أقلام حرة

أقلام حرة

أولا: يقولون (بين الرأس والذنب حرب باردة وأكثر):

هذا ممكن، حين ينشب الصراع بين شخصيتين، إلا أن الأكثر اهمية حين ينشب الصراع بين الرأس والذنب.. الرأس ينهش الذنب، والذنب يحاول ان يتفادى العض ويفر من محاولات النهش بطريقة اللف والدوران.. ولكن النتيجة تتساقط أسنان الرأس ولم تعد في الذنب غير الجروح ولا حتى شعرة واحدة . وبات الرأس والذنب يصرخان من شدة الألم الذي سرعان ما تحول كل هذا الى (جرب) اصاب شفاه الرأس وأصاب الذنب نفسه. والأمر الأكثر إثارة هو أن هناك من لا يكترث من الاقتراب من راس مسعور ولا من ذنب يأكله المرض، وهناك من يترقب النتائج. والمعروف عن مرض الجرب انه ينتشر بسرعة ويأكل لحم الفك أما الذنب فقد يسري الى داخل المؤخرة في طريقه نحو الجوف، والزمن كفيل بإعطاء صورة واضحة وفاضحة لمشهد العلاقة بين الرأس والذنب.. وهذا التوصيف هو الأكثر إثارة في الحرب الباردة.

ثانياً: ويقولون (إن الحرب التالية بين دولتين إقليميتين):

ومثل هذه الحرب كان القول عنها أو فيها من سنين ولم تقع كما هي سابقاتها الآتي فرخن حروباً وأسقطن حكومات وهجرن شعوب وبعثرن طاقات واستنزفن موارد..إلخ

الحرب بين الكبير الدولي والصغير الإقليمي لن تقع، مع الأخذ بعين الإعتبار القاعدة الأساسية في علم الإستراتيجيا، أن لا حرب بدون سياسة.

والحرب بين الصغير الإقليمي والصغير الإقليمي، غير العربيين، هي الأخرى لن تقع، لأن الحديث في الإعلام يختلف عن الحديث في السياسة، إضافة إلى إستخدام مصطلح آيديولوجي مفاده "أن تعلن خلاف ما تبطن".

والحرب المفترضه إعلامياً بين الصغيرين، ترتبط بالحرب التي يديرها الكبير بالتهديد والوعيد وهو يحمل الهراوة على الجميع من جهة، فضلاً عن هراوته الصغيرة التي صنعها للمنطقة والأخرى هراوة التخويف والتهشيم التي يتعامل بهما مع المنطقة من جهة أخرى.

هراوتان أو كماشتان صنعتهما القوة الكبيرة لمحاصرة المنطقة بكل اقطارها .. هاتان الهراوتان ليس بينهما اختلافات او تناحرات او صراعات جوهرية، وهما متفقتان على الأساسيات ومختلفتان في الثانويات البسيطة من الأمور التي يتم حلها غالباً تحت الطاولة أو من خلال طرف ثالث.

والقاعدة التي تحكم علاقة الصغير الإقليمي بالصغير الإقليمي الآخر هي قاعدة (لا غالب ولا مغلوب) تحت اشراف العم الأكبر. فلا احد يستطيع ان يتفوه كذباً أو تغليساً أو نفاقاً بأن الحرب قادمة بين الصغيرين الإقليميين أو بين الكبير وأحد الصغار.

أحد الصغيرين الإقليميين قد أسقط في حفرة ويحاول الخروج منها بالحفر.. ألم يكن غباءاً ؟ فكلما تعمق في الحفر في خارجها عن طريق التوسع كلما إنهارت عليه أطنان من الأتربة.. وكلما اختنق، كلما بات الإنهيار قريباً.

المراقبون يرون ان الصغير الإقليمي الذي تمكن من حفر اربعة مواقع متقدمة للنجاة من الانهيار قد وجد مشتركاً مع الصغير الإقليمي الآخر ليحفر حفرة رابعة تحت أرض مركزية لا احد يجرؤ من الاقتراب منها بالسوء.. وهذا الاقتراب وخرائطه موجودة في خزانة البيت الأسود، والصغير الإقليمي يعلم بذلك، لكنه يظل يلعن الشيطان الأكبر.. وهذا هو الفرق الجوهري بين فعل الإعلام وفعل الاستراتيجيا.!!

الحرب بين الصغيرين الإقليمين لن تقع ولكن قد يعض أحدهما الآخر أو يخدشه أو يمازحه بمناورات وألعاب نارية استعراضية فاضحة.

والسبب هو أن الصغيران مكلفان سوية بالحفر تحت بقعة مقدسة، وأحد أدوات الحفر تدعي القدسية والمسؤولية المقدسة للخلاص وتشارك الصغيرين الإقليميين جريمة الحفر تحت اشراف البيت الأسود.!!

***

د. جودت صالح

5 / 9 / 2024 

أثار موضوع المقال الأستاذ علي حسين في مقاله المنشور في صحيفة المثقف "الغرق في الشعارات" بتأريخ (3\9\2024)!!

كنا طلبة في الإعدادية، وكان صديقي ونحن نسير في شوارع مدينتنا، تنتابه نوبة ضحك هستيرية كلما واجهتنا لافتة تحمل شعارا، إذ كان يسفه الشعارات، ويرى أنها لعبة لخداع الناس وإستلاب إرادتهم، وكان يتكلم بجرأة وقناعة فائقة، بأن الشعارات أكاذيب لا غير.

وبصراحة في ذلك العمر، لم أفهم ما يعتمل في رأس صديقي، لكنه من القراء الجيدين، ويمتاز بثقافة عالية، ولديه مكتبة عامرة في البيت، وكم جلسنا في مكتبته، وكانت تدهشني لما تحويه من الكتب التي كانت ممنوعة في حينها، وأول مرة أطلع على كتاب "في ظلال القرآن "، عندما وجدته في مكتبته.

ومع الأيام إزداد حضور صديقي في ذاكرتي، بعد أن تبين أن الشعارات التي طرحتها الأحزاب وأنظمة الحكم، عبارة عن وسائل للتخدير ولتمرير أجندات خفية، في جوهرها النيل من البلاد والعباد.

فلا يوجد حزب في مجتمعاتنا حقق نسبة ضئيلة من شعاراته، فجميعها كانت لعلعات خطابية بلا إنجازات واقعية ذات قيمة وطنية ومنفعة للناس.

فهل وجدتم شعارا واحدا، إقترب من كلماته، أو أحرفه؟

أصبحنا ندرك أن الأقوال هي غاية الأفعال، أما العمل فمحرم وممنوع، ولا بد لأي إنجاز أن يكون قاهرا للشعب.

أين أصبحت الشعارات الوحدوية والقومية والثورية التي صدّعت رؤوس الأجيال، ورمتهم في سعيرات الحروب العبثية بين أبناء الأمة.

الذين يتمنطقون ويتفلسفون على رؤوس المواطنين، لا يقدمون لهم سوى الكلمات، وهمهم ما يجنون من المال المنهوب، والمشرعن بفتاوى مؤنفلة وغنائم مشاعة للكراسي المتسلطة على مصير الناس، فالجالس على الكرسي يمنح الحق لنفسه بالتصرف بكل شيئ، وما عليه إلا أن يتقنع بشعاراته الجوفاء، ويتخذها دريئة لنيل ما يريده من حقوق المواطنين، فهو رب البيت ومن حقه أن يديم الرقص والنقر على الطبول!!

فتبت شعارات المتسلطين على أمة أرحم الراحمين!!

***

د. صادق السامرائي

 

يهلّ علينا السيد رئيس هيئة النزاهة مشكوراً بين الحين والآخر من خلال الفضائيات والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، وقد أعلن بالأمس عن بدء المعركة مع الفساد، ويتعاطى العراقيون جرعاتٍ مسكنةً من التصريحات التي يطلقها المتحدث باسم هيئة النزاهة، حيث يظهر الرجل بالصورة والصوت على فضائيات ليخبرنا بأن هذا العام هو آخر أعوام نهب أموال البلاد والعباد .

وبرغم كثافة الحضور الإعلامي لهيئة النزاهة، إلا أن واقع الأمر يثبت أن أحداً في العراق لا يثق على الإطلاق بالتصريحات الوردية عن الشفافية والإصلاح، والدليل أن معظم العراقيين يسخرون حين يسمعون أن هذا العام سيكون الأخير في سلسلة معاناتهم مع نهب المال العام، فالثابت أن الناس تعطي آذانها للمشككين في أحاديث المسؤولين، أكثر ممّا تعطيها لأصحاب خطب النزاهة ومحارلة الفساد، ويمكن القول إن ظهور نموذج نور زهير جعل من النزاهة مجرد رواية تبدو واهية ومتهالكة بحيث لم تصمد في وجه ما يقوله الرافضون لبيانات القضاء على الفساد والمشككون فيها، وفي المحصلة النهائية يمكن القول إن الغالبية العظمى من العراقيين لا تعتبر النزاهة ضمن أولويات مصداقيتها بعد كل حديث عن صفقة فساد جديدة، ومن ثم فأن الناس تعطيها "الأذن الطرشة" على حد تعبير أهالي بغداد.

ووفقاً للأرقام المعلنة حتى الآن فأن عشرات المليارات نهبت من أموال العراقيين حتى أن البعض قال ساخراً إن ما نهب من ثروات البلد يكفي لبناء بلد بأكمله وما أنفق من أموال على المشاريع الوهمية يصعب تصديقه في أي بلد، لكنه في العراق يقدم الدليل القاطع على أننا نعيش زمن اللصوص الكبار، وأن مصطلحات الشفافية والنزاهة لا تنفع حين تُغيب إرادة الناس.

أيها السادة الأهم من الحديث المكرر عن النزاهة، ما كشفته الأخبار لنا مؤخرا من أن " المدلل نور زهير زور 114 صكاً مالياً، ولديه جرائم غير سرقة الأمانات الضريبية وسرق 720 دونماً في شط العرب كما سرق الودائع الجمركية بأكثر من تريليون دينار، مع هذا يعيش حراً طليقاً دون أن تقترب منه هيئة النزاهة في الوقت الذي اعتبر القضاء ما سرقه نور زهير مجرد " خردة " لا يستحق أن يسجن عليها . لعل السؤال الجوهري لم يكن هو: كم مسؤولاً متهماً بسرقة أموال البلاد؟ ثم ــ وهذا هو الأهم ــ من الذي يتحمل مسؤولية ضياع مئات المليارات من موازنة العراق؟. كم " حوت " تحرص الدولة على عدم الاقتراب منهم؟

نحن ياسيدي رئيس هيئة النزاهة يحزننا أن نعيش عصر البيانات الوردية، فالناس ملت من قراءة كتيب العلامة هيثم الجبوري "ألف نكتة ونكتة عن النزاهة".

***

علي حسين

ثمغ: خلط

والمقصود هنا المثقفون، الذين يصح تسميتهم بالمثقبين، أي الذين فيهم ثقوب عديدة، ويتمتعون بنشاطات تبدو مناهضة للوضع القائم في مجتمعاتهم، لكنهم يحصلون على إمتيازات ومحفزات وتسويق متواصل لما يطلقونه من تصريحات، تبدو بلسان الحق ناطقة، وهي باطلة دامغة.

الكثير منهم يبرزون وينتشرون ويُقدَمون على أنهم من الأفذاذ والنوابغ والعلماء والخبراء، وما يحلو من التوصيفات التسويقية اللازمة لتأكيد دورهم المنافق المشحون بالتحابي والدجل والتضليل.

وهم معروفون ويتكرر ذكرهم وتتعدد ميادين تفاعلاتهم، فيكتبون ويحاضرون ويتواصلون مع الشرائح المجتمعية لصيدهم وإيقاعهم في حفرة الوعيد، التي تساق نحوها الناس كأنهم القطيع الذي لا يحق له أن يثاغي أو يريد.

هؤلاء هم "الجزوات" أي المصيدات للمغفلين والمنبهرين بهم، وبسلوكهم يساهمون بإعداد الضحايا للجزر المروع وفقا لإرادة المؤازرين لهم، والذين يمنون عليهم بالمكرمات، ويشجعونهم على المضي في صراط النيل من الآخرين، وتنويمهم ليتحقق الإنقضاض عليهم، وإستعمالهم لتنفيذ أوامر الذين يقلدونهم ويأتمرون بأوامرهم، ويحسبونهم نواب رب العالمين.

لا يصح ذكر أسمائهم والهبوط إلى مستوياتهم الناكرة للقيم والمبادئ والأخلاق، فهم حريصون على جيوبهم، ولن تسمع منهم كلمة وطن ولا حقوق مواطن، فما دامت جيوبهم عامرة، وغنائمهم وافرة، فلا يعنيهم من الأمر سوى أن يكونوا أبواقا مقنّعة بوجوه ذات غايات سامية، وأفعالهم تكشف عما في دواخلهم من السوء والبغضاء والشحناء.

في كل زمان ومكان وعبر مسيرة البشرية، الكراسي يصنعها المثقفون المحابون المنافقون المدجلون، الذين يسوّغون لأصحابها المآثم والخطايا، ويأتي في مقدمتهم الذين يدّعون تمثيل الدين.

فلماذا يناقض المثقفون ما يكتبون؟

ولماذا للكراسي يؤازرون، ولحقوق البشر ينكرون؟

هل أنها المتاجرة بالكلمة؟

تبت يدا المثقفين الغاطسين في ضلال المفترين!!

***

د. صادق السامرائي

 

المقدمة: تختلف النظريات الشيعية فيما يتعلق بأصول الطقوس العاشورائية، أذ يعود بعض أصولها مباشرة إلى أحداث كربلاء ومقتل الإمام الحسين بن علي على يد قوات يزيد بن معاوية، وأن نساء آل الحسين بدأنها حزناً على فقدان الحسين وال بيته وصحابته.

 ويعزوه البعض إلى بداية ظهور الدويلات الشيعية الصغيرة، وعلى رأسها الدولتان البويهية والصفوية، وهذه الشعائر ولدت في بلاد فارس والعراق، ومارسها الفاطميون بمصر والحمدانيون بحلب.

1- الطقوس تاريخيا:

لقد ساهمت أحداث كربلاء في تشكيل ذاكرة الطائفة الشيعية، ومنحت الجماعة ماضًا مشتركًا ورسختها في التاريخ، كما أوجدت مجموعة من الشعائر الخاصة بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية.

اتخذت طقوس استشهاد الحسين أشكالاً مختلفة في أوائل القرن العشرين، وكانت بسبب تطور التقاليد القديمة التي كانت منتشرة على نطاق واسع بين المسلمين من مختلف طوائفهم، وقد تم إحياء هذه التقاليد منذ زمن الصفويين (1501-1722)، مع إضافة التعبير عن المأساة على شكل مجموعات أو ما تسمى (مواكب).

وبذلك تصبح الشعائر الكبرى التي تطورت عبر العصور لدى الشيعة بمناسبة ذكرى عاشوراء، خمسة:

 * مجالس العزاء أو التعزية.

 * زيارة قبر الحسين لا سيما في العاشر من محرم وفي الأربعين منه.

 * المواكب الحسينية.

 *  أعمال الشبيه.

 *  وقد تُرافق المجالس والمواكب أعمال مختلفة من أذى النفس، تتراوح بين ضرب الصدر باليد (اللطم)، وضرب الظهر بالسوط (الزنجيل)، أو ما يسمّى بالتطبير(ضرب الرأس بألة حادة).

وقد تزايد انتشار هذه الطقوس وتضاءل، وتغيرت أشكالها، كما تصفها المستشرقة الفرنسية (سابرينا ميرفان) في كتابها “حركات الإصلاح الشيعية: علماء وكتاب جبل عامر من أواخر الإمبراطورية العثمانية إلى أوائل استقلال لبنان”. حسب المناطق المختلفة في العالم الشيعي.

وتتجدد الخلافات حول طقوس عاشوراء كل عام، مما يؤدي إلى نقاشات سنية شيعية وخلافات شيعية شيعية. تختلف حسابات أصلها. ويربطها البعض مباشرة بأحداث كربلاء ومقتل الحسين بن علي، فيما يربطها آخرون ببداية ظهور دويلات شيعية صغيرة، وعلى رأسها الدولتان البويهية والصفوية.

وتروي المستشرقة الفرنسية، أن "مجالس العزاء أول ما ظهر من هذه الشعائر، فقد أعادتها بعض السنن إلى يوم الفاجعة نفسه، إذ بدأت بها نساء آل الحسين قبل اقتيادهنّ إلى دمشق. ثم توبعت هذه المجالس في العهد الأموي، سرّاً في البيوت، ثم أقيمت في العهد العباسي علناً، فقد أقيمت في القرن العاشر الميلادي في أماكن في بغداد وحلب والقاهرة يجتمع فيها الناس خصيصاً لإقامة هذه المجالس التي سُمّيت بالحسينيات؛ وكانوا يبكون فيها وينتحبون وينشدون المراثي ويقرأون المقاتل. وقد أصبحت مجالس العزاء تقام بعد ذلك طوال الأيام العشرة الأولى من شهر محرم".

كانت زيارة قبر الحسين ومقابر شهداء كربلاء شائعة في العصور الوسطى الإسلامية، والدليل هو أن الخليفة العباسي (المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد 232- 247هـ)، الذي أراد وضع حد للتقاليد الإسلامية، دمر قبر الإمام الحسين بن علي .

2- التشيع نوعان:

في المقابل، يرى الدكتور والمفكر الإيراني (علي شريعتي 1933- 1977م) في كتابه "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي"، أن "الطقوس العاشورائية الحالية ناتجة عن الارتباط بين الصفوية والمسيحية، حيث تضامن الاثنان لمواجهة الإمبراطورية الإسلامية العظمى التي شكلت خطراً جدياً على أوروبا، وفي هذا الإطار عمد الشاه الصفوي، إلى استرضاء المسيحيين من خلال دعوتهم للهجرة إلى إيران، وشيّد لهم 'جلفا' مدينة مستقلة قرب العاصمة ومنحهم الحماية التامة والحرية الكاملة في ممارسة طقوسهم الدينية".

ومن جهته، يرى شريعتي أن "رجال الدين الصفويين سعوا إلى تجميل صورة بعض الشخصيات المسيحية وإقحامها في المشاهد التمثيلية التي تقام إحياءً لذكرى عاشوراء، من ذلك أن رجلاً كرواتياً يحضر أحد هذه المشاهد فيتأثر فيقتحم المكان ببدلته الأنيقة ويهاجم معسكر يزيد وأنصاره ويواسي الحاضرين بأجمل مواساة، بحيث ما أن يراه الناظر حتى يتيقن بأن كلب هذا المسيحي الإفرنجي أطهر من 'السنّة' الذين قتلوا الحسين".

3- البداية من ايران ثم العراق:

كان لا بدّ من وضع بداية تمهيدية لشيوع طقوس عاشوراء عند الشيعة، وذلك لسرد بداية هذه الطقوس في العراق، الذي كان مركز شيوعها الأساسي، حتى وصلت إلى عهدنا الحالي، أذ مرّت المناطق الشيعية المختلفة بمراحل زمنية محددة بحسب العلاقات والأنظمة الاجتماعية السائدة فيها، وتنوعت وتبدلت أماكن إقامة الشعائر الحسينية من "التكيات" و"الحسينيات"، بالإضافة إلى البيوت والمساجد والمقامات والمقابر، واخيراً في الشوارع.

 كتب السيّد (محسن الأمين العاملي 1865- 1952م) في "خطط جبل عامل"، أن "الحسينيات بمثابة تكيات منسوبة إلى الإمام الحسين، لأنها تُبنى لإقامة مراسم عزائه فيها، وأن أصلها جاء من الإيرانيين والهنود الذين بنوها في بلادهم وفي العراق أيضاً".

أن الحسينيات بمثابة مسجد للصلاة والطبخ وأقامه المأتم، وهي منسوبة إلى الإمام الحسين بن علي، وأن فكرتها الأولى جاءت من الإيرانيين والهنود الذين بنوها في بلادهم ثم انتقلت الى العراق عن طريق الإيرانيين الذين دخلوا العراق وسكنوا فيه، بعد عبورهم الحدود دون مستسمسكات رسمية في (العصر الملكي 1921-1958).

ما كان يجري من احتفالات في ذلك الحين: يقضي الشيعة الأيام العشرة الأولى من شهر محرم في حداد وبكاء، على ذكرى مقتل الحسين، ويقرأون في هذه الأيام روايةً طويلةً مؤثرةً (المقتل) ويكفّون عن العمل.

ويسمّونها الأيام العشرة، وكانت إقامة الشعائر في تلك الحقبة مقتصرةً على مجالس العزاء، وما ينقله التاريخ الشفهي عنها، أنها كانت تقام في العلن بسبب تساهل السلطات الحاكمة أنذاك معهم، حتى وصول صدام حسين المجيد الى دفة الحكم عام/1979 ليلغي تلك الشعائر والاحتفالات ويعاقب من يقيمها أشد العقوبات، وقد تصل العقوبة الى الإعدام.

حتى سقوطه المدوي في نيسان/ 2003 لتعود مرة أخرى وبشكل أكبر وأوسع من ذي قبل ليشارك بها عشرات الملايين من السنة والشيعة سوية ومن كل دول العالم وبدعم حكومي لا يوصف.

واذكر هنا بعض ما قام به الشباب، حيث أسسوا مواكب المحلات الذي كان يشارك فيه خيرة الشباب الواعي بأهمية التغيير السياسي، بغض النظر عن الانتماء الفكري أو الطائفة والقومية، لا سيما مناسبة الاربعينية.

