أقلام حرة

أقلام حرة

تتصاعد الاحاديث عن مأزق مالي تواجهه الحكومة العراقية حيث انها سوف لن تتمكن من دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين!!. السبب كما يقال هو بيع الدولار بقوة من قبل البنك المركزي (ورد ذلك في اكثر من فيديو كان آخرها للسيد عدنان الطائي والذي نسب تلك المعلومة الى السيدة وزيرة المالية)..

ذلك أمر محيّر حقاً لأن بيع مزيد من الدولارات معناه تدفق مزيد من الدنانير الى وزارة المالية لأن مبيعات الدولار تذهب عوائدها الى مالك الدولارات والذي هو وزارة المالية والبنك المركزي هو وسيط فقط..

والحكومة لا تدفع الرواتب بالدولار بل بالدينار ..

اما اذا كانت عوائد تلك المبيعات لا تكفي لتغطية النفقات الحكومية فهذا يعود الى فرط الانفاق الحكومي..

وربما تواجه الحكومة صعوبة في الاقتراض من البنوك لتمويل العجز بسبب عزوف الناس عن إيداع اموالهم لدى المصارف وبالتالي عدم امتلاك البنوك ما يكفي من الودائع الجاهزة للاقراض.

وهذا لاعلاقة له ببيع الدولار (وهذا من الناحية الفنية فقط ولا يعني اني ادعم سياسة البنك المركزي وطريقته في بيع الدولار)..

بدل القاء اللوم على بيع الدولار يفترض الحديث عن الايرادات غير النفطية الضخمة التي ينبغي ان تذهب الى الموازنة لتغطية

عجزها.

كذلك ينبغي الحديث عن خفض وضبط الانفاق الحكومي ومكافحة الفساد.

هل هو جهل عام مستشري ام انها مغالطات مقصودة لصرف الانظار عن الاسباب الحقيقية!!.

***

د. صلاح حزام

الذكاء الإصطناعي يهدف إلى تطوير أنظمة وبرامج قادرة على محاكاة الذكاء البشري كالتفكير والتعلم وحل المشاكل وإتخاذ القرارات.

والتفاعل بين الآلات من أخطر التحديات التي ستواجه الأجيال القادمة، لأنها ستصل إلى مستويات ذكاء بعجز البشر عن الإرتقاء إليها.

فعقول المخلوقات محدودة ومرهونة بالنفس ومآلاتها، وبغيرها من الظروف الذاتية والموضوعية، أما عقول الآلات المتفاعلة فمطلقة، مما يعني أنها ستتفوق على قدرات العقول البشرية، وستستحضر أفكارا ومعطيات من العسير التوافق معها وإستيعابها، أي أن الآلة ستقودنا وتقرر مصيرنا.

الذكاء الإصطناعي مخلوق مادي والأحياء مخلوقات بايولوجية!!

فهل أننا نقاتل عقولنا بعقولنا؟

وهل أن أقواما قبلنا قتلوا عقولهم في هذه المعمورة الأزلية؟

من الصعب الإجابة، لكن العقود القادمات ستكشف الغطاء، وستتعرى الكثير من المفاهيم والتصورات، وسنندهش بأننا كنا نعيش في صناديق أوهام.

فالعقل يصنع آلة تنافسه وتنتصر عليه، وتحيله إلى موجود ضعيف، وكينونة خالية من القدرات الفائقة، والتطلعات الأصيلة، لأن الآلة ستسبقه بأشواط ربما تقدر بعدة قرون.

تطبيقات الذكاء الإصطناعي المعاصرة مذهلة، والآتيات من البرامج ستجعلنا نقف واجمين أمام قدرات الآلة على إبتكار ما لا تطيقه عقولنا.

الذكاء الإصطناعي يتفوق على قدراتنا الحالية ويجعلنا نشعر بالضعف، مقارنة بما يستحضره من معلومات فورية طازجة، وحسبنا أن نتكيف مع هذا الضخ المعرفي الفياض.

ويبدو أن الإنتاجية الفردية بأنواعها قد تضاعفت وتيسرت عما كانت عليه في سابق العقود، مما يعني بأن الثراء المعرفي والإبتكاري سيتواصل بوتيرة متسارعة ومتواكبة مع تيار الفيض المعلوماتي الهادر.

فهل لنا الدخول في دنيا العقول الجديدة، ونشارك في التفاعل مع مستجدات التكنولوجيا المتراكمة بقوتنا الشبابية الطالعة نحو آفاق فجر أثيل؟

و"العلم رأس مالٍ لا يفنى"!!

"وكل عزٍّ لم يؤيَّد بعلمٍ فإلى ذلٍ يصير"!!

***

د. صادق السامرائي

 

كان شاعر سوريا الكبير بدوي الجبل يشرح لجلاسه مفهومه للوطن فيقول: إنه مبني على ثلاث قواعد هي: الحرية والملكية والكرامة، فإذا كنت أعيش في وطن قضى فيه رئيسه على حريتي وداس على كرامتي وسلب ملكيتي، فماذا يستطيع العدو أن يأخذ مني وأنا لا أملك شيئاً؟ ". اتابع مثل غيري من المهتمين بالشأن السياسي ما جرى وما يجري من احداث واتذكر ان هذه البلاد بتاريخها الممتد قرونا وقرونا ستظل حتما مثلما وصفها عالم الجغرافيا الادريسي قبل ما يقارب الألف عام:" أكثر مدن الله بهجة في العالم بأسره".

وأنا اتابع الاحداث في سوريا اتذكر فصيلة من المفكرين والكتاب السوريين الذين اغنوا حياتنا، واشاروا بصدق الى ضرورة الحرية والعيش بكرامة وكان منهم الياس مرقص، ادونيس وجورج طرابيشي، ياسين الحافظ وزكريا تامر، حنا مينه وغادة السمان، والمفكر صادق جلال العظم الذي أثّر بجيل كامل من المثقفين، في نقده الجريء للمؤسسة الدينية، فالكاتب الذي تخصص بالفلسفة، وعشق الادب هو نفسه صاحب أهم كتاب عن النقد الذاتي لهزائم العرب، حاول من خلاله تفنيد خطاب الأنظمة العربية، التي تحولت من جمهوريات مستقلة الى طوائف وقبائل وعشائر.

كان في التاسعة من عمره حين سمع مدرس الدين يحذرهم من عذاب الجحيم، عجزهُ عن استيعاب حجم العذاب الذي سيتلقاه بعد ان يموت زاد من حيرته.

نشأ في عائلة تدافع عن التنوير والعلمانية، كان والده جلال العظم أحد العلمانيين السوريين الداعين الى دولة مدنيّة، ولأن المعرفة والبحث والجدل دائما ما تؤدي بأصحابها إما الى السجن او المنفى، فقد اختار العظم ان يعيش في بيروت التي فتحت أمامه أبواب النشر ليقدم خلال سنوات قليلة عشرات الكتب توزعت بين نقد الفكر الديني الذي ظلت صورته راسخة من خلال مدرس الدين الذي يدعو إلى استبدال الدنيا بدار الآخرة، والأقرب الى عقله الفكر الماركسي الذي خصص له القسم الاكبر من اهتمامه، وسعى الى تطبيق منهجه على الدراسات النقدية من خلال عدد من الدراسات. في تلك المرحلة المضيئة كان صادق جلال العظم ينام حالماً بعالم العدالة الاجتماعية، لكنه يفيق على صوت المشاحنات السياسية ومعارك الرفاق.

نقرأ سيرة صادق جلال العظم ونتمنى ان لا يغيب الصوت المدني عن دمشق، وان لا يستقوي المسؤولون الجدد بالطائفة بدلا من الوطن وان ينحازوا للدولة العلمانية التي قرأنا عنها في كتب صادق العظم، وان لا تتحول صفة العلماني الى تهمة تؤدي بصاحبها الى الرجم.

نتذكر صادق جلال العظم لان كلماته باقية، ونتذكره ونحن نتطلع ان تبني بلدان العرب على ثلاثية بدوي الجبل الحرية والملكية والكرامة.

***

علي حسين

 

الأمة تكون، وتتكون في بودقة التداعيات والتفاعلات القاسية التي تتحقق في كيانها، وما فيها يتخلّق ويتأكد حيا جديدا معاصرا، منطلقا نحو آفاق وجودٍ إنساني مَجيد.

الأمة حية، والحي يتوالد ويكون.

مَن يهون فلنفسه، ومَن لا يرى أمته بعيونها، فلن يضيرها عماؤه وإنحراف نظرته.

الأمة تمد أجنحتها على آفاق الوجود الإنساني، وتخفق لتحركها نحو مسارات ذات إشراقات حضارية برّاقة.

الأمة ليست خيالا أو وهما أو تصورا سرابيا، الأمة واقع حال إنساني معاصر منذ الأزل، ومتفاعلة مع منطلقات الأبد والسرمد.

الأمة كائنة وقادرة وفاعلة ومتجسدة بالتعبير الأصدق عن قدرها الأسمى والأنبل، الذي لا تستطيعه أمة سواها حملت جوهر أسرار الكنه الكوني الأكبر.

الأمة لا تهون إذا هان بعض أبنائها أو دولها أو حكامها، بل ستهينهم وتدوسهم يسنابك الذل وترميهم إلى هاوية هوانهم المقيت.

الأمة تعرف كيف تدافع عن نفسها، وبأي الوسائل تواجه الذين يريدون بها السوء.

والذين يجهلون أمة العرب عليهم أن لا يتحدثوا بلغة العرب، وأن لا يهذربوا بمفردات اليأس والهوان والهرب، لأنهم دون هذه الأمة وليسوا على صلة بها، ولا يدركون عظيم ما فيها من المكنون!!

أمة العرب ذات أرب!!

و"تفاءلوا بالخير تجدوه"!!

***

د. صادق السامرائي

25\10\2020

 

كان إبراهيم عرب أشهر "منكّت" عراقي، قبل أن يتخذ بعض الساسة تلك المهنة والامتياز، وبسبب طرافته وطيبته كان رواد المقهى التي يملكها يتعاطفون مع رواياته، التي لم يكن يدّعي فيها البطولة والشجاعة، لكنه كان يتحدث عن قدرته على إيجاد الحلول لكل شيء، في السياسة والاقتصاد والامن، ويقدمها لكبار القوم مجانا، إضافة الى أحاديث عن مغامراته في السفر والمغامرات التي تفوق حدود المبالغة والخيال، ولم تكن شخصية إبراهيم عرب خيالية، بل هي مجموعة ملامح للبغدادي، الذي كان يعتمر الجرّاوية ويلبس الصاية، ويحمل مسبحة يحركها بين أصابعه، كان يُضحك الناس، كلما سمع حكاية تجري أحداثها في الهند أو السند أو بلاد الواق واق، يعرّقها وينسبها إلى نفسه.

وفي حالة الفشل التي عمّت العراق في العقود الاخيرة، اختفت شخصية إبراهيم عرب، وتُركت النكتة يتداولها صناع الطرفة في السياسة العراقية من عينة ابراهيم الجعفري ومحمود المشهداني، وحلّت خطابات النزاهة والاصلاح محلّ مبالغات إبراهيم عرب.

في صبيحة كل يوم مطلوب منك أيها العراقي "المسكين" أن تضحك على حالك، وأنت تستمع لعدد من سياسيينا ومسؤولينا، وهم يتحدثون عن النزاهة والعدالة والقانون وحب الوطن، وأسأل العديد من الزملاء: ما هي اخر نكتة ؟ فيأتي الردّ ساخراً مع المطالبة " العادلة" لرئيس جمهوريتنا بان يرتفع راتبه من 20 مليون دينار شهريا، الى سبعة وعشرين مليون دينار لتحسين وضعه المعيشي، وعليك أن لا تصاب بالحيرة او الدهشة عزيزي القارئ فما قيمة سبعة ملايين دينار عراقي امام المليارات التي لفلفها " المدلل " نور زهير والتي حول بعضا منها الى فضائية تناقش اوضاع العراق وتطالب بالنزاهة والإصلاح؟.

وقبل ان نضحك على خيباتنا، اسمحوا لي ان انقل لكم هذا الخبر الذي يقول، إن مبيعات البنك المركزي العراقي بلغت أكثر من 80 مليار دولار في مزاد العملة خلال العام الماضي 2024.

ولا تسأل اين ذهبت هذه الاموال التي يمكنها ان تعيد بناء العراق " طابوقة، طابوقة " ؟، ولهذا اسمحوا لي ان احيي السادة القائمين على خزينة هذه البلاد، الذين استطاعوا ان يدفعوا بعدد من اللصوص الى الدخول الى قائمة اثرياء العصر الديمقراطي الجديد.

ومن هنا لا أتصور أنّ صاحب عقل أو ضمير يمكن أن يُصدّق ان الثمانين مليار دولار، استخدمت في مشاريع بناء وصحة وتجارة وتعليم، بل انها تحولت لشركات سرقت اموال العراقيين في وضح النهار، فكيف يمكن للمواطن البسيط أن يثق في مثل هذا الدجل الاقتصادي والسياسي المفضوح؟.

***

علي حسين

 

أبحث في النص الذي أقرأه عن المعنى الذي يريد أن يعبر عنه كاتبه، وهل تمكن من توظيف المفردات المستعملة للوصول لذروة المعنى، وفي أكثر الأحيان لا يتبين المعنى ويسود الأسلوب، وكأن الإبداع أسلوب وكفى.

بينما الإبداع الرائق هو الذي يرتكز على المعنى والأسلوب بتوافقية إمتزاجية ذات قدرة تعبيرية خلابة جذابة وواضحة.

ولا يمكن للمبدع أن يصل إلى هذا المقام الكفيل بإداء المعنى دون ممارسة ومران وقراءة معمقة لنصوص المبدعين المتمكنين.

وتجدنا أمام سيادة الأسلوب على المعنى، فما أروع الأسلوب وما أهزل المعنى وأوهنه!!

ما قيمة النص المجرد من المعنى؟!!

تراثنا الكتابي أو التدويني يحفل بأرقى أساليب الكتابة بفنونها المتنوعة المتوافقة مع عصرها، لكن المعنى يكاد يكون مغيبا، فسحر الأسلوب لا يساهم في بناء العقل الثقافي المعرفي المقتدر.

الإبداع آلية لوضع التفكير السليم في أشكال تعبيرية عن معنى مفيد بأسلوب ممتع ومتناغم مع طاقة المعنى ومعطياته الشعورية والإنساانية.

فلماذا التنافر بين المعنى والأسلوب؟

يبدو أن لضعف المعجمية اللغوية، وضيق الأفق، والتسرع بالنشر، ومؤثرات المواقع الإليكترونية، وإنحسار القراءة، وفقدان الكتاب لدوره التنويري، جعل الإبداع كتابة روتينة آلية، كانها من إنتاج روبوت، يجيد وضع الكلمات في سياقها النحوي، ولا يعنيه ما تشير إليه أو تريد التعبير عنه.

وكثيرا ما أتساءل، بأننا مقبلون على كتابات الذكاء الإصطناعي التي ستطغى في العقود القادمات، بل أن جهاز الكومبيوتر سيكون هو الكاتب المفضل، فأطلق فكرة م وسيكتب عنها الكومبيوتر بسرعة وموسوعية غير مسبوقة، وتتفوق على قدرات البشر العقلية!!

فهل سيبقى للإبداع بأنواعه قيمة في المستقبل؟

إنه سؤال خطير يلوح في أفق الأيام!!

***

د. صادق السامرائي

 

31\8\2021

وصلتني هذا الصباح من صديق رسالة نعي لأحد الأساتذة الذين ما سمعنا عنهم في حياتهم، وكانت الرسالة ذات إطراء باذخ، وتفخيم وتعظيم، وبث حسرات، وذرف دموع وتأوّهات على الفقيد.

