أقلام حرة
بكر السباتين: وقائع وتحليلات حول الحرب على غزة
وقائع الحرب على غزة تتمازج أحداثها في طوفان استحق اسم الأقصى وصنعته المقاومة وارتداداتها في دول محور المقاومة.
دعونا نحلق عالياً كي نراقب بعين الصقر دوائر نصر المقاومة وهي تنداح عبر إقليم الشرق الأوسط، في حرب طاحنة يريدها نتنياهو؛ كي يغطي على هزائم جيش بلاده في قطاع غزة، كون إنجازاته لا تتجاوز تدمير القطاع وإبادة أهله الممنهج الذي أدانه قرار محكمة الجنايات الدولية، ومحاولة تهجيرهم.
من هنا سننطلق ولنبدأ بعنوان:
"وحدة الساحات ومؤازرة المقاومة في غزة"
فما زالت المقاومة في غزة (وبخاصة حماس والجهاد الإسلامي) توقع في صفوف الاحتلال خسائر كبيرة بالمعدات والأرواح، فيما الشعب الفلسطيني تحت القصف والحصار، وهو القابض على الجمر، يلتف حول مقاومته المقدسة، في تلاحم أسطوري، ليخرج من تحت الأنقاض كطائر الفينيق الكنعاني الذي قالت عنه الأساطير بأنه يخرج من تحت الرماد أشد قوة وعنفوان.. فيحوِّلَ بصموده غزَّةّ -رغم ما قدم من ضحايا- إلى فكرة عالمية مؤثرة بسبب عبقرية المقاومة ورفض الغزّيّين مغادرتها بسبب القصف الإسرائيلي المجنون الذي حول المدينة إلى أنقاض في حرب إبادة لا مثيل لها.
وقد بنيت السردية الفلسطينية على ذلك منذ النكبة الأولى عام 1948 وصولاً إلى النكبة الثانية في السابع من أكتوبر الماضي، رغم محاولات الذباب الإلكتروني الإسرائيلي وحلفائه من المطبعين، شيطنة المقاومة مجتمعةً في إطار وحدة الساحات (محور المقاومة)، بغية تنفير الشعوب العربية المغبونة منها وتفكيكها، من خلال استراتيجية إعلامية قذرة تقوم على إثارة الفتن الطائفية والجهوية وبث الأخبار التي قد تغطي ولو جزئياً على جرائم الاحتلال في غزة.
أيضاً.. فما دام الشيء بالشيء يذكر فإن العمليات المساندة للمقاومة في غزة والتي تطالب بفك الحصار عنها مستمرة، إذْ استهدفت جماعة الحوثي اليمنية قبل يومين سفينة بريطانية كانت تبحر جنوب عدن بعد ساعات من إعلانها استهداف سفينة تجارية أميركية كانت متجهة إلى "إسرائيل".
في المقابل قال الجيش الأميركي إنه قصف عشر طائرات مسيرة كانت معدة للإطلاق غربي اليمن فجر يوم الخميس الماضي.
ووفق المتحدث باسم أنصار الله الحوثي فقد تم قصف "إسرائيل" بالصواريخ البالستية".
وفي سياق متصل، تَواصَلَ تَبَادُلُ القصفِ بين حزب الله اللبناني والجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، في الوقت الذي هدَّدَ فيه وزير الخارجية الإسرائيل لبنان إذا لم تتوقف عمليات حزب الله.
فيما أكد بعض قادة الاحتلال العسكريين بأن الحرب مع حزب الله لن تتوقف حتى يعود الإسرائيليون إلى مستعمرات الشمال التي غادروها مرغمين.
من جهتها أعلنت الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان أن أطراف بلدتي "علما الشعب" و"طير حرفا" تعرضت لـ"قصفٍ مدفعي معاد"، وأضافت أن قوات الاحتلال استهدفت بلدة "كفر كلا" بالقذائف الفسفورية.
أما في العراق فالجيش الأمريكي الذي دمر العراق في عاصفة الصحراء نهاية القرن الماضي، قصف العراق يوم الجمعة الماضي من الجو ما أدّى إلى استشهاد أكثر من عشرين عراقياً رداً على استهداف مسيرة مجهولة لقاعدة أمريكية على ملتقى الحدود السورية الأردنية العراقية قاعدة "التنف" وقد طال القصف الهمجي الأمريكي الأراضي السورية.