كذلك نظم هؤلاء المثقفون في بعض المحافظات العراقية مواكب ذات سمة حضارية ومظهر يليق بالمناسبة وذلك في سبعينات القرن الماضي وهو ما شهدته بأم عيني، ومن بين تلك المحافظات (محافظة ميسان 365كم جنوب شرق بغداد)، فقد قام مجموعة من الشباب لا يتجاوزون عدد أصابع اليد بتأسيس موكب حسيني باسم “موكب الماجدية ” الذي لم أر لحد الآن موكبا مثله من جميع النواحي، مثل التنظيم والمشاركين سواء عددهم أو مستواهم الثقافي، والشعارات (الردات) الحسينية الهادفة والتي تنتقد الأنظمة الظالمة وتوجه الشعوب نحو طريق التحرر والانعتاق من ذل العبودية للحكام الطغاة.

ومن الأيام الأولى لانطلاقه أصبح “موكب الماجدية” أكبر موكب في المحافظة بل لا أبالغ ان الحضور والمشاركة فيه كانت تعادل نصف مجموع مواكب المحافظة.

الأمر الذي لم يتحمله النظام الديكتاتوري المتسلط على العراق بقيادة “حزب البعث العربي الاشتراكي” وظنا منه انه قادر على إجهاضه، فقام باتخاذ خطوات تدل على مدى ضعفه الفكري في مواجهة الجمهور، فقام بحملة اعتقالات واسعة في أغلب المحافظات ومن بينها مدينة العمارة، وكانت الدعاية التي يبثها البعثيون في أوساط الناس بان “موكب الماجدية” هو سياسي وليس موكب حسيني وان المشرفين عليه ينتمون لحزب الدعوة الإسلامية.

الخاتمة:

يطلق اسم - الردود - على الشخص الذي يؤدي قصائد دينية أمام حشد من الشيعة في الحسينيات أو الجنازة، ولا يُعرف بالضبط سبب تسميتها بهذا الاسم، ربما لأنه ألقى قصائده وقرأها الحاضرون بعده .. أمثال حمزة الصغير، ياسين الرميثي في القرن العشرين، وباسم الكربلائي، قحطان البديري ،جليل الكربلائي، و مرتضى حرب ... الخ في القرن الحالي.

وهؤلاء يتقاضون مبالغ مالية كبيرة لقاء أنشادهم في المجالس ويتنقلون داخل محافظات العراق المختلفة، ويًدعون من قبل ميسوري الحال ممن يملكون الحسينيات الكبيرة، والبعض منهم يتنقل خارج العراق للغرض نفسه.

وقد تمكن الجهال من التغلغل في هذه الشعائر وتدنيسها بالخرافات والأنشطة المخالفة للذوق الإسلامي وحتى لأحكام الشريعة الإسلامية، للأسباب الأتية:

أولاً: التعلق العاطفي بالحسين (عليه السلام) عند أتباع أهل البيت.

ثانياً: حالة اللاوعي والتخلف المعرفي والثقافي لدى غالبية الناس  الشيعة.

ولنكن واقعيين.. لقد حقق الجهال أهدافاً كثيرة في هذا المجال، أذ خدع كافة البسطاء من عامة الناس  وخلق أفكاراً مشوشة حول أهداف الحسين والثورة وأصحابها في مناطق واسعة من البلاد.

كما يرى البعض أن ممارسة إحياء شعائر محرم وعاشوراء هي مجرد طقوس لا مضمون لها، وينتهي تأثيرها في نطاق العواطف، وليس لها أي تأثير على حياة الأمة أو الأفراد، فهي راسخة في قلوب الناس.. لكن المسألة بين من يعرف ظروف ثورة الحسين، سواء على المستوى العقائدي أو السياسي، تختلف عن ذلك.

ولذلك فإن الواجب والموقف الشرعي والوطني يتطلب من جميع المسلمين المتدينين أن يقوموا ويطهروا هذه الشعائر من كل مظاهر الخرافات والأفعال التي لا ترضيهم، وأن يوجهوا بوصلة الاحتفال بهذه المناسبة في الاتجاه الصحيح، بغض النظر عن قدرتهم أو عدم قدرتهم على ذلك .

مؤخراً: أعلن “جهاز الأمن الوطني” العراقي، عن حصيلة جديدة من المعتقلين من أعضاء (القربانيين) أو (العلي اللهية)، والذين تكشفت تفاصيلهم مؤخرًا، وبدأ “الأمن الوطني” بملاحقتهم نتيجة الممارسات الخطيرة التي يقومون بها والمتمثلة بالانتحار عبر “القرعة”.

وقال الجهاز في بيان؛ أنه: “استمرارًا لمتابعة جهاز الأمن الوطني في ملف الحركات السلوكية المنحرفة، لا سيما حركة (القربانيين)، واستنادًا إلى معلومات استخبارية دقيقة، وتكثيف الجهدين الفني والميداني، تمكنت مفارزنا في محافظة المثنى من إلقاء القبض على: (20) متهمًا من الحركة ومنهم (العارف)، وهي تسّمية تطلق على المنظرين لهذه الحركة أو بمعنى: (المبلغ والداعية)”.

وأضاف الجهاز: “كما تمكنت مفارزنا في محافظات (ذي قار وواسط وميسان) من القبض على: (27) متهمًا ينتمون للحركة، ليتم إحالتهم جميعًا إلى الجهات المختصة واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم”.

***

شاكر عبد موسى – كاتب من العراق

.....................

المصادر:

* مركز الأسلام الأصيل للثقافة والعلوم/ مسيرة الشعائر الحسينية بين الأصالة والتشويه/ 22 سبتمبر/ 2021/https://islamasil.com .

* موقع رصيف 22/ نحن والخطاب الديني/ حسن سنديان/ 25 أغسطس 2024.

https://raseef22.net/article/109820.

* موقع كتابات/ 2 أيلول 2024.

https://kitabat.com/news.

 

يستحق مجلس النواب العراقي 40 مليون برقية شكر من العراقيين، ليس فقط لأنه ساندهم ووقف إلى جانبهم وناقش قوانين تتعلق بالصناعة والتعليم والصحة، وليس فقط لأنه يقدم لهم المتعة مجاناً من خلال جلساته، وإنما وهذا هو الأهم لأنه بمهنية أعضائه وحرفيّتهم وموضوعيتهم، كان مدافعاً حقيقياً عن الإنجاز غير المسبوق الذي حققه في إقرار زيادة لرواتب نواب جزر القمر.

دعك من أن الشعب العراقي بكل طوائفه، استكثر على نوابنا اللطفاء رواتبهم المليونية ومخصصات الحماية والسيارات الحديثة والمكاتب الإعلامية والمقاولات المعلنة وغير المعلنة، علماً بأن الشعب المغرر به من قبل الإمبريالية الأميركية، لا يعرف اسماء نوابه باسثناء الذين يظهرون على الفضائيات .ودعك أيضاً من أن هذا راتب النائب يبدو ضئيلاً وتافهاً للغاية إذا ما وضع في سياق ما تتحدث به المنظمات الدولية ولجان النزاهة عن اللعب بالمليارات في صفقات تجارية يقودها البعض ممن التصقوا بكرسي البرلمان، أو وقائع الفساد المعلن في مؤسسات الدولة . ولا أريد أن أذكر النواب الذين ارتبطت أسماءهم بالمدلل نور زهير .

ودعك كذلك من أن ملايين النواب لو حسبناها جيداً، فأنها لا تغطي الجهد الكبير الذي يبذله السادة النواب، فهم كما أخبرنا أحد النواب يستحقون المليار دينار شهرياً، لانهم يسهرون الليل من أجل إقرار قانون يسمح بزواج القاصرات، وينهي مشكلة العنوسة في العراق .

دعك من كل ذلك، وفكر قليلاً في الفرق بين الأداء "العظيم" لمجلس النواب العراقي، وأداء مجالس النواب "العقيمة" في بلدان العالم، ففي برلماننا هناك مناقشة علمية رصينة ومحترمة لجميع جوانب الحياة العراقية، ويستمتع المواطن كل يوم برؤية نائب أو نائبة يتجول أو تتجول في الشوارع لسؤال الناس عن أحوالها، ويمكن اعتبار إطلالة البعض منهم في الفضائيات، نموذجاً للديمقراطية الحديثة، فيما لا تزال مجالس النواب في دول العالم منقسمة في تعريف معنى العدالة الاجتماعية التي يتمتع بها جميع سكان بلاد الرافدين، بل أن العديد من البرلمانات لم تدخلها مفردة عطلة التي أصبحنا نباهي بها الأمم .

منذ أيام ومع انطلاق صفارة نهاية مباراة زيادة رواتب النواب الذين اكتشفنا أن نصفهم لا يحضرون جلسات البرلمان، تحولت ساحة مجلس النواب إلى ساحات للهتاف، والشو الإعلامي ضد المرأة التي يريد لها البرلمان أن تبقى مواطناً من الدرجة العاشرة، في الوقت الذي يخوض فيه النواب معركة داحس والغبراء من أجل أن يعيش النائب مرفهاً وسعيداً، وأن يغيض هذا الشعب الناكر للجميل.

ولانني حريص على السادة النواب، سأصدّق بيان مجلس النواب الذي اخبرنا ان قرار زيادة رواتب النواب ومخصصاتهم، كان مجرد حلقة من برنامج " الكامي.

***

علي حسين

 

الطغيان في اللغة مجاوزة الحد والعصيان، فكل شيئ جاوز القدر فقد طغى.

وطغى البحر: هاجت أمواجه . وطغى السيل: إذا جاء بماءٍ كثير.

 "ونذرهم في طغيانهم يعمهون"، "فأما ثمود فأهلِكوا بالطاغية".

وعندما نعرّف الطغيان بالمفردات النفسية والسلوكية، فأنه يعني الفعل الظالم الناجم عن فقدان الأمان.

فالطاغية يكون في موقف محكوم بخيارين، فأما المواجهة أو الفرار، وتتغلب فيه حالة المواجهة على الفرار، لأن نتيجة الفرار قاسية وصعبة وخالية من الحوافز والمسوغات ولا تحقق الرغبات.

فالمواجهة رغم صعوباتها لكنها ذات محفزات ومعززات لا محدودة، تدفع بالطاغية إلى الإمعان بسلوكه الإستبدادي حتى النهاية.

وكأنه في سباق نحو الهاوية، وكل ما يقوم به ويفكر به ويقرره، من أجل إطالة مسافة السباق وحسب.

فالطاغية ليس غبيا أو جاهلا، وإنما يتمتع بقدر متميز من الذكاء الذي يسخره لمشروع إطالة مسافة سباقه وصراعه مع الآخرين، الذين يمنحهم المواصفات والمسميات التي تبرر محقهم والفتك الفظيع بهم.

ومنبع السلوك الطاغي فقدان الأمان الداخلي، ومعظم الطغاة فقدوا هذا الشعور في طفولتهم، وصار الشك والتوجس والخوف والظن بالسوء معيار سلوكهم.

فإن كانوا في عائلة فأن سلوكهم الطغياني يتكشف، وإن كانوا في دائرة أو منصب حكومي أو سياسي سيكون تعبيرهم أوضح.

وكلما إمتلك الشخص قوة أكبر إنطلقت آلياته الدفاعية، المنبثقة من بركة عدم الشعور بالأمان المتأسنة في أعماقه.

وتبدو حالة عدم الشعور بالأمان كالدملة المملوءة بالأقياح، والتي تريد الإنفجار وإطلاق ما فيها من الصديد.

وبعض العلماء والباحثين يرى أن العلاقة قوية ما بين الشخصية السادية والطغيان البشري، وآخرون يحسبونه تعبيرا عن المشاعر الشريرة الدونية الغابية الكامنة، وغيرهم يرى أنه من إنتاج النرجسية الفاعلة في السلوك، والتي تسببت فيها الطفولة المحرومة من الأمومة والشفقة وتقدير المشاعر والأحاسيس، أو الطفولة المهملة والمنبوذة.

وفي واقع السلوك الإستبدادي أنه إستجابات لمنبهات خارجية تدركها آليات الشك والخوف والحذر، وتمعن في رد فعلها العنيف عليها، حتى أن بعضهم يتملكه الشعور بأنه يعرف أعداءه من نظراتهم وملامح وجوههم، وفي هذا إمعان بالشك والبرانويا الوهمية، التي تدفع إلى إجراءات تعسفية قاسية ومرعبة.

ولهذا فأن الطغاة يفتكون بأقرب الناس إليهم، ولا يوجد في عرفهم وفاء أو صداقة، وإنما كل الآخرين أعداء ويتحينون الفرصة للفتك بالطاغية، ولهذا فعليه أن يتغدى بهم قبل أن يكون على مائدة عشائهم.

ومن رؤى الطغيان وتفسيرات سلوكه أن البشر إذا وضع في مجاميع تتنافس على مصادر قليلة، فأن التفاعل فيما بينها سيكون فتاكا ومبررا للفظائع والمجازر والجرائم المرعبة.

وفي واقع ما يدور هو إستحضار آليات الغاب وتأكيدها، والعمل بموجبها للوصول إلى ذروة الوحشية والإفتراس الشرس للآخرين.

وما يقوم به الطغاة المعروفون من أفعال لا يمكن التصديق بها، إذا حسبناهم من البشر، ولا بد من وضعهم في خانة أخرى، ونتصور بأنهم يظهرون كالبشر، لكن سلوكهم لا يمت بصلة إلى آدميتهم أو بشريتهم، وكأنهم مخلوقات أخرى بهيأة آدمية.

فالتصرفات الوحشية الإفتراسية التي يقوم بها الطغاة العتاة، لا يمكن للخيال أن يتصورها، ولا يتمكن عقل إنساني من إستيعابها والتصديق بها، والتأريخ يزدحم بشواهدهم المروعة.

وما بقيت المجتمعات في دوامة الحاكم والمحكوم فالطغيان يدوم!!

***

د. صادق السامرائي

 

منذ تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 والمؤسسات الحكومية تعمل وفق نظام اداري يضمن حقوق الموظف والمراجع لدوائر الدولة كما يفرض على الطرفين قرارات وتوجيهات واجب احترامها والتقيد بها ومنها الالتزام بالتخاطب الرسمي والمهذب بينهما، ولكن ما يؤسف له ان مؤسساتنا الحكومية اضافة الى ما تشهده اليوم من فساد وظيفي يتمثل في المحسوبية وتفشي الرشوة فأنها تشهد ظاهرة غريبة ودخيلة على الحياة الوظيفية هي التخاطب بكنى غريبة بين الموظفين من جهة وبين المراجعين والموظفين من جهة اخرى والتي لم تكن سائدة في تقاليدنا الادارية قبل عام 2003، فمنذ تأسيس الدولة العراقية جرى التعارف والتخاطب في حرم الدائرة بين هؤلاء بمنتهى الاحترام والتهذيب، فمراجع الدائرة كان لا يخاطب الموظف الا بـ (الاستاذ) تقديرا واحتراما لجهده وشهادته، أما اليوم فقد حلت محل الاستاذية مفردات لا تمت لفضاء الوظيفة ولا لميدان العلمية بصلة مثل (الحجي، الشيخ، السيد، العلوية، عمي) وغالبا ما يتم التخاطب بهذه المفردات على حساب لقب (استاذ) الذي جرى التعارف عليه والذي يميز صاحب هذا اللقب عن سواه من غير المتعلم، والغريب ان البعض من اصحاب الشهادات والمنصب الوظيفي الرفيع لا يستنكر هذا الأمر عندما يسمع احدهم يناديه بـ (حجي) الذي فيه (يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ويقصي عنه لقب (استاذ) الدال على المؤهل العلمي والدال ايضا على صفة الخدمة العامة، بل ان بعضهم يشعر بالزهو عند اقصاءه عن لقب الاستاذية الذي هو بمثابة تكريم له واعتراف بما بذله من اجتهاد ودراسة لنيل هذا الشرف، وايام وجودي في الخدمة الوظيفية كنت أغتاظ واعترض بشدة على من يناديني بـ (حجي) بدل (استاذ) واقول له انه بإمكان أي شخص لا يقرأ ولا يكتب ويمتلك مليون دينار أن يصبح حجي في عشرة أيام ولكن هذا المبلغ لا يمكن ان يجعله استاذا اذ ليس بمقدور أي شخص نيل لقب استاذ بدون ان يقطع مسيرة من الجهد والمثابرة والسهر تمتد الى سنوات طوال، في تقديري ان الموظف صاحب الشهادة الذي يسمح ويتقبل مناداته من الاخرين بــ (الحجي) هو بمثابة تنازل غير مبرر عن سنوات جهده وسهره التي قضاها لنيل الشهادة التي تميزه عن الآخر غير المتعلم .

***

ثامر الحاج امين

قرأت تعليقاً كتبه الكاتب والمترجم شاكر راضي على مقالي ليوم أمس "كيف ننجو" أشار فيه إلى أنه شاهد في العاصمة السنغافورية تمثالاً للزعيم الفيتنامي هو شي منه، وعندما سأل أحد المواطنين ما الذي أتى بهذا الرجل في بلادكم، أجاب هذا المواطن أن "هوشي منه فرض نفسه على التاريخ والجغرافية ولا بد للشعب في سنغافورة أن يتعلم الدروس من الآخرين ".. في واحدة من أبرز مواقفه رفض باني سنغافورة لي كوان أثناء حياته أن توضع صورته في الساحات أو أن يقام له نصب.. وكان يقول لمن يريد أن يكرمه :" إن صورتي موجودة في كل شوارع وميادين سنغافورة..يشاهدها المواطنون في العمران والشوارع والجسور والدخل المرتفع وفي التعليم والصحة والخدمات ".. في بلاد الرافدين الصورة تسبق المنجز، بل أنها في كثير من الأحيان تكون بديلاً لأي عمل.

ما تزال النظارة التي تشبه نظّارة المتقاعدين، ومعها ساعة جيب قديمة، ومجموعة كتب، تجد لها مكاناً بارزاً في متحف فيتنام الوطني، لأنها تخص شخصية لا يزال معظم الشعب الفيتنامي مغرماً بسيرتها، وأعني بها هوشي منه،الثائر والزعيم السياسي الذي أسس فيتنام الحديثة.

ساعة قديمة ونظّارتان هي كل ما يملك، فقد كان يقول ضاحكاً للذين يسألونه عن حالة التقشف التي يحيط بها نفسه، حتى بعد أن وقفت الحرب وأصبح زعيماً للبلاد: "الزعامة ليست في حاجة إلى المال، إنها بحاجة أكثر إلى عقل يفكر جيداً."

وأرجوك ألا تقارن بين ما قاله هذا الرجل النحيل، الذي ترك بلداً يتقدم بقوة إلى عالم الرفاهية، وبين ما نهَبه اليوم رجال السياسة في العراق، إذ دخل النهب للمال العام في أبشع أشكاله إلى العراق.

خاضت فيتنام حرباً شرسة ضد الأميركان راح ضحيتها مئات الألوف، وماتزال صور المآسي تحتفظ بها هانوي في متاحف خاصة، فيما تعجّ العاصمة الفيتنامية اليوم بالسيّاح الأميركيين والاستثمارات الأجنبية، وعادت سايغون مدينة تفتح ذراعيها للجميع.

يخبرنا كاتب سيرة هوشي منه أن الزعيم الفيتنامي كان يقول للقادة العسكريين والمقاتلين أن "تحرير البلاد ليس منّة يتحملها الشعب، إنه واجب علينا أن نقدمه بلا خُطب، فالتاريخ لا يصنعه شخص واحد."

تقول الأخبار إن فيتنام اليوم واحدة من أكبرعشرة شركاء تجاريين لأمريكا. والصادرات الرئيسية، أصبحت الآن أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة وغيرها من المنتجات الإلكترونية.إنه أحد أكثر التحولات الاقتصادية إعجازية في التاريخ، والذي أسفر عن تضاعف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في فيتنام أكثر من خمسة أضعاف، من 2100 دولار إلى 11400 دولار. فيما نسبة البطالة في بلاد الرافدين في ارتفاع مستمر، مثلها مثل ارتفاع الشعارات في ساحات العراق.

***

علي حسين

 

توطئة: إن الجمال أقوى من القبح وإن الوطن أجمل من الشتات، وإن حمامتها العراقية البيضاء لا تخونها مطلقاً وإن طارتْ كان مصيرُها أن تعود لعشِها الوطن الحبيبْ، تُؤرقني وتستفزُ أحاسيسي كبوات  وخيبات وطني التأريخية  وفشل أصحاب القرارالسياسي وحتى المدني والعسكرتاري منذُ التأسيس الهجيني في 1921 وتحول القرار المضطرب أصلاً لنخبة الثيوقراطية الراديكالية بعد2003 والأحتلال الأمريكي البغيض وتايتانيك الوطن في متاهات المجهول، وتبدوجراحاتها العميقة وخيباتها السياسيىة كغيمة سوداء توحي لنا إن التأريخ يكررنفسهُ : مرَة كمأساة ومرة كمهزلة كما يقول العم ماركس.

حتماً لم يعد (العقل) متسيداً في التعامل الديناميكي مع تلك الأحداث المتتالية والمؤسفة يا (ديكارت) وإن وُجِدتْ لم تتوزع بعدالة بين جمهورا لشعب، فهذه الدولة العراقية المجنونة والمسكونة بالعفاريت منذ قرنٍ بائس (ثمرْ) نخيلها شاص مبكراً وأرضها اليباب تلوثتْ يالفايروس القاتل التصحر وأغتالت تركيا دجلتي بتنمرها على المنبع، إذ تبين لي صحة شكوكك يا ديكارت  المسؤولة عن أول وآخر قنبلة صوتية في فوضى هذهِ الحواس المهوسة.