وتساءلت هل نال الرعاية والإهتمام في حياته؟

الكثير من عقولنا المتميزة مهملة ومنبوذة في مجتمعاتنا المهرولة وراء الأدعياء والأذلاء، ونستذكر طاقاتها الإبداعية حين وفاتها.

بسلوكنا نعبر عن عجزنا على صناعة القدوات الحية، وندفع بالأجيال للتوهم بإتباع القدوات الميتة، التي ستضفي عليها من أوهامها ما لا تتصف به، أي تتحول إلى حالة للتعبير عن المكبوتات المطمورة في الأعماق، ووسائل لتبرير العجز والإستسلام للآلام.

فما فائدة تبجيل الأموات وإهمال الأحياء ومعاداتهم وطردهم من مجتمعاتنا؟

لماذا نكره الناجحين بيننا؟

الناجحون في المجتمعات المتقدمة يتحولون إلى رموز للقوة والعطاء الأصيل، ويتم تسويقهم كقدوات على الأجيال الصاعدة أن تقتدي بهم وتسعى لتكون مثلهم أو تتجاوزهم.

فبهذه الأساليب التفاعلية الواعدة تتقدم الشعوب وتتقوى، وتقبض على زمام الريادة وتحوز مفاتيح السبق.

وعندنا السلبيون يتكاثرون والإيجابيون يندثرون، والناجحون يفشلون أو يهاجرون، فالموت شريعتنا، والحياة غريمتنا، فالدنيا فانية والحياة الحقيقية بعد موتنا، فكل من عليها فان.

مجتمعات الدنيا ترى الحياة حق والموت حق، ونحن ننكر أن الحياة حق!!

" وما الدنيا بباقية لحي...وما حي على الدنيا بباق"

و" الحياة العقيمة موت مسبق"

***

د. صادق السامرائي

لقد استطاعت القوى المنفذة للمشاريع العالمية وصاحبة صناعة القرار وهيمنتها على وفرضها على كثيرا من الشعوب لتدمير شعوبها ونسيج مجتمعاتها وعلى رأسها الأسرة من خلال مشاريع مخطط لها بعناية منذ زمن بعيد وبتسلسل في التنفيذ في الزمان والمكان وفق أساليب متطورة وشيطانية ولعبت دورا أساسيا في ضرب المجتمع من الداخل بتغير المفاهيم الاجتماعية والأخلاقية التي كان يتعامل بها الفرد والأسرة حيث بدأت هذه القوى بجني ثمار مخططاتها وباتت تسيطر على مفاتيح هذه التغيرات منذ عقود عديدة أخذت هذه المؤسسات العالمية بالشروع في تدمير الأجيال جيل بعد جيل بسقوف زمنية محددة وبالخصوص لما تبقى من الجيل السابق وما يحمله من أخلاقيات ومفاهيم دينية وقيم ما زال يتمسك بها حيث نجحت في سحب البساط منه وترويض الجيل الجديد لصالح مخططاته المشبوهة وأنشأت جيل لا يريد أن يتعلم من غيره وممن سبقه ممن حمل شعارات القيم والمبادئ وأسس الحياة بأخلاقيات مجتمعية رصينة تربى عليها وأسس أسر متماسة ترتكز عليها تصارع الحياة الصعبة ومشاكلها المتطورة فقد ساهمت هذه المؤسسات في أنتاج جيل جديد أُريد منه أن يكون هامشيا بعيدا عن الواقع لا يسمع ولا يرى ولا يفكر طفليا يعيش على الآخرين وفتاتهم مغيب عن الواقع وما يدور من حوله من عقد نفسية وأخلاقية وعقائدية أريد لهذا الجيل الجديد أن يكون بعيدا عن الواقع والتطور يتلقف ما يسمع وما يرى بدون دراية معرفية ولا فكرية وما مدى خطورة ما يجري من مخططات تحاك ضده جيل غير مرتبط بالماضي ولا بالحاضر يعيش ليومه وساعته فقط بعيدا عن التخطيط لمستقبله وغير عابه عن بناء الأسرة والمجتمع جيل فوضوي وهذا ما تريده المؤسسات المشبوهة التي تقود العالم بدوائرها المظلمة في تأسيس حريات منفلتة يسير مع القطيع بدون فهم ودراية وأدراك لما يدور من حوله وسوف يظهر هذا الجيل بعد الإزاحة للجيل الحالي المتبقي الذي يحمل ما تبقى من عبق الماضي الذي كان العمود الفقري للحياة والأسرة وصمام الأمان للمجتمع ومن هذه المشاريع المخطط لها هي كالآتي .

أولا: تشجيع المثلين في المجتمعات الجديدة وعل نطاق واسع وحمايتهم من قبل هذه المؤسسات وفرضها على واقع الحكومات ومؤسساتها .

ثانيا: الزواج خارج المحاكم الشرعية أو بدونها وتشجيع الشباب في بناء علاقات خارج الأسرة وبحرية غير منضبطة لغرض تفكيك الأسرة والمجتمع .

ثالثا: أفراغ مفهوم الوطنية والانتماء للأوطان وأبعادهم عن الدفاع عنهم .

رابعا: محاولة تفكيك الأسرة من الداخل بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي الغير أخلاقي ببرامج معدة بدقة وعناية لتدمير ذهنية وعقل الفرد بذات الاتجاهات الخاطئة المضرة .

خامسا: التشكيك في الأديان والعقائد وتشويهها والتشجيع على الصراعات السياسية والطائفية والعرقية .

سادسا: تدمير العملية التربوية والتعليمية من داخل مؤسساتها ومن خارجها لصنع جيل بعيد عن التعليم والثقافة والمعرفة .

أن بغية هذه المشاريع هو صناعية جيل هارب من واقعه متمرد عليه غير مقتنع فيه ضعيف نفسيا ومهزوم ومهزوز من الداخل فارغا عن أي طموح رافضا لواقعه ومجتمعه ليكون لقمة سائغة وسهلة للسيطرة عليه فكريا ونفسيا وأخلاقيا من قبل الدول صاحبة القرار الراسمة لخارطة العالم الجديد ولهذا علينا الاهتمام الواعي لشريحة الطلبة في مقتبل العمر والشباب خصوصا السعي في أعدادهم وتدريبهم ذهنيا وعلميا ونفسيا وأخلاقيا وتربويا في كيفية التعامل مع بعضهم البعض ومع مجتمعهم بتهيئة كوادر تدريسية وتربوية أكفاء لهذا الغرض ومن أساتذة جامعيين من علم النفس والاجتماع وتربويين وذو تأثير كبير على الطالب وسلوكه وخلق بيئة وتفاهم بين الطالب وأستاذه بفرض شخصية المعلم أو الأستاذ وخصوصا في المراحل الأولى من التعليم وهي المرحلة المهمة من عمر الطالب التي تحدد ملامح شخصية الطالب ومن هنا يحتاج في زيادة الوعي والتوجيه للطالب وخصوصا في المناطق الشعبية ذات الكثافة السكانية والمناطق البعيدة عن المركز التي تتأثر بسهولة بمجريات التحولات المجتمعية وأرض خصبة للعمل في تدميرها بحرية ومناخ ملائم للمشاريع المظلمة لإنبات ما تريد زرعه من سلوكيات وأخلاق وقيم وعقائد منحرفة وهذا العمل يقع على عاتق الحكومة أولى وعلى المؤسسات المجتمعية والآباء والمؤسسات التربوية بالذات بوضع مناهج دراسية متطورة تواكب عصرها لتحصن المجتمع والأسرة من الانهيار السريع.

***

ضياء محسن الاسدي

بغياب المحررين ومَن يتفحص المكتوب أو يراجعه قبل النشر، أصبح من مسؤولية الكاتب أن يتعلم مهارات الرقابة الذاتية على ما يخطه قلمه. بعض المواقع أخذ أصحابها يقرأون ما يردهم قبل نشره، وهذه ظاهرة عليها أن تتطور وتسود.

ذلك أن الغثيث طغى، والمبهم المدغم سرى، وما عاد الناس يقرأون المنشور، لأنه خاوي ومضطرب، ويتسبب بالتشويش والتنفير

ترى كيف يكون الكاتب محررا ومراقبا لما كتبه؟

أول من أجاد الرقابة الذاتية على ما يكتبه هو (زهير بن أبي سلمى)، الذي كان يجلس على ما يبدعه حولا كاملا، ولهذا سميت معظم قصائده بالحوليات، أي أنه ربما كان يبيض في كل سنة قصيدة!!

فهل أن كل ما يُكتب يصلح للنشر؟

الكثير مما تكتبه الأقلام لا يصلح للنشر، أي أن يُقرأ من قبل الآخرين، لأنه ربما يزدحم بالمفردات الخبيثة، ومن مسؤولية الكاتب تشذيب المكتوب، وتطهيره مما علق به من الكلمات الغير صالحة لبناء النفس وتعطير الروح بالساميات والعقل بالراجحات.

الكتابة في جوهرها إدمان، والكاتب كأي مدمن يصاب بأعراض إنسحابية لا تهدأ إلا بعد أن يمارس الكتابة، وهذه الحالة تملي عليه التوهم بأن ما يكتبه يستحق القراءة من الآخرين.

والمشكلة أن العديد من الكتاب يحسبون ما يكتبونه جزء مهم وأساسي من الأنا الفاعلة فيهم، مما يدفع بهم إلى الذود عن كتاباتهم وكأن الذي يقترب منها يتحداهم.

بينما المكتوب فكرة تتعرى بوضوح، وربما تكون ذات قيمة أو مجردة من طاقات الحياة، فما ينفع يبقى ويتنامى، وما لا يصلح يحمل أسباب غيابه معه.

فدع الأيام تفعل بها ما تشاء، ولا تحسبها دواءً لكل داء.

فشذبوا ما يسطره اليراع!!

***

د. صادق السامرائي

النفاق صفة ذميمة، والمنافق شخص خبيث ومنبوذ لأنه يتسبب بمشاكل اجتماعية عديدة من بينها نشر الكراهية والفرقة بين الأطراف المتحابة وكذلك تخريب العلاقات وتهديم الأسر، ومهما تعددت وجوه النفاق الا ان جميعها تنتهج الغش والخداع والزيف طريقا لتحقيق الهدف، وأشد الناس نفاقا هو الذي يستغل احوال الناس وعواطفهم وظروفهم الاستثنائية فيمرر نفاقه من خلال حلو الكلام والأكاذيب المنمقة وهو ما تفعله وتشتغل عليه ما تسمى بـ (النايحة) او العدادة وهي المرأة التي يستأجرها ذوو الميت للنواح على الفقيد في محفل الجنازة، وسميت بالعدادة لأنها تعدد المناقب والصفات الجيدة لدى الميت فان لم تجد في سيرته صفة حسنة فأنها تبقى حائرة في البحث عن صفة كي تذكرها لترفع من شأنه، وفي هذا المأزق قيل المثل (تحير النايحة شتعدد وشتدكول). والنايحة ومن أجل زيادة العطايا التي يجود بها القائمون على مجلس العزاء فأنها تلجأ الى اظهار سجايا واسباغ صفات عظيمة على الميت هي غير موجودة لديه أصلا، فالنائحة تستعير اكرم الصفات وتلصقها بالفقيد وتصفه بالفارس الشجاع وصاحب المواقف العظيمة في الكرم والهيبة الشامخة بين الرجال مثل قولها (يبو حچي العدل يل تعدل الديوان) والميت كان في الاصل منغوليا، وايضا تلك التي تنوح على الميت الذي لم يدخل المدرسة في حياته بقولها (كتبك والشهايد وين اوديها) .

الذي قادني لموضوع النايحة هو اعلان صدور كتاب عن تجربة سياسي عراقي رفيع يمثل خلطة سياسية غريبة عجيبة، اذ تساءلت مع نفسي بأي كلام تمكن مؤلف الكتاب من حشو كتابه الضخم والعراقيون لم يعرفوا عنه غير انتهازيته وتقلباته السياسية وشهد عهده ابشع الجرائم التي ارتكبتها عصابات الجريمة بحق شباب العراق، أرى ان المؤلف عاش حيرة النائحة فلم يجد وسيلة لإتمام منجزه سوى تسطير مناقب وبطولات يعتقد انها سوف تنطلي على العراقيين الذين يرون فيه اكبر مهزلة قذف بها التاريخ في المشهد السياسي العراقي.

***

ثامر الحاج أمين

 

من المعلوم إن الكلمات هي الترجمان المعبر عن مستودعات الضمائر، والكاشف عن مكنونات السرائر، فإذا أردت أن تستدل على ما في قلب الإنسان فانظر إلى كلماته وألفاظه، فإنها الدليل على ما يكنه في قلبه من خير أو شر، شاء أم أبى، ان " القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مصارفها، فانظر إلى الرجل حين يتكلَّم، فإنَّ لسانه يغترف لك مما في قلبه"، فما صلحة كلمة رجل اوفسدة إلا ظهر ذلك على سائر عمله، ولا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم لسانه، الكلمة إذن ليست شيئاً يمكن أن يُلفظ فيُهمل، أو يُودع في عالم النسيان، كلا، بل هي ذات شأن جليل، سلب، أو إيجاب، ولها تبعة دنيوية وأخروية، فإنها مسجلة ومكتوبة لن تضيع أبدا. فالكلمة أمانة ضخمة في دين الله تعالى وأننا مسئولون بين يدي الله عن هذه الأمانة العظيمة، ان الكلمة التي يصفها النبي صلى الله عليه وآله بالطيبة صدقة تحصل الرغبات كلها، فكم قربت بعيداً، ويسرت صعباً، وذللت عسيراً، وفتحت أبواباً، وعبدت طرقاً، وهيأت أسباباً، وبلغت غايات لا تبلغ إلا بشق الأنفس؛ يسيرة على المتقين، فقد نشرت في بحورهم شراعها، وألقت عليهم رياحها، فطابت بها صدورهم. أن الكلمة أمانة ولها أهمية عظيمة في حياة الإنسان، وفي تعامله مع الناس، من بيع وشراء، وعقود ومعاهدات، ونحو ذلك مما يتطلب الصدق في الحديث، وأن الانسان عليه أن يضبط لسانه ويحفظه، وأن يستعمله فيما فيه الخير، فإن كان خيراً تكلم وإلا سكت، فالسكوت في هذه الحالة عبادة.

من الافضل على الإنسان أن لا يقبل من الأخبار إلا ما ثبت عنده، وأن يكون صادقاً في نقل ما ثبت لديه، فليس كل خبر يصلنا صحيح و مطابقاً للواقع، وليس كل امرئ مأموناً على نقل الأخبار، فالبعض من الناس لهم عادة تضخيم الكلام، وبعضهم له عادة الإنقاص منه، وبعضهم يضفي عليه عاطفته وشعوره. لا يخفى ان ما للكلمة الطيبة من أثر طيب في العلاقة بين الناس، لأنها تجمع الناس وتوحد الصفوف وتزيد من تماسك المجتمع، وكلما توحدت الصفوف تحققت إنجازات عديدة يعود نفعها على الفرد والمجتمع، أما الكلمة الخبيثة فهي تسبب الفرقة والتنافر بين أبناء المجتمع الواحد، وتؤدي للعنف والفرقة، ويظهر خطر الكلمة الخبيثة في الشائعات التي تطلق في المجتمع وتستهدف وحدة الأمة وتماسكها، أو النيل منها وبث الإحباط في نفوس أبنائها، أو العمل على إسقاطها أو إضعافها أو تمزيقها، أو تفتيت كيانها. خلاصة القول ان حفظ الخبر لنفسك وعدم ترويجه لغيرك هو صيانة لقيمك وخُلقك إلا بعد التأكد من الحدث او الخبر، والأصل هو إحسان الظن بالآخرين حتى يثبت بالبرهان والدليل الصادق عن حقيقته الامر؛ لأن القضية قضية اخلاق المجتمع والمسألة مسألة حسنات وسيئات، وهذه الايام وعن طريق وسائل الاتصال أصبحت الاشاعة سهل في نشرها، فعلينا ان لا نستعجل في تقبلها دون استفهام أو اعتراض.

