أقلام حرة

ثامر الحاج امين: صور من النزاهة في العراق

لا يختلف منصفان على ان النزاهة هي تتويج للصدق والقيم الأخلاقية العالية، كما هي أساس التنمية في المجتمعات وبناءها على أسس سليمة تستطيع مواجهة الأزمات الاقتصادية والظروف الطارئة، وقد ظلت النزاهة والى وقت قريب واحدة من أبرز سمات الجهاز الإداري العراقي، ففي العهد الملكي كانت هناك مؤسسات دستورية وقانونية وإدارة مالية مستقلة مع وجود نظام رقابة مالية صارم يشرف على الأداء الحكومي، ويتداول العراقيون حكايات كثيرة عن النزاهة لأول وزير مالية للعراق في العصر الحديث هو العراقي اليهودي " ساسون حسقيل 1860 ــ 1932 " الذي استلم وزارة المالية عام 1921 واضطلع بدور في تأسيس الدولة العراقية ووضع ركائزها الأساسية، وتدور هذه  الحكايات عن حرصه الشديد على المال العام وأمانته في الصرف وشدته وإصراره على رأيه وتدقيقه في مصروفات الدولة العراقية ومنها أنه عندما طلب منه الملك فيصل الأول (1921-1933) صرف مبلغا لبناء مدرسة ابتدائية في مدينة الديوانية رفض حسقيل ذلك قائلا للملك "لقد أقرّت الميزانية في مجلس النواب وليس هناك مجال للتلاعب بأي رقم، ولا يختلف الحال في مطلع العهد الجمهوري حيث يذكر المعماري العراقي " محمد مكية  "  في الصفحة 178 من كتابه (خواطر السنين) الذي دوّن فيه سيرته ويومياته عن محلته البغدادية (محلة صبابيغ الآل) انه كان في لجنة المتقدمين للدراسة المعمارية وان المعمارية الراحلة " زهاء محمد حديد " كانت ضمن المتقدمين مع توصية من العلامة احمد سوسة بطلب من والدها الذي كان وزيرا للمالية بعد 1958 ومع تعاطفه لقبولها بالانتماء الى المدرسة المعمارية الا ان نسبة معدلها كانت اقل من المتقدمين الآخرين، لذا انتظر فرصة انسحاب احد المتقدمين حتى يتم قبولها وفقا للأصول المرعية، تخيل النزاهة والأمانة في الترشيح للمجالات العلمية في السابق  وبين معايير الترشيح للوزارات والسفارات التي يتم اعتمادها اليوم، ومن قصص نزاهة الأمس هناك قصة لا ندري مدى صحتها تقول انه في العام 1964 م وحين كان الفريق طاهر يحيى رئيساً للوزراء أصدر أمراً تحريرياً بصرف مبلغ (50) خمسون ديناراً عن قيمة نثرية لمكتب رئيس الوزراء لتدارك نفقات شراء القهوة والشاي لضيوف مكتب رئيس الوزراء، ولكن حين وصلت المعاملة الى الخزينة المركزية فقد رفضها احد موظفي التدقيق ويدعى (كريم عبدالله) وهو موظف من الدرجة السابعة (كاتب تدقيق حسابات) يحمل شهادة الدراسة المتوسطة، فرفض الموافقة على صرف المبلغ، وكتب على ظهر مذكرة مستند الصرف (إنها دائرة حكومية وليست مقهى ومن اراد أن يضيّف الآخرين عليه أن يضَيّفهم من جيبه الخاص وليس من أموال الخزينة العامة التي هي مال الشعب) وبعد يومين أرسل رئيس الوزراء طاهر يحيى شخصياً (إعتذاراً) للموظف وطلب من وزير المالية منحه قِدَماَ لمدة ستة أشهر تقديراً لنزاهته وحرصه على المال العام، وتم تعميم الكتاب وصورة مطالعة الموظف على ظهر مذكرة مستند طلب الصرف على جميع دوائر الدولة في العراق .

يقول محاضر التنمية البشرية الأمريكي " زيغ زيغلر " (صحيح ان النزاهة وحدها لن تجعلك قائدا، لكن أيضا بدون النزاهة لن تكون قائدا) .

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم