أقلام حرة

أقلام حرة

أجيالنا تعيش وهما فاعلا فيها منذ قرون إذ تحسب الدنيا واحة خضراء، بفوح منها عطر الأخلاق وأريج القيم والمعاني الإنسانية السامية.
وهذا إثم حضاري فادح، يتجاوز الخطيئة بحق الأجيال المتعاقبة.
الدنيا سوح غاب، القوي فيها يأكل الضعيف، وذوي المخالب والأنياب يفترسون كل مخلوق بلا أنياب ومخالب، وتلك قوانين الصراعات الدائبة فوق التراب المتعطش للدماء.
من العجيب تواصلنا بالحديث عن المؤامرات وأن الآخر أراد ما أراد، ونتظلم ونتشكى، ونتهم غيرنا بنصب الأفخاخ لنا، ونتمسك بأن المعاهدات في القرن العشرين بين الدول المستعمرة لنا قد منعتنا من التقدم والرقاء، وكأننا نتحرك على بساط من المروج الخضراء، ونتجاهل الوحوش المفترسة المتربصة لفرائسها المطيعة الشهية البلهاء.
هم لا غيرهم، تخبرنا "لماذا" بما شاءت وتوهمت، وما إستطعنا إطعام أنفسنا، ولا صناعة أسلحتنا، ولا تفاعلنا مع بعضنا بإيجابية، وما إعتصمنا بضرورة الحفاظ على مصالحنا، بل أكثرنا أسكرهم النفط، وعطل عقولهم، وحولهم إلى توابع في غاب إسستحواذ الأقوياء على ما يملكه الضعفاء.
قميص الآخرين نحمّله ملاحم عجزنا وتناحرنا مع أنفسنا، وتنافرنا من بعضنا، وخنوعنا وإستسلامنا، وهواننا، ونيلنا من ذاتنا وموضوعنا، وإسفافنا بسفك دمائنا، وتحويلنا لكل نعمة عندنا إلى نقمة علينا، حتى صار نور وجودنا نارا تحرقنا.
فنحن ننزه أنفسنا ونبرر خطايانا، ونلغي عقولنا، ونهين أجدادنا، ونتشبث بالغابرات بجهلنا!!
فهل لنا إعادة ترميم ذاتنا، وتعمير حياتنا، والتعبير عن جوهرنا المكنون؟!!
"وعش رجبا ترَ عجبا"!!
***
د. صادق السامرائي

 

قد يصدمُ هذا العنوانُ التافهُ عددًا كبيرًا من القرّاء. قد يَحكمون على كاتبه بالزندقة. قد يُخرجون كاتبه من رِبقَةِ الدين، أو من جماعة المسلمين. لماذا؟
ببساطة شديدة، لأن الله (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ). وكأنه اكتشاف سوف يهز الكاتب. أغلب هؤلاء لم يقرأوا المقال، بل حكموا على كاتبه اللعين بالطرد من جماعتهم بسبب العنوان ليس إلا. أو قد يحكمون عليه بالإلحاد وهم لا يعلمون معنى هذه المفردة.
دعونا نتحاورُ قليلا، بالرغم من قناعتي الشديدة أن لا حوار منتج بيني وبين هؤلاء، لسبب تافه هو تفاهة هذه العقول، المؤدلجة، والمؤطرة بإطار ديني طائفي، وأن الجدال معي يعد ضرباً من ضروب السيئات بل الموبقات. ولم يعلموا أو ربما يتجاهلون، وأنا أرجح الثانية، أن الله يقول (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). أظنهم يخبؤون من كتاب الله الكثير من الآيات الداعية إلى تحرير البشر فكريا، وعقائديا.
كلنا سمعنا المقولة الشهيرة: هذا الولد ابنُ أبيه، وهذه البنتُ ابنةُ أمها أو أبيها. والمقصودُ منها أن هذا الولد (ابن أبيه) ذو شأن عظيم فاق كل إخوانه. هذا الولدُ يشبه أباه، و(من يشابه أبه فما ظلم). هذا إذا كان الأب عظيما، وكبير الشأن، ولو كان تافها، كأغلب الآباء اليوم، سقطت حكمة العرب الآنفة الذكر.
الله، بلا شك، هو أعظم شيء في الوجود، ولا يشبهه شيء كما نصت الآيات الكثيرة عليه. وحينما يدَّعي أحدٌ أنه ابنُ الله، تتحقق الحكمة العربية التي أسلفناها. لكن هل من أحد منا يتجرأ على هذا الادعاء؟
لا أحدَ بالطبع، إلا ما سبق في ديانة النصارى. وكل المسلمين، اعتمادا على كتاب الله، يشجبون هذا.
لا أتحدثُ عن هؤلاء، إنما أتحدثُ عن مجموعةٍ من المسلمين لا النصارى ولا اليهود، الذين لم يدَّعوا في الواقع أنهم أبناءُ الله صراحة، بل على طريقة لسان الحال أو المقال يحسبون أنهم كذلك.
من خلالِ ما قرأتُ وما سمعتُ طيلة أكثر من أربعين عاماً مضت، فهمتُ أنَّ اللهَ اختار من البشر مَن سماهم (المصطفين الأخيار) أي الذين اصطفاهم الله وذكروا في آيات القرآن، من قبيل (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) و (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) . ولا يسعنا في هذا المكان إلا أن نذعن لما جاء في الكتاب السماوي الأخير. لكن الأمر المهم في هذا أن الله صرح بأسماء هؤلاء أو ربما فهم من السياق الذوات المقصودون والمصطفون. وأعود فأقول: وهؤلاء لم أقصدهم في مقالي هذا ولا أرغب بالدخول في جدال عقيم في قوم ماتوا منذ قرون وذرَّ الهواء تراب أجسادهم لأنه جدال لم ولن يأتيَ بأية ثمرة. الذين أقصدهم هم من يعيش بين أظهرنا ويأكل طعامنا، ويشرب شرابنا، ويتنفس هواءنا.
قلت له: ذلك الملاك الذي يلبس زي العلماء، ويرتدي عمامة الفقهاء، يفتي بقتل البشر لأنهم لا يتبعون أفكاره.
قال: هذا الذي تتحدث عنه خط أحمر، لأن صلته بالله قوية، فلا تغضب ربك، واستغفر من ذنبك، لأن الشك فيهم حرام.
قلت مستغربا: الله يأمر بقتل البشر وهو الذي حرم القتل بغير الحق، أو القصاص؟
قال: أستغفر الله، لم يفعل هذا، ولا أمر به.
قلت: إذن كيف يأمر هذا الرجل بقتل من لا يتفق معه فكراً، وعقيدة؟
قال: ومتى فعل هذا؟
قلت: ألم تقرأ فتاواه التي تنوء به كتبه؟
لم يفطن هذا المُغرمُ إلى ممارسات هذا الملاك وأشباهه مع سائر الناس. ينظر إليه وكأنه محاط بملائكة الله المقربين. فُتِنَ به وبأحاديثه التي تخلبُ عقولَ السطحيين أمثالِه.
هذا الملائكي هو الذي صنع قدسيته بنفسه، فصدقه الآخرون من سواد الناس، الذين اعتادوا على تسليم ذممهم وعقولهم لأمثال هؤلاء الذين يجيدون فن الإقناع والخداع. إنهم لا يألون جهدا من إظلال العامة، لأن العامة في الغالب من بسطاء العقول، أو تاركيها على الأرجح. إنهم سلموا ما بعهدتهم من خلايا المخ وعواطف القلوب إلى أمثال هؤلاء المتشدقين، المتفيهقين، والمتفقهين. المظهر الخارجي لهذا المقدس هو الأهم عند هؤلاء، لا يعلمون أنهم لبسوا مظهره، وتبنوا فكره، واستقرضوا عقله، وتكلموا بلسانه، ولم يكن لهم من فضل إلا نقل أفكاره ورؤاه، وهم يؤمنون بمقالة ناقل الفكر ليس بكافر، ولم يعلموا أن ناقل الفكر والعاملَ به دون تمحيص هو كافر بالعقل والإنسانية. إنه يجيد التشدق بالفم، والتلويح باليدين، ويتقن هز الرأس، وإفاضة العيون بدموع الغش والخداع. يتسلق إلى أفهام العامة بسلم العاطفة وصدور الحور العين، وأنهار اللبن والخمر التي وعد المتقون، المستسلمون له، لأنه ابن الله الذي اصطفاه وأعطاه العلم قذفا، لأن الله يهدي من يشاء ويظل من يشاء، وهو على كل شيء قدير.
إنه يبني للآخرة، لأنه لم ينس نصيبه من الدنيا، فتجده يراكم لبنات التبر والفضة ويكنز الملايين باسم الله الذي يتحرك في بحبوحته، ولا أحد له الكلمة إلا هو، لأنه مقدس، والمقدس لابد أن تكون أفعاله مقدسة، ولا يأتي بالمنكر. إنه يقدر بما أوتي من علم المنطق الأرسطوطاليسي العتيق على تحليل ما يشاء، وتحريم ما لا يشتهي. ولا قدرة لأحد على الرد عليه لأنه ابن الله.
إنه الأوحد الذي له أن يقطب وجهه في وجوه البؤساء، فتغرورق عيونهم بالدموع، وكيف لا وقد رسَّخَ في عقولهم أن الدمعة تطفئ حر جهنم!!!!
إنه النور الذي انتقل من أصلاب الأجداد حتى استقر في خصى الأحفاد!!! فأنجب الابن البار.
هو كاشفُ الظلمة في حنادس الليالي التي غاب عنها القمر، بل هو القمر بذاته، أو أنه خلق من أجله!! إنه الوجه الذي رسمه الله على سطح القمر وليست صورة تضاريسه!!!
هو الثريا التي تظهر للرائي حين يرفع بصره يدعو الله في سمائه!!!
إنه الحافظ الذي لولاه ما استقرت الأرض في مدارها، وما هدأت الجبال في أماكنها!!!
لولاه ما كنا، ولما خلق الله البعير، والحمار، والكلب لولاه!!!
ولولاه ما أطعمنا الله الفول والجرجير والبطيخ!!!
إنه (في أفكار هذا العبد الفقير) لا يأكل مما نأكل، ولا يشرب مما نشرب، ولا يواقع زوجته مثلما نفعل نحن التافهون.
إنه على صلة وثيقة بلا واسطة مع الخالق، يطعمه من ثمار الجنة، ويسقيه من الرحيق المختوم، والعسل المصفى، وزوجه ليست من نساء الأرض اللواتي لا ينفع مع وخمتهن كل عطور الدنيا!!!
إنه يعلم ما في صدرك وكأنه شقه فاطلع على أسراره، وهو يعلم بكم أينما كنتم. فحاذر الظهور أمامه والشك يملأ قلبك، ويفيض العناد من رأسك. لن تبلغ أجرك حتى تسلِّمَ رأسك وما يحتويه، وعينك بمقلتها ودموعها الحرّى، وبطنك بكرشها، ولسانَكَ بطولِهِ وبذاءته، واحذر أن تضاجع زوجك حتى يأذن لك ويحدد لك أمتع الطرق!!! وأفضل الأوقات!!! لأنك لو فعلت غير هذا وخرج الطفل مشوها، أو أعور، فلا تلومن إلا نفسك!!!
إنه ذلك الابن الذي لو مشى على الأرض لسبَّحَت الحصى له، وكل الشجر والجت والبرسيم!!! وغردت الطيور وزقزقت العصافير، وصاحت البوم، وكله تسبيح وتهليل فرحاً بمروره المقدس!!!
إنه الذي يتكلم مع الملائكة في غلس الليل، ويقيم المجالس معهم فيأمرهم وهم له طائعون!!! ولو كان على شغل أو زحمة من أمره، أتوه في عالمِ الطيفِ والرؤيا حتى يسجل حضوره المقدس!!
لولاه لوجدنا الأيتام تملأ دورهم التي بناها أهل الخير!!!
ولولاه لازدحمت السبل بالفقراء والمساكين!!!
ولولاه ما عشنا (كما نحن الآن) في جنة الأرض التي وعدنا الله بها!!!
إنه السبب الأول لنزول القطر من السماء، ولولاه لأصابنا القحط والجفاف!!
لولاه لمات الرافدان( دجلة والفرات) ولما رأيناهما يفيضان كل موسمٍ فيغرقان الحرث والنسل!!! ويبطشان بالمدنِ والقرى.
هو الذي ببركة عمامته خلصنا الله من الداء الذي فتك بأهل الأرض، كورونا اللعين، والذي هو من الفيروسات التي غضب الله عليها لأنها من القومِ الكافرين!!!
لولا وجوده لتهدمت المدارس وجلس التلاميذ على حصران من الخوص والقصب، في العراء تحت الشمس اللاهبة وبرد الشتاء القارص!!!
لولا وجوده وبركة جلبابه المقدس لعاث الفقراء والمساكين شرا بأكوام النفايات!!! بحثا عن شيء له ثمن يسترون به عوراتهم التي تستظل تحت بيوت من الصفيح، وتحتهم يئن النفط ويبكي عليهم!!! في بلد نصف أرضه مخلوق من بترول!!!
لولا وجوده وبركة لحيته الطاهرة، لكنا اليوم نأكل مما يزرعه الغرب، ونلبس ما ينسجه الغرب الكافر، ونركب الإبل، ونمشي حفاة، ونرتدي عمامة إسرائيلية، أو (صاية) صينية الصنع!!!
هذه هي بعض فيوضات ابن الله الذي أخبرتك عنه، ولو استرسلت في الحديث لطال بنا المقال، ولك أن تَصِمَني بما تشاء، لكن تذكر أنني تحت رعاية الله وبصره، لأنني أفكر، ولأنني أعقل ما يدور حولي. أما أنت فلن تنعم بهذه النعمة، ولو صرت ابنا لله!!!!
***
د. علي الطائي

السلوك البشري يخبرنا أن لكل تغيير ضريبة قد تكون قاسية، وأولها سفك الدماء البريئة، وإرتكاب الآثام والخطيئة، والنيل من العمران والدريئة.
فلا يمكن الإقتناع بوجود ثورة بيضاء، أو حركة بلا إراقة دماء، فذلك لا يوافق الطبع البشري الذي مضى فوق التراب منذ الأزل.
فلكل خطوة ثمن، وعندما يتعلق الأمر بالقوة والسلطة، فسيرتعب الزمن.
ما يجري في العديد من المجتمعات من المآسي والويلات، لم يخرج عن نطاق المسلمات السلوكية الداعية للنيل من البشر بالبشر، وتفتيت الحجر بالبشر، وكأن الناس مستودعات خطر، وينابيع سوء وضرر.
الأخبار مشحونة بالعنف والدمار، والتجويع والحصار، والتهديد والإنذار، والتأسد والإندحار، فالقوة عاتية، والأرض حامية، والأسلحة متأهبة للقاضية، وما أدراك ما هي.
كل من عليها سيفنى، والقلة ستغنى، فالملايين خابية، وبضعة في عيشة راضية، مليارات في جيب، وقرش في قلب، فالأغنياء أقوياء، والفقراء ضعفاء، والإنسانية محض هراء، والقوي وما يشاء، كالصقر فوق القمة الشماء.
الغاب لهّاب، لا يعرف التحاور والخطاب، يطلق الأوامر وعنده الحساب، ويدخل من كل باب، كأنه السحاب، يتوثب ولا يهاب، فالأسود تثب إن داهمها إرتياب، فهل تعرت الدول وخلعت الثياب؟
تساؤلات معفرة بالخياب، يتمتم بها ألف مصاب ومصاب، لا يستطيعون الإياب، بعد أن تدثروا بالتراب.
فهل تُراق الدماء ليبدأ البناء؟!!
ودم التغيير أمير!!
***
د. صادق السامرائي

 

