قضايا

حاتم حميد محسن: آراء الفيلسوف اليوناني فيثاغورس حول تناسخ الأرواح

غالبا ما ارتبط الفيلسوف والرياضي اليوناني فيثاغورس بمفهوم التناسخ، الى جانب العديد من المعتقدات الروحية والميتافيزيقية. ونظرا لأن فيثاغورس لم يترك بذاته أي عمل مكتوب، فان معظم المعلومات حوله تأتي من مصادر لاحقة، يفسرها الباحثون بمختلف الطرق. تُعزى لفيثاغورس وأتباعه أفكار أساسية متصلة بالتناسخ والروح، مركزين على خلود الروح ورحلتها الدورية عبر مختلف أشكال الحياة.

الجسد كمدفن للروح

معظم الكتاب القدماء يتفقون على ان فيثاغورس كان ابن منساخوس Mnesarchus. منساخوس وصل الى جزيرة ساموس لغرض التجارة اثناء موسم نقص المحصول. وبعد ان عرض الحنطة بسعر أقل قامت الدولة بتكريمه ومنحته الجنسية في ساموس. وبسبب ان فيثاغورس أظهر منذ شبابه قدرة متميزة في كل أنواع الدراسة، أخذه منساخورس الى مدينة تير و أطلعه على تعاليم الكلدانيين .

بعد ذلك، عاد فيثاغورس الى ايونيا. ارتبط أولا بفريسيدس pherecydes ولاحقا بهيرموداماس - الشاعر من ساموس. كان فريسيدس ذو تأثير كبير على فيثاغورس، وهو من أقدم الفلاسفة في تعليم خلود الروح. ونظرا لتحفز فيثاغورس بهذه التعاليم الى جانب التقاليد الاورفية ادّعى ان الروح إلهية وخالدة. هو اعتقد ان الجسد اعتقل الروح مشبّها الجسد بالمقبرة.

تناسخ الروح طبقا لفيثاغورس

اعتقد فيثاغورس في تناسخ الأرواح، وهو ما يُعرف أيضا بالتقمص. وهو الفكرة بان الروح خالدة، وعند الموت، تُعاد ولادتها في جسد جديد. هذه الدورة من الولادة والموت وإعادة الولادة تستمر حتى تحقق الروح الطهارة والتنوير. طبقا للمؤرخ ديوجين لايرتيوس، علّم فيثاغورس ان الروح تتألف من جزئين احدهما فان والأخر غير فان، وتستمر مسيرتها في التنقل من جسد الى آخر. في الفكر الفيثاغوري، يرتبط تطور الروح الأخلاقي والروحي بالتناسخ. الروح تطهّر ذاتها عبر السفر خلال حيوات مختلفة، تتعلم وتتحسّن وتنمو روحيا عبر مختلف الاشكال والتجارب.

فيثاغورس وأتباعه أكّدوا على الفضيلة وعيش حياة متناغمة. هم اعتقدوا ان أفعال الفرد وسلوكه في حياة واحدة تؤثر في طبيعة حيواته المستقبلية. عبر العيش أخلاقيا، وممارسة الانضباط الذاتي والسعي للحكمة، يستطيع الفرد الارتقاء بروحه الى مراتب عليا في الوجود. بتلك الطريقة هو سوف يتحرر بالنهاية من دورة إعادة الميلاد.

التناسخ كسبب للنباتية واحترام الحياة

علّم فيثاغورس طلابه ان يمتنعوا عن تناول اللحوم، رغم ان التفسيرات تختلف بشأن هذه المسألة. طبقا لديوجين لايرتيوس، احدى حجج فيثاغورس التي استُخدمت ضد استهلاك الحيوانات هو انها قد تكون من اقربائهم او اصدقائهم الذين تقمصت ارواحهم في اجسام حيوانية. هو اعتقد ان جميع الكائنات الحية  - وليس فقط الانسان – كانوا جزءاً من نفس دورة التناسخ. هذه العقيدة قادت الى دعوته القوية للنباتية، لأنه رأى الحيوانات كونها تمتلك ارواحا فهي قادرة على مباشرة إعادة الميلاد. وبالنتيجة، فان إيذاء او استهلاك لحم الحيوانات اُعتبر عملا غير أخلاقي.

الروح والعالم السماوي

نظر فيثاغورس للروح باعتبارها مرتبطة بعالم سماوي. النجوم، كونها إلهية وأبدية، هي من أقارب الروح. الهدف النهائي للروح هو العودة الى هذا التناغم السماوي بعد التطهير. هو رأى الكون كنظام حي موحّد حيث الروح والنجوم متشابكان بعمق. النجوم تمثل النظام الإلهي للكون، بينما الروح هي انعكاس مصغّر لهذا النظام. عبر عيش حياة فاضلة وتأمّل الطبيعة الرياضية والمتناغمة للكون، يمكن للمرء السمو بروحه وتحقيق الاتحاد بالإله.

