أقلام حرة

علاء اللامي: هل كان الحصري والرصافي طائفيين مع الجواهري؟

الجواهري في رسائل وشهادات.. ملحق (3)

هل كان الحصري والرصافي طائفيين مع الجواهري؟ كيف ذلك والرصافي يصف الجواهري بأنه "ربُّ الشعر"، والحصري عيَّن الشيعي مصطفى جواد في وظيفة الجواهري بعد فصله وساعده في الحصول على منحة لدراسة الدكتوراة في فرنسا؟

هل المواطنة درجات حسب الطائفة فعلا؟ أما القول إنَّ: "قانون الجنسية العراقية رقم42 لسنة 1924م عَدّ في فقراته ضمناً "أنَّ حامل شهادة التبعية العثمانية من أبناء السنة مواطن من الدرجة الأولى، وحامل شهادة التبعية الإيرانية الذين هم في الغالب من العرب الشيعة والأكراد الفيليين مواطن من الدرجة الثانية، على الرغم من كونهم مواطنين عراقيين عاشت أصولهم في العراق منذ مئات السنين"، كما يكتب د. نصير كريم كاظم، الباحث في المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف التابع للعتبة العباسية المقدسة، فهو قول فيه الكثير من الشطط والاعتساف. فإذا كان ثمة تفريق بين حملة شهادة التبعية العثمانية وذوي التبعية الإيرانية فهو تفريق إداري بحت بين حملة جنسية الدولة السابقة في العراق أي العثمانية بغض النظر عن طائفتهم وأصلهم القومي والذين سيحملون الجنسية العراقية تلقائيا وبين غيرهم ممن يحملون تبعية دول أخرى وليس بناء على التصنيف الطائفي. ولو افترضنا وجود عثمانيين من الشيعة فهم سيستحقون الجنسية الأساس تلقائيا بموجب القانون وهو قانون دولي وليس عراقي فقط. وهذا الكلام لا يعني قطعا انعدام حالات من التمييز وحتى الاضطهاد الطائفي الذي يمارسه موظفون أفراد هنا وهناك فمجتمع الملائكة لا وجود له على سطح الأرض!

وبناء على ما سبق فإن الأسرة الجواهرية يكون قد سرى عليها ما سرى على آلاف الأسر التي كانت تحسب نفسها على التبعية الإيرانية سواء كانت تحمل الجنسية الإيرانية أو لا تحملها والأرجح أنها كانت تحمل الجنسية الإيرانية بديل حيازة عدد من أفراد الأسرة لهذه الجنسية منهم شقيق الشاعر الجواهري الأكبر عبد العزيز الجواهري المولود في النجف والمتوفي في إيران سنة 1976، وما قاله الجواهري في مذكراته عن حصوله على الجنسية العراقية قبل تعيينه في وظيفته كما سيرد ذكره.

وفي هذا الصدد، تذكر بعض المصادر إنَّ هناك رسالة من الشاعر الجواهري إلى ساطع الحصري يعرض عليه فيها أو يخبره فيها بتخليه عن جنسيته الإيرانية والحصول على العراقية لضمان قبوله في وظيفة المعلم. ولكنني لم أتوصل الى نسخة من هذه الرسالة التي قيل إنها نشرت في تلك السنوات في مجلة "المعهد العلمي العراقي". ويمكن لهذه الرواية أن تحسم الجدل نهائيا حول موضوع حيازة الجواهري للجنسية الإيرانية من عدمها وبانتظار الحصول على هذا المصدر / الوثيقة سيبقى هذا القول مجرد استنتاجات مبنية على تحليلات ووقائع استعرضناها في الفقرات السالفة. وعموما فلدينا أدلة جديدة ومهمة من مذكرات الجواهري تفيد أنه تحصل فعلا على الجنسية العراقية قبيل تعينه معلما في الكاظمية وأمثلة أخرى تؤكد أنه افتخر بعروبته وعراقيته في أكثر من موضع في تلك المذكرات وسوف نتوقف عندها في موضع آخر من هذا النص.

شهادة أخرى مضادة من شاهد آخر:

ذكر د. رعد مقبل محمد حسن العبيدي في تعقيب له على مقالتي الأخيرة، بخصوص جنسية الجواهري والأزمة التي حدثت بينه وبين الحصري الآتي، وبحسب المعقب فقد وردت هذه المعلومات بصيغ متقاربة في عدد من مذكرات ذلك العهد ومنها مذكرات طه الهاشمي وجعفر العسكري وغيرهما: "إن الجواهري لم يكن يحمل الجنسية العراقية وإنما الإيرانية. وطلب ساطع الحصري من الجواهري ان يتجنس بالجنسية العراقية ليتمكن من تعيينه معلماً، لأن ساطع الحصري كان مدير المعارف العام. وبعد مجادلة بين الجواهري والحصري وافق الجواهري على طلب الجنسية العراقية وبعد حصوله عليها بتدخل والحاح وزير المعارف عبد المهدي المنتفكي عينه الحصري معلماً ولم يمض اسبوع واحد على تعيينه واذا به ينشر في جريدة الفيحاء بالحلة قصيدة شعوبية واضحة فاحتج مفتش المعارف نوري ثابت (حبزبوز) واشتكى عند الحصري فسأل الحصري الشاعر معروف الرصافي فأكد انها قصيدة شعوبية وتمجد الفرس فطلب الحصري من الجواهري ترك التعليم والانتقال الى وظيفة أخرى فرفض الجواهري مستندا الى دعم وزير المعارف عبد المهدي المنتفكي ونشأت ازمة بين الحصري ووالمنتفكي وانتهت بتدخل الوزير رشيد عالي الكيلاني الذي طلب من الحصري اعادة الجواهري الى الوظيفة على ان يقدم استقالة وبعد تدخل شخصيات دينية شيعية وتوسطها لدى الملك فيصل الذي وعد الجواهري بإعادة تعيينه في البلاط الملكي وهذا ما حدث، وانتهت المشكلة وكانت في سنة 1924.

