى إبراز الوجه الحضاري للعراق. ويتذكر القراء الاعزاء أنني كتبت في هذا المكان عن الحملات التي قامت بها مجاميع سعت الى شيطنة الفعاليات الغنائية رافعة شعار "الغناء رجس من عمل الشيطان".

وكيف ذهبت مجاميع ثائرة لتغلق مكاناً ترفيهياً لأنه أعلن عن إقامة حفلة غنائية لمطرب مغربي، فيما رفع البعض شعار "الإحراق أو الإلغاء"، وكنا نسمع ولا نزال عبارات من عينة "الدولة المدنية كفر وإلحاد" . فيما ظهر بعض الشيوخ يصرخون "واسمعتاه" وبالتالي أيها القارئ العزيز عليك أن تتأكد أن ما يجري أمر محير وباعث على التساؤل: هل نحن بلد يسعى لتنمية الثقافة والفنون، أم أننا نحتاج إلى ملهاة تقودها مطربة تريد من العراق أن يبقى "ناعماً منعماً"..

تتحدّث الدولة وبرلمانها العزيز دائماً عن عراق الحضارات الذي علم العالم الكتابة والقانون، واخبرنا ذات يوم وزير النقل الاسبق كاظم الحمامي بان المركبات الفضائية انطلقت من هذه البلاد قبل خمسة آلاف. إلا ان هذه الدولة ايها السادة تصر في كل مشاريعها إلى إفراغ العراق من عقوله وتسليمه "ناعماً منعماً" إلى منظمة الفشل التي تحاصر المواطن منذ سنوات، وتقديمه ايضا ناعما منعما الى حيتان الفساد.

هل نحن دولة تسعى لمنح الثقافة دورها الحقيقي في تنمية قدرات المواطن، إذا عرفنا أن مخصصات الثقافة في الموازنة العراقية لا تعادل واحد بالمئة من مخصصات أفواج تحمي كبار المسؤولين السابقين؟... ربما يسخر البعض من كاتب عمود يدعي "المفهومية" ويخصص عموده للسخرية من مهرجان فني؟ ولكن ماذا أفعل يا سادة ونحن البلاد الوحيدة التي تعتبر وزارة الثقافة زائدة عن الحاجة.

ماذا علينا ان نفعل ايها السادة ونحن نرى الامية تنتشر والجهل يسيطر ويراد له ان يعم في ربوع البلاد. نتحدث عن قيمة الفن وننسى أن نضع تمثالا لناظم الغزالي ونستنكف ان نتذكر مئوية محمد القبانجي، ونصر على الاحتفال بعيد وطني لم يتفق عليه متناسين أن البلدان تبنى بالثقافة والفنون، وأن قرون مرت على هذه البلاد وهي تنثر على العالم حضاراتها وعلمائها.

في كل حديث عن العيد الوطني لهذه البلاد يشتعل صراع تاريخي بين عشاق الملكية وأنصار الجمهورية.. وتختفي أزمة الكهرباء والخدمات.. ولم نلتفت إلى ما فعلته احزاب المحاصصة من خراب في القطاع الصحي. والتعليمي والخدمي.

الذين يقلبون صفحات التاريخ، لا يريدون أن يلتفتوا لقضية مهمة جداً، لكي تحتفل بعيدك الوطني يجب أن تكون متحرراً من العوز والفقر والخوف، لا يوجد عيد وطني من دون مستقبل مشرق للبلاد.

***

علي حسين

في إحدى مقاطعات شمال شرق مصر الريفية، حيث مسقط رأسي في إحدى القرى، وكان من المعروف أن المنازل المقامة خارج أو علي أطراف الكتلة السكنية، يربي أصحابها الكلاب للحراسة. ولكن كانوا يبحثون عن أفضل السلالات من الكلاب رغم وجود كلاب ضالة كثيرة في القرى والنجوع، كان هناك شابا يحب تربية الكلاب، وكانت كل أمانيه أن يصبح صاحب حظيرة مواش وأغنام. وكان جارة له نفس الحظيرة والأغنام وحراسة من الكلاب... بدأ الخلاف بينهم ووقعت مشاجرة بين العائلتين...، علي من قتل الكلب.؟

وتدخل أصحاب الهامات وكبار القوم لوقف نزيف الدم من اشتباكات وقذف أحجار من الجانبين الجاريين... وعقدوا جلسات في المحكمة الفيدرالية بالمقاطعة للوصول الي حل يرضي الطرفين. وفي نهاية الجلسة قال المرحوم صديقي فهيم حسين ما احلي هذه الجلسات الكلابية... وفي النهاية سألني هو المرحوم كان اسمة اية...؟؟

وأثناء قراءتي هذا الاسبوع توقفت عند رواية للأعرابي...

ﻳﺮﻭﻯ ﺃﻥ ﺭﺟﻼ ﺣﻜﻴﻤﺎ ﺃﻋﺮﺍﺑﻴﺎ ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻊ ﺃﻭﻻﺩﻩ ﻭﺑﻨﺎﺗﻪ، ﻟﻬﻢ ﺇﺑﻞ ﻭﻏﻨﻢ ﻳﺮﻋﻮﻧﻬﺎ، ﻭﻟﻬﻢ ﻛﻠﺐ ﻳﺤﻤﻲ ﺍﻟﻐﻨﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺋﺎﺏ، ﻭﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻣﻦ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺟﺎﺀ ﺍﺣﺪ ﺳﻔﻬﺎﺀ ﺍﻟﺤﻲ ﻭﻗﺘﻞ ﻛﻠﺐ ﺍﻟﺤﺮﺍﺳﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸﻴﺦ... ﻓﻌﻠﻢ ﺃﺑﻨﺎﺋﻪ ﺑﺎﻟﺨﺒﺮ ﻭﺫﻫﺒﻮﺍ ﺇﻟﻰ" ﺃﺑﻴﻬﻢ" ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ ﺇﻥ ﻓﻼﻧﺎ ﻗﺘﻞ ﻛﻠﺒﻨﺎ

ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ ﺍﺫﻫﺒﻮﺍ ﻭاﻗﺘﻠﻮﺍ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻜﻠﺐ...!

ﻓﺠﻠﺲ ﺃﺑﻨﺎﺋﻪ ﻳﺘﺸﺎﻭﺭﻭﻥ، ﻫﻞ ﻳﻨﻔﺬﻭﻥ ﺃﻣﺮ ﺃﺑﻴﻬﻢ ﺑﻘﺘﻞ ﻗﺎﺗﻞ ﻛﻠﺒﻬﻢ...؟ ﻓﺎﺟﺘﻤﻌﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ (ﺃﺑﻴﻬﻢ ﻛﺒﺮ ﻭﺃﺻﺎﺑﻪ ﺍﻟﺨﺮﻑ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻪ)، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻘﺘﻠﻮﻥ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ﺑﻜﻠﺐ، ﺃﻫﻤﻠﻮﺍ ﺃﻣﺮ ﺃﺑﻴﻬﻢ...

ﻭﺑﻌﺪ ﻣﺮﻭﺭ ﺷﻬﺮﻳﻦ ﺃﻭ ﻳﺰﻳﺪ، ﻫﺠﻢ ﺍﻟﻠﺼﻮﺹ ﻭﺳﺎﻗﻮﺍ ﺇﺑﻞ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﻏﻨﻤﻪ، ﻓﻔﺰﻉ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻰ ﺃﺑﻴﻬﻢ ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﺇﻥ ﺍﻟﻠﺼﻮﺹ ﻫﺠﻤﻮﺍ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻭﺳﺎﻗﻮﺍ ﺍﻹﺑﻞ ﻭﺍﻟﻐﻨﻢ، ﻓﺮﺩ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﺑﻴﻬﻢ: ﺍﺫﻫﺒﻮﺍ ﻭﺍﻗﺘﻠﻮﺍ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻜﻠﺐ...،،

ﻓﻘﺎﻝ ﺍﺑﻨﺎﺋﻪ " ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺃﺻﺎﺑﻪ ﺍﻟﺠﻨﻮﻥ، ﻧﺤﺪﺛﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﺼﻮﺹ ﻭﺳﺮﻗﺔ ﺍﻹﺑﻞ ﻭﺍﻟﻐﻨﻢ ﻓﻴﻘﻮﻝ ﺍﻗﺘﻠﻮﺍ ﻗﺎﺗﻞ ﺍﻟﻜﻠﺐ "...!

ﻭﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮﺓ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﻫﺠﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺍﺧﺮﻯ ﻭﺳﺒﻮا ﺇﺣﺪﻯ "ﺑﻨﺎﺕ ﺍﻟﺸﻴﺦ"، ﻭﺳﺎﻗﻮﻫﺎ ﻣﻌﻬﻢ، ﻓﻔﺰﻉ ﺍﻷﻭﻻﺩ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻴﻬﻢ، ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﺳﺒﻴﺖ ﺃﺧﺘﻨﺎ ﻭﻫﺎﺟﻤﻮﻧﺎ ﻭﺍﺳﺘﺒﺎﺣﻮﺍ ﺣﺮﻣﺔ ﺑﻴﺘﻨﺎ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﺃﺑﻮﻫﻢ ﺍﻗﺘﻠﻮﺍ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻜﻠﺐ...؟؟

ﻓﺠﻠﺲ ﺍﻷﻭﻻﺩ ﻳﻔﻜﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ، ﻫﻞ ﺟﻦ ﺃﻡ ﺃﺻﺎﺑﻪ ﺳﺤﺮ ﺃﻡ ﻣﺎﺫﺍ...؟ ﻓﻘﺎﻡ ﺇﺑﻨﻪ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻭﻗﺎﻝ ﺳﺄﻃﻴﻊ ﺃﺑﻲ ﻭﻟﻨﺮﻯ ﻣﺎ ﺳﻴﻜﻮﻥ، ﻓﻘﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﺳﻴﻔﻪ ﻭﺣﻤﻠﻪ ﻭﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﺗﻞ ﻛﻠﺒﻬﻢ ﻭﻓﺼﻞ ﺭﺃﺳﻪ ﺑﺴﻴﻔﻪ، ﻓﻄﺎﺭﺕ ﺃﺧﺒﺎﺭ ﻗﺘﻠﻬﻢ ﻟﻘﺎﺗﻞ ﻛﻠﺒﻬﻢ، ﻭﻃﺎﻓﺖ ﺍﻷﻓﺎﻕ، ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﻠﺼﻮﺹ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻗﺘﻠﻮﺍ ﻗﺎﺗﻞ ﻛﻠﺒﻬﻢ، ﻓﻜﻴﻒ ﺳﻴﻔﻌﻠﻮﻥ ﺑﻨﺎ ﻭﻗﺪ ﺳﺮﻗﻨﺎ ﺇﺑﻠﻬﻢ ﻭﻏﻨﻤﻬﻢ، ﻭﻓﻲ ﻋﺘﻤﺔ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺗﺴﻠﻞ ﺍﻟﻠﺼﻮﺹ ﻭﺃﻋﺎﺩﻭﺍ ﺍﻹﺑﻞ ﻭﺍﻟﻐﻨﻢ ﺍﻟﻰ ﻣﺮﺍﻋﻲ ﺍﻟﺮﺟﻞ، ﻭﻋﻠﻤﺖ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﺴﺎﺑﻴﺔ ﻟﺒﻨﺖ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺑﻘﺘﻠﻬﻢ ﻗﺎﺗﻞ ﻛﻠﺒﻬﻢ ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻗﺘﻠﻮﺍ ﺭﺟﻞ ﺑﻜﻠﺐ ﻓﻤﺎﺫﺍ ﺳﻴﻔﻌﻠﻮﻥ ﻣﻌﻨﺎ ﻭﻗﺪ ﺳﺒﻴﻨﺎ ﺑﻨﺘﻬﻢ ﻓﺎﻋﺎﺩﻭﺍ ﺍﻟﺒﻨﺖ ﻭﺧﻄﺒﻮﻫﺎ ﻻﺑﻦ ﺷﻴﺦ ﻗﺒﻴﻠﺘﻬﻢ...

ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﺟﻠﺲ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﻓﻬﻤﻮﺍ ﺣﻜﻤﺔ ﺃﺑﻴﻬﻢ ﻭﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺨﺮﻑ...!!

ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻐﺾ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﺣﻘﻮﻗﻚ ﺳﻴﺘﺠﺮﺃ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻗﺘﻚ ﻓﻲ ﻭﺿﺢ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﻻ ﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺳﻜﻮﺗﻚ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻨﺤﻬﻢ ﺍﻟﺘﻄﺎﻭﻝ ﻋﻠﻴﻚ ﺩﻭﻥ ﺣﻴﺎﺀ ﺃﻭ ﺧﻮﻑ، ﻭﻫﺬﺍ ﻟﻴﺲ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻔﻮ، ﺍﻟﻌﻔﻮ ﻣﻘﺮﻭﻥ ﺑﺎﻟﻤﻘﺪﺭﺓ ﻭﻻ ﻳﺴﻤﻰ ﻋﻔﻮﺍ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻊ ﻋﺠﺰ ﺑﻞ ﻳﺴﻤﻰ ﺟﺒﻨﺎ ﻭﺫﻻ...! '

حقا انة عصر القوة عصر بلا فضيلة ولا أخلاق،

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب مصري وباحث

المؤكد انها اكثر الحكومات فسادا على مدى تاريخ البلاد السياسي في فترة وجيزة لم تتعد بعد السنتان، فهي جاءت نتيجة فساد مالي من خلال شراء ذمم بعض اعضاء لجنة الـ75 حيث تحصل فريق الدبيبة على 39 صوتا، وعدت ستيفاني وليامز بإجراء تحقيق بالخصوص، لكن الامر وئد في المهد.

تقرير ديوان المحاسبة لعام 2021 كشف عن وجود إهدار كبير وإنفاق مبالغ فيه للمال العام، داخل أغلب مؤسسات الدولة، وسط دعوات باتخاذ إجراءات قانونية ومحاسبة الفاسدين، كذلك كشف عن إنفاق مبالغ فيه، تراوح بين تخصيص مصاريف باهظة لبعض المسؤولين ولأشخاص لا تربطهم أيّ علاقة وظيفية، وكذلك تكاليف مرتفعة لإقامات في الفنادق وتذاكر الطائرات لغرض تنفيذ رحلات خاصة في بعض الأحيان، إلى جانب شراء أجهزة إلكترونية بمبالغ كبيرة.

في مطلع هذا العام (2023) تم نشر قوائم ضمت كبار سن وأبناء مسؤولين ليبيين. حيث تم ايفاد أشخاص تتجاوز أعمارهم 60 سنة تم ترشيحهم لدراسة الماجستير وطالبة لا يتجاوز عمرها 19 سنة تم إيفادها لدراسة ماجستير في الطب للدراسة بالخارج ما يمثل فسادا بشان اهدار المال العام. لكن وزير التعليم استطاع البقاء في منصبه بسبب الاسناد الجهوي له.

في اغسطس الماضي (2023) تم تسريب لقاء جمع وزيرة الخارجية المنقوش مع نظيرها الصهيوني في روما، سارع الدبيبة الى اقالة وزيرة خارجيته للحد من الغضب المتزايد بشأن اللقاء الذي أثار احتجاجات في عدة مدن ليبية.

في نهاية العام 2021 النائب العام يأمر حبس وزيرة الثقافة (مبروكة توغي عثمان) على ذمة قضية ارتكاب الوقائع وقيام جرائم الحصول على المنافع بالمخالفة للقوانين التي تحيط المال العام بالحماية، وصرف المال العام في غير الوجه المخصص له. أيضا قبل نهاية العام 2021 تم توقيف وزير التعليم موسى المقريف على خلفية تعثر توريد الكتاب المدرسي للعام الدراسي والذي تسبب في عدم انطلاقه.

في تسجيل صوتي لسفيرتنا لدى بلجيكا (أمل الجراري) مخاطبة سكرتيرتها (نديمة القريتلي) إنها تحتاج إلى "فاتورة مزورة" تفوق قيمتها 200 ألف يورو لعلاج مريض ليبي "زائف" من مرض السرطان، السيد رئيس حكومة الوحدة الوطنية وزير الخارجية المُكلف (وزير الدفاع منذ تشكيله للحكومة لكي يكون على اتصال مباشر مع زعماء الميليشيات بالمنطقة الغربية وتقديم المنح والهبات اللازمة لكي يبقى في السلطة) يُصدر قرارين بإنهاء إعارة السفيرة في وزارة الخارجية وإحالة إجراءات إعفائها إلى المجلس الرئاسي، من جانبه مكتب النائب العام يُعلن حبس السفيرة المذكورة احتياطياً على ذمة التحقيق، بتهمة ارتكاب واقعة تحقيق منافع مادية غير مشروعة، والاستيلاء بدون وجه حق على مال عام، والتسبُّب في إلحاق ضرر بالمصلحة العامة.

وبعد، هذه بعض فضائح الحكومة في مختلف المجالات ورغم ذلك فان السيد رئيس الحكومة لا يزال مستمرا في منصبه وكأن شيئا لم يكن، كارثة درنه شغلت الراي العام وخففت عن الدبيبة حجم الغضب الشعبي بسبب تصرفات حكومته اللامسؤولة المتماهية في الفساد، دونما حسيب او رقيب. بالتأكيد صدور القوانين مؤخرا عن مجلس النواب بشان الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والتي لم تقص احدا، سوف يعجل بذهاب الحكومة الفاسدة ومحاسبتها على ما اقترفت. وانتخاب رئيس للبلاد ومجلس امه بغرفتيه وينتهي الانقسام ويعم الامن والسلام في ربوع البلاد.