وفي بيان لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قال فيه" نعلن الحداد العام لثلاثة أيام في دوائر الدولة ومؤسساتها كافة، ترحما على أرواح شهداء قواتنا المسلحة والمدنيين الذين ارتقوا نتيجة القصف الامريكي على مناطق عكاشات والقائم غرب محافظة الأنبار".
وفجر يوم أمس السبت، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم"، شَنَّ ضرباتٍ انتقاميةٍ في العراق وسوريا ضد 85 هدفاً لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني -المؤيد للمقاومة في غزة- ومليشيات إسلامية موالية له.
من جهتها المقاومة الإسلامية في العراق وفي إطار وحدة الساحات ويغية تخفيف الضغط عن غزة، قامت بقصف قاعدة حرير الأمريكية في إقليم كردستان.
وسنأخذكم بعد كل ذلك إلى المواجهات المشتعلة في مجلس الأمن بشأن وقف حرب الإبادة على غزة، وعنوان:
"أمريكا ومقترح الجزائر في مجلس الأمن وقرار المحكمة الدولية"
حيث عَقَدَ مجلسُ الأمن الدولي جِلسة طارئة الأربعاء، دعت إليها الجزائر، من أجل إعطاء قوة دفعٍ إلزامية للحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة والدعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية.
جاء ذلك استناداً إلى قرار محكمة العدل الدولية الصادر في 26 يناير الماضي في القضية التي رفعت من قبل جنوب أفريقيا ضد جرائم الإبادة التي يقترفها الإسرائيلييون ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، والذي من شأنه أن يجبر "إسرائيل" على الالتزام بتدابير الاتفاقية الدولية لمنع ارتكاب الإبادة الجماعية، وضمان حق الفلسطينيين في الحماية.
وسبق أن أطلقَ مسؤولون إسرائيليون بينهم: وزيرا المالية بتسئليل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، والنائب في الكنيست عن حزب "الليكود" داني دانون، مراتٍ عدةٍ، دعواتٍ لتهجير سكان غزة بعد الحرب على القطاع.
وقوبلت هذه الدعوات حينها باستنكار دولي ومن الأمم المتحدة، حيث وصفها مراقبون بأنها بمثابة دعوة إلى "جريمة تطهير عرقي".
من جهتها اعترضت مندوبة الولايات المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد في مجلس الأمن على المقترح كونه-في نظرها- يُعَرِّضُ المفاوضاتِ بشأن الهدنة للخطر.
وما دمنا نتحدث عن الهدنة التي لم توافق عليها المقاومة بعد، فإن قادة الاحتلال يحاولون الضغط على حماس من خلال إصدار بيانات يجدها كثيرٌ من الإسرائيليين خرقاء كون أصحابها لا يمتلكوا مقومات تنفيذها بسبب خسائر "إسرائيل" المتلاحقة ميدانياً واقتصادياً وأخلاقيا.
لقد عاد الكابينيت إلى المطالب الإسرائيلية المستحيلة.. فما هي يا ترى؟
فانطلاقاً من ذلك سنأخذكم إلى عنوان: "الغرور لا يحجب الأنظار عن الهزيمة"
ولعل من أهم مظاهر الانهزام الإسرائيلي الداخلي هو مناورة حكومة الحرب الإسرائيلية "كابينيت" والمنقسمة على نفسها بشأن الهدنة التي اقترحتها قطر مؤخراً، من خلال إعلان ثباتها على الأهداف الإسرائيلية المستحيلة التي فشلت في تحقيقها رغم مرور أكثر من 120 يوماً من القتال المستعر الذي حقق للمقاومة مكاسب مذهلة على حساب الإسرائيليين الذين اعترف بعض قادتهم بانتصار حماس.
وتتجلى هذه المطالب اليائسة بسحق حماس وتحرير الأسرى.
يأتي ذلك كما يبدو لممارسة الضغط على حماس بغية كسب الكثير من النقاط في المفاوضات الجارية في الدوحة بشأن مقترح الهدنة المعروض على قيادة حماس دون أن تبدي الأخيرة بَعْدْ موافقتها على بنودها.
