أقلام حرة

محمد الزموري خمس خرافات أخرجها العلم وما زلنا نعبدها بإيمان راسخ

يبدو أن العلم قد انتصر في المعركة، لكنه خسر الحرب. فبعد قرون من التجريب والتمحيص والمختبرات، ما زال كثير من البشر يثقون أكثر في “بوست” على إنستغرام يحمل صورة فاكهة عضوية أكثر من ثقتهم في مجتمع العلماء. نحن أبناء “العصر الرقمي”، نعم، لكن عقولنا لا تزال تلبس رداء القرون الوسطى. دعونا نراجع، بهدوء ساخر، بعضًا من هذه “الأساطير الحديثة” التي تُصرّ على الحياة رغم إعلان وفاتها مرارًا من قبل المنطق.

1. اللقاحات: مؤامرة شريرة ضد البشرية: في عام 1998، قرر طبيب بريطاني اسمه أندرو ويكفيلد أن يضيف نكهة درامية للطب الحديث. فنشر “دراسة” تربط بين اللقاحات والتوحّد. بعد سنوات، تبيّن أن الرجل زوّر نتائجه، فطُرد من المهنة، واحتفت به صفحات “محاربي الحقيقة” على الإنترنت كشهيد للعقل الحر!

العلم أنكر، والإحصاءات دحضت، لكن الأسطورة ولدت من رحم الفهم الجمعي، وصارت حركة فكرية لها زعماؤها ومؤتمراتها، تمامًا كما للكنائس قساوستها.

2. حمية “التخلص من السموم”: العصير الذي يطهّرك من خطايا البيتزا: يُقال إن كوبًا من عصير السبانخ والزنجبيل قادر على غسل جسدك من “السموم” التي خلفتها سنة كاملة من المشاوي والسكريات. الحقيقة؟ الكبد والكليتان تقومان بهذا العمل منذ ملايين السنين دون أن تطلبا منك عصيرًا أخضر.

لكن الإنسان الحديث يحب أن يشعر بأنه في مهمة بطولية حتى وهو يشرب السبانخ. فيصدق أن “التطهير” في العصير، لا في العقل الذي صدّق.

3. المعالجة المثيلة: حيث تُباع القطرات الفارغة بثمن الذهب: فكرة المعالجة المثيلة بسيطة: خذ شيئًا يسبب المرض، خفّفه حتى يختفي تمامًا، ثم بِعه على أنه دواء. إنها عبقرية التسويق في أنقى صورها.

يقول العلم إن هذه المستحضرات لا تحتوي شيئًا فعالًا. ويقول المؤمنون بها: “نعم، لكنها تشفينا بالإيمان”. بهذا المنطق، يصبح كوب الماء المقدس أعظم من البنسلين.

4. الكيمتريل: الطائرات التي ترشّنا بالسموم لأن الحياة الوردية مملة: بينما تنظر إلى السماء وتتأمل خطوط الطائرات، هناك من يرى فيها “مشروع إبادة جماعي كيميائي”. هؤلاء لا يرضيهم تفسير فيزيائي عن تكاثف بخار الماء، بل يحتاجون إلى مؤامرة ذات طابع سينمائي.

فكر قليلاً: لو كانت الحكومات فعلاً ترش السماء بالكيماويات، فهل كانت ستتركك لتغرد عنها على تويتر؟

5. الأبراج: الفلكيون الجدد في زمن الذكاء الاصطناعي: منذ البابليين وحتى صانعي المحتوى على إنستغرام، لم يتوقف البشر عن ربط حياتهم بحركة المشتري.

“هو لم يتركني لأنني مزعجة… بل لأن القمر كان في برج الجدي!”

لا شيء يفسد منطق القرن الحادي والعشرين مثل عبارة “أنا لا أتناسب مع مواليد برج السرطان”. فالعلم فشل في ربط النجوم بمصيرك، لكن المنجّمين نجحوا في ربط مصيرك ببطاقتك الائتمانية.

ورغم التجارب العلمية التي أثبتت أن نسبة دقة الأبراج لا تتجاوز نسبة التخمين، فإننا نقرأها كل صباح لنشعر أن الكون يفكر بنا، أو على الأقل يتآمر ضدنا.

لا توجد دراسة واحدة أثبتت صحة الأبراج، لكن هناك دراسات كثيرة أثبتت أننا نحب تصديق ما يجعلنا مميزين. العلم يقول: لا علاقة بينك وبين نجم يبعد عنك ملايين السنين الضوئية.

الخيال يقول: “أنا لست متقلباً، أنا برج الجوزاء”.

ربما لا نحب الحقيقة لأنها بلا ألوان، بلا موسيقى خلفية، بلا مؤامرات. العلم صارم، أما الخرافة فحنونة، تربت على كتفك وتقول: “كل شيء يحدث لسبب”. ولعلّ هذا هو سر بقائها…فالعلم يشرح، لكن الخرافة تعزّي.

لقد غزونا الفضاء، لكن لا زلنا نرتجف من لقاح الإنفلونزا. صنعنا الروبوتات، لكن نصدق أن المريخ يتحكم في مزاجنا. يبدو أن المشكلة ليست في التكنولوجيا، بل في البرنامج التشغيلي المسمى “الإنسان”.

ربما نحتاج إلى تحديث عاجل للعقل، نسخة 2.0، تُصلح هذا الخلل الأزلي بين حب المعرفة وعبادة الجهل.

***

محمد إبراهيم الزموري

في المثقف اليوم