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامی

 

أي مدينة في تأريخ البشرية أسهمت بإضافات حضارية أصيلة لا تسقط، وإن تعرضت لأعتى التحديات، وتمكنت منها الصولات العاتيات.

مدن الحرب العالمية الثانية أكدت وجودها بعد دمارها، ومن المدن القديمة روما، الإسكندرية، دمشق، بغداد، وإستنبول، وغيرها من المدن الأخرى المعروفة.

فالقول بأن بغداد سقطت، كلام هزيل وتعبير خطيل.

بغداد تعرضت لنواكب أقسى مما تعرضت له في القرن الحادي والعشرين، وبقيت أبية مصدحة في الآفاق، كمدينة أساسية تسطع في الأرض، وستطبب جراحها وستستعيد مجدها المعاصر وتطلق جوهرها الحضاري الأثيل.

"مُدوّرة مُخلّدة وتَبقى...مُحَصّنةً بمانِعَةِ الزوالِ"!!

الذي بناها كان عنده إدراك كوني ووعي بمعنى الدائرة، وجوهر الديمومة الكامنة فيها، فكانت مدوّرة عصية على التدمير والإنهيار، فأسست لروح الإرتقاء والتفاعل مع الأفكار العلوية، وأصبحت موئلا للعقول والأرواح والنفوس، فإغتنت بشخوص الحياة المعرفية بأنواعهم، فلا تناظرها مدينة في الدنيا بإمتلاك ترابها لرموز الإشراق اليقيني المبين.

"بغداد يا بلد الرشيد... ومنارة المجد التليد"

بغداد رعت جهابذة وأفذاذا بسطوا أجنحة إقتدارهم على القارات، وفجروا الطاقات، فكان بيت حكمتها، وثورة الترجمة والتدوين والتأليف، فهي التي حفظت تأريح الأمة ووثقت أمجادها وأشعارها، وصانت قيمها ومبادءها.

"بغداد يا قلعة الأسود...يا كعبة المجد والخلود"

بغداد أنجبت الأبطال الغيارى الأباة، والعلماء الرواد، وسبقت الدنيا فيما أوجدته من العلوم والنظريات، فهي قلب الدنيا، ومنارتها في ظلمات الكون السحيق.

فلن تسقط مدينة إسمها بغداد، وفيها الأمجاد والأجداد!!

***

د. صادق السامرائي

 

"لولا الجهل لجاع الكهنة وسقط الطغاة"

الجهل كلمة ترددت على مسامعنا منذ الطفولة ولا تزال تصك الآذان، وتقرأها في الصحف والمنشورات وتلعلع بها وسائل الإعلام.

أنظمة الحكم البائدة والسائدة تغنت وتتغنى بها، وترى أنها السبب وراء عدم قدرتها على تقديم الحياة الأفضل للمواطنين، فالجهل شماعة الآثام والخطايا والمظالم الشنيعة بحق الوطن والمواطنين.

فهل يوجد جهل؟!!

السؤال غريب، لأن التكرار رسخه في أذهاننا ووعينا الجمعي، وما أسهل أن نردد الكلمة.

الأجيال اعتادت أن تلهج (لهج: ولع) بكلمة جهل، ولا وجود لها بمعناها الجوهري والحقيقي، ففي زمننا المعاصر لا يمكن للبشر أن يجهل، بل الجميع يعرف، والمعارف متفاوتة، والحياة مدرسة والخلق فيها تلاميذ، فمصادر ضخ المعلومات متنوعة ومتعددة، وفي تنافس صاخب لتوصيل المعلومات للمتابعين.

فالبشر صار يحمل في جيبه ذخائر معلوماتية مطلقة تجيبه عن أي سؤال يخطر بباله، فما يريده سيظهر على شاشة صغيرة يألفها ويأنس بما تحضره من المعلومات والصور والأفلام.

فهذه الكلمة تتردد في مجتمعاتنا ونادرا ما تُذكر في المجتمعات الأخرى التي تتناول مفردة التثقيف، ولا يوجد تفسير لسلوكنا المتوج بها، إلا أنها من الوسائل المهمة للقبض على مصير الناس وتركيعهم وتحويلهم إلى قطيع.

الرابض في الكرسي يرى المواطنين من الجاهلين، وكذلك الذي يفترض إحتكاره للمعرفة ويصف غيره بالجهل الشديد.

فرية الجهل متوطنة في ديارنا، ولها تجار يستثمرون بنشرها وترسيخها لكي يدوم ربحهم وتتعزز مكانتهم، وهم الجاهلون الفاسدون.

و"الجهل موت الأحياء"!!

***

د. صادق السامرائي

 

سأظل أكرر القول، اليوم وغداً وبعد غد، بأن المحبة والتسامح وحدهما طريق للخلاص من كل هذا الخراب، الكراهية موت ودمار، ونتائجها دائماً مقابر جماعية، وأعتقد أن هذه البلاد "شبعت" من الخراب ولم يتبقّ في روزنامتها يوم لألاعيب اصحاب الصوت الواحد.

وأيضاً، سأظلّ أكرّر في هذه الزاوية الحديث عن ساحر أفريقيا نيلسون مانديلا، وباني التسامح في الإمارات الشيخ زايد، ومؤسس نهضة سنغافورة لي كوان، وعظيم الصين دينغ هسياو بينغ الذي نقل بلاده من خطب الكتاب الأحمر إلى خطب العمل والتنمية والاستقرار. ربما سيقول البعض، ما الذي يمكن لكاتب ضعيف الحال والأحوال مثل جنابي أن يضيف إلى رجال عاشوا حياتهم وماتوا وهم محبين لكل الناس، بكل ألوانهم وأطيافهم وقومياتهم ودياناتهم؟

اسمحوا لي أن أؤجل الحديث عن ما يجري من ألاعيب سياسية يتوهم أصحابها أنهم سيجعلون من العراق مدينة بلاد تنافس اليابان شرط أن لا تحتفل بالفرح، وأن نحجر على أصوات الغناء، فنحن بلاد تريد أن تشرّع قوانين لمحاصرة العراقيين، ففي لفتة كوميدية قرر مدير شرطة النجف منع بيع اسماك الجري والأخطبوط في المحافظة، وكان قبل ذلك اصدر أوامر قراقوشية بمنع اي امرأة سافرة من المشي في معظم محافظة النجف.او ان تسول لها نفسها الجلوس في احدى المكانات العامة.

‏وربما يعتقد البعض أنني احاول التشهير بمدير شرطة النجف، لكنها الحقيقة يا سادة، فحاكم النجف العسكري يصر على التدخل في شؤون المواطنين، بدلا من ان يعمل على محاربة المخدرات واشاعة الامن والاطمئنان.

فلا سمك إلا بموافقة مدير الشرطة.. مئات التقارير التي تحذر من خطر انتشار المخدرات في العراق، فماذا حدث؟.. لا شيء في هذه الدولة التي انتفضت للان على نوادي اجتماعية، لكنها تصمت، عندما يتعلق الأمر بجرائم سرقة المال العام.

في كل مناسبة بعنوان "عيد الحب" اعود لكتاب رسائل الشيخ الجليل ابن حزم، ولأنني أدرك جيداً أن البعض سيذهب بذهنه إلى الشيخ همام حمودي الذي اعتبر عيد الحب من الكبائر، فأحب أن أخبركم بأن ابن حزم سطر لنا كتاباً في أحوال المحبين لم يعرف مثله، رقة وعذوبة، وصراحة هو "طوق الحمامة" وفيه يقول "الحب – أعزك الله – أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكور في الديانة، ولا محظور في الشريعة"، وهذه العبارة حتماً لم يقرأها الذين يعتبرون الاحتفال بهذا العيد رجس من عمل الشيطان.

ولأننا نعيش اليوم أجواء عيد الحب، فقد تذكرت ما كتبه شاعر فرنسا الكبير أراغون الذي كتب لمحبوبته إلزا "إنهم لا يصدّقون قولي عن الحب برغم هذا الذي أُعانيه".

في النهاية أتمنى أن نحتفل جميعاً بعيد حبّ العراق.. ولتذهب إلى الجحيم كل فتاوى ساستنا ووصاياهم، فنحن بدون المحبة والتسامح سنعيش حتماً في ظلام وخراب مع مسؤولين مصرّين على أن يورثونا "قمقم" ابراهيم الجعفري الذي نفتقده في مثل هذه المناسبات.

***

علي حسين

 

في عام 1940 عرض فلم شاري شابلن "الديكتاتور العظيم" الذي يسخر فيه من هتلر وسعيه للسيطرة على العالم، وكانت عبقرية شابلن تتنبأ بما هو قادم، والقادم كان اعظم!

  توج هتلر حلف محوره بحرب معلنة على العالم بما فيه امريكا البعيدة جغرافيا والقريبة بجنس طموحها منه، منتقما من تجاوز حصته التي يجب ان تكون كبيرة ومؤثرة وفائقة لتليق به وبالجنس الجرماني - الاري، وتفوقه العرقي، كانسان فائق القدرة "سوبر" برفقة الوصيفات الارية التي تتبعها سلاليا وبحسب وصفة غوبلز للاجناس والاعراق، وحتى تتحقق النبوة لا بد ان يتطهر عقر الدار من دنس المشكوك باصالتهم ونقاء دمائهم، كاليهود والغجر، وفي الطريق كل اعداء انفسهم من شيوعيين ومثليين !

 تم انتاج وعرض الفلم في امريكا حيث كانت وقتها تستقطب صفوة الهاربين من النقمة النازية، ككبار العلماء والاغنياء من اليهود وغيرهم، ومنهم انشتاين والعديد من القامات الفكرية الاوروبية طلبا للحماية، وقد استثمرت الطغمة الامريكية بالفرصة المتاحة، وكان حصولها على اسرار السلاح النووي بفضل انشتاين واحدا من عوامل مراهنتها على التدخل المباشر في الحرب وبهدف متجدد لاعادة تقاسم العالم والحد من النفوذ الشيوعي المتصاعد خاصة بعد انتصارات الجيش الاحمر، وكانت تجربة هيروشيما ونكازاكي كافية لدحض اي ادعاء كاذب عن الدعم الامريكي النزيه للشعوب، وما خطة مارشال لاعادة اعمار اوروبا الغربية الا استثمار مباشر على طرق سطوتها، المعززة باستسلام اليابان، وكان درع الناتو قد ارسى قواعده لمواجهة السوفيات، وتقليم اظفارهم في اوروبا وفي شبه الجزيرة الكورية !

التفتت الطغمة الامريكية الى الداخل الامريكي، بحملة منظمة لمكافحة الفكر اليساري الذي انتعش في المراكز الفكرية والفنية بما فيها استوديوهات هوليوود ذاتها، حيث انتج واخرج فلم شابلن،  فكانت المكارثية " نسبة الى عضو مجلس الشيوخ جوزيف مكارثي " حملة اجتثاث استمرت منذ 1950 – 1954  لملاحقة ومحاكمة وسجن الآلاف من اصحاب الثقافة المنفتحة والمناهضة للحروب الامبريالية بتهم ملفقة كالخيانة والتجسس والشيوعية، كانت ارهابا ثقافيا صارخا، ومن المفارقات ان رونالد ريغان كان احد نشطاء تلك الملاحقات سيئة الصيت، ايام كان احد ادوات السلطة بين العاملين والممثلين في هوليوود !

شايلوك يبعث لحكم امريكا !

يقول نعوم تشومسكي في كتابه من "يحكم العالم" ان الطغمة المالية الاوليغارشية المتكاثفة بارصدتها المليارية والترليونية تعيد انتاج السلطة بعد تنشيفها من اي روح اخلاقية، فالشعب الامريكي، بل شعوب العالم تدار كالقطعان، لذلك تبرز مسؤولية الطبقة المثقفة لتعرية الانتهاك الناعم والخشن لكل القيم الانسانية، ومن يغمض عينيه عن رؤية الواقع جبنا ومداهنة لاصحاب النفوذ سيكون شريكا في جريمة الدوس على كرامة البشر، وهنا تفقد الثقافة روحها الحرة الخلاقة!

ترامب تاجر العقارات، يتصرف كما هتلر في فلم الديكتاتور العظيم، وهو كتاجر البندقية في مسرحية شكسبير، يتلاعب بمصائر الناس، يستقطع من اللحم الحي بحق سطوة المال والقوة الغاشمة، يبيد شعوبا ويمحو دول، وسوط القروض وارهاب الكمارك، والحصار والدمار عقاب لكل عاصي!

ترامب هو الابن الشرعي لتزواج قديم جديد بين الصهيونية الايمانية، الوجه العنصري للراسمالية اليهودية وبين الوجه الاخر للعنصرية "البيضاء الانكلوسكسونية" للراسمالية المتوحشة الساعية للتسيد على العالم، فمن إبادة الهنود الحمر والاستيطان بارضهم الى مسعى ابادة الفلسطينيين واحتلال ارضهم !

رب توراتي ملفق يعقد صفقة مع رب انجيلي مزيف لينزل على الهيكل رب جديد فيه شيء من شايلوك وهتلر وترامب، اجرام بربري ربوي باسم رب وثني مختلق، اجرام، يفوق خيال شارلي شابلن وانشتاين بالمطلق !

***

جمال محمد تقي

أفكارنا مدفونة في الكتب وقابعة في ظلمات الرفوف والمخازن، ولهذا لم تجد لها نفعا في الواقع المعاش، وما أثرت بحياة الناس.

فما قيمة أن تكون أفكارنا في كتاب، وهي منبوذة في دروب الأيام؟

أجدادنا كتبوا عن كل شيء وما إنتفعنا منهم بشيء، سوى تخيلهم وإضفاء المثالية والقدسية عليهم، وأمعنا بالتصرفات المنحرفة وننسبها إليهم.

ويمكن القول بأننا نجيد دفن الأفكار، والسبب أن عقولنا معطلة ومرهونة بقوالب سلوكية لا نستطيع التحرر من قبضتها.

أقوالنا، أمثالنا، أشعارنا، خطبنا، وما وردنا من الثوابت التعبيرية عن سلوكيات جامدة، ذات إنتمائية عالية للغابر البعيد، فصار أمواتنا أحياء وأحياؤنا أموات، وفي ديارنا نعيق الغراب وعويل البوم.

ومن المرجح أننا نجيد مهارات الوأد، أي دفن الصالح للحياة، ودحيه في ظلمات التراب.

عقولنا من الإثم تفعيلها، ومن الكفر أن تطرح سؤالا، أو تستفهم ممن يحتكر معرفته بالدين.

والعجيب فيما توارثناه، أننا نحسب ديننا هو الدين، ولا غيره بدين، وكأننا لوحدنا أصحاب دين، وغيرنا من الكفرة المارقين.

ثوابت عقيمة، ذات نتائج سقيمة، تجعل الأجيال رجيمة، وتحسبها رحيمة، وللحياة مقيمة، وهي سلوكيات ذميمة، لوجود أمتنا خصيمة.

فأين أفكار الحياة؟

وأين عقول الأباة؟

وهل ستبقى الأمة في قنوط وسبات؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

سؤال يواجهنا كثيرا، فنشاهد حالات قد انقلبت من حال إلى حال ونقول:

"سبحان مغير الأحوال "!!