***

بقلم: ميلاد عمر المزوغي

رغم قساوة الزلزال الذي ضرب المغرب فقد خلف العديد من اللقطات والمشاهد والصور المتنوعة والحكايات والروايات ذات الدلالات المختلفة، التي تُنوسي بعضها في زحمة الحياة، إلى لأن برع أحد متشردي شوارع مراكش - مع اعتذاري على هذا النعت -تحريك أسئلتها الوجودية من خلال القصة / الخبر الطريف المحزن التي نُشرت صبيحة الفاجعة الرهيبة على تطبيق "التيك توك"، وعبر الفيديو الذي يسرد فيه، وبنشوة وزهو خارقين، حدث بيات قاض وزوجته ليلة الزلزال في الخلاء بجانبه، قائلا :"والله حتى بات حدايا في الزنقة قاضي ومراتو مخلين دارهم ومالهم ومتاعهم وملابسهم وطبلتهم العامرة بالطعام والفاكهة، وجاو يباتو معنا حنا كلاب الشوارع الشاردة - خاتما قوله - الحمد لله على الخوف اللي ردنا بحال بحال"

القصة التي لاشك أن "شمكار مراكش " قد نجح من خلالها، وبكل مهارة وبراعة في إيصالِ حقيقة دلالة قصته التي تتجاوز صورة القاضي وزوجته اللذان دفع بهما الهلع للاحتماء بالفضاءات التي يستوطنها مشردو المدينة، لتفضح المنسي والمتواري والمتحجب من المستخلصات التي يمكن اعتبار منطق "السواسية" التي أمسى معها "بحال بحال " كما صرح بذلك "شمكار مراكش" في قصته التي لخص فيها كيف حولت صدمة الزلزال الجماهير إلى حفنة من الضعفاء يدفع بهم الخوف والهلع للجَـري والتسابق نحو الخلاء والحدائق والساحات وعراءات مدينة مراكش، وغيرها من المناطق التي هـرع إليها الناس خارج البيوت، التي يزاحمون فيها من كانوا يعتبرونهم "شمكارة" خوفا من فاجعة الزلزال، واستجداء للنجاة من الموت المرتقب، الذي يصبح معه الناس متساوين، لا فـَرق بين المحتاج منهم والميسور،ولا بين الموظف والعاطل، ولا بين الحاكم والمحكوم، ولا بين العَـدو والصديق، ولا بين الطيب والخبيث، الكل محكوم بمنطق "السواسية" التي تتلاشى معها كل صور الغطرسة والمكانة الاجتماعية، وكل زهو المناصب والمواقع الوظيفية، وكل تسلط من يعتقدون أنهم يملكون مصائر البلاد والعباد، القصة التي لاشك سيشكل درسا يدفع بالجميع لإعادة حساباتهم وترتيب حياتهم بعد الزلزال بما يليق بمنطق السواسية التي عبر عنها "شمكار مراكش" و حكيمها، بلهجته المراكشية الجميلة في نغمة نطقِه لحروفِها وإظهاره للكلماتِ..

***

حميد طولست

تعيش العديد من دول ومجتمعات الشرق الاوسط في حال وظروف عامة يرثي لها، جعلتها متخمة بالأزمات القابل للاشتعال كل منها في أي لحظة، وما يجمع هذه الأزمات، وخصوصًا في الرقعة الممتدة بين شرق المتوسط والخليج وتكاد تكون هي الأسوأ من بين كل دول ومجتمعات العالم ، ولانها لسوء حظها أصبحت المستهدفة بالعنف والتطرف والارهاب اكثر من غيرها ولعلها تنفرد بأهميّة قصوى في حسابات الدول الكـبرى، لما لها مـن أهميّة استراتيجيّة في المشهد السياسي الإقليمي، لما تتمتّع به من غِـنى في مواردها و التنافس على موارد الطاقة هي الاهم وإحدى الغايات الرئيسة للدول الكبرى التي تسعى إلى تأكيد نفوذها والسيطرة عليها  لتأمين احتياجاتها من النفط الخام والغاز، في ظل تسارع وتيرة الإنتاج وفي ظل اضطرابات مالية تصيب الاقتصاد العالمي باهتزازات متتالية بين حين واخر، في السباق على حجز مواقع متقدمة في السوق الدولية ، وتشابكت العديد من الأحداث السياسية والاقتصادية والأمنية فيها لتضع شرط تقبل قيادتها السياسية في مهب الريح إذا لم تعد الى رشدها وتلقي بها داخل علامة استفهام كبرى إذا استمرت على هذه الوتيرة ، خاصة بوجود ازمة مختلفة والمجموعات الارهابية مثل " القاعدة والدولة الإسلامية أو داعش"،وغيرها التي تتبنّى أجندات عابرة للحدود تنبذ فكرة الدولة والحدود القائمة عليها بالكامل ،من القواعد الشريرة وتواجد القوى الغربية في المنطقة تحت ذريعة القضاء على مصادرها وتسعى هذه الدول الداعمة إلى استغلال  هذه المجموعات المسلحة  لغرض تقوية وضعها و تعزيز مصالحها، وايقاف مسارها كي لا تلجئ إلى هذه الدول بعد ان توسعت في الوقت السابق ولم تبقى منها الا فلول هنا وهناك في الوقت الحالي بعد أن تشرذمت  قواها و التي هي كانت قد أعد لها لكي تكون الشماعة التي تتعكز عليها في تواجدها في المنطقة ، في حين تفرعت الخطوط الرئيسية للمشاكل لترتبط بتحركات هذه المجموعات الارهابية  وتؤكد تحريكها للأحداث الدائرة هنا تارة وهناك تارة أخرى تشير الى تورط العديد من الدول في المنطقة ورجال السياسية في هذه الأحداث لتحقيق أهداف سياسية في مقدمتها فرض حالة عدم الاستقرار وتغيير مسارات الأعمال السياسية نحو هذه الجهات النافذ لدى تلك القوى الدخيلة في المنطقة.

لا بدّ من إرساء مناخٍ من الحرّية والعدالة في دول الشرق الأوسط وتغيير السياسات الخاطئة التي تهمش ارادة الشعوب وطوي صحيفة الدكتاتوريات. فحماية الامتيازات، وممارسات الفساد، والاحتكارات، وكذلك الخوف من التغيير، يجب أن تُستبدَل كلها بالإدماج والتنافس العادل، ما من شأنه أن يُطلق العنان للإبداع والمجهود الفرديَّين. يمكن الشروع في عملية تدريجية من أجل التقدّم، خصوصًا أن الإصلاحات الاقتصادية والسياسية قد تؤدّي إلى تحسين الثقة بالمؤسسات وبالمستقبل، وتاريخيًا، كان السبب الأساسي خلف ضعف الأداء الاقتصادي في دول منطقة الشرق الأوسط هو انعدام الشجاعة السياسية لدى القادة على الرغم من أن الحاجة إلى التحلّي بالشجاعة لتحقيق التغيير لا زالة ضرورية، ولا شكّ من أن الإصلاحات السياسية قيّمة في حدّ ذاتها، ولم يعد ممكنًا تجنّبها كي تؤدّي دورا أكبر في هذا الصدد. فثمة اصطفافٌ نادر لعناصر قد تكون مؤاتية للتغيير، وتتمثّل في عدم جاذبية الخيارات البديلة عن الإصلاح، وتحسّن آفاق الاستفادة من الإصلاح، والضغوط.

***

عبد الخالق الفلاح

أقلامنا، أفواهنا، إنشائية صرفة، وما أنجزته على مر العصور تخدير الأجيال تلو الأجيال.

وبلغت الإنشائية ذروتها في عصرنا المشحون بوسائل التواصل المسعورة بأنواعها.

وصارت الأضاليل والأكاذيب مواد دسمة للإلهاء والتغفيل وتعطيل العقول واستعباد البشر المذهول.

وتفوقت التأويلات للنصوص الدينية وسادت الواقع، ورفدته بالمغفلات والمروعات الآخذات بالناس إلى سوء المصير.

والغريب في الأمر أن المؤرخين والكتاب والمفكرين، تحركوا في دائرة مفرغة من الأضاليل الإنشائية، وسخروا قدراتهم لتبرير الواقع وتفسيره بآليات عجيبة، رسخت وعززت ما فيه من السلبيات والانحرافات السلوكية.

فكتب التأريخ تزدحم باللامعقول، والعمل على إخراج الجالسين على كراسي القوة من بشريتهم، وتحويلهم إلى آلهة، حتى صاروا رموزا لرب العالمين، وتحت لوائهم  نشأت دول وفرق وجماعات تستعبد الناس وتصادر مصيرهم.

وعندما تبحث بإنجازات المفكرين، تجدها لا تمت بصلة للواقع، فهي محاولات لتفسيره بنظريات أجنبية لا تعرفه، فلكل منهم مشروعه المطمور في ظلمات الرفوف، ويأتي مَن يرى أن لكل منهم عشرات الكتب، فما نفع ما ألفوه؟

أ يعقل أن أمة فيها هذا العدد من المفكرين، وتتخبط في قيعان الوجيع وتتراكم في ديارها الإحباطات والإنتكاسات والإنكسارات والنكبات، وما إستطاعت أن تبني نظام حكم يستند على قانون ودستور قويم.

إنها الإنشائية المظفرة التي ترهننا بأوهام أحلام اليقظة، وتصورات اللاممكن، وتجعل الأجيال تردد : " أنتم أتعس أمة أخرجت للناس"!!

فهل أفلح المفكرون؟!!

***

د. صادق السامرائي

منذ عام 2003 انقلبت حياة العراقيين رأسا على عقب، أو بتعبير أصح عقبا على عقب، إذ يبدو أن الرأس ومكانة الصدارة حرمت على العراقيين في العهدين، الأول عهد القائد الضرورة الأوحد أبو الليثين صدام حسين، والثاني عهد القادة غير الضروريين وغير النافعين واللاجدوى من وجودهم، بل في وجودهم كل الضرر والخراب، وحاشاهم من فعل الخير وما يعود به للعراقيين، فقد عقدوا همتهم لحلب خيرات العراق حلبا، وشدوا عزمهم لشفط "نفطات" العراق شفطا، وشمروا عن سواعدهم لنهب ثروات البلاد نهبا، فاستطيبوا تبعا لهذا أكل الحرام، واستساغوا طعم السحت، واستحلوا الحرام، وغضوا أنظارهم عن العيب، وغادرت ضمائرهم مفردات الجائز والمعقول والمقبول، فيما حطت مفردات اللاجائز واللامعقول واللامقبول ركابها عندهم، فصار طبيعيا تضادهم مع مصالح العراقيين، وباتوا لايأبهون بحاضر البلاد ولامستقبلها، وقطعا هم لن يحيدوا عن ديدنهم هذا، ولن يغيروا ما بأنفسهم، ولن يبدلوا تبديلا. ولعلي أقارب في وصفهم ببيت الأبوذية القائل على لسان العراقيين:

طحت بناس لا مذهب.. ولا دين

ومنهم ما تصح قرضة.. ولا دين

هم شفت البغل يولد.. ولا دين

يحلبونه ويسوونه رثيه

ويا ليتهم يتصافون فيما بينهم لتأخذ سلبياتهم شيئا من الـ (استاتيكية) فينعم العراقيون حينها باستقرار المآل على أدنى حال، إذ مافتئت خلافاتهم تتعالى أصواتها بين نعيق ونهيق، ومابرحت ساحة صراعاتهم تتسع بين ناطح وجامح، حتى غدت حلبتها تشغل رقعة تبلغ مساحتها (437,072) كم2، تشمل -فيما تشمل- السهول والجبال والصحارى والأهوار والمستنقعات، وهي صراعات على أصعدة عدة، فمن كان منهم متكلما او متقولا، نراه يستخدم اللقاءات المتلفزة والتصريحات الصحفية أداة يبرز عن طريقها عضلاته، ومن لايستطيع التعبير بالكلمات يستخدم بكل سهولة، ما تيسر له من أدوات التعبير من دون احتساب صلاحيتها او ذائقتها وسط المجتمع، فقوانين صراعاتهم تبيح لهم كل السبل والطرق لإتمام ما مكلفين به. أما المتفرجون فيربو عددهم على أربعين مليون متفرج، ومن غرائب تلك الصراعات أن البهلوانيات بين المتصارعين، تعود بالويلات والمصائب على المتفرجين، فيما ينعم اللاعبون بمتعة الفوز ونيل الأوسمة والأحزمة والكؤوس، فضلا عن الامتيازات الدنيوية الأخرى.

إن نظرة على عجالة لما يدور في العراق من أحداث، ومتابعة تسلسلها من ألفها الى يائها، يتبين بوضوح مدى حنكة ترتيبها زمانا ومكانا وحيثيات، ومراعاة التقديم والتأخير بها بدقة وإمعان شديدين، واستبدال بعضها ببعض متى ما تطلب الأمر. ولايقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعداه الى استحداث مستجدات وكأنها قد وضعت (standby) مع متغيرات المعطيات، وما هذا إلا لإتمام مسرحية بدأت فصولها عام 2003، ولا أظنني وقارئ سطوري هذي ومجايلينا سندرك فصولها الأخيرة، إذ أن أستارها لن تسدل على مدى جيل او اثنين او حتى عشرة، بل هي مستمرة العرض الى إشعار آخر. أما الأخير هذا فمن المؤسف والمؤلم حقا أنه غير مسمى، ذلك لأن من أهم مقومات استمرار المسرحية استمرار التصفيق، والأخير بدوره ما برح يعلو ويعلو بأكف العراقيين لا غيرهم، وهم المسؤول الأول والأخير -الى حد ما- عن تداعيات فصول ما يجري عليهم ولهم وبحقهم من مسرحيات.

في بيت قاله ابن زريق البغدادي يتحسر فيه على ما لم يحسن التعامل معه حتى فقده، شبه كبير لواقع العراقيين، حيث يقول ابن زريق:

أُعطيت ملكا لم أحسن سياسته

وكذاك من لا يسوس الملك يُخلعه

***

علي علي

البشر لا يختلف عن بعضه، فالنفس واحدة، والسلوك الناجم عنها متشابه، وهناك قوانين تتحكم بالسلوك، فالوحشية وسفك الدماء، والعدوانية والأنانية، وروح الانتقام وعدم الالتزام بالضوابط والقوانين فاعلة في الدنيا.

واستعمال الدين لتمرير التطلعات السيئة أمر تعارفت عليه البشرية منذ الأزل.

التأله أو "أنا ربكم فاعبدونٍ"، نزعة قائمة يعبَّر عنها بأساليب متنوعة، فهذا نائب الله، وذاك يمثل إرادته وهلم جرا.

ومن الواضح أن البشر إذا اعتاد على حالة ترضي رغباته وتشبع نزعاته، فسيحافظ عليها، وعندما تتهدد يفعل ما لا يخطر على بال لاستعادتها.

وفي أكثر المجتمعات تطورا، ما أن تتردى الأوضاع الاقتصادية حتى تتزايد الجرائم، وتتكون المجاميع الساعية لتنفيذ المهمات الخارجة عن القانون والمعتدية على حقوق الآخرين.

ففي بعضها صار نهب المحلات والمتاجر بهجمات جماعية عصابية منظمة، للاستحواذ على الحاجات التي صار الناس غير قادرين على دفع ثمنها بسبب التضخم الاقتصادي.

جرائم متزايدة لا يردعها قانون ولا دين ولا أي ضابط أخلاقي، فنيران الإجرام عندما تتأجج لا تستطيع قوة أن تخمدها.

ومعظم الدول التي تسمي نفسها ديمقراطية وتحترم حقوق الإنسان، تعيش فترات مفعمة بالجرائم والتداعيات الخطيرة التي تهدد بفقدان الأمان في كل مكان.

التاس مسلحة وأمارة السوء منفلتة، وما أسهل الضغط على الزناد، بزمن التخاطب عن بعد، وفقدان مهارات التفاعل الإنساني مع البشر.

فالابتعاد عن الناس يعزز الإقدام على الإجرام.

فإلى أين المسير؟

***

د-صادق السامرائي

قبل ايام جرت مناقشة اطروحة ماجستير قدمتها احدى الفتيات، وكان موضوعها هو صناعة الحلويات في كربلاء. لقد تعرضت الفتاة الى درجة عالية من التنمّر والسخرية من كل من هب ودب حتى لو كانوا أميين!!

ارسلوا مناشيرهم حول الاطروحة بعد ان تلاعبوا بالعنوان من أجل الامعان بالسخرية!!

ذلك أمر مؤسف ومحزن حقاً ان تسود الفوضى وتغيب الحدود الى هذا الحد..

صحيح ان العراق " ديمقراطي"، لكن ذلك لا يخوّل كل الناس ان يتدخلوا في كل الاشياء ...

عنوان الاطروحة ومحتواها هو شأن اكاديمي يتم الاتفاق عليه بين الطالب والمشرف والقسم العلمي.

الاطروحة لا تذهب بالضرورة لمعالجة مشكلة قائمة..

معظم الاطروحات في ارقى الجامعات، توضع في المكتبات فقط ولا تذهب لحل مشكلة..

(الدكتور المعروف الراحل عبد الجبار عبد الله الذي أخذ الدكتوراه باشراف اينشتاين العظيم، هل سمعتم عن عنوان وموضوع اطروحته؟؟ هل قيل لنا انها ساهمت في حل مشكلة في الفيزياء؟)...

الاطروحة هي في حقيقة الأمر بمثابة امتحان موسّع يحاول الطالب ان يُظهر من خلاله مدى اطلاعه على المصادر العلمية.

ذات الصلة بموضوعه وقدرته على توظيف معرفته في التحليل واستخدام البيانات بشكل صائب وتشخيص واستخلاص جوانب المشكلة واستخلاص الحلول او المعالجات.

اضافة بذلك يفترض ان يُظهر الطالب قدرته على الدفاع عن افكاره بشكل علمي متوازن وان يرد على الاسئلة التي تطرح عليه بشكل سليم...

العراق يستورد حلويات بمئات ملايين الدولارات ويحتاج الى دراسة اقتصاديات صناعة الحلويات، ما هو الخطأ؟

هل يريد المنتقدون اطروحة حول تصنيع الدبابات؟

قطاع صناعة الحلويات الذي يستورد بمئات الملايين من الدولارات، الا يستحق ان تقام فيه مشاريع استثمارية لتوفير فرص عمل وتحويل تلك الصناعة الى قطاع منظم يعوض الاستيرادات؟.