أصبحت أشهر الحكايات في تاريخ البشرية، لا نعرف كم مؤلفاً كُتب عنها، إذ بين اليوم والغد تضاف إليها دفعة جديدة من الدراسات التي تريد أن تحلل أسطورة سمّيت ألف ليلة وليلة.
من كتبها؟، كيف جمعت؟، لماذا هي ألف ليلة وليست تسع مئة؟ أسئلة شغلت الباحثين، فمنهم من اعتقد أن أصلها ليس عربياً، وكان صاحب هذا الرأي المصري حسين فوزي في كتابه (حديث السندباد القديم)، فيما انتهت سهير القلماوي إلى أن الليالي نصفها عراقي والآخر مصري، وظلّ عدد هذه الحكايات ألفاً وواحدة بالتمام والكمال، حتى ظهر العلّامة العراقي محسن مهدي ليقول لنا إننا عشنا مع ألف حكاية من الخيال، وإن السيدة شهرزاد لم تسهر مع شهريار سوى 282 ليلة فقط لا غير، لكنّ المفاجأة الأهم التي فجّرها المرحوم مهدي، وهو يقدم نسخته المحققة من الليالي، هي أنّ علي بابا ومعه الحرامية "الأربعون"، وعلاء الدين ومصباحه السحري لم يتنزّهوا في شوارع بغداد، من أين جاءوا إذن؟ وهل يعقل أن هذه البلاد التي انتشر فيها مئات علي بابا هذه الأيام، لم تكن هي الراعي الرسمي لهذه الماركة من السرّاق خفيفي اليد والظل، من أمثال أيهم السامرائي وفلاح السوداني وصاحب المصباح "النووي" حسين الشهرستاني الذي أخبرنا قبل سنوات بأننا سنصدِّر الكهرباء للصين؟، وبما أننا نتحدث عن الوهم فلا حديث لصفحات التواصل الاجتماعي في بلاد الرافدين هذه الأيام سوى أخبار"الانتخابات " التي ستخرجنا من مغارة المحاصصة لأنها مغارة تفوقت بالمنافع على مغارة علي بابا.
قبل ايام ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في بلاد الرافدين بحكاية علي بابا برلماني وغابات الموصل، والاغرب حكاية وزارة التربية مع الغابات، ففي الوقت الذي يحتاج فيه العراق الى تطوير منهاج التربية وبناء مدارس حديثة، نجد ان القائمين على شؤون التربية في العراق، تداخلت عندهم السياسة مع ألعاب الفساد مع المحاصصة مع زمرة المنتفعين في أن يتولوا مناصب مهمة في هذا القطاع لتكون النتيجة واضحة؛ البحث عن المكاسب ومحاولة تحويل غابات الموصل الى مشروع استثماري، وربما تسأل عزيزي القارئ ما علاقة التربية بالغابات ؟ والجواب : نحن نعيش في عراق العجائب والغرائب .. وواحدة من اشهر قصص العراق الغريبة ان يتحكم النائب مثنى السامرائي بشؤون وزارة التربية منذ سنوات وحتى لحظة كتابة هذه السطور.
حكايات ساستنا مع الاصلاح والنزاهة يمكن أن تضاف إلى حكايات المرحومة شهرزاد، والغريب أن معظم الكتل التي تتحدث عن الإصلاح، ترفض مغادرة مغارة المحاصصة، والجميع يريد عدداً من الكراسي، لكن النائب مثنى السامرائي تفوق عليهم بأن حدد نوع المحاصصة التي يرغب بها، وزارة التربية ومعها غابات الموصل، لكن أغرب حكاية كانت البشرى التي زفها لنا السامرائي من أنه سيترك الغابات حفاظا على البيئة .
***
علي حسين

نعيش في زمن يتسم بهالة من الوهم، آذ نعتقد جازمين أن تاريخنا كان مثالياً، خالياً من العيوب والمآسي، وأن حاضرنا هو الصورة القاتمة التي تشرخ أحلامنا. ولكن الحقيقة التي يجب أن نواجهها بشجاعة هي أن حاضرنا ليس سوى نتاج ماضٍ مركب ومعقد، ماضٍ مليء بالأحداث التاريخية التي تطغى عليها العواصف والتقلبات، فكل فصل من تاريخنا يحمل في طياته قصصاً من الدمار والخراب، ومن الحروب والمآسي، والتي لا تزال آثارها تؤثر علينا حتى يومنا هذا.
إننا إذا نظرنا بعمق، سنكتشف أن نظرتنا إلى ماضينا تتطلب إعادة تقييم شاملة، حيث نحتاج إلى التحلي بالشجاعة لمراجعة الأحداث التاريخية من منظور شامل، يشمل كل جوانبها الإيجابية والسلبية. إن الأبطال الذين نحتفي بهم ليست لهم إلا قسط من الكمال، فكل شخصية تاريخية تحمل معها عيوبها وقراراتها المتسرعة. وبالتالي، فإن فهمنا المتوازن لتاريخنا سيمكننا من العبور إلى مستقبل أكثر سلاماً وانفتاحاً.
لتكن خطواتنا واضحةً نحو مستقبل يبتعد عن الأساطير والأوهام، مستقبل يقوم على الحقائق والحقائق فقط، حيث نعكس إنسانية البشر بجوانبها المختلفة، بما تحمله من عيوب وفضائل. علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الدروس المستفادة من ماضينا، وأن نبني أساساً متيناً لمجتمع يتقبل التنوع والكمال بطريقة حقيقية. فالتغيير لا يأتي عن طريق تجاهل الواقع، بل من خلال مواجهته بكل تفاصيله، وتحويل تلك التجارب إلى بوابات أمل وازدهار.
واليوم يعيش حوالي 40 مليون مهاجر ناطق بالعربية حياتهم اليومية بشكل طبيعي، بينما يحملون في قلوبهم همومًا ثقيلة، مدركين التمييز الذي يعانون منه في الدول التي تستضيفهم، بسبب تركهم لبلدانهم.
تُعتبر ألمانيا، ثاني أكبر بلد يستقبل المهاجرين العرب بعد الولايات المتحدة، مكانًا معاديًا لنا بشكل خاص. هذا الأمر أصبح أكثر وضوحًا نظرًا لموقفها الذي يفتقر إلى النقد تجاه الإبادة الجماعية للفلسطينيين والقرارات العقابية ضد أي دعم يُظهر حقوق الفلسطينيين.
الأوساط الأكاديمية في ألمانيا بشكل خاص تخلق بيئة معادية وعنيفة تجاه العرب، مما يعزز مناخًا سامًا يتذكر ممارسات فاشية سابقة. تورد مريم الزعبي تقريرًا شجاعًا حول التحديات التي يواجهها العرب في ألمانيا.
تتحدث (سارة الأسعد) عن التجربة غير الواقعية المتعلقة ببرنامج لم شمل الأسرة في ألمانيا والصعوبات التي يواجهها المهاجرون في البلاد. وتبدو هذه التجربة بالنسبة للعديد من المهاجرين العرب كرحلة مستمرة نحو الاكتئاب. مع احتمال تحول برنامج لم شمل الأسرة إلى سياسة للترحيل الجماعي، يثير الكثيرون تساؤلات حول ما إذا كان هذا هو السبب من الله للعودة إلى الوطن.
تستعرض الصحفية الاستقصائية (أماني إبراهيم) كيف تلعب ألمانيا دوراً مستمراً في نهب الآثار من الدول العربية. وتبحث في كيفية تمكن الوثائق المزورة من تسهيل بيع هذه الكنوز المسروقة وعرضها في مختلف أنحاء أوروبا، مما يعد شهادة دائمة على المواقف الاستعمارية والعنصرية المتبقية تجاه العالم العربي.
تشارك (أنجيلا زاهر) معضلة شخصية عميقة تعكس مشاعر العديد من الأسر الفلسطينية، خاصة الفلسطينية المسيحية، الذين يجدون طريقة أسهل نسبيًا للإندماج. في وسط الجهود الإسرائيلية المستمرة لطمس الهوية الفلسطينية والادعاء بعدم وجودها، تعارض أنجيلا الرواية الإسرائيلية وتعمل على إبقاء الهوية الفلسطينية حية.
فلنجعل من تاريخنا نقطة انطلاق نعيد من خلالها بناء هويتنا، ولنجعل من تجربتنا الحاضرة دروساً تُعزِّز من قدرتنا على مواجهة التحديات. بتضافر الجهود وتفعيل الحوار البناء، يمكننا التغلب على أوهامنا، وسنستطيع أن نرسم معالم مستقبل يحترم إنسانيتنا، وينطلق من أسس متينة قائمة على التعلم من ماضينا لبناء عالم أفضل للأجيال القادمة.
***
شاكر عبد موسى / العراق

تقول زميلتي إن بعضهم يعيب عليها الإهتمام بتأريخ الطب العربي، ويحسبون ذلك نوع من الكتابات الخالية من الأهمية، وكأننا نكرر ما لا ينفع.
في العراق برز أكفاء وجهابذة في كتابة تأريخ الطب، وعلى رأسهم الدكتور كمال السامرائي في كتابه بجزأيه (مختصر تأريخ الطب العربي)، والدكتور محمود الحاج قاسم الذي تخصص بالموضوع ونشر العديد من المؤلفات، وهو من أهم المؤرخين المعاصرين للطب العربي، وغيرهم من البارعين المخلصين لمسيرتنا المعرقية، وما قدمته عقولنا من إبداعات علمية أصيلة.
إن محاربة التأريخ وتشويهه بدأت منذ أكثر من قرن، وقاد حملاتها بعض المستشرقين، وفقا لتوجهات إستعمارية ونوايا إلغائية، لتجريد الأمة من هويتها ومحق تأريخها، وإيهامها بأنها دموية وعليها أن تتواصل بسفك دماء وجودها، وتدمير حاضرها وتناسي مستقبلها، وقد أفلح المغرضون، ولا يزال المخلصون يقاومون ويتحدون دفع الأمة إلى خنادق الغياب والإنحطاط المرير.
التأريخ يعبّر عن جوهر المجتمعات البشرية، وما يُقدَم السلبي منه للأجيال، ويتم وبقصد إغفال الإيجابي المنير، فتأريخنا وفقا للمسار المنحرف، قتل وغزوات وتدمير وحرق مدن، فهو فعل سيف لا عقل، بينما تأريخ المجتمعات الأخرى فيه من المساوئ ما لا يخطر على بال، لكنها تطمر السلبي وتركز على الإيجابي وتطعم الأجيال ما يعزز وجودها، ويوقد إرادتها لتدفعها نحو المجد المعاصر المنير.
تأريخنا أرقى وأجمل من تأريخ الآخرين، فلماذا نلغي إشراقاته وإضافاته الساطعة، ونتمرغ بالداجيات الغابرات الحانقات، ونوهم الأجيال بأن تأريخنا بائس لعين؟
تحية لزميلتي التي تتمسك بالتعبير الأصدق عن تأريخ أمة، وهبت البشرية منطلقات الصيرورة الكبرى والكينونة الأسمى، فتأكدت رؤى ومحاولات أجدادنا في زمننا المعاصر البديع.
فلتتواصل الأقلام الحرة المخلصة، وبجرأة وتحدي وإصرار، الكتابة عن تأريخ أمتنا العلمي النوّار.
و"إن التأريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق"!!
***
د. صادق السامرائي

 

إن مستخدم مواقع التواصل الإجتماعي، مثلا، الذي ينشر أو يشارك فيها، هو مجرد خادم او موظف أو جندي "رقمي مجهول" عند اصحاب هذه المواقع، إلا اذا كان ينشر حقائق تنصر الحق وتنقض اباطيلهم!
هذه الفكرة أو المقاربة تقوم على حقيقة أن المستخدم العادي لمواقع التواصل الاجتماعي هو في الحقيقة أداة ضمن النظام الذي يديره أصحاب هذه المواقع، فهو يخدم أهدافهم سواء بوعي أو دون وعي.
ويمكن تحليل ذلك من خلال الأبعاد التالية:
1. المستخدم كأداة في خدمة المنصة:
كل تفاعل يقوم به المستخدم من نشر أو مشاركة أو تعليق أو إعجاب أو غيرها، هو في النهاية، يُغذّي خوارزميات هذه المنصات، ما يساعدها على تحقيق أهدافها:
- جمع البيانات وتصنيفها وتحليلها لاستخدامها تجاريًا أو سياسيًا.
-إبقاء المستخدمين في حالة اشتراك وتفاعل مستمر، لتحقيق أرباح من الإعلانات وغيرها.
- صناعة وتوجيه الرأي العام، بطرق غير مباشرة، بالتحكم في المحتوى الرائج وغيره.
فيتحول المستخدم، بالنتيجة إلى "موظف أو جندي، مجاني رقمي" يعمل لصالح هذه المواقع ومالكيها!
2. الخروج من دور الأداة: نشر الحقائق
إذا كان المستخدم يريد أن يخرج من كونه مجرد خادم أو موظف أو جندي للمواقع وأصحابها، فعليه أن يستخدمها بطريقة تخدم الحق والحقيقة والخير والصواب، ويتخذها وسائل دعوة إلى الله ودين الحق، وبما يتعارض ويتناقض مع المصالح والأهداف الباطلة والشريرة والضارة لمالكي هذه المواقع من طغاة السياسة والتجارة،
وذلك يمكن أن يتحقق عبر الإجراءات التالية:
- نشر الحقائق والمعارف والمعلومات التي تصنع الوعي الحقيقي النافع، وتفضح زيف الأباطيل والدعايات التي تروجها هذه المواقع وغيرها.
- نقض الأباطيل التي يتم تسويقها لخدمة أجندات باطلة وشريرة وتخريبية.
- توعية وتبصير الآخرين بأساليب التلاعب التي تمارسها هذه المواقع أو الشركات.
3. رد فعل المواقع تجاه من يخرج عن طاعتها ويهدد سلطتها:
عندما يبدأ المستخدم في نشر محتوى حقيقي نافع، يتحدى السرديات التي تتبناها هذه المواقع، فإنها تتخذ ضده إجراءات عديدة مثل:
- تقليل رواج وانتشار منشوراته عبر خوارزميات التظليل ("Shadow banning").
- حذف المحتوى أو حظر الحسابات بحجة "مخالفة السياسات".
- إستخدام الذكاء الاصطناعي لرصد الكلمات المفتاحية التي تعتبر "حساسة" من وجهة نظرها.
- إجراءات أخرى ..
4. الاستنتاج:
المستخدم بين خيارين في الواقع: إما أن يكون مجرد أداة أو خادم أو موظف أو جندي لمالكي مواقع التواصل، مثلا، يساعدها في تحقيق المكاسب الخبيثة، وتمرير الأجندات والإعتقادات الباطلة الضارة، أو يكون فاعلًا عاقلا شجاعا، متحملا للمسؤولية أمام الله أولا، مستقلاً، يستخدم هذه الأدوات بطريقة تنصر الحق والحقيقة والخير والأخلاق الحسنة ودين الحق، ويقلب السحر على الساحر قدر المستطاع، عبر كشف الحقيقة، وإفشال الباطل وعمليات التضليل.
***
جميل شيخو

 

الفوضى الخلاقة هي اشعال فوضى متعمدة تستمر عقداً من السنين ، من اجل تكريس حالة سياسية اجتماعية تضمن مصالح دولة عظمى في منطقة الشرق الاوسط قادتها " كونداليزارايس" وزيرة الخارجية الاميركية السابقة قبل غزو العراق.
وتعود سياسة الفوضى هذه للفيلسوف (روبرت نوزك)، والتي تشكل أفكاره المزعومة، قاعدة لتغيير العالم وتفكيك المجتمعات والمؤسسات وتبديل قيادتها بفئة متنفذه وثرية يقودها ويحتكر حركتها التيار المحافظ، ممثلة بمشروع 2025 .
ان صعود التيار اليميني المحافظ في اميركا يعني سيطرة الاغنياء والأثرياء والمتنفذين على مقدرات الدولة، أي وضع كل الامكانات الاميركية في خدمة الشركات الاحتكارية وتحجيم المؤسسات وستبدالها باخرى تمتلك الحد الادنى من الصلاحيات ، فضلا عن خفض الضرائب عن الشركات وخفضها عن ارباح رؤؤس الاموال وعن الرعاية الاجتماعية والطبية وازالة التقييدات عن استخدام الوقود وتشديد القيود على الهجرة ونشر ثقافة (الجندر) والتفسخ والاجهاض، أما السلطة التنفيذية فتخضع للرئيس .
التحول في ظل حكم البيت الأبيض الراهن جذري على وفق فلسفة روبرت نوزك ومضمونها (الفوضى والدولة واليوتوبيا) وهو مشروع يميني يعود لعام 1974 والمراد تأسيس هياكله في عام 2025 .
(الاقتصاد أولا أو أميركا العظيمة أولا) هو شعار يرمي إلى إخضاع كل ما يلزم الأمر من سياسات الدولة الأميركية للاقتصاد ليتصدر قائمة الاهتمامات في ظل فلسفة مشروع اليمين المحافظ وكأن التاريخ يعيد نفسه لعام 1974. فقطع (280) مليون شجرة عملاقة لأجل تجارة الأخشاب على حساب البيئة مثلا ساطعا لاختلال التوازن في التفكير بين العقلية التجارية والعقلية الواقعية الإنسانية.!!
ولما كان الاقتصاد اولا فأن الاهتمامات الاخرى تصبح ثانوية من اجل تكديس رأس المال .. والتساؤل في هذا المنحى: هل كل شيء في الدولة هو الاقتصاد؟ صحيح ان تحرير السياسة يقتضي تحرير الاقتصاد وقبل كل شيء يتوجب تحرير المفاهيم السائدة وتشذيب الشوائب المتراكمة العالقة عبر الازمنة الغابرة.
الحياة ليست كلها اقتصاد وليست كلها مضاربات وصفقات، إنما الحياة ثقافة وقيم واعتبارات، فالعقلية الاقتصادية لا تنتج سوى الربح والخسارة ، لذلك يفترض ان يرضخ الاقتصاد للسياسة لا أن يقودها كما يحدث الآن في الدولة العظمى . وكما تنتج السياسة تخطيط يعبر عن مشاريعها المستقبلية، فإن السياسة تتوخى الانزلاق نحو مخاطر عدم تقدير الموقف عكس ما تجازف به حكومة الاقتصاد دون اخذ حسابات السياسة وبدائلها وخياراتها بنظر الاعتبار .. فالمعادن النادرة الثمينة باتت تتاجر بها رئاسة أميركا وتساوم خصمها عليها وهي معادن ملك غيرها، الامر الذي اثبت ان (حكومة الاقتصاد الأميركية لا تمثل حكومة السياسة الأميركية) إذا جاز التعبير، لأن الحكومة السياسية لها حساباتها أما حكومة الاقتصاد فهي بدون حسابات سوى حسابات الربح والخسارة والمثال هو المعادن النادرة التي تعود ملكيتها لشعب دولة أخرى.!!
***
د. جودت صالح
8 / آذار- 2025