حكايات حول الوطن والسياسة !؟

لي وطنَ آليتُ أن لا أبيعهُ

ولا أرى غيري لهُ الدهر مالكا

*

عهدتُ بهِ شرخ الشباب ونعمةً

كنعمة قومٍ أصبحوا في ظلالكا

أبن الرومي

وثمة خاطرة تراجيدية مأساوية تنتابني حين أستمع لموال الفنان سعدون جابربترنيمة فراتية وبشعر شعبي شجي يهزُ المشاعر كلمات الشاعر الراحل المبدع كاظم أسماعيل كاطع وهو يوقظ مواجع العشق الصوفي للوطن الذي تركناه ولم يتركنا ربما نلجأ أحياناً للجلد الذاتي لتسكين ال(HomSiknes) داء الحنين للوطن الأم ولفترة من الزمن:

أللي مضيع ذهب

أبسوك الذهب يلكاه

وللي مفارك محب

يمكن سنه وينساه!؟

بس المضيع وطن!؟

وين الوطن يلكاه!؟

أما السياسة هي علم المراوغة والخداع للحصول على مكاسب الرابح، فيها حيتان اللعبة القذرة والخاسر فيها هم جموع الشعب لذا يمكن القول بأن السياسة (حرفة) والوطن (رسالة) والسياسة دهاء والوطن واجب والسياسة منصب والوطن نصب تذكاري.

وقال فيها الكبار:

السياسة فن السفالة الأنيقة (أنيس منصور)

السياسة فن الخداع تجد لها ميداناً واسعاً في العقول الضعيفة (فولتير)

وفي السياسة إذا كنت لا تستطيع أقناعهم فحاول أن تسبب لهم إرباك (ترومان)

السياسة فن الخباثة يكون فيها من الضروري الضرب تحت الحزام (ديغول)

فجائعيات السياسة الطفيلية الرثة على واقع الوطن:

- مطحنة الصراع الطبقي التي أجهزت على الطبقات الفقيرة والمتوسطة بلا رحمة كأنها هي المعنية وحدها بفواتير الحرب ا لعبثية الثقيلة والحصار الجائر.

- أبرز الأنقلابات العسكرية  في الوطن العراق 1936- -1963-1968

- كشف صيرورة وكينونة جيل القرن العشرين بفقدانهِ الأحساس بالزمن ولم يعي لديناميكية الظواهر السوسيولوجية عدا الماراثون المكوكي بين ساحة سعد (البصرة) وساحة كراج النهضة (بغداد) ليتأسى بما  تبقى من ثمالة رثة في ذاته المتعبة، وهم يتعايشون خلال فراغ زمني موحش في أجترار الغيبيات وتقديسها بعفوية فطرية بسبب فوبيا المجهول!؟.

- فوضى الرأي وخوائهِ وأضطراب مؤشرالبوصلة الأنثروبولوجية الجمعية في الحروب العبثية المتزامنة مع الحصار الظالم، ضرب حلبجة بالكيمياوي 1988، حرب أجتياح الكويت 1991، سحق الأنتفاضة الشعبانية 1991!؟.

- هوليكوست المحتل الأمريكي 2003 كشف لنا وجهي العملة المزيفة المأساة المؤطرة بالمهزلة ب(استلامنا) وطنأ ممزق الخيمة منكسر الراية مغيب السيادة مكبل اليدين ربانها طلاب سياسة وليسو طلاب وطن، يفتقدون المشروع المستقبلي.

- الأحتراب الطائفي المقيت 2006 – 2014 كادت أن تشعل حرباً أهلية !؟ شبيهة (بلبننة) العراق وحربها الأهلية في سبعينات القرن الماضي.

- طوفان توسونامي (المخدرات) وتحول عدائي من عابرللحدود إلى دولة مصنعة وزارعة، وتوغلت بمفاصل المجتمع وفرضت نفسها كمهنة وظيفية !؟

- الفساد الأ داري والمالي المستشري في مفاصل اللادولة العميقة.

***

عبد الجبار نوري - كاتب وباحث عراقي مغترب

سبتمبر2024

عام 1965 قرر رئيس وزراء ماليزيا آنذاك، تونكو عبد الرحمن، أن يطرد سنغافورة من الاتحاد الماليزي، في ذلك الوقت سأل أحد الصحفيين رئيس وزراء سنغافورة ماذا سيفعل؟ كانت الجزيرة بلا موارد تجارية، ولا طبيعية، فأجاب لي كوان :"سنشكل حكومة نظيفة، وسنحرص على إخضاع كل دولار من الإيرادات العامة للمساءلة، والتأكد من أنه سيصل إلى المستحقين من القاعدة الشعبية من دون أنّ ينهب في الطريق". عندما ودع لي كوان الحياة، كانت الأرقام تشير إلى أن سنغافورة حصلت على الدرجة الأولى في آسيا بدخل المواطن الذي يصل إلى 60 ألف دولار سنويا، مع اقتصاد يتجاوز الـ 600 مليار دولار سنوياً .

سيقول البعض يارجل مالك تعيد وتزيد في حكاية سنغافورة، ولا تريد أن تلاحق المثير وتلقي الضوء على الحاضر وكيف أن البرلمان يؤجل جلساته بين يوم بعد آخر بسبب إصرار البعض على تمرير قانون الأحوال الشخصية لانهم يرون فيه اصلاحا لهذا الشعب " الدايح " كما وصفه يوما " العلامة " محمود المشهداني.. إذن لنترك البرلمان وجلساته العرجاء، ولأحدثكم عن كتاب بعنوان "الإصلاح .. كيف تنجو الأمم وتزدهر لمؤلفه الكندي جونثان ليبرمان " وفيه يتتبع تجربة عدد من البلدان التي استطاعت أن تصلح أحوالها إصلاحاً حقيقياً، لا إصلاح على شاكلة ما جرى في العراق حيث تربع مثنى السامرائي على كرسي النزاهة فيما بلاد الرافدين بلاد تعيش أسعد أيامها تحت قانون عطلة بين عطلة وعطلة …في واحدة من التجارب المهمة التي يسلط الكتاب الضوء عليها تجربة سنغافورة وقد وضع المؤلف عنوانا للفصل الخاص بها :" كيف تتغلب سنغافورة على الفساد " وفيه يخبرنا كيف تم تأسيس نظام الكفاية لكل المواطنين.. مع شعار الحق في السكن والصحة والتعليم. أما نحن يا سادة فما نزال نستمع إلى الأخبار الصادرة عن تهديم بيوت الفقراء لأنهم متجاوزين.. وأن القانون يجب أن يطبق.. وماذا يا سادة عن حيتان التجاوز الذين استولوا على القصور والأراضي الشاسعة دون أن يقترب منهم شفل واحد؟، وماذا يا سادة عن الوعود التي أطلقتها الحكومات منذ 2003 وحتى لحظة كتابة هذه السطور عن مشاريع الإسكان والتنمية والصحة والتعليم والكهرباء التي لا نزال نتوسل إيران حتى لا تقطعها عنا؟، كل يوم تسرق أموال البلد، لكن البرلمان مشغول باصلاح اخلاق العراقيين، لأن خطرها أكبر من نسبة الفقر التي تعيش فيها بعض المحافظات.. يكتب مؤلف "كيف تنجو الامم" ان سنغافورة اختارت حكومة نظيفة مهمتها القضاء على الفساد الاداري والمالي الذي كان منتشرا، حيث استطاع لي كوان ان يغير عادات بلاده لتصبح واجهة تزورها العديد من الحكومات لدراسة نجاحها المذهل في اصلاح احوال البلاد والعباد.

***

علي حسين

صحيح ان الاستراتيجية الأمريكية تتمتع بثبات نسبي، ليس في بعدها القريب أو المتوسط بل البعيد.. إلا أن إستراتيجية (باراك أوباما) التي كانت كارثة على المنطقة العربية حين اصطفت مع اعداء العرب في ضوء رؤيته العنصرية الحاقدة التي ترى ظلماً ان العرب (إرهابيون لا يقرأون ومتخلفون وغير منتجين وليس لهم اخلاق ورعات أغنام ويشربون بول الإبل، فهم لا يستحقون التعامل معهم) .. وهذا هو رأي اعداء العرب و أوباما مقتنع بهذا الرأي تماما، لذلك وجه السياسة الامريكية طيلة ولايته الاولى والثانية بالضد من العرب .. الآن، باراك أوباما يصطف هو وحزبه وجمهوره وصهاينة المجتمع الامريكي إلى جانب " كابالا هاريس " هذه المرأة المغمورة ذي الأصل الهندي، والتي الآن يتم تلميعها وتقديمها منقذا للمجتمع والاقتصاد الأمريكية، من اجل إعادة إحياء منهج باراك أوباما لثمان سنوات قادمة ضد العرب والاصطفاف مع اعداء العرب ولاغراض:

1- إبقاء المنطقة تعيش حالة مستدامة من الاضطراب والتوتر.

2- استنزاف بلدان المنطقة اقتصاديا وماليا.

3- منع دول المنطقة من التقارب والاتحاد والتوحد.

4- فرض خيارات لا تنسجم مع مصالح العرب.

5- وضع العرب بين كماشتين معاديتين إحداهما من الشرق والأخرى من الغرب تعملان على ترويض قوى المنطقة العربية وتدجينها.

هذا الـ(أوباما) يطمح الى إحياء منهجه المخادع لثمان سنوات في ظل رئاسة (هاريز)، وهو بهذا يعد لاعبا أمريكا غير نزيه ولا عادل ويخضع لقرارات غير امريكية تحت مسميات رعاية المصالح الامريكية في الشرق الاوسط .. فمنهج أوباما إذا ما أخذت به كابالا هاريز عند فوزها سيضع المنطقة العربية تحت طائلة الضغط والكراهية والاستنزاف والهيمنة، وليس ذلك دعما او ترحيباً بالرئيس الامريكي السابق (ترامب) الذي له إشكالياته التي تضر هي الاخرى بالمصالح العربية.!!

***

د. جودت صالح

01 / 09 / 2024

من الأسباب التي أدت إلى هجر القرآن الكريم من قبل الكثير من الطوائف الإسلامية المختلفة، وأيضا انزلاق البعض منها الي تطرف الفكر والجمود، هو أن المناهج الدينية في العقود الأخيرة لدى أهل السنة والجماعة ركزت على أحاديث النبي محمد (ص) أو ما يعرف - السنة النبوية - وهي أحاديث أغلبها موضوعة ومبالغ فيها وتعرض الكثير منها الى التفسير الشخصي لإرضاء جماعة ما وحاكم من الحكام لتبرير وجوده هو وعائلته وقبيلته على دفة حكم المسلمين.

وإن كنت تتساءل فإن بعض الأحاديث المنسوب إلى النبي محمد (ص) هي في الأصل جاءت لتعدل أو تفسر بعض آيات القرآن الكريم، ولتبرير أفعال تتنافى مع الإسلام الصحيح ورسالته الإنسانية النبيلة أحياناً، وهي تحريف لمضمونه واتهام وافتراء على الله وما نُزل على نبيه.

 ولأن الله تعالى لم يشرح كل شيء بالتفصيل في القرآن الكريم، فإن هناك متطرفون يدعون على الله شيئاً يسيء إلى جلال الله والدين الحنيف، صاغوا من الحوادث التاريخية التي مر بها المسلمون عبر تاريخهم الطويل نظريات فكرية – مذهبية تمس الفكر الإسلامي الصحيح وتعاد العرب وتخرجهم من دائرة الأسلام المحمدي الصحيح، وتلغي بشكل لا يقبل الشك دورهم البطولي في نشر الأسلام في بقاع العالم المختلفة لغايات حقد وكراهية مزروعة في نفوسهم المريضة.

كذلك الشيعة قامت الكثير من أفكارهم وطروحاتهم الفكرية عبر التاريخ على تقديس بعض من أل بيت النبي (ص) واعتبارهم من القوة المقدسة (معصومين) والبكاء والنوح على هؤلاء أل البيت الأطهار والسير الى قبورهم لمئات الكيلو مترات ولمدد تصل الى أكثر من شهر أحياناً رجال ونساء وأطفال كأنها تنزيل مقدس.

وصرف عشرات المليارات من الدولارات كجهد حكومي وشخصي خلال السنة الواحدة، تحت شعار (أحيوا أمرنا).

لذلك نجد شاعر أو ما يسمى رادود حسيني تحصل هوساته وأشعاره الحسينية في موقع التكتك على ربع مليار متابع ومشاهد.. بينما رجل دين ومفكر أسلامي شيعي كبير لا يحصل على ربع ما حصل هذا الشاعر الشعبي الذي يتبعه الغاوون ومن قليلي الثقافة الإسلامية.

لذا يجب أن نفرق بين ما هو مقدس مثل القرآن الكريم وبين ما وضعه الأنسان من كتب وتفاسير لحوادث التاريخ الماضية وغيرها.

القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى مقدس، والله هو حافظ لهذا الكتاب المقدس وهذا لا شك فيه علي الإطلاق وهو الحقيقة الصادقة.

أما بالنسبة لما يسمونها الروايات فهي أحاديث نسبت إلى الرسول عليه السلام وال البيت الأطهار نقلها لنا رجال من بلاد فارس وبخارى وغيرها من البلدان التي دخلها الأسلام في العصر الأموي والعباسي، وبما يتلاءم مع معتقداتهم الوطنية والقومية، حتى أصبحت لدى البعض مقدسة والخروج عليها هو خروج عن الدين نفسه، وكل من ينتقدها يتهم بأنه شيوعي أو علماني أو كافر وملحد.

وهناك التراث الذي شمل عدة علوم منها علم الحديث وعلم التفسير وعلوم القرآن والفقه والعقيدة وأصول الفقه وتراث السيرة وتراث الشريعة الإسلامية وكل هذه العلوم صناعة وفعل وجمع بشر وليست من التراث المقدس خلاف القرآن المقدس.

 لذلك نجد الكثير من هذا التراث أصبح مصادما للقرآن الكريم وتسببت في نشر الفساد والتشكيك  في النبي عليه السلام الذي أرسله الله رحمة للعالمين  وشككت البعض بأن الإسلام دين الرحمة و..... وأجد أن أحد الأسباب الرئيسية لموجة الإلحاد هو ما نسب ظلما إلى رسول الله عليه السلام وتسبب في صراع مع النص القرآني.

هؤلاء المرضي والمتطرفون يدعون للإسلام بالكذب وهم في الحقيقة لا صلة لهم بالإسلام وغرباء ودخلاء عليه، وأيضا هم عقبة أمامه.. لأن رسول الله محمد عليه السلام كان رفيقاً رحيما وسراجاً ينير للناس ويدعوهم إلى الحق والى الرسالة وهي القرآن الكريم فقط .

إن الهدف الأساسي من تجديد الخطاب الديني اليوم هو نشر الدين الحنيف ومحاولة فهمه وفق القرآن الكريم فقط من أجل واقع التطور العلمي وتطور الفكر الذي نعيشه، وهذا يساعد على فتح الباب أمام الفقه الحديث الذي يناقش القضايا الروحية والحياتية، مبتعدا عن الفقه التقليدي الذي طالما ناقش القضايا الروحية والحياتية.

إن تجديد الخطاب الديني لا يعني تمييز الإسلام عن العديد من الأديان الأخرى، بل إن هدفه هو توحيد المسلمين باتباع القرآن كتاب الله، واستخدامه كوسيلة للتواصل مع الأخرين وخاصة في المؤسسات التعليمية، والتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي بدل المذهب الواحد والفرقة الناجية.

كما أن من أهم آليات التجديد تعزيز مفهوم ثقافة الحوار، ويعد هذا أحد أهم نصوص التواصل الفكري والثقافي والاجتماعي والإنساني والاقتصادي الذي تتطلبها الحياة في المجتمع الحديث، وفيما يتعلق الأمر بتنمية قدرة الأفراد على التفكير والتحليل والاستدلال معًا، مما يخرجهم من الركود ويفتح قنوات الاتصال مع الآخرين.

 وأنا بدوري أتساءل لماذا كل العلوم والأفكار تتطور بتطور الزمن وتفتح أفاق رحبة للإنسان لكي يعيش بسلام ويتفاعل مع الأخرين بكل ود ومحبة إلا المذاهب الإسلامية لا زالت تراوح في مكانها منذ أكثر من ألف عام حتى يومنا هذا، لا تقبل التجديد والتطور وترفض التغيير والتبدل وكأنها منزله من السماء العليا وتحت رعاية اللاهية ؟.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

يريد تحالف "قوى الدولة " أن يبدأ مرحلة جديدة في خدمة الوطن والمواطنين مثلما أخبرنا بيانه الأخير الذي قال فيه إن أعضاء التحالف طالبوا بضرورة تشريع تعديلات قانون الأحوال الشخصية، التي وصفها بالمهمة.. فالسادة نواب تحالف الدولة يعتقدون أن هذا القانون يلامس احتياجات وتطلعات المجتمع العراقي، ويعتقدون أن هذه التعديلات إذا أقرت ستسهم في تحسين الأوضاع العامة وتعزز الاستقرار والتنمية.. وقبل البيان الثوري لتحالف قوى الدولة طلع علينا السيد مرتضى المدرسي وهو يتوعد ويهدد سيدة اعترضت على القانون قائلا باريحية : إذا وحدة ما عاجبها نطبق حكم الله في قانون الأحوال الشخصية، فأنا أبشرها أننا لن نقف عند هذا الحد فسنغير قانون العقوبات، والمحكمة الاتحادية وكل القوانين في العراق " ويصرخ السيد مرتضى بالصوت العالي " يجب أن تعود الأمور بيد الفقهاء، في هذه البلاد "، ويمضي السيد في خطبته مبشراً :" لن نتركها بيد كل من هب ودب"، ثم يوجه كلامه للسيدة العراقية التي اعترضت على تعديلات قانون الأحوال الشخصية : " إنتي خليج تريدين تصيحين تعربدين.. عربدي " هذا كلام لرجل دين يتهم النساء المعترضات بالعربدة، مثلما اتهمهن زميله السيد رشيد الحسيني بالفسق والكفر.. تخيل جنابك أن السيد مرتضى المدرسي يعيش في البحرين، وهناك لا يستطيع أن يعترض على أي قانون، لكنه ما أن يحط رحاله على أرض العراق، حتى يقرر أن يتحول إلى قاضي قضاة الدولة، والآمر والناهي فيها.. مثلما يريد السادة أعضاء تحالف الدولة.

في لحظات معينة يتصور البعض أنهم "منقذو البلاد " بينما المواطن يتذكر بحسرة ما فقده: الرفاهية والتسامح وكيف ضاع اموال العراق بين خطب ملوك الطوائف الذين لا يتذكرون الشعب إلا أيام الانتخابات.

منذ سنوات اكتشف الناس ولو متأخرين أن سياسيّي الطوائف لم يقدموا لهذا الوطن سوى أداء كاريكاتيرياً مضحكاً، وأن مرشحيهم كانوا يُخبّئون دول الجوار تحت ثيابهم، وظلوا حتى هذه اللحظة شركاء في تدمير الوطنية العراقية.

على أعضاء تحالف الدولة ومعهم بعض الخطباء ألّا يواصلوا لعبة الاستمتاع بمصطلحات الكفر والايمان وإعادة تزويقها وتسويقها للناس، فمهمّتهم اليوم هي أن يقرأوا الأحداث كما هي مرسومة بعيون جميع العراقيين سنّةً وشيعة، عرباً وكرداً، مسلمين ومسيحيين، صابئة وإيزيديين، وعلى من سمى نفسه ائتلاف قوى الدولة أن يدرك أن مسؤوليته الحقيقية هي أن يكون ائتلافاً لكل العراقيين وليس ناطقاً باسم القانون الجعفري، والشجاعة تقتضي مواجهة الجميع بالحقائق لا التخفّي تحت أغطية عاطفيّة أو ملابس طائفية سرعان ما نكتشف أنها منتهية الصلاحية.

***

علي حسين

سؤال قد يراه البعض غير مناسب ولكن لابد منه: من وراء ضجة تشريع الاغتصاب؟

الضجة المفتعلة برلمانيا واعلاميا الان، حول تغيير او تشويه قانون الاحوال الشخصية، بدلا من تطويره لمستوى ماهو في الدول المتطورة او على الاقل التي تماثل الوضع لدينا في العراق، تونس مثلا . لابد ان وراءها قوى تخطط للابعد من انوف بعض البرلمانيين العراقين الذي يعملون لصالح تلك القوى. ليسموها ماشاءوا، نظرية المؤامرة! والتي يرفعها مثل قميص عثمان، كل من يريد السخرية من الراي المخالف له.

قبل الاجابة على السؤال المطروح ، لنسأل البرلمانيين وذوي الشأن العراقي: هل قدموا حلول للازمات والمشاكل الخدمية والاقتصادية التي تعصف بالبلد منذ عقود؟ هل اصبحت الكهرباء مثلا مثلها مثل مافي ايران والكويت؟ لن نبتعد ونقول مثلها مثل ماموجود في اوربا! هل مشكلة السكن التي يعاني منها الملايين من الطبقة الفقيرة من عمال وموظفين وكسبة، وجدتم لها حلول ناجعة ووفيتم بوعودكم في بناء مجمعات سكنية، او مساكن شعبية؟ وقد صار الفرد العراقي يلجأ لحلول ذاتية غير مدروسة ، تقسيم بيته الصغير اساسا، والغاء الحدائق الصغيرة ليبني غرفة لابنه المتزوج حديثا!  حتى صارت المنازل مجرد صناديق تفتقد لابشط شروط السكن! بل منهم من لجأ الى حلول كارثية على البيئة بعد بيع الاراضي الزراعية وتشكلت احياء تفتقد لابسط الخدمات!

هل مشكلة المواصلات انتهت؟ وعادت الباصات تجوب الشوارع في كل احياء بغداد مثلا! بل وضعت قوانين واجراءات للحد من فوضى التاكسيات وفوضى الاختناقات المرورية!

هل عادت الخطوط الجوية العراقية للعمل مثل قبل بل واحسن؟ وصرنا لانضطر لنحط الرحال في تركيا او الاردن او قطر لننتظر ساعات بل يوم كامل احيانا، لتقلنا طائرة بائسة لنصل بغداد منهكين ماديا ونفسيا!