في رأيي ان هنالك العديد من الصناعات التي تستحق الدراسة طالما العراق يستورد كل شيء، حتى وان لم تُعجب الجمهور دراستها، ذلك الجمهور الذي لا يرضى عن شيء!!

***

د. صلاح حزام

ليست الحمدانية بل بيث خوديدا، بيت الشباب بالآراميّة. بيث خديدة، بيت الله بالفارسيّة. نعم هي ليست الحمدانية وليس من حقّ أحد أن يطلق عليها أسم غير أسمها (باخديدا/ بغديدا)، التي قال فيها ياقوت الحموي في معجم البلدان "باخديدا قرية كالمدينة شرقي الموصل، تبعد عنها سبع فراسخ، كل أهلها نصارى وهي من آثار نينوى".

في هذه المدينة مشى المسيح حاملا صليبه بصبر والنار تحرق جسده وخلفه الحواريّون ينظرون للرب في أعالي السماء بعيون ملؤها الدموع، في أزّقتّها ركضت العذراء حافية تصرخ هول الكارثة. بغديدا أبتلعها الدخان بعد أن أمطرت السماء نارا، بيث خوديدا، كانت شاهدا على شباب يرقص على لهب النيران، أنّه الموت الذي كان يتجول في شوارعها. في قاعتها حيث العروسين يرقصان، دقّت ساعة القدر وفقدت باخديدا توازنها، فسقطت والنار تلتهمها.

لم يترك الرهبان بخديدا تحترق، فنزلوا أقبيتهم حيث دنان النبيذ الأحمر كلون الدم، فحملوها ليصبّوها على النيران كي تثمل وتترك الفتية يعيشون ويفرحون. لكن ويا للأسف فقد تآمرت النيران وهي تشمّ رائحة الشواء مع الفاسدين القتلة على عدم شرب النبيذ، لتشوي متلذذّة أجساد الفتية الجميلة.

في اللحظة التي شويت بها الأجساد، وصرخت الأرواح وهي تطير الى حيث الرب في عليائه، أمر الله ملائكته، لينتخبوا أفضل قاعة أحتفالات بالجنّة. وأشترط عليهم، أن تكون بلا سقف، كما أصدر أوامره بنفس الوقت للشياطين أن ينتخبوا أسوأ مكان في الأرض، على أن يكون بسقف!! فوقعت الملائكة في حيص بيص من أوامر الله هذه، أمّا الشياطين فأنّها سارعت لتلبية طلب الله على عجالة. على الرغم من تعجّب الملائكة من أوامر الله هذه، وهو الخبير بأزّقة الجنّة زقاقا زقاقا، فأنّهم أنتخبوا ركنا شمال الجنّة أسمه بغديدا ليبنوا فيها قاعة حسب مشيئة الله، وجعلوها كما شاء الرب بلا جدران ولا سقف. أمّا الشياطين، فكانوا أسرع من الملائكة في تنفيذ طلب الله، فنزلوا كلّهم الى منطقة في الأرض أسمها العراق، وجعلوا بدل السماء سقوف تغطّيها، سقوف تنثر النار والموت، على شوراعه ومساجده وكنائسه، سقوف تمنع الهواء، ليختنق الجميع..

أيّها الضحايا ماذا تريدون من هذا الوطن، ماذا نريد نحن " الأحياء" من هذا الوطن؟ هل هو وطننا، أم وطن الفاسدين الذين بفسادهم نُشوى؟ دعونا نبني وطن بلا سماء، فسماء بلادنا لا تمطر، الا الجوع والفقر والمرض والجهل، سماء بلادنا ملبّدة بالموت...

من واجب الحكومة المركزية اليوم وأحتراما للأجساد الطاهرة التي أحترقت بنار الفساد، أن تعيد للمدينة أسمها الذي فقدته بقرار بعثي في سبعينات القرن الماضي. كونوا عراقيين وليكن أسم المدينة وبقرار حكومي بغديدا - بخديدا بالسرياني "ܒܓܕܝܕܐ". لا تخافوا التنوع الديني والقومي والطائفي، فعراقنا أجمل بهذا التنوع.

عندما كانت بغديدا تحترق، أحترق معها العراق المسالم والمتنوع..

سلاما الى تلك الأرواح التي ستبثّ شكواها حتما الى الرب، وهي تشير الى القتلة..

سلاما الى تلك الأرواح التي أبكت العذراء، وجعلت المسيح يتيه بين الجبال حاملا صليبا من نار..

***

زكي رضا - الدنمارك

 1/10/2023

في مساء التمعت فيه النجوم وحضر القمر ليشهد عرسا اسطوريًا تتوجت خطواته راقصة بأجنحة شفيفة ارتدت الحب لونا من أجمل الالوان..

كان الحضور قد طغى عليه الامل والتفاؤل وهو يرتسم طريق المستقبل حريريا ناعما فيه الامنيات تحلّق بجناح فراشة غض..

كل شئ كان مرتبًا ومنسقًا على إيقاع الموسيقى الحالمة التي كانت تأخذ العروسين الى عالم وردي الخطى يرفل بالخير والحب..

احتفال بهيج أنيق بحضوره اللافت وتلك القلوب الميئة بالحب والوجوه الملآى بالحياة التي جاءت لتبارك هذا الزواج الذي أُوقدت جذوته لتناسب مقاس أحلام بدت عصيّة أمام وحش كاسر يحاول غرس أنيابه العطشى للدمار!

فللقدر شأن آخر والموت كان متربصًا بهذا الجمع والنار تختلج أحشاءه وتقطعها أنتظارا ووحشية! والامنيات قد أُزهقت أجنحتها قبل أن تحلق في فضاءٍ قد أغلقت آفاقه بعتمة دامسة المعالم، لتتسربل الوجع في مكان كل مافيه يتربص ويعتمل لحساب الرحيل، فلا جدران ولا ذكريات ولا مكان للفرح هنا في أرض حفرت فيها الدموع دهاليزا ديدنها الوجع!

في قضاء الحمدانية أحد أقضية محافظة نينوى شمال العراق جنوب شرق مدينة الموصل حيث الغالبية السريانية والعديد من القرى التي يسكنها الشبك والازيديين تعتبر مدينة بغديدا (قره قوش) مركز هذا القضاء، حيث مكان العرس الذي أقيم في قاعة للاعراس ظاهرها البهرجة وباطنها العذاب، فقد بنيت هذه القاعة من مواد حُضر استيرادها مؤخرا (سندويج بنل) لهشاشتها وعدم مطابقتها للمعايير الهندسية للبناء ومغلفة بألواح(الايكوبوند)سريعة الاشتعال!

كانت القاعة تغص بالحضور فقد حضر العرس ما يقارب ألف شخص بين قريب وصديق وكل شئ بدا طبيعيا ومنسقا، وما أن بدأ الحفل واكتمل الحضور، وبدأ العروسان بالرقص مع الموسيقى الحالمة بإغماضة ليتها لم تُفتح! ماهي ألا لحظة أو رمشة بين الفرح والذهول، الاحتفال والتأبين، الحلم والحقيقة، إغماضة حولت مشهد العرس إلى أتون مستعر كأنه الجحيم!

بدأت الشرارة الاولى لا يقاظ ألسنة اللهب التي كانت تغفو مترقبة مكشرة عن أنيابها وبلارحمة، تلك الشرارة التي يقال إنها انطلقت من الالعاب النارية التي ترافق هذا النوع من الافراح لتحيل نهار الفرح الى ظلام دامس، حيث بدأ خرير النار يتقاطر على العروسين والحضور وتوهجت القاعة بالنيران المشتعلة ورائحة السخام الاسود التي تزكم الانوف وسط دهشة وذهول العروسين اللذين عجزا عن تصديق كل ما يحدث من فاجعة، وكأنه عرس تايتاني الغرق في بحار النار!

بدأت الجموع الغفيرة بالتدافع محاولة الخروج من باب لايرتقي لتسميته لصغر حجمه وضآلته، فقاعة أعراس بهذا الاتساع لابد أن يكون فيها أكثر من مخرج وباب، كانت المأساة أكبر من مخارجها فالنار كانت تلتهم هشيمها بكل وحشية فلم تبق أو تذرأو تدع سبيلا للخلاص من براثنها التي أحكمت إغلاقها حيث ادى انقطاع التيار الكهربائي الى غرق القاعة بظلام لجي دامس، كانت الاصوات تتعالى ثم تخمد والاجساد تتدافع ثم تهوي، والارواح تتقافز طالبة خيط نجاة دون نجوى!

عم الذعر المكان الذي كان يفتقر لا بسط ادوات السلامة، حيث لا مطفأة تطفئ هذا الاتون المستعر ولا مخارج تستوعب هذه الاعداد من الحضور ولا مسؤول يتحمل مسؤولية هذه الارواح في ظل بطأ كسيح الخطى لسيارة الاطفاء الهرمة التي وصلت مؤخرا ببقايا ماء لا يسمن و لايغني من جوع!

أنهارت القاعة الملكية الاهمال وتهاوت أعمدتها الخاوية وأحترق كل شئ فيها حتى الاحلام والامنيات!!

انتهى الحلم بمأساة وتحول الفرح الى حزن والعرس الى مأتم فُقد فيه الكثير من أهالي العروسين والحضور، وتقيأت القاعة الحفل البهيج لتلقي رفاته ألما وحسرة على الارواح البريئة التي كان كل همها أن تفرح في زمان ليس زمانها ومكانا استوطنه الوجع..

إستيقظ الاهالي من ذهولهم ليرتدوا السواد لدفن موتاهم في عرس تأبيني مؤلم.

وقعت الفاجعة الموجعة وتسامت الارواح البريئة الى خالقها، مخلفة تساؤلا من المسؤول عن هذه الانتهاكات التي تطال الابرياء !

فهل الشرارة هي التي نشرت النار في الهشيم! أم سوء الادارة وضعف الاستعداد !أم تشييد قاعات عشوائية في أماكن عشوائية تفتقر الى الحد الادنى من احتياطات الامان!

أم الفساد الاداري والانساني والاخلاقي الذي طال كل شئ!

هذه التساؤلات وغيرها تنتظر إجابة وتلقي المسؤولية على كل مسؤول لاتخاذ اجراءات صارمة بحق من يستهين بالارواح البريئة لحصد الاموال الطائلة دونما قيد أو شرط في زمان شاعت الفوضى فيه وتسلط الجشع والفساد وابتعد الانسان فيه عن الله ورأس الحكمة في مخافة الله.

ويبقى السؤال الذي يدق ناقوس الخطر في أرضٍ بات الامان فيها كطير مهاجر يحلم بالعودة الى الديار..

رحم الله الارواح البريئة واسكنها فسيح جناته وإنا لله وإنا اليه راجعون.

***

مريم لطفي الالوسي

سيظل مؤشر الحرائق فى ارتفاع وسوف يتكرر حريق الحمدانية فى أكثر من مكان وأكثر من مناسبة طالما بقيت الدولة رخوة في تنفيذ القانون، والنظام هشاً على هذا النحو البائس، وطالما بقي البرلمان يرفع شعار: "لا أرى.. لا أسمع.. لا أتكلم!!".

لعل الأقسى من الصور المؤلمة لضحايا حريق الحمدانية، هي صورة وزيرة الهجرة والمهجرين، وهي تعود خائبة بعد أن رفض أهالي ضحايا الفاجعة محاولة دخولها إلى مكان الحادث. والأقسى من الموت حرقاً، أننا نجد أحزاباً ونواباً يتاجرون بمأساة الضحايا، وإذا أردت عزيزي القارئ أن تصل إلى قمة المأساة، ستجد أنّ المواطن العراقي بلا ثمن، ولا أهمية، مجرّد رقم يضاف إلى سجلات الموتى، ومن ثم فلا تسألوا عن المتسبّب في حريق الحمدانية، مثلما لا يحق لكم أن تسألوا لماذا لم يتم اعتقال مسؤولين كبار تسببوا في حرائق المستشفيات، ومسؤولين كبار نهبوا ثروات البلاد، ومسؤولين كبار كانوا وراء الخراب الذي انتشر في البلاد.

ولعلك تتساءل الآن: وماذا تفعل الحكومة أكثر من أن تطفئ الحرائق؟ وأضيف للقارئ العزيز: على البرلمان أن يرفع يديه بالدعاء على من أشعل هذه الحرائق، ويصر أن تتولى عالية نصيف رئاسة لجنة التحقيق البرلمانية.

المواطن يبكي وهو لاحول له ولا قوة فى مسألة محاسبة منفذي الحرائق، مثلما يجد هذا المواطن أنه لا يحق له أن يسأل من يقف وراء هذه الكوارث وأين أصبحت نتائج التحقيق فيها؟ ربما يقول قارئ عزيز: يا لك من كاتب بطران، لقد تعودنا أن نتيجة اللجنة التحقيقية ليست مهمّة جداً، وأن المشكلة فقط في وصف الجريمة، هل هي متعمدة؟ أم كانت سهواً؟ أم أن كل شيء تحت السيطرة.

لم يحدث في تاريخ البلد أن غُيِّب القانون والعدل إلى هذه الدرجة. غيّبهما نفوذ الأحزاب، وهوس الحصول على كل شيء. فيما الوطنية التي يجب أن تكون عنواناً للوظيفة السياسية، صارت تهمة.

في مواقع التواصل الاجتماعي ونشرات الأخبار نشاهد كيف يرشق المواطنون الغاضبون كبار المسؤولين بالبيض غضباً.. فيما معركة طرد الوزيرة اندلعت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، البعض يرى أن الوزيرة ظُلمت، فيما أهالي الضحايا يعرفون جيداً من الذي يقف وراء مأساتهم المعيشية والحياتية، وكيف تحاول جهات سياسية أن تسيطر على مناطق المسيحيين، بمباركة من حارس الدستور رئيس الجمهورية الذي قرر أن لا مكان للأب لويس ساكو في بغداد ولا حتى في الموصل.

عندما يفشل من يطلقون على أنفسهم نواباً في صياغة مشروع وطني لدولة مؤسسات في العراق، نراهم لا يجدون سوى طريق واحد لخوض المعركة السهلة، وهو طريق المناصب والمغانم، اعتقاداً منهم أن العراق مجرد كعكة لذيذة ودسمة، تعرف الناس جيداً أنها كانت السبب وراء حروب الساسة من أجل البقاء أطول مدة ممكنة على أنفاس المواطن.

***

علي حسين

تحركنا الحمية القبلية والاندفاع التفسي وردة الفعل الطبيعية لمواجهة التحديات التي تقوم بها جماعات تنادي بالحرية والكرامة والديمقراطية وتسيطر على السلطة وتحارب الشعب والثورات والمعارضة وتقمع الصحافة والاصوات الناقدة والآراء المختلفه هذه الثقافة المعقدة في نفوس الذين يمثلون الشرعيه ... تبرهن للثوار والشعب انهم مجرد ادوات وأوراق يتاجر بهم وازماتهم اولئك الذين تشبعتهم ارواحهم بالانانيه والطمع والانتهازية من يقفزون الى المقدمات ويضعون انفسهم زعماء للجمهوريه ويمجدون انفسهم باسم الجمهورية.

هؤلاء  اليوم يتغيرون وفق مصالحهم وليس من اجل الحرية والتغيير والعدالة والمساوة لم نسمع عن ورشة عمل تنادي الشعب والجمهور الي ندوة سياسيه لتشكيل فريق عمل وادراة تنظيمية للاعلان عن انتخابات وطنية لتحرير الدولة من مطامع الامامية.

 واخراج نظام جديد باختيار الشعب في أجواء حره سلميه لا يمارس فيها القمع والاظهاد والجهوية والمناطقبة لا توظف فيها اموال الدولة لتدميرها لا تسرقها تلك الرؤوس البارزة المعروفه انها تسرق الثروات وتستثمر في الدول الخارجيه وتنتظر الفرصة للهروب من اليمن.

لم نشاهد الا فريق عمل رئاسي ينهب المساعدات ويسافر كل يوم للمشاركة في مؤتمرات دوليه لا تعني اليمن ليست اليمن مؤهلة للحضور فيها ولا تعود علي اليمن بمصلحة تحل المشكلة السياسيه وتحرر الإنسان من الامامة وتخرجه من الحرب.

لن تنتصر جمهورية تقودها قيادات تخرجت من ادارة الفساد التي ثأر عليها الشعب في ثورة الربيع العربي تلك الأسماء غرقت في الفساد في العقود الماضية واليوم تستغل ضعف الدولة وتفككها للقفز من جديد لتحقيق مكاسب خاصه وليست تخدم مفهوم الجماعة ولا تحرر الجمهور من المخاطر الأمامية القادمة التي تحقق انجازات في اجواء امنه وتخطف قلب الإنسان اليمني للالتفات حولها وتفويضها نتيجة ما اصيب به من احباط ويآس من حكومة الشرعيه المزعومة التي انكشفت بكل وضوح على حقيقتها في الفساد والاستغلال وعدم رضوح الاهداف وتحولت الى مقهى ليلي للشيشه والقهوة في مصر والسعودية والدول الأخرى.

***

بقلم صالح العجمي

التهمت النيران كل شيء.. الآمال والأحلام والمشاعر.. التهمت الأمومة والطفولة وخنق دخانها كل صيحات الرجاء.

كانت الأم المذعورة قد هرعت بغريزة البقاء وبلا شعور إلى باب الخروج الوحيد في القاعة.. وقبل أن تتنفس هواء النجاة تذكرت ولدها الصغير الذي فقدته وسط الظلام في ذروة التدافع للخلاص من نيران مستعرة لا ترحم.