من عجائب المخلوقات أنها تولد وفيها خارطة مسيرتها، فهي تمضي وتسخر طاقاتها لتأمين ما يعتلج فيها من نداءات.

ويمكن القول أن في المخلوقات موروثات جينية تدفعها للقيام بهذا الفعل أو ذاك.

ربما سيقول البعض، تريد القول بأننا مسيّرون، ليس كذلك، إنها تفاعلات محتدمة بين ما فينا وما نريده، ونتيجتها تكون غير متوقعة، أو متخيلة.

ذات مرة سألت استاذنا وكان من العلماء المشهود لهم بحقل إختصاصه، فقال أن ما فينا يقودنا إلى حيث سنكون.

وتتوالى أمامنا مشاهد أشخاص تحولوا إلى حالات أبعد مما يتوقعه منهم الآخرون، وفي التأريخ شواهد عديدة، كما أن الحاضر يزدحم بأكثر من شاهد.

هذا يبدأ من لا شيئ ويصبح أثرى رجل في العالم، وذاك في زمن مراهقته يتحدى أكبر الشركات ويصرعها، وغيره يستثمر بفكرة قد تبدو بسيطة فيحوّلها إلى مشروع لا يُضاهى في أرباحه، وآخر يريد الإستيطان في المريخ، وغيره صار في ليلة وضحاها عنوانا للسلام والحكمة والعقل، بعد أن عاش في ميادين سفك الدماء.

إن الأفكار لها أجنحة وتحلق في فضاءات وجودنا، وحالما تجد الدماغ المؤهل لإستثمارها ترتاده، وتنطلق في مشوارها للتواصل مع الحياة التي تختزن جوهرها.

فالحقيقة المجهولة، أنها أفكار تتفتح، وتنطلق من شرنقتها، بعد أن وجدت الحاضنة الملائمة لصيرورتها، وبما أن أعداد البشر في تنامي، فأن قدرات الأفكار على التحقق ستزداد توافقا مع زيادة أعداد الأدمغة القادرة على تمثلها، والإنطلاق بها إلى آفاق مدياتها المطلقة.

الفكرة لا يعنيها مَن هو الشخص الذي ستستسلم لإرادته، مادام لديه دماغ يستوعبها.

ولهذا فلا يوجد شيئ مستغرَب، والعجيب أن نستغرب !!

" ومهما تكن عند امرىءٍ من خليقةٍ.... وإن خالها تخفى على الناس تُعلمِ"!!

وما فينا يوافينا!!

***

د. صادق السامرائي

 

كلنا نعلم نتيجة التهور وقيادة السيارة بسرعة جنونية. ومن المؤكد أن ضحايا الحوادث أنفسهم كانوا على يقين بأن الموت نتيجة حتمية لـ “هوَس” السرعة، والافتتان والمظهرية الخادعة، وتسلط النزعة الاستعراضية القاتلة. هل هناك فئة من الناس تبحث عن الموت وتسعى إليه؟ لماذا يصر هؤلاء الصبية والشباب والمراهقون، وحتى الناضجون أحياناً على السلوك المتهور الاستعراضي، ويضربون بقول العقل، وحكم المنطق، وبالقوانين والتعليمات عرض الحائط؟ دراسات مرورية عالمية عديدة حاولت تقصي واستقراء “سيكولوجية” ضحايا حوادث المرور قبيل أن يلقوا حتفهم، واستطاعت كثير من المحاولات أن تقف عند الحالة النفسية للضحية، وتشخيص الأسباب الكامنة. ففي دراسة أميركية منشورة، تبين للباحثين أن أكثر من 68% من ضحايا حوادث السيارات المميتة لم يكن لديهم عمل أو حاجة ملحة، فنجد الصبية والمراهقين المتهورين يقومون بحركات تنافسية استعراضية قاتلة يميناً وشمالاً دون اكتراث أو شعور بالخطر، أو تقدير لما يمكن أن يحدث، وهناك من يتفننون في أنواع من الحركات المميتة فتقع الكوارث من زهق الأرواح وتحطيم الأبدان، وترويع الآمنين. ولا ينبغي أن نغفل التأثير السلبي لتمويل البنوك وتشجيعها لتسويق السيارات بسهولة ويسر، والضمان الإجباري من قبل شركات التأمين على السيارات، فنجد الشاب المستهتر لا يعير اهتماماً لأي ضرر يمكن أن يلحق بسيارته، فغالبيتهم حصلوا عليها بسهولة ودون مشقة، وعند الضرر أو التلف ستتحمل شركات التأمين كافة التكاليف والأضرار، وهو مؤشر خطير يعزز الاتجاهات السلبية والاستهتار لدى هؤلاء المراهقين”. حقيقة «الهوس» يوضح الدكتور محمد الجارحي، استشاري الطب النفسي، حقيقة “هوس” السرعة والتهور عند بعض المراهقين والشباب.

ليس من الجديد القول إن هناك فجوات في ثقافة السواقة لدينا، وعدم إدراك الكثيرين لخطورة ما لا يلتزم به! قد تكون هناك أسباب اجتماعية واقتصادية لذلك، سواء من توفير السيارات بسهولة، وبالذات الرياضية منها، وعادة السواقة في عمر مبكر، أو عدم التزام السائقين الشباب بالأنظمة، لأنهم يعتقدونها أنها مقيدة لهمَ مثل ربط حزام الحزام، أو تجاوز السيارات وعدم إعطاء الأولوية ،، نحن بحاجة تعزيز الثقافة المرورية، ورفع الوعي المجتمعي، مع تعزيز دور المؤثرين في نشر ثقافة القيادة المسؤولة، ناهيك تكثيف معلومات وأهمية وتطبيقات السلامة المرورية في المناهج الدراسية، و الأهم هو ضرورة تشديد الأنظمة وتطبيقها بصرامة، مع فرض غرامات مرتفعة على المخالفات الخطرة، مثل قطع إشارة المرور، والتجاوز الخطر، وهذا يشمل تكثيف رقابة الكاميرات الذكية في أهم المحاور والطرق. وقد يساعد تبني مفهوم تسجيل نقاط المخالفات لمن يحمل رخصة السواقة، ذلك أن تفعيل النقاط التي تؤدي إلى سحب الرخصة عند تكرار المخالفات، سوف يمنع الكثيرين من المخالفة، ويقودهم نحو الالتزام الصارم، وتكثيف الرقابة باستخدام الكاميرات الذكية والدوريات المتنقلة، ورغم أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتقنا السائقين أنفسهم، إلا أن تحسين ثقافة السواقة يحتاج لجهد مشترك بين الجهات المنظمة وأفراد المجتمع، والجهات ذات العلاقة، وهو ليس ترفاً، بل ضرورياً للحد من الحوادث وحماية الأرواح.

***

نهاد الحديثي

هو خمار بن أحمد بن طولون (220 - 270)، ولد في سامراء (250 - 282) هجرية. بويع له بعد وفاة أبيه خليفة على مصر والشام، وتولى قيادة الجيوش وهو دون العشرين. إنهزم أمامه المعتضد إبن الموفق، وعاد لمصر، وتمكن من الشام سنة 273 هجرية. وحكم 12 عاما، وقتله خدمه بعد ثورتهم عليه، سنة 282 هجرية.

يلقب بأبي الجيوش لإهتمامه بالجيش والحروب، وهو الحاكم الطولوني لمصر وسوريا (270 - 282)هجرية.

وقد زوّج إبنته قطر الندى (أسماء) سنة (282) للخليفة العباسي المعتضد بالله (279 - 289)، ويبدو أنها كانت صغيرة في العمر، وأقام لها حفل زقاف فخم لا مثيل له في التأريخ، وإستمر لشهر، وهذه المسكينة قتلتها زوجة المعتضد (شغب) بالسم سنة (287) هجرية.

عند زواج قطر الندى كان عمر والدها (32) سنة، ووفقا لذلك يمكن تقدير عمرها، وهو على الأرجح دون سن (20) بسنوات، وبعد زواجها بأشهر قتلوا والدها.

وكانت غاية المعتضد من زواجه بها إفراغ خزينة الدولة الطولونية، لمعرفته ببذخ خمارويه، فكان الزواج سياسيا، وربما يكون الخواء الذي أصابها سبب قتله من قبل حراسه، ولم يتجاوز عمره (32).

ويُقال أن المعتضد كان قاسيا ويدفن قادته أحياءً إذا غضب عليهم.

ولا يُعرف كثيرا عن حياة (قطر الندى) في قصر الخلافة، وكيف كانت تعاملها (شغب)، لكنها أمضت أياما نكيدة، وماتت شابة صغيرة.

وهذه حالة تثير علامات إستفهام، فهو الذي تولى الحكم وعمره (20) سنة، فهل أنجب (قطر الندى) وهو في عمر أقل من ذلك بعدة سنوات، وكم عمرها حين زوّجها، والمعتضد تولى الخلافة في عمر (37) وتوفي في عمر(47) وعاشت معه خمسة سنوات وربما لم تنجب.

وإبن خماروية جيش بن العساكر تولى السلطة في عمر 14 بعد وفاة والده وحكم (282 - 296) هجرية.

ففي واقع مسيرة الأمة، حكم دولها المراهقون، وساموها الجور والعدوان على أبسط حقوق مواطنيها!!

و" تقدّرون وتضحك الأقدار"!!

***

د. صادق السامرائي

 

ليس من المعقول ان يعيش الانسان حياته بدون ان يمر يوما ما بحالة من الشعور بعدم الرضا عن النفس أو تأنيب الضمير بسبب بعض الافعال أو الأقوال الصادرة عنه، ذلك ان الانسان طالما يعمل ويجتهد فهو عرضة للخطأ، وقد يكون هذا الخطأ على درجة من الجسامة يدفع بسببه ثمنا باهضا ماديا كان او معنويا يقوده في النهاية الى الندم، والندم كما هو معروف شعورٌ يصيب الإنسان حينما يقوم بفعلٍ يكتشف انه غير صحيح، وليس بالضرورة ان يأتي الندم واحساس الشخص بالذنب نتيجة ارتكابه لفعل مخالف انما قد يكون بسبب فعل لم يقدم عليه أو كما يقول برناردشو (الندم لا يقتصر على التصرفات الخاطئة فكثيرا ما نشعر بالندم على تصرفات صحيحة) فكم من تضحيات قدمتها للبعض وقابلوها بالنكران والخيانة او اسداء معروف لأشخاص لا يستحقون، وكذلك الندم على التفريط بالفرص ومنها اللحظات الجميلة التي لا تشعر بقيمتها وعظمتها الا بعد فوات الأوان أي الندم على فعل لم يسارع الشخص الى تنفيذه ولم يغتنم الفرصة واكتشف لاحقا انه كان مغفلا حينما تقاعس عن ادائه وهو ما جسده الشاعر السياب في قوله :

كيف ضيعتك في زحمة أيامي الطويلة

لم أحل الثوب عن نهديك في ليلة صيف مقمرة

*

ضيعتك آه يا جميلة

انه ذنبي الذي لن اغفره

فكلمات السياب تعكس لوعة الشعور بالندم على اشياء لم يفعلها ولم يدرك حينها ان الذي يمضى لن يعود وكان عليه ان يكون شجاعا وجسوراً في اقتحام حاجز الخوف واعتلاء اسوار مملكته الساحرة فلا ينفع الندم بعدما فرط بالفوز العظيم وهذا ما اشعل في نفسه الرغبة في البوح والحديث عن تلك الغفلة التي عاشها قبله الشاعر ابو تمام وقال فيها:

البينُ جرّعني نقيعَ الحنظلِ

والبينُ أثكلني وإنْ لم أثكلِ

*

ما حسرتي أنْ كدتُ أقضي انما

حَسرَاتُ نَفْسي أنَّني لم أفْعلِ

المنتصرين فقال: وكذلك ما حذّر منه الشاعر ابو الحسن الجرجاني حينما وجد نفسه خائبا وسط زحمة

اذا انت لم تزرع وأبصرت حاصداً

ندمت على التفريط في زمن البذر

لقد استحوذ الندم على صفحات ليست بالقليلة من تاريخ الشعر العربي ومن أبرزها ما جاء في قصة الشاعر" ديك الجن" وهو شاعر عباسي أقدم على قتل حبيبته وزوجته (ورد)، إثر _خيانة مزعومة_ دون أن يتأكد منها، وعندما تبيّن له الحقيقة ندم على قتلها طوال حياته:

ما كان قتليها لأنّي لم أكن.. أبكي إذا سقط الذباب عليها

لكن ضننت على العيون بحسنها.. وأنفت من نظر الحسود إليها

أما الشاعر علي بن أحمد بن محمد معصوم الحسني الشهير بابن معصوم وهو عالم بالأدب والشعر والتراجم فهو يدعو الى التحلي بالصبر والهدوء وعدم الركون الى الندم فكل ما يجري ــ حسب اعتقاده ــ هو مكتوب ومقدّر وبالتالي لا مفر منه:

دَع النَّدامةَ لا يذهب بك النَّدَمُ

فَلستَ أَوَّلَ من زَلَّت به قَدمُ

 *

هيَ المَقاديرُ والأَحكامُ جاريةٌ

وَللمهيمن في أَحكامه حِكم

ووسط الكم الكبير من التقريع للمكتوي بنار الندم نجد هناك من يحاول ان يجبر بخاطره ويهّون الأمر عليه ويسعى الى انتشاله من الحزن والضيق فيقول له متعاطفا (الندم ليس عيبا بل دليل قاطع على إنك شخص لديه ضمير) فلا بأس أن نفهم الأشياء في وقت متأخر .

***

ثامر الحاج امين

هل نكتب بلغة يفهمها القارئ؟. مشكلة نخب الأمة، أنها تكتب بلغة بعيدة عن واقع الجماهير، ولهذا ربما فشل المفكرون والفلاسفة والمبدعون في التأثير الإيجابي على حياة الناس.

المكتوب لا يُقرأ!!

ينشرون غثيثا ويحسبونه أصيلا، وتحتار في الأمر، وتتساءل، ماذا يريد الكاتب؟

لدينا مشكلة في الكتابة، فهي لا تؤثر في المجتمع، ولا تصنع التيار الثقافي القادر على إحداث التغيير.

لم ندرس كيف نكتب منذ البداية، ولم نتعلم مهارات وضع الأفكار في كلمات معبّرة عنها، بينما في المجتمعات المتطورة يتعلم التلاميذ كيفيات وضع الأفكار في كلمات وجمل، فتكون مقاصدهم واضحة وكتاباتهم ذات قيمة، وفي مجتمعاتنا الكتابة كالعهن المنفوش، والفَراش المبثوث.

عندما يُطرح سؤال كيف نكتب، يُقابل بإستهجان من قبل النخب، فكل منهم يحسب نفسه إمام الكتابة وسيد الإبداع الأصيل.

تبدو الكتابة وكأنها فقدت معناها، لإضاعتها لمميزاتها ومواصفاتها ومهاراتها، وتناسيها لرسالتها، وأوهمتنا وسائل النشر السريع بأننا نكتب، فغاب الكتّابُ وتكاثر المنسوبون للكتابة بمستوياتهم المتفاوتة، مما تسبب بتنمية الجهل وتدمير العقل والإرادة وفقدان الشعور بالمسؤولية.

فهل سنعيد للكلمة دورها وهيبتها وقيمتها؟!!

و"إن الكتابة عِلمٌ "!!

و"مَن يكتب يقرأ مرتين"!!