هل عاد البريد العراقي مثله مثل كل دول العالم لنبعث برسائل او طرود لاهلنا في العراق؟ وهل وهل.... اسئلة كثيرة لا اعتقد لدى لسادة البرلمانيين اجوبة لها..

فاذا لم يكن لديهم جواب ولم يتعبوا انفسهم لتقديم اي عمل لحل تلك المشكلات الانفة الذكر! لماذا اذن كل هذا الاهتمام بايجاد حل لمشكلة المشوهين والمرضى من الشواذ الذين يشتهون الجنس مع الاطفال؟ وتلك جريمة ولطخة في جبين الانسانية التي يعاقب عليها القانون. بدلا من التفكير في معاقبة هؤلاء قانونيا وشرعيا، او على الاقل اخضاعهم لعلاج نفسي وانساني ينقذ ماتبقى لهم من ضمير انساني. نفاجأ بمحاولة تشويه قانون الاحوال الشخصية ووضع فتاوي لشرعنة تلك الجريمة ولخلق هوة اخرى بين طوائف وقوميات العراق، بدلا من ايجاد قوانين تخضع كل المواطنين على اختلاف قومياتهم وطوائفهم. فامريكا حاولت بكل ذكاء قادتها الشرير لخلق حرب اهلية في العراق وتقسيم البلد الى سني وشيعي بعد ان نجحت من خلال ذيولها في تقسيمه الى عرب واكراد!

الان نطرح السؤال الاول ونضيف، لماذا الان؟ لماذا في هذا الوقت الذي يجول ويصول فيه الوحش الصهيوني ليدك منازل غزة على رؤوس اهلها وتلاحقهم الطائرات لتقصف الهاربين وخيم اللاجئين؟  بل وتقصف الضفة الغربية ولبنان وسوريا وايران وغيرها بلا رادع ولا وازع من الدول المعنية بحقوق الانسان! ولا حتى من منظمة (الامم المنحلة) التابعة لامريكا، وامريكا طبعا تابعة لعصابة آل صهيون!

هل تذكرون حرب الخميني مع صدام ؟ كيف اختارت امريكا التوقيت في عز الانتفاضة الفلسطينية في بداية الثمانينات من القرن الماضي، التي كسبت فيها تاييد العالم بعدما فضحت الكاميرات قسوة ووحشية الجنود الصهاينة وهم يكسرون ايد الصغار الذين يحملون الحجارة في مواجهة الدبابات والرشاشات والقنابل!

نجحوا في اشاحة وجه الكاميرات عن ماساة ذلك الشعب، ليركزوا على مباراة صراع الثيران في الحرب التي راح ضحيتها الملايين من العراق وايران. وشردت الملايين! ونجحت امريكا في تحقيق حلمها القديم في انشاء قاعدة عسكرية في الخليج!

اليوم يكررون نفس السيناريو ولكن بطريقة اكثر خبثا ، يكون الخاسر الاول فيها الشعب العراقي. فهم يعرفون مدى ارتباط شعب العراق بالشعب الفلسطيني، والعاطفة والمشاعر الانسانية التي يكنها الشعب العراقي للقضية الفلسطينية، حتى لو ان بعض قياداتهم واعلامييهم يعملون لصالح امريكا والصهاينة! كثير من الشباب العراقي ساهم مع الفدائيين وقدم العراق الكثير من الشهداء خلال الحروب التي شنتها اسرائيل ضد الفلسطينيين في لبنان وسوريا وغيرها.

اذن مايجري الان من مهزلة مناقشة جريمة طائفية وجريمة ضد الطفولة  وضد حقوق الانسان، وحقوق المرأة وانتزاع ماحققته من نجاحات في تحقيق العدل واحترام المجتمع لها واشراكها في كل مفاصل الحياة السياسية! هو محاولة لالهاء الشعب العراق عن مشاكله الازلية في خدمات الكهرباء والسكن والمواصلات، والهاءه عن مناصرة الشعب الفلسطيني التي هبت كل الشعوب تطالب بانهاء القتل اليومي للاطفال وحتى الناس الهاربين من جحيم الهولوكوست الصهيوني الجديد.. فمن يناقش امر تشريع الزواج من الاطفال وتعزيز التقسيم الطائفي والغاء سلطة القانون من نواب، هم اما مشوّهين او عملاء لامريكا. وفي كلتا الحالتين يجب رفع الحصانة عنهم فورا، ومحاسبتهم واتخاذ القرارا بايقاع اقصى العقوبات ضدهم. فلرئيس الوزراء ورئيس الجمهورية الحق والسلطة في اصدار تلك القرارات التي تعيد للشعب العراقي كرامته وانقاذ سمعته بين الشعوب، وانقاذ البرلمان من كل العناصر المشوّهة والتي تعمل على تفتيت وحدة الشعب العراقي، وتقف في وجه تطوير المجتمع وانقاذه من كل الازمات الخدمية والاقتصادية .

حفظ الله العراق وكل من يعمل لاجله

***

ابتسام يوسف الطاهر

تتعرض السياسة في هذه الايام من بعض شرائح المجتمع الى حملة غير منصفة من الهجوم والنقد والسخرية التي وصلت اقصاها في قول الكاتب المصري الساخر" جلال عــامر (اصبحت مهمة المواطن صعبة، فعليه ان يحافظ على حياته من البلطجية، وان يحافظ على عقله من السياسيين) وذلك بسبب دخول الساحة السياسية عدد كبير من الطارئين والوصوليين واصحاب المنافع الشخصية، فبعدما كانت السياسة وعالمها الى وقت قريب فن ادارة صراع الطبقات وانقاذ الشعوب من الفقر والأزمات الأخرى ولنا خير دليل في  تجارب بلدان عديدة ومنها ماليزيا وسنغافورة اللذان بفضل السياسة الحكيمة تعيشان اليوم مستوى عال من الرقي والتطور اصبحت السياسة اليوم متهمة بأنها وراء خراب البلدان وزعزعة استقرارها، ربما نعذر البعض من الأجيال الجديدة في اتهامها هذا وتحاملها على السياسة واحزابها وذلك بسبب قلة التجربة وابتعادها عن قراءة التاريخ،  فالأحزاب التي تمثل عصب السياسة كانت في الماضي مدارس للتربية الوطنية والاجتماعية وميادين للتنافس الفكري والثقافي نجد اليوم العديد من الأحزاب اصبحت ملاذا للسراق وحاضنات للإرهاب وورش لتعليم فنون النهب والفساد وسلوكيات شاذة لا تمت للسياسة بصلة تمارسها أغلبية طارئة على العمل السياسي والحزبي الأمر الذي دفع البعض الى تعميم هذا السلوك على جميع مرافق السياسة وواجهاتها ودون الرجوع الى تاريخ الحزبية في العراق ليرى ما قدمته الأحزاب للحياة المدنية العراقية فقد خرج من عباءة الاحزاب كبار المفكرين والأدباء والشعراء والفنانين والمثقفين كما قدمت الأحزاب صورة ناصعة للوطنية الحقة من خلال عدد كبير من الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من اجل حرية اوطانهم، وبالتالي ليس من الانصاف ان نظلم السياسة بسبب سلوكيات البعض الذي ارتدى ثوبها زوراً وبهتانا .

***

ثامر الحاج امين

يواجه بعض الإسلاميين صعوبة في فرض التوصيات الدينية، وهم يزعمون أن التوصيات تلك وُضعت فقط لحماية المجتمع، ولكن في سياق تحقيق تطبيقها، فإنهم يقسمون المجتمع، ويروعونه، ويقتلون من يريدون، باعتبارهم مجاهدين يريدون إقامة دولة الخلافة ولبس الجلباب والنهي عن المنكر في سبيل الله.

وطائفة أخرى تجاهد الطائفة الأولى لحماية الصحابة من الطعن وأصحاب الحق أموات أيضا، وطائفة ثالثة ترى أن شكل العدالة لا يتحقق إلا في رؤيتها متمثلة في الإمامة، التي أحياها الأموات في الماضي.

وتستمر المعركة وتنشغل المجتمعات وتنفق بعض الدول الأموال الطائلة لأجل  نشر هذه الانحرافات العقدية، لتعزيز مذهبها وعاداته وتقاليده الموروثة، والتي بدورها تقوي كراسي السلطة والجالسين عليها.

فإذا أردنا التعايش مع الأطراف الأخرى يجب تقبلهم بعيوبهم.. وليس ذلك كافر عليه اللعنة وذاك ملحد لا تجلسوا معه ولا تأخذوا منه.

فاذا كان الاختلاف يؤدي الى القطيعة.. اين يذهب الود؟ واذا كان الاختلاف يحتاج الى سنين حتى تعود المحبة من جديد.. فأين الفضيلة ؟ واذا كان الاختلاف يؤدي الى الهجر.. فأين تذهب المحبة ؟ واذا كان الاختلاف يؤدي الى الاحقاد... فأين المصداقية.. والحب والعشرة ؟.

نحن جيل نشأ وتربّى وترعرع على الحب.. والتسامح والوفاء والاحترام وكل القِيَم النبيلة الجميلة، عاصرنا رجالاً ونساء لم يعرفوا القراءة والكتابة ولكنهم اتَّقنوا عِلم الكلام، لم يدرسوا الأدب ولكنهم علّمونا الأدب، لم يدرسوا قوانين الطبيعة وعلوم الأحياء ولكنهم علمونا فن الحياء.

 لم يقرؤوا كتابا واحداً عن العلاقات، ولكنهم علمونا حسن المعاملة والاحترام، لم يدرسوا الدين ولكنهم علمونا معنى الإيمان وعلمونا الحلال والحرام، لم يدرسوا التخطيط ولكنهم علمونا بُعد النظر في كل شيء،لم يجرؤ أحد منا على الكلام بصوت عالي في البيت، كنا نحترم الجار والجار السابع.

‏انشر الكلمة الطيبة بين أهلك  قبل مجتمعك، للأسف تجد بعض الأشخاص يعامل الناس بكلمة طيبة في الشارع ومكان العمل، حتى إذا دخل مواقع التواصل الاجتماعي انتقد ووبخ وشتم وعامل الناس بجفاف بحجة أنه عالم بكل شيء، فما تعطيه لأهلك من لطف ولباقة ضعه في أفراد مجتمعك، تمدح هذا، وتشيد بعمل ذاك، وتشجع آخر، ليكن دخولك فرحة لأصحابها.

إهداء لِمَن عاش تلك اللحظات الجميلة، وإلى الجيل الذي ربّانا وهذّبنا، حفظ الله مَن كان منهم حَيّاً والرحمة والمغفرة لمن غادر دنيانا.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

كاتب وأعلامي

برعاية معالي السيد الوزير الاستاذ الدكتور.....

وبإشراف السيد الوكيل.......

وبجهود مباركة للسيد المدير العام...........المحترم

تتشرف دائرة ال........... بدعوتكم لحضور  ندوة بعنوان........ يحاضر فيها الاستاذ.......

***

هذا النموذج في الاعلان ابتكرته العقلية البيروقراطية الادارية العراقية على مدى عقود من الزمن. مبالغات في ( الإنشاء)، وأقصى المديات في تقديم الطاعة والولاء، سلوك متملق ومنافق ورثناه، تضخّم واستفحل في عهد (النظام الجديد)،  لا نجد له مثيلاً في البلدان المتحضرة كلها.

ربما يطول الحديث في اسبابه وغاياته، لكن باختصار يمكن القول: انه امتداد (لثقافة) كرّستها صحافة النظام السابق واصبح تقليداً ثابتاً يتصدر الصفحات الاولى للجرائد، يرافق نشاطات (القائد الضرورة ) كشرط حتمي في نشر صورته بمناسبة أو من دونها مع عبارة : برعاية من لدن سيادته حفظه الله ورعاه.

أما فعاليات ونشاطات وندوات (النظام الجديد) فهي على الأغلب أبعد ما تكون مكرّسة لمناقشة أزمات البلاد المتفاقمة، والتفكير بحلول لها، و نادراً ما تشهد الجلسات حضور السيد المعالي أو وكيله!

إذن لماذا هذا السلوك؟ أليس بإمكان المسؤول اللجوء الى لغة متواضعة تنسجم وتواضع محاور الجلسات، تحفظ مقامه وكرامته، أم ان هذه (الظاهرة) وسيلة دفاع قوية تضمن له الحماية والاستمرار  حسب تفسير علم النفس المجتمعي؟

ربما تمضي بنا الاجابة عن هذه الأسئلة الى اشكالية معنى الولاء والطاعة و الاختلاف في فهمها، حين تتخذ الدعوة اليهما شكلاً سافراً في ظل الأنظمة الدكتاتورية والقمعية، فتتولى أجهزة الاعلام المنافقة تصوير الحاكم والمسؤول بأنه مصدر الحكمة والقرار السديد، وما علينا إلا أن نوكل أمورنا اليه، فهو الذي يفكر بالنيابة عنا، ويعرف مصلحتنا، ويعفينا من مشقّة اتخاذ أي قرار، ومقابل ذلك فان أي "عصيان" هو اثم لا يغتفر، فكبيرة الكبائر هي " شق عصا الطاعة" (لاحظ الارتباط في التعبير اللغوي التراثي، بين الطاعة والعصا).

من المؤسف أن مؤسساتنا قائمة على هذا الايقاع الذي يؤدي الى تقويض الثقة بالنفس، ويحيل الأداء الى فعل انتهازي ونفعي.  ان مبادئ الإدارة تكتسب شرعيتها من العمل الوظيفي النزيه، والمعيار الحقيقي المتفق عليه للنجاح، هو الاخلاص والابداع في العمل لاغير.

***

د. جمال العتابي

.....................

* أستأذن الصديق الفنان خضير الحميري في استعارة إحدى رسوماته مع المنشور

حين يكون الحديث عن الطعام والشراب تحضر نصيحة الاعتدال، الكرم صفة حميدة، لكن كمية الطعام الكثيرة لا تعبر عن الكرم، المبالغة في الاستهلاك والإنفاق والمشتريات التي تنتهي في براميل النفايات يمكن أن تقع أحياناً في خانة التسلية أو حب المظاهر، وكذلك تحضر في مواقف ومناسبات كثيرة منها ما يحدث في بعض الأفلام والمسلسلات حيث يلاحظ استخدام تدخين السجائر بطريقة مبالغة فيها تصدم المشاهد، الإسراف في التقليد ينتشر بين الناس بلا حدود كما يحصل في انتشار ظاهرة الوشم على أجساد اللاعبين في كثير من الدول مما يؤكد نظرية القطيع، تشويه ليس له مبرر وقد أحسنت بعض الدول بمنع هذا التشويه، في موضوع التجارة، العقار، المستشفيات، المدارس والجامعات الأهلية وغيرها من الخدمات فإن المبالغة في الأسعار يجعل الموضوع ذا طابع تجاري فقط ليس فيه مكان للبعد الإنساني.

فالذين أصبحت القيم المادية عندهم محور الحياة حوَّلوا الإنسان إلى آلة تتحرك، وقدَّسوا المحسوسات، وغرقوا في الشهوات، ولم يروا غير المنافع الدنيوية العاجلة، وهذا منهج النفعية المادية، الذي تمثل في المادية الماركسية، أو الرأسمالية المادية، والذين رأوا الجسد سجناً للروح ابتدعوا رهبانية قاسية حرمت النفس من ملذات الحياة، وعزلتها عن الحياة، وكبتت غرائزها، كما قال تعالى: «وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ

وجاء الإسلام ليصحح المسألة، ويهدي الناس إلى أقوم السبل، وأعدل الطرق، طرق الاعتدا ل والوسطية بين عبادة المادة ونسيان حق الروح، وبين إرهاق الروح ونسيان حق البدن، ليعطي كل ذي حق حقه، وفقاً لقوله تعالى: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا

الاعتدال غايته الانفتاح على الآخر، وإشاعة الخير والمعروف، ونشر ثقافة الحوار، ونبذ التعصب والصراع، واحترام كرامة الإنسان، والحرص على توفير الأمن والسلام، والحب والعطاء، والعيش الودي المشترك بين الأديان والمذاهب، وزرع الثقة والطمأنينة بين أفراد المجتمع الواحد أو المجتمعات المتباينة في الأفكار والمعتقدات، وحسنا فعلت وزارة التربية العراقية بقرارها استحداث مادة الاخلاقية في المنهاج الدراسي للمرحلة الابتدائية والاول متوسط، بغية بناء وتنشئة جيل واع متمسك بالقيم والمبادئ الدينية والاجتماعية الأصيلة بعيداً عن التعصب والتمييز بما ينسجم وأحكام الدستور العراقي، فكلنا يعرف ان للمدرس والجامعات دورا مهما ورئيسيا في إنجاح جهود مكافحة الفكر المتطرف، مختصون واولياء امور الطلبة عتبروا إستحداث هذه المادة ضرورة ملحة لكي لا تقتصر على الجوانب التعليمية والتلقينية فقط،، بل ليتم تفعيل المناهج التربوية والتقويمية للمدارس والمعلمين، حيث أن المدارس والجامعات تساهم في تعميق وعي الطالبات والطلاب حيال قيمة التعايش والتنوع الإنساني وأهميته في البناء والتنمية وتحقيق الفرد طموحاته وتطلعاته المستقبلية، والتحذير من مخاطر التطرف وتأثيراته السلبية على حياة الفرد ومحيطه، كما لها دورا مهما لاحياء النزعة الإنسانية الغائبة أو المهمشة في الخطاب الدعوي الديني، وفي الخطاب الأيديولوجي القومي، بتفعيل ما يتعلق بحقوق الإنسان والمحافظة على كرامته، أليس عجباً أن يخاطبنا القرآن بقوله "ولقد كرّمنا بني آدم" ونحن نتعايش مع أوضاع مخجلة تنتهك فيها كل الحقوق والكرامات؟! كيف يصح أن يكون إسلامنا مع الحقوق والحريات وتاريخنا ومجتمعاتنا في سلسلة مستمرة من قمع لتلك الحريات، فليتعلم جيلنا الجديد امورهم الدينية والدنيونية بشكل سليم، وليتعلموا اننا شعب عملاق متسامح مهما عمل الطائفيون، فالاعتدال ثقافة فكرية وأخلاقية يحتاجها الإنسان في حياته ليحقق التوازن بعلاقاته الانسانية

***

نهاد الحديثي

شعور مؤلم ان تعيش الإحباط من ضياع الأحلام بعد سنوات من الانتظار المرّ والقاسي وأفول شمس الأمل بوطن ينعم بالحرية والأمان، فمن كان يصدق ان البلاد التي بدأ منها التاريخ وطرز حياتها بأرقى الفنون والآداب ستكون لقمة سائغة تلتهمها أفواه الجائعين الشرهين اصحاب البطون والعقول التي عاشت الخواء والقحط، يا لنا من قوم أتعبهم التفاؤل، فقد كنا نضحك هازئين من خيال الشاعر يوم سمعناه يندب (نُفيت واستوطن الأغراب في بلدي ) حيث كنا نظن ان البلاد عصية على الغرباء ولن تكون يوما نهبا لشذاذ الآفاق وخفافيش الارهاب، بلادنا التي جعلنا من أجسادنا الغضة والمعجونة بعشق الأرض سورا لها، يا الهي .. أية غفلة هذه التي تسلل فيها كل هؤلاء اللصوص وسرقوا اغانينا وضحكاتنا وأرعبوا طيورنا الآمنة وعاثوا فسادا بحقولنا المزهوة بالخضرة واستباحوا أزهارها بإقدامهم  القذرة، بلادنا التي تبدو اليوم غريبة علينا بينما هي الذاكرة التي حفظت لنا صور الطفولة ومرح الصبا والشباب، ها نحن اليوم تحت شمس صباحاتها نتلمس طريقنا الى الشيخوخة وقد ابيضّت رؤوسنا دون ملل من عشقها والتغني بجمالها، بلادنا التي نثرنا في أزقتها أجمل سنوات العمر وتعطرت اجسادنا الغضة بأريج ترابها الطاهر كيف صارت اليوم نهبا للمعتوهين وسماسرة السياسة وصناع الخرافة وعبيدها، فاليوم نجوب شوارعها وفي كل خطوة تنتابنا غصة اذ نجد انفسنا مهمشين وضائعين وسط حشود لا نعرفها بعدما كنا فيها اشبه بالفنارات وسط البحر، تعبرنا المارة ولا وجه فيها يعيدنا الى زمن الزهو وألق السنوات التي مرّت مثل حلم، يا للقدر السيء الذي أوصلنا الى هذا الزمن الغريب الموحش، زمن يرتع فيه العهر والكذب والصفقات الدنيئة، نسير حيارى من هول ما نرى وليس هناك ما يواسي غربتنا سوى قول الشاعر ابراهيم ناجي :

هذه الكعبة كنا طائفيها

والمصلين صباحاً ومساء               

*

كم سجدنا وعبدنا الحُسْنَ فيها

كيف بالله رجعنا غرباء

***

ثامر الحاج امين

إذن، وبوضوحٍ شديدٍ، ومن غير لفٍّ أو دوران، لا تنتظروا إصلاحات ديمقراطية ولا حلاً للأزمات السياسية التي ما أن تنتهي واحدة حتى تحاصرنا واحدة جديدة، ولا تطمئنوا لأن الإعلام يزعج بعض المسؤولين ويلاحقهم بالأسئلة، فهذا كله في نظر المسؤولين مجرد " حجي جرايد " . هذا هو المعنى المباشر والصريح الذي فهمته وأنا أقرأ الخبر الذي يقول إن القضاء أصدر أمراً بإلقاء القبض على نور زهير .. هل تعتقدون أن هذه نكتة؟ لا ياسادة فالسيد نور زهير وهو يتمتع بإجازته في بيروت وجد أن لا وقت لديه لحضور المحاكمة، ورغم أنني مواطن لا ناقة لي ولا جمل في لغة القوانين، لكني أعرف أن المتهم بسرقة مال عام لا يمكن أن يخرج بكفالة، إلا ان القاضي ضياء جعفر أخبرنا مشكوراً في لقاء على إحدى الفضائيات أنه شخصياً من أفرج عن نور زهير بكفالة مالية .. وحذرنا القاضي من دس أنوفنا في شؤون القضاء إن " موضوع استرداد الأموال مو سهل مثل ما يتصور الناس والإعلام " .