عادت على الفور لتبحث عن إبنها داخل القاعة الملتهبة وقلبها يصيح بإسمه قبل لسانها.. كأنها لم تكن تبصر ألسنة اللهب في المشهد المهول.. كانت تريد إنقاذ فلذة كبدها بكل ما في قلبها من رجاء وحنان ولوعة.. شعرت في لحظة خاطفة اختصرت زمانها كله أن ضميرها يؤنبها لأنها نجت وتركت فلذة كبدها وسط النيران.. بقيت تبحث عنه مشدوهة البال.. تناديه ملتاعة والنيران تلتهم أذيالها في مشهد خالد للأمومة على مرّ العصور.

لم تكن تهتم لإبعاد السنة اللهب عن جسدها لأن كل همها في تلك اللحظة المشحونة بالأسى إطفاء نيران قلبها وإنقاذ ولدها بأي ثمن.

لم يسعفها الوقت ولا شراهة النار المستعرة، فسرعان ما تحولت مع آمالها إلى رماد.. أما ابنها الصغير فقد تبيّن أن أحد الرجال الغيارى التقفه بسرعة وأخرجه من وسط الجحيم في اللحظات الأولى لوقوع الواقعة.

قصص تدمي القلب قبل العين.. وما أريد أن أقوله هو ان لمشهد فاجعة (الحمدانية) رمزية تختزل معان كثيرة وعميقة سيتمعن فيها أصحاب الضمائر الحية طويلاً وربما لن تغادر ذاكرتهم إلى الأبد، أما الذين أعمى الجشع وغرام السلطة أعينهم فسوف يمرون عليها مرور الكرام على الأرجح.

لا تجدي كلمات المواساة المنمقة في هكذا فواجع.. الأمر الأهم الآن هو أن نبحث عن (الصندوق الأسود) للفاجعة لكي نفكك شفرة حدث العرس-المأتم ونفهم ما وراء الحدث.

من وجهة نظري لا جدوى من البحث عن (الصندوق الأسود) داخل قاعة الأعراس، بل يجب البحث عنه خارج القاعة وتحديدا في دهاليز الفساد السياسي والإداري الذي يشعل حرائق تلد أخرى، ويُنتج فجائع تلد أخرى.

من المسؤول عما جرى؟

المسؤولون الذين يجيدون لغة التبرير والتملص من المسؤولية بدهاء سيقولون أن القاعة تفتقر إلى بنية متينة لأن سقفها من مواد سريعة الإشتعال، وعليه يجب إعادة النظر في مواد البناء المستعملة، وطبعاً سيبحثون عن كبش فداء لهذه المحرقة أملاً بدفعها إلى هوة النسيان.

لكن الحقيقة هي أن منظومتنا السياسية والإدارية هي التي تشكّلت من بنية سريعة الإشتعال بنيران الكيد والصراعات والتكالب المرعب على مغانم السلطة. وهذه البنية الهشة هي التي تمهد الأرضية للفساد وتجعل الحياة السياسية في البلد مصنعاً للكوارث وليس مصنعاً للبناء والتقدم.

اتفق مع الذين يقولون لابد أن نعيد النظر في المواد المستخدمة في بناء قاعات الأعراس ونحوها من منتديات عامة، هذا أمر مهم بلا شك، لكن الأهم من ذلك هو أن نعيد النظر في أعراف المحاصصة السياسية والطائفية والعرقية وثقافة التغالب واعتبار السياسة أداة للتسلط بدلا عن جعلها أداة لخدمة الناس والإرتقاء بواقع البلد.

لقد انتجت أعراف هذه الثقافة السياسية البائسة ديمقراطية شكلية هشّة لم يعد يثق بها الناس ولا يعوّلون عليها لإصلاح أحوال البلد. بإختصار اقول أن مشهدنا السياسي بعد 2003 أنتج ديموقراطية مخادعة حالها حال قاعة (الهيثم) في الحمدانية، ظاهرها عرس وباطنها مأتم.

والآن بعد أن نثرت النيران أشلاء الفاجعة في كل أرجاء العراق، أما آن الآوان لكي تصحو الضمائر وتفتح (الصندوق الأسود) لمآسينا وفواجعنا، ومن ثم تشرع بمراجعة جادة وشجاعة لأخطاء الماضي الكارثية؟

هل سيتحلى الساسة في بلدنا بروحية الأم التي القت بنفسها وسط النيران وضحّت بروحها من أجل إنقاذ إبنها الصغير؟.

لا أعرف الجواب، وليس بوسعي قراءة المستقبل، ولكني على يقين بأن تلك الأم الخالدة ستبقى رمزاً للإيثار يُلهم الأحرار، وفي ذات الوقت يُعذّب ضمائر المفسدين والعابثين لو كان لديهم بقية ضمير.

***

اكتب إلى الكاتب طالب الأحمد

نعيش في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، والسائد كتابات على مناهج وخطى القرن العشرين، كتابات تنضح منها أقياح دمامل، ومسطورة بمداد الحسرات والأنين.

ومَن يقرأها؟

الواقع ينادي أن خاطبوا أجيال القرن الحادي والعشرين وتفاعلوا معهم، فهل لدينا القدرة الإبداعية والمهارة الكتابية لذلك؟

لا أظنهم يقرأون ما نكتبه وننشره في الصحف والمواقع، ولا يتابعون وسائل الإعلام، فما يتوفر عندهم من آليات تواصل وتخاطب، تغنيهم عن الذي نوفره لهم.

أجيال القرن العشرين منتهية الصلاحية، وعليها أن تفسح المجال للأجيال الوافدة، فهي التي ستبني الحاضر والمستقبل.

وما يحصل في بعض المجتمعات هو التمسك المريض بالقوة والقيادة من قبل أبناء القرن الماضي، وهذه ظاهرة تتكرر عقب دوران القرون وتغير الأحوال.

وفي التأريخ أمثلة، فما حصل للعرب بعد الإسلام، وكيف نشب الصراع بين ما قبله وما بعده، وما جرى بسبب التفاعل ما بين الحالتين حتى إنتهت الأمور إلى ما آلت إليه، وهي نتيجة طبيعية لذلك الصراع الذي يبدو فاعلا في أيامنا المعاصرة.

أقياح دمامل وجراح تُنتأ، ودموع تسكب، وحنين لأوهام وتصورات ومقدسات لا وجود لها فوق التراب، فالعواطف مؤججة، والعقول معطلة، والتداعيات متفاقمة للوصول إلى الخراب الكبير.

والجيل الجديد يترقب ويرى بعيون زمانه، ويتفاعل مع أدوات عصره، ويسير نحو ما لا نرى ولا نتصور.

فلماذا الأنانية والعدوانية على الأجيال، ولماذا نتحول إلى مصدات بوجه تيار الحياة النابض بالإرادات الواعدة.

علينا أن نواجه أنفسنا وندع الزهور تتفتح ليفوح عطرها الحضاري الأصيل!!

"فألقت عصاها واستقرَ بها النّوى...كما قرَّ عينا بالإياب المسافرُ"

و"العصا من العُصيّة"، ترى مَن سيُلقي عصاه ويستريح؟!!

***

د. صادق السامرائي

ثالثا: شخصية المهدي!!

أبو عبدالله محمد بن المنصور (127 - 169) هجرية، عاش (42 أو 43) سنة، وتولى الخلافة في عمر (31 أو 32)، ولمدة (11) سنة، (158 - 169) هجرية.

"كان جوادا ممدحا مليح الشكل محببا إلى الرعية، حسن الإعتقاد، تتبع الزنادقة وأفنى منهم خلقا كثيرا"

"أول من أمر بتصنيف كتب الجدل للرد على الزنادقة والملحدين"

قبل الخلافة، كان أميرا على طربستان وما والاها، وتأدب، وجالس العلماء وتميز.

ومن خطبته عندما بويع بالخلافة : "... ولقد فارقتُ عظيما، وقُلِدْتُ جسيما، وعند الله أحتسب أمير المؤمنين، وبه أستعين على خلافة المسلمين..."

وفي سنة (159) هجرية، أوصى بولاية العهد، لإبنيه موسى الهادي ومن بعده هارون الرشيد.

وفي سنة (166) هجرية، وفيما بعدها جدّ المهدي في تتبع الزنادقة وإبادتهم والبحث عنهم في الآفاق والقتل على التهمة.

توفى سنة (169) هجرية، ساق خلف صيد، فاقتحم الصيد خربة، فتبعه الفرس فدق ظهره في بابها، فمات لوقته، وقيل أنه مات مسموما.

يبدو أنه كان متعلقا بوالده ومعجبا ومتأثرا به ولا يستطيع مقارنة نفسه به، مما دفع به إلى أن يحتذي خطاه بما يستطيع إليه سبيلا، وكأنه لم ينل قسطا كافيا من التدريب والتثقيف على إدارة الحكم، فلديه بعض التردد وعدم الثقة بالنفس.

وهذه الميزات وما يتصل بها، دفعت به إلى تسويغ سفك الدماء بقميص (الزندقة)، الذي إتخذه منهجا لحكمه، ومضى عليه إلى آخر أيامه، فأصبحت تهمتها سهلة وتفضي إلى قتل المتهم بها فورا.

ومن أخطائه التي حتمها عليه الخوف من الموت، أن دعى بولاية العهد من بعده لولديه في أول سنة من حكمه، مما تسبب بتفاعلات خفية بين الإبنين، وبينه وبينهما.

ومن الواضح أن لزوجته الخيزران دورها الكبير في مسيرة حكمه، وقصتها معه معروفة، فهي الجارية التي تمكنت منه، وأنجبت  ولديه اللذين عهد لهما بالخلافة من بعده.

فهو برغم فتوحاته وإنجازاته وإزدهار بغداد بعصره، يتميز بخصال إعتمادية، وبمخاوف جاثمة على وعيه، وحتى في قصة موته المزعومة ما يشير إلى أنه كان يطارد صيده، فوقع صيدا لما كان يعتمل فيه من الأحاسيس والمشاعر التي أذهبت بصيرته، وأفقدته السيطرة على جواده الغائر نحو موته!!

ولا يمكن مقارنته بوالده لقلة ثقافته ومحدودية علومه، رغم محاولاته التشبه به، وربما كانت زوجته تدير شؤون الخلافة بإسمه، فالدارس لمسيرته يرى سمة الطيش وعدم النضج واضحة في سلوكه، وإتخاذه للقرارات الإنفعالية الغير مدروسة، كقتله لبشار بن برد، ويُقال أنه ندم عليه، بعد أن "سبق السيف العذل".

وهذه السلوكيات في الحكم لا تزال فاعلة في مجتمعاتنا، لغياب المنطلقات الراسخة الصالحة لآليات تبادل السلطات، والتي تلخصت على مر العصور بالسلوك الوراثي المعبر عنه بولاية العهد.

وتجدنا اليوم كالتائهين في غياهب الأيام، لا نعرف صيغة ثابتة لحكم مستقر رشيد.

فكم من طائش أزرى بأحوالنا، وأصاب الأجيال بمقتل!!

***

د. صادق السامرائي

لا أهمية تعد للانتخابات، أو لوجود حكومة منتخبة، فلا هذا ولا ذاك يصلح للحكم، طالما أن الشعب فقد القدرة في اتخاذ أي قرار، فهو مغلوب على أمره من كل الجهات، حيث عبثت الأحزاب، وتدافعت لامتصاص خيراته، واستبعاده، منذ عهد ما قبل السقوط، وبعده.

هنا يصح الارتكاز على مقطع شعر يقول: "هل يصلح العطار ما أفسد الدهر"؟ فلم يفلح الطغاة، بل وجميع الحكام بقيادة هذا الوطن الذي انتهكت حرماته، وثرواته، بعد أن تم التجاوز على جميع المعايير الاخلاقية، والاجتماعية.

حيث فقدت الحياة حقيقة جوهرها الانساني، وتم الاستخفاف بمعظم أصحاب الكفاءات بعد عزلهم عن إدارة المرافق العامة للدولة، وسقطت نظرية الحكم في مستنقع المصالح.

فالديمقراطية هذا اللباس الذي جاءوا به، لم يعد إلا لغة محشوة بالمفردات المزيفة، لتضليل عقول الجماهير، أما الفضائيات فهي مجرد مساحات إعلامية لبث صور من الحياة التي يعيشها الناس دون أن يتحقق المراد، حيث لم يلقى القبض على الجناة إلا بنسبة لا أهمية لها قياسا لحجم الجنايات، والخيبات التي يمر بها البلاد.

ولم يعد الفرد العراقي قادرا لأن يرفض فكرة التركيب السياسي للاحزاب والتشكيلات التي جاءت به ترسانات العسكر، يوم تهشمت جدران الوطن، وتساقطت أشلاء الضحايا، ويوم ابيدت جميع مفاصل الحياة، بما في ذلك مؤسسات الجيش، والبنى الارتكازية، ومن ضمن ذلك أرث العراق، وتراثه الحضاري، تلك الثروات التي انتجتها الارض والسماء، في وطن كان الطريق والمهد إلى الانبياء والأوصياء، وفي تربة حطت بها سومر وبابل على أكتاف دجلة والفرات.

اليوم نحن أمام مشكلة استعصت علينا، فالعراق لم يعد بحاجة إلى إمرة حزب يدير شؤونه، خاصة بعد أن تعددت السرقات، وسادت المحسوبية ذلك تحت سطوة مجاميع تم تسميتها لاغراض المنافع، والمكاسب المادية لا غير.

وأنا أرى أن العراق أمامه طريق واحد، فهو بحاجة إلى نظام ملكي، بشرط أن يتحرر من جميع المسميات التي تم الترويج لها من قبل هذه الاحزاب، وهو الطريق الأصوب للنجاة.

***

عقيل العبود

قرأت ما معناه: " معظم المثقفين العراقيين لا يبتاعون كتب المؤلفين العراقيين في معرض بغداد للكتاب"ّ، فتساءلت: لمن قرأت؟

ووجدتني طيلة مراحل حياتي أقرأ لكتّاب عرب وأجانب، وخصوصا المصريين، ولا تزال كتبهم ترافقني، ومنها كتب العقاد، توفيق الحكيم، طه حسين، يوسف إدريس، وغيرهم، ولم أجد في مكتبتي إلا القليل من الكتب لمؤلفين عراقيين، وإحترت في الجواب!!

ترى لماذا يحصل ذلك؟

أظن الكاتب المصري لديه قراء من بلاده، وبعضهم كانت موارده ذات قيمة كبيرة، دفعته لتأسيس مشاريع إنسانية خيرية.

و"مغنية الحي لا تطرب" في العراق، ونميل لإستصغار ما يقدمه مبدعونا، ومبيعات كتبهم لا تساوي شيئا بالمقارنة بمبيعات الكتب العربية والأجنبية!!

وهذه الظاهرة تنطبق على ما يُنشر في المواقع والصحف، فالمقروئية متدنية، وتجد ذات المادة مقروءة في المواقع العربية والأجنبية أكثر منها في المواقع العراقية.

لا يمكن تفسير الظاهرة بسهولة، لإمتداداتها البعيدة وتفاعل عوامل متنوعة فيها، ومهما حاولنا الوصول إلى جواب ناجع، فسيرى العراقي فيه نقصا ومثلبة.

لدينا قدرة عجيبة للنظر بعيون سلبية مطلقة، وبإنفعالية شديدة، وعندنا مواقف مسبقة جازمة، وعقولنا مسخرة لتعزيز أرادة العواطف والإنفعالات، والوعي الجمعي يختزن أقياح دمامل نفسية محتقنة، تأبى أن تتشافى وتندمل.

فالسائد أننا نقرأ الإسم ولا يعنينا المحتوى، وما أكثر الكتابات المعبرة عن المواقف السلبية الكامنة ذات الإنتقامية العالية.

فما دامت المعارك النفسية محتدمة، فأنها تبرز في التعبير الرافض لإبداعنا!!

قد يرى الكثيرون غير ذلك، لكنها ظاهرة جديرة بالنظر، لكي نتخلص من عاهاتها الضارة بوجودنا المعاصر.

فهل سنعرف مبدعينا؟!!

***

د. صادق السامرائي

أثناء حفل زفاف في محافظة نينوى داخل قاعة أهلية مخصصة للمناسبات والاحتفالات وكان عدد الحضور ما يقارب (١١٠٠) من نساء وأطفال ورجال حيث اندلع حريق داخل القاعة ليلة الثلاثاء/ الأربعاء 26/9/2023 أدى لمقتل (١١٣) وأكثر من (١٠٠) جريح ولم تتمكن فرق الإنقاذ من معالجة الموقف، بل لم يستطع الحضور الهروب لعدم وجود منفذ خروج منظم ومتعدد.

إن العراق يخضع لعملية سياسية لم تتمكن من بناء دولة بالمعنى السياسي والقانوني والاجتماعي، رغم ما يتم إعلانه عن وجود دولة ولكن في الإعلام وفي تصريحات أفراد السلطة فقط، وبالتالي، بين الحين والآخر تحدث كارثة بشرية تثبت عمليا وواقعيا عدم وجود للدولة.

لماذا نقل لا توجد دولة؟

إجابة هذا السؤال ذكرناها في مناسبات عديدة لكن الإجابة الخاصة بفاجعة بغديدا هي أن البنايات تخضع لشروط الدولة الخاصة بسلامة البناء والحماية والجودة وكافة الحيثيات الخاصة، وكلٌ حسب اختصاص الاستخدام، وهذه الشروط لم تتوفر عمليا في قاعة حادثة بغديدا، اذن لم تخضع قاعة (الهيثم) للدولة من الجانب الهندسي، في حين كل الموافقات الرسمية (على الورق) متوفرة لبنائها وعملها !!

هنا يُعرف الفساد عن نفسه بأنه المسبب لهذه الكارثة، لأنه يعمل وفق القوانين والضوابط والمنظومة الأخلاقية للسلطة، يعني بطبيعة النظام الحاكم، وليس بطبيعة الفرد والمجتمع كما تروج السلطة في إعلامها كي تدفع الفساد عن نفسها. وعليه لا أمان ولا سلامة تتوفر في العراق لان لا شيء خاضع لحماية وسلامة الإنسان، بل كل شيء خاضع للربح، الربح المالي هو الغاية وتخضع كل الوسائل لأجله حتى إذا كان الإنسان هو الضحية.