***

د. صادق السامرائي

كان من المفترض أن يكون موضوع المقال لهذا اليوم عن قرارات المحكمة الاتحادية التي تريد ان تدخل البلاد في " حيص وبيص"، ورغم انني من المؤيدين للقرارات التي تشطب على سلة المشهداني الذهبية، لكنني تعجبت يا سادة من موقف نواب الاطار التنسيقي، ففي الوقت الذي صوتوا فيه على سلة المشهداني وخرجوا فرحين باقرار تعديلات قانون الاحوال الشخصية، وجدتهم اليوم ايضا فرحين بتعطيل القوانين، ولا ادري سر هذه " الحزورة السياسية ".
إياك عزيزي القارئ أن تظنّ أنّ "جنابي" يهدف إلى السخرية من قرارات مجلس النواب، او تسول لك نفسك وتعتقد انني سأتحدث عن المحكمة الاتحادية، فانا مواطن مغلوب على امره لا يدري يصدق من مجلس النواب ام المحكمة الاتحادية، ام مجلس القضاء الاعلى ؟.. اترك هذه الألاعيب للنواب الذين سيقضون معها اوقاتا مسلية على الفضائيات، واسمحوا لي ان اكتب عن الخطاب الاخير الذي القاه السيد نوري المالكي على جمع من شيوخ العشائر، ومعروف عن السيد المالكي تشجيعه للعشائر، ورغبته تحويل العراق الى الجمهورية العشائرية، بدلا من الجمهورية العراقية، ولهذا كان لا بد من أن يخرج علينا السيد نوري المالكي ليحذرنا مما يجري في سوريا، ويطالبنا بان نؤمن بمشروعه السياسي الذي بدأه عام 2006، والذي لم تسمح له الإمبريالية أن يواصل إكماله.
لا جديد، هذه المرة، أيضاً. نوري المالكي يصرّ على تحويل معركة العراقيين في التنمية والسعي لبناء البلاد، إلى معركة طائفية، وفي الوقت الذي ترنو فيه أعين العراقيين جميعاً باتجاه المستقبل، وتمتلئ القلوب بالأمل في إعادة العراق الى مكانته التي يستحقها بجدارة يتكرر خطاب المالكي، وتتكرر معه التجارة بمستقبل العراق، سياسيون يبتزّون الناس ويواصلون الصعود بهم إلى قمة الفشل، يردّدون العبارات ذاتها، ويُعبّئون الإعلام بحكايات عن المؤامرة التي يقودها النظام الجديد في سوريا ضد العراق، في الجانب الآخر يُحشّد البرلمان جميع أسلحته الفاسدة في الحرب على الحريات المدنية، يعلن حالة الطوارئ، لأن النوادي الاجتماعية تفتح أبوابها في بغداد، في الوقت الذي يصمت على الفساد الذي ينخر في جسد مؤسسات الدولة، فساد لم يسلم منه حتى الوقفين الشيعي والسني.
يُعيد المالكي الحديث عن المعركة التي يجب ان نخوضها على تخوم مدينة دمشق، لا يسأله أحدٌ ماذا فعلت خلال الثماني سنوت من جلوسك على كرسي رئاسة الوزراء، ولماذا العراق حتى هذه اللحظة يعاني من ازمة كهرباء، ومستشفيات متطورة ومدارس حديثة وفرص عمل لملايين الشباب العاطلين؟.
***
علي حسين

 

الكثير من الثورات أو الانقلابات التي تحدث في المجتمعات الفقيرة أنتجت عنفاً في السلوك العام، خاصة في بداياتها، أنتجت فوضى مَسّت كل مفردات المجتمع، صنعت الطغاة، مارسوا كل أنواع الاضطهاد، هكذا بوعي أو بغير وعي، بجعل الجلادين أبطالاً يسحقون حقوق الإنسان حتى البسيط، هناك العقول المدبرة للثورات أو الانقلابات، الذين كثيراً ما يخطئون في تقرير المصائر، رغم كل الجهود التي يبذلونها في صناعة تاريخٍ جديد.

أكثر الثورات والانقلابات التي تحدث في أجواء الفقر والحرمان تنتج عنفاً غير منظم في مراحل الانتقال والتغيير، حيث ردود الأفعال العاطفية، بعيداً عن الوعي والمنطق.

في حالة الانقلابات كثيراً ما يكون هناك نقصاً في الوعي، وعدم إدراك المعنى الحقيقي للانتقام، والسياسة وتعقيداتها وصراع الأفكار تلعب دوراً في مجرى الأحداث.

إنها التجارب والصراعات تعيد نفسها، دون أخذ العبرة من التاريخ. لو سألنا أنفسنا؛ لماذا قتل الملك فيصل الأول والوصي عبد الإله والعائلة المالكة؟ لماذا سحلوه في شوارع بغداد؟ لماذا قتل الزعيم قاسم؟ لماذا كل انهار الدم في شباط 1963؟ لماذا كل ذلك العنف والكراهية؟ ماذا يحدث لو كانوا احياءً؟ لكانوا لهم الدور في وجود علاقات كبيرة في خدمة الوطن، لكانوا اليد الوطنية التي تبني الوطن، لكن شعور الانتقام كان اقوى.

لكل انقلاب حدث بتدخل يد من الخارج، الانقلابيون وضعوه أمام الكاميرا، وعلى الهواء مباشرة، وشخصيتان مأزومتان تبصق على الوجه وتضرب بالنعال، علماً أنه كان رجلاً متسامحاً، فلماذا عاملوه بهذه القسوة والإهانة؟ إنها السياسة الرعناء!

كان يحلم بوطن أكثر استقرار وزهواً، لكن الناس لم يخرجوا للدفاع عنه وعن الوطن، بل ظلوا متفرجين إلا أفراداً دافعوا عن الزعيم والوطن، ظلت اصوات المتفرجين مخنوقة ساكتة ساكنة، وصاروا يرونه في القمر يجلس على كرسيه، ينظر إلى ما وصل إليه الوطن، نسجوا صوراً وخرافات حول وجوده، فالخرافة دواء لجميع العلل، هذا ما رغب الطغاة به، حتى تركوا أنواعاً مختلفةً من عذابات الفقراء والمحرمين، تركوا بكل اشكالهم وتسمياتهم أنواع السياسة المبتذلة، لقنوا الشعوب الخوف والإذلال والفقر، تركوا الإنسان محطم الأفكار والأرواح مثل خرق بالية، تركوا الأمهات بحسراتهن منهزمات.

اليوم عندما ترغب بالتوثيق عن تلك الحقبة الزمنية تصل إلى حقيقة أن من يعمل فهو الشخص الغير مرغوب به، وهذه حقيقة مرة، لكن علينا أن نتجاهل الأنا من أجل هدفٍ واحد هو كتابة التاريخ دون الميول والاتجاهات والعواطف، الإيمان بالآخر وما يقدمه، التضحية دون مقابل. لكن ما كتبه البعض عن التاريخ وانجازاته وجدت فيه فقط التبجح، وهكذا حققوا الهدف.

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

ظاهرة فريدة تفترس الأجيال مفادها أن الماضي حي ومتفاعل، والحاضر والمستقبل بعدان زمنيان مغيبان، أو مفقودان في معادلة الحياة المعاصرة لمجتمعاتنا.

لا يوجد ما يماثلها في مجتمعات الدنيا قاطبة، فهي بنت زمنها وتسعى لغدها الأفضل.

لا يوجد تفسير مقنع للإنغماس الوهمي في الغابرات، والتيقن بأن الأمة توقفت عن الحياة بعد ذك، وأنها في أوعية الإنعاش، أو مجمدة في صناديق التحنيط والإتلاف الذاتي.

مَن يديم تأجيج المواقد، وحشو الأجيال بالأفكار السقيمة، وإقناعهم بأن واجبهم المقدس الإنتقام للغابرين من الحاضرين؟

الوهم قائدنا وقاتلنا، وما تتعاطاه الأجيال وهم جماعي متوارث لا يمكن زعزعته، بل الموت في سبيله والعمل بموجبه، وفي ذلك تكمن الطامة الكبرى.

الوهم نار جحيمية تحرق الأمم والشعوب، وتحتاج إلى مؤججين لها، ومشغولين بسكب البنزين عليها، لكي تحرق الأخضر واليابس، وتمضي في سعيرها اللهاب.

فالحرائق المدمرة الفتاكة فكرية وسلوكية، وما يدور في أروقة مجتمعات الأمة، يصب في أوعية التدمير المبرمج الشامل لجوهرها وهويتها الحضارية، وقيمها وأخلاقها، وما أسهل إستعباد الواهمين.

الأمة مدثرة بالأوهام المتنوعة، وتسعى في معاقلها الظلماء المؤدية إلى كهوف الويلات، وخنادق النائبات، وعلى أجيالها تدور الدوائر، ولا يوجد فيها صوت حياة ونداء بناء وإنطلاق نحو آفاق المستقبل، بعيدا عن التكبل بأصفاد الماضي المرير.

وهكذا فالأجيال معتقة في قارورة الأوهام، التي تحولت إلى ينابيع غثيان وتضليل وتدمير، وقنوط في قيعان الدونية والتحول إلى رماد تحت أقدام العصور.

فإلى متى سيتواصل بإفتراسنا الوهم المتوج بأقنعة التسويق اللازمة لتأمين مصالح الآخرين؟!!

***

د. صادق السامرائي

السائد في كتاباتنا الغموض، فالخوف سلطان، يجعل الأقلام ترتعش وتتغافل وتتمسك بالهوان، وكأن ما تقوم به نوع من التحايل والإدمان.

ألفاظ غامضة وجبن عقلي، وإمعان بالهروبية والرمزية، والتعبيرات اللا واقعية، الخالية من هموم الجماهير وتطلعاتهم اليومية.

القارئ يبحث عن الواضح المبين، يريد مَن يقدم له المعلومة الطازجة العارية بلا أغلفة وأقنعة وتزويقات لفظية لا فائدة منها.

الكتابة بالعربية أبحرت في جميع المشارب وأبعد، وعلى كتابها أن يتعلموا مهارات التعبير الواضح المعاصر اللازم لإستنهاض الطاقات الكامنة في الإنسان، لا تكميمها وإخمادها، وتدويخ القارئ بما لا تحمد عقباه.

ما فائدة مئات المنشورات اليومية في المواقع ووسائل الإعلام المتنوعة؟

لماذا تزداد الكتابة ويتنامى القهر والظلم وحرمان المواطنين من أبسط الحقوق؟

ألا تساءلنا وفكرنا؟

الأمم والشعوب بنخبها، وهذا يعني أن نخب الأمة مصابة بعاهات عليها أن تراها وتعالجها وتتجاوزها!!

كتابات غثيثة، كأننا نكتبها لأنفسنا، ونتجاهل أنها للقارئ وليست لنا!!

إنتهى زمن الكتابات المعقدة والنصوص القابلة للتأويل، ذلك إبداع بائد، فأبعدونا عن هذيانات تحليل النص، والنظر في باطنه وإهمال ظاهره، فالوضوح في عرف البائدين مباشرة سمجة، والغموض إبداع أصيل، وهل يتفق القارئ مع هذه الرؤية الصومعية؟

أمثال هذه الكتابات قضت على معاني الحياة، وصارت في كتب متأهبة للقفز إلى سوح النفايات!!

فهل نكتب لنكون؟!!

"إن الشجاعة في القلوب كثيرة.... ووجدتُ شجعان العقول قليلا"!!

***

د. صادق السامرائي

هو كل إبداع متصل بالكلمة، فهل ينفع الأمة إبداع الكلام، يبدو أن القول بأن أمتنا "أمة كلامية"، ربما يصدق عليها لأنها قد تكون من أكثر الأمم كلاما، وأقلها فعلا وعملا وإنجازا.

أمم الدنيا كلامها يشير إلى عمل، وعمل الأمة كلام مجرد من الإنجاز والعمل.

أقلام منهمكة بإنتاج الكتب، وكأن الغاية تأليف كتاب وحسب، أما دوره في صناعة الحياة فلا قيمة له ولا معنى، المهم أنه كتاب مرفوف في أروقة النسيان والتجاهل والإهمال، وفي أقبية الظلام والإنهزام.

للكتاب دور في صناعة العقول الفاعلة في المجتمعات، ومعظم كتبنا إن تناولها قارئ فأنها تعطل عقله، وترديه صريعا على هامش الأيام، فهي تهدف إلى تبرير المسكنة والإنهزامية والخنوع للآخرين.

وممهورة بما لا يمت بصلة إلى الأمة، لأن الآخر قد جعل الوعي الجمعي مُضَللا ومحشوا بالزيف والتحريف والانتكاس والإنتكاب والإنكسار، وعلى الأجيال أن تلقي إرادتها في مستنقعات العجز والإمتهان، وتستسلم لما ينفثه الآخرون من أفكار عسلية المذاق سمية الأثر.

فهل ينفع الكلام، إذا إدلهم الخطر!!

الكل يجيد الكلام، ويأبى العمل، بينما المطلوب أن يتكلم العقل الجاد المبصر العازم على بناء الحاضر والمستقبل.

فهل إعتصمنا بحبل مصالحنا بأنواعها؟

هل فكرنا بالعمل الإنساني المشترك؟

هل عرفنا نور الدين لا ناره؟

إن أمة الكلام، كلامها صراخ ونواح وندب، وهذا ما يسود ضروب الإبداع ومشاربه، ولا جدوى ولا منفعة من التواصل بالكلام، لأنه ليس كالمطرقة، بل يساهم بتفريغ الأجيال من طاقات العمل وقدرات الإنجاز.

فما دام الكلام العمل، فهل بقيت قيمة لأي عمل؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الكلمات الفارغة أو التي أفرغت من محتواها ودلالاتها وفحواها. 

ويبدو أن الكلمات أصيبت بهذا الوباء الخطير، فصارت من فصيلة مجرد كلام وما أرخص الكلام.

قال: لتتوقف الأقلام عن الكتابة!!

قلت: لماذا؟

قال: لأن الناس لا تقرأ، وإذا قرأت، لا تهتم وتنكر المكتوب وتهمله تماما.

قلت: وما الحل؟

قال: علينا أن نتعلم كيف نكتب، فالكتابة مهارة وفن!!

قلت: أ تقصد نحن لا نجيد الكتابة؟

قال: ألا تساءلت لماذا المنشور لا يُقرأ؟

قلت: أظنه يُقرأ!!

قال: الوهم فضاء الأقلام، فهي ممعنة بالإسهاب الممل، وترى أنها تبيض ذهبا!!

قلت: حيرتني!!

قال: لماذا لا تكتب الأقلام ما ينفع الناس ويتفاعل مع همومهم وحاجاتهم؟

وأضاف: ما هذا الإدغام والغموض، والإبهام، وغياب الوضوح؟

قلت: إنه الإبداع!!

قال: اللعنة على إبداع لا يُفهم، ويتدثر بالمجهول!!

ترى هل صدق بقوله، أم إعتدى على فيض اليراع؟!!

و"إن من البيان لسحرا"، "والكلمة الطيبة صدقة"!!

و" حشو كلام المرء في الخطاب...من عيّه كذاك في الجواب"!!