وحتى لا أضع القراء في حيرة سأورد نص الفقرة " ب " من المادة 321 من قانون العقوبات العراقي والتي تنص على أن "المتهم بسرقة المال العام حتى وإن حكم عليه بالسجن وقضى مدة محكوميته، لا يطلق سراحه ما لم تسترد منه الأموال المختلسة ". وتضيف الفقرة أن أمثال نور زهير " يستثنى من أحكام الإفراج الشرطي، ولا تطبق بحقه قوانين العفو العام ولا قرارات تخفيف العقوبة " .

وبعيداً عن القرارات الجديدة التي أصدرها القضاء باعتقال نور زهير من جديد، ومنح الكفيل 13 يوماً لإحضاره إلى المحكمة، وبعيداً عن البيانات الوردية حول سلطة القانون ومحاربة الفساد وإشاعة النزاهة والشفافية، فان خطورة ما جرى في قضية نور زهير، تكمن في أن الناس لا يمكن لها بعد ذلك أن تثق بقرارات  تتعلق بالفساد، فضلا عن أن هؤلاء الناس أنفسهم يدركون جيداً خطورة أن يخضع القضاء لتأثيرات جهةات معينة.. لأن الراسخ في أذهان العراقيين أن أولى بشائر الديمقراطية تكمن في تشكيل قضاء يقف إلى جانب الصدق والحق والعدل. وأن الناس تتوقع أن يساهم القضاء في مساعدتهم على دخول المستقبل، وبناء دولة حديثة تمنح حق التعدد السياسي والثقافي، دولة تقوم على أساس حق المواطنة لا حق نور زهير وعصابته، وعلى العدالة والمساواة لا على توزيع قرارات إطلاق السراح بين الحيتان .وقديماً قال الفيلسوف جون لوك؛ حينما تنتهي سلطة القانون تبدأ سلطة الخراب.

***

علي حسين

عندما تُوجه للشخص التهم بدون جريرة، ولما يُعاقب المرء بدون وجه حق، ثم يُلحق الأذى به دون سماع دفاعه عن نفسه، حينها نقول أن ثمة عصا تجوب الصخر بالواد وتجر العباد والبلاد لسوء الأحوال.

إن الإساءة المتعمدة بدون مبرر لرموز الشرف والرفعة هو سلوك الضعفاء، المهزوزين، الذين عاشوا من أجل هدف واحد، أن يكيدوا لمن هم أعلى شأنا منهم، تعرفهم من سماهم، ينتهزون الفرص ولا يصنعون التوجهات، يصنعون حولهم الفراغات وليس قيادات جديدة، وعندما يتم استهلاك أشخاصا محددين أكثر من مرة تصبح الدولة غير قادرة على انتاج قيادات أخرى للرئاسة والحكومة والإدارة فيصاب العمل الوطني بالهزال . الوضع الآن هو نتيجة مباشرة لما آل إليه تطور الحال، سلطة تهتز لبضع لوحات فنية كاريكاتورية تحتوي على قيم اجتماعية وثقافية تزخم بشحنة عاطفية وطنية غيورة لفنان مصري شاب، أشرف عمر الجباخنجي الذي حملت رسوماته شذرات تأملية وإضاءات ذكية، وكما يقال التشبيه في البلاغة من خصائص بلاغته أن يكون مطابقا لمقتضى الحال، وعندما يُرسخ علم الاجتماع القانوني فرضية أن القانون وُضع لثلاثة أهداف : ضمانالعدالة، توفير الحرية وترسيخ النظام، ثم تستقر الأمور في اتجاه معاكس يكون مفهوما أن ثمة خلل كبير في العقل والفكر والوجدان، فصار كل مسؤول شاب يكثر لغطه فيكبر غلطه، ذلك حينما لا يؤمن بأن اللوحات الفنية هي تأريخ لذاكرة المكان وأنها مجال خصب للمقاربة الذكية والتفكير النقدي والتعامل مع كل فكرة أصلية جديدة، وليست للتعامل مع الأخبار المقتضبة المذيلة مكرا بعبارة "هذا من حيث المبدأ"

الفن يغرف موضوعاته من ينبوع التاريخ ويرتوي من الواقع المعاش، والفنان مثل الأديب ليس مؤرخا مكلفا بتوثيق الحقيقة ولكنه يستعمل الحقيقة التاريخية كوسيلة للتعبير عن أفكاره وآرائه وتصوراته، وهكذا كان حال الفنان أشرف عمر. الأصل أن الفنان حر في نظرته لقضايا أمته وللتاريخ، ومن حقه أن يفسر الشخصيات والحوادث كما يشاء بما يخدم رؤيته وغايته الإبداعية، والمتفق عليه أنه إذا كان تحقيق الصدق التاريخي هو غاية المؤرخ، فإن الصدق الفني هو أهم شيء بالنسبة للفنان المبدع، وقد يتم غض النظر عن قضية الالتزام بالحقيقة كما هو الأمر بالنسبة للشاعر الذي يجوز له في كتابة شعره ما لا يجوز للآخرين . إن الحديث عن الالتزام هدفه تثمين المواضيع ذات العلاقة بالقيم الإنسانية وليس محاكمة أخلاقية للأعمال الفنية أو الأدبية، وإرادة الصدق هي التي تجعل الرسم أو الكتابة فعلا أخلاقيا في مواجهة تقلبات الحياة التي تحوّلت لتصبح مرادفا للمعاناة، ذلك حين يكون العنف هو رد فعل أحمق به تجري التغطية على  العجز والفشل بعد التراجع عن مواجهة غلبة التناقضات والشيوع المتسارع لظاهرة تفكيك الروابط في مختلف المجالات وعلى كافة الاتجاهات.

تكمن براعة الفنان أشرف عمر في رسم اللوحات الكاريكاتورية فيما أكسبها من أصالة بمهارته وصدق إلهامه، ومن ذلك الثراء البيئي المميز للمجتمع، تتحدث الرموز في لوحاته لغة تشكيلية مليئة بالإيحاءات الرمزية التي تحمل الأبصار إلى حركية تلتقي فيها الأشكال لتفريغ الهم الاجتماعي ويترجمها كل ناظر إليها على طريقته، والمتفق عليه أنها مهما كانت طبيعة هذه الأشكال فهي كلما تفاقم النزوع نحو التضييق على الحريات كلما علت صيحة القوة لنصرة الحق.

***

صبحة بغورة

تعد نظافة البيئة مسؤولية وطنية وملحّة لأنها تتعلق بالصحة العامة، والحكومات في المجتمعات الراقية ومن خلال برامجها الخدمية تسعى الى ايجاد بيئة سليمة من التلوث والأوبئة لكي ينعم شعبها بالصحة والأمان والرفاهية، ولكن وللأسف هذا الطموح يكاد يكون غائبا في برامج حكوماتنا المتعاقبة حيث نلمس غياب التخطيط والقرارات الارتجالية والتشجيع على الفساد هي أبرز مظاهر الأداء الحكومي مضافا اليه تسليم الأغلبية من الشعب بهذا الأمر واحتجاجه غير الفاعل الذي لا يثمر عن شيء يغير واقع الحال، أسوق هذا الكلام منطلقا من ظاهرة انتشار الدراجات النارية في شوارع ومدن العراق، حيث اتخذت الدول الاخرى من العراق مكبا للنفايات فراحت ترمي فيه بكل خردتها من الاجهزة والمواد المستعملة والملوثة والفائضة عن حاجتها مستغلة ابواب الاستيراد المشرعة دون رقابة امام التجار الجشعين ودونما شعور بخطورتها وتأثيرها على بيئة وصحة ابناء الشعوب الأخرى .

ان الحكومة المسؤولة حقا عن سلامة شعبها لا تسمح بهذه الفوضى في الاستيراد، لذا من الواجب ايقاف هدر المال العام في الاستيراد العشوائي ومراقبة استيراد ما هو ضروري مع مراعاة الضوابط الصحية واعادة تفعيل عمل أجهزة التقييس والسيطرة النوعية من اجل وضع حد للعبث والاستهتار بحياة المواطن ومن بينها الحد من استيراد الدراجات النارية الخردة التي باتت مصدر ازعاج وخطر في الشارع سيما ان جل الذين يقودونها من المراهقين المنفلتين اضافة الى الحوادث التي تسببها نتيجة عدم التقيد بأنظمة المرور ويكفي زيارة واحدة لمحاكم الجزاء والجنح للتعرف على حجم الحوادث المرتكبة بواسطة هذه الدراجات اضافة لما تسببه الاعداد الكبيرة منها في استهلاك الوقود غير الضروري المستورد بالعملة الصعبة وتأثير ذلك على نظافة البيئة وصحة المواطن، ولا نغفل ايضا جرائم الاغتيال التي يتم تنفيذها بواسطة هذه الدراجات التي لا تقدم اية خدمة للمجتمع انما هي اداة للجريمة ومصدر للتلوث البيئي .

***

ثامر الحاج امين

ظاهرة عجيبة في بلاد الأعاجيب، أن الذي يتسنم السلطة يخوّل لنفسه صلاحيات إمتلاك ما في البلاد من ثروات، ويتحرك المواطنون نحوه إستجداءً للمكرمات، فكل مَن جلس على الكرسي صار من أولياء نعمة المواطنين.

وهذا السلوك غريب ولا مثيل له في مجتمعات الدنيا، إلا فيما ندر.

المتسلط على الناس يعطيهم ما يسمى بالمكرمة، وهي ليست من ماله الخاص، وإنما من أموال المواطنين وحقوق السشعب، لكنه حسب نفسه صاحب الأمر والنهي في البلاد والعباد.

البعض يسميها طغيانا، إستبدادا، دكتاتورية وغيرها، لكنها تمثل ظاهرة متكررة حصلت في البلاد منذ إبتداء عهد الجمهوريات ولحد الآن.

فهل هذا سلوك وطني سليم؟

ثروات أي بلاد لأهله، ولا يحق لفرد أو عائلة إدّعاء ملكيتها وحرمان الشعب منها.

إنه تصرف قبلي بدائي غابي الطباع، مريض النزعات وفيه تعبير مروع عن أسوأ العاهات الفاعلة في الشخص، الذي سيطرت عليه أوهام الفردية والملكية المطلقة لحقوق الناس.

ويساهم المجتمع بتعزيزها بتوفير الحوافز اللازمة لديمومتها، وإتخاذها وسيلة للحكم والإستعباد، والنيل من البلاد والعباد.

فلماذا نمضي في سبيل المكرمات، وحقوقنا مهدورة، وأيامنا مقهورة بالحرمان والجور والإمتهان؟

ما تقدمه الكراسي ليس بمكرمة، بل تعبير عن آليات النهب والسلب والسرقات، وتخدع الناس بأنها تمنحهم ما لا يستحقونه، بصفة مكرمة، أي فضل من الكرسي على المواطنين.

وذلك تضليل وتجهيل، فالمواطن له حقوقه، وما دامت أرضه ثرية فيجب أن يتمتع بثرائها، لا أن يستجدي العطف من المستحوذين على حقوقه، والذين يوهمونه بأن ما يعطونه له مكرمة من سيد الكرسي المبجل المهاب.

لابد من معالجة الظاهرة، والقضاء على سلوك المكرمات، لأنه لا وطني ولا إنساني، وفيه أفك مبين.

فهل لنا أن نحترم حقوقنا، وننالها بعزة وكرامة؟!!

***

د. صادق السامرائي

في زمنٍ آخر، عدّه كثيرون زمناً جميلا، لم ينشغل الآباء بتوجيه أبنائهم أي من البرامج التلفزيونية يُسمح بمشاهدتها، وأيها لا، فلقد كانت القنوات التلفزيونية بالعراق تُعد على أصابع اليد الواحدة، تجلس العائلة بغرفة المعيشة قدام الشاشة من دون اعتراض او تبطّر، تشاهد ذات البرامج من دون فترات مخصّصة لهذا الجيل او ذاك. أتذكر هذا المشهد البكر لعائلة يجمعها صندوق بالأبيض والاسود، في حين تنتشر اليوم العشرات من القنوات التلفزيونية الملونة وآلاف البرامج المقلّدة والوجوه التي مسحت ملامحها طبقات الزيوت وعمليات التجميل. يقدمون على شاشتها برامج مملة ومستعارة وخادشه أحيانا، زاعمين ان المجتمع العراقي بات منفتحا بعد الاحتلال، وأن لا خوف على قيّمه وأخلاقه. في عراق اليوم توجد (57) قناة تلفزيونية، وهو رقم يعادل ما موجود في أربع دول أوربية: بلجيكا (20) قناة، النروج (23)، سويسرا (11)، استونيا (4). يقف خلف تمويل القنوات العراقية رجال أعمال وزعماء أحزاب وأمراء حرب، استخدموا مباني الدولة واشتروا أجهزة تصوير حديثة واستقدموا أشهر مقدمي البرامج وألبسوا القنوات عناوين احزابهم وتياراتهم: الغدير، بدر، العهد، الولاء، كربلاء، سرايا السلام، النجباء، الحشد الشعبي، الامام الغائب... وغيرها من القنوات التي تشرف عليها وتدعمها إيران. وأغلب الظن ان هذا الانفلات الإعلامي (57 قناة) لم يكن سببه الوحيد دخول الاحتلال، أو فقط التنافس الإعلامي مع التيارات الأخرى، ففي جزء منه كان رد فعل على هيمنة الاتجاه القومي الذي فرضه النظام السابق. يومذاك كان نشاط الأحزاب الإسلامية على شريط كاسيت تتبادله الأيدي، كصوت فقط، وبعد الاحتلال اكتشفوا تأثير الصورة في صنع ثقافة تروج لمشروعهم السياسي. وهذه الطفرة، من الكاسيت إلى الصورة، من دون المرور بحقول أدبية وفنية وعلمية، ألهت الإسلاميين عن حقيقة ان الواقع العراقي أكثر تعقيدا، وأن شحن التلفزيون بالمشاريع المنجزة والمسلسلات التركية وبرامج الوعظ التي تظهر رجل الدين أكثر ورعا، قد لا تجذب المشاهد. ليس فقط لأن الكذبة كبرت وصار يعرف تفاصيلها الصغير قبل الكبير، بل لأن ثقافة المجتمع العراقي كانت قد تنوّعت وتشابكت من أعوام طويلة؛ تارة أممية، وتارة أخرى قومية، وثالثة دينية ورابعة طائفية وقبلية، لم تتمكن كليا قرارات الاستيلاء الفوقية من إيقاف تداخلها واندماجها. وكان النظام الديكتاتوري قد سبق الاحزاب التي جاءت مع الاحتلال في نشر ثقافة احادية وإعادة كتابة التاريخ وترسيم ثقافة قومية "خالصة" جوهرها أفكار حزب البعث العربي الاشتراكي.

إنّ فكرة انشاء الأحزاب والتيارات الدينية بعد سقوط الديكتاتور بُنيت على مفهوم القوة، تضمن ذلك القدرة على التسلّح والاستحواذ على المال العام وتصعيد الشعائر الحسينية والاستعانة بالصورة للسيطرة على عقل المجموع. لكل حزب قناته ومفتيه ومرجعه، حرّموا فيها فنون ووضعوا أخرى في خانة "المكروه" ودعموا ماديا ومعنويا تلك التي تخدم مصالحهم السياسية، تحت بند "الضرورات تبيح المحظورات" حرصوا فيها على ان لا يرى الأطفال مشاهد العري والجنس، ويشاهدون بدلا عنها برامج السلاح وجثث القتلى وخطابات الشحن الطائفي وشعائر الحزن التي تخرج الحسرة من أعماق الروح. ومثلما كانت هذه الاحزاب تعمل بمحاذاة الدولة، نجد القنوات التلفزيونية التابعة لها تشتغل على ذات المنوال، لا خطاب رسميّ لها ولا توجه دينيّ بحت ولا رؤية تمثل عامة العراقيين، على الرغم من ان تصميم الاستوديو والألوان وخامة المحلّلين كلها تشي بتوجهات أصحابها. واللافت ان هذه القنوات المقدسة، حرفيًا أو مجازيًا، لا تقارير عن نشاطها المالي يطلع عليه المواطن، ولا اعتذار فيها عن الاخبار الخاطئة، ولا يُسمع عن إضرابات أو خروج معلن بين عامليها، فأغلبهم ينظرون لأنفسهم كـ "حشديين" أولا ومن ثم عاملين في القناة. وأمام هذا الواقع المؤلم فإن هيئة الاعلام والاتصالات غالبا ما تكون عاجزة عن فعل شيء، بل حتى في حال وجود خروقات صارخة فإن الهيئة ستتعامل معها مثلما يتعامل المجتمع مع التيارات المسلحة "اعتراض عام على المضمون، ولكن لا تحديد أو تسمية لتيار باسمه"

لا شك ان للتلفزيون علاقة ما بالثقافة، فالثقافة مفهوم واسع، ولكن السؤال هو كم هي نسبة الثقافة التي تقدمها الشاشة؟ فنحن في بلد لا توجد فيه إحصاءات ونسب مشاهدة وأرباح وقصص نجاح. على العموم يمكننا القول ان الباحثين عن الثقافة على شاشة التلفاز العراقية سوف لن يجدوا منها الكثير، لأنها ستزودهم بشعارات ونصائح ومواعظ، أكثر مما تزودهم بأفكار. بدليل ان انخفاض مستوى ثقافة الفرد العراقي، وتراجع مظاهر الثقافة في البيت والشارع، باتت حقائق لا تحتاج جهدا لملاحظتها. نلمسه في ظهور أجيال يائسة، بدأ تاريخ العراق عندها بدخول الاحتلال الأمريكي، تعرف عن المعممين وأمراء الحرب أكثر مما تعرف عن علماء البلد واعلامه. أجيال ليس لديها الوقت والصبر للجلوس وقراءة أمهات الكتب، وجل ثقافتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومتابعة المسلسلات التركية البطيئة التي يستطيع المشاهد فيها الذهاب للمطبخ لعمل الشاي، ويعود من دون ان يفوّت شئيا. موقفنا السلبي هذا لا يقلل من حقيقة ان الترفيه من وظائف الشاشة الفضية، فيه للدراما أولوية، في مجتمع تجلس أغلب نسائه بالبيت. فالترفيه ليس سبة او دمغة سلبية بقدر ما هو دليل على استجابة لحاجات المجتمع، وهو من جهة أخرى يوفر فسحة للمواطن للهروب من واقع فيه الكثير من الفقر والبطالة وانعدام الخدمات.

إنّ السياسيين الذين جاؤوا مع الاحتلال ودخلوا بغداد كفاتحين، من دون آليات ومعرفة في إدارة الدولة، كانوا قد اضطروا للاستعانة بالكوادر الفنية والإعلامية التي عملت زمن النظام السابق، من الذين لجأوا إلى قبائلهم وطوائفهم، أو العمل في الأحزاب الجديدة درأ للأخطار التي تواجههم. وكما هو الحال في السياق الاجتماعي عاشت هذه الشريحة من الإعلاميين والمثقفين مع الخطر، تعمل أكثر من غيرها وتتقاضى أقل، صحبة غضب مكتوم لو كشف أحدهم عنه لدفع الثمن غاليا. استدعى ذلك ان تغير هذه الشريحة الهشة من شكلها وأن تلقن نفسها بعض المعتقدات التي ترضي أصحاب نعمتها. وهذا التخادم بين رجال الديكتاتور وبين ضحاياه لم يحظ بقبول كل المتضررين، عدّه البعض انتهازية فاقعة، وعدّه البعض الآخر شطارة وتكيفاً للعيش، في حين ذهب آخرون إلى عدم تجاهل الظاهرة، لأنها تبيّن كيفية تسرب الذين تمتعوا بخيرات الديكتاتور للأحزاب الجديدة ومؤسسات الدولة الأخرى، وكيفية تحولهم إلى أدوات في الصراع الدائر بين أحزاب العملية السياسية. وللتذكير فقط فإن التهديد الذي تعرض له المثقف العراقي في زمن النظام السابق، وعاني بسببه النفي والتشرد، يشبه في بعض فصوله التهديد الذي تعرض له مثقف السلطة بعد سقوط النظام، مع فارق رمزي ان الأول كان مأساة والثاني مهزلة.

ما يشغلنا بعد كل هذه الأعوام ليس حرص الآباء او ثقتهم العالية بسلوك أبنائهم، فهم حتى لا يجلسون معهم لمشاهدة البرامج التلفزيونية ولم يفكروا بشراء كتب لأشغالهم بالقراءة. كذلك لا يشغلنا عدد القنوات التلفزيونية إن كان قليلا او كثيرا، فهي في الحالين تلقينية ومملة تتناول موضوعات لا علاقة مباشرة لها بمشكلات المجتمع في البطالة وغياب الخدمات وضعف التعليم والاقتصاد والصحة، ولكن الذي يشغلنا حقا هو أن بلدنا ليس بخير، وأن نذر الخراب ما زالت تأتي من أماكن أعمق، ولم يكن اغلاق دُور السينما وتهميش المؤسسات الثقافية وهروب أصحاب الرأي إلى مناطق آمنة سوى قمة جبل الجليد. أحيانا نصبّر أنفسنا بالقول اننا نعيش فترة انتقالية، وأن المستقبل سيجلب معه وجوها سياسية وإعلامية مختلفة، وأن المشاهدين لن يستمروا بالتكيف مع والصمت على برامج سطحية، ولكن ما يحدث بين الفينة والأخرى من توافق بين ذوق المشاهد وبين طموح السياسي ورأي الإعلامي، يحبطنا ويعيدنا إلى أرض الواقع.