لذا هذه الحادثة وما سبقها من حوادث مماثلة مستمرة باستمرار الفساد ولا تنفك عنه. والسلطة الحاكمة تعلم بالتجربة أن تعويض أهل الضحايا قادر على إسكات المجتمع.

ملاحظة/ يشاع بان الحادثة جريمة منظمة لترحيل المسيحيون من العراق.

هذا التحليل بعيد عن الحقيقة لان النظام الحاكم قائم على تقسيم البلد لمكونات ووجود عنوان المكون المسيحي يخدم هذا “النظام”، لذا مستبعد جدا هذا التحليل. وللتنويه “النظام” الحاكم لا يعنيه حقوق المواطنين الحاملين هذه العقيدة بل يكتفي بالعنوان العام، كعنوان الشيعة والسنة والأكراد.

***

حسام عبد الحسين

القوة.. مفردة رافقت حياة بني آدم منذ بدء نشأتهم، فقد كانت بدءًا لاستحصال لقمة عيشهم، حيث يصطادون الحيوانات ليقتاتوا عليها، ثم اضطرتهم سبل العيش الى تطوير أدوات لتمكين القوة من أداء المطلوب، فكان نتاج ذلك الرمح والسهم للوصول الى مالم تطله إيديهم من فرائسهم عن كثب، وحين وجد بنو آدم أخطار الضواري تحيطهم، ابتكروا آلات الدفاع عن أنفسهم وطورها لدرء مخاطر الضواري عنهم. وهكذا تحضهم الحياة وتحثهم متطلباتها على اختراع الجديد والناجع من وسائل الدفاع عن النفس. وحين استوطن الإنسان الأرض وصارت جزءًا من كيانه ازداد تمسكه بها، لما تعنيه له من ديمومة في حياته، فلم يجد بدا من الدفاع عن وطنه وأرضه، حتى غدا يستقتل من أجل الحفاظ عليهما، كما تفنن في تنويع سلاحه وأصنافه، وفقا لتنوع أسلحة عدوه ومكامن قوته. وقطعا لم يكن هذا إلا بعد إدراكه أن وطنه يعني وجوده، فبه يكون ومن دونه لا يكون.

  ومع تناسل بني آدم تناسل الخير والخيرون، مقابل هذا تناسل وتناسب وتصاهر الشر والشريرون في مناكب الأرض، فبدت موازينها معتدلة تارة بفعل بسط الخيرين أفكارهم، ومقلوبة تارات أخرى بفعل الشريرين ومعتقداتهم ومكائدهم وغدرهم، وبين هذا وذاك نشأت دول ودالت أخرى. من بين هذه الدول أرض وادي الرافدين التي شهدت منذ الأزل تكالب الشريرين عليها، مع أن أغلب الخيرين والصديقين والأولياء والأتقياء عاشوا فوق أرضها، وكثير منهم وارى جثمانهم ترابها. فأرض مثل هذه من الواجب الحفاظ على إرثها الحضاري، وهذا لن يتم إلا بتوفير حالة التمكن والقدرة والسيطرة والهيمنة لدى حاكميها ومن يتقلدون مراكز السلطات العليا فيها، لاسيما المسؤولون عن حمايتها، وتزداد الحاجة الى القوة أكثر من هذا، عندما يطفو على السطح نفر ضال ليس لاعوجاجه تقويم بالنصح والإرشاد، فتغدو القوة بكل اتجاهاتها ودرجاتها، الوسيلة الوحيدة في التعامل مع انتهازيين ونفعيين ومفسدين، لا يملكون من الشرف والقيم والأخلاق والمبادئ حدا، أكثر مما موجود في الضباع والثعالب، لما تحمله من صفات المكر والغدر والخديعة.

  اليوم يشهد عراقنا الفدرالي الديمقراطي، عراق القانون فوق الجميع، عراق النزاهة، عراق القضاء المستقل، عراق القيادات والحكومات المنتخبة، ظاهرة مدمرة لأي نظام في أية دولة على الكرة الأرضية، مهما كثرت أسلحتها وبلغت عدتها وعددها، ظاهرة ليس بالهين مجابهتها والتصدي لها، إذ هي تأتي على أخضر البلاد ويابسها، تلك هي ظاهرة الفساد.

  ومعلوم أن للفساد وجهين، يكاد أحدهما يسبق الآخر في شدة الضرر والزوبعة التي يتركها خلفه، وهنا يأتي دور ما ابتدأت به مقالي هذا، القوة ثم القوة ثم القوة، فبها الحل الناجع والموقف الرادع لقبر الفساد في مهده، وإنهاء فروعه وأصوله وجذوره نهائيا.

  أما ردود الأفعال إزاء الفساد فهي أشبه بدغدغة المفسدين، وفسح الطريق أمامهم مشرعا على أوسع أبوابه، لممارسة ما يحلو لهم من أفعال مشبوهة ماليا وإداريا، الأولى تعود لهم بالربح الوافر وتملأ جيوبهم وعيونهم الفارغة، أما الثانية فيتممون بها خدمة أطراف وجهات فئوية، تتمثل بأحزاب وشخصيات ودول، توفر لهم بدورها ديمومة التحكم بكرسي المنصب، والتمتع بالسحت الذي يرمي في بطونهم نارا.

***

علي علي

الحق في العدالة البيئية مفهوم مركزي وأساسي في السياسات الحكومية والدولية ويشمل عدة مبادئ وقيم تتعلق بالمعاملة العادلة للأفراد والمجتمعات في المجالات البيئية. وهو اعتراف دستوري بأن جميع المواطنين، بغض النظر عن عرقهم أو انتمائهم السياسي أو وضعهم الاجتماعي والاقتصادي أو أي خصائص أخرى، لهم الحق في بيئة نظيفة وصحية، فضلا عن الحق في المشاركة في عمليات صنع القرار التي تؤثر على البيئة.

تتطلب العدالة البيئية توزيع المنافع والأعباء البيئية بشكل عادل بين جميع المواطنين، بغض النظر عن خصائصها الديموغرافية أو الاقتصادية. ولا ينبغي لأي مجتمع أن يتحمل حصة غير متكافئة ومتناسبة من الأضرار البيئية.

كما يجب التأكيد أن السياسات والإجراءات البيئية لا ينبغي أن تميز ضد أي مجموعة على أساس العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الدخل أو غيرها من الخصائص المحمية. وينبغي توزيع الفوائد والمخاطر البيئية دون تمييز أو تحيز.

للمجتمعات والأفراد المتأثرين مباشرة أو بشكل غير مباشر بالقرارات البيئية الحق في المشاركة الهادفة في عملية صنع القرار. ويشمل ذلك الوصول إلى المعلومات، وخلق فرص المساهمة العامة، والقدرة على التأثير على السياسات والمشاريع البيئية.

تتطلب العدالة البيئية أيضا أن تكون المعلومات ذات الصلة بالقضايا والمخاطر والسياسات البيئية متاحة بمرونة ويسر لجميع المواطنين والباحثين والإعلاميين كما أن الشفافية هي عنصر بالغ الأهمية لاتخاذ القرارات الحكيمة والمستنيرة.

ومن الضروري اتخاذ إجراءات عادلة ومنصفة في عملية صنع القرار البيئي، بما في ذلك الوصول إلى المحاكم والعمليات الإدارية لمعالجة المظالم وضمان المساءلة.

إن العدالة البيئية غالبا ما تنطوي على النظر في الآثار التراكمية، وهو ما يعني تقييم آثار الضغوطات البيئية المتعددة على المجتمع، وخاصة تلك التي تعرضه للخطر الحقيقي.

عند حدوث أي شكل من أشكال الظلم البيئي، يجب أن تكون هناك آليات لمعالجة الضرر وتقديم التعويضات للمجتمعات والأفراد المتضررين.

يعد تمكين المجتمعات من المشاركة في صنع القرار البيئي والدفاع عن حقوقهم عنصرًا أساسيًا في العدالة البيئية التي تطمح أساسا إلى دمج الاعتبارات الاجتماعية والبيئية في عمليات صنع القرار، مع التأكيد على أنه لا يمكن فصل العوامل الاجتماعية والاقتصادية عن العوامل البيئية.

ختاما تعود جذور مفهوم العدالة البيئية إلى حركات الحقوق المدنية والبيئية في الولايات المتحدة الأمريكية وقد اكتسبت منذ ذلك الحين اعترافًا دوليًا. وغالبًا ما يتم استخدام هذا المفهوم لمعالجة قضايا حاسمة وخطيرة مثل التوزيع غير المتكافئ للتلوث، والحصول على المياه النظيفة، والتعرض للنفايات الخطرة، وتأثيرات تغير المناخ على الفئات السكانية الضعيفة. تعمل حركات ومنظمات العدالة البيئية على رفع مستوى الوعي والدعوة إلى تغييرات في السياسات ومعالجة عدم المساواة البيئية في أجزاء مختلفة من العالم.

***

عبده حقي

لقد تسابقت عثرات جو بايدن رئيس الولايات المتحدة مرة من هنا ومرة من هناك وقد زاد الحديث عن صحته وخاصة حالته الذهنية، وقدرته على الحكم الصائب على الأشياء، بعد العديد من الزلات التى سقط فيها اهمها العثرات الجسدي اثر سقوطه على الارض في مناسبات عديدة أو تعثره اثناء المشي ومنها في القول' في ظروف كانت أعداد القتلى في الولايات المتحدة يومياً تبلغ الالف أن أمريكا فقدت 100 أمريكى بسبب كورونا، والحقيقة أن عدد وفيات الوباء فى الولايات المتحدة كانت قد تجاوزت مليون و135 ألف شخص' في تلك الفترة او وضع دول محل دولة أخرى أثناء خطاباته و' منها السياسية' لعل في خروج اميركا وبذلك الشكل الفوضوي من أفغانستان يعود لأخطاء فادحة ارتكبها الرئيس الأميركي، جو بايدن، في بداية عهده، وهي كانت كفيلة اليوم بتقويض أجندته الخارجية أو ما هو أسوأ بإجبار أميركا على العودة إلى المستنقع الأفغاني مع صعود داعش. ان استعجال الانسحاب كان بحد ذاته هو لحصد مكاسب سياسية لبايدن في قاعدته الحزبية اليسارية وحتى مع أقصى اليمين الذي يؤيد الانسحاب. الرئيس الأميركي بايدن كما سلفه ترامب اختار أن يقود السياسة الخارجية بنمط شعبوي والذي عارض كنائب للرئيس في 2009 زيادة القوات في أفغانستان وأراد نقلة استراتيجية بإنهاء الحرب بعد ذلك ، لا جدل في أن حرب أميركا الأطول يجب الخروج منها بعد عشرين عاما وكلفت أكثر من 2.5 تريليون دولارمع مئات القتلى من الضباط والجنود، إنما الانسحاب بهذا الشكل العشوائي والدموي والمدمر لهيبة أميركا كان يمكن تفاديه ومسؤوليته أولا وأخيرا تقع على الرئيس بايدن.

صنفت السياسية الخارجية الأمريكية الى أربع مدارس ومذاهب فكرية أمريكية، وهي المدرسة الهاملتونية، والمدرسة الجيفرسونية، والمدرسة الجاكسونية، والمدرسة الويلسونية، وبايدن من الطبيعي ان يستقي أفكاره او تتطابق مع احد هذه المدارس.

الحزب الديمقراطي عموما بمختلف اتجاهاته اليسارية واليمينية يتخذ من أفكار المدرسة الويلسونية (المثالية) ممزوجة بأفكار بالمدرسة الهاملتونية (الواقعية) أساس لأفكاره في السياسة الخارجية، فهو يؤمن بالعمل ضمن المؤسسات الدولية والشراكات الدولية وإيمانه بالتجارة الحرة المفتوحة بين جميع دول العالم، وتفضيل الدبلوماسية كأداة في السياسة الخارجية على القوة العسكرية لذلك لا يمكن من بيد ان يشذ عن هذه القاعدة او المدرسة الهاملتونية (الواقعية) لانها المدرسة التي تتلمذ عليه الحزب الديمقراطي وأخذ أفكاره منها.

يعتقد الكثير من المحللين ان جو بايدن الرئيس الأمريكي مرشح للسقوط جراء فتحه لتلك المعركة مع روسيا بعد ان اخذ بتقديم ما يمكن تقديمه من دعم لاوكرانيا ضد موسكو، ويبدو أن «الاستقرار» الذي شهده النظام الأميركي خلال العقود الثلاثة التي تلت انتهاء الحرب الباردة، وشهدت تداول البيت الأبيض بين الحزبين بمعدل ولايتين لكل حزب أو لكل رئيس ينتمي لأحد الحزبين ما بين عامي (1990 ـــ 2016)، والتي كان خروج دونالد ترامب بعد ولاية واحدة قد وضع حدا لذلك التقليد، يؤكد خروج بايدن إن حدث، رغم أنه كان قد أعلن أنه لن يترشح مجددا بسبب تقدمه في السن، لكن نائبته كامالا هاريس تظهرها استطلاعات الرأي خاسرة أمام دونالد ترامب، الذي عاد مجددا للتفوق على بايدن وهاريس، بل كمرشح قوي له فرصة كبيرة في الفوز في انتخابات 2024.، ومن المحتمل ان يفوق الجمهوريون على الديمقراطيين، وذلك بسبب سياسة بايدن الخارجية الفاشلة، إن كانت تلك التي اتبعت في الخروج الفوضوي من أفغانستان أو في إدارة الملف النووي مع إيران، أو في إدارة المعركة العسكرية ـــ الاقتصادية مع بوتين.لهذا سوف تستغل هذا الموضوع من اجل انهاء رئاسة بايدن، وقد دعا رئيس مجلس النواب الأمريكي الجمهوري كيفن مكارثي الثلاثاء لمساءلة الرئيس الديمقراطي جو بايدن بهدف عزله، في خطوة من المؤكد أنها ستؤدي إلى مزيد من الانقسام بين المشرعين الذين يسعون جاهدين لإقرار قانون لتجنب إغلاق الحكومة. ويسعى بايدن،بالمقابل عزل ترامب الذي هزم في انتخابات 2020، في حالة اعادة الانتخابات العام المقبل. وقال مكارثي للصحفيين 'أوجه لجان مجلس النواب لفتح تحقيق رسمي لمساءلة الرئيس جو بايدن.. سنذهب إلى حيث تأخذنا الأدلة، ويعتزم الجمهوريونَ في هذه الايام وتبذل مساعي كبيرة بين اروق الحزب باطلاقَ جلساتِ استماعٍ في اطارِ مساعيهم لعزلِ الرئيسِ الاميركي جو بايدن، في تصعيدٍ لتحقيقٍ مرتبطٍ بالفسادِ بدأ قبلَ ثمانيةِ أشهرٍ وفشلَ في الكشفِ عن أدلةٍ على أي مخالفاتٍ ارتكبها الرئيس. يايي ذلك فيما تتصاعد المخاوف من الإغلاق الفدرالي بسبب عدم الاتفاق على مشروع قانون للتمويل المؤقت للحكومة.