***

د. صادق السامرائي

إن الذي دعاني للكتابة عن موضوع جدوى سنوات الخبرة، التي يمر بها الفرد أو جهة معينة، هو ذلك الافتخار والاعتزاز الذي نسمعه الآن من أولئك الذين فشلوا في تحقيق أهدافهم، ولم يجنوا من هذه السنوات سوى الضعف والفشل والهوان. إذ أن هناك فرقاً كبيراً، كما يقول أحد المفكرين، بين خبرة السنوات وبين سنوات الخبرة. فهناك أشخاص لديهم، مثلاً، عشر سنوات خبرة، ولكنها سنة خبرة تتكرر عشر مرات. إذن العِبرة ليست بعدد سنين الخبرة أو العمر الزمني للإنسان أو الهيئة أو نحوهما. ولكن العبرة في مدى الاستفادة من هذه السنوات وما تفرزه من اتساع الأفق وتنوع الثقافات والاهتمامات، والإحاطة بما يجري من أحداث، وإدراك الباطن من النظر في الظاهر، وامتلاك بصيرة ثاقبة للمستقبل. وهناك مفارقة عجيبة، نجدها بخاصة عند بعض السياسيين، وهي أن الإنسان، عادة، يكتسب خبرة ويزداد تجربة بمرور الأيام والسنين، وهي حالة إيجابية. لكننا بالمقابل نلاحظ في حالات عديدة، أن التجارب المجمعة والخبرات المكتسبة تصبح عائقاً أمام فهم وتحليل موضوعات أو مشكلات جديدة، بسبب صعوبة التكيف معها، وهذه حالة سلبية تؤدي إلى التقليل من قدرات الابتكار والابداع، كما تؤدي في أحيان أخرى إلى الفشل والإندحار. وفي كثير من الحالات يتخلى هؤلاء السياسيين من مسؤولياتهم عن الفشل في تحقيق أهدافهم، بإلقاء اللوم على الآخرين. وفي حالات أخرى يعتقد بعضهم أنهم ضحايا، بينما هم في حقيقة الأمر قد سمحوا لأنفسهم أن يصبحوا ضحايا، عندما رهنوا حياتهم ومصيرهم  بوجود شخص أو جهة غالباً ما تمثل سلطة استبدادية، حينها تكون العلاقة بينهما كالتابع والمتبوع (السلطة)، أو بين الضعيف والقوي. وأحد خصائص هذه العلاقة هي الهيمنة لدى القوي، والخضوع والدونية عند الضعيف.

وقد شرح أريك فروم في كتابه "الخوف من الحرية"، مشاعر الدونية والعجز واللاجدوى الفردية، فيقول: "إن تحليل الأشخاص المحاصرين بهذه المشاعر يبين أنه على حين أنهم يشكون شعورياً من هذه المشاعر ويريدون التخلص منها، فأن قوة ما داخلهم تدفعهم لا شعورياً إلى الشعور بالدونية واللاجدوى... وبصفة منتظمة يظهر هؤلاء الأشخاص تبعية ملحوظة للقوى التي هي خارج أنفسهم،... وهم يميلون لا إلى تأكيد أنفسهم ولا إلى فعل ما يريدون، بل يميلون إلى الخضوع لأوامر هذه القوى الخارجية".

لذلك ينتهج هؤلاء السياسيين نهجاً مع القوي يتصف بسياسة تسمى سياسة المداراة والمداهنة والملاينة والملاطفة والمجاملة، لأنهم يعتقدون أن بقاء العلاقة مع السلطة المستبدة القوية، أهم بالنسبة لهم من تحقيق أهدافهم الخاصة.

وأخيراً، نذكر ما يقوله بعض المفكرين في هذا المجال: "إن الذين يتنازلون عن حرياتهم مقابل أمان مؤقت لا يستحقون الحرية ولا الأمان". و"الإلتحاق أو مرافقة القطيع، ستخسر مبادئك"، و"لا تماشي من لا يساويك"، و"لا تمشي أبداً على الطريق المرسوم، لأنه يقودك حيث ذهب الآخرون". وقول الشاعر:

وماذا ينال الضـعيف الذليل

سـوى أن يحقر أو يزدرى

*

وأولى لمن عاش مثل الثرى

ذليلاً لو احتل جوف الثرى

***

أحمد محمد جواد الحكيم - باحث وأكاديمي عراقي

 

ذكريات تشكيلية مع أبي رامي..

قلت لأبي رامي: عرفتك قبل 2003 خطاطًا ومشتغلًا على النقوش المغربية والديكور ولم تكن رسامًا..

قال: بلى.. كنت رسامًا لكني هجرت الفرشة والألوان على مدى ربع قرن، وأنكرت معرفتي بهما كي لا أجد نفسي مرغمًا على الانتظام في الطابور الطويل لتزيين وجه نظام الاستبداد في حينه مثلما فعل الكثيرون من الشعراء والأدباء والرسامين.. أما عن بداياتي في الرسم، فقد كنت في الابتدائية يسمونني رسام المدرسة.

قلت: سأحكي لك هذه الطرفة، فأنا أيضًا كنت أرسم، وعندما كنت في السنة الأخيرة من دراستي الثانوية عام 1968 اشتركت بثلاث لوحات:

واحدة عن الحرب في فيتنام، فرسمت جونسون رئيس أمريكا وهو يمشي في طريق موحل طويل مرصوف على جانبيه جماجم الضحايا من الفيتناميين.

الثانية: موشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي الأعور بعينه المغطاة مثل قراصنة العصور الوسطى، وهو أيضًا يمشي في أرض موحلة بالدماء، وفوقه كف مقطوعة الإبهام للدلالة على الخامس من حزيران.

أما الثالثة: فقد كانت عن بنية ارتبطت بها عاطفيًا في حينه كما يفعل أقراني بالعمر، وأردت رسمها لكني خفت من أهلها وعشيرتها واحتمال توجيه تهمة التشهير لي بابنتهم فجعلتها بهيئة خيّاطة تجلس خلف ماكنة خياطة تحمل ماركة SINGER، وكتبت اسم اللوحة "ماكنة خياطة سنجر الجميلة"، لكن الكثير ممن زار المعرض، وخصوصًا من طالبات ثانوية البنات يعرفن وجه زميلتهن، فكن يتنادرن بعبارات من قبيل: إي عيني مكينة سنجر خوش مكينه.. بالله وين يبيعوها..؟!

وفي نهاية اليوم بدأوا بتوزيع الجوائز ..

وعندما صاح عريف المهرجان السنوي: جائزة أحسن رسام/ موسى فرج، تقدمت لاستلامها من يد المتصرف، فقد كانت السماوة وقتها قضاء تابعًا للديوانية، وكانت هيبة المتصرف الوقور وكبير السن أخّاذه "محافظو اليوم المحاصصيون بالنسبة له مجرد شيالو مسواكَ ليس أكثر"..!

لكن المفارقة حصلت عندما سلمني المتصرف الكأس، فقد كان غطاء الكأس "القبغ" أكبر من فم الكأس، فسقط الغطاء أثناء المصافحة، وقبل أنْ تغادر يد المتصرف يدي فانحنيت أبحث عن القبغ، ويدي ما زالت ممسكة بيد المتصرف فاضطررته للانحناء معي .. وعندما التقطت القبغ ورفعت رأسي وجدته يبتسم بوجهي فأُحرجت أيّما إحراج، خصوصًا وأنَّ بعض الحشد ضحك من ذلك ...

وعندما انتقلت للجامعة، همين اشتركت بالعرض السنوي، وهمين رسمت إحدى زميلاتي الطالبات، فأنا أعتقد يا أبا رامي أنَّ الشاعر المجيد والرسام المحنك هو الذي يعيش حالة حب عاطفية مع المرأة لتفجر خزينة للعلن..!!! لكن هذه المرة يا أبا رامي لم أجعلها خيّاطة أو غسّالة فأختبأ خلف إعلان لمكائن سنجر "SINGER" أو غسالات سومر" "SUMER، فأنا في بغداد عاصمة الانفتاح وألف ليلة وليلة والحب فيها مباح .. فأسميت اللوحة "قيثارتي"، ولم يدر بخلدي أني سأظلم زميلتي البنية التي اختفى من يوم اللوحة اسمها الأصلي، وحلّ محله اسمها الجديد: "قيثارتي"، في قاعة الدرس أو النادي أو ساحة الكلية ينادونها بـ قيثارتي، حتى تمنت لو لم تتلاقى عيوننا يومًا، ولم تتورط في إهدائي بضع حبات من الفستق يومًا في نادي الكلية..

أما عن مدارس الرسم يا أبا رامي فأنتم المتمرسون والأستاذة في فن التشكيل بالنسبة لنا، غامضون، متعبون، ترسمون سريالي، وتجريدي، وتكعيبي، حتى أني قمت بقلب لوحة عرضها زميلي وقتذاك " د. عبد الغفور الأطرقچي لاحقًا"، منذ نهاية اليوم الأول للمعرض رأسًا على عقب، بحيث تحول اسم أو توقيع الرسام من الزاوية السفلى على اليمين إلى الزاوية العليا على اليسار، وكنت أحشر نفسي على مدى اليوم الثاني والثالث مع الزوار لأسمعه يشرح كما لو كانت على وضعها الأصلي، دون أنْ يغير كلمة، وهو يؤشر على محتوياتها وأجزائها.. بدعوى أنكم تتركون مهمة الاستنباط على المشاهد..!

في حين نحن الهواة ورسامو النص ردن.. ليس فقط نضع النقاط على الحروف وإنما الفتحة والكسرة والضمة والتنوين، بحيث إنَّ اللوحة مالتنا تحچي بليا ما تسألها.. وإليك مثالًا:

باعتباري ثوري من يومي وهمين مساند للقضية الفلسطينية، فقد رسمت حينها لوحة يظهر فيها مقاتل فلسطيني ومجموعة كلاب: اثنين منهما بهيئة قفزة مع المقاتل، وواحد من تلك الكلاب يعض قدمه، ومجموعة كلاب في الخلف تفترس بقايا جثة.. وكتبت اسم اللوحة "الحكومات العربية"، ومن يسألوني: أين هي الحكومات العربية في اللوحة..؟، أقول: هذان اللذان يقفزان مع المقاتل هما الحكومات التقدمية السورية والعراقية "حكومة الجولاني اليوم مكّنت إسرائيل من احتلال جبل الشيخ وما حوله"، وهذا الذي يعض رجل المقاتل هذا ملك الأردن، وهذولا الياكلون بالجثة بالخلف هم حكومات الخليج..!

بيومها دخل السفير الصيني، وعندما وقف متأملًا في اللوحة، وأنا أشرح والمترجم يترجم، ربت على كتفي وسحب دبوسًا فيه صورة ماو معلق على صدر سترته وشبكه على موضع القلب من قميصي..! لحظتها كدت أصيح: ماو معلكَ بصدري موتوا يرجعية..!!

في تلك الأثناء اقترب مني أستاذي دكتور عبد المرسل الزيدي، وكان يومها مفرغًا جزئيًا من أكاديمية الفنون الجميلة للإشراف عندنا، وطلب مني أنْ أشرح له اللوحة فقلت متمنطقًا: هذا المقاومة الفلسطينية، وهذي الچلاب الحكومات العربية..! سارع يسألني: ومَن هي حكومتنا ..؟ قلت: هذا الأبكَع.. فسارع أستاذي ووضع يده على فمي، وقال: موسى فرج، تدري منو مدير الأمن العام عدنا حاليًا..؟ أجبت بسرعة ناظم كزار.. قال: تعرف ناظم كزار شيسوي بالمعتقلين..؟ قلت: يحط المعتقل وهو حي بالتابوت ويبسمره، ويرسم صليب على غطاء التابوت بالطباشير من الطول للطول، ويطلب من جماعته يقطعوه للتابوت بالمنشار على خط الطباشير عرض طول..

قال: لعد إذا تعرف ناظم كزار هيچي يسوي بالناس، وما دام أنت ثوري وناذر نفسك للقضية .. ما حسبت آنا أستاذك ومشرف عليك، ومسؤول عن لوحاتك رسميًا، شنو راح يسوون وياي من يحطوني بالتابوت ويرسمون عليّه صليب بالطباشير وآنا مسؤول عن عائلة وعندي بنية زغيرة اسمها وجدان..؟ ألم يكن بإمكانك أنْ ترسم تجريدي.. سريالي.. تكعيبي عاد..؟

أطرقت برأسي شعورًا بالذنب مع ضحكة خفيفة خنقتها لكني سرعان ما استعدت رباطة جأشي، فرفعت رأسي، وحدقت في عيونه، وبديت أتفلسف: أستاذي العزيز أنتم ترسمون للنخبة سريالي وتجريدي، آنا أرسم للمهمشين بياع اللبلبي، بياع الباكَلا.. هذولا ينرادلهم فن يفهمونه مباشرة دون تأويل أو ترجمة.. نظر أستاذي إلى عيوني مباشرة، وأمسك بيدي وسار بي على طول أضلاع القاعة الفسيحة دون كلام، وعندما درنا فيها دورة كاملة، وعدنا للمكان الذي بدأنا منه، وقف ووقفت معه، وهو ما زال ممسكًا بيدي وسألني قائلًا: قل لي يا موسى كم بائع لبلبي وبائع باكَلا صادفك في هذه القاعة..؟! ضحكت وسحبت يدي من يده بأدب وقلت: ماكو.. فما كان منه إلا وحضنني وهو يصيح على مصور الكلية: كاظم تعال صورنا، فصورنا كاظم وأستاذي يصيح وهو يريد إظهار الصيحة في الصورة: كتلني موسى فرج...!

وهكذا كان.. أنت اليوم يا أبا رامي ترسم، الواقعية الرمزية، الواقعية الخيالية.. وبعض لوحاتك تجريدي، سوريالي، ومعظمها يتعلق بهموم الناس، وتسعى للتغيير، وهي في الوقت ذاته تدخل الإبهار للمتلقي دون أنْ تحتاج إلى مترجم ضليع..

لكني ما زلت متمسكًا برأيي من أنّ الأدب والفن كي يكون منتجًا ينبغي أنْ يكون للحياة، وليس لذاته، فالتركيز على الجمال بحد ذاته دونما مهاجمة القبح بدعوى تربية الذوق أراه كمن ينصح الملائكة على فعل الفضيلة، وهم أساسًا في منأى عمّا سواها، ومن قبيل تركيز أدباء الشعر والقصة والرواية على التقاط مفردات غرائبية تلتقط لإضفاء الفنتازيا دونما استهداف مواجهة القبح والرذيلة والكراهية والظلم والفساد والعدوان، وعندما يتوجع الشعراء والأدباء قائلين: إنّ القول لم يعد مؤثرًا، صحيح لم يعد مؤثرًا وأمامك الدليل: فقصيدة "إرادة الحياة" لأبي القاسم الشابي أدت دورًا تعبويًا على مدى سبعة عقود، تلهب حواس الناطقين بالضاد للكفاح ضد المستعمر، مَن منكم يثبت لي أنه لم يظهر شعراء أفذاذ بعد الشابي أنتجوا قصائد تتفوق على قصيدته، وعلى الصعيد المحلي مَن منكم لم يسمع بقصيدة "أين حقي" لبحر العلوم، أو "جياع الشعب نامي" للجواهري ، أو "غريب على الخليج" للسياب ..؟

مَن بقي منها صامدًا، ومَن منهم لفّه منها النسيان..؟ إنهم يتبرعون على أرائكهم كما كانوا وأكثر ..أيعقل أنّ الزمن توقف ..؟ أبدًا، الهموم تفاقمت والشرور تضاعفت، والقول بات أسهل، فلا أجهزة أمن بإمكانها حبس الكلمة، والنشر بات على أوسع حالاته، ولم يعد حبيس النسخ بقلم الكوبيا..