الروح، كالنجوم، جزء من النظام الإلهي للكون. اعتقد فيثاغورس انه من خلال فهم تناغم الكون، يمكن للمرء ان يجعل روحه تتماشى مع هذا النظام الكوني. هو ربط مساكن الحياة الآخرة الهوميرية بالسموات. للإجابة على السؤال "ماهي الجزر المباركة؟" او كيف ستكون وجهتنا بعد الوفاة لو عشنا حياة جيدة؟، هو يجيب: "الشمس والقمر". ايضا، في قوله "الكواكب هي كلاب لبيرسيفون"، تعني ان الكواكب تعمل كوسائل للانتقام من اللاعدالة التي ترتكبها الارواح.

الاساطير الفيثاغورية والايمان الثيولوجي

تلك الاقوال، الى جانب عبارة "الأرواح لا يمكنها الصعود بدون موسيقا"، تسلط الضوء على مظهر هام لإيمان فيثاغورس الاخروي: روح أولئك الذين يلاحظون المبادئ الأخلاقية للإخوة تسمو فوق السماء وتستقر في الشمس والقمر.

اساطير فيثاغورية أخرى تصف التالي: الرعد يهدد أولئك الذين في تارتاروس، يخيفهم، الزلازل تنتج عن تجمّع الأموات، ربات الإلهام يعزفن على قيثارة الثريا، زحل يذرف الدموع التي تشكل البحر، ريا Rhea(ام الالهة) تمسك مجموعة نجوم في السماء (Great Bear). فيثاغورس ربط أيضا ارض الاحلام بمجرة درب التبانة.

فيثاغورس يتذكر حياته الماضية

طبقا للاسطورة، امتلك فيثاغورس مقدرة فريدة في تذكّر حياته الماضية. هذه العقيدة تتجذر في ممارساته الروحية وارتباطه المزعوم بالمعرفة الإلهية. فيثاغورس ادّعى انه عاش مجسدا يوفوريوس، المحارب الذي قاتل في حرب طروادة. طبقا لميثولوجيا اليونانية، يوفوريوس كان ابنا لبانثوس الشخصية الشهيرة في اليادة هوميروس. فيثاغورس ادّعى أيضا ان روحه باشرت عدة حالات من التناسخ وانه يستطيع تذكّر ليس فقط حياته كـ يوفوريوس وانما أيضا الاشكال الأخرى التي تقمصها. هو وصف الرحلة في العالم السفلي حيث تقيم الأرواح بين الحيوات، وكيف انه اكتسب الحكمة من تلك التجارب.

الروايات المنقولة عن المؤرخ ديوجين لايرتيوس:

"هيراكليوتوس البنطي وآخرون يشيرون الى ان فيثاغورس كان ابن منسارخوس Mnesarchus وانه سمي اول مرة ايثاليد كشخصية خيالية. كان الاعتقاد السائد انه كان ابن هيرمس وان هيرمس اخبره انه يمكنه اختيار أي هدية عدى الخلود. فيثاغورس اختار الاحتفاظ بذكرى ما حدث له في كل من الحياة والموت. بالنتيجة، في اثناء حياته، هو تذكّر كل شيء وعندما توفي احتفظ بنفس الذكريات".

"لاحقا هو ولد مرة أخرى كـ يوفوريوس Euphorbus بطل حرب طروادة وجُرح من جانب البطل اليوناني مينيلوس. ادّعى يوفوريوس انه كان شخصية خيالية واستلم هدية من هيرمس ذكرى تقمّص روحه، تفصّل كل الاشكال التي مرت من خلالها، نباتات وحيوانات، وما تحملته روحه في الهاوية (العالم السفلي) وما عانوه الآخرون هناك."

"بعد موت يوفوريوس دخلت روحه في هيرموتيموس (فيلسوف) الذي يرغب بتقديم دليل، ذهب الى برانشيداي (مكان الكهنة)، دخل معبد ابولو وحدد درع يوفوريوس الذي غنمه البطل اليوناني مينيلوس وقدمه الى ابولو. وبعد موت هيرموتيموس، ولد مرة أخرى على هيئة بيروس ، ملك في جزيرة ديلوس. أخيرا، بعد وفاة بيروس، اصبح على شكل فيثاغورس محتفظا بذكرى لكل تلك الأحداث.

***

حاتم حميد محسن

في المثقف اليوم