وهذا يذكرنا بما قاله ضابط الاستخبارات العسكرية الأميركي السابق سكوت رايتر -عبر الجزيرة نت- إن "حركة حماس قد انتصرت بالفعل بعمليتها المعقدة والمتقدمة في السابع من أكتوبر، وأنه لا يمكن القضاء على حركة حماس كما أعلنت الحكومة الإسرائيلية، وذلك لأن حماس أصبحت رمزا عملياً ومعنوياً لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
ما يلوح به "الكابينيت" تعبر عن الغطرسة الإسرائيلية التي تصيب قادة "إسرائيل" بالعمى والتخبط في اتخاذ القرارات المجنونة التضليلية الفاشلة للتسويق الداخلي.
أما عن موقف الأمم المتحدة إزاء جرائم الاحتلال بحق أطفال غزة وفي تقرير لليونيسيف قدمه جوناثان كريكس مدير التواصل في الأراضي الفلسطينية، ف: "إن 17000 طفل في غزة انفصلوا عن ذويهم بسبب الحرب. وجميع أطفال القطاع البالغ عددهم أكثر من مليون يحتاجون إلى دعم في الصحة النفسية".
وأخيراً سأعرّج وإياكم إلى عنوان " الاحتجاجات الدولية على صعيد مدني ضد جرائم الاحتلال".. جاء ذلك وفق صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
فقد أصدر أكثر من 800 مؤيد من موظفي الخدمة المدنية من الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي رسالة غير موقعة تعلن فيها أن سياسات حكوماتهم فيما يتعلق بالحرب بين "إسرائيل" وحماس في غزة "خاطئة" وتواطؤ في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في هذا القرن” حيث أساء ذلك إلى مبادئ الحرية والسلام وشوهت الصورة الأخلاقية لبلدانهم في العالم..
وتتهم الرسالة الاحتلال الإسرائيلي بما يلي:
1- عدم وجود حدود في عملياتها العسكرية في غزة"
2- العمليات العسكرية الإسرائيلية لم تساهم في تحقيق هدفها المتمثل في إطلاق سراح جميع الرهائن وتعرض سلامتهم وحياتهم وإطلاق سراحهم للخطر”.. ولم تحقق هزيمة حماس التي تعززت مكانتها.
وأهم ما دعت إليه الرسالة هو استخدام كل النفوذ المتاح - بما في ذلك وقف الدعم العسكري - لضمان وقف دائم لإطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية الكاملة إلى غزة وإطلاق سراح آمن لجميع الرهائن."
ووضع استراتيجية للسلام الدائم تتضمن دولة فلسطينية آمنة وضمانات لأمن إسرائيل، بحيث لا يحدث هجوم مثل 7 أكتوبر والهجوم على غزة مرة أخرى أبدًا". ولكن هل تؤثر الحكمة في البليد الذي يمارس الإبادة وفق تعليمات التلمود القائم على الأساطير.
وتستمر الوقائع الميدانية في أرض المعركة وكواليس السياسة نحو الانفراج الممكن ما دامت المقاومة التي يلتف الشعب من حولها، تهلك جيش الاحتلال وتذله على كافة الأصعدة.. والنصر لا ريب آت على الأبواب.
وقبل التقاط أنفاس النهاية لا بد من خاطرة تبقي عيوننا مفتوحة على ما يحدق بأمتنا من أخطار داهمة.. وهي بعنوان:" أفخاي أدرعي يقود مثيري الفتنة الطائفية لتفكيك المقاومة"
حينما يرتدي أفخاي أدرعي عباءة الإسلام وقد خسئ اللعين، تدرك مدى التشويه الذي ينال من جوهر ديننا الحنيف الذي يشوهه أبناؤه إلا من رحم ربي، حينما يشيطن دعاة الفتنة الطائفية من المتصهينين المطبعين محور المقاومة الذي يتصدى فعلياً للاحتلال الإسرائيلي بالحديد والنار ويقدم الضحايا ويتحمل فاتورة باهظة من الخسائر في غزة واليمن ولبنان والعراق بمؤازرة جماهيرية عالمية .. بينما دعاة الفتن يقيمون في فنادق النخاسة وسوق الضمائر المنتشرة بيننا في أمة أنهكها العياء.. يا للعار!!
ونصر الله محور المقاومة في كل الجبهات وقطع دابر "إسرائيل" وحلفائها أينما وجدوا.
صباحكم مطيب بالدعاء لنصرة غزة بعيداً عن الفتن المذهبية التي يحركها الشيطان لصالح العدو الإسرائيلي، والله ولي الصابرين.
***
بقلم بكر السباتين
4 فبراير 2023