وفي ستينيات القرن الماضي نشر ساطع الحصري كتابه (مذكراتي في العراق) وجاء على ذكر واقعة تجنس الجواهري وسبب فصله من التعليم فجن جنون الجواهري ونشر قصيدة سب فيها وشتم الحصري واتهمه بانه طائفي ولم يرد عليه الحصري وانما الذي رد عليه (الدكتور مصطفى جواد وكذب رواية الجواهري جملة وتفصيلا وقال الحصري كان علمانيا وما كان طائفيا ابدا بدليل انه عَينني (انا الشيعي) مكان الجواهري ولم يكتف بذلك بل هو الذي رشحني لمنحة دكتوراه في الادب العربي في فرنسا ولولا الحصري لما حصلت على المنحة ولما درست في فرنسا وكل ما ذكره الحصري عن واقعة تجنس الجواهري صحيح موثق في جلسات مجلس الوزراء سنة 1924 وقد اعاد ذكر تفاصيل ذلك اكثر من وزير في مذكراتهم منهم الهاشمي والعسكري) وكل ما ذكره د . مصطفى جواد جاء على لسانه في برنامج تلفزيوني كان يظهر فيه د. مصطفى جواد اسبوعياً".

إن هذه الشهادة للعبيدي تؤكد ما ذكرناه حول حصول الجواهري على الجنسية العراقية ولكننا لم نحصل بعد على دليل أو شهادة مؤكدة تؤكد أنه كان يحوز الجنسية الإيرانية وإنه تخلى عنها، وقد يفهم أن التخلي قد تم فعلا في سياق الحصول على الجنسية العراقية، وهذا محتمل جدا ولكني لا أجزم به دون دليل. ويخلص العبيدي في تعليقه المنشور على صفحتي إلى القول: "هذه الشهادة تفند اتهامات الجواهري للحصري جملة وتفصيلا وتنسف أقوال من اتهم وما زال يتهم ساطع الحصري بالطائفية ومحاربة الجواهري ولو لم تكن شهادة د. مصطفى صحيحة لرد الجواهري على د. مصطفى جواد ولكنه آثر السكوت ولم ينبس ببنت شفه فلماذا هذه الاتهامات الباطلة للحصري يعاد اجترارها من وقت لآخر"؟ انتهى الاقتباس.

 حين سألت الدكتور العبيدي عن توثيق ما قاله نقلاً عن مصطفى جواد أجابني: "كان دكتور مصطفى جواد وفؤاد عباس ودكتور حسين أمين يظهرون في برنامج تلفزيوني أسبوعي وفيه يقدمون موضوعا ويردون على أسئلة المشاهدين ولم يكن التلفزيون يصل إلا الى مناطق قريبة من بغداد وكنتُ في الثانوية وكنا نذهب مجموعة اصدقاء الى بغداد لمشاهدة برنامج د. مصطفى وفي يوم آخر نذهب لمشاهدة برنامج د. علي الوردي. وفي البرنامج سألنا هم على الزوبعة التي أثارها الجواهري بقصيدة السبِّ والشتم لساطع الحصري وكان رد مصطفى جواد ما ذكرته لك".

وتبقى هذه الشهادة معلقة لعدم تمكني من الوصول إلى توثيق ملموس لها كسابقتها في الوقت الحاضر، ولهذا سأضعها جانبا بشكل مؤقت بموجب منهجيتي البحثية. ولكن تبقى تحفظات مصطفى جواد التي نقلها د. العبيدي على اتهام الحصري بالطائفية، وهي الاتهامات التي وجهها له أيضا رفيقي الراحل هادي العلوي، تبقى هذه التحفظات ذات قيمة نقدية بينة وأهمية واضحة لناحية صحتها الفعلية أي الوقائعية في التاريخ؛ فمصطفى جواد نفسه هو فعلا عراقي شيعي "تركماني"، وإنه عين في التعليم في عهد الحصري وإنه أرسل لمنحة دكتوراة في الأدب العربي في فرنسا، وهذا ما يمنح هذا الجزء من شهادته صحة واضحة في الواقع التأريخي المعاش.

 ومثلها وصلتني شهادة أخرى من شخص قانوني عراقي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب تخصه وأتفهمها وأخبرني أنه تدخل قبل سنوات في نزاع بين أسرة الجواهري وأسرة نجفية أخرى على عقار في مدينة النجف. وخلال متابعته للموضوع واطلاعه على الوثائق الرسمية الخاصة بالملف وجد أن أسرة الجواهري تحمل الجنسية الإيرانية فعلا، ومثلها كانت أسر نجفية أخرى منها أسرة الحكيم تحمل هذه الجنسية، ولكن هذه الأسر النجفية الإيرانية الجنسية تبقى أقل كثيرا من الأسر المثيلة الكربلائية بسبب كثافة الوجود العشائري العربي في النجف. وللأسف، هذه الشهادة لا يمكنني أن آخذها على محمل البحث المنهجي الدقيق لافتقارها للدليل الملموس أولا، ولأن الشاهد رفض إعلان شهادته على الرأي العام ثانيا. ولكني أوردتها على سبيل العلم بها والرد عليها مع الاحترام والتقدير لمن قدمها. في الجزء القادم نستعرض "عروبيات الجواهري" في شعره، وما ذكره هو عن أصله العربي في نثره في مذكراته وهل كان الحصري فعلا قوميا على الطريقة النازية أم تلك كانت افتراءات وشنشنة هجائية أنتجها غضب الجواهري ومحبيه.

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

 

في المثقف اليوم