هل ستتنازل الأسود عن أنيابها ومخالبها، وتمارس نشاطات ذات ربحية غير دامية، وهيمنة ذات تدابير عقلانية. الإستعمار لم يغب عن الأرض، وإستمر صريحا لملايين السنين، وإستتر لبضعة عقود، وربما سيعود بصراحة سافرة.
الدنيا قوي وضعيف، خير وشر، منتصر ومهزوم، والعديد من الثنائيات الأخرى، وأكثرها وضوحا معادلة القوي والضعيف، فالقوي ومنذ الأزل يفرض قوانينه التي ما تبدلت وما أثرت فيها العقائد، فالقوة ذات طبيعة واحدة، يمكن إختصارها بسلوك الأسد في الغابة، أو مقارنتها بأي مخلوق مفترس لديه مخالب وأنياب وبعضها منقار فتاك.
وهذه أسلحة طبيعية يستخدمها صاحبها، والبشر إبتكر أسلحته المروعة وعليه أن يستعملها، فلا يوجد سلاح في تأريخ البشر إمتلكه ولم يستعمله.
ويبدو أن البشرية تعلمت بعض الدروس من الحرب العالمية الثانية، فقبضت بقوة على ما لديها من أسلحة متطورة ومدمرة، لكن قبضتها وكأنها إقتربت من الإرتخاء، مما يعني أن تلك الأسلحة ربما ستغادر مرابضها، وستفتك بالأرض وما عليها.
فإلى أين المفر؟
واقع الدنيا ونظامها المبرمج لوجودها لا يتغير إلا بحرب، وهنا تكمن أم الفواجع، لأن القوى المتنافسة على الهيمنة تعرف بأن دخولها في حرب يعني إنتحارها، ولهذا ربما ستكون منازلاتها في بلدان ضعيفة تتحكم بمصيرها، ويُخشى أن تكون منطقة الشرق الأوسط ميدانا للحرب العالمية التي تدق أجراسها، رغما عن إرادة الأقوياء.
فهل سترعوي القوى المهيمنة، وترحم البشرية؟
و"الحرب هي تسلية الزعماء الوحيدة، التي يسمحون لأفراد الشعب المشاركة فيها"!!
***
د. صادق السامرائي

 

ما أجمل أن تقطن بين أحضان مدينة ذاكرتها تنام تهورا في شمس قيض، ولا تستيقظ إلا عند الاستحقاقات الانتخابية. دوما كانت ذاكرة المدينة تفيق مع الفزع الملازم، ومرات عديدة التلاشي مع مآسي الأحداث الطارئة. فما أسوأ !!! التذكر حين تُمْسي وقد تنام ذاكرة المدينة في سهو منسي، ونحن لا نزال نُشغل عقولنا بالتراخي الرخو حتى لا تموت المدينة بالحتمية والفجائية. إنها بحق الأحلام المبتورة، و التي تحمل كل مثيرات الأضواء الزائفة، وملونات فقاعات نصب الفخاخ المميتة.
يبق لنا بالجمع أن نستغرب من شيء واحد، أن مدينة طيعة منذ أن كان القدر سيدا في مسقط رأسي بين أسوارها الأميرية. ومهما كانت غرابة الاستدلالات بالذاكرة المفقودة للمدينة الطيعة (الخنوعة) موضعا بديلا عن المدينة الفاضلة في الحاضر، فالأمل الضائع بات سيد الحديث ومنه كانت البدايات والختم الانتظاري.
منذ الزمن الماضي القريب كان جزء من الأحلام المبتورة للمدينة الطيعة، يسارع الوقت على نحو من التهور والفهلوة بالبحث عن المنقذ (المهدي المنتظر). وخلافا لمحطة (غودو) الأخيرة، فقد طال أمد الانتظار عن التنمية الموعودة، وعن عودة ابتسامة الحياة للمدينة. لكن الأدهى من ذلك كانت أحلام ذاكرتنا جميعا تلتصق بالماضي، وتصنع منه الرمزية (الذهبية)، وتلقي باللوم على الحاضر (المصدي) الذي لم يقدر أن يصنع ولو جزء من الماضي القريب بالتشريف والذكر.
التشكيك بكل النيات الحسنة، اختلط مورده بذاكرة مدينة اليقظة بالنميمة السياسية، وتم تعويم رؤية الفساد على وجه تربها. فكل الوعود الجميلة التي واعدونا بها، باتت حتى هي من الاستدلالات الفاسدة، ولم يبق لنا من صحتها غير الدعاء وراء الإمام وقول: (آمين)!! فحين قال: اللهم امحق الفاسدين، نقول جماعة وراءه: (آمين)، يقول: اللهم شتت شملهم، نقول: (آمين). يقول: اللهم احرق مالهم ، وحاسبهم حساب الحكامة بمحاكم المالية، نقول: (آمين)، ونحن نعلم علم اليقين أن صدقات الفاسدين تحصنهم من دعاء الإمام!!.
كل ضروب التشويش وتعطيل التنمية بمدينة الذاكرة المنسية، تعطل عيوننا من الإبصار في الأفق الجميل المبتسم. ولم يبق لدينا غير الحق الوحيد في استرجاع الثقة في قدرتنا على إقرار عقاب الصناديق الانتخابية (2026). لم يبق لدينا غير المشاركة وليس المقاطعة البئيسة السلبية التي تجعل من صغير القاسم الانتخابي يتسيد المشهد السياسي العقيم، ويماثل في خرجاته (دُونْ كِيشُوتْ) المعارض.
حقيقة غير مراوغة بفنية (سفسطائي)، أن ذاكرة المدينة لا تطيق فهم الكليات الواجبة للتغيير، واستدلالات البدائل، بل فهمنا في حدود ظل ذواتنا في الغروب الباهت، يقف عند الحقائق السهلة المختلطة بفساد الاستدلال والتبعية الموغلة في لحظات الانبطاح، والهرولة نحو الاقتيات من فتات بقايا الريع (الحلال) للأسياد.
ذاكرة مدينة تُنتج الحذلقة في النزق (والنزوقية)، في ظل غياب أسس ما ذكر في دستور المملكة من كلمات دالة ومليحة (الحكامة/ الديمقراطية/ التشاركية/ العدالة/ حق الدولة/ العدالة الاجتماعية/ الرفاه/ المناصفة/ الكرامة/ العدالة المجالية...). فحين تغيب الأخلاق والقيم عن السياسة، نكون نتفحص الانتقاد الثنائي (الأغلبية والمعارضة) في فكر سياسي عبثي، ونحن نعلم أنها تلاسنات مغرضة ومفبركة لدغدغة المشاعر اللينة الصامتة، ويمكن أن يصبح المعارض بالأمس أبكما وغبي الفهم حين يتربع على كرسي الأغلبية متسيدا!!.
هي مسألة ذاكرة مدينة تصيد في بحيرة مستنقع لا سمك تنموي فيها ذي جودة. ومن حمية استحضار الذاكرة المنسية حتى ولو بالجزئية لا الكلية، أن نحارب الاستدلالات المغرضة بمدينة العجائب، حتى لا يصاب الجميع بداء النسيان ونكوص الثقة في المستقبل، والتقادم الذي يريد تحنيط حتى الأسوار والقصبات، ويبخس كل رؤية تحديث للتمكين الحضاري الحداثي.
***
محسن الأكرمين

أمم عضلية وأمم تكنولوجية، والغلبة لمن؟
البشر إبتكر ما ينتصر على ضعفه ويستهلك وقته ويستنزف عمره، فما عاد السيف سلاحا ولا البندقية ولا أسلحة القرن العشرين، إنها أسلحة القرن الحادي والعشرين، التي ما عهدتها البشرية، وستمحق الملايين في لمح البصر.
فهل سينتصر السيف على أسلحة هذا الزمن؟
البشرية قتلت بالسيوف على مدى مسيرتها، ومنذ أن صنعته بعد إكتشافها للحديد، أضعاف ما قتلته أسلحتها الحديثة على مدى قرن وربع القرن، لكن أسلحة العصر تتفوق في فتكها على كل العصور.
أمم العضلات أوهن من بيت العنكبوت، وأمم التكنلوجيا لها اليد العليا، والقرار المبيد، فهي تحقق ما تريد وغيرها ستجبر على ما لا تريد.
الأمم العضلية ستسحقها سنابك التكنلوجيا، ولن ينفع معها ما تدّعيه من قيم وأخلاق وتفاعلات مع القوى العلوية، فالدنيا سوح غاب، والبقاء فيه للأصلح والأقوى يفرض صلاحيته، ويعلن أن أمم العضلات منتهية الصلاحية وعليها أن تغيب في أوعية الإهمال الشديد .
أمم تترنح وأخرى تتفتح، والسيادة تكنولوجية إقتصادية غابية الشمائل، وطبائعها وحشية جشعة، تتحين الفرص للإنقضاض على فرائسها العضلية.
فالعقل إنتصر على العضلات، والأفكار ترسم خرائط الحياة، والتمايز بين الناس فيما يعبرون عنه من أفكار، وما دامت بعض الأمم تغوص في غيبياتها وخرافاتها، وما تتصوره وتحسبه علم يقين، وأمن سنين، فالتكنلوجيا بطاقاتها المتفاعلة المتخلقة في بودقات الأيام، ستصهرها وتحيلها إلى سوائل تسكب فوق رمال رمضاء الرؤوس المتصحرة.
و"دليل عقل المرء فعله"!!
***
د. صادق السامرائي

 

الإبداع الذي يركز على الرمز ويخاف المباشرة والمواجهة وقول الحقيقة، غير مستحب ولا مرغوب.
وعلى مدى عقود تجد الإبداع متسترا بالرمز وما يتصل به من صور وإشارات، لمعاني خفية أو مختبئة بين الكلمات والسطور.
فهل نفع هذا الأسلوب؟
المبدعون يعيبون المباشرة ويحسبون الإبداع صور فنية رمزية تشير إلى معاني خفية، ويبتعدون عن المواجهة والتحدي والإقدام.
فالحياة لن تتطور والتغيير لن يحصل، دون جرأة في إعمال العقل، والتأريخ يخبرنا عن ضرورة الجرأة في القول والفعل: " إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمةٍ... فأن فساد الرأي أن تترددا".
المبدعون يشيحون الطرف عن المباشرة والوضوح، ويستصغرون الإبداع الصريح الذي يخاطب العقول ويتواصل مع الناس بكلمات بسيطة واضحة.
فيريدون إبداعا متخفيا متلثما، يرفع شعار " إياك أعني واسمعي يا جارة"، وبنوع من الحسجة، والخداع والتضليل، وينم عن أنانية ونرجسية، وإندساس في الذات، ويبتعد عن المبدأ والرسالة والدور الذي عليه أن يؤديه، لصناعة المسيرة الصاعدة نحو الحياة وفضاءاتها المطلقة العطاء.
إن الأمم والشعوب لن تكون بالرمزيات والتعبيرات المبهمة الغامضة، والصور الخيالية المتصورة، إنها تكون بالإبداع المباشر الصريح الدافق بمفردات التوثب الحضاري العزوم .
فهل غيّرنا الإبداع الغامض المدثر بالرموز؟!
لا بد من وقفة صريحة ومواجهة جريئة لصناعة الحاضر المعاصر والمستقبل الزاهر.
و"نشر سوادٍ في بياضٍ كما...ذر فتيت المسك في الورد"!!
***
د. صادق السامرائي

 

يشير مصطلح السياحة الرياضية إلى سفر الأفراد إلى مناطق أو دول تتاح فيها إمكانيات ممارسة أنواع الرياضات المعروفة، مائية كانت أو جبلية أو صحراوية وغيرها. مثل السباحة وركوب الأمواج والغوص البحري وتسلق الجبال والتزحلق على الجليد والتخييم في الغابات والخروج برحلات السفاري في الصحراء والطيران الشراعي والغولف وركوب المناطيد والتجديف في الأنهار والهبوط بالمظلات والرغبي، أو حضور مباريات أو مهرجانات أو سباقات رياضية، وطنية كانت أو دولية (مشاهدة ومشاركة). وهي رياضات تجذب شرائح واسعة من السياح في مختلف بقاع العالم. ويعرف عن السياحة الرياضية والمغامرات بأنها سياحة متنامية يوما بعد يوم، وبمعدلات سنوية متصاعدة على النطاق الدولي والوطني بالنسبة لكثير من الدول، بزيادة وعي الناس بأهمية الرياضة وفوائدها الصحية الكثيرة، وتزايد عدد السباقات والفعاليات الرياضية، وقيام السلطات السياحية في الكثير من الدول باستثمارها وتوظيفها في أوجه التنشيط السياحي. مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تشير الأحصائيات إلى حضور (38 %) من الأمريكان البالغين في فعالية رياضية واحدة على الأقل خلال الأعوام الخمسة الأخيرة قبل 2012، واضطرارهم للسفر لمسافة (50) ميلا على الأقل في سبيل ذلك. وقد سجلت توقعات بتحقيق إيرادات بقيمة (300) مليون دولار أمريكي في (أوستن) عاصمة ولاية (تكساس) عند إقامة سباق الفورميولا 1 مع إمكانية استفادة المناطق القريبة مثل (سان أنطونيو) و(هيوستن) و(دالاس) وغيرها. وبريطانيا أيضا، وكندا التي سجلت فيها سنويا ملايين الرحلات السياحية الرياضية وذلك للسنوات القريبة السابقة لعام 2012. وكذلك أستراليا، وجنوب أفريقيا التي تستحوذ السياحة الرياضية فيها على (4 %) من اجمالي السياحة في البلاد. وقد استقبلت في عام 2010 قرابة (400000) سائح وفقا لتقرير صادر عن مؤسسة (جانت ثورنتون) الأستشارية، وبالاستناد إلى الاحصائيات الصادرة عن مكتب أفريقيا للاحصائيات. و(55 %) في أستراليا التي تشكل الرحلات الليلية من أجل السياحة (5 %) من مجموع الرحلات، وأنفق عليها (1.386) مليار دولار مقابل (0.461) مليار دولار على الرحلات النهرية التي تشكل (6 %) من مجموع الرحلات. كما يشير واقع البيانات والأحصائيات إلى انفاق سواح الألعاب الرياضية على مستوى العالم ل (3) مليارات دولار سنويا، واستحواذ السياحة الرياضية على نسبة الربع من اجمالي العائدات السياحية في بعض البلدان التي تعتمد سياسات واضحة في استثمار الرياضة في تحريض الطلب على المنتوج السياحي المحلي واستقدام السياح. وهناك إشارات واضحة إلى هذه الجوانب في الرسالة المشتركة التي القيت من قبل الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية (دبيلو. تي. أو) ورئيس اللجنة الأولمبية الدولية (آي أو. سي) عام 2004 عند الأحتفال باليوم العالمي للسياحة، وتحت عنوان (الرياضة والسياحة: قوى حية من اجل التفاهم والثقافة والتطور الأجتماعي). وجاء فيها (للرياضة والسياحة أهداف مشتركة ألا وهي مد جسور التفاهم بين مختلف الثقافات وأنماط الحياة والتقاليد، وتعزيز السلم والنوايا الطيبة بين الأمم، وتحفيز الشباب والهامهم، وتوفير أساليب التسلية والمتعة للتخفيف من ضغوط الحياة اليومية على قطاعات كبيرة من السكان. السياحة والرياضة مترابطتان ومتكاملتان، أما الرياضة كاحتراف أو هوية أو تربية فتنطوي على حد كبير من السفر للعب والتنافس في مقاصد وبلدان مختلفة، وان الأحداث الرياضية الكثيرة مثل الألعاب الاولمبية وبطولات كرة القدم والرغبي وسباقات السيارات فقد أصبحت بحد ذاتها جوانب سياحية جبارة، تساهم إيجابيا جدا في تحسين السمعة السياحية للمقصد المضيف.. وفي هذا الاطار بدأت منظمة السياحة العالمية واللجنة الأولمبية الدولية التعاون في 1999 لتوطيد الروابط بين السياحة والرياضة). ومن الدول التي تستثمر هذا الجانب في الترويج السياحي، ودعم نمو السياحة الوافدة جمهورية الصين الشعبية، ومن خلال مهرجان (تشانغشون) للسياحة الثلجية في الصين للفترة من 1 كانون الأول وحتى 28 شباط، والذي تحرص السلطات المختصة على إقامته منذ عام 1998. وتغطي فعالياته في مختلف الأوجه السياحية والرياضية والتجارية والثقافية. وشهد عام 2013 الدورة ال (15) للمهرجان. وكانت إدارة السياحة الوطنية والأدارة العامة للرياضة والسلطات المحلية في مقاطعة هاينان الصينية قد أقامت معرض السياحة الرياضية في 18 كانون الأول 2010. وتم تأسيس (الشركة المحدودة للسياحة الرياضية التابعة لمجموعة السياحة الصينية) بتمويل من الشركة المساهمة لصناعة الرياضة البدنية الصينية ومجموعة السياحة الصينية من أجل تحقيق هذه الهداف. أما في تونس فيقام سنويا المهرجان الدولي للسياحة الرياضية الصحراوية، وقد انطلق اعتبارا من 25 كانون الأول 2011 ليستمر حتى 2 كانون الثاني 2011، وتحت شعار (السياحة المستدامة والمنصفة). كما ينظم الديوان الوطني للسياحة فيها تظاهرة السياحة والرياضة (ريدو رايد) في سبيل تنمية وتطوير السياحة في المناطق التي تفتقر إلى الأنشطة والفعاليات السياحية على نحو مكثف. ويأتي اهتمام السلطات السياحية بهذه المباريات والمسابقات الرياضية لكونها تشكل عناصر جذب فعالة (مشوقات – مغريات) تستقطب أفواج السياح من الداخل والخارج، ووسائل ترويج ناجحة للمنتوج السياحي الوطني، وبما يخدم الأتجاه الرامي إلى زيادة عدد السواح والعائدات السياحية وتنشيط النشاطات والقطاعات المرتبطة بها على نحو مباشر وغير مباشر. فلو أخذنا مدينة (انسبورك) النمساوية على سبيل المثال لوجدنا ان معظم السياح الذين ييممون نحوها من هواة الرياضات الشتوية، خصوصا بعد إقامة الألعاب الأولمبية الشتوية فيها عام 1964 وبعدها في عام 1976، واكتسابها لشهرة واسعة في هذا المضمار جراء ذلك، واستضافتها لمسابقات القفز السنوية من على منصة جبل (ايزل) لتستقبل الألعاب الأولمبية الشتوية الأولى للشباب في العام 2012. أما (بكين) العاصمة فقد استقبلت (450000 - 500000) زائر خلال فترة إقامة الألعاب الأولمبية الصيفية في آب 2008. وكان من المخطط أن تستقطب (لندن) في آب 2012 نحو (1) مليون زائر، ينفقون (5.2) مليار جنيه إسترليني أثناء الأولمبياد التي استمرت لمدة (16) يوما والتي توقع لها أن تخلق (50000) فرصة عمل جديدة في القطاع السياحي والقطاعات والنشاطات الأخرى المرتبطة بها. علما ان (50 %) من العطلات في بريطانيا تتضمن المشاركة في الألعاب والأنشطة الرياضية، وان (20 %) من الرحلات فيها هي لدوافع رياضية، وفقا للاحصائيات الوطنية. كما توقع لبولندا أن تستقبل (1) مليون سائح دولي أثناء إقامة بطولة الأمم الأوروبية 2012. أما ماليزيا فقد أطلقت بتاريح 29 أيار 2012 برنامج (عائلة ركوب الدراجات 2012) الذي شمل ساحة (باسيربوترا – كوليم) من ولاية (قدح) من أجل جذب السياح من هواية ركوب الدراجات الهوائية وتنشيط السياحة في الولاية. وأما دولة قطر فقد خصصت ميزانية بقيمة (150) مليار دولار أمريكي من أجل تهيئة البنية التحتية والفوقية واكمال الأجراءات والمستلزمات الخاصة باستضافة كأس العالم بكرة القدم 2022 التي توقع أن يحضرها (3.151) مليون متفرج محلي وعربي وأجنبي، ومنها (20) مليار دولار ستذهب لقطاع السياحة والترفيه. وكان من المتوقع أن تسجل هذه الفعالية الكبرى إيرادات هائلة للبلاد، ومنها (829) لقطاع الأطعام والشراب و(4.76) مليار دولار لقطاع الأيواء (الفنادق) و(1.37) مليار دولار لقطاع النقل و(51) مليون دولار من تأشيرات الدخول وغيرها كثيرة.
***
........................
- عن كتاب (مقالات في السياحة الرياضية) للباحث، مطبعة بيشوا، أربيل – العراق 2012.