***

عبد الخالق الفلاح باحث واعلامي

بدأت عملية التطبيع مع دولة الاحتلال الاسرائيلي منذ اكثر من سنتين من الآن. قبل ايام او اسابيع اعلن الامير محمد بن سلمان؛ بأننا نقترب من عملية التطبيع كل يوم. من وجهة النظر المتواضعة؛ ان السعودية سوف تطبع في المقبل من الزمن. ان هذا التطبيع مع دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ سوف يكون تحولا مفصليا في قضية فلسطين؛ لصالح دولة الاحتلال الاسرائيلي الى حين. أما اي اجراءات اخرى ما هي الا تغطية لعملية التطبيع كي يتم تمريرها بهدوء من دون ردود افعال من قبل الشعوب العربية، او على اقل تقدير تحجيم وحصر ردود الافعال في خانق ضيق. ان التطبيع بحد ذاته لا يشكل تحولا استراتيجيا على القضية الفلسطينية، مع انه تغيرا مفصليا؛ يسبب ضررا بالغا عليها، لكن ليس الى الحد الذي به، وعلى مسارات توجهاته؛ يتم توفير الامن المستدام لدولة الاحتلال الاسرائيلي من دون دولة للشعب الفلسطيني تمثله ويعيش فيها بأمن وسلام واستقرار. ببساطة لأن هذا الشعب الذي كافح وناضل على مدار اكثر من ثلاثة ارباع القرن؛ من غير الممكن ان يتنازل عن حقه الشرعي القانوني. لذا، سوف يستمر نضال هذا الشعب حتى في ظروف التطبيع وما سوف يأتي به؛ من تغييرات يقوم بها دهاقنة الصهاينة، سواء في دولة الاحتلال الاسرائيلي او في دهاليز البيت الابيض. ان هذه التغييرات سوف يتم توفيرها من خلال التطبيع، الذي لو توقف عند حدود التطبيع فانه سوف لن يشكل خطرا جديا على نضال الشعب الفلسطيني، لكنه لن يتوقف عند تلك الحدود والا فانه سوف يفقد موجباته واهدافه التي هي ابعد واعمق واعقد واسع من التطبيع. السؤال الكبير هنا ماهي هذه التغييرات وكيف يتم تحويلها الى واقع على الارض؛ بإجراءات عملية، بعد تمهيد الطريق لها. التطبيع ليس هو الهدف بحد ذاته؛ بل ان التطبيع ما هو الا وعاء لأهداف اخرى، ذات ابعاد استراتيجية في المنطقة العربية وفي جوارها الاسلامي وايضا في العالم الذي يشهد الآن صراعا محتدما بن القوى الكبرى في الكرة الارضية؛ المتنافسة على مساحات النفوذ والسيطرة على مقدرات دول العالم وبالذات دول العالم الثالث وحتى الدول ذات الاقتصادات الصاعدة. ان جعل دولة الاحتلال الاسرائيلي دولة طبيعية، اي انها او يتم دمجها مع المحيط العربي وحتى غير العربي وفي الجوار وفي العالم ايضا؛ له اهداف وغايات هي ابعد كثيرا من هذا الدمج؛ في الحقول الاقتصادية والثقافية والسياسية والتجارية، وما لكل هذا من تأثيرات بعيدة الامد. هو ان تتحول دولة الاحتلال الاسرائيلي الى مركز اقتصادي وصناعي وعسكري وبالذات تحوليها الى مركز اقتصادي وتجاري وما الى هذا من حقول اخرى؛ هي ابعد من امكانيات وقدرات دولة الاحتلال الاسرائيلي، لكنها سوف تكون عندها هي المركز الجاذب للاستثمارات او من خلالها وبواسطتها. ان دولة الاحتلال الاسرائيلي ليست دولة بالمعنى المتعارف عليه، بل انها وعند خط اقامتها او في بداية اقامة دولتها على تراب فلسطين؛ كان يراد لها ان تكون مركزا في المنطقة العربية لجميع مصالح الدول الكبرى الاستعمارية، سواء قديما بالطريقة والوسائل العتيقة، او جديدا بالطريقة والوسائل الحديثة. ان المشاريع التي اعلن عنها مؤخرا، والمشاريع الاخرى التي لم يتم الاعلان عنها في الوقت الحاضر، ما هي الا مشاريع ترتبط تماما بالتطبيع. ان التطبيع لا يمكن ان يكون فعالا ومنتجا الا بوجود هذه المشاريع، كما ان هذه المشاريع لا يمكن لها ان تكون واقعا الا بوجود التطبيع.  ان علاقة هذا التطبيع وهذه المشاريع؛ هي علاقة جدلية. هنا وفي هذا الطريق؛ يكون هذا التطبيع هو الاخطر ليس على قضية فلسطين فقط، بل على جميع قضايا العرب؛ أذ، لا يمكن تطبيق التطبيع والمشاريع على ارض الواقع، الا بإعادة صياغة النظام الرسمي العربي، واقصد هنا هي الانظمة في المشرق العربي، والمغرب العربي، خارج الخليج العربي. في هذه الاوضاع المفترضة، اذا ما تم لها النجاح (وهي لن تنجح..) اي تمكن عرابوها من تحوليها الى واقع؛ سوف تكون ارضا خصبة لمشاريع الشركات العملاقة العابرة للحدود والجنسيات، وتكون دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ هي قاعدة التخطيط والعمل والتنفيذ، في تشابك للمصالح بين دولة الاحتلال والانظمة العربية، وقواعدها البشرية من شركات ومصالح في ارتباط نفعي لأفراد والكيانات، والتي هي جزءا من الأنظمة العربية، وادواتها وقاعدة دعمها، مع الشركات العملاقة العابرة لكل الحدود التي سوف تبرمج نهبها واستغلالها لخيرات وثروات الاوطان العربية؛ بطرق ظاهرها التطور وتنمية الموارد وباطنها النهب ومصادرة القرار والسيادة ببرمجة علمي وعملية ناعمة. ان هذه التحولات والتغييرات المرتقبة او المفترضة هي من تشكل الخطورة الكبيرة والبالغة على قضية شعب فلسطين، وعلى الشعوب العربية. لكن هذا التطبيع ولو انه في الوقت الحاضر لم يواجه بالحرارة المطلوبة للتصدي له ومواجهته، إنما لاحقا وعندما تتضح الاوضاع، والتي سوف لامحالة يؤدي التطبيع الى سيرورة هذه الاوضاع؛ سوف تواجه او يتم التصدي لها عربيا وبقوة؛ بما يؤدي حتما الى افراغ عملية التطبيع من محتواها، وبالذات في السعودية.. كما ان كفاح شعب فلسطين العربي؛ سوف يزداد ويشتد اكثر مما هو عليه حاليا؛ من التضحية بالنفس من اجل الحق.. أذ، ان جهاد الشعب الفلسطيني سوف يعتمد على قدراته الذاتية كما هو جار من البداية، وصار اكثر وضوحا، قبل عدة سنوات وحتى الآن. بالإضافة الى ان هذا التطور وبالضرورة الحاكمة؛ سوف يؤدي الى وحدة الشعب الفلسطيني على صعيد فصائل النضال والجهاد الفلسطينية؛ أذ، لا طريق لفصائل النضال الفلسطيني امام هذه التطورات والتغييرات، الا وحدة الصف ورص الصفوف؛ في الخطاب والنضال.. وتقليص دور الحاكم، او الدفع به الى وراء الاحداث والتطورات هذه؛ بفعل انحسار مساحات تحركاته..

****

مزهر جبر الساعدي

رغم المأساوية المرعبة للزلزال المميت الذي من الصعب نسيان فظاعة ما أحدثته من تدمير هائل في مناطق عديدة من هذا البلد الجميل الودود أهله ، فقد أثر الحدث بشكل إيجابي على تفكير وقيم الشعب المغربي وسلوكياته وتصرفاته ، التأثير الذي استكشف ما في نفوس جماهيره من القيم الإنسانية النبيلة ، كالإيثار والتعاون والتضامن والتضحية ،وغيرها من الخصال الرفيعة التي دفعت بالمتطوعين للمضي قدما ،من أقصى شمال البلاد إلى أقصى جنوبها -أفرادا وجماعات- نحو المساهمة وتقديم الدعم المادي والمعنوي وتضميد جراح المنكوبين ودفن موتاهم وإيواء المشردين ومواساة المتضررين ،غير آبهين ولا مكترثين بما يسوقه المتكلمون الكسلاء من خرافة العقاب السماوية وكثرة الذنوب ، وباقي الحماقات التي يزهو بترديدها مرضى النفوس وأعداء البشرية من المتفيقهين وأنصاف العلماء، ويحزن الموطنون الحقيقوين لسماع خزعبلاتها  المتلاعبة بالرأي العام والمحبطة لكل رغبة لاندماج الأفراد في الهوية الجماعية - التي يطلق عليها "الروح الجماعية"- المعززة للحماسة والعاطفة الجماهيرية التي تمكن الأفراد من القيام بأعمال الإنقاذ وتقديم المساعدة والعون للمتضررين ، بطرق لا يمكن للأفراد القيام بها بشكل فردي كما تفعل الكثير من البلدان المتقدمة - اليابان على سبيل المثال التي عرفت عبر تاريخهم الكثير من الكوارث الجسيمة كالبراكين والسيول والأوبئة والحروب والأعاصير و هيجان البحار...

ــــ ومع كل هذا وذاك ، فقد استطاعت مرارة هذه الفاجعة أن تستنبط كل ما تمتلكه الجماهير المغربية من القيم  الإنسانية المضمرة في أعماق النفوس والمعروفة بـ "تمغربيت" -الركيزة التقليدية في بناء المجتمعات لنفسها - والتي اعتُقد أنها افتُقدت للأبد ، لولا إصرار عامة الشعب المغربي وعلى رأسه شبابه  الذي هب عن بكرة أبيه للمساهمة الفعالة في تقديم الدعم والمساعدة والتضامن والتعاضد، وتعزيز روح التفاؤل في النفوس المكلومة المصدومة في عقر أماكن حدوث الفاجعة المميتة التي التحقوا بها ،فرادى وجماعات ، حيث أبلوا ، مند الساعات الأولى لوقوع الكارثة ، البلاء الخارق في مد يد العون والمواساة إلى كل شبر متضرر وصلت إليه أيديهم بما توفر لهم في حينه ، حتى أنه و بعدما تسبب الزلزال في هدم مئات المدارس، وتعطيل العام الدراسي الجديد ، تحول بعض الشباب إلى بهلوانيين للتخفيف عن الأطفال المنكوبين ، عبر أنشطة متعددة بسيطة ومبتكرة ،الأمر الذي لم يكن في حسبان من ألفوا -من الآباء والأجداد - وصف هذا الجيل بكل جزم وقسوة ، أنه جيل مستهتر ، وجيل ضائع  وجيل لا فائدة تُرجى من ورائه ، وجيل متحلل من كل القيم والمبادئ ، وجيل مستخف بقيم وموروثات وثوابت المجتمع.

وبغض النظر عن موضوعية هذا الرأي ومصداقيته ضمن تراتبية الأجيال وأسبقيتها ، فإنه يبقى سلوكا لا يقتصر على جيل بعينه، بل هو ظاهرة إنسانية، لطالما كانت موجودة منذ آلاف السنين، وفي مختلف الحضارات والثقافات والمجتمعات، لكن يؤخذ عليه عملية التعميم الذي هو نهج خاطئ ، وحكم متسرع ومخالف للمنطق ، لأن جيل الشباب عبر العالم ، هو انعكاس للمجتمعات وحصاد لتربيتها، وسلوكياتها ، ما يفرض عليه إلا أن تكون خير قدوة لشبابها ، قبل أن يصبحوها هم بالنسبة لها ، كما فعل الشباب المغربي من خلال ما قدموه للمغاربة والعالم بكامله من قدوات بمناسبة هذه الفاجعة ، رغم أن جيل القدامى الذي لا يفوت أي فرصة  لانتقادهم بالمناسبة أو بدونها- كما قال الكاتب البريطاني مات ريدلي: "ربما لم يكن هناك جيل منذ العصر الحجري القديم حتى اليوم لم يتأسف على عجز الجيل التالي، ويقدس ذكرى الأيام الماضية"، رحم الله شهداء الزلزال ، وتحياتي الحارة للشباب المغربي.

***

حميد طولست

يعاني المجتمع من مشاكل خطيرة تهدد مستقبله! وتنذر بمخاطر قيمية كبيرة، نتيجة ارتفاع معدلات العنوسة، وازدياد حالات الطلاق، والعدد المهول للارامل، كل هذه الامور تشكل مناطق خطر نفسية واجتماعية، ولا تمثل حاليا حالات قليلة بل انها ارقام كبيرة جدا، وقد اوجد الدين الاسلامي الحل الامثل لكل هذه الحالات، من خلال فتح المجال للرجل بتعدد الزوجات، وحدد العدد بان لا يزيد عن الأربع في الزواج الدائمي، فتخيل معي حجم الإصلاح الاجتماعي لو تم تثقيف المجتمع على أمر تعدد الزوجات، وأن يتوفر دعم حكومي لمن يسهم في حل مشاكل العنوسة والمطلقات والارامل، لإنقاذ المجتمع من أخطار مستقبلية جسيمة.

لكن العقبة الأكبر التي تواجه هذا المسعى هو أنانية المرأة وتعجرفها، فهي ترفض تعدد الزوجات للرجل، بل يطالبن الناشطات المدنيات بتشريع قانون يمنع تعدد الزوجات، لأن في التعدد (حسب قولهن) إهانة للمرأة.

المطلقة التي ضاعت

سمعت بقصة فتاة تدعى مروة طلقها زوجها بسبب مشاكل مع اهله، فلم يجد إلا طلاق زوجته ليرتاح من اهم المشاكل اليومية، ومروة لم يتجاوز عمرها ال22 عاما، حاولت اولا العودة لكن اهل زوجها رفضوا ثم زوجوه بفتاة اخرى، فاغلق باب العودة لزوجها، ولان اغلب افكار المجتمع منحرفة عن العدل من قبيل ان المطلقة امراة سهلة المنال، اصبحت مروة تتعرض للمضايقات والتحرشات حتى من زملاء الوظيفة بل حتى من الاقارب! لانها انسانة ضعيفة ومكسورة خدعها احد الرجال بعنوان الحب لتسقط في بئر العلاقات غير المشروعة.

وبعد مرور سنوات عن غرقها في تلك العلاقات اصبحت امراة تعطي الحب مقابل المال، وتسعى لمن يدفع أكثر.

هكذا ضاعت مروة بسبب المجتمع، وعدم اتاحة الفرصة لها لزواج اخر يصلح حالها ويحافظ على كرامتها، وقصة مروة تتكرر كثيرا، وتمثل حالة خطيرة لا يجب إهمالها.

أرملة تستجدي

ام وليد توفي زوجها بسبب اصابته بمرض السرطان، وبسبب عسر حال العائلة، لم يستطع توفير العلاج له إلى أن مات وترك زوجته وطفلين، لم يكن زوجها موظفا كي تحصل على راتب تقاعدي يحفظ كرامتها، وبصعوبة حصلت على راتب الارامل من شبكة الرعاية لكنه مبلغ ضئيل جدا لا يكفي لعشرة ايام، حاولت الحصول على دعم من الأقارب لكن اغلبهم بنفس حالها المتعسر، والبعض الآخر فساومها على شرفها.                                                                 

وهي لا تملك شهادة لتعمل، ولا تعرف مهنة لتكسب منها قوت يومها، لذلك التجئت للتسول والاستجداء، حيث تغطي ملامح وجهها وتجلس في الشارع تستجدي المارة، التى أن تجمع ما يكفيها لشراء ما يحتاجه المطبخ فتعود لطفليها.

فانظر هنا يكون تعدد الزوجات حلا سحريا للارامل ينقذها من الورطة الكبيرة التي خلفها موت الزوج، مع حاجة المرأة الفطرية لوجود الرجل في حياتها، لكن تأتي بعض النسوة العلمانيات والمدنيات اللواتي يحملن كمية كبيرة من الانانية ليرفعن شعار تحريم تعدد الزوجات، والمطالبة بقانون يمنع تعدد الزوجات مع عقوبات لمن يتزوج أكثر من واحدة في وقت واحد.

عانس مريضة نفسيا

أتذكر فتاة في حينا كان اسمها سعاد، فتاة هادئة من عائلة متوسطة الحال، كانت مثل باقي جيلها من الفتيات تتمنى الزواج وتكوين عائلة، لكن الدراسة جعلتها تعبر السن الاجتماعي المقرر للزواج! فعندما عبرت الثلاثين عاما اصبحت تلقب بالعانس، كانت هذه الكلمة ترعبها، كانها اصبحت لا قيمة لها، وانعزلت عن المجتمع كي لا تسمع تلك الكلمات الجارحة، وتشاجرت ذات مرة مع احدى قريباتها التي وصفتها (بالعانس التي لا قيمة لها).

وحصلت انفراجة في حياتها حيث تقدم ابن عمها المتزوج لخطبتها، لكن زوجته هددت بحرق نفسها ان تزوج عليها! فانتهى الحلم وعادت الى الانزواء والابتعاد، بل اصبحت تكلم نفسها، هي الان حبيسة البيت، لا تقابل أحدا، ولا تكلم احد، ويصفها اقاربها بالمعقدة نفسيا او المجنونة، وقد عبرت الاربعين سنة من العمر.

الطفل اليتيم والاعتداءات

ماجد توفي أبوه وهو في السادسة من العمر، وبعد وفاة والده بسنتين تقدم لامه عريس لكن اهلها رفضوا قائلين عيب انت عندك اطفال ربيهم افضل من البحث عن عريس! كان ماجد من دون سند، فالاب هو ملاذ حقيقي للطفل، لذلك كان يوميا يعود للبيت وهو يتألم من الضرب، حيث كان الاطفال تعتدي عليه لانه يتيم لا احد يدافع عنه، حتى كبر واصبح لصا منحرفا يفعل كل الموبقات، كل هذا حصل للطفل اليتيم لأنه فقد وجود شخص يكون مكان ابيه الراحل، ماجد لو تزوجت امه من رجل شريف ابن حلال لأهتم به ولتغير مسار حياته، لكن اهل ام ماجد وقفوا ضد زواجها مما أنتج الابن اللص المنحرف.

فتصور معي كيف يكون الزواج حلا سحريا للأرامل لانقاذ الاطفال من الضياع وحفظ كرامة العائلة، بشرط ان تتزوج رجل شريف غيور يخاف الله عز وجل، وتخيل معي حجم انحراف من ينادون بمنع تعدد الزوجات ناظرين إليه فقط باب لممارسة الجنس، مع انه يمثل حلول اجتماعية ونفسية وتربوية كبيرة جدا

اخيرا:

نحتاج لتثقيف المجتمع الى اهمية تعدد الزوجات، وليس في الامر اي اهانة للمرأة بل هو الحل الوحيد لاصلاح المجتمع وإنقاذه من الضياع، وعلى المرأة أن تترك انانيتها التي تقودها للوقوف بوجه الدين والقرآن والشريعة السماوية، فقط لانها أنانية، بل ثبت بالإحصائيات ان الرجل الذي لا يتزوج امراة ثانية في الغالب يصبح اما خائنا، او روتيني غير متجدد حتى يموت الحب مع زوجته، واغلب قصص الطلاق تتحدث عن برود العلاقة بين الزوجين، فالرجل الذي يتزوج امرأتين يصبح اكثر شبابا و رجولة و تشبثا بالحياة، والمرأة عندما يكون لها ضرة تصبح تبحث عن تنافس وتهتم كثيرا بنفسها وبزوجها، وتحاول ان تكون اكثر جاذبية من الاخرى، وهذا مكسب مهم لتعدد الزوجات حيث الزوج يصبح أكثر مهتما بالحياة، والنساء أصبحن يبحثن عن التجديد والاهتمام .

***

 

الكاتب: اسعد عبدالله عبد علي

مرة أخرى يعود اللاعب الرئيسي في الملعب، ليتحكم بالحركة الاقتصادية للعراق وتعود واشنطن لتفرض نفسها هي (الكابتن) وتقود المباراة، خصوصاً وان الشعب يعلم جيداً، من يقود هذه اللعبة ويتحكم بأشواط المباراة..

مرة نراها راضٍية عن الأداء الحكومي، وطريقة تعاطيها الاقتصادي مع البنك الفيدرالي الأمريكي، أو مع متطلبات البنك الدولي، واخرى نراه يخرج لنا بضوابط جديدة، لتحكم حركة الدولار وتعلن عن ضوابط عقابية جديدة، لمصارف أهلية عراقية، تخالف عمليات البيع والشراء، في السوق المحلية للعملة.

