أقلام حرة
أكرم عثمان: قوة المحبة.. كيف تضاعف أعمال الخير قيمتك
وتغير حياتك وغيرك للأفضل
في زحمة الحياة وضجيج المسؤوليات والركض وراء الطموحات والأماني، يغفل كثيرون عن تلك القوة الخفية التي تمنح الوجود لوناً جميلاً وطعماً مختلفاً، إنها " قوة المحبة التي تكمن في داخلنا ". فالمحبة ليست كلمة عابرة نتبادلها في اللقاءات والمناسبات، ولا شعوراً مؤقتاً يسكن القلب لبعض الوقت وتتخلله القسوة في معظمها، بل هي سلوك عملي يتجلى في تفاصيل صغيرة، يترك أثراً كبيراً لا يمحى، وقيمة لها وقعها وبصمتها.
تخيل رجلاً مسناً يجلس وحيداً في الحديقة، تخلى عنه من عاش معهم سنوات عمره وقدم لهم من حياته كل ما يملكه من رعاية وخدمة وتربية، فهو الآن يفتقد من يؤنسه أو يبادله الحديث ويذكره بماض عاشه ووهب لغيره الكثير، وهو يفتقر لمن يخدمه ويسر حياته ويدخل عليه السرور والسعادة. يقترب منه شاب مبتسم، يلقي التحية، يجلس بجانبه لبضع دقائق يتحدث معه ويسأله عن أحواله وصحته وأجمل ذكرياته التي عاشها عبر سنوات من سجلات الحياة. بعد أن يغادر، يبقى العجوز ينظر إليه بعين الامتنان والشكر، وكأن الحياة منحت روحه دفئاً إنسانياً بعد برودة الوحدة وقسوة أفرادها.
ذلك الشاب لم يقدم مالاً ولا جهداً كبيراً، لكنه منح ما هو أعمق: المحبة في صورة اهتمام بغيره، وربما أنقذ بتصرفه البسيط قلباً وحيداً من الغرق في العزلة والانكفاء بالنفس والغرق في تحديات همومها ومشاكلها.
ناهيك عن نشر الأنس والمشاعر الإيجابية في العمل الوظيفي، في العناية بمن نعمل معهم، نقف بجوارهم في السراء والضراء، نسهم في رفع ألم ينتابهم وندخل البهجة في نفوسهم، ونسرهم بابتساماتنا وكلماتنا التي كأنها بلسم على الجروح النازفة والنفوس المثقلة بالهموم والآهات.
هكذا تعمل المحبة والاهتمام بغيرنا مفاعيل السحر في العقول والقلوب، تسرها وتثلج الصدور وتحيطها قوة ومنعة، تحول الأرض القاحلة إلى خضراء، وتنبت النبت بعد الجفاف، وتزين النفس بعد الجفاء.
كل عمل نفعله بدافع صادق لمساعدة الآخرين، مهما بدا بسيطاً وهيناً، يضاعف قيمتنا ويمنح حياتنا معنى أعمق. ليس لأننا ننتظر مقابلاً لأفعالنا وممارساتنا، بل لأن العطاء يولد سعادة داخلية لا تساويها مكاسب الدنيا بمادياتها ولا يعادلها شيء. فالمشاعر المخلصة تصل إلى القلوب وتترك فيها بصمة وتأثيراً كبيراً في نفوس الآخرين.
إن المحبة تضاعف قيمتنا لأنها تجعلنا بعداً مهماً من قصص الآخرين. عندما نمنح حبنا واهتمامنا، نترك وجوداً في القلوب لا ينسى. فالمناصب تزول، والأموال تنفد، لكن الأثر الإنساني يبقى خالداً.
فالناس لا يتذكرون كلماتنا بقدر ما يتذكرون كيف جعلناهم يشعرون بالانبساط والبهجة في نفوس تتراكم فيها إحباطات وأحزان الحياة وبؤسها؟.
حين نمنحهم الأمان والطمأنينة والدعم في أوقات ضعفهم ومشكلاتهم، نزداد قيمة في نظرهم، وتتعاظم قيمتنا في نظر أنفسنا. ورسالتها وأفعالها وما نقدمه من مشاعر وأحاسيس نبيلة تعرف قيمتها في عيون من نتعامل معهم، وترفع معنوياتهم، وتلامس قلوباً تحتاج منا عظيم أفعال تدعم وتساند من يثقل الهم نفسه ويكثر عليه حمل الحياة.
ولكي نحيا بالمحبة كل يوم، يمكن أن نجعلها أسلوب حياة عملياً:
ابدأ صباحك بابتسامة مشرقة وبكلمة طيبة تبعث الأمل في قلب من حولك.
مارس أفعال العطاء الصغيرة، كأن تساعد زميلاً وتقف معه في محنته ومشكلاته.
أنصت بقلبك لا بأذنيك فقط، فالإصغاء الحقيقي الفعال أصدق صور المحبة والمشاعر الفياضة.
اصنع لحظات فرح بلا مقابل؛ لأبنائك، لعائلتك، لأصحابك ومعارفك، أو حتى لزميل أنهكه التعب وأضعفته نكد الحياة.
واختتم يومك بتأمل صادق: ما الذي فعلته اليوم بدافع المحبة والاهتمام بغيرك؟ وكيف يمكن أن أزيده غداً؟
إن الحياة قصيرة والأيام تمضي سريعاً، وما يبقى بعد رحيلنا ليس ما جمعناه، بل ما منحناه وقدمناه بمحبة خالصة وقلب صاف رقراق.
قد تكون كلمة، أو لمسة حنان، أو بشاشة، أو موقف عطاء يصدر من القلب.
فلنجعل حياتنا لوحة من ألوان العطاء، نترك فيها أثراً لا يمحوه الزمن.
عِش المحبة والقرب في كل يوم، فكل عمل نابع منها يضاعف قيمتك، لا عند الآخرين فقط، بل في أعماق نفسك وصميم فؤادك حيث يسكن المعنى الحقيقي للحياة وقيمتها.
***
د. أكرم عثمان
5-11-2025






