أقلام حرة
ثامر الحاج امين: الندم.. الابصار المتأخر

ليس من المعقول ان يعيش الانسان حياته بدون ان يمر يوما ما بحالة من الشعور بعدم الرضا عن النفس أو تأنيب الضمير بسبب بعض الافعال أو الأقوال الصادرة عنه، ذلك ان الانسان طالما يعمل ويجتهد فهو عرضة للخطأ، وقد يكون هذا الخطأ على درجة من الجسامة يدفع بسببه ثمنا باهضا ماديا كان او معنويا يقوده في النهاية الى الندم، والندم كما هو معروف شعورٌ يصيب الإنسان حينما يقوم بفعلٍ يكتشف انه غير صحيح، وليس بالضرورة ان يأتي الندم واحساس الشخص بالذنب نتيجة ارتكابه لفعل مخالف انما قد يكون بسبب فعل لم يقدم عليه أو كما يقول برناردشو (الندم لا يقتصر على التصرفات الخاطئة فكثيرا ما نشعر بالندم على تصرفات صحيحة) فكم من تضحيات قدمتها للبعض وقابلوها بالنكران والخيانة او اسداء معروف لأشخاص لا يستحقون، وكذلك الندم على التفريط بالفرص ومنها اللحظات الجميلة التي لا تشعر بقيمتها وعظمتها الا بعد فوات الأوان أي الندم على فعل لم يسارع الشخص الى تنفيذه ولم يغتنم الفرصة واكتشف لاحقا انه كان مغفلا حينما تقاعس عن ادائه وهو ما جسده الشاعر السياب في قوله :
كيف ضيعتك في زحمة أيامي الطويلة
لم أحل الثوب عن نهديك في ليلة صيف مقمرة
*
ضيعتك آه يا جميلة
انه ذنبي الذي لن اغفره
فكلمات السياب تعكس لوعة الشعور بالندم على اشياء لم يفعلها ولم يدرك حينها ان الذي يمضى لن يعود وكان عليه ان يكون شجاعا وجسوراً في اقتحام حاجز الخوف واعتلاء اسوار مملكته الساحرة فلا ينفع الندم بعدما فرط بالفوز العظيم وهذا ما اشعل في نفسه الرغبة في البوح والحديث عن تلك الغفلة التي عاشها قبله الشاعر ابو تمام وقال فيها:
البينُ جرّعني نقيعَ الحنظلِ
والبينُ أثكلني وإنْ لم أثكلِ
*
ما حسرتي أنْ كدتُ أقضي انما
حَسرَاتُ نَفْسي أنَّني لم أفْعلِ
المنتصرين فقال: وكذلك ما حذّر منه الشاعر ابو الحسن الجرجاني حينما وجد نفسه خائبا وسط زحمة
اذا انت لم تزرع وأبصرت حاصداً
ندمت على التفريط في زمن البذر
لقد استحوذ الندم على صفحات ليست بالقليلة من تاريخ الشعر العربي ومن أبرزها ما جاء في قصة الشاعر" ديك الجن" وهو شاعر عباسي أقدم على قتل حبيبته وزوجته (ورد)، إثر _خيانة مزعومة_ دون أن يتأكد منها، وعندما تبيّن له الحقيقة ندم على قتلها طوال حياته:
ما كان قتليها لأنّي لم أكن.. أبكي إذا سقط الذباب عليها
لكن ضننت على العيون بحسنها.. وأنفت من نظر الحسود إليها
أما الشاعر علي بن أحمد بن محمد معصوم الحسني الشهير بابن معصوم وهو عالم بالأدب والشعر والتراجم فهو يدعو الى التحلي بالصبر والهدوء وعدم الركون الى الندم فكل ما يجري ــ حسب اعتقاده ــ هو مكتوب ومقدّر وبالتالي لا مفر منه:
دَع النَّدامةَ لا يذهب بك النَّدَمُ
فَلستَ أَوَّلَ من زَلَّت به قَدمُ
*
هيَ المَقاديرُ والأَحكامُ جاريةٌ
وَللمهيمن في أَحكامه حِكم
ووسط الكم الكبير من التقريع للمكتوي بنار الندم نجد هناك من يحاول ان يجبر بخاطره ويهّون الأمر عليه ويسعى الى انتشاله من الحزن والضيق فيقول له متعاطفا (الندم ليس عيبا بل دليل قاطع على إنك شخص لديه ضمير) فلا بأس أن نفهم الأشياء في وقت متأخر .
***
ثامر الحاج امين