أقلام حرة
مزهر جبر الساعدي: امريكا والعراق.. علاقة ملتبسة
مما لاشك فيه؛ ان العلاقة بين امريكا والعراق، علاقة ملتبسة تفتقر الى الوضوح في الرؤية والسلوك. امريكا التي لها في العراق سفارة هي من اكبر سفاراتها في العالم، وقد استغرقت في بناءها عدة سنوات بعد الاحتلال، وتقع في قلب المنطقة الخضراء، وعلى مساحة كبيرة وواسعة جدا؛ لم تعمل وربما لن تعمل مستقبلا على بناء علاقة تكافيء بينها وبين العراق، بل تريد ان يكون العراق ارضا وشعبا في علاقته مع الولايات المتحدة الامريكية، لها شكل أخر يختلف كليا عن العلاقات المتكافئة بين الدول والشعوب في المعمورة. الولايات المتحدة الامريكية، في هذا تقع، بل هي واقعة فعلا في خطأ استراتيجي جسيم، وخطير سوف يكلفها الكثير، من دون ان تحصل على ما تريد من تلك العلاقة غير السوية. الشعب العراقي، شعب تمتد جذوره وجذور الامة التي ينتمي إليها عميقا في اغوار التاريخ؛ لأكثر من ثمانية آلاف سنة. أن هذا الامتداد التاريخي سوف يفعل فعله في هذه اللحظة التاريخية؛ باتجاه ان يكون حرا في قراراته على كل الصعد، وفي وطن ذو سيادة كاملة غير منقوصة. لذا؛ فأن امريكا هنا تقع في خطأ، بل خطيئة تاريخية وكارثية؛ سوف تكلفها الكثير من مواردها ومن سمعتها، وسوف يتأكل جرف هيمنتها وسيطرتها على الكثير من مقدرات الدول والشعوب في العالم الثالث وحتى في دول الاتحاد الاوربي. عندما بدأ الكيان الصهيوني في ارتكاب المذابح والمجازر في حق الشعب الفلسطيني في غزة على مرأى ومسمع كل العالم المتحضر، من دون ان يحرك هذا العالم ساكنا على طريق اجبار هذا الكيان على التوقف عن مواصلته لهذه المذبحة. الامر والادهى ان كل انظمة الدول العربية وغير العربية، والدول الكبرى والعظمى؛ ساعدوا من حيث يدرون او لا يدرون والأخير مستبعد كليا؛ في البحث عن حلول لهذه الحرب كما يسمونها بخلاف واقعتها وحقيقتها؛ فهي مجازر من جانب واحد يمتلك كل عوامل الدمار والخراب والقوة والفتك بالبشر والحرث والضرع، وليس حربا بين قوتين متكافئتين؛ في منحه الفرصة في الزمن، وفي استخدام كل انواع الدمار من الاسلحة الامريكية الصنع في اغلبها؛ في تسوية المدن والقرى في غزة بالأرض وتشريد اكثر من ميلوني انسان ودفعهم الى العراء في اجواء البرد والمطر. ان هذا التوجه اصلا في التحرك سواء الدولي او الاقليمي او العربي؛ يقع في زاوية الاتهام لجهة المساعدة والعون لهذا الكيان الصهيوني المجرم، وليس في زاوية المساعدة والعون للشعب الفلسطيني الذي يتعرض الى ابشع مذبحة عرفها تاريخ المذابح التي تقوم بها قوى الطغيان والعدوان على مر التاريخ في العالم، بل هي الابشع من كل هذه المذابح. في ظل هذا المشهد الاجرامي، في المنطقة العربية، وفي جوارها الاسلامي؛ تنخى اصحاب الغيرة والمرؤة والضمير، وشدوا الاحزمة على الخواصر والايادي على الزناد؛ لنصرة الشعب الفلسطيني في غزة، في مقدمة هذه الصفوف كان شعب العراق العربي المسلم؛ فأمطرت فصائل الجهاد فيه؛ قواعد امريكا في العراق وسوريا، المشاركة مع هذا الكيان المسخ في محارقه على الشعب الفلسطيني في غزة؛ بوابل من المسيرات والصواريخ؛ دعما لنضال الفلسطينيين وايضا لإجبار امريكا على الانسحاب كليا من ارض العراق، ارض الحضارات والتاريخ والشيم النبيلة، الذي لم يسكت يوما في كل تاريخه على مصادرة حريته وسيادتها على ارضه. ان اغلب الهجومات التي نفذتها فصائل مقاومة المحتل الامريكي على القواعد الامريكية في سوريا والعراق، وفي حيفا وغير حيفا على ارض فلسطين المحتلة. لذا هددت امريكا هذه المقاومة بالرد وقد نفذت تهديدها في سوريا وفي العراق، في عكاشات وفي القائم، وأخيرا، في ليلة الثامن من شباط فبراير؛ قصفت بالمسيرة، في قلب بغداد العاصمة، في حي اور والمشتل او في المنطقة بين المشتل والبلديات؛ وبصواريخ هلمفاير؛ ليستشهد فيها؛ ابو باقر الساعدي واركان العلياوي. ان هذه الهجومات الامريكية هي لمساعدة الكيان الصهيوني في الاستمرار في جرائمه على الشعب الفلسطيني في غزة، اولا واخيرا وتاليا ونهائيا؛ لجعل المجرم الصهيوني ينفرد في تدمير غزة وشعبها الغزاوي. ان من المفارقات وسخريات السياسة الدولية التي تعمل بها وعلى قواعدها ومعاييرها الولايات المتحدة الامريكية، وليس كل السياسة الدولية، فهذه لها موضوع اخر، لا يمت باي صلة لهذه السياسة الدولية الامريكية؛ ان قولهم وهم يبررون افعالهم هذه وايضا جرائم اسرائيل، من انها هي للدفاع عن النفس. اي دفاع عن النفس وامريكا قامت قبل اكثر من عقدين بغزو واحتلال العراق، والآن تريد من العراقيين ان يقبلوا بها كدولة احتلال، وان لا يهاجموا قواعدها على ارضهم، وان هذه الهجومات هي اعتداء عليهم وعلى جنودهم وضباطهم؛ يستوجب منها الرد دفعا عن النفس. انها حقا سخرية الاقدار وظلم العالم الذي يدعي من انه، او يصف نفسه؛ بانه عالم الحرية والعالم الحر، هذا اولا وثانيا؛ ان العراقيين لم يهاجموا قواعد امريكا وجنودها وضباطها على ارض امريكا، بل انهم هاجموهم في قواعدهم الموجودة على ارض العراق، وطنهم الذي يريدون ويناضلون على طريق اخلاء هذه القواعد من الامريكيين العسكريين؛ لحفظ سيادة العراق وقراره المستقل سياسيا واقتصاديا. عليه؛ فأن هذه الهجومات هي شرعية وقانونية بحسب القانون الدولي. في النهاية وفي رأيي المتواضع ان امريكا سوف تخرج عاجلا او اجلا من ارض العراق، وهي تجر خلفها اثناء خروجها اذيال الخيبة والذل والخسران والندم. تحية حب وتقدير فائق واحترام لكل من يكافح ويضحي بنفسه وحياته ومستقبله وشبابه على طريق حرية العراق شعبا وارضا وحاضرا ومستقبلا.
***
مزهر جبر الساعدي