***

نصير عواد

جاء في القرآن الكريم: "وسخر لكم ما في السمٰوات وما في الأرض" وهي خير دليل أن خالقنا، لم يدعنا في المعمورة دون توفير متطلبات الحياة، وجعلها بمتناول أيدينا، وقطعا هي لا تنفد حتى لو تضاعف سكان الأرض أضعافا مضاعقة. وجاء أيضا: "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا". وورد في الحديث الشريف: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته". وأنشد شاعر:

إذا وُليتَ أمر قوم ليلة

فاعلم بأنك عنهم مسؤول

ولعل آيات وأحاديثَ في هذا الجانب، تتطلب منا مجلدات لدرجها، وأظنها كافية وافية في الوعظ والإرشاد والتوجيه، بل والأمر بالامتثال لها كذلك. غير أن أكثر بني آدم "للحق كارهون" ولاسيما الذين يترأسون جماعة أو قوما أو شعوبا ودولا، إذ هناك بعض المسؤولين والرعاة وأصحاب الأمر والنهي، ومن يمتلكون حق البت والحكم في صنع القرار، على دراية بأعداد المرؤوسين الذين يعيشون تحت خط الفقر بألف درجة، ولم تصلهم رائحة أمل حتى لو حصل ألف تبديل في هيكلة حكوماتهم، فالمسؤولون يهيمون في وادٍ غير ذي نفع لشعوبهم، والأخيرون لا مناص لهم ولا خلاص من تردّي أوضاعهم يوما بعد آخر وعاما بعد عام، وقد أتعبهم ضنك العيش وضيق فسحة الأمل.

في بلدنا العراق نهران، يفيضان حبًا وخيرًا وعطاءً، وتتنوع خيراته فيما تحت الأرض وفوقها، ومع كل هذا لم يلمس العراقيون أية نقلة نحو الأحسن في مستوى معيشتهم، بل على العكس، فمنذ تولي الدكتاتور صدام وحزبه زمام أمور البلد، بدأ الخط البياني للعيش ينحدر نحو هاوية سحيقة، وأضحى المواطن يصطبح بالأمل ويمسي بخيبته، وهذا دأبه في حياته منذ الربع الأخير من القرن المنصرم، حتى التبس عليه مفهوم العيش الكريم بمفهوم العوز والفاقة، وسعيد حظ من وصل حد الكفاف واكتفى به مطلبا وحلما وأمنية، فهو لم يرَ كرامة العيش طيلة عقود، ففضلا عن حقبة الدكتاتور، كانت قد تعاقبت على جَلده حكومات منذ عام 1963ولم يشم رائحة الطمأنينة والأمان خلالها، فانّى له إدراك فحواهما وكنههما.

ولو وضعنا الحكومة الأخيرة -حكومة السوداني- على محك الأفضل والأكفأ والأحسن، في إدارة شؤون البلاد، فالحق يقال أن بصيص النور الذي أتانا من كوّة ضيقة بداية تسمنه مقاليد الحكم، بدأ يزداد تألقا وتوهجا يوما بعد يوم، وإنجازا بعد إنجاز، وهذا الرأي يشاركني فيه كثيرون بل كثيرون جدا، من المراقبين والمحللين والمنظرين، في أداء دوره كرئيس وزراء مقارنة بغيره، فخدمة المواطن وضعها في أولويات اهتماماته، بدءًا من استحداث بنى تحتية تخدمه، إلى تحسين الوضع الصحي والتعليمي، والالتفات إلى ما تلكأ من مشاريع، وما أُغلق منها، وما أُجل العمل بها، وهي جميعها تصب في خدمة المواطن، وإن تمّت على أكمل وجه، يكون السوداني قد سجّل اسمه بأحرف من ذهب، مخطوطة على كل حجر أساس وضعه في بناء البلاد وإعمارها.

وبما أن قول الحق يفرض نفسه في كل مقام ومحفل ومقال، فإنه يتطلب من قائله الجرأة والإقدام دون مخافة لومة لائم، وما دام إظهار الحق وإحقاقه غايته المنشودة، يكون حريا به الالتزام بما يُنسب للإمام علي (ع): "لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه".

إن أغلب العراقيين ما عادوا يأبهون بشخص حاكمهم، مادام مقبولا تاريخا وسيرة ونزاهة وخبرة، فإن أراد (الرحمة لوالديه) عليه وضع نفسه بأحس ما ظنه شعبه به، وبغير هذا سيكون "بعض الظن إثم" وستتحول الرحمة لوالديه إلى ما لا يسرّه ويسرّ والديه.

***

علي علي

عندما يتداعى مجتمع ما، أو تنهار أجزاء منه، يصبح المتمسكون بالمبادئ والقيم الأخلاقية والثقافة التقليدية في نظر الجميع،{حفنة مجانين} أو مرضى داخل حلقة منهارة لأنهم يننتمون الى "واقع مات" بل يصبح قول الحقيقة نَوعًا من الزور، في واقع مشوه ومقلوب تنقلب المعايير: يصبح البريء والأمين والنظيف غَبِيًّا أو مرِيضًا يحتاج إلى علاج، وعلى العكس يصبح النصاب والمخادع واللص ذَكِيًّا وشاطِرًا وهو النموذج، لآن للواقع الجديد له معايير تختلف عن القديم حتى الواقع التقليدي بكل ما فيه من معايير يتداعى، لا يعود الواقع الحقيقي مَوجُودًا رغم أنه موجود لكنه يبقى صورة منتزعة من الماضي بالأبيض والأسود وهو سر العودة الى الصور القديمة والشوارع القديمة والآمكنة القديمة البيوت والمصاطب والملابس، كما لو انها زيارة مقابر رغم أجيالنا عشنها اصبحت صورها عالقة في كل الطرقات حتي في الحقول .، فيتحول الواقع الحقيقي إلى مشهد غير قابل للاستهلاك. الواقع الجديد ليس غَصناً، ولا إستمرارية للواقع المتداعي بل هو صورة نقيضة منه، هو النموذج الجديد في اللغة والزي والأفكار والمقاييس وعلاقات المجتمع وكل من يخالف ذلك ولا ينخرط في حفل تنكري بالآقنعة المزيفة، يصبح وجهه الحقيقي مُزِيفًا، ويصبح الوجه المزيف حَقِيقِيًّا، كفلاح سافر الي الغرب ودخل شاطئ عُرَاةٌ في هذا التداعي المروع أين يذهب المتمسك والمتشبث بقيمه ومبادئه واخلاقه في عصر الفرجة والصورة ..؟ سيكون هو وحفنة باقية جزيرة معزولة، في محيط هادر من الصخب والاحتفالات والفرح والمتعة (في حفلة زور ونصب واحتيال) بصرف النظر عن نمط وماهية وأخلاقية الحفل " يقول عالم النفس "أريك فروم " المجتمع المريض لا يتساهل مع الأصحاء" وكيف يتساهل مع أصحاء يستعملون معايير نظيفة في التعامل مع واقع مشوه كعملة منتهية الصلاحية؟

أننا جيل نعيش واقع مخيف اطلق علماء الاجتماع علية

"قتل الواقع".

عندما يقع حدث ما حتى في شارعك، فسوف تراه في الشاشات حَدَثًا مُخْتلِفًا، من جهات مختلفة وأهداف مختلفة ومن ضحايا حقيقيين أو متخيلين، لآننا في زمن الصورة أهم من الواقع، بل الصورة هي الواقع، ومع كثرة الصور والمحطات والتفسيرات يلوح الحدث كما لو لم يحدث أصلاً، أو كما لو انه حدث بطريقة مختلفة عن ما رأيته، لأننا في مجتمع الصورة أو " مجتمع الفرجة" الصورة اصبحت أهم من الواقع بل هي الواقع، لهذا السبب ما بعد حرب اكتوبر عام 1973 والهجرة للخارج والانقلاب الاقتصادي . ومجتمع ريفي استهلاكي " إطروحة موت الواقع": اصبحت حقيقة، الواقع كائن حي يمرض ويتفسخ ويموت أو يُقتل، لقد مات واقع المجتمع الريفي المصري بعد التحولات العاصفة بداية الثمانينيات من القرن المنقضي واختفت الرموز في القرية المصرية، واختفت عائلات وصعد الرعاع السفلة الأقزام، في كل المناسبات تصدروا المشهد وكأنهم في ثأر من ماضي عاشوا فية أجدادهم وآبائهم، وكذلك مات واقع القرية بعاداتها وتقاليدها الراسخة ومات واقع القرية المنتجة، لنعيش داخل قرية بمواصفات النظام الريعي والمضاربات العقارية ونظام رأس مالي متوحش. وولد واقع آخر ونحن لا نعيش الواقع نفسه طوال الحياة بل نعيش صورته المتلاشية لكن نعيشة في الذاكرة ومن هنا يكون التنافر النفسي: بين :-واقع منقرض وواقع جديد" لم يترسخ وكل فرد يختار الواقع الذي يريده حسب تجربته حَنِينًا أمْ نُفُورًا ما قدمته وسائل التواصل الاجتماعي عن مجتمع الفرجة يختلف عن ما يحدث في الواقع بل تم قلب الصورة.

" أثناء هذا التحوُّل تم قلب الواقع والحقيقة وإعلان موتهما. وتم تعويضهما بكل أشكال الزيف والمخادعة والتشويه عن واقع مات في الريف فمثلاً تم متابعتها عبر صور للمجتمع الريفي ؛ وكأنه مباراة كرة قدم، وذلك بعد أن جرى مُعالجة الصورة وتحريرها، فبدت كفيلم سينمائي أو لعبة من الألعاب الإلكترونية، فهي تبدو نظيفة لا تعكس الدمار والخراب الذي حاق بالمجتمع المزيف الجديد الذي انتشر فية الجريمة والمخدرات والرياء والنفاق والبلطجية ولغة جديدة ".

لذلك لم تقع التحولات بل في الواقع بعد ان تم" قتل الواقع الحقيقي" وخلق آخر. ولكن تعلمنا من الفلسفة ان نطرح اسئله ..؟ فما الذي يمنعك لكي لا تنخرط فيه..؟ لماذا تبقى الهامشي والمحروم من حفل الزور، والفرصة متاحة لتنخرط في وجود جديد، و"حرية" جديدة ودعك من اخلاقيات المفاهيم...؟ الواقع الجديد لا يحتاج الى تعريف بل إلى فاعلية وعليك أن تنجح قبل كل شيء، حتى النجاح اليوم في الواقع الجديد يختلف، بل يتناقض ويعادي النجاح التقليدي الذي يشترط الحق والضمير والإنصاف والنَّبْلُ والمشقة."ماذا كسبت من هذه القيم..؟ عبارة قد تسمعها كَثِيرًا كتوبيخ مرات عن" فشلك" في أن تكون جُزْءًا من الصورة الجديدة. ؟ مع ان الخيارات كثيرة والحشر بين خيارين مثل من يترك للمشنوق حق الاختيار في الشنق على هذه الخشبة او تلك. اصبح صناعة النموذج اليوم تمتد من السياسة الى الموضة وحتى علاقات العاطفة والى الأجهزة الحديثة:

ما يثير فيك الاعجاب ليس نُبْلُكَ الاخلاقي ولا ثباتك الفكري والعاطفي ولا انجازك الفعلي، بل نوع هاتفك الخلوي وملابسك وسيارتك، لإنه تم سلب الواقع الحقيقي وإفراغ له".هو السبب الذي يجعل بعض الناس يشعرون بالإغتراب النفسي حتى في الآمكنة القديمة" الميتة" امكنة الطفولة والإغتراب أقصى من الغربة المكانية التي قد تكون محررة ومنقذة وفرصة حياة جديدة.، فلماذا الاصرار على أن تظل أَمِينًا وَشَرِيفًا، وحامل مبادئ ولا تلحق بالجماعة..؟

الا ترى هؤلاء في الواقع الجديد كيف صاروا في الغنى والرفاهية والمتعة..؟ بهذه الصورة تتم محاصرة الساخط والرافض والمحتج والمتمسك بقيمه ونظافته الداخلية، حتى يشعر في لحظة ما أنه غير طبيعي، أو حتى غير عادي لأنه فضل البقاء خارج النموذج المبتذل المصنّع وكم يستطيع مقاومة التيار..؟ لا ينهار الواقع في جانب منه، بل يشمل جوانب حساسة كالثقافة والدين، والاقتصاد وعلاقات الصداقة والفن والأدب، ومن يمكنه مقاومة هذا الطوفان..؟

بلا شك هناك من يقاوم بثقة ولا ارتجاج ولا زعزعة بل بثبات وقوة وثقة، دون استسلام لشروط الواقع الجديد لكن ليس بلا ثمن وقد يكون فَادِحًا لكنه مقبول للبقاء واقِفًا في هذا الاعصار، ويرفض التشبه أو السقوط، حتى لو كان الثمن الموت أو العزلة. صحيح يلوح الواقع الجديد ونماذجه وطقوسه واغراءاته من القوة والبريق والعنف الخفي او الظاهر، صُلْبًا رَاسِخًا، وحقِيقِيًّا، لكن هذه أكبر أقنعة الواقع المزور والمصنّع، لأنه بلا حقيقة بل مظهر وصورة وقد يتداعى في لحظة غير متوقعة كما حدث في كل التاريخ:

عند هبوب الريح علينا أن نتعلم كيف نفتح الأشرعة بدل المراثي...!!

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

 

جِمي زميلي من الصين، وكان صبيا في أواخر مرحلة "ماو" (1893 - 1976)، والذي حكم للفترة (1949 - 1976)، وحدثني عن طفولته البائسة، وكيف كان يعيش في قرية صغيرة.

يقول لي، قريتنا اليوم تحولت إلى مركز تجاري عالمي، ووالديَ يعيشان في شقة حديثة تتوفر فيها الشروط اللازمة لحياة كريمة.

قلت: كيف حصل هذا؟

قال: الرئيس "ماو" أعاد ترتيب عقولنا وأنارها بالثقافة وبأشعاره الرائدة!!

قلت: ماذا؟

قال: جعلنا نفكر بطريقة مغايرة!!

وعندما زرت الصين أذهلني نظامها وطريقة الحياة فيها، وتسارع العمران والحركة المتوثبة إلى مستقبل محكوم برؤية واضحة.

المشاهد أمامك تتحرك بقوة وعزم وإيمان بمستقبل زاهر.

القطارات لا يوجد مثلها في الدنيا، تنطلق بسرع صاروخية فائقة.

ركبت قطارا كأنه طائرة لا يلامس سكة الحديد، قالوا أنه يتحرك على مخدات كهرومغناطيسية.

إحترت في أمر أمة ناهضة متوثبة تجاوز عدد سكانها المليار بكثير، وبين مجتمعاتنا العاوية الخاوية المنهمكة بالغابرات والثأر لما فات وما مات.

ترى مَن يرتب عقولنا، ويجدد تفكيرنا، ويجعلنا مجتمعات معاصرة؟

إن العلة في العقل، فهل عقولنا مريضة؟

ومَن لديه القدرة على علاجنا؟

وهل ستلد الأمة ما يشبه "ماو"، ليخرجنا من غينا وهذيناتنا الحمقاء؟!!

تساؤلات كالأمواج في نهر الحياة، فهل من جواب أيتها الكراسي الحاكمة؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في عصر الفرجه والتفاهه، وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي، اختلط الحابل بالنابل في مفاهيم كثيرة والقاب وشهادات من سفير السلام الي الدكتوراة الفخرية في الطعمية والبطاطس المشوية، ومنها الفرق بين الكاتب والصحفي، والصحفي الكاتب، والقاص والروائي والناقد،،  ليحسم هذا الجدل: الناقد{رولان بارت} الفرق بين الكاتب وبين المستكتب:يقول "رولان "

الكتابة حقل مغامرة فكرية والدخول في المناطق المحرمة واللغة حقل اكتشاف وليس قاموس، في حين ان 'المستكتب "مهرج وبهلوان سيرك هدفه ابهار الجمهور لا ايقاظه" ويكتب باللسان واللسان تشريع يقول المتفق عليه،  ومن يكتب بلسانه غير من يكتب بذاته: اللسان سلطة وحافظ قوانينها وظاهرة قطع اللسان الخارج عن المألوف معروفة في تاريخنا، لأن اللسان أرشيف عام مُلقّن وملكية عامة لا يحق له الخروج عن السائد والمتفق عليه في حين الفكر والأدب والفن نتاج ذات فردية ضد القاموس وتمرد عليه ومن هنا التعارض والعداء بين سرديات الذات وسرديات السلطة او الجماعة اي كانت ايدولوجية او حزبية .

المستكتب، بهلوان في سيرك كما المطرب يحب ان يكون مرغُوبًا من الجميع ويفكر في الجمهور من مصطلح جديد طابور قطعان الآلتراس لا  بجوهر الكتابة، مع ان الكتابة تمرد بناء وطريق جديد وحالة يقظة.

(المستكتب) لا يكتب بالذات لآنه بلا ذات فردية بل مجمع ذوات تَصلُحُ لجميع الآذواق بل بالقاموس لذلك يقع الكثير من رواد شبكات التواصل الاجتماعي، عندما يكتب بوست للإثارة في اطلاق مسميات علي مستكتب بالكاتب والأديب والروائي وكل الألقاب، إن هدف المستكتب ارضاء الناس وتقديس الآوهام لأجل مصالح خاصة.المستكتب " محبوب" من الجماعة التي ينتمي لها بل أقرب الى المطرب لأنه يسمعهم اللحن الذي يريدوا كموسيقي الشوارع، يكتب برصانة شكلية امام بحيرات من الدم، ويتظاهر بالعقلانية أمام انهيارات الناس، ويبدو مُتمَاسِكًا أمام المذبحة، وكلها أقنعة مزيفة للحفاظ على اعجاب الجمهور وتجدهم هم اصحاب الأعجاب والتعليقات وكأنهم قطيع، في حين يذهب الكاتب الى هز أوهامهم التي تعايشوا معها وتحولت الى حقائق بالتكرار والاجترار بل الى قوانين واعراف. مرجعية الكتابة هي الحقيقة بلا ولاء لاحد ومرجعية المستكتب الجمهور العام ورضاه على حساب مصير وحياة ومستقبل الجمهور ولم يكن الجمهور العام حُكمًا بين الصواب والخطأ لآن الجمهور ليس كتلة واحدة منسجمة. الجمهور ليس مِعيارًا للخطأ والصواب لأنه رغبات وأهواء ومقاييس مختلفة يستحيل التوافق معها.

{الكاتب }ضد الجمهور وآخر همه كمثقف ارضاء العامة  حتي ولو كان مُتصَالِحًا مع الجميع فلماذا هو صورة للمستقبل..؟  على الكاتب أن يحترم السطحية والتفاهة والهراء والغوغائية والطائفية والعرقية كوجهات نظر لكي يكون مقبولاً او لا يكون دِيمُقرَاطِيًّا ولا ينفعل من الضحالة لأنها" وجهة نظر"، ألا يعبر عن انفعال لآنه ليس بَشرًا بل حجرًا

مع ان الانفعال جزء من الفكر كما اثبتت مدارس علم النفس الحديثة واي فصل بين الفكر والانفعال المنتج وبين العقل والقلب وبين المشاعر والعقلانية هو فصل تعسفي عفى عليه الزمن وصار من مخلفات الماضي، وحسب تعبير (أمبرتو إيكو) روائي وعالم لسانيات:

" هؤلاء الحمقى يتصرفون كحملة جائزة "نوبل" مع انه كان يتم اسكاتهم في حانة أو مقهى حالاً" لكن صفحات التواصل وفرت لهم فرصة اظهار السطحية والسيكوباتية وهم يختبئون في غرف آمنة بلا تجارب ولا ثقافة واختيار الآلقاب من أقرب دكان ولا يعرفهم حتى زبال الشارع بل لا يعرفون من هم لأن معرفة الذات لا تتم بلا وعي الذات وبلا معرفة سوية وبلا قدرات فكرية وبلا موهبة التحديق بالذات وحوارها الصريح.

"المستكتب" رهين تاريخ سردي ملفق لا يخرج عنه، وأسير قوالب جماهيرية مقدسة، والناس عادة لا تحب تغيير أوهامها لأن التعايش معها شرط الاستقرار النفسي أو" المواطن المستقر".لكن المستقر على ماذا..؟ على تاريخ متخيل، وعلى حاضر مبني على أكاذيب مُعقلِنَةٌ، وعلى آمال زائفة."المستكتب" يلبي حاجته هذه بل يدفعه أكثر للتعلق بها لآن من مصلحته الشخصية بقاء الجمهور في غيبوبة لبيعه بالأوهام وفكرة الاختلاف مع الجمهور ملغية عكس كل تاريخ الكتابة والثقافة والآدب والفكر الذي وقف ضد مؤسسات راسخة وحارب أَوهَامًا مُشَرَعٌ

 لها بقوانين ودفعوا أغلى الآثمان.. نَفيًا وسجنًا واقصاءً.ولم يحدث عبر كل تاريخ الكتابة ان مُستكتَبًا غير شَيئًا أو ترك أثرًا.