فإذن؛ العلة التي بات لزامًا مناقشتها ليس الشعر أم الرواية ..؟ وليس الرواية أم القصة القصيرة..؟ وليس قصيدة الطويل أم قصيدة التفعيلة..؟ إنما البحث ينبغي أنْ يتوجه إلى الإجابة عن السؤال المركزي .. لماذا لم يعد القول مؤثرًا كما في السابق..؟ ولماذا لم يعد الفن التشكيلي مؤثرًا كما في السابق..؟

تقول لي أنَّ المتلقي لم يعد كما السابق، أقول لك: المتلقي كالزبون هو الغاية وهو دائمًا على حق.. وعليك أنْ تأخذ بالاعتبار تطور التكنولوجيا الهائل، والذكاء الاصطناعي أيضًا، وظهور بدائل في عرض وإرسال القول من قبيل البرامجيات الخاصة باليوتيوب والتك توك.. وأنت أمام خيارين: إما أنْ تستهدف إحداث التغيير في المجتمع لبلوغ الحالة الأفضل كما يريد ذلك غرامشي بنظريته عن المثقف العضوي.. فناقش أساس الموضوع "لماذا لم يعد القول مؤثرًا..؟"، وعندها ستجد نفسك ملزمًا بتغيّر طريقة تناولك للموضوع فكرة وغاية وعرضًا والتصاقًا بهموم الناس، وليس أنْ تثبت أنّ فلان من فلاسفة أو فقهاء العصور الوسطى كان على حق، وفلان كان على خطأ.. تريد اللذة العابرة فهي لك ودونك الفنتازيا، ولكن ضمن مساحة المخدع وليس في السهول والقفار والجبال..

***

موسى فرج

...................

تنويه: الأدلة الثبوتية من قبيل صورتي مع المتصرف يوم سقط قبغ الكأس، وصورتي مع استاذي وهو يصيح في قاعة المعرض موثقة فوتوغرافياً وعرضتها على صديقي أبو رامي..

 

الذكاء الإصطناعي حلبة المصارعة الحرة بين العقول الإبداعية الفاعلة في الدول الكبرى، وتأتي ضربة الصين القاضية على رأس الإحتكار الأكبر للذكاء الإصطناعي، بتحولات يصعب تخيلها، وتقدير تداعياتها المستقبلية.

القرن العشرون كان قرن النفط، والقرن الحادي والعشرون قرن الثورات التكنولوجية الصاخبة.

التكنولوجية تستحوذ على مصيرنا؟

قبل عقود قال لي زميلي الصيني: سيأتي اليوم الذي لا نحتاج فيه لعقولنا!!

قلت: كيف؟

قال: سيتم إبتكار رقائق نزرعها في رؤوسنا لتقوم بالواجب بذكاء فائق!!

تذكرت حوارنا، أمام الصدمة التي زعزعت عروش أمهات الشركات المستثمرة في الذكاء الإصطناعي، مما أرعب القوى المتوهمة بالهيمنة التصنيعية المطلقة.

تطبيق (ديب سيك) الصيني أرعب الكيان الإبتكاري في الدولة المهيمنة على الأبداع التكنولوجي، وتسبب بخسائر مباغتة للشركات المستثمرة في المشروع المذهل الذي سيقلب الدنيا رأسا على عقب.

الآلة ستقودنا وتسيّرنا، وكأننا بلا قدرة على التحكم بها، لأن عقولنا أوجدت ما يفوقها من الأدوات التفاعلية اللازمة لتخميدنا، وتحويلنا إلى قطيع.

الذكاء الإصطناعي سيكون قائد كل نشاط في القرن الحادي والعشرين.

سيقود المركبات بأنواعها، وسيدير الشركات والمستشفيات، وسيكون الطبيب المعالج، والمرشد الآلي لأي حالة تهم البشر، وهذا يعني بأن الكثرة البشرية ستكون عبئا، فلا حاجة للأيدي العاملة، وهذا خطر مروع ستواجهه الدنيا في العقود القادمات.

الكثرة البشرية كانت ضرورية للزراعة، وعندما حلت الآلة مكانها صار شخص واحد يدير حقلا كان يعمل فيه أكثر من ألف شخص.

وقس على ذلك معظم ميادين العمل الأخرى.

فالحاجة للأيادي العاملة ستتناقص بنسب مخيفة، مما يستدعي إنطلاق الحروب الفظيعة اللازمة لتأمين العدد الذي عليه أن يعيش متمتعا بعطاءات الذكاء الإصطناعي.

فهل أن الآلة ستنتصر على البشر؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الشعر تصوير بالكلمات لحالات ظاهرة وباطنة، والبعض يرى أنه "رسم بالكلمات"، والفرق بين التصوير والرسم واضح.

ومع التقدم التقني ومهارات إلتقاط الصور الجامدة والحية، أصاب الشعر الإنكماش والذبول، لتوفر الأدوات القادرة على التصوير أبرع من الكلمات.

فما قيمة الوصف الكلامي أمام الصورة الملونة المكتملة الأبعاد، والتي تقدم الحدث بتفاصيله المكانية والزمانية، فالصورة المعاصرة ذات وقع وتأثير أقوى من أي كلام.

ويبدو أن دور الشعر المتعارف عليه في مجتمعاتنا قد إضمحل وإنتصرت عليه الصورة إنتصارا ساحقا.

وزاد في هزيمة الشعر الميل للغموض والإبهام والرمز، والخروج عن ضوابطه المتعارف عليها منذ أن وضع الفراهيدي علم العروض.

فالطبع البشري لا يميل إلى التعقيد واللخبطة، إنه يرغب بما هو جاهز، ولهذا تجد مطاعم الأكلات السريعة ناجحة ومتنامية، فهل يعجبك أن تأكل الوجبة أم تقوم بإعدادها ومن ثم تأكلها؟

الشعر يبقى شعرا، لكن الصورة المعاصرة غيبته وأضعفت أثره ومحقت تأثيره، ومما زاد الطين بلة، التوهم بأن التحديث يعني إستنساخ ما عند الآخرين وفرضه على واقع لا يعرفه.

الشعر ليس ميزة أو طاقة متميزة، إنه قدرة يمكن توظيفها بالتدريب، والبعض يعيش في الشعر ويتفاعل معه طيلة وقته، فيرتقي بمستويات تعبيرية تمليها قوة التواصل المستدام، والوسوسة البوحية عما يعتريه ويراه.

والشعوب التي لا تجد ما يشغلها إبداعيا، يتكاثر فيها الشعراء، وعندما نقارن عددهم بين المجتمعات المتأخرة والمتقدمة، يكونون أكثر في الأولى، ويمكن إتخاذ ذلك مقياسا لمعرفة مدى حياة المجتمعات في عصرها.

الشعر بوح كلامي، وإبداع قولي، يوهم صاحبه بأنه قدم ما يمثله، فيعجز عن توظيف طاقاته الإبداعية في مجالات أخرى.

فهل وجدتم شاعرا أو متشاعرا إبتكر ما ينفع الحياة؟!!

وهل أن الشعر نهاب للوقت، وخطّافٌ للعمر؟!!

وما هي دلالات الولع بالشعر؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

يقول شارلي شابلن، أشهر كوميدي ّ في تأريخ السينما: عندما كنت صغيراً، ذهبت برفقة أبي لمشاهدة عرض في السيرك، وقفنا في صفّ طويل لقطع التذاكر، وكانت أمامنا عائلة مكونة من ستة أولاد والأم والأب، وكان الفقر بادياً عليهم من ملابسهم القديمة لكنها نظيفة، وكان الأولاد فرحين جداً وهم يتحدثون عن السيرك، وبعد أن جاء دورهم، تقدم الأب الى شباك التذاكر، وسأل عن سعر البطاقة، فلما أخبره عامل شباك التذاكر عن سعرها تلعثم الأب، وأخذ يهمس في أذن زوجته وعلامات الأحراج بادية على وجهه!

فرأيتُ أبي قد أخرج من جيبه عشرين دولاراً، ورماها على الأرض، ثم انحنى ليلتقطها، ووضع يده على كتف الرجل وقال له: لقد سقطت نقودك!

فنظر الرجل الى أبي، وقال له والدموع في عينيه:

شكراً يا سيدي!

وبعد أن دخلوا، سحبني أبي من يدي، وتراجعنا من الطابور، لأنه لم يكن يملك غير العشرين دولاراً التي أعطاها للرجل!

ومنذ ذلك اليوم وأنا فخور بأبي، وكان ذلك الموقف أجمل عرض شاهدته في حياتي، بل أجمل بكثير من عرض السيرك الذي لم أشهده..!

***

د. ابراهيم الخزعلي

العالم المعاصر تبلدت فيه العقول، وأصبحت الشاشة تصول وتجول، فالكل لا يعلم والشاشة تعلم، وتلك حكاية إنتصار الآلة على البشر.

لكل سؤال جواب تستحضره الشاشة الصغيرة، فحالما تسأل السيدة كوكول، ستأتيك من كل حدب وصوب بجواب!!

عندما كنا نريد كتابة بحث أو دراسة، نلجأ إلى المصادر الورقية في المكتبات، ونتصفح الكتب والمجلات، وندون بالقلم على الورق، واليوم تجدنا نطرح السؤال ونتلقى الجواب فورا، وبدخول الذكاء الإصطناعي وتسيده على الشاشة، أصبح يقوم بالبحث والدراسة، وما عادت عقولنا ذات قيمة ودور متفوق عليه.

إن العلاقة بين الشاشة الصغيرة والبشر المعاصر، حالة سلوكية غير مسبوقة، وستؤثر على الأدمغة، خصوصا وأن الأجيال الوافدة تتعامل معها منذ سن مبكرة، فلربما ستنسى ما هو القلم وما الورق، لأنها إعتادت أن تكتب على الشاشة، وبضربات على الأزرار، وبهذا ربما ستفقد الكتابة بالقلم قيمتها ودورها في حياة الأجيال في المستقبل.

المكتبات ربما ستتحول إلى ديكورات منزلية، والكتاب فقد رواجه وأهميته المعرفية، وأسلوب الكتابة السابق لا يصلح لأجيال الحاضر، المهتمة بالصورة والمشاهد الفلمية الحية، فالقراءة الورقية ذهبت ريحها، وبعد غياب أجيال القرن العشرين، سيكون النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين، قرن التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي، وسيادة الآلة على البشر.

وعندها سيُثار سؤال: لماذا الزواج والمواليد؟

وربما ستنتصر الآلة، وتستعر الحروب المؤججة بآلات وأدوات يتحكم بها الذكاء الإصطناعي، فالبقاء للأقدر تكنولوجيا، والفناء لغيرهم.

فهل نحن على حافات سوء المصير؟!!

***

د. صادق السامرائي

يجري الحديث باستمرار عن افتقار الزمن المعاصر، في عموم العالم، الى فلاسفة ومفكرين وكتاب كبار وشعراء عمالقة الخ.. ويقارنون هذه الشحة بازمنة الوفرة التي شهدها معظم القرن العشرين مثلاً وما قبله من بروز لاسماء كبيرة في الميادين التي ذكرتها اعلاه.

ويقولون ان العالم يتدهور وتنحدر منظومة القيم بسبب عدم وجود اعمدة فكرية تؤمّن استقامة المسيرة الانسانية..

السؤال الذي يحتاج الى اجابة:

هل منع وجود اولئك الكبار قيام الحرب العالمية الاولى وبعدها بروز النازية كعقيدة (في بلد الفلسفة وهي المانيا) وقيام الحرب العالمية الثانية التي كانت مأساة انسانية عظيمة راح ضحيتها اكثر من ٦٥ مليون انسان اضافة الى ضرب المدنيين بالقنابل النووية؟؟

هل منع قيام الحرب الكورية وبعدها الفيتنامية؟

هل منع الحرب الباردة وسباق التسلح واحتلال ونهب الدول الضعيفة؟

يبدو ان العالم يحمل بذور التدهور في داخله ولا ينفع معه وجود او عدم وجود الفلاسفة والمفكرين.

بل انهم لو ظهروا فسوف لن يقرأ أحد كتبهم لان الكل مشغول بالفيس بوك وباقي وسائل التواصل الاجتماعي التي اختلط فيها الواقع بالوهم والحقيقة مع الاكاذيب واصبحنا غير متأكدين من صحة ودقة ما نقرأ ونسمع..

***

د. صلاح حزام

أقلامنا تناولت معظم الموضوعات والتحديات والحالات، وما إستطاعت أجيالنا فعل شيئ بمستوى ما بحثت فيه أقلامنا. تنبؤات وإستنتاجات وتوقعات ذات صوابية عالية، ما شدت إنتباه القادة والحكام، وأنظمة الحكم في دول الأمة.

أقلام أبناء الأمة كتبوا في كل شيئ، ومنذ قرون وتحدثوا عن آليات المحافظة على التقدم والقوة والرقاء، ونامت كتبهم في ظلمات الرفوف، وما فازت الأمة بقادة متبصرين متفاعلين مع أنوار العقول، إلا بعدد قليل منهم، وهم الذين أوجدوا مقاماتها السامقة، وحققوا قفزات حضارية ذات قيمة إنسانية.

وذات العلة رافقت دول الأمة منذ بدايات القرن العشرين، فما حظيت بمن يعرف ويدير شؤونها برؤية حضارية مستمدة من تجاربها ومعطيات أنظمة حكمها السالفة.

وقد إنطلق فيها منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مفكرون أفذاذ رسموا خارطة طريق نهوضها، لكنها تجاهلتهم، ولو أن نظام حكم واحد في دولها إطلع على ما كتبه عبد الرحمان الكواكبي عن الإستبداد في كتابه، لتمكن من الإنطلاق ببلده إلى مصاف الدول المتقدمة منذ أمد بعيد.

فالعلة الحقيقية أن الكراسي لا تقرأ، وتتوهم المعرفة وعدم الخطأ، وهي من أجهل الجاهلين، ولا تعرف معنى السياسة والحكم.

فكل مَن يجلس على كرسي السلطة، يتحول إلى سيد العارفين، وأمير المفكرين، والقائد الملهم المطاع الأمين!!

"أيها الأحياء تحت الأرض عودوا ...فأن الناس فوق الأرض قد ماتوا"!!

وتلك مصيبة أمة أذلتها الكراسي وإمتهنتها وحولتها إلى مجتمعات هوان ومآليس، تتمنطق بالماضيات، وتثأر للغابرات، وتريد أن يحكمها الأموات، الذين تحولوا إلى رميم منذ مئات السنين.

فانتعشت في ربوعها تجارة الدين!!

و"دليل عقل المرء فعله"!!

