أقلام حرة

علجية عيش: لماذا يخجل العربيُّ من التحدث بلغته الأمّ في المحافل الدولية؟

هل يُصْلِحُ العَطّارُ ما أفسده الدَّهْرُ؟

منذ بعث الرسالة المحمدية، تابع الإسلام سيره مخترقا الحدود الطبيعية والجغرافية حتى وصل شرقا إلى إيران والهند والصين وغربا إلى إسبانيا، وشمالا إلى جزر البحر الأبيض المتوسط وبلاد الأناضول وأرض روسيا، وجنوبا إلى قلب أفريقيا وسواحلها الشرقية والغربية، غير أن العالمين العربي والإسلامي لم يعيشا عيشة الجسد الواحد، ولم يعملان بدستور الإسلام، هذا ما تؤكده العديد من الكتابات، فلم يعرف التاريخ مجتمعا نشأ سليما، أبيا مثل المجتمع العربي، ذلك أن المجتمع العربي أقبل في حماسة لكل ما يجلب له الخير والنفع، لقد كان العرب منذ أن ظهروا على مسرح الأحداث العالمية أصحاب رسالة سامية يدعون فيها إلى المحبة والإخاء، غير أنهم لم يستثمروا في أفكار غيرهم، فسقطوا في وحل التطرف كانت لهم الفرصة ولا تزال، بدلا من أن يتصارعوا فيما بينهم أن يحولوا هذا الصراع نحو أعدائهم الذين يقتلون الأبرياء من أطفال فلسطين وغزة وفي البلدان الأخرى التي لا تزال تعيش تحت نير الإستعمار وتعاني من المجاعة والأمراض بسبب الفقر.
فالسيطرة الغربية اليوم تشكل تحديا مستمرا لكل الشعوب علميا وعسكريا وسياسيا وصناعيا وروحيا، وهو الأمر الأكثر خطرا من كل هذه التحديات، لأن القومية الغربية لا تزال محافظة على دينها رغم أنه دين باطل، وبعقيدتها المزعومة توسعت دائرتها، في الوقت الذي تتعرض القومية العربية إلي الذوبان، إن لم نقل لم يعد لها أثر في الساحة، بسبب التطبيع مع الكيان، لأن الغرب بقيادة أمريكا زرع الانقسامية، حيث قسّم العرب إلي مشرق عربي ومغرب عربي، وهي كما يقول مفكرون قسمة عنصرية لا علاج لها، فبقي الشرق شرق والغرب غرب، ولن يلتقيا، وفي ظل هذه الانقسامية وكما يقول برهان غليون يزداد إيمان الشعوب الضعيفة بعجزها وفقر ثقافتها، ويترسخ لديها النزوع إلي الاقتداء وتقليد الغالب في شعاره وزيّه ونحلته وسائر أحواله، وأدّي بها هذا التقليد إلي فقدان هويتها وانسلاخها عن قوميتها، والاستسلام لفكرة القبول بحتمية التخلف التاريخي والعنف والبربرية.
هذا ما قاله برهان غليون، ولم تخطئ رؤيته لأن ما شهدناه وما نشهده إلى الأن من حروب أهلية في البلدان العربية وتفرقها، لخير دلالي علي الإنهزامية التي يشهدها العالم العربي، الفارق شاسع طبعا بين القومية العربية التي تعيش اليوم الانحدار والانحطاط والانهيار والقوميات الأخرى، ذكرها بِندكت أندْرسن (أكاديمي ايرلندي) في كتابه: الجماعات المتخيلة " تأملات في أصل القومية وانتشارها " حيث أرجع الأسباب إلي الهجرات وما تنتجه من هويات، أصبح العربي يخجل من أن يقول: " أنا عربيّ"، وذكر هذا الكاتب أمثلة، كانت أسئلة طرحها علي تلامذته، وهم شباب مغتربون في أمريكا هاجروا من أجل التحصيل العلمي، فكان رد أحدهم وهو من سنغافورا وبغضب شديد: " أنا سنغافوري وأعتز بهويتي وقوميتي، اللعنة، لقد تعبتُ من الأمريكيين الذين يحسبونني صينيا، لست صينيا"، طبعا هو الإعتزاز بالهوية في قمّة أشكالها، لأن الصيني في أمريكا يحسب نفسه أمريكيا، فأمريكا ودويلاتها شكلت ما سمّاه هذا الباحث بـ: "القوميات الكريولية" وهي الأن رغم توسعها تريد التوسع أكثر.
هي في نظره "ظاهرة عالمية" ولها أثر جانبي غير متوقع، فكثير من الأمم اليوم تتقاسم اللغة الإسبانية والفرنسية والإنجليزية، والصينية وحتي اللغة العبرية، وهذه القوميات تتجه الأن نحو "القومية الرسمية" (القومية العالمية)، لأن أمريكا تريج عولمة القوميات وجمعيها في قومية واحدة بهده القضاء علي القومية العربية الإسلامية، وهذه واحدة من المخططات التي تعمل للقضاء على الإسلام كدين سماوي، حيث ظلت القومية العربية تتصارع فيما بينها (هذا شيعي وذاك سُنّي، وهؤلاء عرب مسيحيون...الخ)، واختلفوا في نوع ثقافتهم إن كانت ثقافة عربية أم ثقافة إسلامية، وراحوا يستلهمون قيمهم من ثقافات أخرى، تبنوا خطابا معاديا، غير معتدلٍ فتناحروا وكفّر بعضهم بعضا، رغم أنهم شعب واحد جمعتهم اللغة والتاريخ والجغرافيا والمصالح، لكنهم فقدوا هذه العناصر فعجزوا عن النهوض بنهضتهم التي ضيعوها في فترة ازدهارهم، لدرجة أننا نجد العربي (المسؤول) اليوم يخجلُ من أن يتكلم بلسان قومه أي لغته الأمّ (اللغة العربية الفصحي) ويخاطب بها الأخر في اللقاءات الدولية الرسمية وأمام الرأي العام الدولي، وكاميرا الصحف العالمية، فهل يصلح العطّار ما أفسده الدهرُ؟
***
علجية عيش

في المثقف اليوم