بعد موته، فموته الأول هو الآخير، وهنا الفرق ان الكاتب يولد بعد موته ..!من كرس فكرة على الكاتب أن يكون"مُتطَابِقًا" ومُتَصَالِحًا"مُنسَجِمًا " مع الجمهور

وخاصَّةً في العالم العربي،، من رسخ عاهة الخصاء العقلي أي العقم عن التفكير والاجترار والقوالب والأبيض والأسود وغياب المساحات الرمادية هي غياب حياه سياسية من تداول السلطة، وعقم في الأحزاب الشمولية لغرض الكسب الحزبي وتقديس أوهام الناس للسبب نفسه على حساب الحقائق وانتجت "مخصيين ملقنين بقشرة ثقافية سطحية مدرسية باهتة تتداخل فيها لغة السب والشتائم" تداخل أنياب الكلب بذريعة النقد.وحتى بعد افلاس هذه الأحزاب والجماعات الإيدولوجية التي ربت قُطعانًا من الببغاوات الأليفة، لكنها تركت فهماً خاطِئًا وفظِيعًا في أن على الكاتب أن يعزف كزمار الشوارع لمن يريد سماع اللحن...! في عصرنا الحديث، صرنا نعرفهم من العبارة الآولى كما يعرف ميكانيكي اعطال سيارة وكما يعرف طبيب لغة طبيب اخر وكما يعرف بنّاء من كلام بناء مهارته او قدرته لان كل مهنة تترك بصماتها.،، يستطيع هؤلاء خداع الجمهور، وفعلوا عشرات الأعوام، لكنهم لا يستطيعون خداعنا برصانة مزيفة وانشاء لغوي مدرسي باهت، وشعارات مستهلكة، لأنه من الصعب جِدًّا بيع الماء في حارة السقايين، أو يطبل في حارة الطبالة التي كانت تشتهر بالطبل .امام كل هذا التوحش في كل مكان، يُصبِحُ التظاهر بالعقلانية زيفاً، يحاول المستكتب أن يظهر كمن يتفرج على فيلم أو يسمع حكاية قديمة.

تاريخ الكتابة تاريخ عصيان بالآفكار والكلمات بلا دبوس ولا سلاح، والكاتب والمثقف الحقيقي لا يولد بالتوافق والانسجام مع الجمهور، وهو من شروط القطيع، بل يخرج من طاحونة الصراع معه لآجل حياة أعدل وأنقى وأبهى للجمهور وليس لنفسه وقد يكون مرفهاً.

الكاتب " مجنون" أمام" عقل " المستكتب ولو فحصنا عناصر هذا" العقل" لوجدناه أقرب الى المعتوه ولم يحدث في تاريخنا أن خرب مجنون حياتنا بل خربها " عقل" "المستكتب" صناعة المؤسسة الحزبية والاجتماعية ومسوغ مشاريعها التي انتهت بحمامات دم وشعوب هائمة تبحث عن ملَاذِ.

 آمن كما لو كل تلك الكوارث من صنع اشباح وليس من صنع عقل "المستكتب" اجير الأحزاب والجمعات والفصائل . التي اوصلتنا الي الخراب اليوم والى سنوات قادمة ولم يكسر الكاتب النقدي في كل ما كتب عود ثقاب بل حاول اشعال شمعة في الظلام لمخلوقات تعتبر الوضوح جريمة. والكاتب يدخل في صراع ومنفى من لحظة التخيل وحمل القلم ..!!

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

 

واجهة: ما يستقبلك من كل شيئ

مواجهة: تصدي، مقاومة، مجابهة.

معظم دولنا تبدو وكأنها واجهات للآخرين الطامعين فيها، ومن النادر أن تجد دولة ذات قدرة على التحدي والمواجهة.

وبسبب سلوك الواجهة تدهورت الأحوال ووصلت إلى قيعان الذل والهوان.

لماذا تحقق تفريغ مجتمعاتنا من طاقات المجابهة، وتحويلها إلى واجهات تترجم مصالح وبرامج الساعين لإفتراسها، حتى أصبحت بلا حول ولا قوة، وعليها بالتبعية والخنوع والإستسلام لإرادة الأسياد الفاعلين فيها.

المجتمعات التي لا تجابه تنقرض وتدوسها سنابك الفاعلين فيها والمخنعين لوجودها.

تأملوا واقع المجتمعات المتحدية وقارنوه بالمجتمعات الواجهية، المجردة من ملامحها ومميزاتها الوطنية والإنسانية، وستشاهدون الفرق في مستوى المعيشة وقيمة الإنسان وصيانة حقوقه فيها.

الوجود الأرضي غابي الطباع والتفاعلات، ولا تصلح فيه سياسات الواجهة، بل يستدعي المواجهات الصارمة المتوثبة المتمسكة بإراداتها العالية.

المشكلة في مجتمعات الواجهة، أنها تندحر في الماضيات وتعيش وهماً منقطعا عن حاضرها، فتحسب أن الذي مضى ما إنقضى، وعليها أن تجسده بقولها، أما الفعل فحالة مبنية للمجهول، وما فيها ممنوع من الصرف، ومن معطيات الجار والمجرور.

فعندما تجابه تكون موجودا، وحينما تصبح واجهة تتحول إلى فريسة، ورقما على يسار سارية الطامعين.

فهل من قدرة على وعي إرادة المصير، ومعرفة إلى أين نصير؟!!

إنها لمعضلة حياة، وما أدراك ما هي!!

***

د. صادق السامرائي

أن غياب الثقافة العلمية المعاصرة عن مجتمعنا العراقي الجديد، وما يدور من تنظير لثقافة الحزن والبكاء والطاعة العمياء لبعض رجال الدين.. ساهم في نشوء ظاهرة التبذير وتعطيل العمل وخلق شعارات غريبة لشعب يحكمه الملل والانفلات الأمني والمجتمعي.

وكانت نتائج ذلك انحسار مساحة الحريات، وإصابة الحياة بالجمود والشلل ..حتى الحكومة العراقية أصبحت متفرجة على الأحداث وتقدم الدعم اللوجستي لكذا مشاريع غير إنتاجية.

ومن نتائج ذلك صرف مليارات الدولارات على الاخرين ..وهذا يتجلى من خلال مبيعات سوق العملة اليومي للبنك المركزي العراقي هذا الايام والتي تجاوزت ال ربع مليار دولار يوميا.

المتأسلمون الجدد، حولوا خطابهم إلى نَواح مزمن يتلذذ به بعض المغفلين ومن قليلي الدراية.. من دون انتباه إلى أن بقية الناس قد يقعون فريسة لهذا النُّواح الذى سرعان ما ينقلب نحيب ثم مهارشةً ثم مكافحةً ثم صراعاً، مع أن أساسه وهمى تماماً.

أن سوء إدارة البلد أفرزت هكذا سلبيات في وضع ضوابط جديدة لأداء مناسك الزيارات المليونية التي ارهقت العراق والعراقيين وكذلك إيران.

فأينما تنتشر الاحزاب المتدينة والفصائل المسلحة ينتشر الجهل والخرافات والعادات والتقاليد الموروثة من عفن التاريخ .

لقد اصبح الرجال يلطمون وينوحون كالنساء، فمن يقدم لنا محاضرة دينية علمية كما فعل الشيخ الوائلي وحسين الشامي رحمهما الله تعالى برحمته الواسعة ؟.

لقد أصبحت النساء أشرس من الرجال وأكثر تمرداً منه، لأنهن يمشين سيراً على الأقدام من مدنهن الى مدينة كربلاء قاطعات مئات الكيلو مترات، دون أن يكون معهن رجل أحياناً.

والكثير منهن يعًرضن أنفسهن في مواقع التواصل الاجتماعي وكأنهن ذاهبات الى حفلة زفاف عائلية في أحدى قاعات الأعراس الكبرى.

يجب تنظيم زيارة الأربعين بأسلوب حضاري جديد لأن مدينة كربلاء المقدسة والمدن الأخرى لا تستوعب اعداد كبيرة، وعليه تكون زيارة الأربعين للأجانب كل خمس سنوات، لفسح المجال أمام الآخرين لأداء تلك الزيارة بأسلوب مرن دون التأثير على الآخرين من جهة وعدم تأثيرها على السوق المحلية العراقية من جهة أخرى.

وعلى العتبة الحسينية وضع مكبرات صوت لبث تلاوة من الذكر الحكيم لتوعية الأخرين بأهمية القرآن في حياة المسلمين، بدلاً عن اللطم والبكاء والعادات غير المبررة من البعض من أدخال الجمال والخيول في الشوارع والتبرك بها من بعض المغفلين.

فلو بحثت عن كلمة "أكثر الناس" في القرآن لوجدت بعدها

‏(لا يعلمون - لا يشكرون - لا يؤمنون).

‏ولو بحثت عن كلمة " أكثرهم " لوجدت بعدها

‏(فاسقون - يجهلون - معرضون - لا يعقلون - لا يسمعون).

‏فكن أنت من القليل.

﴿وقليل من عبادي الشكور﴾.

‏﴿وما آمن معه إلا قليل﴾.

‏﴿ثلة من الأولين وقليل من الآخرين﴾.

وكما قال المفكر الجزائري مالك بن نبي 1905-  1973(أذا أردت أن تهدم حضارة، أحتقر معلماً،،واذل طبيباً، وهمش عالماً، وأعطي قيمة للتافهين).

أذن كيف يمكننا أن نهدم الفئات والبنى الفكرية الجامدة والغامضة والمغلفة بالأساطير والأوهام والخرافات؟ .

كيف يمكن للوعي الإسلامي، قديمة وحديثه ومعاصره، أن يتحرر من قيوده، وأن يُّسمح له بالتنفس بحرية ؟ .

كيف يمكنك الخروج إلى عالم جديد وواسع ومتغير باستمرار؟ .

ما هي الخيارات التاريخية التي تتيح لنا تحرير أنفسنا والآخرين؟ .

كيف يمكننا الانتقال من التفكير المتجانس إلى التفكير المتنوع والملون؟.

 كيف ننتقل من الطوائف والقبائل والمناطقية إلى الدولة والمجتمع المدني؟.

 كيف ننتقل من حكومة الله (لا حكم إلا لله) إلى حكومة الشعب الواحد؟.

 كيف يمكننا استئصال العنف من ثقافتنا الموروثة، وطريقة تفكيرنا، وسياستنا، ومجتمعاتنا، وأفكارنا الدينية؟.

 هذه الأسئلة بحاجة الى إجابات وحلول جذرية.

لذلك أرى: ما يولد التطرف المذهبي هو الجمود الفكري والطروحات المقدسة، غير أن الذي يستثمر الإيقاع على مستوى الرقة، تكون كلمته مساهمة في نوع ما من التوسع الذهني ذات كلمات تشبه الندى على وردة، لتزهر وتنمو، عبر ليونة اللفظ وسلاسة البناء.

إن الحراك الثقافي التنويري مقابل الخطاب الطائفي المتشنج، تتطلب الكثير من الصبر والمطاولة مع أناس متطرفين مغسولي الدماغ، اعتادوا على عادات وتقاليد يومية وسنوية غرسها في نفوسهم كهنة المعبد، قد يسيئون اليك بطريقة ما من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، مما يتطلب نقل هؤلاء  الى غرف الإنعاش وتزويدهم بأوكسجين الذكاء الإصطناعي والثورة الرقمية، وبالكلمة والمسار الحركي لمواجهة الواقع المتردي المعاش، حتى يدرك الجميع واقعهم بما يلزم من ايحاء خيالي واسع المعنى عميق المضمون.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

كاتب وأعلامي

يطل علينا بعض رجال الدين وبعض المؤسسات الدينية بين الحين والآخر مناقشة بعض القوانين لإثارة الجدل بين السلطة الدينية والتشريعية والقانونية والمجتمع بحجة ضمان حقوق الفرد العراقي أن إثارة مثل هكذا قوانين تثير حفيظة الناس والأسرة وتزيد من انقسامات المجتمع لما يتضمنه من تشريعات جديدة مقترحة علما أن المجتمع العراقي والعالمي يحتاج إلى ضمانات منيعة من السلطة القضائية والعرفية للحفاظ على كينونته وكذلك الدولة ومؤسساتها كون أن المجتمعات تسعى نحو الحداثة والتطور في أسلوب العيش والتعامل اليومي للفرد داخل أطار العقائد والدين الإسلامي ضمن قوانين خاصة تنظم له العلاقات المجتمعية وعلاقة الفرد مع الله تعالى أن هذه العلاقات الخاصة مع الله تعالى ينظمها التيار الديني الصحيح الخاضع للدستور الإسلامي المتمثل بالقرآن الكريم أما التيار المادي المدني المتمثل بالحكومة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية هي الوحيدة لها الحق في رسم الحدود للعلاقات المجتمعية وفق تطورات المجتمع والتغيرات المستحدثة بعدما ما كانت السلطة الدينية هي المتربعة على عرش السلطة الدينية والدنيوية ولا يسمح للتيار المدني والمادي في أخذ دوره في حلقات الحياة الاجتماعية منذ عدة قرون خلت خلافا لما وضعه النبي الأكرم محمد بن عبد الله صلوات الله عليه حين بنا دولة مدنية عصرية منظمة بجميع الطوائف والأعراق والأديان دولة واحدة مبنية على المساواة والعدل يقودها بنفسه وصحابته الكرام لكن الانقلاب الذي حصل بعد رحيله رسخ التيار الديني الهيمنة على أسلوب العيش للمجتمع ووضع برامج الحياة وفق رؤيا يقودها هذا التيار بعيدا عن المدنية وتطوراتها وحداثتها وبعد زمن تطورت نمط الحياة للفرد وصعبت عليه واحتاج المجتمع إلى حلول جديدة أكثر تتطورا تتناغم مع الحياة الجديدة عجزت عنها كثير من رجال الديني المتطرفين والسلفي منهم وبدأ الصراع بين التيارين للحصول على مكاسب أكثر خصوصية ومنافذ نفعية من قبل بعض رجال الدين والمؤسسات الدينية التي كانت تسيطر على المجتمع وفي الآونة الأخيرة أحس هؤلاء أن المجتمع يسحب البساط ويقيد نفوذهم وحريتهم ومفاهيمهم السلفية التي هي أقرب إلى النفعية منها إلى الفقهية لهذا أن البعض منهم يسعى لأعادة الهيمنة على المجتمع الذي بدؤوا يفقدون السيطرة عليه فلآن نجد أن البعض من رجال الدين وفي كل مرحلة زمنية يحاولون افتعال الأزمات التي تثير حفيظة المجتمع التي تمس شريحة معينة فيه وإثارة النقاش والجدل لأبعاد النظر عن المشاكل التي يعاني منها نتيجة الضغط الحياتي المتواصل على المواطن مقابل الإهمال الحكومي المتعمد ومؤسساته بدلا من المساهمة في وضع الحلول لها عبر قنوات هذه المؤسسات ورعاية المنظمات المجتمعية والدوائر القضائية للرقي والتطور.

***

ضياء محسن الاسدي

تبدو لغة وطريقة تفكير بعض الإعلاميين العراقيين من "طبعة ما بعد الاحتلال الأميركي" وكأنها تطرد الناس طردا من مشاهدة القنوات التي يعملون فيها بحماقاتهم المثيرة للاشمئزاز ... هاكم هذه النماذج القليلة والتي تعكس رثاثة المشهد الإعلامي والسياسي والاجتماعي والحكومي ككل:

1- أحد الإعلاميين على القناة الحكومية يسأل ضيفه الذي يبدو أكبر منه سناً، ولا أدري إنْ كان هذا الضيف نائباً أو سياسياً أو أديباً، فقد شاهدت المشهد مصادفة وبشكل برقي أثناء تقليبي للقنوات، فيقول له: "من يعرفونك يقولون عنك إنك "مزعج"، فهل أنت مزعج حقاً، ولماذا أنت مزعج"!

2- إعلامي آخر على قناة "دجلة" يستمع لقيادي حزبي شيوعي "هو جاسم الحلفي" يحدثه عن تجربته مع حركة الأنصار المسلحة ضد النظام السابق في الجبال، وكيف كان يعيش هو ورفاقه هناك. وفجأة يقاطعه الإعلامي الذي يحاوره بسؤال يقول: شچم واحد چان جوه إيدك هناك! (كم شخصا كان تحت يدك هناك؟). فيبتسم الكادر خجلا، ويهمهم وهو يطأطأ رأسه وكأنه يقول مستنكرا: شنو يعني شچم واحد جو إيدي؟ مو هذوله رفاقي! فهذا الإعلامي لا يستطيع أن يتصور علاقة بين الناس غير تلك التي تربى عليها أعني علاقة تحت اليد وفوق الكرسي!

3- إعلامي آخر يحمل شهادة دكتوراة استضاف كاتباً وسياسياً عراقياً بعمر أبيه تقريبا، وراح يمطره بالأسئلة طوال ساعة. وأخيرا طرح عليه بعض الأسئلة الشخصية، فاعتذر الضيف بلطف عن الإجابة، لأنها أسئلة ذات طابع شخصي أو لأنها تتعلق بأناس رحلوا عن عالمنا. فألح الإعلامي بطلب الإجابة وهنا احتد عليه الضيف وانتهى البرنامج بهدوء. ولكن السيد الإعلامي فاجأنا بعد أيام قليلة بتقديم حلقة من برنامجه، وقد ظهر فيها لوحده وكال لضيفه في الحلقة السابقة الكثير من الاتهامات والتهجمات اللفظية واستغابه بكلام غير اللائق وقال إنه حدثه ببعض الأمور قبل أن تبدأ الحلقة ومنها كذا وكذا. أي أنه استغاب الرجل، ولم يكن أمينا على حوار شخصي معه قبل التسجيل "فالمجالس أمانات"، كما أنه حرمه من حق الرد ولم يقل كلامه في حضوره. فهل هذا النوع من الإعلاميين يستحق الاحترام؟ أسجل من باب الإنصاف أن برنامجه التأريخي يعتبر مرجعا معلوماتيا مهما لأنه استضاف فيه شخصيات سياسية وعسكرية وثقافية لم يستضفها برنامج آخر، لما له من علاقات واسعة برجال النظام السابق والحالي، رغم أن طريقته في طرح الأسئلة لم تكن مريحة تماما بل كانت ذات نزعة بوليسية تحقيقية، ولكنه مع هذا الضيف جاء بسابقة لا يمكن اعتبارها نظيفة من الناحية الأخلاقية.

3- إعلامي ثالث وجه اليوم رسالة إلى بناته وأولاده بعد أن كثُر الكلام عليه بمناسبة قرار حكومي يجرده من أربعة آلاف فدان من الأرض كعقد استثماري تكرم بها عليه رئيس حكومة أسبق، فيقول لهم بعد أن تعهد باسترجاع الفدادين الأربعة آلاف: بابا علاوي، خلي أصابعك بعيون كل واحد يحجي ... شُبير بابا، شگ حلگ الي يحجي على أبوك (شق حلق مَن يتكلم على أبيك). ثم يستدرك هذا الإعلامي الفطحل بعد أن أدرك أنه تجاوز الخط الأحمر في هذا النوع من التحريض الدموي بفقء العيون وشق الحلوق، فيقول: بالحق والعدل والقانون! ولا ندري كيف يشق الابن حلق أعداء أبيه بالحق والعدل والقانون! وهل هذه لغة إعلامية آدمية تستعمل أمام ملايين الأوادم المشاهدين؟

* ومع ذلك فالساحة الإعلامية ليست خالية تماماً من الإعلاميين العراقيين المتميزين ذوي الأداء المتميز والثقافة الراقية والأخلاق الكريمة ولكنهم قلة لشديد الأسف، دعونا نأمل أن يتكاثروا ويكونوا سبباً من أسباب زوال هذا النظام الرث والفاشل.

* ملاحظة أخيرة لم أذكر أسماء هؤلاء الأشخاص لواحد من سببين أو للسببين كليهما؛ فإما أنهم ليسوا شخصيات عامة يمكن ذكرها دون حرج، وليسوا ضمن أصدقاء صفحتي فيمكنهم الرد على كلامي... أما الإعلامي في المثال الأول فلا أعرف اسمه!

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

 

سبقني في الكتابة عن هذا الموضوع أحد الأستاذة الموقرين وآخرون، وكنت أستجمع الأفكار لكتابة مقالة بهذا الخصوص.

إذ نبهني إلى ذلك، سؤال طرحه زميل يوم 27\7\2013 في حفلة إفطار، حيث إقترب مني قائلا: "حدثني عن فقيه اللغة العربية الدكتور إبراهيم  السامرائي" (1923 - 2001)، والحاصل على الدكتوراه من السوربون 1956!!

فكان سؤاله مباغتا، لكنني مضيت أذكر ما أعرفه عنه، ورحلته مع اللغة، وأنه توفى في عمّان، ولديه مؤلفات، وأحتفظ بديوان شعر له (من ملحمة الرحيل)، أهداه إليّ أحد الأخوة قبل أعوام، وقرأته في حينها.

وأخذت أتساءل، لماذا لم يكتب أحد عن فقيه لغتنا العربية المتبحر باللغات السامية ؟

هل لأن اللغة ما عادت تعنينا؟

أم أنه الإهمال والظروف التي أوقعت بيننا وبين الذات والموضوع والهوية؟

فبدأت أضع الكلمات على السطور، وأتناول مسيرة المرحوم بالبحث والدراسة.

والدكتور إبراهيم السامرائي العماراتي العراقي العربي، المولود في مدينة العمارة من أجدادٍ ولدوا في سامراء، وكأنه تمسك بجذوره وتفاعل مع موطنه الجنوبي الجديد.

ولقب السامرائي يحمله الكثيرون ممَن لم يكن مسقط رأسهم مدينة سامراء، وإنما لأن أجدادهم من تلك المدينة ونزحوا إلى غيرها، فحالما يحلون في المكان الجديد، يتمسكون بلقبهم، وإنتمائهم للمدينة، لأثرها التأريخي والحضاري في الزمن العباسي، ولشهرتها في الدنيا بأسرها.

والعجيب في سامراء أنها لا ترعى نوابغها ومبدعيها والمتميزيين من أبنائها، بل توفر لهم الكثير من مسوغات وأسباب الرحيل عنها، وهذا ربما ينطبق على مدن العراق الأخرى، لكنه واضح في مدينة سامراء، ومعظم الذين أبدعوا لم يتحقق إبداعهم على أرضها!!

وكأنها كالبودقة أو الرحم الذي يلد ما فيه من الطاقات، ويحفزها على الإبتعاد عن المحيط الذي ولدت فيه.