 

انتظر المواطن العراقي أن يخرج عليه مسؤول يخبره عن الجهات التي سهّلت سرقة أموال الضرائب وأنتظرنا جميعا صابرين أن يصدر قرار قضائي بمصادرة اموال المتهمين والحكم عليهم باحكام شديدة، إلا أن العراقيين الذين لا حول ولا قوة لهم اكتشفوا أن المتهم الرئيس نور زهير حوّل بعض من الاموال التي نهبها الى فضائية جديدة تناقض ملفات الفساد في العراق، وان تابعه نور زهير يتمتع بحريته بفضل قوانين البرلمان العراقي.
هل هناك غموض يحيط بحكاية سرقة القرن؟ المواطن من امثالي يسأل: كيف تمكن شاب من أن يحوِّل كل هذه المبالغ؟ يريدون منا أن نصدّق أنه لا علاقة لبعض السياسيين المتنفذين بهذه السرقة.
بالأمس قرأنا في الاخبار ان المتهم هيثم الجبوري احد المشاركين في " سرقة القرن " مشمول بقانون العفو وسيخرج سالما غانما، بعد أن " فرهد " مبلغا بسيطا لا يتجاوز الـ 17 مليار دينار هي مجمل حصته في هذه الصفقة وهي حصة صغيرة إذا ما قورنت بحصص الحيتان الكبار.
منذ سنوات ونحن نعيش في أجواء سلسلة مثيرة من روايات المفتش العام الغامضة، وكان العراقيون يظنون أن مهمة الدولة ترسيخ القانون وتطبيقه على الجميع، لكن اللحظة التي تمت فيها تبرأة فلاح السوداني وجمال الكربولي، أثبتت أن العراقيين يعيشون عصر الفرهود المنظم.
تعلمنا من الأحداث التي مرت بالعراق أن اللص الكبير يحتفظ لنفسه بالحصانة الكاملة. بدليل أن مليارات الدولارات ذهبت إلى جيوب مسؤولين كبار دون أن يقول لهم أحد: من أين لكم هذا؟.
الارتباك والتلعثم واضحان في التعاطي مع سرقة القرن، التي اكتشفنا أن النائب السابق هيثم الجبوري أعاد فقط مبلعا زهيدا مبلغ، وأنه سيحتفظ بالمليارات الباقية، ثم عرضوا لنا المبالغ لكي يطيل المواطن النظر إليها، ويؤمن بأننا دولة قانون. تخيل جنابك أن نائباً سابقاً يلفلف عشرات المليارات من الدولارات فقط لأنه مارس لعبة الابتزاز والصوت العالي في البرلمان والبكاء على أموال الفقراء.. في بلد تخبرنا الاحصائيات الرسمبة بارتفاع نسب البطالة والفقر.
عندما يستسهل المسؤول الكبير، السرقة والنهب وإثارة الفتنة الطائفية، يصبح كل شيء آخر بسيطاً او مبسطاً. كالسطو على مال الغير وبث الفساد في مؤسسات الدولة.
في هذا المكان صدعت رؤوسكم بحكاية هيثم الجبوري، ومشعان وابو مازن وحنان وعالية وصالح المطلك ومئات غيرهم، لكني للاسف حتى هذه اللحظة لم اعرف حكاية النائب الذي تحول قبل مدة الى " شارلوك هولمز " عندما قرر ان يلقي القبض على نور زهير وسط العاصمة الروسية موسكو.. وفي النهاية عاد النائب بمعطف من الفرو، فيما ينتظر نور زهير ان يُشمل بالعفو اسوة بتابعه هيثم الجبوري.
***
علي حسين

 

الدسيسة: ما أُضْمِرَ من العداوة، مكيدة وحيلة خفية.
مهذب: مؤدب
الكتابة مهمة محفوفة بالمخاطر والكاتب الحر كالقابض على الجمرة وقلمه عدوه، وأفكاره الحرة الجريئة الساعية للحقيقة والنور قد تنقلب وبالا عليه.
والمقالات التي لا تعرف الخوف وتتناول ظاهرة تستحق التصدي والتغيير تجابَه بطوابير من الذين يكتبون بمداد الآخرين، ويتقاضون منهم على ما يكتبونه، ويحاولون تفنيد الحقيقة، وإيهام القارئ بأن الكاتب يقصد غير ما ذهب إليه.
فتفاعلهم إنفعالي مشحون بالعواطف السلبية، ويستخدمون مفردات سلبية، لكي يثيروا عواطف القارئ ويعطلوا عقله، ويمنعونه من التواصل الموضوعي المحايد مع ما يقرأ.
أي يطفئون أنوار العقل ويؤججون العواطف والإنفعالات، ويتوهمون بأن هذه الأساليب يمكنها أن تطمس الحقائق، وتحق الباطل وتبسط الضلال والبهتان، وتمنع الأجيال من رؤية الشمس التي يحاولون تغطيتها بغربال.
فالكاتب الحر يعاني منهم، إذ يحاولون إجهاض ما ينشره بتعليقات وكأنها مؤدبة، لكنها عسل فيه سم، ويبدو أنهم مدربون على اللعب بعقول الناس، ويتناسون أن العصر معلوماتي صدّاح، لا تخفى على أحد فيه خافية، وأكاذيبهم لا يمكنها أن تعيش، فالحقيقة أقوى وأصدع وأقدر على البقاء والنماء.
وكثيرا ما يسعون للإستثمار في حالات يظنونها، وفقا لأحكام مسبقة يغذون بها أتباعهم .
ومواجهتهم والإنتصار عليهم يكون بالثبات والمواصلة، وعدم الإنزلاق إلى مواضع إستنقاعهم، فالزمن كفيل بإيقاظهم من غفلتهم، وعمههم الذي فيه يرتعون.
وقل عاش القلم الحر الجريئ، والكلمة الطيبة لها النصر، وللكلمة الخبيثة الهزيمة النكراء!!
***
د. صادق السامرائي
23\11\2020

لا توجد أمة منغمسة بالتداعيات التأريخية ومعتقلة في أروقة الغابرات مثل أمتنا. فهل وجدتم أمة موسوسة بالتأريخ مثلنا؟
الأمم والشعوب منشغلة بحاضرها وبمستقبلها، ونحن نلغي الزمان ونتخندق في حفر تأريخية لا نعرف عنها إلا ما وردنا على ظهور القيل والقال.
ما نقرأه في معظم الكتابات، أن ما كانَ (مضى) تتحقق قراءته وفقا لما هو كائن أو معاصر، وفي ذلك تجني على ما حصل في زمان ما ومكان ما.
فعندما ينظرون لتأريخ الأمة، يرونها وكأنها في معزل عن محيطها آنذاك، فتتداعى تصورات وهذيانات لا صلة لها بالواقع الذي كانت فيه.
فلكل زمان أحداثه وتفاعلاته ومعطياته، وما عندنا اليوم لم يكن عندهم، وما نعرفه ما كانوا يعرفونه.
وعالمهم ربما سمي كذلك لندرة المعارف حينها، فتمكن من هضم ما متوفر من العلوم المتوارثة، وهي قليلة بالمقارنة لما لدينا اليوم.
فواقعنا عيونه غير عيون واقع الأمس، فالأرض تدور وما فوق التراب يتحول إلى أحوال تفترسها أحوال.
فليس من المعقول طرح تساؤلات معاصرة على حالات غابرة.
ربما الوعي القائم يرفدنا بقدرات تبصرية غير مسبوقة، لكنها لا تعني أن علينا أن نتحامل على الماضي.
الكتابات التحاملية عدوانية وإنفعالية، لا تمت للواقع الحقيقي للحالة التي ننظرها.
فتأريخ الأمة لا يختلف عن تأريخ الأمم التي عاصرتها، ولا يجوز ربط أحداثها بالدين، فالدولة لها آلياتها وأساليب إدارتها، ويمكن إتخاذ الدين كوسيلة للحكم، فالدولة فوق الدين مهما توهمنا وحاولنا خداع أنفسنا، حتى الأنبياء يعرفون ذلك!!
و"الدهر كالدهر والأيام واحدة...والناس للناس والدنيا لمن غلبا"!!
***
د. صادق السامرائي

في العام 1965 قرر رئيس وزراء ماليزيا آنذاك، تونكو عبد الرحمن، أن يطرد سنغافورة من الاتحاد الماليزي، في ذلك الوقت سأل أحد الصحفيين رئيس وزراء سنغافورة ماذا سيفعل؟ كانت الجزيرة بلا موارد تجارية، ولا طبيعية، فأجاب لي كوان :"سنشكل حكومة نظيفة، وسنحرص على إخضاع كل دولار من الإيرادات العامة للمساءلة، والتأكد من أنه سيصل الى المستحقين من القاعدة الشعبية من دون أنّ ينهب في الطريق". عندما ودع لي كوان الحياة، كانت الأرقام تشير الى ان سنغافورة حصلت على الدرجة الأولى في آسيا بدخل المواطن الذي يصل إلى 60 ألف دولار سنويا، مع اقتصاد يتجاوز الـ 500 مليار دولار سنويا.
سيقول البعض يارجل مالك تعيد وتزيد في حكاية سنغافورة، ولا تريد أن تلاحق المثير وتلقي الضوء على الحاضر وكيف أن العشائر اصبحت صاحبة الأمر والنهي في بلاد الرافدين، وان القوانين التي سنها المرحوم حمورابي اصبحت تستبدل وتتلون جسب الطلب والمزاج والمنفعة، يا سادة أردت أن أشارككم صورة السيدة سندس نصيف جاسم عضو مجلس محافظة بغداد وهي تجلس وخلفها صورة كبيرة للنائبة " المثابرة " شقيقتها عالية نصيف، مع نشيد حماسي عن شجاعة النائبة واقدامها، ولكن خشيت من ان اتهم بالفضول، فما الضير أن تتفاخر السيدة سندس بشقيقتها النائبة ؟ لا ضير ياسادة لو لم تخرج هذه النائبة قبل ايام تعلن حربها على المحسوبية والفساد وابناء السياسيين والمسؤولين واشقائهم !!.. إذن لنترك العشائر والمؤامرات ولاحدثكم عن كتاب بعنوان "بناء سنغافورة" يتتبع مؤلفه وهو باحث أميركي من المغرمين بتجربة العجوز الراحل لي كوان، كيف تم تأسيس نظام الكفاية لكل المواطنين.. مع شعار الحق في السكن والصحة والتعليم. أما نحن يا سادة فما نزال نستمع إلى الأخبار الصادرة عن تهديم بيوت الفقراء لأنهم متجاوزين.. وأن القانون يجب أن يطبق.. وماذا يا سادة عن حيتان التجاوز الذين استولوا على القصور والأراضي الشاسعة دون أن يقترب منهم شفل واحد؟، وماذا يا سادة عن الوعود التي أطلقتها الحكومات منذ 2003 وحتى لحظة كتابة هذه السطور عن مشاريع الإسكان والتنمية والصحة والتعليم والكهرباء التي لا نزال نتوسل امريكا حتى تسمح لنا باستيراد الغاز الايراني ؟، كل يوم تسرق أموال البلد، لكن البرلمان مشغول البال بالامتيازات وتقاسم الحصص، لأن هذا الموضوع أكبر من غياب الكهرباء وارتفاع نسبة البطالة.. في كل مرة تطلب الحكومة من الفقراء وحدهم أن يتحملوا أكثر مما يتحملون، وأن يشدوا الأحزمة، لكن ماذا عن الطبقة التي انتعشت أحوالها بعد عام 2003 وأكلت الأخضر واليابس؟.
***
علي حسين

 

عملية تشكيل الأخلاق وتوجيهها في المجتمع، بالتربية والدين والقانون والإعلام والثقافة والتجربة الشخصية وغيرها، ويلعب التسويق الأخلاقي دوره وإعلام التوعية واليقظة الأخلاقية بواسطة الرموز الإجتماعية بأنواعها.
وصناعة الأخلاق بحاجة إلى قدوة قيادية، وبدونها لا يتمكن المجتمع من بناء مسارات أخلاقية ذات قيمة وطنية.
"إن خياركم أحاسنكم أخلاقا"
"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"
فهل توجد قدوات أخلاقية في المجتمعات المرهونة بالدول الفاشلة، والنمطيات المتداولة بتكرارية متهالكة، وتعطيل للعقل ومنع من التفكير وطرح أي سؤال، لأن كل تضليل مقدس!!
"صلاح أمرك للأخلاق مرجعه...فقوم النفس بالأخلاق تستقمِ"
تخريب الأخلاق سلوك مبرمج ويمضي وفقا لمناهج مدروسة، ونظريات نفسية مجربة ذات نتائج مضبوطة وتداعيات معروفة، وآليات معطياتها تتفاعل لتصل إلى الغايات المرسومة، بواسطة الذين أعمتهم وحولتهم إلى بيادق تحركها إرادات القابضين على مصيرهم.
"وإذا أصيب القوم في أخلاقهم ...فأقم عليهم مأتما وعويلا"
المطلوب إلتزام أخلاقي واضح في القول والفعل، وعلى وسائل الإعلام أن تضع على كاهلها هدف الحفاظ على القيم والأخلاق، وفقا لما سرى بين الأجيال وحافظ على إستمرارها، وديمومة وجودها الحضاري الأصيل.
فليس من الأخلاق الكذب والفساد بأنواعه، والنفاق والدجل وإستلاب حقوق الناس ومصادرة مصيرهم، وإبتزازهم.
فهل سنحافظ على إطار مسيرتنا الإنسانية الأخلاقي؟!!
و"هي الأخلاق تنبت كالنبات...إذا سقيت بماء المكرمات"!!
***
د. صادق السامرائي

"ضربة الكلمة أقوى من ضربة السيف"
الكلمة ليست مجرد أحرف تكتب أو تنطق، بل هي أدات تخاطب وبناء وهدم، ويعتمد تأثيرها على قوة المعنى والأسلوب، ومما يستهجن إستخدام الكلمات السلبية والعنيفة التي تثير مشاعر الحزن واليأس والغضب، وتساهم في التفاعلات البينية الخسرانية.
و" الكلمة الطيبة صدقة"
فهل نجيد إستحضار أطيب الكلمات، أم ترانا نوسوس بأخبثها، وأكثرها إستحضارا للقنوط؟
عندما نتصفح المنشور في واجهاتنا الإعلامية بأنواعها، نكتشف هوسنا بمفردات الماضي، وتندر مفردات المضارع، وكأننا نبرر ونسوّغ ونساند ما هو قائم وندفع بالأجيال إلى الوراء، ونضع سدودا ومصدات بينها وبين الحاضر والمستقبل.
كان العرب يفعلون ثم يقولون، وإذا بهم في عصرهم الوثاب يقولون ولا يفعلون، فصارت أقوالهم أفعالهم، ولا قدرة لديهم أكبر من أضعف الإيمان.
ولهذا صار الكلام رخيصا وهذربات متلاطمة فوق السطور المرتعبة وبين الشفاه المتحيرة.
فلماذا كلامنا هباء منثور، وفعلنا مستتر مدثور؟
إن من أخطر معطيات التواصل السريع، والإرتهان بالشاشة المتوقدة بالروافد المعلوماتية، أنها أفقدت الكلمة قيمتها ودورها في صناعة الحياة الأفضل، فالكل يستطيع النقر على مفاتيح الكي بورد، وتبدو أمامه الكلمات واضحة وجميلة، وما تحمله من الأفكار والمعاني لا يعنيه، وبهذا يؤذي نفسه والآخرين.
علينا الرجوع إلى الكلمة وإحترامها والتعبير بها عمّا ينفعنا ويمنحنا قدرات التواصل والتفاعل الأصيل الخلاق مع زماننا ومكاننا، لنكون ونعبر عن جوهرنا الحضاري التليد.
و"الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان"
و"الكلام الحسن درع"
***
د. صادق السامرائي

 

قبل الحرب العالمية الاولى كانت الامبراطوريات التي تسيطر على المشهد العالمي هي الامبراطورية العثمانية والامبراطورية الروسية وامبرطورية النمسا والمجر. وكانت تشكل النظام العالمي السائد.
عندما اندلعت الحرب العالمية الاولى، انتهت بسقوط الامبراطوريات الثلاث وصعود بريطانيا وفرنسا ليتشكل نظام دولي جديد.
بقيت الحال على ماهي عليه الى ان قامت الحرب العالمية الثانية بسبب تململ المانيا من قيود معاهدة فرساي ونموها اضافة الى قيام الاتحاد السوفيتي ونموه ورغبة امريكا واليابان بادوار اكبر في الشؤون العالمية..
وهكذا انتهت الحرب العالمية الثانية بانهيار النظام العالمي السابق وقيام نظام ثنائي القطب تتزعمه امريكا والاتحاد السوفيتي..
وعندما تفكك الاتحاد السوفيتي بفعل حربه في افغانستان (التي تحالفت فيه القوى الغربية بشكل غير معلن لهزيمته)، اضافة الى مشاكله الاقتصادية، قام نظام دولي جديد احادي القطب تتزعمه امريكا.. وهكذا نرى ان النظم الدولية تتبدل على إثر حروب مختلفة الاشكال.. في الوقت الحالي، نهضت روسيا مجدداً وعادت كقوة عظمى ونهضت الصين نهضة غير مسبوقة والهند ايضاً تشهد نهضة اقتصادية وعلمية كبيرة اضافة الى عدد من الدول الاخرى كالبرازيل واندونيسيا..
حرب اوكرانيا اريد لها ان تكون سبباً في إحداث تغيير في النظام الدولي. لكنها اوشكت ان تتسبب في قيام حرب عالمية ثالثة لن ينجو منها أحد لانها سوف تتسبب في ابادة البشرية..
بعد ثلاث سنوات من القتال في اوكرانيا، يبدو ان امريكا ايقنت ان لاجدوى من الاستمرار في حرب قد تدمر العالم، كما ان الجميع ايقنوا كما يبدو ان النظام العالمي لا يمكن تغييره من خلال الحرب وانما من خلال شيء من الواقعية السياسية والقبول بالوقائع الجديدة.. انها تتم على اساس اعادة توزيع الادوار واستبدال الهيمنة بنوع جديد من النفوذ.
***
د. صلاح حزام

"وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه....".. أي لا بد أن يكون الرسول من نفس الأمة ويتحدث لغتهم. والقرآن منزل بلغة أهل مكة الذين خاطبهم النبي بلغتهم، فهم يفهمون ما ورد فيه من آيات، ومكثوا يحاججونه لثلاثة عشر سنة متواصلة، ولو كانوا قوما همجا رعاعا لقتلوه كما قتل أقوام قبلهم أنبياءهم.
وهذا دليل على أن العرب أمة واعية متبصرة عارفة مثقفة، بلغت ذروة الإدراك العقلي والسمو الخُلقي في عصرها، فالعرب أمة فاعلة ومتفاعلة.
والمشكلة المغفولة أنهم أهملوا لغتهم فابتعدوا عن قرآنهم، وتجد معظمهم يقرأون ولا يفهمون، ولا يتفكرون ولا يعقلون ولا يتدبرون، لأن المسافة بينهم ولغتهم صارت شاسعة، فاعتمدوا على البشر الذي يؤوّل ويفسر على هواه، وكأن ما يأتي به هو الدين المبين.
العربي ما عاد يفهم ما يقرأ في القرآن، وبسبب الذبول اللغوي تولدت ثغرات قاتلة في المجتمعات، إندس فيها المغرضون والمتاجرون بالدين، فصار دينهم وربهم هواهم.
إن الإهتمام باللغة العربية من أقوى أعمدة الدين، فعلى مراكز العبادة أن تهتم باللغة وتعيد مجدها وطاقتها التعبيرية بين أبناء المجتمع، وعندها سيكون الدين إرادة فردية وجماعية واعية، لا مستلبة ومرهونة بالقابضين على مصير الدين والناس القانطين في ميادين التبعية والخنوع.
إن قوة العرب الروحية والعقلية والنفسية والخلقية ، أمدّت الدنيا بطاقات التعبير عن الرسالة السماوية بآليات متميزة، فإنتشرت في وقت قصير لم يتجاوز بضعة عقود، فلولا هذا المعين المكين المتوارث المقدام، لما تمكن الدين أن يؤكد رسالته للعالمين، أي أن العرب كانوا مؤهلين لحمل رسالة خاتم المرسلين دون غيرهم ، وهذا برهان على أنهم من المتفوقين البارعين، وربك أعرف بخلقه أحمعين.
والدليل على قدراتهم الفائقة، تمكنهم من جمع القرآن والحفاظ عليه بالصورة التي نتداولها، فهذا الجهد يحتاج لأفذاذ ألمعيين، إستطاعوا أن يخلدوه في تعاقب الأجيال، بلغته الأصلية وآياته الباقيات.
و"إن الذي ملأ اللغات محاسنا...جعل الجمال وسره في الضاد"!!
***
د. صادق السامرائي

أفضل وأغنى رواية عن خراب الأمم، تركها لنا مواطن نمساوي اسمه ستيفان تسفايج، ففي لحظة فارقة من تاريخ البشرية يكتب هذا الرجل النحيل مذكراته عن عالم مضى.
ما هو الشعور الذي سيخامرك وأنت تقرأ حكاية صعود القوى الكارهة للحياة، كما يصفها في مذكرته “عالم الأمس”؟ لا أدري.. حاول أن تقرأ. يقول تسفايج: " الكاره للحياة يتوهم أنه وحده الذي يعلم، وعلى الآخرين أن يتعلموا منه" .
لا أحب أن ألقي عليكم دروس الكتاب، لكن لا مفر من مراجعة تجارب الآخرين، وعندما نقرأ كم تكرر الظلم والعنف نشعر بأن العالم كله كان في يوم من الأيام مسرحا للعبث والخراب.
هذا الفشل والخوف من المجهول يراد لنا أن نعيش معه إلى النهاية، فالساسة الذين سبحوا بحمد الأمريكان وقدموا سيوف الذهب إلى رامسفيلد وكانوا لا ينامون قبل أن يطمئنوا إلى أن المستر بول بريمر راض عنهم، وجدناهم قبل سنوات قليلة يطالبون با عدام ترامب في ساحة التحرير، وصفقت لهم الجماهير، لكننا اكتشفنا اليوم ان مذكرة القاء القبض التي صدرت عام 2021 ومن مركز شرطة السعدون، مزورة . كيف ياسادة ونحن قرأنا في ذلك الوقت تصريحا لمجلس القضاء الاعلى يقول فيه إن "القضاء أصدر مذكرة قبض بحق الرئيس الأمريكي السابق" – يقصد ترامب – ؟ وقبل اشهر خرجت علينا لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان لتؤكد ان مذكرة القاء القبض موجودة وبالحفظ والصون .
معظم مسؤولينا مولعين بلقطات الأكشن، وفي كل تصريح نجد ذلك الإصرار في البحث عن لقطة مثيرة يستدرّون من خلالها آهات الإعجاب، وكان آخرها عروض " الشو" المثيرة التي يقدمها هذه الأيام محمود المشهداني الذي طالب – وهو محق – بالغاء الانتخابات وتوزيع مقاعد البرلمان على الاحزاب الرئيسية .
الذين انتظروا الديمقراطية من الأحزاب التي تحكمنا يعانون من سذاجة مثلي، لأنهم يعتقدون أنهم يعيشون في ظل أحزاب تحترم الآخر. اليوم هناك قواعد جديدة وواضحة للعمل السياسي، عبَّر عنها معظم شيوخ وخطباء هذه الأحزاب. في الانتخابات الأخيرة أصدر البعض فتاوى بتحريم انتخاب الشخصيات المدنية لأنها في نظره شخصيات كافرة، وظل الشيخ عامر الكفيشي يردد أن كل القوى المدنية ملحدة، واليوم في الوقت الذي يحاول العراق أن يبتعد عن ساحة الصراع الإيراني الأميركي، بعض السياسيين طرف في السجال بدعوتهم إلى قطع اذن ترامب، وهو أمر يثير الاستغراب بنفس القدر الذى يثير به التعجب! ربما يقول البعض: يا رجل هل أنت سعيد بوجود ترامب ؟.. ياسادة أنا ومعي ملايين العراقيين لم نطالب الأمريكان بانتخاب ترامب ولم نوجه له التهنئة ولم نتسامر مع السفيرة الامريكية .. ومن يريد التأكد عليه ان يصعد في سفينة العم غوغل وسيرى العجب .
***
علي حسين

 

"...إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ....."!!
العرب قبل الإسلام يقرأون ويكتبون، ويعرفون القلم، ولهذا كانت المخاطبة بلغتهم ومفرداتهم التي يفهمونها.
فالقول بأنهم غير ذلك فيه تجني وإنتفاء أدلة وبراهين.
ويبدو أن التصور الجديد قد وضع حواجز بين ما هو قبله، وربما ألغاه، ووصفه بالجاهلية، كما تصف اليوم أنظمة الحكم اللاحقة لسابقاتها، وتعلق عليها إخفاقاتها، فلا بد للجديد أن يتفوق على ما سبقه وتسفيهه.
"فويلٌ للذين يكتبون كتاب الله ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، فويل لهم مما كتبت أيديهم"
العرب كانوا يقرأون ويكتبون، ويعرفون معاني الكلمتين، ولهذا جاءت أول سورة "إقرأ باسم ربك الذي خلق.. الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لا يعلم"
كما ذكر الكتابة"... إذا تداينتم بديْن إلى أجل مسمى قاكتبوه...."
"ن والقلم وما يسسطرون"
فالكتابة والفراءة والقلم، لم تكن غريبة على المجتمع في مكة وسائر مواطن العرب، ولهذا كان الخطاب بتلك المفردات المتعارف عليها.
فصفة الجهل فرية أريد بها إبطال ما كان قائما والتمسك بالعقيدة التي ألغت ما قبلها، أو صوبته ووضعته في صيغ تتوافق ورسالتها.
ما وردنا القليل من فيض إبداع العرب ومعارفهم القديمة، فلم يكونوا متخلفين عن المجتمعات القائمة في زمانهم، بل من المتفوقين عليها، ولهذا حافظوا على وجودهم وسيادتهم وعزتهم وكرامتهم، ومثلوا قوة إقتصادية وروحية مؤثرة في مجتمعات الدنيا آنذاك.
أما الصراعات البينية، فهي نشاطات إقتصادية بحتة شملت كافة مجتمعات ذلك الزمان، وللعرب أصول وضوابط في تفاعلاتهم الحربية مع بعضهم، ولهم تقاليدهم وأعرافهم وقوانينهم الواضحة.
وإنهم لمن العارفين!!
و"عقول الناس مدونة في أطراف أقلامهم"!!
***
د. صادق السامرائي

 

كثيرًا ما يُقال: إن الحياة تبدأ بعد الخمسين، لكن في بعض البيوت، لا تُسمع سوى أصداء "بوق إسرافيل"، حيث تتحول هذه المرحلة إلى إعلان غير رسمي لنهاية الأنوثة والعاطفة والتواصل الزوجي. فجأة، تصبح المرأة أكثر انشغالًا بالتفاصيل الصغيرة، وأكثر ميلًا لافتعال المشاكل، وكأنها تعزف لحن النهاية لحياتها الزوجية والاجتماعية والعاطفية، ووأد لأنوثتها بدواعٍ واهية، لا تعدو أن تكون أوهام.
بعد الخمسين، قد تجد بعض النساء أنفسهن في حالة من التوتر الدائم، حيث يتضخم الشعور بالفراغ بعد خروج الأبناء من المنزل أو انشغالهم بحياتهم، فيتحول الزوج إلى المتنفس الوحيد لتفريغ المشاعر السلبية. تبدأ المشاكل الصغيرة في التفاقم، ويصبح الصمت بين الزوجين أكثر حضورًا من الكلمات، ويتحول البيت إلى مساحة يسودها الجمود العاطفي، وكأن الحياة الزوجية قد انتهت دون تصريح رسمي.
البرود العاطفي… الموت الصامت
إحدى أكبر المشكلات التي تواجه المرأة بعد الخمسين هي البرود العاطفي، سواء من جانبها أو من جانب زوجها. بعد سنوات من الزواج، تضعف المبادرات الرومانسية، ويحل الروتين محل الشغف. قد تهمل المرأة نفسها، لا من باب اللامبالاة، ولكن بسبب شعور داخلي بأن الأنوثة لم تعد أولوية، أو بأن الجمال بات شيئًا ماضيًا لا طائل من السعي وراءه. هنا، لا يكون "بوق إسرافيل" مجرد استعارة، بل حقيقة يعيشها الكثير من الأزواج في صمت.
بعض النساء يتعاملن مع الخمسين وكأنها خط النهاية، فتبدأ مرحلة الاستسلام للاكتئاب واليأس والشعور بعدم الجدوى. لماذا؟ لأن المجتمع، وللأسف، زرع في أذهانهن أن المرأة ينتهي دورُها عندما تتجاوز سن الشباب. لكن الحقيقة أن الحياة لا تتوقف عند عمر معين، بل كل مرحلة تحمل معها جمالًا وفرصًا جديدة، لمن يريد أن يراها.
كسر الدائرة المغلقة
الحل ليس في انتظار المعجزة، بل في اتخاذ قرارات صغيرة تعيد للحياة الزوجية والعائلية معناها. على المرأة بعد الخمسين أن تستعيد اهتمامها بنفسها، ليس فقط من أجل زوجها، بل من أجلها هي أولًا. الرياضة، الأناقة، الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية، وحتى المغامرة بتجربة أشياء جديدة، كلها طرق لإعادة إشعال فتيل الحياة. كما أن الحوار مع الزوج ومحاولة إحياء اللحظات الجميلة التي جمعتهما قد يكون المفتاح لإعادة الدفء الذي فقد مع الزمن. أن تضع وردةً بيضاءَ طرية في صندوق الهدايا وتقدمه لزوجها الحبيب قد يعيدا اللحظات الشبابية ويعودا ليعيشا أجمل لقاء وكأنهم يلتقون لأول مرة.
وختاماً، بوق إسرافيل لا يُنفخ عند الخمسين، بل عند الاستسلام لليأس والمشاكل المفتعلة والبرود العاطفي. المرأة تملك الخيار: إما أن تجعل من هذه المرحلة بداية جديدة لحياة مليئة بالحيوية، أو أن تعلن النهاية بنفسها قبل أوانها.
***
بقلم د. علي الطائي
26-2-2025

الأرض تدور وتعطينا أياما وأعواما وعقودا وقرونا، والأحداث تحصل ولها أسباب ووقائع ونتائج، هذه النتائج تتفاعل مع مفردات الواقع بأبعاده الزمنية والمكانية، لتؤدي إلى أسباب تدفع إلى وقائع ونتائج وهلم جرا.
هكذا هي المسيرة شئنا أم أبينا، دورة بقاء متكاملة بكل حلقاتها الإفنائية والإستيلادية والتدميرية والبناءة.
إنها دورة في حلقة مفرغة، وعلى بقعة كونية نائية تشعر بالخوف والوحشة والرعب في هذا المحيط الكوني الهائل، ولا تدري إلى متى ستستمر في عزلتها، ومتى ستصطدم بجرم سماوي فيقضي عليها، أو وحش كوني هائل يفترسها أو يفتتها، إنها لا تدري حقا.
لكننا ندري أن في الكون دورات إستحالة، فالأكوان تدور في حلقات تفاعلية ثابتة تحقق بقاءً عاليا، ولولا هذه الدورات لحلت النهايات.
إن الحلقات المفرغة جوهر السرمدية وعنوان الأبدية، ولكي تدوم لابد من تكرار التفاعلات الكيميائية وتواصل إفرازها للعناصر اللازمة لتأسيس مركّبات ستؤدي إلى تفاعلات أخرى حتى ينتهي كل شيئ إلى حيث البدايات.
عناصر مفردة تختزن طاقات لتفاعل جديد وصيرورة أخرى، بذات العناصر والذرات والجزيئات، في عملية إستحالة ودورة إبتداء وإنتهاء أبدية.
هكذا نحن ندور مثلما الأرض تدور صانعة الزمن المحسوس، فتحقق فعلها وتأثيرها فينا ودورتها في أعماق وجودنا الذاتي والتأريخي، وبسبب دورانها نمر بمراحل ونخرج منها إلى مراحل أخرى أكثر قوة وتجربة ووعيا وإقتدارا على إنجاب مراحل جديدة.
إن الدوران والحركة الفلكية الزمنية، تمنحان التجدد والصيرورة الأرقى للأشياء، حية أو جامدة كانت.
ولا يمكن التمحور حول مرحلة ماضية داستها العجلات، وأنجبت غيرها وغيرها من مراحل الوعي واليقظة والإدراك والترابط والتفاعل الحار الجديد.
هذا التفاعل يتطلب من الأحياء التعامل معه على أنه حالة كائنة ومعاصرة ومنبثقة من زمن آخر، فيها مفردات سابقة ومركبات متجددة من ذات العناصر والمكونات، التي أنتجت وألفت ما ألفت في لحظة من لحظات الزمن .
إن طبيعة الأشياء الأرضية، تستوجب أن يكون الماضي ماضيا والحاضر ذات يوم ماضيا، وأبعاد الزمن الثلاثة حركات ماضية، لا تتوقف أو تتصنم، لأن الأرض تدور وفي كل دورة هناك جديد، أو قديم يتجدد أو آت يتحقق، أو قل ما شئت، لكن الأشياء لا تبقى على حالها، بل تستحيل إلى حالة أخرى ذات مفردات وعناصر واحدة لاغير.
وهذا القانون المستمد من القانون الكوني الأكبر ينطبق على الموجودات الأرضية، وعلى كل فعل وسلوك بشري وفي أية لحظة قائمة، حيث لا يملك المخلوق القدرة على إيقاف حركة الأرض، ولا يسترجع الماضي مثلما كان، ولا يجوز أن يتعامل مع أية مفردة زمنية من خلال مفردة لاحقة أو سابقة لها، لأن في ذلك إجحاف وتضليل وتشويه وتغيير.
إن الأحداث لا توضع تحت منظار زمني مختلف، لأن ذلك يدفع إلى الزوغان البصري والى إضطراب البصيرة.
فالأحداث يمكن النظر إليها من خلال تلسكوب إدراكي ذو عدسات زمنية، وأنبوب يتناسب طوله ومدى إبتعاد تلك الأحداث عن الزمن الحاضر المتحرك الذي لا يدوم في مكانه.
إن الحركة أساس الحياة، وأصل بقائها وقوة تواصلها، وبدون الحركة يتحقق الموت والإنقراض، لهذا فالمخلوقات لا تمسك بالماضي، لكنها تستطيع تجاوزه، والنظر إليه من خلال تلسكوب زمني وبعدسات ذات أبعاد بؤرية متناسبة مع المسافة ما بين ذلك الوقت المنتهي والوقت الذي في طريقه إلى الانتهاء.
وهكذا فأن المراحل الزمنية، برغم دورانها على نفسها وحركتها في ذات الدائرة المفرغة، لكنها لا تتوقف، بل تتطور وتمضي في مسيرة الميلاد والإنتهاء.
ومن هنا فالبشر لكي يتواصل مع الحركة الزمانية عليه الإنتقال إلى مراحل متناسبة والمرحلة التي يحقق وجوده فيها، فالإمساك بأقدام الماضي حالة متعارضة ومتناقضة مع طبيعة الوجود وقوانين الكون الأرضية.
فلا يحق لمجموعة من البشر في زمن ما أن تعيد قراءة مرحلة ماضية ما، وتستخلص منها ما تراه بعين مرحلتها التي هي فيها وليس بعين تلك المرحلة الماضية.
وهنا يحصل خلل تدميري وإضطراب تفكيري وإستنتاجات عاطفية وإنفعالية، لأن العقل لا يمكنه أن يرى ما حصل قبل ألف عام مثلا، إن لم يكن عبدا مسخرا للعاطفة التي تريد أن تحقق شيئا وتستخدم العقل لغاياتها، وتحاول أن تزجه في ما لا يطيقه ويقدر عليه، فينتهي إلى رؤى خاطئة وخلا صات مؤذية وأحكام لا تصح.
إن قراءة ما مضى يجب أن يأخذ بنظر الإعتبار المسافة ما بين الحالتين، والتي أثرت على العقول والنفوس وحوّلت وجودها إلى غير وجود الآخرين، الذين عاشوا على ذات البقعة قبل ألف عام أو يزيد.
فلا يمكن لأبن اليوم أن يتحدث عن السومريين والبابليين والفراعنة وكأنه يعرفهم كمعرفته لنفسه، ويبدأ بتنظير ما يراه بعين الحاضر، وهو جاهل كل الجهل، لمكونات ومفردات حالة الماضي التي أنجبت تلك الصيرورات الحضارية.
وعندما نقترب أكثر لزمن الحضارات التي تحققت في الألفين سنة الماضية، ليس من الإنصاف أن نراها بعين الحاضر ونتعامل معها بعقل وروح ونفس اليوم، ونتصورها وفقا لمرآتنا الإنفعالية وصوتنا العاطفي، وعقلنا المسخر لتأدية واجبات التبرير والتزوير والخداع والتضليل، والتلفيق والتغيير من أجل تمرير لعبة رؤيتنا وإتجاه نظرتنا.
إن الماضي حالة مضت ولا يمكن إستحضارها إلى الزمن الحاضر وإتخاذ المواقف والإتجاهات على ضوئها.
إن الذي يقرأ الماضي عليه أن يقرأه بعيونه لا بعيون الزمن الحاضر، وأن يرحل إلى الماضي لا أن يستحضره إلى مسرح الحاضر.
هذا الإضطراب يتسبب في كثير من التصورات والإستنتاجات الخادعة المضللة، التي تؤدي إلى الإجحاف والتقصير والتجني، وتحميل الماضي مالا يطيقه وزرقه بالملوثات أو المحسنات وفقا لمنهج الرأي الحاضر والإنفعال الفاعل مما يؤدي للإساءة إلى الماضي.
إن مَن يريد معرفة الحقائق عليه أن يرحل إليها لا أن يدعوها للحضور، لأن ذلك مستحيل أرضي وبشري.
ونحن بشر، وما نجهله أعظم بكثير مما نعلمه.
نحن لا ندري ونتوهم بأننا ندري، وتلك أم المآسي البشرية، وستبقى حالة أبدية الطباع والصيرورات، حتى تقرر الأرض حكمها بما يجري على ظهرها من التعسف والإجحاف والمغالطات والمكابرات!!
و" عش رجبا ترَ عجبا"!!
***
د. صادق السامرائي

من الناحية الفنية الصرفة وبعيداً عن نظريات الفساد والسرقة والتهريب التي يجري تداولها، هنالك حقائق يجب الاشارة اليها لكي ل اتضيع بعض الثوابت والقواعد الاقتصادية في ظل فوضى الاعلام المسيّس والاشاعات والتسقيط وغيرها من الدوافع التي تلغي الموضوعية والمهنية..
الحديث عن فرط عمليات بيع الدولار وكونها تتعارض مع مصلحة الاقتصاد الوطني. تحتاج الى بعض الايضاحات.
- الطلب على الدولار يعني وجود حاجة الى تمويل الاستيرادات السلعية أو الخدمية او لتمويل عمليات السفر الى الخارج للسياحة او العلاج او الدراسة وغيرها..
- الاحتياجات المذكورة اعلاه ترتبط بزيادة الانفاق المحلي بشقيه الحكومي والخاص (الانفاق الخاص يعني الانفاق العائلي وانفاق قطاع الاعمال)..
حيث ان السوق العراقية تعتمد بنسبة كبيرة على السلع المستوردة بسبب ضعف انتاج القطاعات السلعية كالصناعة والزراعة. مما يجعل الاستيراد هو السبيل الوحيد لتلبية احتياجات السوق.
- عندما تتوسع الحكومة في انفاقها لابد لها من ان تتوقع زيادة في الطلب على الدولار لان انفاقها سوف يخلق طلباً اضافياً على العملات الصعبة (الطلب على الدولار هو دالّة او متغير تابع للانفاق المحلي)..
تراكم فائض وطني من العملات الصعبة لدي البنك المركزي ينتج عن فائض في ميزان المدفوعات بسبب زيادة الصادرات السلعية والخدمية على الاستيرادات السلعية والخدمية.
***
د. صلاح حزام

هل خلقنا للحياة أو لفهم الحياة؟.. سؤال مخبول قد يتردد في أروقة الخيال، ويثير تساؤلات.. فمن الذي يفهم الحياة؟

يبدو أن المفكرين هم الذين يحاولون فهم الحياة، لكن فهمهم وإستيعابهم لجوهرها لن يصنعها!!

فالحياة قائمة وتدور بقوانينها وطبائعها، ولا يعنيها مَن يفهمها أو لا يفهمها، وبهذا ربما يكون دور المفكرين متصف بكثير من العجز والتسويغ الترقيدي لمسيرتها.

ومن الذي يصنع الحياة؟

إن الذين خلقوا للحياة هم صناعها ومدبري أمورها، وهؤلاء أصحاب العقائد والطبائع المعبرة عن كنهها وقوانينها وتطللعاتها التفاعلية، المفضية إلى جريان نهر الوجود المحتدم في أوعية إنصبابها المتدفقة في كل مكان، والمحكومة بإرادة الدوران.

ولا بد من التوازن ما بين الفكر والعقيدة، لتتحقق الأمم وتتطور، وتعوم بنشاط فوق مياه المكان والزمان الذي تعاصره، وإلا تموت الحياة بالفكر وحده، وتتدمى بالعقيدة لوحدها، وهذا ما حصل في عدد من المجتمعات التي إنفصل فيها الفكر عن العقيدة، وصار الصراع حاميا وقاسيا، فتدمرت الأفكار والعقائد جميعا، وحل العدوان والإضطراب والسُقام والزؤام.

ترى كيف تتمكن الأفكار من التفاعل مع العقائد بأمان؟

من أهم الإقترابات أن يتحقق الإصغاء المتبادل، والتفاعل بالتي هي أحسن، لكي توضع اللبنات الأساسية للجسور القادرة على إدامة التواصل، وتبادل المنطلقات وتوفيق المعطيات، وما يترتب عليها من دلالات وسلوكيات.

ولكي ينهض أي مجتمع من وجيع ويلاته عليه أن يوقظ مفكريه، ويحيّ عقائد الحياة لبناء وجودٍ حميد.

فهل لنا أن نستقيد؟!!

و"من أُعجب برأيه ضل"!!

***

د. صادق السامرائي

أراد العراقيون بعد عام 2003 ان يعيشوا الحرية التي حلموا بها منذ عقود، لكن السياسيين وجدوا حلولا تلغي فيها احلام المواطن العراقي لتسود احزاب المصالح والمنافع . قرر الساسة الكرام خطف التغيير وتشكيل مؤسسات للحكم، هدفها تقاسم السلطة بين الرؤوس الكبيرة، وظل الهدف واحدا " الحفاظ على المالات " كما صرح كبير ممثلي المسرح السياسي في بلاد الرافدين محمود المشهداني، ومارسوا لعبة تقلب المواقف، فبعد ان ذرف ساستنا الدموع على بشار الاسد خرج علينا رئيس جهاز المخابرات العراقي، حميد الشطري ليقول إن: " الأسد كان يزج بمئات الانتحاريين والمقاتلين المتطرفين إلى العراق " .كيف يا رجل؟ والسيد نوري المالكي أخبرنا ذات يوم انه سيأخذ الجيش ويدافع عن بشار الأسد؟ .
ولانني لا اريد ان ادخل القارئ العزيز في لعبة التصريحات المتناقضة التي اشتهر بها ساستنا ومسؤولونا، فاسمحوا لي ان اتحدث عن ذكرى رجل يرافقنا كل يوم، ونحن ننشغل بشاشة الهاتف المحمول، انه ستيف جوبز الذي تصادف اليوم ذكرى ميلاده السبعين – ولد عام 1955 - وكنت قبل مدة استمتعت بقضاء وقت مع كتاب " آبل من الداخل " وفيه يروي مؤلفه " آدم لاشينسكي " كيف استطاع هذا الرجل الذي كان يعاني مرضاً فتاكاً من ان يؤسس اكبر شركة عملاقة في العالم ونقرأ كلماته وكأنها وصايا للاجيال: "عندما أقف كل صباح أمام المرآة أسأل نفسي، لو كان هذا آخر يوم لي في الحياة هل سأفعل ما أنوي القيام به اليوم؟ وإن كان الجواب لا، لعدة أيام متتالية.. سأعرف أنه يتوجب عليّ تغيير شيء ما"، ترك لنا المرحوم جوبز جهازا مسطحا خفيفا نستطيع أن نرى فيه العالم بكل جهاته ونسمع أخبار ابطال الفضائيات، وكان آخرهم وأعجبهم حديث السيد المالكي الذي قال فيه انه تنبأ بسقوط نظام بشار الاسد منذ مدة، كيف " يامولانا " وجهاز " الآيفون " الذي اخترعه " الامبريالي " ستيف جوبز يدلنا على حوار تلفزيوني قديم مع جنابكم الكريم تحذرنا فيه من المساس بنظام بشار الاسد وتقول ساحمل بندقيتي وادافع عنه؟.
للاسف لا تزال الامبريالية العالمية تترصدنا، والا ما معنى ان يُصر جهاز الآيفون ان يعرض علينا صباح كل يوم على شاشته الصغيرة تصريحات سياسية مليئة باطنان من الكوميديا والتناقض لابطال الكرسي الذين صبغوا حياتنا بالخطابات المتلونة.
يشبه ما جرى للمرحوم ستيف جوبز، ما يجري في قصة علاء الدين والمصباح السحري، ففي لحظة ما فرك هذ الرجل مصباح الاصرار ليقدم لنا درسا في المثابرة، لا مكان فيه لجمل وشعارات عن عملاء الإمبريالية الذين تسببوا في حرمان ابراهيم الجعفري من جائزة نوبل للاداب والرجل اصدر اكثر من 200 كتاب .
***
علي حسين

إن صفات الإنسان الأول العاقل المتعلم المتميز عن باقي الخلق ومن البشر والتي جُبل عليها والتي أودعها الله تعالى فيه وهي صفات فطرية تكاد توازي بها الملائكة تقريبا في صفاتهم (ونفس وما سواها)، (فألهمها فجورها وتقواها) الشمس 7-8 منها الحق والعدل والأمانة والتفكير السليم والعبادة و الطاعة الخالصة لله تعالى خالقه ومصوره ومعلمه الأول لهذا أستحق مكانه الطبيعي الذي أسكن الله الإنسان الصافي النقي في سريرته وتفكيره بالتخطيط الإلهي أن تكون الجنة الأرضية هي المأوى المكاني والزمني المؤقت على هذه الأرض إلى يوم الدين لكن مع الأسف لم يستطيع  أبونا آدم أن يتحمل مسئولية الامتحان الرباني والفرصة التي مُنحت له والميزة التي وفرها الله تعالى له في البقاء في الجنة حيث فشل في أول اختبار ألهي وهو العصيان ومخالفة أمر الله والتمرد عل فطرته التي خصها الله له لذا أستحق هذا الإنسان العاصي أن يخسر أول مكسب دنوي وهي الجنة وألحقها تباعا بهذا الخسران أبنائه وحفدته وذريته وأستمر بنوه على العصيان والإصرار عليه وفقدان صفات فطرتهم السليمة واحدة تلو الأخرى بعدما ترافقت وتوافقت أهوائه أهواء الشيطان بعهد أخذه على نفسه أمام الله تعالى للسعي في إغواء هذا الكائن الجديد المُفضل عليه وكان من المنظرين إلى يوم الدين وقد أستطاع من خلال ضعف عزيمة الإنسان وأبنائه في التأثير على الإنسان في السير على ما يريده منهم وإطاعة أوامره وإملاء العصيان عليهم بالهمز واللمز والوسوسة والتزيين وتزييف الحقائق بمساعدة ذريته وأعوانه من جنة الناس والجنة من الشياطين وتحولت فطرت الإنسان وصفاته السليمة النقية غلى صفات مغايرة لطبيعتها الربانية مغايرة للمشروع الإلهي لأعمار الأرض وعبادة الله تعالى وفق شريعة منهاج رُسم له حيث انحرفت هذه الصفات الفطرية عن مواصفاتها إلى مواصفات ضارة لبني الإنسان وللبشرية وخرجت  عن نطاق السيطرة لقوة الصفات الشيطانية وأساليبها المحكمة أمام ضعف الكائن البشري ومن هذه الصفات الكذب والزور والسُحت وأكل المال الحرام والباطل والظلم والجور وعبادة الشيطان والإنسان وأعوانه وارتكاب المعاصي والقتل والسعي في الفساد وإفساد الأرض وكل هذه الصفات التي فرضها بعمله وعقله وكل الأفكار التي تبناها في بناء مجتمعه وبهذه الصفات الخاطئة المكتسبة صعبت وعقدت العيش في مجتمعه وخسارته لدنياه وآخرته وإذا لم يتدارك وضعه الحالي والمستقبل والرجوع إلى الله تعالى وإلى فطرته السليمة والعودة إلى شريعته وسننها التي نظمت له حياته والمصالحة مع الله تعالى لنيل رضاه في سبيل العيش في جنته التي كتبها له في آخرته وبناء مجتمع سليم الصفات خالي من شوائب الدنيا التي لوثها الشيطان وأعوانه بمشاريع منحرفة  وبعهد من الله في إغواء هذا الكائن الجديد المنافس له والمكرم عليه عن طريق التمسك بالدين النقي الصحيح والعقائد التي تبنتها الشرائع السماوية والرجوع إلى منبعه الرباني والسير على الصراط المستقيم الذي رسمه الله له بعدما أتبع الشيطان خطوة بخطوة بل تفوق عليه بأشواط قطعها في التخلي عن الفطرة السليمة والمبادئ السامية التي زرعها الله تعالى فيه (فطرة الله التي فطر الناس عليها) ليعيد نفسه إلى الحياة الطبيعية والعمل بسنن الله ومنهجه وتعاليمه قبل فوات الأوان والندم والخسران يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم صافي نقي خالي من الذنوب والدنس والكبائر والرجوع إلى التفكر والتدبر والتفكير السليم العقلاني بحرية عقلية مطلقة بعيدا عن أتباع الشيطان وذريته بعدما خان العهد والأمانة التي أرادها الله تعالى  منه في خلافة الأرض وأعمارها.

***

ضياء محسن الاسدي

 

"وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم

وما هو عنها بالحديث المرجّم"

التفاعل بالعضلات ما عاد يصلح في القرن الحادي والعشرين، وكذلك تبادل الخطابات، لأننا نعيش في عصر الثورات التكنولوجية المتسارعة بمعطياتها المذهلة، وبعض المجتمعات لا تزال متمسكة بالغابرات المادية والمعنوية، وتدس رؤوسها في رمال الماضيات، ولا تريد أن تواجه حاضرها وتتطلع لمستقبلها.

الحروب لا تنفع دولا متأخرة تكنولوجيا، وقاصرة دفاعيا، ومنشغلة بتعاطي التفاعلات التصارعية البينية المؤدية إلى مزيد من التداعيات والنكبات، وهي ترفع رايات أوهامها وتصرّح بشعارات هذياناتها، وتتصور أن الماضي يقودها والحاضر عدوها، والمستقبل يدمرها.

و"الحرب هي أن تلتهم الأرض لحوم البشر"، وما أبخس بشرنا، وما أسخانا وأقوانا عزما وتوثبا نحو حياض الموت السريع، ونحسب ذلك من معاني إنتصاراتنا الشماء، ونرى أن العالم يحسب لأخلاقنا وقيمنا أي إعتبار، ونحن نترنح في سوح الغاب.

الثقافة الموتية شائعة، والروح الإذعانية متواجدة، فالنصر معناه أن يموت المزيد من الأبرياء، وليفترس الأقوياء ما يفترسونه، ولتتناثر أشلاء الناس وتتهدم بيوتهم على رؤوسهم، لتتحول إلى مقابر جماعية لساكنيها، فهذا هو النصر المبين في عرفنا المستكين.

في مسيرتنا نبدو وكأننا الحمل الوديع المستسلم للمفترس المكشر عن أنيابه، والمتأهب بمخالبه للفتك والإلتهام.

والحرب تستعر في قلوب الناس وأفكارهم قبل أي فعل، ويكون الكلام فيها القادح اللازم لإستعارها.

"فإن النار بالعودين تذكى...وإن الحرب مبدؤها الكلام"، والحقيقة أن الحرب أوقدها الإستلاب.

الأقوياء يزدادون قوة وإقتدارا، والضعفاء يتدحرجون إلى ما وراء العصور، وكأنهم يأنسون بالتفاعل مع الحجر، ويمعنون في الإنطمار بالحفر، لأن المواجهة والتحدي ينابيع خطر.

فهل وجدتم أفظع من الغفلة وتعطيل العقول وقصر النظر؟!!

و"عصب الحرب المال"، وما أثرانا وأفقرنا، فمالنا منهوب، وجمعنا مغلوب، ولساننا معطوب، فتواردت الكروب، وأضحت الحقوق ذنوب، فمتى إلى رشدنا نثوب؟!!

***      

د. صادق السامرائي

حالة نفسية وسلوكية ناجمة عن تعرض الشخص لمواقف سلبية متكررة دون إمتلاك القدرة على التحكم بها، مما يتسبب بإعتقاده بأن محاولاته بلا جدوى فيخنع ويستكين.
وتكونه التجارب السلبية المتكررة، والبيئة القمعية، والنقد المستمر، وعدم وجود دعم، وتؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس الحوافز للمحاولة والتعلم، والقلق والكآبة، والإستسلام السريع أمام التحديات.
ولابد من التغلب عليه بإعادة بناء الثقة بالنفس والقدرة على التأقلم، ومعرفة آليات حل المشكلات، وإشاعة الأمل والتفاؤل.
دول الأمة ومنذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، في دوامات العجز المُتعلم وتطبَّق على مجتمعاتها نظرياته وأخواتها، القاضية يتعطيل العقول وتقنيط الأجيال، ودفنها في خنادق الخيبات والنكسات والإنكسارات والنكبات، حتى إنطمرت في تراب عجزها وكسلها وإمعانها بالتبعية والتوكل على غيرها لتأمين حاجاتها، فصارت تستورد طعامها وتئن من عدد أبنائها، وفقدت قدرات تفعيل عقولها والإستثمار في ثرواتها البشرية.
ويلعب الإعلام العالمي والمحلي الدور الأكبر في تأمين السلوك المؤدي للتحول إلى ضحية سهلة، ووجود روباتي الملامح، فيكون أبناء المجتمع أدوات نافعة لتحقيق الأهداف القاضية بإفتراسهم ومصادرة حقوقهم وهم في غاية الشكر والإمتنان.
أي أن عناصر الهدف تكون قوة ضده ولا يحتاج المستهدف لبذل جهد وخسائر، لأنه قد إصطاد الهدف بعناصره، وقيّده بما عنده من القوة والإقتدار، أي أن الهدف يطعن نفسه، وهذا سلوك إنتحاري تؤهَّل له المجتمعات لتقضي على نفسها وتبيد.
ومن الأمثلة أن بعض دول الأمة إعتمدت على ما تمنحها الأرض من ريع، فتعطلت قواها وفقدت الكثير من المهارات التي تواصلت بها الأجيال، وأصبحت تستورد كل شيئ ولا تستطيع توفير المواد الغذائية الأساسية لمواطنيها.
وهذا العجز الجمعي تسبب بتداعيات متراكمة وإتكالية مروعة، لا تجدها في مجتمعات دول الدنيا الأخرى.
فكيف بالنعمة تتحول إلى نقمة، وللطاقات أن تخمد وتتبدد؟!!
"وشر العالمين ذوو خمولٍ... إذا فاخرتهم ذكروا الجدودا"!!
***
د. صادق السامرائي

من المؤلم أن تستمع لمذيع يتعثر نحويا، أو خطيب يرفع المنصوب ويجر المرفوع، ويتوهم بأنه يتكلم صحيحا، فماذا جرى لواقعنا، كيف يُسمَح لأمثاله بالتصدر وتدمير اللغة.

والأنكى من ذلك، أن معظم قادة الأمة المعاصرين لا يجيدون الكلام السليم، بينما مسيرة الأمة تهتم بالكلمة وبرز فيها الخطباء المفوهون الذين يحاسَبون بشدة عن أي زلة نحوية.

كأن الأمة تستهين بلغتها، ورموزها لا يعيرون إهتماما لما ينطقونه، ويحسبون أفواههم تعطي ذهبا.

فزعت من أحدهم وهو يخاطب الجماهير بلغة خالية من أبسط الضوابط النحوية، والناس تصغي، ولا من أحد يواجهه ويشير إلى جرائمه بحق اللغة أو يبعده عن المنصة.

وتجد في مواقع التواصل العديد من المنشورات المتقصدة في نيلها من لغة الضاد، وتُقدَّم بأساليب الإهانة والتكرارية، التي تسعى لإقناع العرب بأنهم أضاعوا لغتهم وعليهم أن يتركوها، وهي لغة حضارية سامية ذات قدرات متطورة ومطواعة ومستوعبة لما في الكون من جديد.

المهتمون باللغة العربية من الأكادميين والمجامع اللغوية والكليات، عليهم أن يؤسسوا لمراصد ذات نشاطات جادة للتصدي للهجمة الشرسة على لغة الضاد، وأن لا يستكينوا، ويتعللوا بأنها لغة محفوظة بسلطان فهي لغة القرآن.

المراصد اللغوية من ضرورات حماية اللغة العربية من أعدائها، وأن لا تخاف من أحد، وتبدأ بالقادة والرموز في كافة ميادين الحياة، وتنبهم وتنتقدهم وتصوب أخطاءهم.

اللغة العربية أمانة في أعناق الأجيال، فليصونوا الأمانة، ويعبروا عنها بإخلاص وحرص حضاري وإيماني عميق.

اللغة العربية هوية الأمة، ومَن يريد قتل الأمة يصيبها بلغتها، فكونوا غيارى على لغة الضاد، يا أبناء يعرب الميامين.

"إن الذي ملأ اللغات محاسنا...جعل الجمال وسره في الضاد"!!

***

د. صادق السامرائي

العراقُ، البلدُ الذي يطفو على بحرٍ من الحضاراتِ والمعرفةِ، يحتلُّ اليومَ موقعًا متقدمًا عالميًا في عددِ منابرِ الوعظِ الدينيِّ. ومع ذلك، يواجهُ العراقيُّ أسئلةً مصيريةً حول واقعِهِ وتقدمِهِ، بل ويعاني من حالةٍ فكريةٍ قد توصفُ بالركودِ أو حتى "الكساحِ العقليِّ". فهل يمكنُ أن يكونَ هذا الكمُّ الهائلُ من الخطابِ الوعظيِّ قد تحوَّلَ من عنصرِ نهضةٍ إلى عاملِ شللٍ فكريٍّ؟

التناقض بين الوعظ والواقع

يفترضُ أن تكونَ كثرةُ المنابرِ الدينيةِ دليلًا على زيادةِ الوعيِ الأخلاقيِّ والاجتماعيِّ، ولكنَّ الواقعَ يشيرُ إلى عكسِ ذلك. فالعراقُ يعاني من أزماتٍ سياسيةٍ، فسادٍ متفشٍ، انهيارٍ في البنيةِ التحتيةِ، وضعفٍ في التعليمِ، فضلًا عن فقدانِ بوصلةِ التفكيرِ النقديِّ. وهنا يكمنُ السؤالُ الجوهريُّ: إذا كان هناك هذا الكمُّ الهائلُ من الوعظِ، فلماذا لم ينعكسْ إيجابًا على الواقعِ العراقيِّ؟

 الكساحُ العقليُّ: ظاهرةٌ أم صناعةٌ؟

الكساحُ، طبيًّا، هو مرضٌ ناتجٌ عن نقصِ فيتاميناتٍ ضروريةٍ لنموِّ العظامِ. وبالمقابلِ، فإنَّ الكساحَ العقليَّ هو نقصٌ في "الفيتاميناتِ الفكريةِ" التي تغذِّي العقلَ: التساؤلِ، النقدِ، البحثِ، والتجديدِ. في العراقِ، يواجهُ الفردُ طوفانًا من الخطابِ الوعظيِّ الذي لا يركزُ على التنميةِ البشريةِ بقدْرِ ما يرسِّخُ مفاهيمَ الطاعةِ المطلقةِ، الخضوعِ، وتقبُّلِ الواقعِ كما هو، مما يخلقُ عقليةً تستهلكُ الأفكارَ بدلَ أن تنتجَها.

هذا النمطُ من التفكيرِ لم يأتِ صدفةً، بل هو نتاجُ عواملَ متراكمةٍ:

التعليمُ التلقينيُّ الذي يقتلُ روحَ التساؤلِ.

الخطابُ الدينيُّ الموجَّهُ الذي يركزُ على الشعائرِ دونَ القيمِ الفكريةِ العميقةِ.

السياسةُ الطائفيةُ التي تستثمرُ في تغييبِ الوعيِ.

الإعلامُ المنحازُ الذي يكرِّسُ ثقافةَ التبعيةِ بدلَ الاستقلالِ الفكريِّ.

هل من مخرجٍ؟

العقلُ العراقيُّ ليسَ عاجزًا بطبيعتِهِ، لكنه يعاني من بيئةٍ فكريةٍ غيرِ صحيةٍ. وكما يحتاجُ الجسدُ المصابُ بالكساحِ إلى علاجٍ، فإنَّ علاجَ العقلِ يبدأ بإعادةِ الاعتبارِ للمعرفةِ النقديةِ، وإحياءِ الثقافةِ القائمةِ على التساؤلِ بدلاً من التلقينِ، وتحويلِ المنابرِ من أدواتِ وعظٍ إلى مناراتِ تفكيرٍ حرٍّ.

ربما يكونُ العراقُ الأغنى بمنابرِهِ، لكنه يحتاجُ إلى منبرٍ واحدٍ فقط، يقولُ للعراقيِّ: فكِّرْ، لا تتبعْ، بل ابحثْ، لا تردِّدْ، بل ناقشْ. حينها فقط، سينتعشُ العقلُ العراقيُّ، ويفردُ جناحيهِ من جديدٍ.

***

بقلم: د. علي الطائي

22-2-2025

معظم احزابنا لديهم حساسية من القوى المدنية، إلى درجة أن أحدهم خرج علينا يومًا ليقول، بالحرف الواحد، "لقد سحقنا التيار العلماني وسيظل تابعًا للتيار الديني إلى أمد بعيد"، وكان صاحب هذه المقولة يشغل أعلى منصب في السلطة التشريعية وأعني به رئيس مجلس النواب محمود المشهداني الذي استيقظ ذات يوم ليعلن إقامة ولايته "القندهارية".

وظل قياديون ومسؤولون يسخرون من مصطلحات، مثل دولة المواطنة، والقوى المدنية، والحريات، باعتبارها تمثل فكرًا انهزاميًا، ولا تزال كلمات السيد نوري المالكي التي قال فيها إن حزبه استطاع أن يدحر الملحدين والعلمانيين وسنهزم الحداثويين وننتصر عليهم، ماثلة في الذاكرة.

صار الحديث عن "العلمانية" نغمة يستخدمها البعض ليثبت أنه يفهم في السياسة، فتجدهم وهم يشاركون في دراما السلطة ومنافعها يصوبون مدافعهم باتجاه الحياة المدنية في العراق. للأسف يُدخلنا بعض الساسة كل يوم في أتون حرب جديدة المفاجأة فيها، أن العدو لم يكن تنظيم القاعدة، وإنما "العلمانيون الذين يتجرّأون على إقامة فعاليات ثقافية وفنية".

يكتب نصر حامد أبو زيد في نقده للخطاب الديني السائد، عن الخلط الستراتيجي المعتمد في المفاهيم، حيث يحاول المحافظون والإسلامويون تضليل البسطاء بأن العلمانية تعني فصل العقيدة عن الحياة والمجتمع، وبذلك يصورون للرأي العام المتأثر بالخطاب الديني السائد أن العلمانية، مطابقة للإلحاد، ويطرح أبو زيد مفهومًا للعلمانية ليس ضد الدين، وإنما ضد هيمنة الدين على كل المجالات، والمقصود هنا بالتحديد تقليص السلطة السياسية لرجال الدين. فنحن لا نطالب بعلمنة قانون الدولة ولا نريد إبعاد الدين عن الحياة العامة، ولكننا نريد تحرير الخطاب الديني من قبضة المؤسسات والآيديولوجيات السياسية، وبذلك يؤسس لخطاب حر بعيد عن الاستغلال.

اليوم نسمع خطبًا لسياسيين ومسؤولين تهيئ الناس لحرب ضد الرذيلة وانعدام الأخلاق، وكأن العراق تحول إلى ملهى وماخور ليلي كبير، فقررت العناية الإلهية أن ترسل لنا دعاة الفضيلة وحماة الأخلاق ليملأوا الأرض عدلًا وفضيلة بعد أن ملأناها نحن الخطاة جورًا وبهتانًا.

احزاب وساسة لا يدرك الكثير منهم ان المواطن العادي لا تشغله البيانات السياسية، ولا يشغله أن يقرر مدير شرطة منع المكياج النسائي . لا يشغله هل إن إنتاجنا النفطي 4 ملايين أو 3 ملايين برميل، هذا المواطن يريد حدًا أدنى من الحياة الكريمة، وظيفة ومسكنًا ومأكلًا وأملًا في الغد.

أقرأ بتعجب ما يصرح به العديد من ساستنا وأنظر إلى وجوه البعض منهم فأجدها باهتة تفتقد الرؤية والقدرة على إلهام مجتمعهم، ساسة نشعر بالحسرة كل يوم على وجودهم بيننا، ونرفع أيدينا إلى الله داعين: اللهم ارزقنا سياسيين لا نختلف معهم على درجة تقواهم وإيمانهم، بل على درجة تمسكهم بخدمة الناس واحترام القانون وحماية أموال الشعب!

***

علي حسين

 

الإبداع: إنشاء على غير مِثال

حسب نظرية تدرج الحاجات في هرم "إبراهام ماسلو" (1908 - 1970)، الإبداع يأتي في المراتب العليا أي تحقيق الذات، بعد إرضاء الحاجات الأساسية.

وفي بعض المجتمعات العاجزة عن تلبية الحاجات البايولوجية والأمان، تجد نخبها منشغلة بالإبداع بأنواعه، وفي ذات الوقت تتشكى من فقدان دور ما تكتبه في المجتمع.

فهل وجدتم جائعا يقرأ؟

هل وجدتم خائفا مذعورا يهتم بشعر؟

لا بد من الموضوعية وفهم ما يعتمل في أعماق المواطنين، فهل يصح في الأفهام القول بأن الشعب لا يقرأ، وأنه جاهل، ونجتهد في التوصيفات المجحفة، ونحسب أننا نقوم بعمل جاد؟

المجتمع ربما لا يحتاج للشعر والقصة والرواية، إنه بحاجة للماء والكهرباء والرعاية الصحية والمدرسة المعاصرة والبناء والإعمار وتأمين حقوقه والإعتراف بقيمته.

الصين بعد المجاعة التي ضربتها (1959 - 1961)، أدركت أن الجائع لا يصنع، فاهتمت بالأمن الغذائي، فشبعت الأجيال وأمنت فأبدعت.

"....وهذا البلد الأمين الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" 

فإرضاء الحاجات الأساسية لها الأولوية، وبعدها سيبحث الإنسان عما يحقق ذاته .

 المبدعون في خيالاتهم يسبحون، فلا قيمة لما ينتجون، وكأنهم لأنفسهم يسطرون، فالإبداع كأنه تأكيد لما هو قائم، وتعبير عن " ليس في الإمكان خير مما كان"!!

و" الدنيا وين والأقلام وين"!!

فهل "وافق شن طبقه"؟!!

***

د. صادق السامرائي

تتصاعد الاحاديث عن مأزق مالي تواجهه الحكومة العراقية حيث انها سوف لن تتمكن من دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين!!. السبب كما يقال هو بيع الدولار بقوة من قبل البنك المركزي (ورد ذلك في اكثر من فيديو كان آخرها للسيد عدنان الطائي والذي نسب تلك المعلومة الى السيدة وزيرة المالية)..

ذلك أمر محيّر حقاً لأن بيع مزيد من الدولارات معناه تدفق مزيد من الدنانير الى وزارة المالية لأن مبيعات الدولار تذهب عوائدها الى مالك الدولارات والذي هو وزارة المالية والبنك المركزي هو وسيط فقط..

والحكومة لا تدفع الرواتب بالدولار بل بالدينار ..

اما اذا كانت عوائد تلك المبيعات لا تكفي لتغطية النفقات الحكومية فهذا يعود الى فرط الانفاق الحكومي..

وربما تواجه الحكومة صعوبة في الاقتراض من البنوك لتمويل العجز بسبب عزوف الناس عن إيداع اموالهم لدى المصارف وبالتالي عدم امتلاك البنوك ما يكفي من الودائع الجاهزة للاقراض.

وهذا لاعلاقة له ببيع الدولار (وهذا من الناحية الفنية فقط ولا يعني اني ادعم سياسة البنك المركزي وطريقته في بيع الدولار)..

بدل القاء اللوم على بيع الدولار يفترض الحديث عن الايرادات غير النفطية الضخمة التي ينبغي ان تذهب الى الموازنة لتغطية

عجزها.

كذلك ينبغي الحديث عن خفض وضبط الانفاق الحكومي ومكافحة الفساد.

هل هو جهل عام مستشري ام انها مغالطات مقصودة لصرف الانظار عن الاسباب الحقيقية!!.

***

د. صلاح حزام

الذكاء الإصطناعي يهدف إلى تطوير أنظمة وبرامج قادرة على محاكاة الذكاء البشري كالتفكير والتعلم وحل المشاكل وإتخاذ القرارات.

والتفاعل بين الآلات من أخطر التحديات التي ستواجه الأجيال القادمة، لأنها ستصل إلى مستويات ذكاء بعجز البشر عن الإرتقاء إليها.

فعقول المخلوقات محدودة ومرهونة بالنفس ومآلاتها، وبغيرها من الظروف الذاتية والموضوعية، أما عقول الآلات المتفاعلة فمطلقة، مما يعني أنها ستتفوق على قدرات العقول البشرية، وستستحضر أفكارا ومعطيات من العسير التوافق معها وإستيعابها، أي أن الآلة ستقودنا وتقرر مصيرنا.

الذكاء الإصطناعي مخلوق مادي والأحياء مخلوقات بايولوجية!!

فهل أننا نقاتل عقولنا بعقولنا؟

وهل أن أقواما قبلنا قتلوا عقولهم في هذه المعمورة الأزلية؟

من الصعب الإجابة، لكن العقود القادمات ستكشف الغطاء، وستتعرى الكثير من المفاهيم والتصورات، وسنندهش بأننا كنا نعيش في صناديق أوهام.

فالعقل يصنع آلة تنافسه وتنتصر عليه، وتحيله إلى موجود ضعيف، وكينونة خالية من القدرات الفائقة، والتطلعات الأصيلة، لأن الآلة ستسبقه بأشواط ربما تقدر بعدة قرون.

تطبيقات الذكاء الإصطناعي المعاصرة مذهلة، والآتيات من البرامج ستجعلنا نقف واجمين أمام قدرات الآلة على إبتكار ما لا تطيقه عقولنا.

الذكاء الإصطناعي يتفوق على قدراتنا الحالية ويجعلنا نشعر بالضعف، مقارنة بما يستحضره من معلومات فورية طازجة، وحسبنا أن نتكيف مع هذا الضخ المعرفي الفياض.

ويبدو أن الإنتاجية الفردية بأنواعها قد تضاعفت وتيسرت عما كانت عليه في سابق العقود، مما يعني بأن الثراء المعرفي والإبتكاري سيتواصل بوتيرة متسارعة ومتواكبة مع تيار الفيض المعلوماتي الهادر.

فهل لنا الدخول في دنيا العقول الجديدة، ونشارك في التفاعل مع مستجدات التكنولوجيا المتراكمة بقوتنا الشبابية الطالعة نحو آفاق فجر أثيل؟

و"العلم رأس مالٍ لا يفنى"!!

"وكل عزٍّ لم يؤيَّد بعلمٍ فإلى ذلٍ يصير"!!

***

د. صادق السامرائي

 

كان شاعر سوريا الكبير بدوي الجبل يشرح لجلاسه مفهومه للوطن فيقول: إنه مبني على ثلاث قواعد هي: الحرية والملكية والكرامة، فإذا كنت أعيش في وطن قضى فيه رئيسه على حريتي وداس على كرامتي وسلب ملكيتي، فماذا يستطيع العدو أن يأخذ مني وأنا لا أملك شيئاً؟ ". اتابع مثل غيري من المهتمين بالشأن السياسي ما جرى وما يجري من احداث واتذكر ان هذه البلاد بتاريخها الممتد قرونا وقرونا ستظل حتما مثلما وصفها عالم الجغرافيا الادريسي قبل ما يقارب الألف عام:" أكثر مدن الله بهجة في العالم بأسره".

وأنا اتابع الاحداث في سوريا اتذكر فصيلة من المفكرين والكتاب السوريين الذين اغنوا حياتنا، واشاروا بصدق الى ضرورة الحرية والعيش بكرامة وكان منهم الياس مرقص، ادونيس وجورج طرابيشي، ياسين الحافظ وزكريا تامر، حنا مينه وغادة السمان، والمفكر صادق جلال العظم الذي أثّر بجيل كامل من المثقفين، في نقده الجريء للمؤسسة الدينية، فالكاتب الذي تخصص بالفلسفة، وعشق الادب هو نفسه صاحب أهم كتاب عن النقد الذاتي لهزائم العرب، حاول من خلاله تفنيد خطاب الأنظمة العربية، التي تحولت من جمهوريات مستقلة الى طوائف وقبائل وعشائر.

كان في التاسعة من عمره حين سمع مدرس الدين يحذرهم من عذاب الجحيم، عجزهُ عن استيعاب حجم العذاب الذي سيتلقاه بعد ان يموت زاد من حيرته.

نشأ في عائلة تدافع عن التنوير والعلمانية، كان والده جلال العظم أحد العلمانيين السوريين الداعين الى دولة مدنيّة، ولأن المعرفة والبحث والجدل دائما ما تؤدي بأصحابها إما الى السجن او المنفى، فقد اختار العظم ان يعيش في بيروت التي فتحت أمامه أبواب النشر ليقدم خلال سنوات قليلة عشرات الكتب توزعت بين نقد الفكر الديني الذي ظلت صورته راسخة من خلال مدرس الدين الذي يدعو إلى استبدال الدنيا بدار الآخرة، والأقرب الى عقله الفكر الماركسي الذي خصص له القسم الاكبر من اهتمامه، وسعى الى تطبيق منهجه على الدراسات النقدية من خلال عدد من الدراسات. في تلك المرحلة المضيئة كان صادق جلال العظم ينام حالماً بعالم العدالة الاجتماعية، لكنه يفيق على صوت المشاحنات السياسية ومعارك الرفاق.

نقرأ سيرة صادق جلال العظم ونتمنى ان لا يغيب الصوت المدني عن دمشق، وان لا يستقوي المسؤولون الجدد بالطائفة بدلا من الوطن وان ينحازوا للدولة العلمانية التي قرأنا عنها في كتب صادق العظم، وان لا تتحول صفة العلماني الى تهمة تؤدي بصاحبها الى الرجم.

نتذكر صادق جلال العظم لان كلماته باقية، ونتذكره ونحن نتطلع ان تبني بلدان العرب على ثلاثية بدوي الجبل الحرية والملكية والكرامة.

***

علي حسين

 

الأمة تكون، وتتكون في بودقة التداعيات والتفاعلات القاسية التي تتحقق في كيانها، وما فيها يتخلّق ويتأكد حيا جديدا معاصرا، منطلقا نحو آفاق وجودٍ إنساني مَجيد.

الأمة حية، والحي يتوالد ويكون.

مَن يهون فلنفسه، ومَن لا يرى أمته بعيونها، فلن يضيرها عماؤه وإنحراف نظرته.

الأمة تمد أجنحتها على آفاق الوجود الإنساني، وتخفق لتحركها نحو مسارات ذات إشراقات حضارية برّاقة.

الأمة ليست خيالا أو وهما أو تصورا سرابيا، الأمة واقع حال إنساني معاصر منذ الأزل، ومتفاعلة مع منطلقات الأبد والسرمد.

الأمة كائنة وقادرة وفاعلة ومتجسدة بالتعبير الأصدق عن قدرها الأسمى والأنبل، الذي لا تستطيعه أمة سواها حملت جوهر أسرار الكنه الكوني الأكبر.

الأمة لا تهون إذا هان بعض أبنائها أو دولها أو حكامها، بل ستهينهم وتدوسهم يسنابك الذل وترميهم إلى هاوية هوانهم المقيت.

الأمة تعرف كيف تدافع عن نفسها، وبأي الوسائل تواجه الذين يريدون بها السوء.

والذين يجهلون أمة العرب عليهم أن لا يتحدثوا بلغة العرب، وأن لا يهذربوا بمفردات اليأس والهوان والهرب، لأنهم دون هذه الأمة وليسوا على صلة بها، ولا يدركون عظيم ما فيها من المكنون!!

أمة العرب ذات أرب!!

و"تفاءلوا بالخير تجدوه"!!

***

د. صادق السامرائي

25\10\2020

 

كان إبراهيم عرب أشهر "منكّت" عراقي، قبل أن يتخذ بعض الساسة تلك المهنة والامتياز، وبسبب طرافته وطيبته كان رواد المقهى التي يملكها يتعاطفون مع رواياته، التي لم يكن يدّعي فيها البطولة والشجاعة، لكنه كان يتحدث عن قدرته على إيجاد الحلول لكل شيء، في السياسة والاقتصاد والامن، ويقدمها لكبار القوم مجانا، إضافة الى أحاديث عن مغامراته في السفر والمغامرات التي تفوق حدود المبالغة والخيال، ولم تكن شخصية إبراهيم عرب خيالية، بل هي مجموعة ملامح للبغدادي، الذي كان يعتمر الجرّاوية ويلبس الصاية، ويحمل مسبحة يحركها بين أصابعه، كان يُضحك الناس، كلما سمع حكاية تجري أحداثها في الهند أو السند أو بلاد الواق واق، يعرّقها وينسبها إلى نفسه.

وفي حالة الفشل التي عمّت العراق في العقود الاخيرة، اختفت شخصية إبراهيم عرب، وتُركت النكتة يتداولها صناع الطرفة في السياسة العراقية من عينة ابراهيم الجعفري ومحمود المشهداني، وحلّت خطابات النزاهة والاصلاح محلّ مبالغات إبراهيم عرب.

في صبيحة كل يوم مطلوب منك أيها العراقي "المسكين" أن تضحك على حالك، وأنت تستمع لعدد من سياسيينا ومسؤولينا، وهم يتحدثون عن النزاهة والعدالة والقانون وحب الوطن، وأسأل العديد من الزملاء: ما هي اخر نكتة ؟ فيأتي الردّ ساخراً مع المطالبة " العادلة" لرئيس جمهوريتنا بان يرتفع راتبه من 20 مليون دينار شهريا، الى سبعة وعشرين مليون دينار لتحسين وضعه المعيشي، وعليك أن لا تصاب بالحيرة او الدهشة عزيزي القارئ فما قيمة سبعة ملايين دينار عراقي امام المليارات التي لفلفها " المدلل " نور زهير والتي حول بعضا منها الى فضائية تناقش اوضاع العراق وتطالب بالنزاهة والإصلاح؟.

وقبل ان نضحك على خيباتنا، اسمحوا لي ان انقل لكم هذا الخبر الذي يقول، إن مبيعات البنك المركزي العراقي بلغت أكثر من 80 مليار دولار في مزاد العملة خلال العام الماضي 2024.

ولا تسأل اين ذهبت هذه الاموال التي يمكنها ان تعيد بناء العراق " طابوقة، طابوقة " ؟، ولهذا اسمحوا لي ان احيي السادة القائمين على خزينة هذه البلاد، الذين استطاعوا ان يدفعوا بعدد من اللصوص الى الدخول الى قائمة اثرياء العصر الديمقراطي الجديد.

ومن هنا لا أتصور أنّ صاحب عقل أو ضمير يمكن أن يُصدّق ان الثمانين مليار دولار، استخدمت في مشاريع بناء وصحة وتجارة وتعليم، بل انها تحولت لشركات سرقت اموال العراقيين في وضح النهار، فكيف يمكن للمواطن البسيط أن يثق في مثل هذا الدجل الاقتصادي والسياسي المفضوح؟.

***

علي حسين

 

في المثقف اليوم