الذريعة التي مازالت واشنطن متمسكة بها، هي أن العراق غير ملتزم بالضوابط، التي وضعها البنك الفيدرالي، في الحد من تهريب الدولار الى الخارج، وخصوصاً إيران الخاضعة لعقوبات أمريكية شديدة، وتعتقد ان بغداد لا زالت لم تعمل ما هو مطلوب منها، في إيقاف التهريب للعملة سواءً من أقليم كردستان او منافذ اخرى، ترتبط بالجارة إيران .

العراق من جهته، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها حكومة السوداني، في منع تهريب الدولار إلى الخارج وملاحقة التجار والمهربين، ومسك السوق الداخلية، والتأكيد على استخدام الدينار بدل الدولار، في التعاملات التجارية اليومية إلا ان هذه الجهود مازالت قاصرة، في كبح جماح هذا التهريب لذلك سعى لإيجاد خطط بديلة من خلال التعامل بعملة أخرى غير الدولار، من أجل تخفيف الطلب عليه وفتح المجال للتداول بعملات أخرى وتقديم الدعم لتمويل التعامل الخارجي للبلد، باستخدام عملات مثل (اليورو، اليوان الصيني، الدرهم الإماراتي).

بالرغم من كل الإجراءات، التي يقوم بها البنك المركزي العراقي إلا انه مازال يفتقر الى آلية التحكم بحركة الدولار في السوق، وجميع خطواته الاصلاحية فشلت، في السيطرة على سعر الصرف، ولم تؤدي إلا الى تفاقم الازمة، و تراجع الثقة بين العراق والبنك الدولي ما دعا الأخير ليقوم بخطوات تصعيدية وصارمة، تجاه طلبات المعاملات الدولية الواردة من العراق حيث تم رفض كثير منها، بحجة عدم مطابقتها مع معايير التعامل الاقتصادي الدولي بالإضافة الى إدراج عدد من المصارف في القائمة السوداء، والتي يشتبه بقيامها بتعاملات نقدية غير مرخصة.

السياسة النقدية الخاطئة، التي يمارسها البنك المركزي العراقي، من شأنها أن تعكس الواقع المالي السلبي وبدائية الجهاز المالي وفقره لأبسط الوسائل الحديثة في التعامل المالي اليومي بالإضافة الى سيطرة مافيات الجريمة، على السوق العراقية الداخلية، وتحكمها بحركة الدولار في داخل السوق كما أن الحكومة الحالية تخطط للسيطرة على الدولار، في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية، وترصين وتثبيت قيمة الدينار، عبر توسيع نطاق استخداماته التجارية، إضافة إلى منع تهريب الدولار إلى الخارج، أو تخزينه أو تلاعب بأسعاره..

‏الجانب الإيجابي هو محاولة إبعاد تأثير الدولار على السوق العراقية الداخلية، ومنع تداوله في محاولة لإعادة هيبة الدينار، وأن يكون هو المسيطر على السوق الداخلية على الأقل، ما يعني أن هناك فرصة مهمة لإعادة هيبة الدينار، كسابق عهده و اقتصار الدولار على التعاملات الخارجية مع العالم، كما أن الإيجابي في هذه القرارات، هو ان دعم الدينار سينهي سيطرة التجار على السوق الداخلية، والتلاعب بمقدرات وأرزاق المواطن البسيط.

العراق يتطلع للانضمام إلى كتلة البريكس، في خطوة لإنهاء الاعتماد على الدولار الأمريكي خصوصا وأن هناك مقبولية لدى المواطن، بالاعتماد على الدينار العراقي في تعاملاته ومن المؤمل أن تعقد قمة بريكس اجتماعها في كيب تاون بجنوب أفريقيا في آب 2023، وقدمت 19 طلباً رسمياً للانضمام للتحالف ما قد يؤدي إلى الإضرار بقيمة الدولار وآفاقه المستقبلية أمام قوة عملة البريكس، التي أشر عنها وإن لم يتم إصدارها بعد،  لكنها تدق ناقوس الموت السريري للدولار الأمريكي.

***

محمد حسن الساعدي

خلال حياتنا اليومية نواجه العديد من المنغصّات الاجتماعية والسياسية التي تفسد علينا متعة الفوز بلحظات هانئة بعيدة عن كل ما هو ثقيل يعكّر المزاج  ويزيد من التوتر النفسي الناتج عن ضغوطات العمل ومتطلبات العيش وكوارث الطبقة السياسية، ومن بين هذه المفسدات هو تواجد الثقلاء في مجالسنا، فقد كشفت تجارب الحياة الاجتماعية ان المجالسة تطيب بخفة الجلساء، فكم من المجالس الممتعة دخل عليها ثقيل فأفسدها بتفاهة حديثه وتطفله وسذاجته، فالثقلاء لا يفسدون المجالس فحسب انما ايضا يسقمون الروح فقد قيل للأمام والفقيه "الشعبي " هل تمرض الروح ؟ قال: نعم من ظل الثقلاء، والثقلاء هم فئة من الناس الذين لا تطاق معاشرتهم لأنهم يفتقدون الى الكياسة والتهذيب وسوء التعامل مع الاخر وكذلك اصحاب المشاعر المتحجرة، وبسبب هذه الخصال التي فيها الكثير من الغث صارت هذه الفئة هدفا للذم والتحذير من مصاحبتهم والجلوس اليهم لما في سلوكهم من ذمامة غير محببة في المجالس والصداقات، وقد ترددت شكوى الشعراء والأدباء من الثقلاء فوصفوهم بأسوأ الأوصاف حتى ان الشاعر احمد  شوقي كان شديد الدقة في تصوير الكره للثقيل في قوله:

سقط الثقيل من السفينة في الدجى

فبكى عليه رفاقه وترحموا

حتى اذا طلع الصباح أتت به

نحو السفينة موجة تتقدم

قالت خذوه كما أتاني سالما

لم أبتلعه لأنه لا يهضم !

والأشعار في الثقلاء كثيرة وفي كتب الآداب مشهورة، فقد كتب العلماء والأدباء الكثير عن اخبار الثقلاء والتحذير من مخالطتهم حيث  تصدر اسم الثقلاء عناوين كثيرة من الكتب، كما تزاحمت الشعراء والأدباء على ذكرهم وكانت كلها تتضمن ذمهم وتدعو الى تجنب مؤانستهم ووصفهم بـأنهم ( أثقل من ثهلان ) وهو جبل ضخم من نجد وكان أكثرهم رأفة بالثقيل من وصفه بأقل من جبل ثهلان وذلك في بيت الشعر الشهير:

أنت يا هذا ثقيل وثقيل وثقيل

أنت في المظهر إنسان وفي الميزان فيل

وخصلة سيئة اخرى يمتاز بها الثقيل هي الفضول والسؤال عما لا يعنيه  ومن الحكايات الشهيرة عنها، هي: ان احدهم سأل الشاعر بشار بن برد ــ وكان أعمى ــ ما أذهب الله كريمتي مؤمن الاّ وعوضه الله خيرا منهما، فيم عوضك ؟ قال بشار: بعدم رؤية الثقلاء من أمثالك .

كما كتبوا في بلاهتهم وعدم احساسهم بالحرج من سوء افعالهم فقد قيل  ان صديقا زارَ أخا له، فمكثَ عندهُ شهرًا كاملًا، فقال صاحبُ الدار: ألا تظنّ أن عائلتك قد اشتاقتْ إليك؟ قال: أعرف ذلك، وقد كتبتُ لهم أن يقدموا إليَّ هنا.

هذا بورنريه غير مكتمل  لصورة الثقلاء فهو غيض من فيض مما وصف وقيل فيهم .

***

ثامر الحاج امين

كان صديقي دائما يقول لي: عندما أتقاعد أتفرغ لتحقيق بعض أحلامي المؤجلة وأكون حرا طليقا، أستمتع بوقتي وابتعد عن ضغوط العمل، بعد أن تقاعد من وظيفته منذ سنوات مازال صديقي قلقا، لم يحقق شيئا من احلامه بل صار مستغلا من الأسرة بحكم فراغه فهو يأخذ الأحفاد إلى المدرسة ويرجعهم إلى البيت بعد نهاية الدوام وهكذا غرق في دوامة الأسرة، كان ينتظر السعادة ففرت منه ...

لهذا السعادة رحلة نعيشها كل لحظة نستمتع بما نملكه من صحة وعافية وبيت وأسرة وووظيفة حتى ولوكان مرتبها قليلا فهي أحسن من البطالة والفراغ..

السعادة تشع من الداخل، فلا تبحث عنها خارج ذاتك، صحيح أن الإنسان بحاجة إلى الماديات ولكنها إكسسورات الحياة ليست هي الجوهر، إن كنت تفتقد إلى الهدف والغاية من حياتك فلن تستمتع بما تملكه من سكن واسع وسيارة فارهة وأسرة مستقرة..

السعادة الحقيقية أن نقدر قيمة ما تملك : أنت لا تعرف قيمة الصحة إلا إذا فقدتها وأنفقت المال الكثير على الأطباء طمعا في الشفاء ..

فأنت الآن صحيح معافى فاحمد الله، أنت ملك متوج وحتى لو تناولت كسرة يابسة وكأس ماء..

وقد صدق فردريك كيونغ عندما قال : ل"قد نسينا بأن السعادة ليست الحصول على ما لا نملك بل هي أن نفهم وندرك قيمة ما نملك".

السعادة أن تمتلك وطنا آمنا مستقرا فكم من أوطان دمرتها الحروب والصراعات فإن كنت آمنا في بيتك وفي حيك وفي وطنك ومعافى في بدنك وعندك قوت يومك فأنت قد  ملكت الدنيا من كل نواحيها وجوانبها وقد صدق حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال :

 «مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سربِهِ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا».

لا تنتظر أن تتوفر لك الظروف المناسبة لتسعد فالظروف لن تتغير والمسؤوليات تزداد مع الأيام فالحل هو أن تعيش لحظتك الراهنة مستيقظا واعيا بالأحداث التي تحيط بك لا تفتح أدراج الماضي ولا المستقبل، أنت تملك حاضرك فأنجز فيه وأبدع وافرح واسعد وانظر إلى السماء الصافية وقل الحمد لله ..

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية

 شدري معمر علي

تعلمنا في صغرنا أن في العجلة الندامة وفي التأني السلامة، ولم يفت هذا شاعرنا الذي قال:

إذا كنت ذا رأي فكن ذا روية

فان فساد الرأي أن تستعجلا

ولم يبخل آخر في نصحه وارشاده لنا حين أنشد:

قد يدرك المتأني بعض حاجته

وقد يكون مع المستعجل الزلل

ولنا في أمثالنا العراقية الشعبية ما تنوء به أسفار التأريخ في جميع أمور حياتنا اليومية كمثلنا القائل: (اللي تهدّه ما عثر).

بعد هذه الديباجة عن التؤدة والروية في أعمالنا، سأعرج على ركن هام جدا من أركان بلادنا، ركن يسيء استخدام التأني أيما إساءة، ذاك الركن هو مجلسنا التشريعي، إذ ما يثير التساؤلات والعجب هو تماديه في التأني والروية، باقرار قوانين لها من المنتظرين ملايين من أبناء هذا البلد، ممن تأملوا الخير في التغيير الذي آل اليه العراق قبل عشرين عاما، ومعلوم أن التغيير يكون ذا فائدة مجدية إن كان تغييرا من السيئ الى الجيد، أو من الجيد الى الأجود، فهل أعقب تغيير عام 2003 حصول حالة إيجابية تستحق الإشارة اليها؟ وهل انتقل وضع البلاد من سيئ الى جيد، وكذاك وضع العراقيين، هل ناله التغيير من رديء الى حسن بعد ذاك العام؟.

لا أظن أحدا يقر بأن شيئا إيجابيا قد حصل في العراق منذ عقدين، سواء ممن عايشوا مآسي البلاد إبّانها، أم ممن تطلعوا على مجريات أحداثها خارج نطاق تأثيرها، فما حدث -ومازال يحدث- بعد التغيير الذي حصل في العراق، لا يختلف عما كان يحصل قبله، وإن كان ثمة اختلاف، فالدلائل والقرائن تشير كلها الى النكوص والتدني والفشل والتقهقر، في كل مفاصل البلاد دون استثناء، وقد انطبق على العراقيين المثل القائل: (يخلص من الطاوة تتلكاه النار) أو المثل الآخر -والأمثال كثر- (بدلنا عليوي بعلاوي).

فلطالما رفع مجلس نوابنا جلسته الى إشعار غير مسمى، واللافت أن محاور اجتماعاته تدور في فلك بعيد عن مصالح المواطن، وما يعانيه من تداعيات إخفاق ساسته ومسؤوليه في جوانب البلد كافة، كما أن ديدنه في بطء أعماله الشديد، مازال السمة الغالبة بأدائه، ومن غير المعقول السير السلحفاتي في اجتماعاته بين رفع قرار وتشريعه وتنفيذه، وكأن العملية برمتها قضاء وقت وتمشية أعمال، ومن غير المقبول واللائق بمسؤولين وضع الشعب فيهم ثقته وأمله، ان يجازوه بالخذلان، فهم بهذا يضحكون على الذقون، ويتسببون بتأخير مرافق البلد ومفاصله، ويباعدون الفجوة بين المواطن وحكومته، لاسيما ان هناك من يتربص ويتحين الفرص من أجل تمرير أجندات مبيتة، منها داخلية وأخريات خارجية، هدفها النيل من العراق والسعي في إبقائه في واد ناء عن باقي الأمم، وهذا من المؤكد لايخدم أي عراقي شريف. فالقول أن عجلة البلاد توقفت يعني أن كل من يدعي عراقيته وانتماءه للعراق، تكون قد توقفت مصلحته وتأخرت مسيرة حياته، وبذا يكون حريا بالجميع وأولهم قادة البلد الحفاظ على العجلة سائرة بأمان، محفوفة بحماية الجميع من عبث الأغراب بدواليبها، ليضمنوا سيرها بالاتجاه الصحيح تحت رعايتهم المباشرة وغير المباشرة، ومن الطبيعي أن سرعة السير يجب ان لاتأتي على حساب سلامة الوصول، كما أن القول؛ (سيري وعين الله ترعاك) ليس كافيا من دون فعل حقيقي ملموس على أرض الواقع، يبعد الشر ويدرأ الأخطار عن مسيرتها. أما لو افترضنا ان بعض أصحاب القرار ينطبق عليهم المثل الشعبي العراقي القائل: (تكيف البزون بعمى أهلها) فهنا يأخذ المقام مقالا آخر، إذ يتوجب على الـ (بزون) أن (تحسبها زين) وبغير الحساب الصحيح والذي يفضي الى نتائح سليمة، ستتعرض الـ (بزون) لشتى أساليب المنع، وستواجه كل سبل الاعتراض، اولها الضرب بالحجارة وثانيها بالـ (مداس) لينعم أهلها بحياة حرة تليق بالقيمة العليا للإنسان.

***

علي علي

تشهد محافظاتنا العزيزة حراكا انتخابيا لآختيارالمرشحين لمجالس المحافظات، ومع ثقتـناان الانتخابات الحقيقية والناجحة هي تلك التي تسير بموجب ضوابط قانونية ومخرجات ثقافة سياسية تعد تكريسا حقيقيا لأعلى مستويات الوعي كما أنها تمثل تطبيقا لأحد أنماط حرية التعبيرعن الرأي في البلدان المتقدمة، ونحن بصراحة لا نرقى، ولا نمتلك فرصا للتنمية البشرية سياسيا واجتماعيا واننا مازلنا نتخبط احيانا بين مفهوم المواطنة والحرية والالتزام الذاتي، ونتساءل هل نجح الناخبون في اختيار ممثليهم الحقيقيين، الأقرب للتعبير عن مطالبهم وأفكارهم وتطلعاتهم وأمانيهم، الذين سيكملون فريق السلطة في مباريات النصر والإنجازات التي لا تتوقف عند زمن ولا حدود جغرافية معينة داخل الوطن الحبيب، أم أنهم سيختارون نقيضهم على طول الخط، الذين نجحوا بطريقة أو بأخرى في الحصول على أصواتهم، خداعاً والتستر وراء الحقائق قد تكون، أو بلطجة وإتاوة وإرغاماً على الخضوع

الانتخابات تكون عرساً ديمقراطياً إذا كان الناخب على درجة عالية من الوعي، يعرف الرجل الأنسب لمهمة أن يكون نائباً عنه أمام السلطة التنفيذية، يشارك في وضع القوانين، ويكون رقيباً قريباً على تنفيذ سياساتها المعلنة، وبغير ذلك فإنه يختار شخصاً كيفما كان الحال، من دون التدقيق على أهليته للمهمة الوطنية المكلف بها، وهل هو قادر على أدائها باقتدار، أم أنه ليس له باع في اللعبة السياسية والبرلمانية، وبحاجة إلى مزيد من دروس الحياة، بمعنى أنه لم ينضج بعد.. المرشح، بداية يجب أن يكون وطنياً حتى النخاع في كل شيء، له ارتباط بتراب الوطن، ويحب شعبه وقيادته المخلصة لهذا الشعب، ولديه استعدادات للبذل والعطاء والتضحية بالروح إذا طلبها الوطن في معركة مصيرية يعيشها، كانت سياسية أو بنائية سيان، فكلها معارك يخوضها الوطن من أجل أن يعيش معطاء لأبنائه، مرفوع الرأس فخوراً بهم، وهو هنا يستحق أن نلبي كل نداء له، فلا قيمة لإنسان خارج حدود وطنه، وبالانسلاخ عنه ونكران هويته.والمطلوب من الناخب أن يستنهض وطنيته، وحسه الوطني، ويختار ممثله عن معرفة مسبقة، ويكون متأكداً أنه سيكون خير ممثل له أمام الحكومة، يسعى إلى جانبها لتحقيق مصالح الوطن والشعب الواحدة التي لن تفترق في هذه الحالة إذا أحسنّا الاختيار من أجل تحقيق المصلحة العامة للناخب والمرشح ولمن لم يحالفه الحظ ويشترك في العرس الديمقراطي الكبير

نعم لا زلنا للأسف نتفاعل مع الناخب بمبادىءبعيدة عن ثقافة المواطنة والحرية، ويتبع المرشح سلوكيات مادية ضعيفة لاستغلال حاجات بشرية منتهكا بذلك رشد الناخب وثقافته وتفكيره، مغتصبا لحق شرعي من ثقافة الانتماء لهذا الوطن، وسالبا اياه حقوقه الوطنية، وبالمقابل مطلوب من الناخب الابتعاد عن التوجه الطائفي والعنصري والعشائري، ورفض(العبوديات) تحت هذه التسميات واعتماد الخلق والكفاءة والنزاهة وارادة العمل لمصالح الاخرين، وان يمتلك الناخب ثقافة الاختيار، واستخدام وعيه الحقيقي في تمييزه للمرشحين، وعلينا ان نرتقي كي نلفظ سلبيات الماضي ونحقق عيشا كريما، وان نحقق مجتمعا افضل، ونكرس مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب، علينا اختيار المرشحين الاقوياء واستبعاد المرشحين الفاشلين والضعفاء، وتجنب منح الصوت لمن لا يستحقون، نريد مرشحون يفهمون القانون ويحترمونه، نريد مرشحون زادهم التقوى والانسانية كما نرفض مبدأ مقاطعة الانتخابات او عدم المساهمة فيها، فالاحتكام لثقافة التغيير هو المفتاح الصائب لغد افضل.