***

د. صادق السامرائي

 

ان الإنسان أول ما يبدأ الوعي والإدراك عنده و يكون قادرا على تميز الأمور والفهم لما يدور من حوله يسعى جاهدا في العمل الدؤوب والجد للحصول على مبتغاه ومحاولة نيل مراتب عالية في المراحل الدراسية التي تؤهله في تسلق سلالم النجاح والمعرفة وهكذا يصبح الطموح الشخصي للإنسان مطلبا خاصته للحصول على الشهادات الدراسية العالية وتبوء مناصب ومواقع عملية وعلمية في المجتمع ليكون مميزا في مجتمعه وأسرته وبعدها يطمح ساعيا وجاهدا في الحصول على وظيفة أو عملي تضمن سبل العيش له ولأسرته وكل هذه الرحلة الشاقة من العمر منذ الطفولة والصبا وتأسيس العائلة وكل ما يقدمه من عمل يسمى في المنظور والمفهوم القرآني (عمل حسن) وهذا العمل جزائه يكون بينه وبين نفسه خاصة وتلبية لطموحاته الشخصية وهذا هو حقه الشخصي وخاصة إذا كان يصب في مصلحة المجتمع يثاب عليه من قبل الله تعالى (يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ) الزلزلة6 لأنه يصب في مصلحة الأسرة والمجتمع وتأهيله لبناء وقيادة المجتمع والأسرة وعضوا فعالا فيها لأنه يساعد في نشوء الحياة اليومية وكادا على عياله حيث قال الله تعالى (وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) التوبة 105وكذلك (من جاء بالحسنة فله خيرا منها ومن جاء بالسيئة فلا يُجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون )الإسراء 7 وكذلك (أن أحسنتم لأنفسكم وأن أسأتم فلها.........) الإسراء 23لكن العمل الصالح هو كل ما تتركه من أثر جميل وعمل يُنتفع منه لغيرك يدل على وجودك في الحياة وبعد الممات من خير وفعل وهو المراد الإلهي التي تبنته النظرية السماوية التي أنزلت للإنسان المتحضر الذي علمه بالقلم عن طريق الصراط المستقيم الذي رسمه له من خلال آياته وسننه ودين قيم مبني على الأخلاق الخلاقة ومكارمها والمبادئ والتعامل الراقي البناء مع بني جنسه ومجتمعه لحصول رضا الله تعالى أولا والفوز بالجنة والمنازل العليا في الحياة الدنيا والآخرة (فمن كان يرجوا لقاء ربه فاليعمل عملا صالحا ولا يُشرك بعبادة ربه أحدا ) الكهف 110  فأن العلاقة المتعاونة والعمل المثمر الذي يساهم في بناء علاقات متوازنة في بناء مجتمع متكامل مع الأفراد والمؤسسات الوضعية بطريقة صحيحة وراقية ليسموا بها الإنسان (أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا) الإسراء 9 فكل فعل وقول تبني المجتمع وتهذبه وتساهم في تطويره أخلاقيا ومعرفيا في حياته ويُستفاد منه بعد مماته هو الذي يريده الله تعالى والذي أسماه بالعمل الصالح حيث يُعد من أولويات الإسلام ومدخل الإيمان وهو الذي يُرفع ويُحفظ في صحيفة المؤمن ليوم الحساب يُجزى به ويُثاب عليه في الآخرة لتكون له الدرجات العلى كما قال تعالى (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما) طه 112 (أن الذين أمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) مريم  96 (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه....) فاطر 10فعلى الإنسان العاقل أن يبني علاقة جدية مع بيئته والكائنات التي تتعايش معه على الأرض من نبات وحيوان والطبيعة التي سخرها الله تعالى له ليكون أهلا للخلافة التي جعلها الله له ليخلف بعضه بعضا على القيم والأخلاق والمبادئ والتكنولوجيا والمعرفة البناءة المفيدة لبني جنسه والأعمال الخيرة لتنظيم مجتمع عالمي متطور خلاق لمد الجسور المعبد النظيف نحو الحياة الأبدية ليبرهن للعالم أجمع أنه المسلم حقا (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال أنني من المسلمين)..

***

ضياء محسن الاسدي

 

الموصل تقدم نماذج رائعة للكتابة التأريخية عن المدن الحضارية، ويبرز فيها ألمعيون أفذاذ مخلصون لمدينتهم ويتفاعلون معها ككينونة حية ذات منطلقات باهرة. وفي مقدمتهم المعاصرون من الغيارى الميامين الحريصين على مدينتهم الشماء، فهم مشاعل ساطعة تساهم في نشر ثقافة المدينة، والتعبير عن قيمها ورسالتها الإنسانية، وتضعها في الموضع اللائق بها.

فالمدينة تحدّت العدوان، وأعادت منارتها الحدباء بأروع مما كانت، وهي المدينة التي إنبثقت فيها الحضارة الآشورية، وإنتشرت قدراتها العسكرية والمعرفية، وبفضل مكتبة آشور بانيبال عرفنا الكثير عن الأزمان القديمة.

كلما أقرأ ما تجود به أقلام المؤرخين الموصليين، أشعر بالفخر والقوة، وأتمنى أن يبرز في مدننا الأخرى مؤرخون يعبرون عن مكنونات مدنهم، وأدوارها في صناعة المسيرة الإنسانية الرائدة، فمدننا ذات بدايات حضارية، وأكثر أبنائها يعيشون في أمية عن مدنهم، ولهذا يكون إرتباطهم بها ضعيفا، ويميلون لإستحضار السلبيات، وعدم وعي قيمة المكان الفريد.

يدهشني المؤرخون الأجانب عندما يتحدثون عن سامراء وحضارتها ودورها الريادي في أنظمة الري والصناعات الزجاجية والخزفية، وأجدهم يعرفون عنها آلاف المرات أضعاف ما أعرف، ويعضهم مهووس بها، ولديه أعلى الشهادات متخصصا بتأريخها، ونحن نجهل عنها الكثير، وعشنا بها وكأننا في غفلة ثقيلة، وأمية سافرة.

أذهلني أحد الأساتذة الأجانب، عندما إعترضت على عدم ذكر المدينة في ندوة عن العراق، فاقترب مني قائلا: "أنها أغنى مدينة أثرية على سطح الكوكب، وتحتاج إلى ندوات، ولا تستوعبها ندوة كهذه"!!

ومضى يحدثني عن تأريخها الذي غاص فيه وكأنه يعيش فيها ويعرفها أكثر مني!!

قلت لنفسي، إنه يعرفها، وأنا أجهل مسيرتها!!

ذلك الأستاذ دفعني للبحث والإهتمام بمدينتي، بعد أن صارت حلما بعيد المنال!!

يا أبناء مدننا الخالدة تعلموا من مؤرخي أم الربيعين، فهم القدوة الحَسنة، والمثال الأصدق في التعبير عن حقيقة المكان الذي نعيش فيه، وبأمثالهم تتطور ثقافة المدينة في وعينا الجمعي.

وعاش كل غيورٍ أبيٍّ عزيز!!

***

د. صادق السامرائي

 

مسألة بناء الدولة واحدة من المواضيع المهمة والشائكة في نفس الوقت خصوصا في ظل نظام سياسي متعدد الولاءات وهيمنة سياسية لا تؤمن بالتعددية والعدالة الاجتماعية، ومع الاقرار ان لكل بلد ظروفه الخاصة وهويته الاجتماعية لكن هذا لا يمنع عند الشروع بالبناء من النظر الى تجربة الغير والعمل على تقييم اخطاءها ونجاحاتها والاستفادة من معطياتها، فمن مقومات البناء السليم هي الاستفادة من تجارب الاخرين والأخذ بإيجابياتها وتفادي سلبياتها وهوما قامت عليه تجربة البلد الآسيوي " سنغافورة " التي تعد واحدة من أهم التجارب المعاصرة في بناء الانسان ونهضة البلدان حيث رسم خطوات ومعالم هذه النهضة بدقة كتاب (قصة سنغافورة) الذي يمكن اعتماده دليلا ومرشدا لبناء البلدان والنهوض بحياة شعوبها، فهو يحكي مذكرات صانع نهضة سنغافورة (لي كوان يو1923 ــ 2015) أول رئيس وزراء لجمهورية سنغافورة الذي نجح في بناء دولة من العدم وحولها الى واحدة من أنجح الدول الأسيوية، فـ (قصة سنغافورة) كتاب غني بمادته ويكشف عن نهج لي كوان في مكافحة الفساد والتخلص من العملاء وبناء سنغافورة مستقلة، والأغرب في موقف لي كوان انه بعد كل الذي فعله لإنقاذ بلاده من التبعية وتحويلها من دولة فقيرة الى واحدة من أغنى دول العالم لا يعتبر نفسه بطلا او منقذا او تاج رأس فقد أجاب على دهشة المعجبين بإنجازاته قائلا (أنا لم أقم بمعجزة في سنغافورة، انا فقط قمت بواجبي نحو وطني)، بهذا التواضع النادر ينظر لي كوان الى مكافحة الفساد على انه ليس بالإنجاز الخارق والمستحيل انما تحقيق ذلك يحتاج الى شجاعة ووطنية خالصة، وفوق ذلك يعطي خريطة انجاز هذه المهمة فيشير الى ان (تنظيف الدرج من الفساد يبدأ من الاعلى نزولا الى الأسفل) فالفساد يبدأ من قمة هرم السلطة نزولا الى اصغر مواطن سواء كان مكلفا بخدمة عامة او مواطنا عاديا وعندما يكون المسؤول محميا من المسائلة فمن الطبيعي ان يستهتر بالمقدرات ولا يتورع عن القيام بأفعال تنافي المصلحة العامة وتخل بشرف المسؤولية ويشير الى واحدة من علامات تفشي الفساد بقوله (حين يسير اللصوص في الطرقات آمنين فهناك سببين : أما ان يكون النظام لص كبير او ان غباء الشعب أكبر) كما يؤكد في مذكراته على مراعاة الأولوية قبل كل شيء الى بناء الانسان، فالإنسان السليم هو الذي يبني ويقيم العدل ويبسط الأمن ويصون استقلال البلاد وهو الذي يصنع ويبدع ويأخذ بالبلاد الى بر الأمان فحين سأله احد الصحفيين عن الفرق بين دولته ودول العالم الثالث الاسيوية فانه يجيب بكل ثقة وحكمة (الفرق اننا نبني المكتبات ودور البحث العلمي وهم يبنون المعابد، نحن نصرف موارد الدولة على التعليم وهم يصرفونه على السلاح، نحن نحارب الفساد من قمة الهرم وهم يمسكون اللصوص الصغار ولا يقتربون من المفسدين الكبار) وتأكيده على بناء الانسان يعيدنا للتذكير بقصة بناء سور الصين العظيم الذي اعتقد الصينيون القدامى انه ببنائه سيعيشون في أمان حيث ﻻ‌ يوجد من يستطيع تسلقه لشدة علوه، ولكن خلال 100 سنة الاولى بعد بناء السور تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات، وفي كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية في حاجة الى اختراق السور او تسلقه،، بل كانوا في كل مرة يدفعون للحارس الرشوة ثم يدخلون عبر الباب، لقد انشغل الصينيون ببناء السور ونسوا بناء من يحرسه، هذا الدرس يكشف بوضوح ان من أهم مقومات بناء الاوطان هي بناء الانسان .

***  

ثامر الحاج امين

...................

* كتاب (قصة سنغافورة) فيه من الدروس ما يجعلنا نفكر كم نحن بحاجة الى رجل بحكمة ووطنية لي كوان

 

الثورة حركة تهدف للتغيير نحو الأفضل، أي أن الشعب ينتفض ضد وضع قائم لتأسيس وضع أحسن منه، ولن تستوفي الثورة معانيها إن لم يكن زمنها أفضل من الزمن السابق لها.

وفي الثورات تنكشف عورات الشعوب والمجتمعات!!

فلكل ثورة عوراتها، وحجم العورات يتناسب طرديا مع الويلات التي يعيشها المجتمع بعد أن ثار وأزال النظام الحاكم وألغاه.

في مجتمعنا العورة الكبرى التي تكررت هو سفك الدماء، حتى توهمت الأجيال بأن تغيير نظام الحكم لا بد أن يقترن بالقتل والإعتقالات والتعذيب والإمتهانات.

فيوم الرابع عشر من تموز عام ألف وتسعمائة وثمان وخمسين، قدم قدوة سيئة، مضت على هديها أنظمة الحكم اللاحقة، فصارت الإعدامات والتعذيب من شروط وعناصر الإنقلابات التي تسمى دوما بالثورات، وهي تفاعلات عدوانية عمياء، فشلت في بناء نظام حكم دستوري يحافظ على البلاد في دولة، والعباد في مجتمع تحكمه أواصر المواطنة وحقوق الإنسان.

ولا يزال مجتمعنا يتعثر بذات الحجارة ولا يستطيع إقالتها عن الطريق، ويعيش نتائج ذلك اليوم العصيب، المتجذر في أعماق الوعي الجمعي، ولا يمكن تخيل مطالبة بحقوق أو تظاهرة دون سفك دماء وقتل وإعتقال وترهيب وتهديد، فما أرخص البشر، وقتله أيسر من قتل الحشر.

فلماذا العقول معطلة، والكفاءات مغيبة، والتبعية مبجلة، والخيانة وطنية، والمطالب بحقه معارض معادي للوطن، لمصلحة مَن ما جرى ويجري، فهل إستفاد الشعب من الإنقلابات، وهل أسست الجمهوريات أنظمة لبناء دولة معاصرة؟!!

أين السيادة، وكيف يمكن فهم ما آلت إليه أحوال مجتمعاتنا؟

تساؤلات في غياهب اللا أدري!!

***

د. صادق السامرائي

تأريخنا أرقى وأنصع من تأريخ الأمم الأخرى، والفرق في عصرنا، أننا نسلط الأضواء على العثرات ونغفل الإنجازات، والأخلاقيات والقيم السامية، والتفاعلات العزيزة الأبية، ونتوطن في ظلمات الإدّعاءات المجحفة القاضية بتدميرنا، ومحق جوهرنا وتعطيل إرادتنا.

الأمم الأخرى تدفن تأريخها السلبي وتركز على الإيجابي، وتقدمه على طبق من ذهب للأجيال، ونحن نجيد طمر تأريخنا، والإمعان بإيهام الأجيال بأننا أمة سيئات، وتداعيات وحروب وصراعات عبثية عدوانية، لا تساهم في تأمين الإعتصام بالوحدة والحرية والعدالة الإجتماعية، وتكريم قيمة الإنسان.

ما نستحضره من التأريخ لمحق قيمة الإنسان، وتبديد طاقات الأجيال، ويتأكد الإستثمار في الدين لتحويل نوره إلى نار، وكأننا الأمة الوحيدة التي عندها دين.

فكيف نطوّع لأنفسنا، أن نقدم الغثيث الذي لا ينفع الناس، وندفن عناصر الحياة ومولداتها في دثار من الخيبات والنوائب المنتقاة لتمرير الإدّعاءات، وتكرار النكبات لإيهام الأجيال بأنها دون القدرة على صناعة الحياة، وبناء الحاضر الزاهر والمستقبل السعيد.

علينا أن نستيقظ من غفلتنا، ونتدرع بحقيقتنا الحضارية، ونمثل جوهرنا المعرفي الأصيل، ونوطن أنفسنا على العزم والإصرار وشحذ الهمم بالقيم، الكفيلة بدفعنا بتوثب مقدام إلى آفاق المستقبل المستقيم القويم.

التاريخ المتداول ينهرنا ولا يعلمنا، يعوقنا ولا يهذبنا، يبتلعنا ولا ينورنا، إنه كالآفة التي تلتقم ما تصادفه من الأحياء، التأريخ المشوه يخيم على وعينا الجمعي، وتتكرر منطلقاته التدميرية لذاتنا وموضوعنا، ويرمي بنا في آبار ما فات ما مات، فنتحول إلى أموات تتدحرج فوق تراب الذين فيه رميم يتحكمون بمصائرنا، ويسحقون وجودنا ويمحقون تطلعاتنا، لأننا من رهائنهم التابعة الخانعة المنوّمة بالأضاليل والخداعات والبهتان المقيم.

التأريخ ما وعيناها، بل عقمنا به، وتعطلت عقولنا بأوهامه، وصدقنا ما توارد إلينا من قصص وحكايات لا تتوافق مع بديهيات الأمور، فهو تأريخ كراسي، وفيه هذربات خيال وتحليقات في مناطيد التصورات الكارثية لبشر أضفيت عليهم توصيفات خارقة لا يستطيعها مخلوق آدمي، إذ تتقاطع مع طاقاته الخلقية وقدراته البايولوجية والفسيلوجية والعقلية.

التأريخ فيه الكثير من الكتابات على أبواب التسول والمديح الداعي للمكرمات، ومعظم كتبه تهدى للسلاطين، وهي تشيد بهم وتعظم مآثمهم، وتحسب خطاياهم من المكرمات والأعمال التي ترضي رب العالمين.

فهل لنا أن نقرأ التأريخ بعيون علمية باصرة ذات ضوابط ومعايير واقعية؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم