قضايا

علي الطائي: المرأة العراقية بعد الأربعين.. وهم الشيخوخة!

قبل أيام كنتُ أتصفحُ كتاب (حياتُنا بعدَ الخمسين) للفيلسوف العربي المعروف "سلامة موسى"، وبعد أن قلبت عدة صفحات، استوقفني عنوانٌ وسط كتابه هو (المرأة المصرية بعد الخمسين). وبعد قراءتي للفصل تذكرتُ كثيرا من المشاهد التي ترد على خاطري من خلال ما أشاهده في عيادتي الطبية من نساءٍ قد تجاوزن الأربعين من أعمارهن وكأنني أتعامل مع امرأةٍ وقد تجاوزت السبعين!!

المعروف طبيا أن المرأة تحافظ على نضارة جلدها واعتدال قوامها، وصحة مفاصلها، وإشراقة وجهها، وطراوة بشرتها بتأثير الهورمونات الأنثوية المشهورة وهي "الإستروجين" و" البروجستيرون". وهذه الهورمونات، وخاصة الأول منها، يتناقص تركيزها حوالي سن اليأس أو فترة انقطاع الدورة الشهرية في سن معينة يبدأ بعد الخامسة والأربعين ويمتد حتى بعد الخامسة والخمسين. وغالبا ما تشعر المرأة بعد بلوغها الأربعين بأن كل شيء انتهى، وأقصد كل ما يتعلق بأنوثتها وجاذبيتها.

هذا المقال يسلط الضوء على ظاهرة شائعة في مجتمعنا العراقي وربما العربي ألا وهي الإحباط النفسي للمرأة بعد جوازها سن الأربعين وكأنها تنتظرُ الموت وزيارة عزرائيل ليس إلا.

سألتُها: كيف حالك؟ أراك عابسة الوجه!!

أجابت: يا دكتور، وماذا بقي من العمر؟!

قلتُ لها: اتقي الله، أنت في منتصف العمر، فلماذا هذا العبوس؟

قالت: لا والله يا دكتور، أشعر أنني أموت في كل لحظة!!

لا يظن القارئ أن هذه المرأة هي من مجموعةٍ قليلةٍ من النساء اللواتي يشعرن هذا الشعور ويصارعنَ نفسيا بعد تجاوزهن سن الأربعين. التقيت بالعشرات من هؤلاء وأكاد أجزم أنني يوميا ألتقي بواحدةٍ أو اثنتين من هذا النوع.

علماء الاجتماع متيقنون بأن النشأة الاجتماعية هي من أهم العوامل التي يتأثر بها الفرد في مجتمعه، وأن العدوى المجتمعية تنتقل بسرعةٍ من الآباء والأجداد إلى الأجيال اللاحقة. تعيش الفتاة منذ أن تبصر الدنيا في كنف والدتها، وعلى الأغلب في مجتمعنا العراقي تعيش في حضن جدتها من الأب أو جدتها من الأم. وهؤلاء الجدات على الأعم الأغلب يعانين من هذا الإحباط النفسي الدائم. وقد عُرف المجتمع العراقي بأنه يتسم بسمة الحزن والقلق المتواصل الذي لم يأتِ من فراغ بل بسبب الظروف التي مرت على العراق منذ مئات من السنين ولم تزل. ظروف الحروب والانقلابات والجوع والأمراض والحرمان والعادات المتزمتة التي كانت متبعة طوال تلك الفترة، والتي كانت تهدف أغلبها إلى عزل المرأةِ عن المجتمع وعن الاختلاط. يضاف إلى ذلك غياب الثقافة العامة التي هي ضرورية في المجتمعات التي يراد لها أن تقفز إلى مصاف المجتمعات المثقفة والراقية. تميزت المرأة العراقية بأنها تشعر بعقدة الحرمان وتستشعر الظلم حتى ولو لم يكن موجوداً. وهذا الشعور انتقل بالعدوى من أمها أو على الأغلب من جدَّتها. وبالرغم من شيوع وسائل التواصل الاجتماعي والتطور التكنولوجي وسرعة الوصول إلى المعلومة كما هو معروف لكننا نجد وخاصة في المناطق الريفية أن الفتاة الصغيرة تتأثر كثيراً بالموروث الشعبي أو المجتمعي أو الديني الذي تعيشه في محيطها المغلق. لذلك كنت وما زلت أستغرب حينما أسأل إحداهن وهي لم تتجاوز الأربعين من عمرها بأنكِ تتصرفين بمشيتك وطريقةِ كلامك ومشاعرك وشكواك وكأنك قد تجاوزتِ السبعين. يزورني في عيادتي عددٌ كبيرٌ من النساء والرجال الذين تجاوزوا الستين أو السبعين من أعمارهم أو حتى الثمانين والتسعين وهؤلاء ربما، وأقول ربما، لهم الحق في أن يتصرفوا حسب ما يملي عليهم سنُّهم.

من المظاهر التي تعرض علي يوميا عند النساء اللواتي تجاوزن الاربعين أو الخمسين هي اليأس من الحياة واستشعار الموت في كل لحظة والقلق والأوهام النفسية بأنها لابد أن تكون مصابة بمرض معين رغم أنها سليمة من الناحية الطبية، وبعد إجراء الفحوصات اللازمة. ومن الأمور المؤسفة هي عدم قناعتها بكلام الطبيب رغم التطمينات، وفي بعض الأحيان القَسَم من قِبلي بأنها سليمة من أي مرض!!

هذا القلق النفسي وهذا الخوف من المرض له تأثير كبير على جسدها أولا ونضارتها وعلى طريقة سلوكها في البيت وفي المجتمع. فنشاهدها ليس لها شاغل في حياتها إلا بعض السلوكيات والممارسات البعيدة عن روح التفاؤل والأمل وحب الحياة. فنجدها تذهب كل جمعةٍ كي تزور القبور، قبور أحبائها، فتبكي هناك وتذرف الدموع وتسكب شيئا من الماء على القبور. وسمعت إحداهن تقول للموتى: ناموا نحن سنلحق بكم عن قريب. ثم تأخذ بالبكاء الشديد. هذا كله وهي لم تتجاوز الخمسين من عمرها. أو ربما تذهب إلى زيارة قبور الأولياء مع العلم أن أغلب هذه القبور هي وهمية في بلادنا وكما هو معروف ربما من أجل الشعور بالراحة، لكنني أجد أن هذا لا ينفع بل يزيد الطين بلة. نجدها لا تفارق مأتما إلا وقد حضرته، وتحرص على الحضور إلى مآتم المتوفين في منطقتها أو حضور العزاء الذي يقام في شهر محرم في المحافظات الشيعية في العراق. أتحدث مع هؤلاء من باب النصيحة بأن حضور هذه الأماكن لا ينفع ويعجل بالشيخوخة، ويجب عليهن أن يستبدلنه بالسفر إلى بلدان أخرى للسياحة والاستجمام والتمتع بالمناظر الخلابة من الطبيعة ورؤية البشر في الدول التي يمكن أن نصفها بأنها الدول الباعثة للأمل كأغلب الدول الأوروبية مثلا أو حتى الآسيوية. كثيراً ما تضحك أو تسخر من كلامي هذا فترد: وماذا أفعل بالسفر يا دكتور وهل ينفع السفر في امرأةٍ تجاوزت الأربعين أو الخمسين، وكأنها ضربت موعداً مع ملك الموت ولم يكن هناك شاغل لها إلا انتظار هذا القادم غير المرغوب فيه.

هذه المشكلةُ يدركها الأزواج قبل الأفراد الآخرين من الشباب مثلا. كثير من المشاكل التي تحدث بين الأزواج بعد هذه الفترة من العمر هي بسبب هذه السلوكيات التي تلجأ إليها المرأةُ والتي تُنفّر الزوج الذي كلما كبرت سنه، احتاج إلى العطف بل وإلى ممارسة الجنس والذي هو مفقود أو يكاد، عند هذه المخلوقة اليائسة البائسة. لذلك لا نستغرب أن يحدث الطلاق بعد سن الأربعين أو الخمسين هذه الأيام. الرجل ربما إلى حد ما، يستمر في طلب الاستمتاع بحياته ويحاول بعد أن يتجاوز سن الخمسين أن يعود إلى الشعور الطفولي أو الشبابي كوسيلة من وسائل الاستمتاع والراحة النفسية وخاصة بعد إحالته على التقاعد بعد سن الستين. وهذا من حقوقه، بل وأعتبرها من الأمور الواجبة على الرجال بعد هذا العمر. ولنا وقفة أخرى مع الرجال بعد سن الستين في مقالة مفردة.

أقول من باب النصيحة الطبية النفسية لمن تقرأ مقالتي هذه وقد تجاوزت سن الأربعين:

"عليك أن تشعري بأن الحياة قد بدأت من هذه اللحظة وثقي بأن أعمار الأوروبيات من النساء طالت بعد أن طردن هذا الشعور البائس الذي تشعرين به، ومارسنَ حياةً جديدة تتسمُ بالمرح والرياضة النفسية المبهجة، وروح الأمل والتفاؤل.

عليكِ أن تطردي كل الوساوس المظلمة والأفكار الرجعية التي انتقلت إليك من محيطكِ المتخلف.

مارسي الرياضة يوميا ولو لخمس دقائق في البيت.

اقرئي كتاباً مفيداً لمدة نصف ساعة يومياً من الكتب التي تعنى بتعزيز الثقة بالنفس وابتعدي عن الكتب التي تزيد من شعورك بالإحباط كأغلب الكتب الدينية البائسة.

سافري إلى المناطق الخضراء والمدن النظيفة والدول التي تمتلك طبيعة جذابة من بحار وحدائق وناس لطفاء يتمتعون بنعمة الحياة. وكما قال الشاعر إيليا أبو ماضي:

رَوضٌ إِذا زُرتَهُ كَئيبا

نَفَّسَ عَن قَلبِكَ الكُروبا

*

يُعيدُ قَلبَ الخَلِيِّ مُغراً

وَيُنسِيَ العاشِق الحَبيبا

علمي أبناءك وبناتك حب الناس وحب الحياة ولا يكون الوجه العبوس هو الوجه الذي تقابلين زوجك وأولادك به أول الصباح حتى لا يشملك قول الشاعر الطبيب إبراهيم ناجي:

من بدّل الثغرَ الجميلَ عبوسة

ومضى إلى وجه السماء فكدرا

وأخيراً أقول: " إن الزوج كمحرار العيادة يتحسس حرارتك سريعاً ومشاعرك فاحرصي على أن تحافظي على الحدود الطبيعية منها خوفا من عطب المحرار وحامله!!!"

***

بقلم: د. علي الطائي

29-11-2024

 

في المثقف اليوم