الوطن فوق الجميع، تماماً كما هم شهداؤه تيجان فوق الرؤوس.

***

نهاد الحديثي

الدولة الوطنية في العراق، اذا ما اريد لها ان تكون مستقرة وموحدة ذات مؤسسات قوية تقوم على تحقيق العدالة والتنمية والعيش الكريم للمواطنين وتحمي الوطن واستقلاله وتنشد السلام، تعتمد على التعاون المتكافئ مع الدول الاقليمية والعالم والقوى السياسيّة في الداخل، عليها ان تضع برنامجا ينال ثقة الحراك الشعبيّ ويؤطِّر أهدافه بالعمل لا بالشعارات ويطرح سبيلا عمليّا لتحقيق الطموحات المنشودة، ولكن بالتوازى مع صون الدولة والمجتمع وقوتهما ومع وعى الترابط الوثيق بين ما هو داخليّ وخارجيّ، كى لا تسقط عبر انهيار الدولة فى الانشغال في الحروب الداخلية أو بالوكالة وفى الاحتلالات الأجنبيّة. إنّ جوهر الصراع دوما وأبدا ذو طبيعة سياسيّة ويبقى رهانه حول الدولة كمؤسّسة بعيدة عن السياسة.

الدولة المدنية تتيح الفرصة للمواطنين من أجل التعبير عن مخاوف ابناء الشعب حيال القضايا التي تؤثر في حياتهم اليومية∙ وتتيح الفرصة للمسؤولين ان يكون قريباً من المجتمع كي يعرف الحقائق من خلال إشراك المواطنين في ايجاد الحلول الملائمة لتلك القضايا يدا بيد؛ وحتى لا تتسم بالعنف من الناحية السياسية، فهي تمارس العطف والمحبة بدرجة اكبر ضد القوة في كبح حريتهم، 'ان الدولة الوطنية الحديثة لا تتحقق بمجرد اكتمال مدوَّنتها الدستورية، حتى وإن حازت تلك المدوّنة كشرطٍ أساس على موافقة الشعب أو أغلبية الشعب فحسب، وإنما تتحقق بحركية وآلية عمل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني التي تعطي لهذه المدوّنة روحاً ومعنى، وتجعلها قابلة للتطوير والتحديث مع كل مكتسب تحقِّقه هذه الحركية في مجال منظومة حقوق الإنسان او في اي مادة منه حسب تطور الزمن حتى لا يكون جامدا وتخلق وسعة في بناء الثقة بين المؤسسات والجماهي'.

لبناء العلاقة والتودد مع حفظ المطالب وهناك خطوات مهمة يجب العمل عليها هي، الأولى بناء الثقة بين النخب السياسية والعاملين في الحقل السياسي والأحزاب والقيادات السياسية لان الثقة بينهم تبنى بمرحلتين : الأولى بين النخب السياسية والعاملين في الحقل السياسي والأحزاب والقيادات السياسية، والجانب الآخر على مستوى المواطنين،  الحوار يدور بين النخب وممثلي التيارات السياسية والمثقفين والباحثين والقادة، وبناء الثقة لا يأتي بالكلام والوعظ والإرشاد، وإنما بالإجراءات وتمثل ذلك في عدم الإقصاء.

أما الثاني: بناء الثقة على المستوى الجماهيري والشعبي، والأحزاب والقوى السياسية والمنظمات لعقد اجتماعات جماهيرية وشعبية لمناقشة القضايا بكل صفاء كل فيما يخصه، وإرسال وجهة نظره مكتوبة وتشرف عليها هيئة قيادية محايدة ومقبولة مشكلة لتقريب وجهات النظر وأن يكون الهدف من الحوار هو تحريك حالة الحوار الجامدة في المجتمع، وأن يشعر المواطنون بحقهم المشروع في التعبير عن رأيهم الذي يحميه القانون وتحميه الدولة التي من واجبها أن تستفيد من كل الآراء سواء فيما يتعلق بتشريعات أو اقتراحات أو سياسات جديدة إذا ما كانت تستعد للعمل بمنظور البناء الجدي.

وإذا كانت الدول قد نجحت نسبياً في رسم الخطوة الأولى في بناء الدولة الوطنية الحديثة، وتحقيق المشاركة السياسية الديمقراطية، وصياغة دساتير متقدِّم بمشاركة التيارات والاحزاب المتواجد بفعل الخصوصيات لها بالتمثيل النسبي و في استقلال المؤسسات التابعة لها وخاصة المؤسسة العسكرية، للحاجة المهمة لسلطة الامن ومن ثم، توفُّر أرضية لعمل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات المدنية من اتحادات ونقابات ومنظَّمات  خارج هيمنة السلطة المطلقة وتحويلها الى مشرفة من اجل دعمها والتي قد تكون قد اصطدمت بواقعٍ معاندٍ للتغيير بفعل ثقل إرث الاستبداد الطويل، وضمور الثقافة السياسية الديمقراطية في مجتمعات مهشّمة ومهمّشة، ومتعددة الطوائف والمذاهب والإثنيات من جهة، وهيمنة السلطة المستبِدَّة، وتغوّل أجهزتها الأمنية على كافّة مؤسسات الدولة والمجتمع وثرواتها، وخاصة المؤسسة العسكرية من جهة ثانية، وساحة سياسية فارغة إلا من أحزاب السلط وتنظيمات وحركات هامشية معينة و استثمرتها هذه الانظمة في مواجهة جميع القوى السياسية الوطنية و دون الاعتراف الرسمي بها أو بشرعيتها السياسية من جهة ثالثة، وبالعامل الخارجي الإقليمي والدولي المتوجّس من التغيّر وسرعة امتداده في الدولة للخوف من خروجه عن السيطرة بغضّ النظر عن مدى قبوله أو رفضه من قبل الاطراف كمؤسسات او قواعد شعبية.

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

بعد عشرين عاماً على تجربتنا الديمقراطية الرائدة التي أدهشت القاصي والداني، وجعلت دولة مثل اليابان تتمنى أن تنقل هذه التجربة المثيرة، بعد كل هذه السنوات يشعر المواطن العراقي أن لا أمل في أن تعتذر الطبقة السياسية عن الخراب الذي أشاعته في البلاد، هذه الطبقة، بكل أحزابها ومستقليها ومدعي الليبرالية والمدنية تحولت إلى وحش يتصارع على السلطة والمال، أما مصالح الناس ومصير البلاد، فهذا أمر خارج اختصاصها.

في الانتخابات الأخيرة كانت الناس تتأمل خيراً بالنواب المستقلين، وكنا نراقب الوعود التي أطلقها هؤلاء النواب وهم يصرخون من على الفضائيات "لا تحزب ولا طائفية"، بل أن البعض راهن عليهم، لكن للأسف اكتشفت الناس أن شعارات محاربة الفساد، والقضاء على المحاصصة، ودولة المؤسسات والرفاهية، تحولت كلها إلى صفقات وجلسات سمر واستبدل التكتك بسيارات رباعية وحمايات، وممارسة حالة من النصب السياسي العلني، ليكتشف المواطن أنه تورط في كذبة اسمها المستقلون، لأن السادة النواب حولوا شعاراتهم إلى أرباح وعوائد وفوائد، وستفاجأ عزيزي القارئ بأن ما صرف على نوابنا المستقلين خلال الدورة الحالية يمكن له أن يبني أكبر مجمع سكني لعشرات العوائل يسكنون في بيوت من التنك وكان هذا أعز وأبقى عند الله والوطن من تقلبات النواب المستقلين.

للأسف بعد عشرين عاماً من الهوان، لم يعد ثمّة من يجادل في أن للبرلمان طريق مفروش بالامتيازات والصفقات، وللناس المغلوبين على أمرهم طرق مليئة بالغبار وعجاج الفضائيات .

منذ أيام والجميع يتحدث عن مشاريع التغيير والإصلاح، ويحذروننا من "الانسداد"، وغضب السماء على هذا الشعب الذي يتبطر على نعمة الديمقراطية، لكن المواطن المبتلي بقوانين العشائر، وغياب العدالة يعرف جيداً أن ما يقال على الفضائيات لا يعدو كونه مجرد كلام، الذي أعرفه خلال عشرين عاماً عشناها مع الخراب، أن القضية لم تعد مجرد تغيير وإصلاح وأضيف لها انسداد، بل إنقاذ العراق، وقد أعطيت نفسي أكثر من فرصة أتفاءل فيها بما سيفعله النواب المستقلون، وكنتُ مراهناً نفسي على أنّهم سيعيدون للبرلمان مكانته التي يجب أن يأخذها، ويبدو أنّ المتشائم انتصر في النهاية وخسرت الرهان، مثل كلّ مرة أراهن فيها على مسؤول عراقي، وفي هذه الزاوية المتواضعة كنتُ بين الحين والآخر أُصدّع رؤوس القرّاء، بحديث عن رجال دولة تاريخيين، استطاعوا أن يصمدوا بوجه المغريات، فخلّدهم التاريخ بأن أبعد عنهم غبار النسيان.

شيء مؤسف أن لا يكون لدى الكاتب ما يكتبه للقرّاء سوى التشاؤم والسخرية من الأمل، ولكنني سأترك "المتشائل" جانباً وأتمنى على الذين اكتشفوا أن هذا الشعب مذنب وكافر ويجب أن يعاقب بالعجاج، أن يسعوا جادين لإفساح المجال لتكنوقراط بوزن ابو علي الشيباني ليأخذ مكانه في البرلمان إلى جانب حنان الفتلاوي .

يقدم لنا العالم نماذج لسياسيين لم يبحثوا عن التوازن الطائفي، فيما نحن لا نزال نعيش في عصر "تقلبات" النواب المستقلين، فعين على الإطار وأخرى على التيار، وعين على من يحقق الربح الأكبر.

***

علي حسين

في لبنان فقط، إذا التقى زعيمان يبث الخبر كما يلتقي رؤساء الدول.

في لبنان فقط، إذا زار زعيم سياسي او روحي منطقة معينة تغطى الزيارة كانها زيارة من دولة الى أخرى.

في لبنان فقط، إذا تصادمت سيارتان يهتز البلد امنياً.

في لبنان فقط، يمنع الجمهور من حضور المباريات الرياضية حفاظاً على السلم الاهلي.

في لبنان فقط، موقفك السياسي لا يعتد به إذا كنت خارج الاصطفاف الطائفي.

في لبنان فقط، انت طائفي ومذهبي بغض النظر عن إيمانك الانساني والوطني والديني.

في لبنان فقط، يرفع شعار العيش المشترك على حساب الواقع المعاش النفاق المشترك.

في لبنان فقط، الكل يرفع شعار بناء الدولة "الديمقراطية" ويصاب البلد بالشلل السياسي إذا جاء رئيس حزب او تيار من خارج العائلات المالكة الحصرية للاحزاب والتيارات.

في لبنان فقط، يقذفون السياسيين باقذع الألفاظ والشتائم ووقت الانتخابات يعيدون انتخابهم.

في لبنان فقط، الإعلام يحرض الناس على بعضها البعض وكأن المؤسسات "الاعلامية " مملوكه من دول متحاربة.

في لبنان فقط، التحريض في اماكن العبادة تحت شعار حقوق الطوائف والمذاهب.

في لبنان فقط، تسرق البنوك اموال الناس وتطالب بانصافها ممن سرقت اماناتهم.

في لبنان فقط، يهجرون الناس ويطلبون منهم مساعدة الوطن.

في لبنان فقط، عشرة أسعار للدولار.

في لبنان فقط، 400 الف عاملة اجنبية حتى تتفرغ النساء اللبنانيات للصبحية والارغيلة.

في لبنان فقط، تحكم الأعراف والكل حريص على الدستور نصاً وروحاً.

في لبنان فقط، يقولون بما في النصوص وما في النفوس.

في لبنان فقط، يعلمون أولادهم حتى يتأهلون للحصول على فيزا للسفر والعمل في الخارج.

في لبنان فقط، الرشوة جزء من الوظيفة العامة فوق الطاولة وعلى عينك يا تاجر.

في لبنان فقط، الفاسدون محميون من طوائفهم حفاظاً على سمعة الطائفة.

في لبنان فقط، لا يمكن محاكمة الفاسدين الا على قاعدة 6 و6 مكرر.

في لبنان فقط، يتغنون بجمال الطبيعة وتتراكم جبال القمامة في كل الزوايا والمحضيين يزيلون الجبال من أجل البحص والرمال.

في لبنان فقط، يوجد "خط عسكري" لمخالفة القوانين على الطرقات وداخل المؤسسات.

في لبنان فقط، توضع القوانين على مقاسات الزعامات والطوائف اما الوطن والدولة فهما نسياً منسيا.

في لبنان فقط، القضاء ملك الطوائف والمذاهب والعدل عدو الملك.

في لبنان فقط، لكل حل مشكلة نعم لكل حل المشكلة.

في لبنان فقط، الصح خطأ والخطأ صح كما تقتضي المصلحة.

في لبنان فقط، الخارج يتدخل بكل شاردة وواردة واللبنانيون يتغنون بالقرار السيادي الحر المستقل.

في لبنان فقط، يحدثونك عن محاسن التغيير في العلن وفي السر التغيير شر مطلق.

في لبنان فقط، ازدواجية المعايير هي الأساس.

في لبنان فقط، يقولون الطوائف نعمة والطائفية نقمة واللبنانيون يفضلون النقمة على النعمة.

في لبنان فقط، التبعية مقدمة على الكفاءة والخبرة والنزاهة.

في لبنان فقط، لا يوجد مفهوم واحد للبديهيات.

في لبنان فقط، وطن بجناحين ولا يستطيع التحليق.

في لبنان فقط، هناك لبنان مقيم ولبنان مغترب.

في لبنان فقط، تعيش كل التناقضات وتتناسل وتصبح مسلمات.

في لبنان فقط، كل مواطن محلل سياسي واللبنانيون خبراء بالاستراتجيات والبلد يسير من سيء الى أسوأ.

في لبنان فقط، لا يمكنك أن تحلم فهناك من يحلم عنك ومن اجلك، فلماذا وجع الرأس ولماذا الثرثرة واللت والعجن.

دام عزك ايها الوطن المعذب…

افتخر أنت لبناني.

***

عباس علي مراد - سدني / أستراليا

الكتابة ربما مرض قبل أن تكون موهبة، والمرض تغيّر الصحة وإضطرابها، ويعني زعزعة المزاج.

الذين يكتبون ولا يعانون من مرض الكتابة يتوهمون بأنهم يكتبون.

وكطبيب عندما أسأل نفسي لماذا أكتب؟

يكون جوابي: لإصابتي بمرض الكتابة!!

وإلا لماذا أكتب وأهدر الوقت متفاعلا مع السطور ولا أجني من وراء ذلك شيئا!!

نعم الكتابة مرض أعراضه إدمانية وعلاماته واضحة!!

زميلي يكتب يوميا، ويؤلف كتبا، ويهديني ما يطبعه منها، وعندما أسأله عن مصير كتبه، يجيبني: مكدسة في كراج البيت!!

ذات يوم قلت له: أنت مصاب بالإدمان على الكتابة، فكأنه إستيقظ من غفلته، وقال وقد إتسعت عيناه: صدقت هذا هو التفسير لما أقوم به، أكتب وأبذل المال لتنام كتبي في ظلمات الصناديق الكارتونية.

المصاب بمرض الكتابة، يكتب يوميا، ويعاني من أعراض إنسحابية إذا لم يكتب، وكأن الكتابة تداوي ما يعانيه.

والعجيب في الأمر، أن دماغ الكاتب يتبرمج على وقت معين يكون فيه جاهزا للكتابة، وتتوارد الأفكار وكأنها السيل المتدفق من علو، ولا يستطيع ردها، بل تتهاطل على السطور، وبآليات متناسبة مع إرادتها القاضية بالتعبير عن غاياتها.

سألت القلم لماذا يكتب، فقال لأني عبد مأمور، ومرهون بكفك الذي تديره عُصيبات الجنون الإبداعية الفاعلة في دماغك المأسورّ!!

إحترت في جوابه...

فمن المجنون حقا ..الكاتب أم المكتوب؟

وهل يوجد جنون؟

ولماذا قالوا أن الجنون فنون؟!!

***

د. صادق السامرائي

22\8\2023

في المثقف اليوم