وقبل أشهر كنت فيها فواجهني أحد الزملاء بقوله "إشجابك إلى هاي النكرة": (مَن الذي أتى بك إلى هذه  الحفرة)؟!!

والكثير من العلماء والمبدعين من أبناء سامراء غادروها بوقت مبكر، والذين بقوا فيها إنكمشوا وأصابهم الغياب.

ولذلك أسباب كثيرة لا تتسع السطور لتناولها.

فسامراء لا تصنع تماثيل لأعلامها، ولا تسمي شوارعها بأسمائهم، ولا توجد فيها تفاعلات ثقافية ذات قيمة معرفية، تعزز دور الذين أسهموا في صناعة الحياة العراقية والمعرفية في البلاد، وتسود فيها الأمية التأريخية والحضارية.

فربما اليوم لا أحد يعرف الدكتور كمال السامرائي، والدكتور إبراهيم السامرائي، والدكتور مهدي صالح السامرائي، وغيرهم العديد من العلماء والفنانين والكتاب والصحفيين والنابغين في ميادين العلوم والمعرفة الإنسانية.

فسامراء تجهل أبناءها، أو تتجاهلهم، لغاية في نفسها لا يعرفها إلا الله.

وفي صباي وشبابي، إلتقيت وتفاعلت مع شخصيات متميزة في الأدب والفن والثقافة والرياضة والسياسة وعلوم الإجتماع واللغة والتأريخ والطب والصحافة والهندسة والمعارف الدينية والفكرية والفلسفية، لكنهم تدحرجوا إلى هاوية النسيان، بسبب الإهمال المتواصل، وعدم تفاعل الأجيال، وخلوّ المدينة من الأرشيف، والمؤرخين المهتمين بأبنائها.

وتلك حقيقة مؤلمة، تؤدي للتأخر وصناعة التداعيات، لأنها تساهم في وجود أجيال لا تعرف بعضها، وتتناكر كأنها الأعداء في سوح الغاب.

ترى لماذا لا نفخر بعلمائنا ونقدرهم في حياتهم، ونتناسهم بعد وفاتهم؟!!

وهل توجد دراسة عنه في جامعة سامراء؟!!

***

د. صادق السامرائي

4\8\2013

.......................

* المقال غير منشور في حينه.

يقولون ان التجاهل فن لا يعرف حلاوته إلا الشخص الذي يعيش على خطاه، لذا عليك أن تعيش كما تريد، وبالطريقة التي تريد، وليس كما يريد من حولك. وعليك أن تتجاهل كلام الناس والتعليقات، التي تأتيك يومياً من أشخاص هدفهم الأساسي هو إيذاء الآخرين بكلامهم، وجعلهم يفقدون الثقة والأمل، فمختلف الأحكام والكلام الذي تسمعه عنك هو مجرد كلام، ولا بد أن تتخطاه وتتجاهله، وكما يقال: إن أتقنت فن التجاهل اجتزت نصف مشاكل الحياة، فمن يعيش بسلام عليه ان يحترف فن التجاهل، فالتجاهل نصف السعادة، وهو ليس صفة سلبية دائماً كما نعتقد، فربما تكون كذلك في بعض المواقف، ولكن في معظم الأوقات يكون التجاهل هو الحل مع الأشخاص السلبيين، الذين يرسلون إلينا ذبذبات محملة بالحسد والكراهية والغيرة والمقارنة والتعالي، علماء النفس يقولون انس واصفح وتناس وتجاهل تكتيكياً من أجل صحتك، ما أصعب الأصدقاء والأحباب، حينما يصبحون غرباء ومتقلبين يتجاهلون لحظات الأنس، والسمر، هناك تجاهل يستحق أن تمنحه فرصة أخرى، وهناك تجاهل لا يستحق معه إلا الرحيل

يمكن أن نقول إن هذه الظاهرة موجودة عبر التاريخ، لكنها تطورت بشكل مذهل في العقدين الأخيرين، ويمكن أن نعزي السبب إلى «المؤسسة الإعلامية» التي تميل إلى الاهتمام بالقضايا غير الجادة لوجود قناعة أن الناس تهتم بالترفيه وبالأخبار الخفيفة أكثر مما أصبح يسمى «القضايا المتخصصة». بل إن المتابع للمنتج الفكري والأدبي الذي كان يطغى على الصحافة سوف يجد تحولا عميقا في نوعية القضايا وعمق الكتابة وحجمها، الصحف لم تعد تتحمل المقالات الطويلة «فالناس لا تقرأ»، وأصبح من الذكاء أن توصل الفكرة بأقل الكلمات فخير الكلام ما قل ودل، حتى لو أن المسألة تتطلب التفكيك والإسهاب. يكمن هذا التوجه في نظرية تطورت مؤخرا، لا أعلم مدى صحتها، وهي أن البشر بطبيعتهم يميلون إلى المسائل المسلية والبسيطة ولا يريدون أن يشغلوا أنفسهم بالقضايا الجادة، انعكست هذه النظرية على التعليم والعمق الذي يجب أن يصل له الطالب فخريج الابتدائية قبل 70 عاما أفضل من خريج الجامعة اليوم، على الأقل في قدرته اللغوية والتعبيرية، وبما أننا في بداية العام الدراسي، ومع تزايد الذكاء الاصطناعي في عمل الواجبات والبحوث المدرسية فمن المتوقع أن تصبح مهمة التعليم أكثر صعوبة ومهام المعلم الجاد شبه مستحيلة

الوجه الآخر لثقافة التجاهل هو مقدرة من يعمل بصمت على تجاوز التهميش أو من يقلل من شأنه ومن عمله، فالبشر لا يواجهون امتداد ثقافة التفاهة وانتشارها فقط، بل إن هناك توجهًا متزايدًا للتقليل من شأن العمل الجاد وتحقيره.. وأتذكر هنا ما تشير له الآية الكريمة وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا، فمن طبيعة البشر استصغار الآخرين وتحقير أعمالهم، خصوصًا إذا لم توافق هواهم ، ونعتفد أن تطوير القدرة على تجاهل مثل هذا الاستصغار والتهميش أصبح مهارة ضرورية في الوقت الراهن وفي المستقبل. فالقرآن يقول «لا يضركم من ضل إذا اهتديتم»، وكأنه يشير إلى أن هذه الحياة اختبار كبير لمن يريد أن يترك أثرا في الناس، فمن يتبع طريق التفاهة هم الغالبية وطريق العلم الجاد محفوف بالأشواك،

الفنان المصري العالمي عمر الشريف في إحدى المقابلات عندما قال إن كل ما حققته لا يساوي شيئا أمام وجودي في محيط اجتماعي وأسري يشعرني بالألفة، فأنا أعود إلى البيت وحيدا حزينا وأشعر بالانقباض، وكم من شخصية رحلت مهمة رحلت وحيدة لم يشعر بها أحد، التجاهل هو حقاً نعمة، فهو يعيد كل إنسان إلى حجمه الحقيقي.

***

نهاد الحديثي

إذا إمتلأت البطون نشطت وإجتهدت العقول، فالبشر أمضى قرونا عديدة مستهلكا عمره بحثا عن الطعام، وعندما تمكن من الزراعة وتوفير ما يحتاجه، بدأت العقول بالعمل فأنتجت الحضارات المعروفة.

فلولا توفر الطعام لما إستطاع البشر أن يستعمل عقله للإبتكار وتطوير مناحي حياته.

ويُقال أن المرأة هي التي إكتشفت الزراعة، ووفرت وقتا للذكور للتواجد بقربها، بدلا من ممارسة نشاطات الصيد المحفوفة بالمخاطر آنذاك.

ومن الواضح أن المجتمعات المتأخرة، جائعة، وينتشر فيها الفقر والعوز والبطالة، وتميل إلى التمسك بالباليات والتعلل بالغيبيات للإنتصار على معاناتها اليومية، فلا تستطيع إطعام نفسها وتعتمد على غيرها في ما تحتاجه ، فيتم إستعبادها بما تريد من طعام وشراب.

المجتمعات القوية المتقدمة لديها وفرة من الطعام، وتعتمد في إقتصادها على الزراعة والثروة الحيوانية، وعندما تكون هذه النشاطات متطورة فأنها تصنع وتبدع في شتى الميادين، فلا تستهلك وقتها بالبحث عن الطعام، كما يحصل في المجتمعات المتأخرة، حيث يبدد المواطن أوقاته بتوفير الطعام لبيته.

هذه معادلة سلوكية مغفولة، تحقق ترجمتها بنشاطات أدت إلى إنهيار قدرات المجتمعات على إطعام نفسها، فمعظمها أصبحت تستورد ما كانت تصدره قبل عقود، وبعضها عجز عن توفير أبسط أنواع الخضراوات وتحقق فيها إستيراد حتى البصل والطماطم.

وتجد العديد من المجتمعات التي كانت صاحبة ثروات كبيرة من المحاصيل الزراعية، تستجدي الطحين من دول متقدمة ذات قدرات إنتاجية عالية.

ويمكنكم معاينة عدد من الدول في المنطقة، وستجدونها كانت تتصدر قائمة الإنتاج الزراعي في النصف الأول من القرن العشرين، واليوم تتوسل بالآخرين لإطعامها.

والدول الغير قادرة على توفير الطعام لمواطنيها منقوصة السيادة ومرهونة بإرادة الذين يطعمونها.

فلماذا العجز على إطعام المواطنين؟

ولماذا الإرتهان بالآخرين؟

فاطعم نفسك أيها الشعب لتكون أقوى وأقدر!!

***

د. صادق السامرائي

 

حبذا لو تتحول الكلمات إلى شراب يُسقى به أصحابها ليتذوقوا طعم ما يكتبون.

فالكلمة مسؤولية وأمانة وتعبير عن فكرة وإرادة، وليست مجموعة أحرف وحسب.

وعندما تكون طيبة، كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.

 ولو تكاتفت أقلام الأكوان وشربت من مياه الوجود، ما تمكنت من إستيعاب كلمات رب العرش العظيم، الذي تنهل أقلام عزته من فيض المطلق.

 وتولد من رحم أبجديات محدودة لتسبح في فضاء بلا حدود، وتخترق الأزمان وتتحدى الذوبان في جسد التراب، وتتجاوز عمر العقل الذي أوجدها، فهي كائن سرمدي الملامح خالد الأثر بعيد المدى يحقق ديمومة التفاعلات.

 والكلمة التي تخرج من القلب تقع في القلب، لأنها صادقة نقية معبرة عن الحقيقة والمعاني الطاهرة النبيلة، وتتألف من حروف النور والصفاء المبين، فتكون منيرة ذات قدرات على زعزعة الأعماق، وإستخراج الإنسان من مكامنه، فيرى جواهر ذاته ويصادق روحه ويشذب نفسه ويسمو إلى علياء الرجاء.

 إنها ألفة ومحبة ورحمة وينبوع خير وعطاء وإيثار، ومودة وصدقة جارية إلى يوم يبعثون، عندما تكون منزهة من وجع التراب، ومصفاة في مراجل التسامي العلوية، ومعبّرة عن الروح الإنسانية الساعية إلى ينابيع أصلها الحالمة بفيض كن.

وهي مرآة العقل، وجوهر مكنوناته، وتعبير عن ذاته وأصله، ولسان حاله وحقيقته الساعية فوق بساط التناجي الخلاق، ما بين أفلاك الرأي والإبداع.

وأنها العقل يسعى بملامحه وهيأته، التي إختارها لشخصيته وقدرته على التزاوج المادي مع  نواة روحه ومبعث صيرورته في أقاصي السماء.

 وتكشف المخبوء، وتشير إلى حجم المدفون في الأعماق البشرية، وتُحدِث فرجة في المستور من النوايا والخفايا .

وتكتنز وتصير ثقيلة وثمينة وغنية في حضن الصمت والتأمل والإمعان في تفاعلاتها، وإمتداداتها وتعشقها بروافدها اللامحدودة، ومصادرها المترامية في آفاق اللامحسوس المتجسد في جذور البعيد والأبعد.

وأداة ووسيلة لنقل الأفكار والتعبير عن الحاجات والمشاعر والأحاسيس والإنفعالات، فهي الحصان الذي تمتطيه هواجسنا، وتَغير به أفكارنا على أهدافها، وبها نكتب رسائلنا إلى الآتي، فنخاطب بها مَن لا نعرف ونتسامر بواسطتها مع الذين جاءوا بعد أن أكلنا التراب ومحق أثرنا وعشنا فيه كما عاش أجدادنا.

الكلمة ما تقدم وأكثر، فلماذا تتحول خطاباتنا وأقوالنا وكتاباتنا إلى هذيانات وهراء؟!!

و"إن من البيان لسحرا"!!

***

د. صادق السامرائي

من جديد، يطل علينا "البروفيسور" زيد الطالقاني برأسه، ولكن هذه المرة من دون مسؤولين كبار ولا شخصيات مؤثرة تدور حوله، ولا عدد من مدعي الديمقراطية يسبحون بحمده، ولا كاميرات تسجل كلماته " البليغة " .. هذه المرة ظهر متهماً، تطارده القوات الأمنية، بعد أن قررت الدولة العراقية إسدال الستار على عروض سيرك "مركز الرافدين" وسحبه من الأسواق، للبحث عن كومبارس جديد يؤدي لنا فصول مسرحية جديدة .

يقول الخبر المنشور قبل يومين في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي إن قوة أمنية داهمت مقر مركز الرافدين في محافظة النجف بهدف اعتقال رئيسه زيد الطالقاني. ولأن الله رحيم بعباده فقد استطاع الفيلسوف الطالقاني من الهروب، ولم تجد القوة الأمنية سوى أفراد الحماية وأكداس من الأسلحة كانت موجودة داخل مركز الرافدين .. لنكشف بعدها أن الدولة كانت قد خصصت لصاحب مركز الرافدين فوج حماية يبلغ عدد أفراده " 70 " منتسباً " تدفع لهم وزارة الداخلية رواتبهم ومخصصاتهم وتوصيهم بالسهر على راحة فيلسوفنا الطالقاني.

على مدى أعوام تَّصدر زيد الطالقاني المشهد في كل شيء، وقرر في لحظة تجلي أن يؤسس حزباً اسماه " الشمس " ليعيد لنا امجاد الاهزوجة الشهيرة " منين طلعت هالشمس "، وكتب البعض عن قدرة هذا العبقري على قيادة البلاد نحو بر الأمان والرفاهية، ووجدنا شخصيات إعلامية صدعت رؤوسنا بالبكاء على المدنية والليبرالية تلقي المعلقات الغزالية في حضرة زيد الطالقاني وسوق الرافدين.

سيقول البعض: أيها الكويتب ما الذي يضرك أن تعقد ندوات ومؤتمرات لمناقشة الحالة العراقية؟، ألست من الذين صدعوا رؤوسنا بالحديث عن الخراب والفشل؟ أعرف أن هذه البلاد بحاجة إلى مراجعة حقيقية تفتح بها الملفات المغلقة ومصارحة المواطنين بما جرى خلال الأعوام الماضية، كل هذا أتفهمه، ولكن، الذي ما لا أفهمه، ولا أصدقه، كيف تمكن "الشاطر" زيد الطالقاني من أن يجمع كل هذه الكوكبة من المسؤولين، في الوقت الذي تسد هذه الأبواب أمام الإعلاميين العراقيين الحقيقيين، والأهم من أين لزيد الطالقاني كل هذه الأموال ينثر بها فوق رؤوس مريديه، ويقيم المهرجانات والولائم والندوات العالمية، وكيف تمكن صبي أن يقنع سفراء دولة كبرى بأن له يد طولى في الحالة العراقية .

إذا أردت الجواب عن ظاهرة زيد الطلقاني ستجدها حتماً في دفاتر الديمقراطية العراقية الممتعة والظريفة، خصوصاً حين يخوض سدنتها نقاشاً بيزنطينياً حول من المسؤول عن كل ما جرى؟ ففي كل الأحول ستعيش مع مهرجان الخطب "الرنانة".

شكرا لزيد الطالقاني ومن قبله نور زهير، لانهما كشفا لنا ان الديمقراطية العراقية مستعدة ان تنفق ملايين الدولارات من اجل انتاج نماذج بامكانها منافسه محمود الحسن وعتاب الدوري .

***

علي حسين

 

لا أظن، بأن هناك ما يسمى سلام في الوطن العربي أو سلام في فلسطين أو سلام في غزة على وجه التحديد. لم ينعم الوطن العربي بالسلام وذلك لإنعدام التفاهم بين النظم العربية والجماهير العربية، ولم تنعم فلسطين بالسلام بسبب المهجرين من أقوام أخرى الذين جلبتهم القوى التي تريد ان تمنع وحدة العرب وتمنع تطورهم وتبقيهم في خانة الجهل والفقر والمرض.. ولم ينعم الفلسطينيون بالسلام لأن المهجرين إليها بالقوة ماضين في تجريفهم وتهجيرهم وممارسة اسلوب الارض المحروقة تحت اقدامهم .

فالمنطقة برمتها لم تنعم بالسلام وهي ملغومة وكل ما عليها من نظم تجلس على فوهة بركان لا احد يعرف متى ينفجر، إلا من علامات أبخرة تتصاعد من هنا وهناك وباتت تنذر بالإنفجار.. وعندما يحصل الانفجار فسيطمر عاليها سافلها نتيجة إحتقان مزمن ومأزوم منذ اكثر من خمسة وسبعين عاماً من الكبت والتحمل والصبر، حتى بات الانفجار حتمياً.

هنالك من يريد هذا الانفجار ويستعجله لأن الحرائق الأمامية تفيده.. وهنالك من لا يريد أن يستعر الحريق ويلفح لهيبه أوصاله.. وهنالك من يضع قدوره على نار هادئة يساوم عليها ويعقد الصفقات بشأنها، إعتقاداً منه بأن النار لن تصل إليه، حتى لو اشتعل العالم ما دام نظامه وأمنه ومصالحه مأمونة.. وهذا هراء في علم السياسة وعلم الإستراتيجيا.

الارادات تتنازع وتتصارع ولا تستقر على حال واحدة تضفي فسحة من الوقت لإلتقاط الأنفاس من أجل الجلوس على طاولة مفاوضات.. البعض مشتت ومتقوقع وتأكله الأنانية والتفردية ولا يرغب بوحدة عناصر قوته الدفاعية، ويفضل التحالف بأثمان باهضة، فيما يظل هاجسه الخوف من الخارج والداخل معاً. هذا البعض متحجر خائف من محيطه وشعبه.. والخارج يدرك نقاط ضعف هذا البعض ونقاط قوته ويرسم خطط التعامل معه بمهنية عاليه، يخيفه ثم يبتزه ، ويبتزه ليخيفه ، يطمئنه ليبتزه وحين يظهر مذعورا يبتزه بدون رحمه .

والتخويف والإبتزاز ركنان أساسيان في سياسة التعامل الخارجي مع هذا البعض، ولكنه لم يفعل شيئاً حيال ذلك ويفضل لعبة مهينة اسمها البقاء تحت رحمة الشد والجذب على أرضه وساحاته ومجالات تصرفاته السياسية والمالية، حتى بات (التخويف والابتزاز) أداة فعالة في يد أكثر من لآعب، ومع ذلك ظل هذا البعض يمارس التحالف، والحليف يمارس لعبة (الإحتواء المزدوج) التي لم يتبقى منها سوى الأسم بعد أن تحطم ميزان تعادل القوى في المركز وبات هذا البعض أكثر إلتصاقاً بالتحالف المشحون بالتخويف والابتزاز . والغريب في الأمر، هذا البعض كوحدات سياسية كثر، عناصر قوتها (المال) وعناصر ضعفها (التفكك)، وإذا ما قررت (التوحد) ستكون كتلة قادرة على بناء قوتها الدفاعية، ولكنها لا تريد ذلك لأنها تستسغ أن تظل تحت رحمة الحماية المذلة ورحمة الخوف من الخارج.!!

***

د. جودت صالح

20 / آب - 2024

 

سؤال أغرب من الغريب، غير أنه يتطلب إجابة دقيقة واضحة، تبين معالم الطريق، وتحدد إشاراته الضوئية.

المهندس يدرس في كلية الهندسة ويحصل على شهادته الجامعية، التي تؤهله لممارسة مهنة الهندسة، وكذلك الطبيب والأكاديمي، وكافة الإختصاصات الأخرى.

وعندما نأتي إلى مسميات، كالروائي والقاص والشاعر والأديب والكاتب، لا توجد مقاييس تحددها، فكل مَن نشر مقالا سمي كاتبا، ومَن نشر قصة قاصا، ومَن كتب ما كتب سمي شاعرا، وقس على ذلك العديد من المسميات والألقاب السخية.

فهل كل مَن كتب على البحور الشعرية سمِّيَ شاعرا؟

وهل مَن نثر وتحرر صار شاعرا؟

مَن هو الشاعر؟

ليس كل مَن يكتب شعرا بشاعر!!

وليست كل مجموعة أبيات مهما كثرت بقصيدة!!

معظم أعلام الأمة عبر مسيرتها الحضارية كتبوا شعرا، ولم يطلق عليهم وصف شعراء، بل يُقال: "لهم شعر حَسن أو ضعيف"، مما يعني أن ليس كل مَن كتب الشعر بشاعر.

فهل أن الخليل بن أحمد الفراهيدي شاعر؟

والعديدون كتبوا، وما قيل أنهم كتّاب!!

يبدو أن من معوقات وجودنا وعواثر صيرورتنا عدم الدقة في التسميات وجهل المصطلحات، مما تسبب بميوعة وتشوش الإدراك والتفاعل الصالح لبناء الحياة.

وربما يعود هذا التيهان والإضطراب التوصيفي إلى ضعف النقد، وإنتفاء التحرير، والمراجعات الرصينة للمنشور من الكلام بأنواعه.

وعندما يختلط الغث بالسمين، تصبح الكتابة هراءً!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم